عمدة القاري شرح صحيح البخاري

111 - (سورةُ {تبت يدا أبي لَهب} (المسد: 1)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض شَيْء مِمَّن سُورَة {تبت يدا أبي لَهب} (المسد: 1) وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ سُورَة، وَهِي مَكِّيَّة، وَهِي سَبْعَة وَسَبْعُونَ حرفا، وَثَلَاث وَعِشْرُونَ كلمة، وَخمْس آيَات وَأَبُو لَهب بن عبد الْمطلب واسْمه عبد الْعزي وَأمه خزاعية وكنى أَبَا لَهب فَقيل: بِابْنِهِ لَهب، وَقيل: لشدَّة حمرَة وجنتيه وَكَانَ وَجهه يتلهب من حسنه وَوَافَقَ ذَلِك مَاتَ آل إِلَيْهِ، أمره وَهُوَ دُخُوله { (111) نَارا ذَات

(20/6)


لَهب} (المسد: 3) وَكَانَ من أَشد النَّاس عَدَاوَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَمَادَى على عداوته حَتَّى مَاتَ بعد بدر بأيام وَلم يحضرها بل أرسل عَنهُ بديلاً فَلَمَّا بلغه مَا جرى لقريش مَاتَ غما.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
تثبت الْبَسْمَلَة لأبي ذَر.
وتَبَّ: خَسِرَ تَبَابٌ: خُسْرَانٌ: تَتْبِيبٌ: تَدْمِيرٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَتب مَا أغْنى عَنهُ مَاله} (المسد: 1 2) وَفسّر: (تب) بقوله: (تباب) بقوله (خسران) وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كيد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تباب} وَأَشَارَ بقوله (تتبيب) إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا زادوهم غير تتبيب} (هود: 101) أَي: غير تدمير، أَي غير هَلَاك، وَالْوَاو فِي وَتب للْعَطْف فَالْأول دَعَاهُ وَالثَّانِي خبر، وَلَفظ: يَد أَصله تَقول الْعَرَب: يَد الدَّهْر وَيَد الرزايا، وَقيل: المُرَاد ملكه وَمَاله، يُقَال: فلَان قَلِيل ذَات الْيَد، يعنون بِهِ المَال، وَقيل: يذكر الْيَد وَيُرَاد بِهِ النَّفس من قبيل ذكر الشَّيْء بِبَعْض أَجْزَائِهِ.

1 - (بَاب)

1794 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ مُوسى احدثنا أبُو أُسامةَ حَدثنَا الأعْمَشُ حدَّثنا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عنْهما، قَالَ: لما نَزَلَتْ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ورهْطَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِين} (الشُّعَرَاء: 412 512) خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حتَّى صعَدَ الصَّفا فَهَتَفَ: يَا صبَاحاهْ {فقالُوا: مَنْ هاذا؟ فاجْتمَعُوا إليْهِ، فَقَالَ: أرَأيْتُمْ إنْ أخبَرتُكُمْ أنَّ خيْلاً تَخْرُجُ مِنْ صَفْحِ هاذا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِي؟ قالُوا: مَا جَرَّبْنا عَلَيْكَ كذبا قَالَ: فإِنِّي { (34) نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد} (سبأ: 64) قَالَ أبُو لَهَبٍ: تبّا لكَ} مَا جَمعتَنا إِلَّا لِهذا؟ ثمَ قامَ فَنَزَلَتْ: تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد: 1) وقَدْ تَبَّ، هاكذا قَرَأَهَا الأعْمَشُ يَوْمَئِذٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه بَيَان سَبَب نزُول السُّورَة. يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الْكُوفِي، مَاتَ بِبَغْدَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهَذَا من مُرْسل الصَّحَابِيّ لِأَن ابْن عَبَّاس لم يخلق حِينَئِذٍ.
والْحَدِيث قد قتدم بِتَمَامِهِ فِي مَنَاقِب قُرَيْش، وببعضه فِي الْجَنَائِز.
قَوْله: (ورهطك مِنْهُم المخلصين) أما تَفْسِير لقَوْله: عشيرتك، وَإِمَّا قِرَاءَة شَاذَّة رَوَاهَا، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس، وَقَالَ النَّوَوِيّ عبارَة ابْن عَبَّاس مشعرة بِأَنَّهَا كَانَت قُرْآنًا ثمَّ نسخت تِلَاوَته. قَوْله: (فَهَتَفَ) أَي: صَاح. قَوْله: (يَا صَبَاحَاه {) هَذِه كلمة يَقُولهَا المستغيث، وَأَصلهَا إِذا صاحوا اللغارة لأَنهم أَكثر مَا كَانُوا يغيرون بالصباح ويسمون يَوْم الْغَارة يَوْم الصَّباح، وَكَانَ الْقَائِل: يَا صَبَاحَاه، يَقُول: قد غشينا الْعَدو. قَوْله: (من سفح) بِالسِّين أَو الصَّاد: وَجه الْجَبَل وأسفله.

2 - (بابٌ قوْلُهُ {وَتب مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب} (المسد: 1 2)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَتب مَا أغْنى عَنهُ} (المسد: 1 2) أَي: عَن أبي لَهب مَاله من عَذَاب الله، وَقيل: مَاله أغنامه، وَكَانَ صَاحب سَائِمَة. قَوْله: (وَمَا كسب) قَالَ الثَّعْلَبِيّ: يَعْنِي: وَلَده لِأَن وَلَده من كَسبه، وَقَالَ النَّسَفِيّ كلمة: مَا، مَوْصُولَة يَعْنِي: وَالَّذِي كسب من الْأَمْوَال والأرباح، وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة يَعْنِي: وَكَسبه.

2794 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ أخبرَنا أبُو مُعاوِيةَ حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ عَمْرو بن مُرَّةَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَرَجَ إِلَى البَطْحاءِ فصَعِدَ إِلَى الجَبَلِ فَنادَى: يَا صبَاحاهْ} فاجْتمَعَتْ إليْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ: أرَأيْتُمْ إنْ حَدَّثْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أوْ مُمَسِّيكُمْ أكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فإِنِّي { (34) نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد} (سبأ: 64) فَقَالَ أبُو لَهَبٍ: ألهَذا جَمَعْتَنا؟ تبّا لَكَ. فأنْزَلَ الله عزَّ وجلَّ تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد: 1) آلى آخِرها.

(20/7)


هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه من طَرِيق آخر عَن مُحَمَّد بن سَلام بتَشْديد اللَّام عَن أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم الضَّرِير عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش إِلَى آخِره.
قَوْله: (إِلَى الْبَطْحَاء) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وبطحاء مَكَّة وأبطحها مسيل واديها وَيجمع على البطاح والأباطح. قَوْله: (مصبحكم) من التصبيح وممسيكم من الإمساء قَوْله: (تصدقوني) ويروي: تصدقونني.

3 - (بابٌ قوْلُهُ: {نَارا ذَات لَهب} (المسد: 3)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: سيصلى أَي: أَبُو لَهب سيدخل نَارا ذَات لَهب، وَالسِّين فِيهِ للوعيد إِذْ هُوَ كَائِن لَا محَالة وَإِن تَأَخّر وقته.

4 - (بابٌ {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} (المسد: 4)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} (المسد: 4) قَرَأَ عَاصِم: حمالَة، بِالنّصب على الذَّم وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْع على تَقْدِير: سيصلى نَارا هُوَ وَامْرَأَته، وَتَكون امْرَأَته، عطفا على الضَّمِير فِي سيصلى، وحمالة بدل مِنْهَا، وَقد ذكرنَا أَن امْرَأَته أم جميل بنت حَرْب أُخْت أبي سُفْيَان، وَقَالَ الضَّحَّاك: كَانَت تنشر السعدان على طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيطؤه كَمَا يطَأ أحدكُم الْحَرِير، وَعَن مرّة الْهَمدَانِي: كَانَت أم جميل تَأتي كل يَوْم بحزمة من الحسك والشوك والسعدان فتطرحها على طَرِيق الْمُسلمين، فَبَيْنَمَا هِيَ ذَات يَوْم بحملة أعيت فَقَعَدت على حجر تستريح، فَأتى ملك فجذبها من خلفهَا فأهلكها.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: حَمَّالَةَ الحطَبِ: تَمْشِي بالنَّمِيمةِ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وامرأتُه حمالةَ الْحَطب} (المسد: 4) كَانَت تمشي بالنميمة، رَوَاهُ عبد بن حميد عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَكَانَت تنم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه إِلَى الْمُشْركين، وَقَالَ الْفراء: كَانَت تنم فتحرش فتوقع بَينهم الْعَدَاوَة، فكنى عَن ذَلِك: بحمالة الْحَطب.
فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} (المسد: 5) يقالُ: مَسَدٍ لِيفِ المُقْلِ، وهْيَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النّار

هَذَانِ قَولَانِ حَكَاهُمَا الْفراء الأول: معنى قَوْله: (فِي جيدها حَبل من مسد) (المسد: 4) أَي: فِي عُنُقهَا حَبل من لِيف الْمقل، هَذَا كَانَ فِي الدُّنْيَا حِين كَانَت تحمل الشوك. وَالثَّانِي: أَن معنى قَوْله: من مسد، هِيَ السلسلة الَّتِي فِي النَّار، وَهُوَ فِي الْآخِرَة عَن ابْن عَبَّاس وَعُرْوَة: سلسلة من حَدِيد ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا تدخل من فِيهَا وَتخرج من دبرهَا وتلوى سائرها فِي عُنُقهَا، وَالله أعلم.

211 - (سورَةُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الْإِخْلَاص: 1)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض شَيْء من سُورَة {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) تسمى سُورَة الْإِخْلَاص: وَهِي مَكِّيَّة، مَدَنِيَّة، وَهِي سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ حرفا، وَخمْس عشرَة كلمة، وَأَرْبع آيَات. نزلت لما قَالَت قُرَيْش أَو كَعْب بن الْأَشْرَف أَو مَالك بن الصعب أَو عَامر بن الطُّفَيْل العامري: أنسب لنا رَبك.
يُقالُ: لَا يُنَوَّنُ (أحَدٌ) أيْ: واحِدٌ

أَي: قد يحذف التَّنْوِين من: أحد، فِي حَال الْوَصْل فَيُقَال: هُوَ الله أحد الله، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(فألقيته غير مستعتب ... وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا)

قَوْله: (أَي: وَاحِد) تَفْسِير. قَوْله: (أحد) . أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا، وَهَذَا قَول قَالَه بَعضهم، وَالصَّحِيح الْفرق بَينهمَا، فَقيل: الْوَاحِد بِالصِّفَاتِ والأحد بِالذَّاتِ، وَقيل: الْوَاحِد يدل على أزليته وأوليته لِأَن الْوَاحِد فِي الْأَعْدَاد ركنها وَأَصلهَا ومبدؤها، والأحد يدل على تميزه من خلقه فِي جَمِيع صِفَاته وَنفي أَبْوَاب الشّرك عَنهُ، فالأخذ لنفي مَا يذكر مَعَه من الْعدَد،

(20/8)


وَالْوَاحد اسْم لمفتح الْعدَد، فأحد يصلح فِي الْكَلَام فِي مَوضِع الْجُحُود، وَالْوَاحد فِي مَوضِع الْإِثْبَات، تَقول: يأتني مِنْهُم أحد، وَجَاءَنِي مِنْهُم وَاحِد وَلَا يُقَال: جَاءَنِي مِنْهُم أحد لِأَنَّك إِذا قلت: لم يأتني مِنْهُم أحد فَمَعْنَاه أَنه لَا وَاحِد أَتَانِي وَلَا إثنان، وَإِذا قلت: جَاءَنِي مِنْهُم وَاحِد، فَمَعْنَاه أَنه لم يأتني اثْنَان، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أحد فِي الأَصْل وَاحِد.

4794 - حدَّثنا أبُو اليمَانِ حدَّثنا شعَيْبٌ حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قَالَ الله تَعَالَى: كذَّبَني ابنُ آدَمَ وَلَمْ يكُنْ لَهُ ذالِكَ، وشَتَمَني ولَمْ يَكُنْ لَهُ ذالِكَ، فأمَّا تَكذِيبُهُ إيَّايَ فقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأنِي، ولَيْسَ أوَّلُ الخَلْقِ بأهْوَنَ علَيَّ مِنْ إعادَتِه؛ وأمَّا شَتْمُهُ إيَّاي فقَوْلَهُ: { (2) اتخذ الله ولدا} (الْبَقَرَة: 611) وَأَنا الأحَدُ الصَّمَدُ لَمْ ألِدْ ولَمْ أولَدْ ولَمْ يَكُنْ لِي كُفْئا أحَدٌ.
(انْظُر الحَدِيث 3913 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث قد مضى فِي سُورَة الْبَقَرَة فِي: بَاب {قَالُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ} (الْبَقَرَة: 611) عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن عبد الله بن أبي حُسَيْن عَن نَافِع بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس نَحْو رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (وَشَتَمَنِي) الشتم توصيف الشَّخْص بارزاء وَنقص فِيهِ لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بِالنّسَبِ.

2 - (بابٌ قوْلُهُ اللَّهُ الصَّمَدُ} (الْإِخْلَاص: 2)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل {الله الصَّمد} (الْإِخْلَاص: 2) وَلم تثبت هَذِه التَّرْجَمَة إلاّ لأبي ذَر.
والعَرُبُ تُسَمِّي أشْرَافَها الصَّمَد. قَالَ أبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الذِي انْتَهَى سُودَدُهُ

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن معنى الصَّمد عِنْد الْعَرَب الشّرف، وَلِهَذَا يسمون رؤساءهم: الْأَشْرَاف بالصمد. وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ السَّيِّد الَّذِي قد كمل أَنْوَاع الشّرف والسؤدد، وَقيل: هُوَ السَّيِّد الْمَقْصُود فِي الْحَوَائِج، تَقول الْعَرَب: صمدت فلَانا أصمده صمدا، بِسُكُون الْمِيم: إِذا قصدته والمصمود صَمد، وَيُقَال: بَيت مصمود إِذا قَصده النَّاس فِي حوائجهم. قَوْله: (وَقَالَ أَبُو وَائِل) بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف كنية شَقِيق بن مسلمة، وَهَذَا ثَبت النَّسَفِيّ هُنَا، وَقد ذكر فِي تَفْسِير الصَّمد مَعَاني كَثِيرَة.

5794 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ منْصُورٍ قَالَ: وَحدثنَا عبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرَنا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله: كذَّبَنِي ابنُ آدَمَ ولَمْ يَكُنْ لَهُ ذالِكَ، وشَتَمَني ولَم يَكُنْ لَهُ ذالك؛ أمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّاي أنْ يقُولَ: إنِّي لَنْ أعِيدَهُ كَما بَدَأْتُهُ، وأمَّا شَتْمُهُ إيَّاي أنْ يقُولَ { (2) اتخذ الله ولدا} (الْبَقَرَة: 611) وَأَنا الصَّمدُ الّذِي لَمْ أَلِدْ ولَمْ أُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤا أحَدٌ.
(انْظُر الحَدِيث 3913 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور أخرجه عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور الْمروزِي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (كَذبَنِي ابْن آدم) ، أَي: بعض بني آدم، وَالْمرَاد بهم المنكرون للبعث من مُشْركي الْعَرَب وَغَيرهم من عباد الْأَوْثَان وَالنَّصَارَى. قَوْله: (وَلم يكن لَهُ ذَلِك) ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَلم يثبت لبَقيَّة الروَاة عَن الْفربرِي، وَكَذَا النَّسَفِيّ. قَوْله: (أما تَكْذِيبه إيَّايَ أَن يَقُول) الْقيَاس: أَن يُقَال: فَأن يَقُول، بِالْفَاءِ وَهَذَا دَلِيل من جوز حذف الْفَاء من جَوَاب أما قَوْله: (وَلم يكن لي كُفؤًا أحد) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلم يكن لَهُ، بطرِيق الِالْتِفَات.
كُفُؤا وكَفيئا وكِفاءً واحدٌ

(20/9)


أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن كفوا بِضَمَّتَيْنِ بِدُونِ الْهمزَة، وكفيئا على وزن فعيل. وكفاءً على وزن فعال بِالْكَسْرِ بِمَعْنى وَاحِد، والكفؤ الْمثل والنظير وَلَيْسَ لله عز وَجل كفؤ وَلَا مثيل وَلَا شَبيه، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي قَوْله: وَلم يكن لَهُ كُفؤًا أحد، على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَي لَيْسَ لَهُ أحد كُفؤًا. وَقَرَأَ حَمْزَة وَيَعْقُوب: كفئا، سَاكِنة الْفَاء ممهوزة وَمثله رُوِيَ الْعَبَّاس عَن أبي عَمْرو وَإِسْمَاعِيل عَن نَافِع وَحَفْص عَن عَاصِم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الْفَاء وَفتح حَفْص الْوَاو بِغَيْر همزَة، وَرُوِيَ فِي الشواذ عَن سُلَيْمَان بن على أَنه قَرَأَ: كفاء، بِكَسْر ثمَّ مد، وَرُوِيَ عَن نَافِع مثله لَكِن بِغَيْر مد.

311 - (سورَةُ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (الفلق: 1)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض شَيْء من سُورَة: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} (الفلق: 1) وَفِي بعض النّسخ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} من غير ذكر سُورَة وَفِي بَعْضهَا وَفِي بَعْضهَا سُورَة الفلق.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
لم تثبت الْبَسْمَلَة إِلَّا لأبي ذَر.
وَهِي مَدَنِيَّة فِي قَول سُفْيَان وَفِي رِوَايَة همام وَسَعِيد عَن قَتَادَة مَكِّيَّة وَكَذَا قَالَه السّديّ وَقَالَ سُفْيَان الفلق وَالنَّاس تزلتا فِيمَا كانلبيد بن الأعصم سحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقصته مسهورة فِي التفاسير وَهِي أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ حرفا وَثَلَاث وَعِشْرُونَ كلمة وَخمْس آيَات والفلق الصُّبْح كَذَا روى عَن ابْن عَبَّاس وَعنهُ سجن فِي جَهَنَّم وَعَن السّديّ جب فِي جَهَنَّم وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يرفعهُ بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ الفلق جب فيجهنم مغطى وَعَن كَعْب الْجب بَيت فِي جَهَنَّم إِذا فتح صَاح أهل النَّار من شَرّ حره وَقيل غير ذَلِك.
{وَقَالَ مُجَاهِد الفلق الصُّبْح وغاسق اللَّيْل إِذا وَقب غرُوب الشَّمْس يُقَال أبين من فرق وفلق الصُّبْح وَقب إِذا دخل فِي كل شَيْء وأظلم}
أَي قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} أَن الْغَاسِق اللَّيْل وَإِذا وَقب غرُوب الشَّمْس وَكَذَا روى عَن أبي عُبَيْدَة ووقب من الوقوب وَهُوَ غرُوب الشَّمْس وَالدُّخُول فِي موضعهَا وَيُقَال وَقب إِذا دخل فِي كل شَيْء وأظلم وَهُوَ كَلَام الْفراء وَكَذَا قَوْله يُقَال أبين من فرق وفلق الصُّبْح من كَلَام الْفراء.

472 - حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا سُفْيَان عَن عَاصِم وَعَبدَة عَن زر بن حُبَيْش قَالَ سَأَلت أبي بن كَعْب عَن المعوذتين فَقَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي فَقلت فَنحْن نقُول كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وسُفْيَان وَهُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَاصِم هُوَ ابْن أبي النجُود بِفَتْح النُّون وَضم الْجِيم وبالمهملة أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة وَعَبدَة ضد الْحرَّة ابْن أبي لبَابَة بِضَم اللَّام وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة الأولى الْأَسدي وزر بِكَسْر الزَّاي وَشدَّة الرَّاء ابْن جبيش مصغر الْحَبَش بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة قَوْله: (عَن المعوذتين) بِكَسْر الْوَاو وَمعنى السُّؤَال عَنْهُمَا لأجل قَول ابْن مَسْعُود أَن المعوذتين ليستا من الْقُرْآن فَسَأَلَ عَنْهُمَا من أَبى من هَذِه الْجِهَة فَقَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قيل لي أعوذ أَي إقرأنيهما جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يعْنى أَنَّهُمَا من الْقُرْآن قَوْله (فَنحْن نقُول) من كَلَام أبي رضى الله تَعَالَى عَنهُ.

(سُورَة {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} )
أَي هَذَا فِي تَفْسِير بعض شَيْء من سُورَة (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) وَفِي بعض النّسخ لم يذكر لفظ: سُورَة وَفِي بَعْضهَا بِسُورَة النَّاس، وَهِي مَدَنِيَّة، وَهِي تِسْعَة وَتسْعُونَ حرفا، وَعِشْرُونَ كلمة، وست آيَات.
ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: الوَسْوَاسِ إذَا وُلِدَ خَنَسَةُ الشّيْطانُ فإِذَا ذُكِرَ الله عَزَّ وجلَّ ذَهَبَ، وإذَا لَمْ يُذْكَرِ الله ثَبَتَ علَى قَلْبِهِ

(20/10)


كَذَا فِي وَقع لغير أبي ذَر، وَوَقع لَهُ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس، وَالْأول أولى لِأَن إِسْنَاد الحَدِيث إِلَى ابْن عَبَّاس ضَعِيف أخرجه الطَّبَرِيّ وَالْحَاكِم فِي إِسْنَاده حَكِيم بن جُبَير وَهُوَ ضَعِيف، وَلَفظه: مَا من مَوْلُود إلاَّ على قلبه الوسواس، فَإِذا عمل فَذكر الله خنس، وَإِذا غفل وسوس. قَوْله: (خنس الشَّيْطَان) ، قَالَ الصَّاغَانِي الأولى نخسه الشَّيْطَان، مَكَان خنسه الشَّيْطَان، فَإِن سلمت اللَّفْظَة من الانقلاب والتصحيف فَالْمَعْنى، وَالله أعلم: أَخّرهُ وأزاله عَن مَكَانَهُ لشدَّة نخسه وطعنه فِي خاصرته.

7794 - حدَّثنا عَليُّ بنُ عبْد الله حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا عَبْدَةُ بنُ أبِي لُبابَةَ عنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ وحدّثنا عاصِمٌ عنْ زِرٍّ قَالَ: سألْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ قُلْتُ: يَا أَبَا المُنْذِرِ! إنَّ أخاكَ ابنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وكَذَا، فَقَالَ أبَيُّ: سألْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لِي: قِيلَ لي. فَقُلْتُ. قَالَ، فَنَحْنُ نَقُولُ كَما قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن أبي كَعْب أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَحدثنَا عَاصِم) الْقَائِل: وَحدثنَا عَاصِم، هُوَ سُفْيَان وَكَأَنَّهُ كَانَ يجمعهما تَارَة ويفردهما أُخْرَى، وَأَبُو الْمُنْذر كنية أبي بن كَعْب وَله كنيته أُخْرَى: أَبُو الطُّفَيْل. قَوْله: (إِن أَخَاك) يَعْنِي فِي الدّين. قَوْله: (كَذَا وَكَذَا) ، يَعْنِي: أَنَّهُمَا ليستا من الْقُرْآن. قَوْله: (قيل لي) ، أَي: إنَّهُمَا من الْقُرْآن، وَهَذَا كَانَ مِمَّا اخْتلف فِيهِ الصَّحَابَة ثمَّ ارْتَفع الْخلاف وَوَقع الْإِجْمَاع عَلَيْهِ، فَلَو أنكر الْيَوْم أحد قرآنيتهما كفر، وَقَالَ بَعضهم: مَا كَانَت الْمَسْأَلَة فِي قرآنيتهما بل فِي صفة من صفاتهما وخاصة من خاصتهما، وَلَا شكّ أَن هَذِه الرِّوَايَة تحتملهما، فالحمل عَلَيْهَا أولى وَالله أعلم. فَإِن قلت: قد أخرج أَحْمد وَابْن حَيَّان من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بِلَفْظ: أَن ابْن مَسْعُود كَانَ لَا يكْتب المعوذتين فِي مصحفه، وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زيادات الْمسند وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد النَّخعِيّ. قَالَ: كَانَ عبد الله بن مَسْعُود يحك المعوذتين من مصاحفه، وَيَقُول: إنَّهُمَا ليستا من الْقُرْآن، أَو من كتاب الله تَعَالَى. قلت: قَالَ الْبَزَّار: لم يُتَابع ابْن مَسْعُود على ذَلِك أحدٌ من الصَّحَابَة، وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَهَا فِي الصَّلَاة، وَهُوَ فِي صَحِيح مُسلم عَن عبة بن عَامر وَزَاد فِيهِ ابْن حَيَّان من وَجه آخر عَن عقبَة بن عَامر فَإِن اسْتَطَعْت أَن لانفوتك قراءتهما فِي صَلَاة فافعل، وَأخرج أَحْمد من طَرِيق أبي الْعَلَاء بن الشخير عَن رجل من الصَّحَابَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرأه المعوذتين، وَقَالَ لَهُ: إِذا أَنْت صليت فاقرأ بهما، وَإِسْنَاده صَحِيح، وَرُوِيَ سعيد بن مَنْصُور من حَدِيث معَاذ بن جبل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الصُّبْح فَقَرَأَ فيهمَا بالمعوذتين قَوْله: (قَالَ: فَنحْن نقُول) ، الْقَائِل هُوَ أبي بن كَعْب.