عمدة القاري شرح
صحيح البخاري بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
تثبت الْبَسْمَلَة لأبي ذَر وَحده.
66 - (كِتابُ فَضائِلِ القُرْآنِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان فَضَائِل الْقُرْآن، وَلم يَقع
لفظ كتاب، إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر، والمناسبة بَين
كتاب التَّفْسِير وَبَين كتاب فَضَائِل الْقُرْآن ظَاهِرَة
لَا تخفي، والفضائل جمع فَضِيلَة قَالَ الْجَوْهَرِي:
الْفضل والفضيلة خلاف النَّقْص والنقيصة.
1 - (بابٌ: كَيْفَ نُزُولُ الوَحْي وأوَّلُ مَا نَزلَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة نزُول الْوَحْي
وَبَيَان أول مَا نزل من الْوَحْي. قَوْله: (كَيفَ نزُول
الْوَحْي) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: كَيفَ نزل الْوَحْي، بِلَفْظ الْمَاضِي،
وَقَالَ بَعضهم، كَيفَ نزُول الْوَحْي: بِصِيغَة الْجمع.
قلت: كَأَنَّهُ ظن من عدم وُقُوفه على الْعُلُوم
الْعَرَبيَّة أَن لفظ النُّزُول جمع وَهُوَ غلط فَاحش،
وءنما هُوَ مصدر من نزل ينزل نزولاً وَقد تقدم فِي أول
الْكتاب كَيْفيَّة نُزُوله وَبَيَان أول مَا نزل.
(20/11)
وَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ المُهَيْمِنُ
الأَمِينُ القُرْآنُ أمِينٌ علَى كلِّ كِتابٍ قَبْلَهُ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وأنزلنا
إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من
الْكتاب ومهيمنا عَلَيْهِ} (الْمَائِدَة: 84) وَفسّر
الْمُهَيْمِن بالأمين، وَمن أَسمَاء الله تَعَالَى:
الْمُهَيْمِن، قيل: أَصله مؤيمن فَقبلت الْهمزَة هَاء
كَمَا قبلت فِي أرقت. هرقت، وَمَعْنَاهُ: الْأمين
الصَّادِق وعده، وَذكر لَهُ معَان أخر. قَوْله: (الْقُرْآن
أَمِين على كل كتاب قبله) يَعْنِي: من الْكتب والصحف
الْمنزلَة على الْأَنْبِيَاء وَالرسل، عَلَيْهِم
السَّلَام، وَأثر ابْن عَبَّاس هَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد
فِي تَفْسِيره عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن شُعْبَة عَن
أبي إِسْحَاق، قَالَ: سَمِعت التَّمِيمِي عَن ابْن
عَبَّاس.
9794 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى اعنْ شْيْبَانِ
عنْ يَحْيَى عنْ أبي سَلَمَة، قَالَ: أخبرَتْنِي عائِشَةُ
وابنَ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عنهُمْ، قَالَا: لَبِثَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمَكَّةَ عَشْرَ
سِنِينَ يُنْزَلُ عَليْهِ القُرْآنُ وبالمَدِينةِ عَشْرا..
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة الظَّاهِرَة وشيبان
أَبُو معوية النَّحْوِيّ؛ وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير،
وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي.
قَوْله: (عشرا) مُهِمّ كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عشر سِنِين،
يذكر مميزه وَهُوَ يُفَسر الْإِبْهَام الْمَذْكُور، فَإِن
قلت: يُعَارض هَذَا مَا ذكره أَيْضا من حدث ابْن
عُيَيْنَة: سَمِعت عَمْرو بن دِينَار: قلت لعروة إِن ابْن
عَبَّاس يَقُول: لبث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِمَكَّة بضع عشر سنة قلت يحمل الأول على أَنه من حَيْثُ
حمي الْوَحْي وتتابع وَرِوَايَة مقَامه بِمَكَّة ثَلَاث
عشرَة سنة يُرِيد من حِين الْبعْثَة، وَقيل: يحمل على أَن
إسْرَافيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وكل بِهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث سِنِين ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل
عَلَيْهِ السَّلَام بِالْقُرْآنِ.
0894 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا مُعْتَمِرٌ
قَالَ: سَمِعْتُ أبي عَن عُثْمانَ، قَالَ: أُنْبِئْتُ أنَّ
جبْريلَ أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعِنْدَهُ
أُمُّ سَلمَةَ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ فَقَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لأمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هاذَا؟ أوْ
كَمَا قَالَ؟ قالَتْ: هاذَا دِحْيَةُ، فلَمَّا قامَ
قالَتْ: وَالله مَا حَسِبْتُهُ إلاَّ إيَّاهُ حتَّى
سمِعْتُ خُطْبَةَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ، أوْ كَما قَالَ: قَالَ أبي:
قُلْتُ لأبي عُثْمانَ. مِمَّنْ سَمِعْتَ هذَا؟ قَالَ: مِنْ
أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ..
هَذَا أَيْضا يُطَابق الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة، ومعتمر
هُوَ ابْن سُلَيْمَان التَّمِيمِي، يروي عَن أَبِيه عَن
أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن الْهِنْدِيّ، بِفَتْح
النُّون؟ والْحَدِيث قد مُضر فِي عَلَامَات النُّبُوَّة
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبَّاس بن الْوَلِيد
النَّرْسِي.
قَوْله: (أنبئت) على صِيغَة الْمَجْهُول من الإنباء أَي:
أخْبرت. قَوْله: (أَو كَمَا قَالَ) شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: (مَا حسبته إلاَّ إِيَّاه) كَلَام أم سَلمَة
قَوْله: (يخبر خبر جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام) ويروي بِخَبَر جِبْرِيل بِالْبَاء
الْمُوَحدَة فِي رِوَايَة مُسلم: فَقَالَت: أَيمن الله مَا
حسبته إلاَّ إِيَّاه. قَوْله: (إلاَّ إِيَّاه) أَي:
دحْيَة. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون هَذَا فِي قصَّة
بني قُرَيْظَة فقد وَقع فِي دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ من
رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن
عَائِشَة أَنَّهَا رَأَتْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يكلم رجلا وَهُوَ رَاكب، فَلَمَّا دخل قلت: من هَذَا
الَّذِي كنت تكَلمه؟ قَالَ: بِمن تشبهين؟ قلت: بِدِحْيَةَ.
قَالَ: ذَاك جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، يَأْمُرنِي أَن
أمضي إِلَى بني قُرَيْظَة. قلت: هَذَا بعيد من وُجُوه:
الأول: أَن الرائية فِي حَدِيث الْبَاب أم سَلمَة وَهنا
عَائِشَة. وَالثَّانِي: فِيهِ اخْتِلَاف الروَاة عَنْهُمَا
الثَّالِث: أَن الظَّاهِر أَن أم سَلمَة رَأَتْهُ فِي
بَيتهَا وَعَائِشَة رَأَتْهُ خَارج بَيتهَا لقولها.
فَلَمَّا دخل، وَأَنَّهَا رَأَتْهُ وَهُوَ رَاكب، فعلى كل
الْوُجُوه لَا دلَالَة على أَن قصَّة أم سَلمَة كَانَت فِي
قصَّة بني قُرَيْظَة، وَالله أعلم. قَوْله: (قَالَ أبي)
بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: قَالَ
مُعْتَمر بن سُلَيْمَان. قَالَ أبي: لأبي عُثْمَان، وَهُوَ
عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور: مِمَّن سَمِعت هَذَا
الحَدِيث؟ قَالَ: سمعته من أُسَامَة بن زيد الصَّحَابِيّ،
حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر أَبُو
مَسْعُود هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أُسَامَة وَكَذَلِكَ
الْحَافِظ
(20/12)
الْمزي، وَقَالَ الْحميدِي فِي مُسْند أم
سَلمَة: وَقَالُوا: فِيهِ فَضِيلَة أم سَلمَة ودحية،
وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه نظر لِأَن أَكثر الصَّحَابَة
رَأَوْا جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي صُورَة الرجل.
قلت: هَذَا فِيهِ نظر لِأَن ذكر هَذَا الْأُم سَلمَة
فَضِيلَة لَا يسْتَلْزم نفي فَضِيلَة غَيرهَا من
النِّسَاء. وَقَوله: أَكثر الصَّحَابَة رَأَوْا جِبْرِيل،
غير مُسلم على مَا لَا يخفى.
1894 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْتُ
حدَثنا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ عنْ أبِيهِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مَا منَ الأنبياءِ نَبيٌّ إِلَّا اعْطِيَ مَا مِثْلُهُ
آمَنَ عَليْهِ البَشَرُ وإنَّما كانَ الَّذِي أوتِيتُهُ
وحْيا أوْحاهُ الله إليَّ، فأرْجُو أنْ أكْثَرَهُمْ تابِعا
يَوْمَ القِيامَةِ.
مطقابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أُوتِيتهُ
وَحيا أوحاه الله) وَسَعِيد المَقْبُري يروي عَن أَبِيه
كيسَان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن
عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي فَضَائِل
الْقُرْآن جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة. قَوْله: (مَا من
الْأَنْبِيَاء نَبِي إلاَّ أعطي) يدل على أَن النَّبِي لَا
بُد لهمن معجزه تَقْتَضِي إِيمَان من شَاهدهَا بصدقه وَلَا
يضرّهُ مِمَّن أصر على المعاندة. قَوْله: (مَا مثله) كلمة:
مَا، مَوْصُولَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول ثَان
لأعطي. قَوْله: (مثله) مُبْتَدأ. (وآمن عَلَيْهِ الْبشر)
خَبره، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول، والمثل يُطلق
وَيُرَاد بِهِ عين الشَّيْء أَو مَا يُسَاوِيه. قَوْله:
(عَلَيْهِ) الْقيَاس يَقْتَضِي أَن يُقَال: بِهِ، لِأَن
الْأَيْمَان يسْتَعْمل بِالْبَاء أَو بِاللَّامِ وَلَا
يسْتَعْمل بعلى، وَلَكِن فِيهِ تضمين معنى الْغَلَبَة أَي:
يُؤمن بذلك مَغْلُوبًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع
دَفعه عَن نَفسه، لَكِن قد يخذل فيعاند، وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: لفظ (عَلَيْهِ) هُوَ حَال أَي: مَغْلُوبًا
عَلَيْهِ فِي التحدي والمباراة، أَي: لَيْسَ نَبِي إلاّ قد
أعطَاهُ الله من المعجزات الشَّيْء الَّذِي صفتُه أَنه
إِذا شوهد اضْطر الشَّاهِد إِلَى الْأَيْمَان بِهِ،
وتحريره أَن كل نَبِي اخْتصَّ بِمَا يثبت دَعْوَاهُ من
خارق الْعَادَات بِحَسب زَمَانه: كقلب الْعَصَا ثعبانا،
لِأَن الْغَلَبَة فِي زمَان مُوسَى للسحر، فَأَتَاهُم
بِمَا فَوق السحر فاضطرهم إِلَى الْأَيْمَان بِهِ، وَفِي
زمَان عِيسَى الطِّبّ، فجَاء بِمَا هُوَ أَعلَى من الطِّبّ
وَهُوَ إحْيَاء الْمَوْتَى، وَفِي زمَان رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم البلاغة فَجَاءَهُمْ بِالْقُرْآنِ.
قَوْله: (آمن) ، وَقع فِي رِوَايَة حَكَاهَا ابْن قرقول
(أَو من) بِضَم ثمَّ وَاو، قَالَ أَبُو الْخطاب: كَذَا
قيدناه فِي رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي، وَقَالَ
ابْن دحْيَة: وَقَيده بَعضهم أَيمن بِكَسْر الْهمزَة
بعْدهَا يَاء وَمِيم مَضْمُومَة، وَفِي رِوَايَة
الْقَابِسِيّ: أَمن بِغَيْر مدمن الْأمان، وَالْكل رَاجع
إِلَى معنى: الْإِيمَان، وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور.
وَقَالَ النَّوَوِيّ اخْتلف فِي معنى هَذَا الحَدِيث على
أَقْوَال: أَحدهَا: أَن كل نَبِي أعْطى من المعجزات مَا
كَانَ مثله لمن كَانَ قبله من الْأَنْبِيَاء فَآمن بِهِ
الْبشر وَأما معجزتي الْعَظِيمَة الظَّاهِرَة فَهِيَ
الْقُرْآن الَّذِي لم يُعْط أحد مثله فَلهَذَا أَنا
أَكْثَرهم تبعا. وَالثَّانِي: أَن الَّذِي أُوتِيتهُ لَا
يتَطَرَّق إِلَيْهِ تخييل بِسحر أَو تَشْبِيه، بِخِلَاف
معْجزَة غَيْرِي فَإِنَّهُ قد يخيل السَّاحر بِشَيْء
مِمَّا يُقَارب صورتهَا كَمَا خيلت السَّحَرَة فِي صُورَة
عَصا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، والخيال قد يروج على بعض
الْعَوام، وَالْفرق بَين المعجزة والتخييل يحْتَاج إِلَى
فكر، فقد يخطىء النَّاظر فيعتقدهما سَوَاء. وَالثَّالِث:
أَن معجزات الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، انقرضت
بانقراضهم وَلم يشاهدها إلاَّ من حضرها بحضرتهم، ومعجزة
نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن المستمر إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله: (وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا) كلمة:
إِنَّمَا، للحصر، ومعجزة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم تكن منحصرة فِي الْقُرْآن، وَإِنَّمَا المُرَاد
أَنه أعظم معجزاته وأفيدها فَإِنَّهُ يشْتَمل على الدعْوَة
وَالْحجّة وَينْتَفع بِهِ الْحَاضِر وَالْغَائِب إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة، فَلهَذَا راتب عمله قَوْله: (فأرجوان
أكون أَكْثَرهم) أَي: أَكثر الْأَنْبِيَاء تَابعا أَي أمة
تظهر يَوْم الْقِيَامَة.
2984 - حدَّثنا عمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا يَعْقُوبُ
بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبي عنْ صالِحِ بنِ كيْسانَ عنِ
ابنِ شِهابٍ. قَالَ: أخبَرَنِي أنَسُ بْنُ مالِكٍ، رَضِي
الله عَنهُ، أنَّ الله تَعَالَى تابَعَ علَى رسولهِ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الوَحْيَ قَبْلَ وفاتِهِ حتَّى
تَوَفَّاهُ أكْثَرَ مَا كانَ الوَحْيُ، ثُمَّ تُوفِّيَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وعمرود وبالفتح ابْن
مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ الملقب بالناقد، وَيَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن النَّاقِد
وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
(20/13)
فَضَائِل الْقُرْآن عَن إِسْحَاق بن
مَنْصُور.
قَوْله: (تَابع) أَي أنزل الله تَعَالَى الْوَحْي
مُتَتَابِعًا متواترا أَكثر مِمَّا كَانَ، وَكَانَ ذَلِك
قرب وَفَاته قَوْله: (حَتَّى توفاه أَكثر مَا كَانَ
الْوَحْي) أَي: الزَّمَان الَّذِي وَقعت فِيهِ وَفَاته مَا
كَانَ نزُول الْوَحْي فِيهِ أَكثر من غَيره من
الْأَزْمِنَة. قَوْله: (بعد) بِالضَّمِّ مَبْنِيّ لقطع
الْإِضَافَة عَنهُ أَي: بعد ذَلِك.
3894 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سفْيانخ عَن
الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جنْدَبا يَقُولُ:
اشْتَكَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلمْ يَقُمْ
لَيْلةً أوْ لَيْلَتَيْنِ، فأنَتْهُ امْرَأةٌ فقالَتْ: يَا
مُحَمَّدُ! مَا أرَى شيْطانَكَ إلاّ قَدْ تَرَكَكَ؟
فأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ}
(الضُّحَى: 1 3) ..
وَجه إِيرَاده هَذَا الحَدِيث هُنَا الْإِشَارَة إِلَى أَن
تَأْخِير النُّزُول لَا لقصد التّرْك أصلا وَإِنَّمَا هُوَ
لوجوه من الْحِكْمَة: تسهيل حفظه، لِأَنَّهُ لَو نزل
دفْعَة وَاحِدَة لشق عَلَيْهِم لأَنهم أمة أُميَّة وغالبهم
لَا يقْرَأ أَو لَا يكْتب، وَتردد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عز وَجل إِلَيْهِ وَلَا يَنْقَطِع إِلَى
أَن يلقى الله تَعَالَى، ونزوله بِحَسب الوقائع والمصالح،
وَكَون الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف مُنَاسِب أَن ينزل
مفرقا إِذْ فِي نُزُوله دفْعَة وَاحِدَة كَانَت مشقة
عَلَيْهِم.
والْحَدِيث مر عَن قريب فِي سُورَة الضُّحَى، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن
الْأسود، وَهنا أخرجه عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن
سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْأسود. وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
2 - (بابٌ نزَلَ القُرْآنُ بلِسانِ قُرَيْشٍ والعَرَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقُرْآن نزل بِلِسَان
قُرَيْش، أَي: معظمه وَأَكْثَره، لِأَن فِي الْقُرْآن همزا
كثيرا وقريش لَا تهمز، وَفِيه كلمت على خلاف لُغَة
قُرَيْش، وَقد قَالَ الله تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبيا}
(طه: 311) وَلم يقل: قرشيا، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله:
(بِلِسَان قُرَيْش) أَي: ابْتِدَاء نُزُوله ثمَّ أُبِيح
أَن يقْرَأ بلغَة غَيرهم قَوْله: (وَالْعرب) أَي: ولسان
الْعَرَب، وَهُوَ من قبيل عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن
قُريْشًا من الْعَرَب لَكِن فَائِدَة ذكر قُرَيْش بِعَدَد
دُخُوله فِي الْعَرَب لزِيَادَة شرف قُرَيْش على غَيرهم من
الْعَرَب، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد
آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} (الْحجر:
78) . وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه علم
الْأَوْلِيَاء إِن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إِن الله تَعَالَى لم ينزل وَحيا قطّ إلاَّ
بِالْعَرَبِيَّةِ، وَترْجم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام،
لكل رَسُول بِلِسَان قومه، وَالرَّسُول صَاحب الْوَحْي
يترجم بِلِسَان أُولَئِكَ، فَأَما الْوَحْي فباللسان
الْعَرَبِيّ.
{ (20) قُرْآنًا عَرَبيا} (طه: 311) بِلِسانٍ عَرَبِيّ
مُبِينٍ
ذكر هَذَا فِي معرض الِاسْتِدْلَال بِأَن الْقُرْآن على
لِسَان الْعَرَب، وَلِهَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر
لقَوْل الله تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبيا} (طه: 311) بسان
عَرَبِيّ مُبين.
4894 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ حَدثنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ، وأخْبَرني أنَسُ بنُ مالِكٍ قَالَ: فأمَرَ
عُثْمانُ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ وسَعِيدَ بنَ العاصِ وعبْدَ
الله بنَ الزُّبَيْرِ وعبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الحَارِثِ
بنِ هِشَامٍ أنْ يَنْسَخُوها فِي المَصاحِفِ، وَقَالَ
لَهُمْ: إذَا اخْتَلَفْتُمْ أنْتُمْ وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ
فِي عَرَبِيةٍ مِنْ عَرَبِيَّةِ القُرْآنِ فاكْتُبُوها
بلِسانِ قُرَيْشٍ فإِنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ بِلِسانِهِم
ففَعَلُوا.
(انْظُر الحَدِيث 6053 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فاكتبوها بِلِسَان
قُرَيْش) وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. وَهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر مرَارًا كَثِيرَة مَعَ
اخْتِلَاف الْمُتُون.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب نزُول الْقُرْآن بِلِسَان
قُرَيْش فِي: بَاب المناقب.
قَوْله: (وَأَخْبرنِي) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:
فَأَخْبرنِي، بِالْفَاءِ قَوْله: (أَن ينسخوها) ، أَي:
السُّور والآيات الَّتِي أحضرت من بَيت حَفْصَة، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: أَن ينسخوا مَا فِي الْمَصَاحِف، أَي
ينقلوا الَّذِي فِيهَا إِلَى مصاحف أُخْرَى، وَالْأول هُوَ
الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ كَانَ فِي صحف لَا فِي مصاحف، وَقد
ذكر عَن ابْن شهَاب أَنه قَالَ: اخْتلفُوا يومذ فِي
التابوت، فَقَالَ زيد بن ثَابت إِنَّه التابوه، وَقَالَ
ابْن الزبير وَمن مَعَه التابوت،
(20/14)
فترافعوا إِلَى عُثْمَان رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ: أكتبوه التابوت بلغَة قُرَيْش.
قَوْله: (فِي عَرَبِيَّة) أَي: فِي لُغَة عَرَبِيَّة من
عَرَبِيَّة الْقُرْآن أَي: من لغته قَوْله: (فَإِن
الْقُرْآن أنزل بلسانهم) أَي: بِلِسَان قُرَيْش،
وَالْمرَاد مُعظم الْقُرْآن كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب
قَوْله: (فَفَعَلُوا) أَي: فَفعل هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة
الَّذِي أَمر بِهِ عُثْمَان من كِتَابَة الْقُرْآن بلغَة
قُرَيْش، وَقَالَ ابْن عَبَّاس نزل الْقُرْآن بلغَة
قُرَيْش ولسان خُزَاعَة لِأَن الدَّار كَانَت وَاحِدَة،
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أفصحكم
لأنى من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد بن مَالك فَلَا يجب
لذَلِك أَن يُقَال: الْقُرْآن نزل بلغَة سعد بن بكر، بل
لَا يمْنَع أَن يُقَال: بلغَة أفْصح الْعَرَب وَمن دونهَا
فِي الفصاحة إِذا كَانَت فصاحتهم غير مُتَفَاوِتَة، وَقد
جَاءَت الرِّوَايَات أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يقْرَأ بلغَة قُرَيْش وَغير لغتها، كماأخرجه ابْن أبي
شيبَة عَن الْفضل ابْن أبي خَالِد، سَمِعت أَبَا
الْعَالِيَة يَقُول: قَرَأَ الْقُرْآن على النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة رجال، فَاخْتَلَفُوا فِي
اللُّغَة فَرضِي قراءتهم كلهَا، وَكَانَ بَنو تَمِيم أعرب
الْقَوْم، فَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يقْرَأ بلغَة بني
تَمِيم وخزاعة وَأهل لُغَات مُخْتَلفَة قد أقرّ جَمِيعهَا
ورضيها.
5894 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا همَّامٌ حَدثنَا
عَطاءٌ.
(ح) وَقَالَ مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيى عنِ ابنِ جُرَيْحٍ
قَالَ: أَخْبرنِي عَطاء قَالَ أخْبرَني صَفْوَانُ بنُ
يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ أنَّ يَعْلَى كانَ يَقُولُ:
لَيْتَني أرَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حينَ
يُنْزَلُ علَيْهِ الوَحْيُ، فَلمَّا كانَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالْجعْرَانَة وعلَيْه ثَوْبٌ قَدْ أظَلَّ
عليْهِ ومَعَهُ ناسٌ مِنْ أَصْحابهِ، إذْ جاءَهُ رجُلٌ
مُتَضَمِّخُ بِطِيبٍ، فَقَالَ: يَا رسُولَ الله! كَيْفَ
تَرَى فِي رَجُلٍ أحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا
تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فنظَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ساعَةً فَجاءَهُ الوَحْيُ، فأشارَ عُمَرُ إلَى
يَعْلَى أنْ تَالَ، فَجاءَ يَعْلى فأدْخَلَ رأسَهُ، فإِذا
هُوَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ يَغِظُّ كذالِكَ ساعَةً ثُمَّ
سُرِّي عَنْهُ، فَقَالَ: أيْنَ الّذِي يَسْألَني عنِ
العُمْرةِ آنِفا؟ فالْتُمِسَ الرَّجُل فَجِيءَ بهِ إِلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أمَّا الطِّيبُ
الَّذِي بِكَ فاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وأمّا
الجُبَّةُ فانْزِعْها ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا
تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ..
قيل: وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب هُوَ
التَّنْبِيه على أَن الْقُرْآن وَالسّنة كِلَاهُمَا
بِوَحْي وَاحِد ولسان وَاحِد، وَقيل: أَشَارَ البُخَارِيّ
بذلك إِلَى أَن قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول
إِلَّا بِلِسَان قومه} (إِبْرَاهِيم: 4) لَا يسْتَلْزم أَن
يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل بِلِسَان
قُرَيْش فَقَط لكَوْنهم قومه، بل أرسل بِلِسَان جَمِيع
الْعَرَب لِأَنَّهُ أرسل إِلَيْهِم كلهم بِدَلِيل أَنه
خَاطب الْأَعرَابِي الَّذِي سَأَلَهُ بِمَا يفهمهُ بعد أَن
نزل الْوَحْي عَلَيْهِ بِجَوَاب مَسْأَلته، فَدلَّ أَن
الْوَحْي كَانَ ينزل عَلَيْهِ بِمَا بفهمه من الْعَرَب،
قرشيا كَانَ أَو غير قرشي، وَالْوَحي أَعم من أَن يكون
قُرْآنًا يُتْلَى أَو لَا يُتْلَى، وَقيل غير ذَلِك،
وَالْكل لَا يشفى العليل وَلَا يروي الغليل، وَلِهَذَا
قَالَ بَعضهم: ذكر هَذَا الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة
الَّتِي قبل هَذِه أظهر وَأبين، فَلَعَلَّ ذَلِك وَقع من
بعض النساخ. وَقَالَ آخر مثله وَهُوَ: أَن إِدْخَال هَذَا
الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله أليق، ثمَّ اعتذر
عَنهُ، فَقَالَ: فَلَعَلَّهُ قصد التَّنْبِيه على أَن
الْوَحْي بِالْقُرْآنِ وَالسّنة كَانَ على صفة وَاحِدَة
لِسَان وَاحِد؟ انْتهى. وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي
الْحَج فِي: بَاب إِذا أحرم جَاهِلا وَعَلِيهِ قَمِيص،
وَأخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد بن همام عَن عَطاء،.
قَالَ: حَدثنِي صَفْوَان بن يعلى عَن أَبِيه الحَدِيث،
وَهنا أخرجه عَن أبي نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن
دُكَيْن عَن همام بن يحيى عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن
صَفْوَان بن يعلى إِلَى آخِره. وَأخرجه من طَرِيق آخر
بقوله: وَقَالَ مُسَدّد، وَهَذَا بطرِيق المذاكرة مَعَ أَن
مُسَددًا شَيْخه وَهُوَ يروي عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان
عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء عَن
صَفْوَان بن يعلى بن أُميَّة إِلَى آخِره، وَقد مضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى. والجعرانة بِسُكُون
الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء، وَقد تكسر وتشدد
الرَّاء، وَهِي مَوضِع قريب من مَكَّة، وَهِي فِي الْحل
ومقيات للْإِحْرَام. والتضمخ بالمعجمتين التلطخ، وغطيط
النَّائِم نخيره، وسري أَي كشف
(20/15)
وأزيل عَنهُ.
3 - (بابُ جَمْعِ القُرْآنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة جمع الْقُرْآن،
وَالْمرَاد بِهِ جمع مَخْصُوص وَهُوَ جمع المتفرق مِنْهُ
فِي صحف ثمَّ تجمع تِلْكَ الصُّحُف فِي مصحف وَاحِد
مُرَتّب السُّور والآيات.
6894 - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ
سَعْدٍ حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عَنْ عُبَيْدٍ بنِ
السَّبَّاقِ: أنَّ زَيْدَ بن ثابِتٍ، رضيَ الله عنهُ
قَالَ: أرْسَلَ إلَيَّ أبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ
اليَمامَةِ فَإِذا عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عِنْدَهُ، قَالَ
أبُو بَكْرٍ، رَضِي الله عَنهُ: إنَّ عُمَرَ أَتَانِي
فَقَالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمامَةِ
بِقُرَّاءِ القُرْآنِ وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحرَّ
القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ
مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تأمُرَ بِجَمْعِ
القُرْآن. قلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئا لَمْ
يَفْعَلْهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ
عُمَرُ: هاذا وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزلْ عُمَرُ
يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِذَلِكَ ورَأيْتُ
فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأى عُمَر.
قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّكَ رجُلٌ شَاب
عاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ
لِرَسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتَتَبَّعِ
القَرْآنَ فاجْمَعْهُ. فَوَالله لوْ كَلَّفُوني نَقْلَ
جَبَلٍ مِنَ الجِبالِ مَا كانَ أثْقَلَ عَليَّ مِمَّا
أمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ
تَفْعَلُونَ شَيْئا لَمْ يَفْعَلْهُ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلمْ يزَل
أبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُني حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي
لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ، رَضِي
الله عَنْهُمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ
العُسُبِ واللِّخافِ وصُدُرِ الرِّجالِ حتَّى وجَدْتُ
آخِرَ سورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أبي خُزَيْمَةَ
الأنْصارِيِّ لَمْ أجِدْها معَ أحَدٍ غَيْرِهِ { (9) لقد
جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم}
(التَّوْبَة: 821) حتَّى خاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكانَتِ
الصُّحُفُ عِنْدَ أبي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ الله ثُمَّ
عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنتِ
عُمَرَ رضِي الله عَنْهُمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبيد بن السباق، بِفَتْح
السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمدنِي
التَّابِعِيّ، يكنى أَبَا سعيد وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث. لَكِن كَرَّرَه فِي
الْأَبْوَاب.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي آخر سُورَة بَرَاءَة
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب
عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن السباق أَن زيد بن
ثَابت إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ،
ولنتكلم فِي بعض شَيْء.
فَقَوله: (مقتل أهل الْيَمَامَة) أَي: بعد قتل مُسَيْلمَة
الْكذَّاب، وَقتل من الْقُرَّاء يَوْمئِذٍ سَبْعمِائة
وَقيل أَكثر. قَوْله: (قد استحر) بسين مُهْملَة ومثناة من
فَوق مَفْتُوحَة وحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة وَرَاء
مُشَدّدَة أَي: اشْتَدَّ وَكثر وَهُوَ على وزن استفعل من
الْحر خلاف الْبرد قَوْله: (بالمواطن) ، أَي: فِي المواطن
أَي الْأَمَاكِن الَّتِي يَقع فِيهَا الْقِتَال مَعَ
الْكفَّار. قَوْله: (لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) ، قَالَ الْخطابِيّ وَغَيره: يحْتَمل أَن
يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا لم يجمع الْقُرْآن
فِي الصُّحُف لما كَانَ يترقب من وُرُود نَاسخ لبَعض
أَحْكَامه أَو تِلَاوَته، فَلَمَّا انْقَضى نُزُوله بوفاته
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألهم الله الْخُلَفَاء
الرَّاشِدين ذَلِك وَفَاء لوعده الصَّادِق بِضَمَان حفظه
على هَذِه الْأمة المحمدية، فَكَانَ ابْتِدَاء ذَلِك على
يَد الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بمشورة عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيُؤَيِّدهُ مَا أخرجه ابْن
أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف بِإِسْنَاد حسن عَن عبد خير
قَالَ: سَمِعت عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول:
أعظم النَّاس فِي الْمَصَاحِف أجرا أَبُو بكر رَحْمَة الله
على أبي بكر، هُوَ أول من جمع كتاب الله. فَإِن قلت: أخرج
ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق ابْن سِيرِين،
قَالَ: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لما مَاتَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلَيْت أَن لَا آخذ
على رِدَائي إلاَّ لصَلَاة جُمُعَة حَتَّى أجمع الْقُرْآن،
فَجَمعه قلت: إِسْنَاده ضَعِيف لانقطاعه، وَلَئِن سلمنَا
كَونه
(20/16)
مَحْفُوظًا فمراده بجمعه حفظه فِي صَدره
قَوْله: (وَالله خير) ، يَعْنِي: خير فِي زمانهم. قَوْله:
(فتتبع الْقُرْآن) صِيغَة أَمر، وَكَذَلِكَ قَوْله:
(فاجمعه) قَوْله: (فتتبعت الْقُرْآن أجمعه) حَال أَي: حَال
كوني أجمعه، وَقت التتبع. قَوْله: (من العسب) بِضَم الْعين
وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ بعدهمَا بَاء مُوَحدَة جمع
عسب وَهُوَ جريد النّخل كَانُوا يكشطون الخوص ويكتبون فِي
الطّرف العريض، وَقيل: العسب طرف الجريد العريض الَّذِي لم
ينْبت عَلَيْهِ الخوص، وَالَّذِي ينْبت عَلَيْهِ الخوص
هُوَ السعف، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن
شهَاب: الْقصب والعسب والكرانيف وجرائد النّخل. وَفِي
الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فِي التَّفْسِير من الرّقاع،
الأكتاف والعسب وصدور الرِّجَال، والرقاع جمع رقْعَة، وَقد
يكون من جلد أَو ورق أَو كاغد، وَفِي رِوَايَة عمَارَة بن
غزيَّة: وَقطع الْأَدِيم. وَفِي رِوَايَة ابْن أبي دَاوُود
من طَرِيق أبي دَاوُود الذيالسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد:
والصحف وَفِي رِوَايَة ابْن أبي دَاوُد والأضلاع، وَعِنْده
أَيْضا: والاقتاب جمع قتب الْبَعِير. قَوْله: (واللخاف) ،
بِكَسْر اللَّام وبالخاء الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف فَاء
وَهُوَ جمع لخفة، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْحجر الْأَبْيَض الرَّقِيق، وَقَالَ
الْخطابِيّ: اللخاف صَفَائِح الْحِجَارَة الرقَاق. قَوْله:
(مَعَ أبي خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ) وَوَقع فِي رِوَايَة
عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد مَعَ
خُزَيْمَة بن ثَابت، أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ،
وَرِوَايَة من قَالَ: مَعَ أبي خُزَيْمَة أصح، وَالَّذِي
وجد مَعَه آخر سُورَة التَّوْبَة أَبُو خُزَيْمَة بالكنية،
وَالَّذِي وجد مَعَه الْآيَة من الْأَحْزَاب خُزَيْمَة،
وَاسم أبي خُزَيْمَة لَا يعرف وَهُوَ مَشْهُور بكنيته
وَهُوَ ابْن أَوْس بن زيد بن أَصْرَم. قَوْله: (فَكَانَت)
أَي: الصُّحُف الَّتِي جمعهَا زيد بن ثَابت عِنْد أبي بكر
إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى. قَوْله: (ثمَّ عِنْد عمر
حَيَاته) ، أَي: ثمَّ كَانَت عِنْد عمر بن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، مُدَّة حَيَاته. قَوْله: (ثمَّ عِنْد
حَفْصَة) ، أَي: ثمَّ بعد عمر كَانَت عِنْد حَفْصَة بنت
عمر فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَإِنَّمَا كَانَت عِنْد حَفْصَة لِأَن عمر أوصى بذلك
فاستمرت عِنْدهَا إِلَى أَن طلبَهَا من لَهُ الطّلب.
7894 - حدَّثنا مُوسى احدّثنا إبْرَاهيم حَدثنَا ابنُ
شِهاب: أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ حدَّثَهُ أنَّ حذَيْفَةَ
ابنَ اليَمانِ قَدِمَ علَى عُثْمانَ، وكانَ يُغازي أهْلع
الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وأذْرَبِيجانَ مَعَ
أهْلِ العِرَاقِ، فأفْزعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي
القِرَاءَة، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمانَ: يَا أميرَ
المُؤْمِنينَ أدْرِكَ هذِه الأُمَّةَ قَبْلَ أنْ
يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ
والنصارَى، فأرْسَلَ عثْمانُ إِلَى حَفْصَةَ أنْ أرْسِلِي
إليْنا بالصُّحُفِ نَنْسَخُها فِي المصاحِفِ ثُمَّ نَزُدها
إليْكِ، فأرْسَلَتْ بِها حَفْصَةُ إِلَى عُثْمانَ فأمَرَ
زَيْدَ بنَ ثابِتٍ وعَبْدَ الله بنَ الزُّبَيْرِ وسَعِيدَ
بنَ الْعاصِ وعبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ
فَنَسَخُوها فِي المَصاحِفِ. وَقَالَ عُثْمانُ لِلرَّهْطِ
القُرَشِيِّينَ الثلاثَةِ: إِذا اخْتَلَفْتُمْ أنْتُمْ
وزَيْدُ بنُ ثابتٍ فِي شَيْء مِنَ القُرْآنِ فاكْتُبُوهُ
بِلِسانِ قُرَيْشٍ فإِنَّما نَزَلَ بلِسَانِهمْ.
ففَعَلُوا، حتَّى إذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصاحِفِ
رَدَّ عُثْمانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، فأرْسَلَ إِلَى
كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ ممَّا نَسَخُوا وأمَرَ بمَا
سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أوْ مُصْحَفٍ
أنْ يخْرَقَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ومُوسَى هُوَ ابْن
إِسْمَاعِيل، وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد، وَهَذَا
الْإِسْنَاد إِلَى ابْن شهَاب هُوَ الَّذِي قبله
بِعَيْنِه، أَعَادَهُ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا حديثان
لِابْنِ شهَاب فِي قصتين مختلفتين، وَإِن اتفقَا فِي
كِتَابَة الْقُرْآن وَجمعه، وَله قصَّة أُخْرَى عَن
خَارِجَة بن زيد فِي آخر هَذَا الحَدِيث، على مَا يَأْتِي
الْآن.
قَوْله: (وَكَانَ يغازي) ، أَي: يغزى، أَي: كَانَ عُثْمَان
يُجهز أهل الشَّام وَأهل الْعرَاق لغزو أرمينية وأذربيجان
وفتحهما، وأرمينية بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء
وَكسر الْمِيم بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ
نون مَكْسُورَة، وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ بِفَتْح
الْهمزَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ بلد مَعْرُوف يضم كورا
كَثِيرَة سميت بذلك لكَون الأرمن فِيهَا، وَهِي أمة
كالروم، وَقيل: سميت بأرمون بن ليطى بن يومن بن يافث بن
نوح، عَلَيْهِ السَّلَام: وَقَالَ
(20/17)
الرشاطي: افتتحت فِي سنة أَربع وَعشْرين
فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على يَد
سلمَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ، قَالَ: وَأَهْلهَا بَنو
أرمي بن أرم بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وأذربيجان بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء
الْمَفْتُوحَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة ثمَّ
الْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة ثمَّ الْجِيم وَالْألف
وَالنُّون، وَقَالَ ابْن قرقول: فتح عبد الله بن
سُلَيْمَان الْيَاء، وَعَن الْمُهلب بِالْمدِّ وَكسر
الرَّاء بعْدهَا يَاء سَاكِنة بعْدهَا بَاء مَفْتُوحَة،
وَقَالَ أَبُو الْفرج: ألفها مَقْصُورَة وذالها سَاكِنة
كَذَلِك قِرَاءَته على أبي مَنْصُور، ويغلط من يمده. وَفِي
المبتدىء: من يقدم الْيَاء أُخْت الْوَاو على الْبَاء
الْمُوَحدَة وَهُوَ جهل، وَفِي النَّوَادِر لِابْنِ
الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقوله بقصر الْهمزَة، وَكَذَا
ذكره صَاحب تثقيف اللِّسَان وَلَكِن كسر الْهمزَة، وَقَالَ
أَبُو إِسْحَاق البحتري: من الفصيح أذربيجان، وَقَالَ
الجواليقي: الْهمزَة فِي أَولهَا أَصْلِيَّة لِأَن أذر
مضموم إِلَيْهِ الآخر، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اجْتمعت
فِيهَا أَربع مَوَانِع من الصّرْف: العجمة والتعريف،
والتأنيث والتركيب، وَهِي بَلْدَة بالجبال من بِلَاد
الْعرَاق يَلِي كور أرمينية من جِهَة الغرب، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْأَشْهر عِنْد الْعَجم أذربايجان، بالمدو
الْألف بَين الْمُوَحدَة والتحتانية، هُوَ بَلْدَة تبريز
وقصباتها. قَوْله: (مَعَ أهل الْعرَاق) وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: فِي أهل الْعرَاق. قَوْله: (فأفزع) من
الإفزاع، و (حُذَيْفَة) بِالنّصب. مَفْعُوله،
(وَاخْتِلَافهمْ) بِالرَّفْع فَاعله، وَفِي رِوَايَة
يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه: فيتناز عون
فِي الْقُرْآن حَتَّى سمع حُذَيْفَة من اخْتلَافهمْ مَا
ذعره، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فتذاكروا الْقُرْآن
وَاخْتلفُوا فِيهِ حَتَّى كَاد يكون بَينهم فتْنَة، وَفِي
رِوَايَة عمَارَة بن غزيَّة أَن حُذَيْفَة قدم من غَزْوَة
فَلم يدْخل بَيته حَتَّى أَتَى عُثْمَان فَقَالَ: يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ أدْرك النَّاس! قَالَ: وَمَا ذَاك؟
قَالَ: غزوت فرج أرمينية فَإِذا أهل الشَّام يقرأون
بِقِرَاءَة أبي بن كَعْب فَيَأْتُونَ بِمَا لم يسمع أهل
الْعرَاق، وَإِذا أهل الْعرَاق يقرأون بِقِرَاءَة عبد الله
بن مَسْعُود فَيَأْتُونَ بِمَا لم يسمع أهل الشَّام فيكفر
بَعضهم بَعْضًا انْتهى. وَكَانَ هَذَا سَببا لجمع عُثْمَان
الْقُرْآن فِي الْمُصحف، وَالْفرق بَينه وَبَين الصُّحُف
أَن الصُّحُف هِيَ الأوراق المحررة الَّتِي جمع فِيهَا
الْقُرْآن فِي عهد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَكَانَت سورا مفرقة كل سُورَة مرتبَة بآياتها على حِدة،
لَكِن لم يرتب بَعْضهَا إِثْر بعض، فَلَمَّا نسخت ورتب
بعصها إِثْر بعض صَارَت مُصحفا، وَلم يكن مُصحفا إلاَّ فِي
عهد عُثْمَان، على مَا ذكر فِي الحَدِيث من طلب عُثْمَان
الصُّحُف من حَفْصَة وَأمره للصحابة الْمَذْكُورين فِي
الحَدِيث بِكِتَابَة مصاحف وإرساله إِلَى كل نَاحيَة
بمصحف، قَوْله: (فَأمر زيد بن ثَابت) هُوَ الْأنْصَارِيّ،
والبقية قرشيون. قَوْله: (فنسخوها) أَي: الصُّحُف أَي: مَا
فِي الصُّحُف الَّتِي أرسلتها حَفْصَة إِلَى عُثْمَان،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (للرهط القرشيين)
وهم عبد الله بن الزبير الْأَسدي وَسَعِيد بن الْعَاصِ
الْأمَوِي وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث المخرومي. قَوْله:
(فَإِنَّمَا نزل بلسانهم) أَي: فَإِنَّمَا نزل الْقُرْآن
بِلِسَان قُرَيْش أَي: مُعظم الْقُرْآن، كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (وَأرْسل إِلَى كل أفق) أَي: نَاحيَة، وَيجمع على:
آفَاق، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: فَأرْسل إِلَى كل جند من
أجناد الْمُسلمين بمصحف. وَاخْتلف فِي عدد الْمَصَاحِف
الَّتِي أرسل بهَا عُثْمَان إِلَى الْآفَاق فَالْمَشْهُور
أَنَّهَا خَمْسَة، وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب
الْمَصَاحِف من طَرِيق حَمْزَة الزيات، قَالَ: أرسل
عُثْمَان أَرْبَعَة مصاحف وَبعث مِنْهَا إِلَى الْكُوفَة
بمصحف فَوَقع عِنْد رجل من مُرَاد فَبَقيَ حَتَّى كتبت
مصحفي مِنْهُ، وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد: وَسمعت أَبَا
حَاتِم السجسْتانِي يَقُول: كتبت سَبْعَة مصاحف: إِلَى
مَكَّة وَإِلَى الشَّام وَإِلَى الْيَمين وَإِلَى
الْبَحْرين وَإِلَى الْبَصْرَة وَإِلَى الْكُوفَة وَحبس
بِالْمَدِينَةِ وَاحِدًا. قَوْله: (أَن يخرق) ، بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة رِوَايَة الأكثين وبالمهملة رِوَايَة
الْمروزِي وبالوجهين رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وبالمعجمة
أثبت، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَن يُمحى أَو
يحرق، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ إحراق
الْقُرْآن؟ قلت: المحروق هُوَ الْقُرْآن الْمَنْسُوخ أَو
الْمُخْتَلط بِغَيْرِهِ من التَّفْسِير أَو بلغَة غير
قُرَيْش أَو الْقرَاءَات الشاذة، وَفَائِدَته أَن لَا يَقع
الِاخْتِلَاف فِيهِ، قلت: هَذِه الْأَجْوِبَة جَوَاب من لم
يطلع على كَلَام الْقَوْم وَلم يتَأَمَّل مَا يدل عَلَيْهِ
قَوْله فِي آخر الحَدِيث وَقَالَ عِيَاض: غسلوها
بِالْمَاءِ ثمَّ أحرقوها مُبَالغَة فِي إذهابها، وَعند أبي
دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ: وَأمرهمْ أَن يحرقوا كل مصحف
يُخَالف الْمُصحف الَّذِي أرسل بِهِ، قَالَ: فَذَلِك زمَان
أحرقت الْمَصَاحِف بالعراق بالنَّار، وَفِي رِوَايَة
سُوَيْد بن غَفلَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
قَالَ: لَا تَقولُوا لعُثْمَان فِي إحراق الْمَصَاحِف
إلاَّ خيرا وَفِي رِوَايَة بكير بن الْأَشَج: فَأمر بِجمع
الْمَصَاحِف فأحرقها ثمَّ بَث فِي الأجناد الَّتِي كتبت،
وَمن طَرِيق مُصعب بن سعد قَالَ: أدْركْت النَّاس متوافرين
حِين أحرق عُثْمَان الْمَصَاحِف، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِك أَو
قَالَ: لم يُنكر ذَلِك مِنْهُم أحد.
(20/18)
وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذَا الحَدِيث
جَوَاز تحريق الْكتب الَّتِي فِيهَا اسْم الله، عز وَجل،
بالنَّار وَإِن ذَلِك إكرام لَهَا وصون عَن وَطئهَا
بالأقدام، وَقيل: هَذَا كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت، وَأما
الْآن فالغسل إِذا دعت الْحَاجة إِلَى إِزَالَته، وَقَالَ
أَصْحَابنَا الحنيفة: إِن الْمُصحف إِذا بلي بِحَيْثُ لَا
ينْتَفع بِهِ يدْفن فِي مَكَان طَاهِر بعيد عَن وَطْء
النَّاس.
8894 - حدَّثنا قَالَ ابنُ شِهاب: وَأَخْبرنِي خارِجَةُ
بنُ زَيْدٍ بنِ ثابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بنَ قابِتٍ، قَالَ:
فقَدْتُ آيَة مِنَ الأحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا المُصْحَفَ
قَدْ كُنْتُ أسْمَعُ رسولَ لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يَقْرَأُ بِهَا، فالْتَمَسْناها فَوَجَدْناها مَعَ
خُزَيمَةَ بن ثابِتٍ الأنْصارِيِّ { (33) من الْمُؤمنِينَ
رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} (الْأَحْزَاب:
32) فأَلْحقْناها فِي سُوْرَتِها فِي المُصْحفِ..
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول، وَذكره البُخَارِيّ
مَوْصُولا مُفردا فِي الْجِهَاد وَفِي تَفْسِير سُورَة
الْأَحْزَاب وَرَوَاهُ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن مُوسَى
بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ
كَمَا رَوَاهُ هُنَا، وَظَاهر حَدِيث زيد بن ثَابت هَذَا
أَنه فقد آيَة الْأَحْزَاب من الصُّحُف الَّتِي كَانَ
نسخهَا فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
حَتَّى وجدهَا مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ وَوَقع فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن
إِسْمَاعِيل بن مجمع عَن ابْن شهَاب أَن فَقده إِيَّاهَا
إِنَّمَا كَانَ خلَافَة أبي بكر، وَهُوَ وهم مِنْهُ،
وَالصَّحِيح مَا فِي الصَّحِيح وَأَن الَّذِي فَقده فِي
خلَافَة أبي بكر آيتان من آخر بَرَاءَة، وَأما الَّتِي فِي
الْأَحْزَاب ففقدها لما كتب الْمُصحف فِي خلَافَة
عُثْمَان، وَجزم ابْن كثير بِمَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن
مجمع، وَلَيْسَ كَذَلِك وَالله أعلم. قيل: كَيفَ ألحقها
بالمصحف وَشرط الْقُرْآن التَّوَاتُر؟ وَأجِيب بِأَنَّهُ
كَانَت مسموعة عِنْدهم من فَم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وسورتها وموضعها مَعْلُومَة لَهُم ففقدوا
كتَابَتهَا. قيل: لما كَانَ الْقُرْآن متواترا فَمَا هَذَا
التتبع وَالنَّظَر فِي العسب؟ وَأجِيب للاستظهار، وَقد
كتبت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وليعلم هَل فِيهَا قِرَاءَة لغير قِرَاءَته من وجوهها أم
لَا قيل: شَرط الْقُرْآن كَونه متواترا فَكيف أثبت فِيهِ
مَا لم يجده مَعَ أحد غَيره؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ لم
يجده مَكْتُوبًا عِنْد غَيره، وَأَيْضًا لَا يلْزم من عدم
وجدانه أَن لَا يكون متواترا وَأَن لَا يجد غَيره، أَو
الْحفاظ نسوها ثمَّ تذكروها.
4 - (بابُ كاتِبِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَاتب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي بعض النّسخ: بَاب ذكر كَاتب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَأَنَّهُ وَقع عِنْد
الْبَعْض: بَاب كتَّاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالْجمعِ، وَقد ترْجم: كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَلم يذكر إلاَّ زيد بن ثَابت، وَهَذَا عَجِيب،
فَكَأَنَّهُ لم يَقع لَهُ على شَرط غير هَذَا فَإِن صَحَّ
ذكر التَّرْجَمَة بِالْجمعِ فَكَلَامه موجه وإلاّ فَلَيْسَ
بِذَاكَ، وكتّاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَثِيرُونَ غير وَيَد بن ثَابت لِأَنَّهُ أسلم بعد
الْهِجْرَة وَكَانَ لَهُ كتَّاب بِمَكَّة، فَأول من كتب
لَهُ بِمَكَّة من قُرَيْش عبد الله بن أبي سرح ثمَّ
ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام يَوْم الْفَتْح،
وَكتب لَهُ فِي الْجُمْلَة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة
وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وخَالِد وَأَبَان ابْنا سعيد بن
الْعَاصِ بن أُميَّة وحَنْظَلَة بن الرّبيع الْأَسدي
ومعيقيب بن أبي فَاطِمَة وَعبد الله بن الأرقم الزُّهْرِيّ
وشرحبيل بن حَسَنَة وَعبد الله بن رَوَاحَة، وَأول من كتب
بِالْمَدِينَةِ أبي بن كَعْب، كتب لَهُ قبل زيد بن ثَابت
وَجَمَاعَة آخَرُونَ كتبُوا لَهُ.
9894 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ
عنْ يُونُسَ عَن ابنِ شهَاب: أنَّ ابنَ السَّبَّاقِ قَالَ:
إنَّ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ قَالَ: أرْسَلَ إلَيَّ أبُو بَكْرٍ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: إنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ
لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاتَّبعِ القُرْآنَ
فَتَبَّعْتُ حتَّى وجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ
آيَتَيْنِ مَعَ أبي خُزَيْمَةَ الأنْصارِيِّ لمْ أجِدْهُما
مَعَ أَحَدٍ غَيْرهُ: { (9) لقد جَاءَكُم رَسُول من
أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} (التَّوْبَة: 821)
إِلَى آخرِهِا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنَّك كنت تكْتب
الْوَحْي لرَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَابْن السباق
هُوَ عبيد، وَقد مر الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله،
وَهَذَا طرف مِنْهُ.
(20/19)
09994 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى
اعنْ إسْرَائيلَ عنْ إسحاقَ عنِ البَرَاءِ قَالَ: لما
نَزَلَتْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ
والمُجعاهِدُونَ فِي سَبِيل الله قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ادْعُ لِي زَيْدا ولْيَجىءُ باللَّوْحِ
والدَّوَاةِ والكَتِفِ أَو الكَتِفِ والدَّوَاةِ ثُمَّ
قَالَ: اكْتُب: { (4) لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ}
(النِّسَاء: 59) وخَلْفَ ظهْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَمْرُو بنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعْمى قَالَ: يَا
رسولَ الله! فَما تأمُرُني فإِنِّي رَجلٌ ضَرِيرُ
البَصَرِ؟ فَنَزَلَتْ مَكانَها { (4) لَا يَسْتَوِي
الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} فِي سَبِيل الله { (4) غير
ولي الضَّرَر} (النِّسَاء: 59) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبيد الله بن مُوسَى بن
باذام الْكُوفِي وَإِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق
السبيعِي يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
عَن الْبَراء بن عَازِب والْحَدِيث قد مر فِي سُورَة
النِّسَاء.
قَوْله: (أَو الدواة والكتف) شكّ من الرَّاوِي فِي
تَقْدِيم الدواة على الْكَتف، وتأخيرها. قَوْله:
(مَكَانهَا) أَي: فِي مَكَان الْآيَة أَي فِي الْحَال.
قَوْله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ فِي
سَبِيل الله غير أولي الضَّرَر} (النِّسَاء: 59) ، وَقد
وَقع لفظ غير أولى الضَّرَر، بعد لفظ: فِي سَبِيل الله،
وَفِي الْقُرْآن بعد لفظ: الْمُؤمنِينَ، وَقد تقدم عَن
إِسْرَائِيل من وَجه آخر على الصَّوَاب.
5 - (بابٌ أنْزِلَ القُرآنُ علَى سَبْعةِ أحْرُف)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (إِن الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف) أَي:
سَبْعَة أوجه، وَهُوَ سبع لُغَات، يَعْنِي يجوز أَن يقْرَأ
بِكُل لُغَة مِنْهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَن كل كلمة
مِنْهُ تقْرَأ على سَبْعَة أوجه قيل: قد يُوجد بعض
الْكَلِمَات يقْرَأ على أَكثر من سَبْعَة أوجه وَأجِيب:
بِأَن غَالب ذَلِك من قبيل الِاخْتِلَاف فِي كَيْفيَّة
الْأَدَاء، كَمَا فِي الْمَدّ والإمالة وَنَحْوهمَا،
وَقيل: لَيْسَ المُرَاد بالسبعة حَقِيقَة الْعدَد بل
المُرَاد التَّيْسِير والتسهيل، وَلَفظ السَّبْعَة يُطلق
على إِرَادَة الْكَثْرَة فِي الْآحَاد كَمَا يُطلق السبعون
فِي المشرات، والسبعمائة فِي المئات وَلَا يُرَاد الْعدَد
الْمعِين، وَإِلَى هَذَا مَال عِيَاض وَمن تبعه.
1994 - حدَّثنا سَعِيدُ بنخ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني
اللّيْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنْ ابنِ شهَاب قَالَ:
حَدثنِي عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ الله: أنَّ ابنَ عبَّاسٍ
رضِيَ الله عَنْهُمَا حدَّثه: أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أقْرَأْني جِبْرِيلُ علَى حَرْفٍ
فرَاجَعْتُهُ، فلَمْ أزَلْ أسْتَزيِدُهُ ويَزِيدُني حَتَّى
انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير هُوَ
سعيد بن كثير بن عفير بِضَم الْعين الْمُهْملَة ينْسب
إِلَى جده وَهُوَ من حفاظ المصريين وثقاتهم وَعبيد الله بن
عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب ابْن عتبَة بن
مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب بَدْء الْخلق، وَفِيه ابْن
عَبَّاس لم يُصَرح بِسَمَاعِهِ من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَكَأَنَّهُ سَمعه عَن أبي بن كَعْب لِأَن
النَّسَائِيّ أخرجه من طَرِيق عِكْرِمَة بن خَالِد عَن
سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي بن كَعْب نَحوه.
قَوْله: (فراجعته) وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَرددت إِلَيْهِ
أَن هوّن عَليّ أمتِي، وَفِي رِوَايَة: إِن أمتِي لَا
تطِيق ذَلِك. قَوْله: (إِلَى سَبْعَة أحرف) أَي: سبع قراآت
أَو سبع لُغَات.
2994 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني
الليْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابْن شهابٍ، قَالَ:
حدّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: أنَّ المِسْوَرَ بنَ
مَخْرَمَةَ وعبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عبدٍ القارِيَّ
حدَّثاهُ أنَّهُما سَمِعا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ:
سَمِعْتُ هِشام بنَ حَكِيمٍ يقرَأ سورَةَ الفُرْقانِ فِي
حيَاةِ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاسْتَمَعْتُ
لِقِرَاءَتِهِ فإِذَا هُوَ يَقْرَأُ علَى حُرُوفٍ
كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنيها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَكِدْتُ أُساورُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَصَبَّرْتُ
حَتَّى سلَمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ
أقْرَأَكَ هاذِهِ السُّورَةَ الَّتي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟
. قَالَ: أقْرَأْنِيها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. فَقُلْت: كَذَبْتَ، فإِنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أقْرَأْنِيها علَى غَيْرِ مَا
قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بهِ أقُودُهُ إِلَى رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ
(20/20)
إنِّي سَمِعْتُ هاذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ
الفرْقان علَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيها. فَقَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أرْسِلْهُ: اقْرَأ يَا
هِشامُ فَقَرَأ علَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ
يَقْرَأُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ: اقْرَأُ يَا عُمَرُ،
فَقَرَأْتُ القِرَاءَةُ الَّتِي أقْرَأني، فَقَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذالِكَ أُنْزِلَتْ إنَّ
هاذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ
فاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْخُصُومَات وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَعبد الرَّحْمَن بن عبد) بِالتَّنْوِينِ غير
مُضَاف إِلَى شَيْء (والقاري) بتَشْديد الْيَاء نِسْبَة
إِلَى قارة بطن من خُزَيْمَة بن مدركة. قَوْله: (هِشَام بن
حَكِيم) ابْن حزَام هُوَ الْأَسدي لَهُ ولأبيه صُحْبَة
وَكَانَ إسلامهما يَوْم الْفَتْح، وَهِشَام مَاتَ قبل
أَبِيه وَلَيْسَ لَهُ فيالبخاري رِوَايَة، وَأخرجه لَهُ
مُسلم حَدِيث وَاحِدًا مَرْفُوعا من رِوَايَة عُرْوَة
عَنهُ. قَوْله: (أساوره) أَي: أواثبه. وَقَالَ
الْحَرْبِيّ: أَي آخذه بِرَأْسِهِ، وَالْأول أشبه. قَوْله:
(حَتَّى سلّم) أَي: من صلَاته. قَوْله: (فلببته برادئه)
أَي: جمعت عَلَيْهِ ثِيَابه عِنْد لبته لِئَلَّا ينفلت
مني. قَوْله: (كذبت) ، فِيهِ إِطْلَاق ذَلِك على غَلَبَة
الظَّن أَو المُرَاد بقوله لَهُ: كَذبك أَخْطَأت، لِأَن
أهل الْحجاز يطلقون الْكَذِب فِي مَوضِع الْخَطَأ. قَوْله:
(أقوده) كَأَنَّهُ لما لببه صَار يجره. قَوْله: (إِن هَذَا
الْقُرْآن) إِلَى آخِره إِنَّمَا ذكره النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم تطمينا لعَمْرو، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، لِئَلَّا يُنكر تصويب الشَّيْئَيْنِ
الْمُخْتَلِفين، قَوْله: (مَا تيَسّر مِنْهُ) ، أَي: من
الْمنزل، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن التَّعَدُّد فِي
الْقِرَاءَة للتيسير على القارىء، هَذَا يُقَوي قَول من
قَالَ: المُرَاد بالأحرف تأدية الْمَعْنى بِاللَّفْظِ
المرادف وَلَو كَانَ من لُغَة وَاحِدَة، لِأَن لُغَة
هِشَام بِلِسَان قُرَيْش وَكَذَلِكَ عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، ومه ذَلِك فقد اخْتلفت قراءتهما، قَالَ
ذَلِك ابْن عبد الْبر، وَنقل ذَلِك عَن أَكثر أهل الْعلم:
أَن هَذَا هُوَ المُرَاد بالأحرف السَّبع، وَالله أعلم.
6 - (بابُ تأليفِ القُرْآن)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تأليف الْقُرْآن أَي: جمع
آيَات السُّورَة الْوَاحِدَة، أَو جمع السُّور مرتبَة.
3994 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبرنا هِشامُ بنُ
يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْ أخْبَرَهُمْ قَالَ: وأخْبَرَني
يُوسُفُ بنُ ماهَكٍ قَالَ: إنِّي عِنْدَ عائِشَةَ أُمِّ
المُؤْمِنينَ. رَضِي الله عَنْهَا إذْ جاءَها عِرَاقيٌ
فَقَالَ: أيُّ الكَفَنِ خَيْرٌ؟ قالَتْ: ويْحَكَ {وَمَا
يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أمَّ المُؤْمِنِينَ} أرِيني
مُصْحَفَكِ. قالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لعَلِّي أُؤَلِّفُ
القُرْآنَ عَلَيْهِ فإنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤُلَّفٍ.
قالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أيَّةُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إِنَّمَا
نَزَلَ أوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ
فِيها ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حَتَّى إِذا ثابَ
الناسُ إِلَى الإسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ والحَرَامُ،
ولوْ نَزَلَ أوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الخَمْر
لَقالُوا: لَا تَدَعُ الخَمْرَ أبَدا، ولَوْ نَزَلَ: لَا
تَزْنُوا لَقالُوا: لَا تَدَعُ الزِّنا أبَدا لقَدْ نَزَلَ
بِمَكَّةَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإنِّي
لَجارِيَة ألْعَبُ: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (الْقَمَر: 64) وَمَا
نَزَلْتُ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّساءِ إلاّ وَأَنا
عِندَهُ عِنْدَهُ، قَالَ: فأخْرَجَتْ لهُ المُصْحَفَ
فأمْلَتْ علَيْهِ آيَ السُّورَةِ.
(انْظُر الحَدِيث 6784) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (لعَلي
أؤلف الْقُرْآن عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يقْرَأ غير مؤلف)
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق
الرَّازِيّ يعرف بالصغير وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا. وَابْن
جريج ويوسف بن مَاهك بِفَتْح الْهَاء مُعرب لِأَن مَاهك
بِالْفَارِسِيَّةِ قمير مصغر الْقَمَر وماه اسْم الْقَمَر
والتصغير عِنْدهم بِالْحَقِّ الْكَاف فِي آخر الِاسْم
قَالَ الْكرْمَانِي: وَالأَصَح فِيهِ الِانْصِرَاف قلت:
الْأَصَح فِيهِ عدم الِانْصِرَاف للعجمة والعلمية.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي
فَضَائِل الْقُرْآن عَن يُوسُف بن سعيد بن مُسلم.
قَوْله: (قَالَ: وَأَخْبرنِي يُوسُف) ، أَي: قَالَ ابْن
جريج:
(20/21)
وَأَخْبرنِي يُوسُف قَالَ بَعضهم: وَمَا
عرفت مَاذَا عطف عَلَيْهِ، ثمَّ رَأَيْت الْوَاو سَاقِطَة
فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ. قلت: يجوز أَن يكون مَعْطُوفًا
على مَحْذُوف تَقْدِيره أَن يُقَال: قَالَ ابْن جريج:
أَخْبرنِي فلَان بِكَذَا وَأَخْبرنِي يُوسُف بن مَاهك
إِلَى آخِره قَوْله: (إِذْ جاءها) ، كلمة إِذْ للمفاجأة.
قَوْله: (عراقي) أَي: رجل من أهل الْعرَاق وَلم يدر اسْمه.
قَوْله: (أَي الْكَفَن خير؟) يحْتَمل أَن يكون سُؤَاله عَن
الْكمّ يَعْنِي لفافه أَو أَكثر؟ وَعَن الكيف يَعْنِي:
أَبيض أَو غَيره وناعما أَو خشنا؟ وَعَن النَّوْع أَنه قطن
أَو كتَّان مثلا؟ قَوْله: (وَيحك) كلمة ترحم. قَوْله:
(وَمَا يَضرك؟) أَي: أَي شَيْء يَضرك بعد موتك وَسُقُوط
التَّكْلِيف عَنْك فِي أَي كفن كفنت؟ لبُطْلَان حسك
بالنعومة والخشونة وَغير ذَلِك قَوْله: (قَالَت: لِمَ)
أَي: لم أريك مصحفي؟ قَالَ: لعَلي أؤلف عَلَيْهِ
الْقُرْآن. قيل: قصَّة الْعِرَاقِيّ كَانَت قبل أَن يُرْسل
عُثْمَان الْمَصَاحِف إِلَى الْآفَاق. ورد عَلَيْهِ بِأَن
يُوسُف بن مَاهك لم يدْرك زمَان إرْسَال عُثْمَان
الْمَصَاحِف إِلَى الْآفَاق، وَقد صرح يُوسُف فِي هَذَا
الحَدِيث أَنه كَانَ عِنْد عَائِشَة حِين سَأَلَهَا هَذَا
الْعِرَاقِيّ، وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْعِرَاقِيّ كَانَ
مِمَّن أَخذ بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود، وَكَانَ ابْن
مَسْعُود لما حضر مصحف عُثْمَان إِلَى الْكُوفَة لم
يُوَافق على الرُّجُوع عَن قِرَاءَته وَلَا على إعدام
مصحفه، وَكَانَ تأليف مصحف الْعِرَاقِيّ مغايرا لتأليف
مصحف عُثْمَان، فَلذَلِك جَاءَ إِلَى عَائِشَة وَسَأَلَ
الْإِمْلَاء من مصحفها. قَوْله: (آيَة) بِالنّصب أَي: أَي
آي الْقُرْآن قَرَأت قَوْله: (قبل) أَي: قبل قِرَاءَة
السُّورَة الْأُخْرَى. قَوْله: (مِنْهُ) أَي: من
الْقُرْآن. قَوْله: (من الْمفصل) قَالَ الْخطابِيّ: سمي
مفصلا لِكَثْرَة مَا يَقع فِيهَا من فُصُول التَّسْمِيَة
بَين السُّور، وَقد اخْتلف فِي أول الْمفصل. فَقيل: هُوَ
سُورَة، وَقيل: سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ النَّوَوِيّ: سمي بِالْفَصْلِ لقصر سُورَة وَقرب
انفصالهن بَعضهنَّ من بعض. قَوْله: (أول مَا أنزل مِنْهُ)
أَي: من الْقُرْآن من الْمفصل فِيهَا ذكر الْجنَّة
وَالنَّار، وَأول مَا نزل إِمَّا المدثر وَإِمَّا اقْرَأ،
فَفِي كل مِنْهُمَا ذكر الْجنَّة وَالنَّار، أما فِي
المدثر فصريح وَهُوَ قَوْله: {وَمَا أدْرك مَا سقر}
(المدثر: 72) وَقَوله: {فِي جنَّات يتساءلون} (المدثر: 04)
وَأما فِي اقْرَأ فَيلْزم ذكرهمَا من قَوْله: {كذب
وَتَوَلَّى} (العلق: 31) {وسندع الزَّبَانِيَة} (العلق:
81) وَقَوله: {إِن كَانَ على الْهدى} (العلق: 11)
وَبِهَذَا التَّقْرِير يرد على بَعضهم فِي قَوْله: هَذَا
ظَاهره يغاير مَا تقدم أَن أول شَيْء نزل {اقْرَأ باسم
رَبك} (العلق: 1) وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الْجنَّة وَالنَّار.
قَوْله: (حَتَّى إِذا تَابَ) ، أَي: رَجَعَ. قَوْله: (نزل
الْحَلَال وَالْحرَام) ، أشارت بِهِ إِلَى الْحِكْمَة الإل
هية فِي تَرْتِيب التَّنْزِيل. وَأَنه أول مَا نزل من
الْقُرْآن الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد والتبشير
للْمُؤْمِنين والمطيعين بِالْجنَّةِ، والإنذار والتخويف
للْكَافِرِينَ بالنَّار، فَلَمَّا اطمأنت النُّفُوس على
ذَلِك أنزلت الْأَحْكَام، وَلِهَذَا قَالَت: (وَلَو نزل
أول شَيْء لَا تشْربُوا الْخمر) إِلَى آخِره. وَذَلِكَ
لانطباع النُّفُوس بالنفرة عَن ترك المألوف. قَوْله: (لقد
نزل مَكَّة) ، إِلَى آخِره إِشَارَة مِنْهَا إِلَى
تَقْوِيَة مَا ظهر لَهَا من الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة،
وَهُوَ تقدم سُورَة الْقَمَر وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء من
الْأَحْكَام على نزُول سُورَة الْبَقَرَة وَالنِّسَاء مَعَ
كَثْرَة اشتمالهما على الْأَحْكَام. قَوْله: (إلاَّ وَأَنا
عِنْده) ، يَعْنِي: بِالْمَدِينَةِ، لِأَن دُخُوله
عَلَيْهَا إِنَّمَا كَانَ بعد الْهِجْرَة بِلَا خلاف.
قَوْله: (فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ) ، أَي أملت عَائِشَة على
الْعِرَاقِيّ من الْإِمْلَاء، ويروى من الإملا. وهما
بِمَعْنى وَاحِد، قيل: فِي الحَدِيث رد على النّحاس فِي
قَوْله: إِن سُورَة النِّسَاء مَكِّيَّة، مُسْتَندا إِلَى
أَن قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا
الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} (النِّسَاء: 85) نزلت
بِمَكَّة اتِّفَاقًا فِي قصَّة مِفْتَاح الْكَعْبَة، وَهِي
حجَّة واهية لِأَنَّهُ لَا يلْزم من نزُول آيَة أَو آيَات
من سُورَة طَوِيلَة بِمَكَّة إِذا أنزل معظمها
بِالْمَدِينَةِ أَن تكون مَكِّيَّة، وَالله أعلم.
4994 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ
قَالَ: سَمِعْتُ عبْدَ الرَّحْمانِ بنَ يَزِيدِ قَالَ:
سَمِعْتُ ابنَ مَسْعُودٍ يقُولُ: فِي بَنِي إسْرَائِيلَ
والْكَهْفِ ومَرْيَمَ وطَهَ والأنْبِياء: إنّهُنَّ مِنَ
العِتاقِ الأولِ وهُنَّ مِنْ تِلاَدِي.
(انْظُر الحَدِيث 8074 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذِه السُّورَة نزلت
بِمَكَّة وَأَنَّهَا مرتبَة فِي مصحف ابْن مَسْعُود كَمَا
هِيَ فِي مصحف عُثْمَان. وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ السبيعِي
عَمْرو بن عبد الله وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد من
الزِّيَادَة ابْن قيس النَّخعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة بني إِسْرَائِيل
بِسَنَدِهِ.
قَوْله: (فِي بني إِسْرَائِيل) أَي: فِي شَأْن هَذِه
السُّورَة، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروي بِدُونِ كلمة فِي
فَالْقِيَاس أَن يَقُول: بَنو إِسْرَائِيل، فَلَعَلَّهُ
بِاعْتِبَار حذف الْمُضَاف وابقاء الْمُضَاف إِلَيْهِ على
حَاله أَي، سُورَة بني إِسْرَائِيل، أَو على سَبِيل
الْحِكَايَة عَمَّا فِي الْقُرْآن، وَهُوَ قَوْله:
{وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل} (السَّجْدَة: 32) .
قَوْله: (الْعتاق) ، جمع عَتيق وَهُوَ مَا بلغ الْغَايَة
فِي الْجَوْدَة يُرِيد تَفْضِيل هَذِه السُّور لما
(20/22)
يتَضَمَّن مفتتح كل مِنْهَا أمرا غَرِيبا
والأولية بِاعْتِبَار حفظهَا أَو نُزُولهَا. قَوْله:
(تلادي) بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ مَا
كَانَ قَدِيما وَيحْتَمل أَن يكون الْعتاق بِمَعْنَاهُ،
فَيكون الثَّانِي تَأْكِيدًا للْأولِ.
5994 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ أنْبَأنا
أبُو إِسْحَاق سَمِعَ البرَاءَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
تَعَلَّمْتُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاََعْلَى}
(الْأَعْلَى: 1) قبْلَ أنْ يَقْدَمَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذِه السُّورَة
مُتَقَدّمَة فِي النُّزُول. وَهِي فِي أَوَاخِر الْمُصحف
والتأليف بالتقديم وَالتَّأْخِير. وَأَبُو الْوَلِيد
هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق
عَمْرو.
قَوْله: (قبل أَن يقدم) ، أَي: الْمَدِينَة، ويروي أَيْضا
بِلَفْظ الْمَدِينَة والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة
{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} (الْأَعْلَى: 1) .
7 - (بابٌ: كانَ جِبْريلُ يَعْرِضُ القُرْآنَ علَى النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام (يعرض الْقُرْآن) ، أَي: يستعرضه مَا أقراه
إِيَّاه.
وَقَالَ مَسْرُوقٌ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، عنْ
فَاطِمَةَ علَيْها السَّلاَمُ: أسَرَّ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أنَّ جِبْرِيلَ يُعارِضُنِي بالقُرْآنِ
كُلَّ سَنَةٍ، وإنَّهُ عارَضَنِي العامَ مَرَّتَيْنِ، ولاَ
أرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجلي.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ فِي
عَلَامَات النُّبُوَّة ومسروق هُوَ ابْن الأجدع
الْهَمدَانِي الْكُوفِي التَّابِعِيّ ثِقَة.
قَوْله: (عَن فَاطِمَة) ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
لَيْسَ لَهَا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم إلاَّ هَذَا
الحَدِيث، قَالَه صَاحب التَّوْضِيح والتلويح. قَوْله:
(يعارضني) أَي: يدارسني. قَوْله: (إِنَّه عارضني) وَفِي
رِوَايَة السَّرخسِيّ: وَإِنِّي عارضني. قَوْله: (الْعَام)
أَي: فِي هَذَا الْعَام. قَوْله: (وَلَا أرَاهُ) بِضَم
الْهمزَة
(20/23)
أَي: وَلَا أَظُنهُ (إلاَّ حضر أَجلي)
ويروى: إلاَّ حُضُور أَجلي.
8994 - حدَّثنا خالِدُ بنُ يزِيدَ حَدثنَا أبُو بَكْرٍ عنْ
أبي حُصَيْنٍ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كانَ يَعْرِضُ علَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
القُرْآنَ كُلَّ عامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ علَيْهِ
مَرَّتَيْنِ فِي الْعامِ الَّذِي قُبِضَ فيهِ، وكانَ
يَعْتَكِفُ كُلَّ عامٍ عَشْرا، فاعْتَكَفَ عشْرِينَ فِي
الْعامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ.
(انْظُر الحَدِيث 4402) .
مطابقتة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن معنى قَوْله: (كَانَ
يعرض) أَي: جِبْرِيل فطوى ذكره وَقد صرح بِهِ إِسْرَائِيل
فِي رِوَايَته عَن أبي حُصَيْن أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ،
وَرُوِيَ: كَانَ يعرض، على صِيغَة، الْمَجْهُول أَي:
الْقُرْآن وَأخرج هَذَا الحَدِيث عَن خَالِد ابْن يزِيد
الْكَاهِلِي عَن أبي بكر بن عَيَّاش، بِالْيَاءِ آخر
الْحُرُوف والشين الْمُعْجَمَة، عَن أبي حُصَيْن بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة عُثْمَان بن عَاصِم عَن أبي صَالح
ذكْوَان السمان.
فِي هَذَا الْإِسْنَاد من اللطافة أَنه مسلسل بالكنى
إِلَّا شَيْخه.
والْحَدِيث مضى فِي الِاعْتِكَاف عَن عبد الله بن أبي
شيبَة.
قَوْله: (يعرض عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْقُرْآن، وَسقط لفظ: الْقُرْآن، لغير الْكشميهني.
8 - (بابُ القُرَّاءِ مِنْ أصْحابِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اشْتهر بِالْحِفْظِ من
الْقُرَّاء من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وهم الَّذين تصدوا للتعليم.
9994 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ
عُمْرٍ وعنْ إبْرَاهِيمَ عنْ مَسْرُوقٍ ذَكَرَ عبْدُ الله
ابنُ عمْرٍ وعبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا أزالُ
أُحِبُّهُ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يقُولُ: خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أرْبعَةٍ: منْ عبْدِ الله
بنِ مسْعُودٍ وسالِمٍ ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ وأُبَيِّ بنِ
كَعْب رَضِي الله عنْهُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو هُوَ ابْن مرّة،
وَبَينه البُخَارِيّ فِي المتاقب من هَذَا الْوَجْه،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عَمْرو أَبُو إِسْحَاق
السبيعِي، وَهُوَ وهم مِنْهُ وَإِبْرَاهِيم هُوَ
النَّخعِيّ، وَمضى الحَدِيث فِي مَنَاقِب سَالم.
قَوْله: (ذكر) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم وفاعله: (عبدُ
الله بن عَمْرو) ومفعوله: (وعبدَ الله بن مَسْعُود)
قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: عبد الله بن عَمْرو: (لَا أَزَال
أحبه) ، أَي: أحب عبد الله بن مَسْعُود.
قَوْله: (خُذُوا الْقُرْآن) ، أَي: تعلموه مِنْهُم.
قَوْله: (من عبد الله بن مَسْعُود) إِلَى آخِره. تَفْسِير
الْأَرْبَعَة مِنْهُم: سَالم بن معقل، بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف، مولى أبي
حُذَيْفَة، وَتَخْصِيص الْأَرْبَعَة لكَوْنهم تفرغوا للأخذ
مِنْهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ الْإِعْلَام بِمَا يكون بعده، أَي:
أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة يبقون حَتَّى ينفردوا بذلك،
وَورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُم لم ينفردوا
(20/24)
بل الَّذين مهروا فِي تجويد الْقُرْآن بعد
الْعَصْر النَّبَوِيّ أَضْعَاف الْمَذْكُورين، وَقد قتل
سَالم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وقْعَة
الْيَمَامَة، وَمَات معَاذ بن جبل فِي خلَافَة عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَات أبي بن كَعْب وَابْن مَسْعُود
فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد
تَأَخّر زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وانتهت
إِلَيْهِ الرياسة فِي الْقِرَاءَة، وعاش بعدهمْ زَمَانا
طَويلا وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلفُوا فِي وَقت وَفَاته
فَقيل: سنة خمس وَأَرْبَعين، قيل: سنة إِحْدَى أَو
اثْنَيْنِ وَخمسين، وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان.
0005 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي الأعْمَشُ
حَدثنَا شقيقُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ: خطَبنَا عبْدُ الله بن
مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَالله! لقَدْ أخَذْتُ منْ فِيِّ رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضْعا وسَبْعِينَ سورَةَ،
وَالله لَقَدْ عَلِمَ أصْحَابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أنِّي مِنْ أعْلَمِهِمْ بِكتابِ الله وَمَا أَنا
يِخَيْرِهِمْ.
قَالَ شَقيقٌ: فجَلَسْتُ فِي الحِلَقِ أسْمَعُ مَا
يَقُولُونَ، فَمَا سمِعْتُ رَدّا يَقُولُ غَيْرَ ذالِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من ظَاهر الحَدِيث، أخرجه
عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان
الْأَعْمَش إِلَخ وَحكي الجياني أَنه وَقع فِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ عَن الْجِرْجَانِيّ: حَدثنَا حَفْص بن عمر
حَدثنَا أبي وَهُوَ خطأ مقلوب وَلَيْسَ لحفص بن عمر أَب
يروي عَنهُ فِي الصَّحِيح، وَإِنَّمَا هُوَ عمر بن حَفْص
بن غياث، بالغين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن
عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ. وَفِي الزِّينَة عَن
إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب.
قَوْله: (من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: من فَمه. قَوْله: (بضعا) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع. قَوْله: (إِنِّي
من أعلمهم بِكِتَاب الله) ، وَوَقع فِي رِوَايَة عَبدة
وَابْن شهَاب جَمِيعًا عَن الْأَعْمَش، أَنِّي أعلمهم
بِكِتَاب الله، بِحَذْف من وَزَاد: وَلَو أعلم أَن أحدا
أعلم مني فرحلت إِلَيْهِ، وَفِيه: جَوَاز ذكر الْإِنْسَان
نَفسه بالفضيلة للْحَاجة، وَإِنَّمَا النَّهْي عَن
التَّزْكِيَة فَإِنَّمَا هُوَ لمن مدحها للفخر والإعجاب.
قَوْله: (وَمَا أَنا بخيرهم) ، يَعْنِي: مَا أَنا بأفضلهم،
إِذْ الْعشْرَة المبشرة أفضل مِنْهُ بالِاتِّفَاقِ، وَفِيه
أَن زِيَادَة الْعلم لَا توجب الْأَفْضَلِيَّة، لِأَن
كَثْرَة الثَّوَاب لَهَا أَسبَاب أخر من التَّقْوَى
وَالْإِخْلَاص وأعلاء كلمة الله وَغَيرهَا مَعَ أَن
الأعلمية بِكِتَاب الله لَا تَسْتَلْزِم الأعلمية مُطلقًا،
لاحْتِمَال أَن يكون غَيره أعلم بِالسنةِ.
قَوْله: (قَالَ شَقِيق) أَي: بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: (فِي الْحلق) ، بِفَتْح الْحَاء وَاللَّام.
قَوْله: (رادا) أَي: عَالما يرد الْأَقْوَال لِأَن رد
الْأَقْوَال لَا يكون إلاّ للْعُلَمَاء، وغرضه أَن أحدا لم
يرد عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَام بل سلمُوا إِلَيْهِ.
1005 - حدَّثني مُحَمَّد بنُ كثِيرٍ أخْبرَنا سُفيانُ عنِ
الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنّا
بحِمْصَ فقَرَأ ابنُ مَسْعُودٍ سورَةَ يُوسُفَ، فَقَالَ
رجُلٌ: مَا هاكذَا أُنْزِلَتْ. قَالَ: قَرَأْتُ علَى رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أحْسَنْتَ. ووجدَ
منْهُ رِيحَ الخمْر، فَقَالَ: أتَجْمَعُ تُكَذِّبَ بكِتابِ
الله وتَشْرَبَ الخمْرَ؟ فَضَرَبَهُ الحَدَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تؤخد من قَوْله قَالَ: قَرَأت على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَإِبْرَاهِيم هُوَ
النَّخعِيّ وعلقمة ابْن قيس النَّخعِيّ.
قَوْله: (بحمص) وَهِي: بَلْدَة مَشْهُورَة من بِلَاد
الشَّام غير منصرف على الْأَصَح، وَظَاهر الحَدِيث أَن
عَلْقَمَة حضر الْقِصَّة، وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ
عَن أبي خَليفَة عَن مُحَمَّد بن كثير شيخ البُخَارِيّ،
وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق جرير عَن الْأَعْمَش
وَلَفظه: عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: كنت بحمص
فَقَرَأت فَذكر الحَدِيث، وَهَذَا يقْضِي أَن عَلْقَمَة لم
يحضر الْقِصَّة، وَإِنَّمَا نقلهَا عَن ابْن مَسْعُود.
قَوْله: (فَقَالَ رجل) . قيل: إِنَّه نهيك بن سِنَان
الَّذِي تقدّمت لَهُ الْقِصَّة فِي الْقُرْآن غير هَذِه.
قَوْله: (قَرَأت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَقلت: وَيحك؟ وَالله لقد
أَقْرَأَنيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَوجد مِنْهُ؟) أَي من الرجل الْمَذْكُور، وَفِي
رِوَايَة مُسلم: فَبينا أَنا ُأكَلِّمهُ إِذْ وجدتُ مِنْهُ
ريح الْخمر. قَوْله: (فَضَربهُ الْحَد) أَي: فَضَربهُ
(20/25)
ابْن مَسْعُود حد شرب الْخمر. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: هَذَا مَحْمُول على أَنه كَانَت ولَايَة
إِقَامَة الْحُدُود لكَونه نَائِبا للْإِمَام عُمُوما أَو
خُصُوصا وعَلى أَن الرجل اعْترف بشربها بِلَا عذرو إِلَّا
فَلَا يحد بِمُجَرَّد رِيحهَا، وعَلى أَن التَّكْذِيب
كَانَ بإنكار بعضه جَاهِلا إِذا لَو أنكر حَقِيقَة لكفر،
وَقد أَجمعُوا على أَن من جحد حرفا معجما عَلَيْهِ من
الْقُرْآن فَهُوَ كَافِر، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون معنى
قَوْله: فَضَربهُ الْحَد أَي: رَفعه إِلَى الإِمَام
فَضَربهُ، وَأسْندَ الضَّرْب إِلَى نَفسه مجَازًا لكَونه
كَانَ سَببا فِيهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا
أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ جعل لَهُ ذَلِك من
الْولَايَة أَو لِأَنَّهُ رأى أَنه أَقَامَ عَن الإِمَام
بِوَاجِب أَو لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمَان ولَايَته
الْكُوفَة فَإِنَّهُ وَليهَا فِي زمَان عمر، رَضِي الله
عَنهُ، وصدرا من خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ.
انْتهى. قَوْله: أَو لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمَان ولَايَته
الْكُوفَة، مَرْدُود، وَذُهُول عَمَّا كَانَ فِي أول
الْخَبَر أَن ذَلِك كَانَ بحمص، وَلم يلها ابْن مَسْعُود،
وَإِنَّمَا دَخلهَا غازيا، وَكَانَ ذَلِك فِي خلَافَة عمر،
رَضِي الله عَنهُ. وَقَول النَّوَوِيّ: على أَن الرجل
اعْترف بشربها بِلَا عذر وإلاَّ فَلَا يحد بِمُجَرَّد
رِيحهَا فِيهَا نظر لِأَن الْمَنْقُول عَن ابْن مَسْعُود
أَنه كَانَ يرى وجوب الْحَد بِمُجَرَّد وجود الرَّائِحَة.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي الحَدِيث حجَّة على من يمْنَع
وجوب الْحَد بالرائحة كالحنيفة، وَقد قَالَ بِهِ مَالك
وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة من أهل الْحجاز. قلت: لَا حجَّة
عَلَيْهِم فِيهِ لِأَن ابْن مَسْعُود مَا حد الرجل إلاَّ
باعترافه، لِأَن نفس الرّيح لَيْسَ بقطعي الدّلَالَة على
شرب الْخمر لاحْتِمَال الِاشْتِبَاه أَلا يُرى أَن
رَائِحَة السَّفَرْجل الْمَأْكُول يشبه رَائِحَة الْخمر،
فَلَا يثبت إلاَّ بِشَهَادَة أَو باعتراف.
2005 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّقنا أبي حَدثنَا
الأعْمَشُ حَدثنَا مُسْلِمٌ عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ
عبْدُ الله، رضِيَ الله عَنهُ: وَالله الَّذي لَا إلَهَ
غَيْرُهُ، مَا أُنْزلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتابِ الله إلاّ
أعْلَمُ أيْن أُنْزِلَتْ ولاَ. أنْزِلَتْ ولاَ أنْزلَتْ
آيَةٌ مِنْ كِتابِ الله إلاّ أَنا أعْلَمُ فِيمَ
أُنْزِلَتْ وَلَو أعْلَمَ مِنِّي بِكتاب الله تُبَلِّغُهُ
الإبِلُ لَرَكِبْتُ إلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَعمر بن
حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان
الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح عَن مَسْرُوق
بن الأجدع عَن عبد الله بن مَسْعُود.
قَوْله: (فيمَ أنزلت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيمَا،
على الأَصْل. قَوْله: (وَلَو أعلم أحدا تبلِّغه الْإِبِل)
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تبلغنيه. قَوْله: (لركبت
إِلَيْهِ) ويروي: لرحلت إِلَيْهِ.
وَفِيه جَوَاز ذكر الْإِنْسَان نَفسه بِمَا فِيهِ من
الْفَضِيلَة بِقدر الْحَاجة، وَأما المذموم فَهُوَ الَّذِي
يَقع من الشَّخْص فحرا وإعجابا.
3005 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا هَمَّامٌ
حَدثنَا قَتَادَةُ قَالَ: سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ، رضِي
الله عنهُ: مَنْ جَمَعَ القُرْآنَ علَى عِهْدِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ
الأنْصارِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ
وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ وأبُو زَيْدٍ رضِيَ الله عَنهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَرْبَعَة) وهم
الْقُرَّاء من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَحَفْص بن عمر بن الْحَارِث أَبُو عمر الحوضي، وَهَمَّام
بن يحيى.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن سُلَيْمَان بن
معبد.
قَوْله: (أَرْبَعَة) أَي: جمعه أَرْبَعَة. قَوْله: (أبي بن
كَعْب) أَي: أحدهم أبي بن كَعْب، وَالثَّانِي: معَاذ بن
جبل، وَالثَّالِث: زيد بن ثَابت وَالرَّابِع: أَبُو زيد
اسْمه سعد بن عبيد الأوسي، وَقيل: قيس بن السكن الخزرجي،
وَقيل: ثَابت بن زيد الأشْهَلِي، تقدم فِي مَنَاقِب زيد بن
ثَابت، وَلَيْسَ فِي ظَاهر الحَدِيث مَا يدل على الْحصْر
لِأَن جمَاعَة من الصَّحَابَة غَيرهم قد جمعُوا على مَا
تبينه الْآن، وَأَنه لامفهوم لَهُ فلاف يلْزم أَن لَا يكون
غَيرهم جمعه. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة عَن أنس: لم يجمع
الْقُرْآن على عهد سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إلاَّ أَرْبَعَة وَكَذَا فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ.
قلت: قد قُلْنَا إِنَّه لَا مَفْهُوم لَهُ لِأَنَّهُ عدد.
وَلَئِن سلمنَا فَالْجَوَاب من وُجُوه: الأول: أُرِيد بِهِ
الْجمع بِجَمِيعِ وجوهه ولغاته وحروفه، وقراآته الَّتِي
أنزلهَا الله عز وَجل. وَأذن للْأمة فِيهَا وَخَيرهَا فِي
الْقِرَاءَة بِمَا شَاءَت مِنْهَا. الثَّانِي: أُرِيد بِهِ
الْأَخْذ من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تلقينا وأخذا
(20/26)
دون وَاسِطَة. الثَّالِث: أُرِيد، بِهِ أَن
هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة ظَهَرُوا بِهِ وانتصبوا لتلقيته
وتعليمه. الرَّابِع: أُرِيد بِهِ مرسوما فِي مصحف أَو صحف.
الْخَامِس: قَالَه أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: أُرِيد بِهِ
أَنه لم يجمع مَا نسخ مِنْهُ وَزيد رسمه بعد تِلَاوَته
إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة. السَّادِس: قَالَ
الْمَاوَرْدِيّ: أُرِيد بِهِ أَنه لم يذكرهُ أحد عَن نَفسه
سوى هَؤُلَاءِ. السَّابِع: أُرِيد، بِهِ أَن من سواهُم
ينْطق بإكماله خوفًا من الرِّيَاء واحتياطا على النيات.
وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة أظهروه لأَنهم كَانُوا آمِنين على
أنفسهم، أَو لرأي اقْتضى ذَلِك عِنْدهم. الثَّامِن: أُرِيد
بِالْجمعِ الْكِتَابَة فَلَا يَنْفِي أَن يكون غَيرهم جمعه
حفظا عَن ظهر قلبه، وَأما هَؤُلَاءِ فجمعوه كِتَابَة
وحفظوه عَن ظهر الْقلب. التَّاسِع: أَن قصارى الْأَمر أَن
أنسا قَالَ: جمع الْقُرْآن على عَهده صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَرْبَعَة، قد يكون المُرَاد: أَنِّي لَا أعلم سوى
هَؤُلَاءِ، وَلَا يلْزمه أَن يعلم كل الحافظين لكتاب الله
تَعَالَى. الْعَاشِر: أَن معنى قَوْله: جمع أَي: سمع لَهُ
وأطاع. وَعمل بِمُوجبِه، كَمَا رُوِيَ أَحْمد فِي كتاب
الزّهْد: أَن أَبَا الزَّاهِرِيَّة أَتَى أَبَا
الدَّرْدَاء، فَقَالَ: إِن ابْني جمع الْقُرْآن، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ اغْفِر، إِنَّمَا جمع الْقُرْآن من سمع لَهُ
وأطاع، لَكِن يُعَكر على هَذَا أَن الْخُلَفَاء
الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من الصَّحَابَة كلهم كَانُوا
سَامِعين مُطِيعِينَ، وَأما الَّذين جَمَعُوهُ غَيرهم،
فالخلفاء الْأَرْبَعَة جمعُوا الْقُرْآن على عهد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكره أَبُو عَمْرو
وَعُثْمَان بن سعيد الداني، وَقَالَ أَبُو عمر: جمعه
أَيْضا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد
الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ: جمع الْقُرْآن فِي زمن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عبَادَة بن الصَّامِت وَأَبُو أَيُّوب
خَالِد بن زيد، ذكره ابْن عَسَاكِر، وَعَن الداني: جمعه
أَيْضا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمجمع بن جَارِيَة،
ذكره ابْن إِسْحَاق وَقيس ابْن أبي صعصعة عَمْرو بن زيد
الْأنْصَارِيّ البدري، ذكره أَبُو عبيد بن سَلام فِي
حَدِيث مطول، وَذكر ابْن حبيب فِي المحبر جمَاعَة مِمَّن
جمع الْقُرْآن على عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم:
سعد بن عبيد بن النُّعْمَان الأوسي، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: وَمِمَّنْ جمع الْقُرْآن على عَهده صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: قيس بن السكن وَأم ورقة بنت نَوْفَل،
وَقيل: بنت عبد الله بن الْحَارِث وَذكر ابْن سعد أَنَّهَا
جمعت الْقُرْآن، وَذكر أَبُو عُبَيْدَة الْقُرَّاء من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعد من
الْمُهَاجِرين الْأَرْبَعَة وَطَلْحَة وسعدا وَابْن
مَسْعُود وَحُذَيْفَة وسالما وَأَبا هُرَيْرَة وَعبد الله
بن السَّائِب والعبادلة، وَمن النِّسَاء: عَائِشَة
وَحَفْصَة وَأم سَلمَة، وَذكر ابْن أبي دَاوُد من
الْمُهَاجِرين أيضاتميم بن أَوْس الدَّارِيّ وَعقبَة بن
عَامر وَمن الْأَنْصَار: معَاذ الَّذِي يكنى أَبَا حليمة
وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد، وَعَن سعيد بن جُبَير عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَقد قَرَأت الْقُرْآن وَأَنا ابْن عشر سِنِين، وَقد
ظهر من هَذَا أَن الَّذين جمعُوا الْقُرْآن على عَهده صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحصيهم أحد وَلَا يضبطهم عدد،
وَذكر القَاضِي أَبُو بكر: فَإِن قيل: إِذا لم يكن دَلِيل
خطاب فلأي شَيْء خص هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة بِالذكر دون
غَيرهم؟ قيل لَهُ: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لتَعلق
غَرَض الْمُتَكَلّم بهم دون غَيرهم، أَو يَقُول: إِن
هَؤُلَاءِ فيهم دون غَيرهم. فَإِن قلت: قد حاول بعض
الْمَلَاحِدَة فِيهِ بِأَن الْقُرْآن شَرطه التَّوَاتُر
فِي كَونه قُرْآنًا، وَلَا بُد من خبر جمَاعَة أحالت
الْعَادة تواطئهم على الْكَذِب قلت: ضَابِط التَّوَاتُر
الْعلم بِهِ، وَقد يحصل بقول هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة،
وَأَيْضًا لَيْسَ من شَرطه أَن يتَقَبَّل جَمِيعهم بل لَو
حفظه كل جُزْء مِنْهُ عدد التَّوَاتُر لَصَارَتْ
الْجُمْلَة متواترا، وَقد حفظ جَمِيع أَجْزَائِهِ مئون لَا
يُحصونَ.
تابَعَهُ الفَضْلُ عنْ حُسَيْنِ بنِ واقِدٍ عنْ ثُمامَةَ
عنْ أنَسٍ
أَي: تَابع حَفْص بن عمر فِي رِوَايَته هَذَا الحَدِيث
الْفضل بن مُوسَى السينَانِي عَن حُسَيْن بن وَاقد
بِالْقَافِ عَن ثُمَامَة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن
عبد الله قَاضِي الْبَصْرَة عَن جده أنس بن مَالك، وَوصل
هَذِه الْمُتَابَعَة إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده
عَن الْفضل ابْن مُوسَى فَذكره.
4005 - حدَّثنامُعَلَّى بنُ أسَدغ حدَّثنا عبْدُ الله بنُ
المُثَنَّى قَالَ: حدّثني ثابِتٌ البُنانِيُّ وثُمامةُ عنْ
أنَسٍ قَالَ: ماتَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولمْ
يَجْمَعِ القُرْآنِ غَيْرُ أرْبَعَةٍ: أبُو الدَّرْداءِ
ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ وأبُو زَيْدٍ،
قَالَ: ونَحْنُ ورِثْناهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَؤُلَاءِ
الْمَذْكُورين فِيهِ من الْقُرَّاء من أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَهَذَا يُخَالف رِوَايَة
قَتَادَة عَن أنس من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: التَّصْرِيح
بِصِيغَة الْحصْر فِي الْأَرْبَعَة. الآخر: ذكر أبي
الدَّرْدَاء بدل أبي بن كَعْب، وَقد مر
(20/27)
الْجَواب عَن الأول: وَأما الثَّانِي،
فَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَانِ الحديثان مُخْتَلِفَانِ
وَلَا يجوزان فِي الصَّحِيح مَعَ تباينهما، بل الصَّحِيح
أَحدهمَا، وَجزم الْبَيْهَقِيّ أَن ذكر أبي الدَّرْدَاء
وهم أنس حدث بِهَذَا الحَدِيث فِي وَقْتَيْنِ. فَذكر مرّة
أبي بن كَعْب وَمُدَّة أُخْرَى بدله أَبَا الدَّرْدَاء،
انْتهى: فَكيف يكون الصَّوَاب أبي بن كَعْب. وَقَالَ
الدَّاودِيّ: لَا أرى ذكر أبي الدَّرْدَاء مَحْفُوظًا،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ذكر فِي الطَّرِيق الأول أبي بن
كَعْب من الْأَرْبَعَة، وَفِي هَذَا الطَّرِيق لم يذكرهُ،
وَذكر قَوْله أَبَا الدَّرْدَاء، والراوي فيهمَا أنس،
وَهَذَا أشكل الأسئلة. قلت: أما الأول: فَلَا قصر فِيهِ
فَلَا يَنْفِي جمع أبي الدَّرْدَاء، وَأما الثَّانِي
فَلَعَلَّ اعْتِقَاد السَّامع كَانَ أَن هَؤُلَاءِ
الْأَرْبَعَة لم يجمعوا وَأَبا الدَّرْدَاء لم يكن من
الجامعين، فَقَالَ ردا عَلَيْهِ: لم يجمعه إلاَّ هَؤُلَاءِ
الْأَرْبَعَة، ادَّعَاهُ ومبالغة فَلَا يلْزم مِنْهُ
النَّفْي عَن غَيره حَقِيقَة إِذا لحصر لَيْسَ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى نفس الْأَمر بل بِالنِّسْبَةِ إِلَى
اعْتِقَاده انْتهى. قلت: قَوْله: أما الأول فَلَا قصر
فِيهِ، ظَاهر وَأما قَوْله: وَأما الثَّانِي إِلَى آخِره،
فَفِيهِ تَأمل وَهُوَ غير شافٍ فِي دفع السُّؤَال لِأَن
قَوْله: فَقَالَ ردا عَلَيْهِ: لم يجمعه إلاَّ هَؤُلَاءِ
الْأَرْبَعَة إِن كَانَ مُرَاده من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة
هم المذكورون فِي الرِّوَايَة الأولى فَلَا سُؤال فِيهِ من
الْوَجْه الَّذِي ذكر، وَإِن كَانَ مُرَاده أَنهم هم
المذكورون فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة فالسؤال باقٍ على
مَا لَا يخفي على النَّاظر إِذا أمعن نظره فِيهِ، وَقد نقل
بَعضهم كَلَام الْكرْمَانِي هَذَا وَسكت عَنهُ كَأَنَّهُ
رَضِي بِهِ للْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَكَانَ من
عَادَته أَن ينْقل شَيْئا من كَلَامه الْوَاضِح وَيرد
عَلَيْهِ لعدم المبالاة بِهِ، وَرضَاهُ هُنَا لأجل دفع
سُؤال السَّائِل فِي هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ المتباينتين
اللَّتَيْنِ ذكرهمَا البُخَارِيّ حَتَّى قَالَ فِي جملَة
كَلَامه: وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الْجَواب بِهَذَا
الِاحْتِمَال الواهي مقنعا للسَّائِل مَعَ أَن أصل
الحَدِيث وَاحِد والراوي وَاحِد؟ قَوْله: (وَنحن ورثناه)
أَي: قَالَ أنس: نَحن ورثنا أَبَا زيد لِأَنَّهُ مَاتَ
وَلم يتْرك عقبا وَهُوَ أحد عمومة أنس، وَقد تقدم فِي
مَنَاقِب زيد بن ثَابت، قَالَ قَتَادَة: قلت: وَمن أَبُو
زيد؟ قَالَ: أحد عمومتي.
5005 - حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخْبرنا يَحْيَى عنْ
سُفْيانَ عنْ حَبِيبِ بنِ أبِي ثابِتٍ عنْ سَعِيدٍ ابنِ
جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أُبَيُّ
اقْرَؤُنا، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ لَحنِ أُبَيّ، وأُبَيُّ
يَقُولُ: أخذْتُهُ مِنْ فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَلاَ أتْرُكُهُ لِشَيء، قَالَ الله تَعَالَى: { (2)
مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو
مثلهَا} (الْبَقَرَة: 601)
(انْظُر الحَدِيث 1844) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أبي اقرؤنا)
لِأَنَّهُ يدل على أَنه أقرّ الْقُرَّاء من أَصْحَاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحيى هُوَ ابْن
سعيد الْقطَّان وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي تفيسر سُورَة الْبَقَرَة
عَن عَمْرو بن عَليّ: حَدثنَا يحيى أخبرنَا سُفْيَان عَن
حبيب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أقرؤنا أبي وأقضانا عَليّ
وَإِنَّا لندع إِلَى آخِره. وَقَالَ الْمزي فِي
الْأَطْرَاف: لَيْسَ فِي رِوَايَة صَدَقَة ذكر عَليّ؟ قلت:
كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَلَكِن ثَبت فِي
رِوَايَة النَّسَفِيّ فِي البُخَارِيّ، وَكَذَا ألحق
الْحَافِظ الدمياطي ذكر عَليّ هُنَا وَصَححهُ، وَقَالَ
بَعضهم: لَيْسَ هَذَا بجيد لِأَنَّهُ سَاقِط من رِوَايَة
الْفربرِي الَّتِي عَلَيْهَا مدَار رِوَايَته. قلت: هَذَا
عَجِيب، وَكَيف يُنكر هَذَا على الدمياطي وَقد سبقه
النَّسَفِيّ بِهِ؟ وَالَّذِي لَاحَ للدمياطي مَا لَاحَ
لهَذَا الْقَائِل، فَلهَذَا قدم الْإِنْكَار.
قَوْله: (وَإِنَّا لندع) أَي: لنترك. قَوْله: (من لحن أبي)
ولحن القَوْل فحواه وَمَعْنَاهُ، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا
القَوْل. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: اللّحن بِسُكُون الْحَاء
اللُّغَة وبالفتح الفطنة، واللحن أَيْضا إِزَالَة
الْإِعْرَاب عَن وَجهه بالإسكان. قَوْله: (وَأبي يَقُول)
جملَة حَالية. قَوْله: (لشَيْء) أَي: لناسخ، وَكَانَ أبي
لَا يسلم نسح بعض الْقُرْآن، وَقَالَ: لَا أترك الْقُرْآن
الَّذِي أَخَذته من فَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لأجل نَاسخ، وَاسْتدلَّ عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، بِالْآيَةِ الدَّالَّة على النّسخ.
9 - (بابُ فَضْلِ فاتِحَةِ الكِتابِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل فَاتِحَة الْكتاب، وَفِي
بعض النّسخ: بَاب فِي فَضَائِل فَاتِحَة الْكتاب، وَفِي
بَعْضهَا: بَاب فضل الْفَاتِحَة، وَمن أول قَوْله: بَاب
فَضَائِل الْقُرْآن، إِلَى هُنَا لَيْسَ فِيهَا شَيْء
يتَعَلَّق بفضائل الْقُرْآن، نعم يتَعَلَّق بِأُمُور
الْقُرْآن وَهِي التراجم الَّتِي ذكرهَا إِلَى هُنَا.
(20/28)
6005 - حدَّثنا عَليُّ بنُ عبْدِ الله
حَدثنَا يَحْيَى بنُ سَعيدٍ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ:
حدّثني خُبَيْبُ بنُ عبْدِ الرحْمانِ عنْ حَفْصٍ بنِ
عاصِمٍ عنْ أبي سَعِيدٍ بنِ المُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ
أصَلِّي، فَدَعَاني النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَلَمْ أُجِبْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُول الله {إنِّي كُنْتُ
أُصَلِّي. قَالَ: ألَمْ يَقُلِ الله: { (8) اسْتجِيبُوا
لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ} (الْأَنْفَال: 42) .
ثُمَّ قَالَ: ألاَ أُعَلِّمُكَ أعْظَمَ سورَةٍ فِي
القُرْآن قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِد؟ فأخذَ
بِيَدِي، فَلمَّا أرَدْنا أنْ نَخْرُجَ قُلْتُ: يَا رسُولَ
الله} إنَّكَ قُلْتَ: لاَ عَلَّمَنَّك أعْظَمَ سُورَة مِنَ
القُرْآنِ، قَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(الْفَاتِحَة: 2) هيَ السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ
العَظيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَلا أعلمك أعظم
سُورَة فِي الْقُرْآن) إِلَى آخِره.
وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ،
وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وخبيب بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد
الرَّحْمَن الخزرجي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَبُو سعيد اسْمه الْحَارِث
على اخْتِلَاف فِيهِ ابْن الْمُعَلَّى بِلَفْظ اسْم
الْمَفْعُول من التعلية.
والْحَدِيث قد مر فِي أول كتاب التَّفْسِير فِي: بَاب مَا
جَاءَ فِي فاتحتة الْكتاب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
مستقصىً.
7005 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا وهْبٌ
حَدثنَا هِشامٌ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ مَعْبَدٍ عنْ أبي
سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: كُنَّا فِي مَسيرٍ لَنا،
فَنَزَلْنا فَجاءَتْ جاريَةٌ فقالَتْ: إنَّ سَيِّدَ
الحَيِّ سَلِيمٌ، وإنَّ نَفَرَ ناغيَبٌ فَهَلْ منْكمْ
رَاقٍ؟ فقامَ رجُلٌ مَا كُنا نأْبُنُهُ بِرُقْيَة،
فَرَقاهُ فَبَرَأ، فأمَرَ لهُ بِثَلاَثِينَ شَاة
وَسَقَانَا لِبَنَا، فلَما رجَعَ قُلْنا لهُ: أكُنْتَ
تُحْسِنُ رُقْيَةً أوْ كُنْتَ تَرْقِي؟ قَالَ: لَا مَا
رَقَيْتُ إلاَّ بأُمِّ الكِتاب، قُلْنا: لَا تُحدِثُوا
شيْئا حَتَّى نأتِيَ أوْ نَسأَلَ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا قَدِمْنا المَدِينَةَ ذَكَرْناهُ
لِلنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: وكا كانَ
يُدْرِيهِ أنَّها رُقُيَةٌ؟ اقْسِمُوا واضْرِبُوا لِي
بِسَهْمٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يدل على فضل
الْفَاتِحَة ظَاهرا. وَقد مضى هَذَا الحَدِيث مطولا فِي
كتاب الْإِجَارَة فِي: بَاب مَا يعْطى فِي الرّقية،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن أبي
عوَانَة عَن أبي بشر عَن أبي المتَوَكل عَن أبي سعيد،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد بن
الْمثنى عَن وهب بن جرير عَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد
بن سِيرِين عَن معبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال
الْمُهْملَة ابْن سِيرِين أخي مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك مَشْهُور باسمه
وكنيته وبكنيته أَكثر وَبَينهمَا تفَاوت فِي الْإِسْنَاد
وَفِي الْمَتْن أَيْضا، بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان،
وَهُنَاكَ قَالَ أَبُو سعيد: انْطلق نفر من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفرة سافروها
الحَدِيث، وَهنا قَالَ: كُنَّا فِي مسير لنا، وَهَذَا يدل
على أَن أَبَا سعيد كَانَ مَعَ النَّفر الَّذين سافروا فِي
الحَدِيث الَّذِي هُنَاكَ، وَلِهَذَا قَالُوا: إِن الرجل
الراقي هُوَ أَبُو سعيد نَفسه الرَّاوِي للْحَدِيث.
قَوْله: (سليم) أَي: لديغ، وَكَأَنَّهُم تفاءلوا بِهَذَا
اللَّفْظ. قَوْله: (غيب) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف المخففة وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة وَهُوَ جمع غَائِب ويروي: غيب، بِضَم الْغَيْن
وَتَشْديد الْيَاء الْمَفْتُوحَة. قَوْله: (راقٍ) اسْم
فَاعل من رقي يرقي من بَاب ضرب يضْرب، وَأَصله راقي فأعل
إعلال قاصٍ. قَوْله: (مَا كُنَّا نأبنه) أَي: ماكنا نعلمهُ
أَنه يرقي فنعينه، ومادته همزَة وباء مُوَحدَة وَنون، من
أبنت الرجل ابْنه وَابْنه إِذا رميته بخلة سوء، وَهُوَ
مأبون وَالِابْن بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء
التُّهْمَة. قَوْله: (وَكنت ترقي) بِكَسْر الْقَاف.
قَوْله: (مَا رقيت) بِفَتْح الْقَاف. قَوْله: (إلاَّ بِأم
الْكتاب) وَهِي الْفَاتِحَة. قَوْله: (لَا تحدثُوا) من
الإحداث أَي: لَا تحدثُوا أمرا وَلَا تعلمُوا شَيْئا
حَتَّى نأتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(أَو نسْأَل) شكّ من الرَّاوِي. فَإِن قلت: يروي أَبُو
دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود، قَالَ: كَانَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يكره الرقيا إلاَّ بالمعوذات. قلت: قَالَ
البُخَارِيّ فِي صَحِيحه: لَا يَصح، وَقَالَ ابْن
الْمَدِينِيّ: وَفِي
(20/29)
إِسْنَاده من لَا يعرف: وَابْن حَرْمَلَة لَا نعرفه فِي
أصَاب عبد الله. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِحَدِيث
عبد الرَّحْمَن بَأْس وَلم أر أحدا يُنكره أَو يطعن
عَلَيْهِ، وَقَالَ السَّاجِي: لَا يَصح حَدِيثه، وَأما
ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته، وَأخرج حَدِيثه فِي صَحِيح
وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَبَقِيَّة
الْكَلَام تقدّمت هُنَاكَ.
وَقَالَ أبُو مَعْمَرٍ: حَدثنَا عبْدُ الوَارِثِ حَدثنَا
هِشَامٌ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ حدّثني مَعْبَدُ
بن سِيرِينَ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ بِهاذَا
أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو المقعد
مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ شيخ
البُخَارِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَهِشَام بن حسان،
وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيق التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ
من مُحَمَّد بن سِيرِين لهشام وَمن معبد لمُحَمد فَإِنَّهُ
فِي الْإِسْنَاد اذي سَاقه أَولا بالعنعنة فِي
الْمَوْضِعَيْنِ، وَقد وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق
مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن أبي معمر كَذَلِك. |