عمدة القاري شرح صحيح البخاري

32 - (بابُ اسْتِذْكارِ القُرْآنِ وتعَاهُدِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان استذكار الْقُرْآن، أَي: طلب ذكر بِضَم الذَّال. قَوْله: (وتعاهده) أَي: تَجْدِيد يَد الْعَهْد بملازمته الْقِرَاءَة وَتَحفظه وَترك الكسل عَن تكراره.

1305 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابْن عُمرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنما مثَلُ صاحِبِ القُرْآنِ كمَثَلِ صاحِبِ الإبِلِ المُعَقَّلةِ إِن عاهدها أمْسَكها وإِنْ أطْلَقَها ذَهَبتْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَضَائِل وَالصَّلَاة.
قَوْله: (المعقلة) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْقَاف أَي: المشدودة وبالعقال بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ ركبة الْبَعِير، شبَّه درس الْقُرْآن واستمرار تِلَاوَته بربط الْبَعِير الَّذِي يخْشَى مِنْهُ الهروب، فَمَا دَامَ التعاهد مَوْجُودا فالحفظ مَوْجُود، كَمَا أَن الْبَعِير مَا دَامَ مشدودا بالعق ال فَهُوَ مَحْفُوظ، وَخص الْإِبِل بِالذكر لِأَنَّهُ أَشد الْحَيَوَان الأنسي نفورا، وَفِي تَحْصِيلهَا بعد استمكان نفورها صعوبة. قَوْله: (ذهبت) ، أَي: انفلتت.

2305 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ منْصُور عنْ أبي وائِلٍ عنْ عبْدِ الله قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِئْسَ مَا لِأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيةَ كيْتَ وكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، واستَذْكِرُوا القُرْآنِ فإِنهُ أشَدُّ تَفَصِّيا مِنْ صُدُورِ الرِّجالِ منَ النَّعَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (استذكروا الْقُرْآن) وَمُحَمّد بن عرْعرة، بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَان الرَّاء الأولى: النَّاجِي الشَّامي الْبَصْرِيّ الْقرشِي أَبُو عبد الله، وَيُقَال: أَبُو إِبْرَاهِيم، رُوِيَ مُسلم عَنهُ بِوَاسِطَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْقرَاءَات

(20/47)


عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور وَغَيره.
قَوْله: (بئس) ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: بِئس أُخْت نِعم، الأولى للذم وَالْأُخْرَى للمدح، وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الْفَاعِل ظَاهرا أَو مضمرا إلاَّ أَنه إِذا كَانَ ظَاهرا لم يكن فِي الْأَمر الْعَام إلاَّ بِالْألف وَاللَّام للْجِنْس أَو يُضَاف إِلَى مَا هما فِيهِ حَتَّى يشْتَمل على الْمَوْصُوف بِأَحَدِهِمَا، وَلَا بُد من ذكره تعيينا كَقَوْلِه: نعم الرجل زيد، وَبئسَ الرجل عَمْرو، فَإِن كَانَ الْفَاعِل مضمرا فَلَا بُد من ذكر اسْم نكرَة ينصب على التَّفْسِير للمضمر كَقَوْلِك: نعم رجلا زيد، وَقد يكون هَذَا التَّفْسِير مَا على نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث، وكما فِي قَوْله: فَنعما هِيَ: وَمَا، نكرَة مَوْصُوفَة. قَوْله: (أَن يَقُول) مَخْصُوص بالذم أَي: بئس شَيْئا كَائِنا أحدهم. يَقُول قَوْله: (نسيت) ، بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف السِّين اتِّفَاقًا. قَوْله: (كَيْت وَكَيْت) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: كَيْت وَكَيْت، يعبر بهما عَن الْجمل الْكَثِيرَة، والْحَدِيث الطَّوِيل، وَمثلهَا: ذيت وذيت، وَقَالَ ثَعْلَب: كَيْت للأفعال، وذيت للأسماء، وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَن هَذِه الْكَلِمَة مثل: كَذَا إلاَّ بالمؤنث، وَزعم أَبُو السعادات أَن أَصْلهَا: كيه، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّاء فِيهَا بدل من إِحْدَى الياءين وَالْهَاء الَّتِي فِي الأَصْل محذوفة وَقد تضم التَّاء وتكسر. قَوْله: (بل نُسي) بِضَم النُّون وَكسر السِّين الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: رَوَاهُ بعض رُوَاة مُسلم بِالتَّخْفِيفِ، وَقَالَ عِيَاض: كَانَ أَبُو الْوَلِيد الوقشي لَا يجوز فِي هَذَا غير التَّخْفِيف، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: التثقيل مَعْنَاهُ أَنه عُوقِبَ بِوُقُوع النسْيَان عَلَيْهِ لتَفْرِيطه فِي معاهدته واستذكاره، قَالَ: وَمعنى التَّخْفِيف أَن الرجل تَركه غير ملتفت إِلَيْهِ، وَالْحَاصِل أَن الذَّم فِيهِ يرجع إِلَى الْمقَال فنهي أَن يُقَال: نسيت آيَة كَذَا إِلَّا أَنه يتَضَمَّن التساهل فِيهِ والتغافل عَنهُ وَهُوَ كَرَاهَة تَنْزِيه، وَقَالَ القَاضِي: الأولى أَن يُقَال: إِنَّه ذمّ الْحَال لَازم الْمقَال، أَي: بئس حَال من حفظ الْقُرْآن فيغفل عَنهُ حَتَّى نَسيَه، وَقَالَ الْخطابِيّ: بئس، يَعْنِي: عُوقِبَ بِالنِّسْيَانِ على ذَنْب كَانَ مِنْهُ أَو على سوء تعهده بِالْقُرْآنِ حَتَّى نَسيَه، وَقد يحْتَمل معنى آخر وَهُوَ أَن يكون ذَلِك فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين النّسخ وَسُقُوط الْحِفْظ عَنْهُم. فَيَقُول الْقَائِل مِنْهُم: نسيت كَذَا، فنهاهم عَن هَذَا القَوْل لِئَلَّا يتوهموا على مُحكم الْقُرْآن الضّيَاع، فأعلمهم أَن ذَلِك بِإِذن الله، وَلما رَآهُ من الْمصلحَة فِي نسخه، وَمن أضَاف النسْيَان إِلَى الله تَعَالَى فَإِنَّهُ خالقه وخالق الْأَفْعَال كلهَا، وَمن نسبه إِلَى نَفسه فَلِأَن النسْيَان فعل مِنْهُ يُضَاف إِلَيْهِ من جِهَة الِاكْتِسَاب وَالتَّصَرُّف. وَمن نسب ذَلِك إِلَى الشَّيْطَان. كَمَا قَالَ يُوشَع بن نون، عَلَيْهِ السَّلَام {وَمَا أنسانيه إلاَّ الشَّيْطَان} (الْكَهْف: 36) فَلَمَّا جعل الله لَهُ من الوسوسة، فَلِكُل إِضَافَة مِنْهَا وَجه صَحِيح. قَوْله: (واستذكروا الْقُرْآن) . أَي: واظبوا على تِلَاوَته واطلبوا من أَنفسكُم المذاكره بِهِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: وَهُوَ عطف من حَيْثُ الْمَعْنى على قَوْله: بئس مَا لأحدكم أَي لَا تقتصروا فِي معاهدته واستذكروه. قَوْله: (تفيصا) ، بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الصَّاد الْمَكْسُورَة بعْدهَا الْيَاء آخر الْحُرُوف. هُوَ الِانْفِصَال والانفلات والتخلص. يُقَال تفصيت كَذَا أَي: أحطت بتفاصيله، وَالِاسْم الفصة. قَوْله: (من النعم) وَهِي الْإِبِل وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه.

52 - (حَدثنَا عُثْمَان حَدثنَا جرير عَن مَنْصُور مثله) عُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الَّذِي قبله وَهَذَا الطَّرِيق ثَبت عِنْد الْكشميهني وَحده وَثَبت أَيْضا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَقد أخرجه مُسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة مَقْرُونا بإسحق بن رَاهَوَيْه وَزُهَيْر بن حَرْب ثَلَاثَتهمْ عَن جرير وَلَفظه مسَاوٍ للفظ شُعْبَة الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ استذكروا بِغَيْر وَاو وَقَالَ فَهُوَ أَشد بدل قَوْله فَإِنَّهُ وَزَاد بعد قَوْله من النعم بعقلها قَوْله " مثله " أَي مثل الحَدِيث الَّذِي قبله
(تَابعه بشر عَن ابْن الْمُبَارك عَن شُعْبَة وَتَابعه ابْن جريج عَن عَبدة عَن شَقِيق سَمِعت عبد الله سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي تَابع مُحَمَّد بن عرْعرة بشر بن عبد الله الْمروزِي شيخ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة وَلَيْسَ بشر وَابْن الْمُبَارك بمنفردين فِي هَذِه الْمُتَابَعَة فَإِن الْإِسْمَاعِيلِيّ روى هَذِه الْمُتَابَعَة عَن الْفرْيَابِيّ حَدثنَا مُزَاحم بن سعيد حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك حَدثنَا شُعْبَة قَوْله " وَتَابعه ابْن جريج " أَي تَابع مُحَمَّد بن عرْعرة عبد الْملك بن

(20/48)


عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَبدة بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن أبي لبَابَة بِضَم اللَّام وباءين موحدتين مخففتين عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود وَهَذِه الْمُتَابَعَة وَصلهَا مُسلم من طَرِيق مُحَمَّد بن بكر عَن ابْن جريج قَالَ حَدثنِي عُهْدَة بن لبَابَة عَن شَقِيق بن سَلمَة سَمِعت عبد الله بن مَسْعُود فَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله بل هُوَ نسي وَلم يذكر مَا بعده -
3305 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تعَاهَدُوا القُرْآنَ، فوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أشَدُّ تَقَصِّيَا منَ الإبِلِ فِي عُقُلِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تَعَاهَدُوا) . وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة: ابْن عبد الله عَن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: وَالْحَاصِل أَن بريد بن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة: وَهُوَ يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه: عبد الله بن قيس. والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة.
قَوْله: (تَعَاهَدُوا) مثل: تعهدوا، وَمَعْنَاهُ: واظبوا عَلَيْهِ بِالْحِفْظِ والترداد. قَوْله: (فِي عقلهَا) بِضَم الْعين وَضم الْقَاف وَيجوز تسكينها، جمع عقال وَهُوَ الْحَبل. وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب. وَذكر الكلاماني فِي بعض النّسخ: من عللها، يَعْنِي بلامين بدل: من عقلهَا. قيل: هُوَ تَصْحِيف. قلت: رُبمَا يكون: من غللها بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وباللامين جمع غل وَهُوَ الْقَيْد، وَهَذَا لَهُ وَجه على مَا لَا يخفي، وَوَقع هُنَا: (فِي عقلهَا) . بِكَلِمَة: فِي يروي: من عقلهَا بِكَلِمَة: من قَالَ الْقُرْطُبِيّ: من رَوَاهُ من عقلهَا، فَهُوَ على الأَصْل الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّعَدِّي من لفظ التفصي، وَمن رَوَاهُ بِكَلِمَة: فِي يحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى: من أَو بِمَعْنى الظّرْف. قلت: كلمة فِي تَأتي بِمَعْنى: من، كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
(أَلاَ عِمْ صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي ... وَهل يعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي)

(وَهل يعمن من كَانَ أحدث عَهده ... ثَلَاثِينَ شهرا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال)

وَيجوز أَن يكون فِي هَهُنَا بِمَعْنى المصاحبة، يَعْنِي: مَعَ عقلهَا، وَتَأْتِي: فِي، بِمَعْنى مَعَ كَمَا، فِي قَوْله تَعَالَى: {ادخُلُوا فِي أُمَم} (الْأَعْرَاف: 83) .

42 - (بابُ القِرَاءَةِ علَى الدَّابةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْقِرَاءَة للراكب على الدَّابَّة، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الرَّد على من كره الْقِرَاءَة على الدَّابَّة، نَقله ابْن أبي دَاوُد عَن بعض السّلف، كَيفَ يكره وأصل الْقِرَاءَة على الدَّابَّة مَوْجُود فِي الْقُرْآن؟ قَالَ عز وَجل: {لتستووا على ظُهُوره ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم استوتيم عَلَيْهِ} (الزخرف: 31) الْآيَة. وَقَالَ ابْن بطال: الْقِرَاءَة على الدَّابَّة سنة مَوْجُودَة، وأصل هَذِه السّنة قَوْله تَعَالَى: {لتستووا} (الزخرف: 31) الْآيَة.

4305 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: أخْبرنِي أبُو إِياسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عبْدَ الله بنَ مُغفَلٍ قَالَ: رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وهْوَ يَقْرَأُ علَى رَاحِلَتِهِ سُورَةَ الفَتْحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو إِيَاس، بِكَسْر الْهمزَة: مُعَاوِيَة بن قُرَّة الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ، وَعبد الله بن مُغفل، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء: الْمُزنِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي الْمَغَازِي عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي التَّفْسِير عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَيَجِيء فِي التَّوْحِيد عَن أَحْمد بن أبي شُرَيْح الرَّازِيّ. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة غير ابْن مَاجَه.

52 - (بابُ تعْليم الصِّبْيان القُرْآنَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز تَعْلِيم الصّبيان الْقُرْآن، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى الرَّد على من كره ذَلِك، وَقد جَاءَت كَرَاهِيَة ذَلِك عَن سعيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، رَوَاهُ ابْن أبي دَاوُد عَنْهُمَا، فَلفظ سعيد بن جُبَير: كَانُوا يحبونَ أَن يكون يقْرَأ الصَّبِي بعد حِين، مَعْنَاهُ: أَن يتْرك الصَّبِي أَولا مرفها ثمَّ يُؤخذ بالجد على التدريج، وَلَفظ إِبْرَاهِيم: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يعلم الْغُلَام الْقُرْآن حَتَّى يعقل.

(20/49)


5305 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبي بشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إنَّ الَّذي تَدْعُونَهُ المُفَضَّلَ هُوَ المُحْكَمُ، قَالَ: وَقَالَ ابنُ عَبْاسٍ، تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا ابنُ عَشْرِ سِنِينَ وقَدْ قرَأْتُ المُحْكَمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَرَأَ الْمُحكم من الْقُرْآن وعمره عشر سِنِين، وَيُطلق عَلَيْهِ الْغُلَام، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَأخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي عَن أبي عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح ابْن عبد الله الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ عَن أبي بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن هشيم.
قَوْله: (قَرَأَ الْمُحكم) وَهُوَ الَّذِي لَا نسخ فِيهِ، وَيُطلق الْمُحكم على ضد الْمُتَشَابه فِي اصْطِلَاح أهل الْأُصُول، وَهَذَا سعيد بن جُبَير فسر الْمفصل بالمحكم، وَغَيره فسره بِأَنَّهُ من الحجرات إِلَى آخر الْقُرْآن على الصَّحِيح، وَسمي بِالْفَصْلِ للسور الَّتِي كثرت فصولها فِيهِ. قَوْله: (وَأَنا ابْن عشر سِنِين) ، وَقد اخْتلف فِيهِ، فَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة من وَجه آخر: أَنه كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع قد ناهز الِاحْتِلَام، وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ: قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ختين وَكَانُوا لَا يخنتون الْغُلَام حَتَّى يدْرك، وَفِي لفظ: (وَأَنا ابْن خمس عشرَة سنة) . وَقَالَ ابْن حبَان: وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة، وَقَالَ عَمْرو بن على: الصَّحِيح عندنَا أَنه لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد استوفي ثَلَاث عشرَة وَدخل فِي أَربع عشرَة، وَقد اسْتشْكل عِيَاض قَول ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْن عشر سِنِين، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا يُخَالف الَّذِي مضى فِي الصَّلَاة، وَبَالغ الدَّاودِيّ فِي هَذَا فَقَالَ: حَدِيث أبي بشر الَّذِي فِي هَذَا الْبَاب وهم وَأجَاب عِيَاض بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون قَوْله: أونا ابْن عشر سِنِين، رَاجعا إِلَى حفظ الْقُرْآن لَا إِلَى وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيكون تَقْدِير الْكَلَام توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد جمعت الْمُحكم وَأَنا ابْن عشر سِنِين، فَفِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير. انْتهى. قلت: الجملتان: أَعنِي قَوْله: (وَأَنا ابْن عشر سِنِين) ، وَقَوله: (وَقد قَرَأت الْمُحكم) وقعتا حَالين وَالْحَال قيد فَكيف يُقَال فِيهِ تَقْدِيم وتأخيره؟ وَقَالَ بَعضهم: وَيُمكن الْجمع بَين مُخْتَلف الرِّوَايَات بِأَن كَون ناهز الِاحْتِلَام لما قَارب ثَلَاث عشرَة ثمَّ بلغ لما استكملها وَدخل فِي الَّتِي بعْدهَا، وَإِطْلَاق خمس عشرَة بِالنّظرِ إِلَى جبر الْكسر، وَإِطْلَاق الْعشْر بِالنّظرِ إِلَى إِلْغَاء الْكسر انْتهى. قلت: لَا كسر هُنَا حَتَّى يجْبر أَو يلغى لِأَن الْكسر على نَوْعَيْنِ: أَصمّ وَهُوَ الَّذِي لَا يُمكن أَن ينْطق بِهِ إِلَّا بالجزئية كجزء من أحد عشر وجزء من تِسْعَة وَعشْرين، ومنطق وَهُوَ على أَرْبَعَة أَقسَام: مُفْرد وَهُوَ من النّصْف إِلَى الْعشْر وَهِي الكسور التِّسْعَة، ومكرر كثلاثة أَسْبَاع وَثَمَانِية أتساع، ومركب وَهُوَ الَّذِي يذكر بِالْوَاو العاطفة: كَنِصْف وَثلث وكربع وتسع، وضاف كَنِصْف عشر وَثلث سبع وَثمن تسع، وَقد يتركب من الْمنطق والأصم: كَنِصْف جُزْء من أحد عشر، وَالظَّاهِر أَنه الصَّوَاب مَعَ الدَّاودِيّ، وَالله أعلم.

6305 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا هُشَيْمٌ أخبرَنا أبُو بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا: جَمَعْتُ المُحْكَمَ فِي عَهْد رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ لهُ: وَمَا المُحْكَمُ؟ قَالَ: المُفَصَّلُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.
قَوْله: (حَدثنِي) ويروي: حَدثنَا، بِصِيغَة الْجمع، وهشيم مصغر هشم بن بشير وَقد تكَرر وَذكره وَقَالَ بَعضهم: فَاعل. قلت: أَبُو بشر، لَهُ أَي لسَعِيد بن جُبَير، وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن تَفْسِير الْمُحكم والمفصل من كَلَام سعيد بن جُبَير. قلت: هَذَا تصرف واه لِأَن قَوْله: (فَقلت) عطف على كَلَام ابْن عَبَّاس، عطف سعيد بن جُبَير كَلَامه على كَلَام ابْن عَبَّاس بعد مَا سَأَلَهُ، وَأَيْضًا لَا يسْتَلْزم كَون تَفْسِير ابْن جُبَير الْمفصل والمحكم هُنَاكَ أَن يكون هُنَا أَيْضا مِنْهُ.

62 - (بابُ نِسْيانِ القُرْآنِ، وهَلْ يقولُ: نَسِيتُ آيةَ كَذا وكَذا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نِسْيَان الْقُرْآن بِسَبَب تعَاطِي أَسبَابه الْمُقْتَضِيَة لذَلِك. قَوْله: (وَهل يَقُول) إِلَى آخِره، صُورَة الِاسْتِفْهَام

(20/50)


الإنكاري لَكِن لَيْسَ الْإِنْكَار عَن الْإِتْيَان بقوله: نسيت آيَة كَذَا وَكَذَا، على مَا لَا يَجِيء الْآن، وَلَكِن الْإِنْكَار على ارْتِكَاب أَسبَابه الداعية إِلَى ذَلِك.
وقَوْلِ الله تَعَالَى سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} (الْأَعْلَى: 6 7)

وَقَول الله عطف عَليّ قَوْله: نِسْيَان الْقُرْآن، أَي: وَفِي قَول الله، عز وَجل: {سنقرئك} (الْأَعْلَى: 6) من الإقراء، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعجل بالقراء إِذا لقِيه جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقيل: لَا تعجل لِأَن جِبْرِيل مَأْمُور بِأَن يقرأه عَلَيْك قِرَاءَة مكررة إِلَى أَن تحفظه فَلَا تنساه إلاَّ مَا شَاءَ الله لم يذكر بعد النسْيَان، وَكلمَة: لَا، للنَّفْي، وَكَأن البُخَارِيّ صَار إِلَيْهِ وَأَن الله أقرأه إِيَّاه وَأخْبرهُ أَنه لَا ينساه، وَقيل: لَا للنَّهْي وزيدت الْألف الفاصلة، كَقَوْلِك: السبيلا، يَعْنِي: فَلَا تتْرك قِرَاءَته وتكريره فتنساه إلاَّ مَا شَاءَ الله أَن ينسكه يرفع تِلَاوَته للْمصْلحَة، وَقَالَ الْفراء: الِاسْتِثْنَاء للتبرك وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْء اسْتثْنى، وَعَن الْحسن وَقَتَادَة {إلاَّ مَا شَاءَ الله} (الْأَعْلَى: 7) أَي: قضى أَن ترفع تِلَاوَته، وَعَن ابْن عَبَّاس: إلاَّ مَا أَرَادَ الله أَن ينسيكه لتنس. وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تتْرك الْعَمَل بِهِ إِلَّا مَا أَرَادَ الله أَن ينسخه فَتتْرك الْعَمَل بِهِ. وَالله أعلم.

7305 - حدَّثنا رَبِيعُ بنُ يحْيَى حَدثنَا زَائِدَةُ حَدثنَا هِشَامٌ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَة، رضيَ الله عَنْهَا، قالَتْ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَجُلاً يقْرَأ فِي المَسْجِد، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ الله {لقَدْ أذْكرَني كذَا وكَذا آيَة مِنْ سُورَةِ كَذا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَعْنَاهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسي كَذَا وَكَذَا آيَة ثمَّ تذكرها. وَقَالَ ابْن التِّين: وَفِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينسى الْقُرْآن ثمَّ يتذكره.
وربيع ضد الخريف ابْن يحيى أَبُو الْفَصْل، مر فِي: بَاب من أحب الْعتاق فِي الْكُسُوف، وزائدة من الزِّيَادَة ابْن قدامَة بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث من إِفْرَاده.
قَوْله: (رجلا) أَي: صَوت رجل. قَوْله: (أذكرني) إِلَى آخِره وَلم يبين فِيهِ تعْيين الْآيَات الْمَذْكُورَة وَلَا عَددهَا.
واستنبط بَعضهم من هَذَا مَسْأَلَة فقهية إِنَّهَا كَانَت إِحْدَى وَعشْرين آيَة، وَهِي أَن رجلا لَو قَالَ، لفُلَان عَليّ كَذَا وَكَذَا درهما يلْزمه أحد وَعِشْرُونَ درهما لِأَنَّهُ فصل بَين كَذَا وَكَذَا بِحرف الْعَطف، وَأَقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد وَعِشْرُونَ، حَتَّى قَالَ: كَذَا كَذَا درهما بِغَيْر حرف الْعَطف يلْزمه أحد عشر درهما، لِأَن أقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد عشر، لِأَنَّهُ ذكر عددين مبهمين. وَعند الشَّافِعِي: يلْزمه دِرْهَم. وَله صُورَة كَثِيرَة موضعهَا الْفُرُوع. فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ النسْيَان على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: الإنساء لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُور: جَازَ النسْيَان عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقه الْبَلَاغ والتعليم بِشَرْط أَن لَا يقْرَأ عَلَيْهِ، بل لَا بُد أَن يذكرهُ، وَأما غَيره فَلَا يجوز قبل التَّبْلِيغ، وَأما نِسْيَان مَا بلغه كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ جَائِز بِلَا خلاف.

حدَّثنا محَمَّدُ بن عُبَيْدِ بنِ ميْمُونٍ حَدثنَا عِيسَى عنْ هِشامٍ، وَقَالَ: أسقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كذَا.
أَشَارَ بذلك إِلَى أَن هشاما زَاد فِي هَذِه الرِّوَايَة لفظ: (اسقطتهن من سُورَة كَذَا) وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون عَن عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق. قَوْله: (اسقطتهن) ، أَي: بِالنِّسْيَانِ، وَقد تقدم فِي الشَّهَادَات بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد، أَعنِي: عَن مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون عَن عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت: سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يقْرَأ فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: رَحمَه الله} لقد أذكرني كَذَا وَكَذَا آيَة أسقطتهن من سُورَة كَذَا وَكَذَا.
تابَعَهُ علِيٌّ بنُ مُسْهِرٍ وعبْدَةُ عنْ هِشَامٍ
أَي: تَابع مُحَمَّد بن عبيد عَليّ بن مسْهر، بِضَم الْمِيم على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإسهار. قَوْله: (وَعَبدَة) ، عطف عَلَيْهِ أَي: وَتَابعه أَيْضا عَبدة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سُلَيْمَان، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بعطف عَبدة على سُلَيْمَان، وَوَقع لأبي ذَر عَن الْكشميهني: تَابعه عَليّ بن مسْهر عَن عَبدة. قيل: هَذَا غلط فَإِن عَبدة هُنَا رَفِيق عَليّ بن مسْهر لَا شَيْخه، وَقد أخرج البُخَارِيّ طَرِيق عَليّ بن مسْهر فِي آخر الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا بِلَفْظ: أسقطتها، وَأخرج طَرِيق عَبدة فِي الدَّعْوَات مثل لفظ عَليّ بن مسْهر سَوَاء.

(20/51)


9305 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ مَنْصُور عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ عبْدِ الله قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِئْسَ مَا لِأحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ.
(انْظُر الحَدِيث 2305) [/ ح.
قد مر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب استذكار الْقُرْآن، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره، وَهنا عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

72 - (باُب: منْ لَمْ يرَ بأْسَاأنْ يَقُولَ: سُورَةُ البَقَرَةِ، وسورَةُ كَذَا وكَذَا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من لم ير بَأْسا: إِلَخ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الرَّد على من قَالَ: لَا يُقَال: سُورَة الْبَقَرَة، وَلَا يُقَال: إلاَّ السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة، وَنَحْو ذَلِك.

0405 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْضٍ حَدثنَا أبي الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني إبْرَاهيمُ عنْ عَلْقَمَةَ وعبدِ الرَّحْمانِ بنِ يَزِيدَ عنْ أبي مَسْعُودٍ الأنْصاريِّ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الآيتَان مِنْ آخِرِ سورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَ بهِما لَيْلَةٍ كَقَتَاهُ..
مر هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي فضل سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُحَمَّد بن كثير. وَالْآخر: عَن أبي نعيم وَأخرجه هُنَا عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو والبدري. وَمر كَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

1405 - حدَّثنا أبُو اليمَانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنْ حَدِيثٍ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ وعبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عبْدٍ القاريِّ أنَّهُما سَمِعا عُمَر بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حكِيمِ بنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سورَةَ الفُرْقانِ فِي حَياةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فإِذَا هُوَ يَقْرَؤُها علَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَذِبْتُ أُساوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ فَقُلْتُ: مَنْ أقْرَأكَ هاذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أقْرَأنِيها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَلْتُ لهُ: كذَبْتَ، فَوَالله إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهْوَ أقْرَأني هذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقُودُهُ، فَقُلْتُ: يَا رسُولَ الله! إنِّي سَمِعْتُ هاذَا يَقْرَأ سورَةَ الفُرْقانِ علَى حرُوفٍ

(20/52)


لَمْ تُقْرِ رئْنِيها وإنّكَ أقْرَأتْنِي سُورَةَ الفُرْقانِ. فَقَالَ: يَا هِشَامُ اقْرَأها، فقرَأَها القِرَاءَةَ الَّتي، سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هاكَذا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأُ يَا عُمَرُ، فَقرَأتُها الَّتِي أقْرَأنِيها، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هاكَذا أنزِلتْ: ثُمّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ علَى سَبْعَةَ أحْرُفٍ فاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: سُورَة الْفرْقَان والْحَدِيث قد مر فِي بَاب أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير إِلَى آخِره. وَأخرجه هُنَا عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَلَا نعيده لقرب الْمسَافَة.

2405 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ آدَمَ أخبرَنا عليُّ بنُ مُسْهرٍ أخبرَنا هِشَامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: سَمِع النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قارِئا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فيالمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ الله! لقَدْ أذْكرَني كذَا وكَذا آيَة أسْقَطْتُها منْ سُورَةِ كَذا وكَذا..
هَذَا أَيْضا مضى عَن قريب فِي: بَاب نِسْيَان الْقُرْآن أخرجه هُنَاكَ من طرق، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

82 - (بابُ التَّرْتِيلِ فِي القِرَاءَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الترتيل فِي قِرَاءَة الْقُرْآن، وَهُوَ تَبْيِين حروفها والتأني فِي أَدَائِهَا لتَكون أدعى إِلَى فهم مَعَانِيهَا. وَقيل: الترتيل تَبْيِين الْحُرُوف وإشباع الحركات.
وقَوْلِهِ تَعَالَى { (73) ورتل الْقُرْآن ترتيلا} (المزمل: 4)

وَقَوله تَعَالَى، بِالْجَرِّ عطف على الترتيل فِي الْقُرْآن، وَمعنى: رتل الْقُرْآن أقرأه قِرَاءَة بَينه، قَالَه الْحسن، وَعَن مُجَاهِد: بعضه على أثر بعض على تؤدة بَيِّنَة بَيَانا، وَعَن قَتَادَة: تثبت فِيهِ تثبيتا، وَقيل: فَصله تَفْصِيلًا وَلَا تعجل فِي قِرَاءَته، وَهُوَ من قَول الْعَرَب: ثغر رتل، إِذا كَانَ مفلجا.
وقَوْلِهِ { (17) وقرآنا فرقناه لتقرأه على النَّاس على مكث} (الْإِسْرَاء: 601)

وَقَوله، هَذَا عطف على قَوْله الأول. قَوْله: (وقرآنا فرقناه) ، يَعْنِي: نزلناه نجوما لَا جملَة وَاحِدَة بِخِلَاف الْكتب الْمُتَقَدّمَة، يدل عَلَيْهِ قَوْله: {لتقرأه على النَّاس على مكث} (الْإِسْرَاء: 601) .
وَمَا يُكْرَهُ أنْ يُهَذِّ كَهَذِّ الشِّعْرِ

هَذَا عطف على قَوْله بَاب الترتيل. وَقد ذكرنَا أَن التَّقْدِير: بَاب فِي بَيَان الترتيل. وَكَذَلِكَ التَّقْدِير هُنَا، أَي: فِي بَيَان مَا يكره أَن يهذر، كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة وَكَذَلِكَ كلمة: أَن، وَالتَّقْدِير: أَي وَفِي بَيَان كَرَاهَة الهذ كهذ الشّعْر، والهذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة: سرعَة الْقطع والمرور فِيهِ من غير تَأمل للمعنى، كَمَا ينشد الشّعْر وتعد أبياته وقوافيه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ الإفراط فِي العجلة فِي حفظه ورواياته لَا فيإنشاده وترنمه لِأَنَّهُ يزِيد فِي الإنشاد والترنم فِي الْعَادة.
فِيها يُفْرِقُ: يُفَصَّلُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا يفرق كَا أَمر حَكِيم} (الدُّخان: 4) وَفسّر: (يفرق) ، بقوله: (وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة) .
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فرَقْناهُ: فصَّلْناهُ

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وقرآنا فرقناه} (الْإِسْرَاء: 601) أَن مَعْنَاهُ: فصلناه، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن الْمُبَارك: حَدثنَا زيد حَدثنَا ابْن ثَوْر عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَنهُ. وَأخرجه ابْن جرير من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.

3405 - حدَّثنا أبُو النعْمانِ حَدثنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ حَدثنَا واصلٌ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عبْدِ الله، قَالَ: غدَوْنا علَى عبْدِ الله، فقار رجلٌ: قرَأْتُ المُفَصَّلَ البَارِحَةَ، فَقَالَ: هَذّا كهَذِّ الشِّعْر؟ إنّا قَدْ سَمِعْنا القِرَاءَةَ وإنِّي

(20/53)


لأحْفَظُ القُرناءَ الَّتِي كانَ يَقْرَأ بِهِنَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِي عَشْرَةَ سُورَةً مِنَ المفَصَّلِ وسُورَتَيْنِ منْ آلِ حم.
مطابقته لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: وَمَا يكره أَن يهذ كهذ الشّعْر. وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وواصل بن حبَان الأحدب الْأَسدي الْكُوفِي، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الْجمع بَين السورتين فِي الرَّكْعَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي وَائِل، وَمر الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (على عبد الله) أَي: ابْن مَسْعُود قَوْله: (فَقَالَ رجل) هُوَ نهيك بن سِنَان كَمَا أخرجه مُسلم من طَرِيق مَنْصُور عَن أبي وَائِل فِي هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (هَذَا) نصب على الْمصدر أَي: هذذت هَذَا. قَوْله: (إِنَّا قد سمعنَا الْقِرَاءَة) قَالَ الْكرْمَانِي: الْقِرَاءَة بِلَفْظ الْمصدر، ويروي الْقِرَاءَة جمع القارىء. قَوْله: (لأحفظ القرناء) أَي: النَّظَائِر فِي الطول وَالْقصر. قَوْله: (ثَمَانِي عشرَة) إِلَى آخِره، وَقد تقدم فِي: بَاب كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عشرُون سُورَة، وعدَّ ثمَّة: حم من الْمفصل، وَهَهُنَا قد أخرجه مِنْهُ وَأجِيب بِأَن مُرَاده ثمَّة أَن مُعظم الْعشْرين مِنْهُ. قَوْله: (من آل حم) أَي: السُّور الَّتِي أَولهَا حم، كَقَوْلِك: فلَان من آل فلَان، قَالَه النَّوَوِيّ. وَقَالَ غَيره المُرَاد حم نَفسهَا، يَعْنِي لفظ: آل، مقحمة كَقَوْلِك: آل دَاوُد، يُرِيد دَاوُد نَفسه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَوْلَا أَنه فِي الْكِتَابَة مُنْفَصِل لحسن أَن يُقَال: إِنَّه الْألف وَاللَّام الَّتِي لتعريف الْجِنْس، يَعْنِي: وسورتين من جنس الحواميم، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَوْله: (من آل حم) من كَلَام أبي وَائِل وإلاَّ كَانَ أول الْمفصل عِنْد ابْن مَسْعُود من أول الجاثية، قيل: إِنَّمَا يرد لَو كَانَ تَرْتِيب مصحف ابْن مَسْعُود كترتيب الْمُصحف العثماني، وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك، فَإِن تَرْتِيب السُّور فِي مصحف ابْن مَسْعُود يغاير التَّرْتِيب فِي الْمُصحف العثماني، فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهَا، وَيكون أول الْمفصل عِنْده الجاثية، وَالدُّخَان مُتَأَخِّرَة فِي ترتيبه عَن الجاثية.

4405 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مُوسَى بنِ أبي عائِشَةَ عنْ سعِيدِ بنِ جبَيْر عنِ ابْن عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي قوْلِهِ: { (75) لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} (الْقِيَامَة: 61) قَالَ: كَانَ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا نَزَلَ عَليهِ جِبْرِيلُ بالوَحْيِ وكانَ مِمَّا يُحرِّك بِهِ لِسانَهُ وشَفَتَيْهِ فيَشْت، علَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فأنْزَلَ الله الآيةَ الَّتِي فِي لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الْقِيَامَة: 1) لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} (الْقِيَامَة: 61 81) فإِذَا أَنْزَلْناهُ فاسْتَمِع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (الْقِيَامَة: 91) قَالَ: إِنَّ علَيْنا أنْ نُبَيِّنَهُ بلِسانِكَ قَالَ: وكانَ إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ أطْرَقَ، فإِذَا ذَهَبَ قرَأهُ كَما وعَدَهُ الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} (الْقِيَامَة: 51) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِحْبَاب التأني فِيهِ وَمِنْه يحصل الترتيل. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، ومُوسَى ابْن أبي عَائِشَة أَبُو بكر الْهَمدَانِي. والْحَدِيث قد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْقِيَامَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بطرق كَثِيرَة. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

92 - (بابُ مَدِّ القِرَاءَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مد الْقِرَاءَة، وَالْمدّ هُوَ إشباع الْحَرْف الَّذِي بعده ألف أَو وَاو أَو يَاء.

5405 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا جَرِيرُ بنُ حازِمِ الأزْدِيُّ حَدثنَا قَتادَة قَالَ: سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ عنْقِرَاءَةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: كانَ يَمُدُّ مدّا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير بِالْجِيم ابْن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْأَزْدِيّ بالزاي وَالدَّال الْمُهْملَة أَبُو النَّضر الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
قَوْله: (كَانَ يمد) أَي: يمد الْحَرْف الَّذِي يسْتَحق الْمَدّ قَوْله: (مدان نصب) على المصدرية.

(20/54)


6405 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عاصِمٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتادةَ. قَالَ: سُئِلَ أنَسٌ: كَيْفَ كانَتْ قَرَاءَةُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: كانَتْ مَدّا ثُمَّ قَرَأ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. يَمُدُّ بِبسْمِ الله ويَمُدُّ بالرَّحْمانِ ويَمُدُّ بالرَّحِيمِ.
(انْظُر الحَدِيث 5405) .
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن عَمْرو بِالْفَتْح ابْن عَاصِم بن عبيد الله الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ. وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى.
قَوْله: (كَانَت مدا) أَي: كَانَت قِرَاءَته مدا أَي: ذَات، مد وَوَقع عَنهُ أبي نعيم من طَرِيق أبي النُّعْمَان عَن جرير بن حَازِم: كَانَ يمد صَوته، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: كَانَ يمد قِرَاءَته قَوْله: (يمد بِبسْم الله) كَذَا وَقع بباء مُوَحدَة قبل الْمُوَحدَة الَّتِي فِي: بِسم الله، كَأَنَّهُ حكى فِي: بِسم الله، كَمَا حُكيَ لفظ: الرَّحْمَن فِي قَوْله: (ويمد بالرحمن) وَوَقع عِنْد أبي نعيم من طَرِيق الْحسن الْحلْوانِي عَن عَمْرو بن عَاصِم شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: يمد بِسم الله ويمد الرَّحْمَن ويمد الرَّحِيم، من غير بَاء مُوَحدَة فِي الثَّلَاثَة، وَيُقَال: إِنَّمَا أَدخل الْبَاء فِي الْبَاء إِمَّا لِأَنَّهُ ذكر اسْم الله على سَبِيل الْحِكَايَة، وَإِمَّا لِأَنَّهُ جعله كالكلمة الْوَاحِدَة علما لذَلِك، وَالْمدّ إِنَّمَا يكون فِي الْوَاو وَالْألف وَالْيَاء، وَمد الرَّحْمَن والرحيم لَيْسَ كمد غَيرهمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَسْمَلَة همزَة توجب الْمَدّ فِي حُرُوف الْمَدّ واللين، وللقراءة فِي مَوضِع الْمَدّ فِي مِقْدَاره وجوهات بيّنت فِي موضعهَا.

03 - (بابُ التَّرْجِيعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الترجيع: هُوَ تقَارب ضروب الحركات فِي الْقِرَاءَة، وَأَصله الترديد، وترجيع الصَّوْت تريده فِي الْحلق كَقِرَاءَة أَصْحَاب الألحان: وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الترجيع ترديد الْقِرَاءَة، وَمِنْه تَرْجِيع الْأَذَان.

7405 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إِيَاس حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا أبُو إياسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عبْدَ الله بنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: رأيْتُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقْرَأُ وهْوَ علَى ناقَتِهِ أوْ جَمَلِهِ وهْيَ تَسِيرُ بِهِ وهْوَ يَقْرَأُ سورَةَ الفَتْحِ أوْ مِنْ سُورَةِ الفَتْحِ قِرَاءَةً لَيِّنَةً يَقْرَأُ وهْوَ يُرَجِّعُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو إِيَاس، بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالمهملة: واسْمه مُعَاوِيَة بن قُرَّة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: الْبَصْرِيّ، وَعبد الله بن مُغفل، بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن أبي الْوَلِيد وَفِي التَّفْسِير عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن وَعَن حجاج بن منهال، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، والواوات فِي: (وَهُوَ يقْرَأ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَهِي تسير) كلهَا للْحَال.
قَوْله: (أَو جمله) ، شكّ من الرَّاوِي. وَكَذَلِكَ قَوْله: (أَو من سُورَة الْفَتْح) وَقَالُوا: تَرْجِيع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَنه حصل من هز النَّاقة وَالْآخر: أَنه أشْبع الْمَدّ فِي مَوْضِعه فحدف ذَلِك، وَقيل: الترجيع تَحْسِين التِّلَاوَة لَا تَرْجِيع الْغناء، لِأَن الْقِرَاءَة بترجيع الْغناء يُنَافِي الْخُشُوع الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود من التِّلَاوَة.

13 - (بابُ حُسْنِ الصَّوْتِ بالقرَاءَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مطلوبية حسن الصَّوْت بالقراةء، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب حسن الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ لِلْقُرْآنِ، وَقيل: الْإِجْمَاع على اسْتِحْبَاب سَماع الْقُرْآن من ذِي الصَّوْت الْحسن: وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طَرِيق أبي مسجعة، قَالَ: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقدم الشَّاب الْحسن الصَّوْت لحسن صَوته بَين يَدي الْقَوْم.

8405 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ أبُو بَكْرٍ حدَّثنا أبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ حدَّثَنا بُرَيْدُ بنُ عبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لهُ: يَا أَبا مُوسَى! لَقَدْ أوتيتَ مِزْمارا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاودَ.

(20/55)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن رَاوِي الحَدِيث، وَهُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، كَانَ حسن الصَّوْت جدا. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد أُوتيت مِزْمَارًا أَي: صَوتا حسنا، وَأَصله الْآلَة أطلق اسْمهَا على الصَّوْت الْحسن للمشابهة بَينهمَا.
وَمُحَمّد بن خلف أَبُو بكر الْمقري الْبَغْدَادِيّ الحدادي، بالمهملات وَفتح أَوله وَتَشْديد الدَّال الأولى، من صغَار شُيُوخ البُخَارِيّ، وعاش بعد البُخَارِيّ خمس سِنِين وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لشيخه فِي البُخَارِيّ إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، وَأَبُو يحيى اسْمه عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الملقب ببشمين، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَكسر المم وبالنون بعد الْيَاء آخر الْحُرُوف. فَارسي مَعْنَاهُ: الصُّوفِي، الْحمانِي، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم وبالنون: نِسْبَة إِلَى حمان قَبيلَة من تَمِيم، الْكُوفِي أَصله من خوارزم، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء: واسْمه عَامر، يروي بريد الْمَذْكُور عَن جده عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس، ويروي أَبُو يحيى الْحمانِي: سَمِعت بريد بن عبد الله بدل حَدثنَا بريد بن عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْكِنْدِيّ.
قَوْله: (مِزْمَارًا) ، بِكَسْر الْمِيم، قد مر تَفْسِيره الْآن قَوْله: (آل دَاوُد) ، لَفظه آل مقحمة وَالْمرَاد نفس دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَنَّهُ لم يذكر أَن أحدا من آل دَاوُد قد أعطي من حسن الصَّوْت مَا أعطي دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

23 - (بابُ مَنْ أحَبَّ أنْ يَسْمَعَ القُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أحب أَن يسمع الْقُرْآن من غَيره، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الْقِرَاءَة.

9405 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ حدَّثنا أبي عنِ الأعْمَشِ قَالَ: حدَّثني إِبْرَاهِيمُ عنْ عبِيدَةَ عنْ عبْده الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأُ عَليَّ القُرْآنَ. قُلْتُ: اقْرَأُ عَليْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ منْ غَيْرِي..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب أَن يسمع الْقُرْآن من غَيره ليَكُون عرض الْقُرْآن سنة، وَيحْتَمل أَن يكون لأجل تدبره وَزِيَادَة تفهمه، لِأَن المستمع أقوى على ذَلِك وَأنْشط من القارىء لاشتغاله بِالْقِرَاءَةِ، بِخِلَاف قِرَاءَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي بن كَعْب، فَإِنَّهُ كَانَ لإِرَادَة تَعْلِيمه كَيْفيَّة أَدَاء الْقِرَاءَة ومخارج الْحُرُوف وَنَحْو ذَلِك، وَهَذَا أخرجه مُخْتَصرا، والذييأتي عَقِيبه بأتم مِنْهُ، وَنَذْكُر رِجَاله فِيهِ لِأَنَّهُمَا حَدِيث وَاحِد.

33 - (بابُ قَوْل المُقْرِىء لِلقارِىء: حَسْبُكَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول المقرىء وَهُوَ الَّذِي يقرىء غَيره للقارىء الَّذِي يقْرَأ: حَسبك أَي: يَكْفِيك.

0505 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُف حَدثنَا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبرَاهيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عبْدِ الله ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأ علَيَّ. قُلْتُ: يَا رسولَ الله! اقْرَأُ عَليْكَ وعَليْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نعَمْ فَقَرأْتُ سُورَةَ النِّساءِ حتَّى أتيْتُ إِلَى هاذِه الآيَةَ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَاؤُلاءِ شَهِيداً} (النِّسَاء: 14) قَالَ: حَسْبُكَ الآنَ، فالْتَفَتُّ إِلَيْه فإِذَا عَيْناهُ تَذْرِفانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ مَسْعُود: (حَسبك) وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَسليمَان، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعبيدَة، بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: السَّلمَانِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مر فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (تَذْرِفَانِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وبالفاء أَي: تسيلان دمعا، من ذرفت الْعين تذرف إِذا سَالَ دمعها. فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ مَسْعُود: (حَسبك) عِنْد وُصُوله إِلَى الْآيَة الْمَذْكُورَة؟ قلت: تَنْبِيها على الموعظة وَالِاعْتِبَار فِي هَذِه الْآيَة، وَلِهَذَا

(20/56)


بَكَى وبكاؤه إِشَارَة مِنْهُ إِلَى معنى الْوَعْظ لِأَنَّهُ تمثل لنَفسِهِ أهوال يَوْم الْقِيَامَة وَشدَّة الْحَال الداعية لَهُ إِلَى شَهَادَته لأمته بتصديقه وَالْإِيمَان بِهِ وسؤاله الشَّفَاعَة لَهُم ليربحهم من طول الْموقف وأهواله، وَهَذَا أَمر يحِق لَهُ طول الْبكاء والحزن.

43 - (بَاب فِي كَمْ يُقْرَأُ القُرْآنُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كم من مُدَّة من الْوَقْت يقْرَأ القارىء الْقُرْآن فِيهَا وَلم يبين فِيهِ الْمدَّة لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ شَيْء من الْحَد الْعين، وَلكنه يُرِيد بذلك الرَّد على من قَالَ: أقل مَا يجزىء من الْقِرَاءَة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة جُزْء من أَرْبَعِينَ جُزْءا من الْقُرْآن، حُكيَ ذَلِك عَن إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ والحنابلة.
وقَوْلُ الله تَعَالَى { (73) فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ} (المزمل: 02)

أورد هَذَا فِي معرض الِاسْتِدْلَال على عدم التَّحْدِيد فِي كمية الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ عَام يَشْمَل الْجُزْء من الْقُرْآن وَأَقل مِنْهُ وَأكْثر مِنْهُ على حسب التَّيْسِير، فَلَا يَقْتَضِي جُزْءا معينا، وَلَا محدودا، وَلَا وقتا محدودا وَلَا معينا، وَمَا ورد فِيهِ من الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار لَا يدل على تنصيص الكمية فِي الْقدر وَالْوَقْت، فَافْهَم.

1505 - حدَّثنا عَلِيٌّ حدّثنا سُفْيانُ قَالَ لِي ابنُ شُبرُمةَ: نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ القُرْآنِ فَلَمْ أجِدْ سُورَةً أقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ آياتٍ، فَقُلْتُ: لَا يَنْبَغَي لِأحَدٍ أَن يَقْرَأ أقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ آياتٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه إِشَارَة إِلَى الكمية بِثَلَاث آيَات، وَلكنه لَيْسَ بتحديد بِحَسب الْوُجُوب لَا بِحَسب السّنة.
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَابْن شبْرمَة، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء وَفتح الْمِيم: هُوَ عبد الله بن شبْرمَة بن الطُّفَيْل الضَّبِّيّ أَبُو شبْرمَة الْكُوفِي القَاضِي فَفِيهِ أهل الْكُوفَة، عداده فِي التَّابِعين، رُوِيَ عَن أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ عفيفا صَارِمًا عَاقِلا فَقِيها يشبه النساك ثِقَة فِي الحَدِيث، شَاعِرًا حسن الْخلق جوادا وَكَانَ قَاضِيا لأبي جَعْفَر على سَواد الْكُوفَة وضياعها، مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَرُوِيَ لَهُ فِي الْأَدَب وَرُوِيَ لَهُ الْبَاقُونَ سوى التِّرْمِذِيّ.
قَوْله: (كم يَكْفِي الرجل من الْقُرْآن) قَالَ بَعضهم: أَي فِي الصَّلَاة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل مُرَاده: كم يَكْفِيهِ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من قِرَاءَة الْقُرْآن مُطلقًا.
قَالَ عَلِي: حَدثنَا سُفْيانُ أخبرنَا مَنْصُورٌ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ يَزيدَ أخْبَرَهُ علْقمَةُ عنْ أبي مَسْعُودٍ: ولَقِيتُهُ وهْوُ يَطُوفُ بالْبيْتِ فَذَكَرَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ مَنْ قَرَأ بالآيَتَينِ مِنْ إخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتاهُ

أَي: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ، وَهَذَا مَوْصُول من تَتِمَّة الْخَبَر الْمَذْكُور. قَوْله: (حَدثنَا) أَي: سُفْيَان أخبرنَا مَنْصُور بن المعمر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَامر البدري، ومطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (من قَرَأَ الْآيَتَيْنِ) من حَيْثُ إِنَّه يدل على الإكتفاء بالآيتين، بِخِلَاف مَا قَالَ ابْن شبْرمَة: بِثَلَاث. وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد رُوِيَ هُنَا عَن عَلْقَمَة عَن أبي مَسْعُود وَرُوِيَ فِي: بَاب فضل سُورَة الْبَقَرَة، وَفِي: بَاب من لم ير بَأْسا أَن يَقُول: سُورَة الْبَقَرَة، عَن أبي مَسْعُود، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَارَة يروي بِوَاسِطَة وَتارَة بِلَا بِوَاسِطَة، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْكَلَام فِي الحَدِيث مر فِي فضل سُورَة الْبَقَرَة.

2505 - حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ مُغيرَةَ عنْ مُجاهدٍ عنْ عبْدِ الله بن عَمْرٍ وَقَالَ: أنْكَحَنِي أبي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكانَ يَتَعَاهَدُ كَنّتَهُ فَيَسألُها عنْ بَعْلِها، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ، لَمْ يَطَأْ لَنا فِرَاشا ولَمْ يُفَدِّشْ لَنا كَنَفَا مُذْ أتَيْناهُ، فلَمَّا طَال ذالِكَ عليْهِ ذَكَرَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ

(20/57)


وَسلم، فَقَالَ: القِينِي بِهِ، فَلَيقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ قَالَ: كلَّ يَوْمٍ. قَالَ: وكَيْفَ تَخْتِمُ؟ قَالَ: كلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ صُمْ فِي كلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، واقْرَإ القُرْآنَ فِي كلِّ شَهْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ ثَلاَثَة أيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ. قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ. قَالَ: أفْطِرْ يَوْمَيْنِ وصُمْ يَوْما، قَالَ: قُلْتُ أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَقال: صُمْ أفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ داوُدَ: صِيامَ يَوْمٍ وإفْطارَ يَوْمٍ، واقْرَأْ فِي كلِّ سَبْعِ لَيالٍ مَرَّةً، فلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وذَاكَ أنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَكانَ يقْرَأُ علَى بَعْضٍ أهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ القُرْآنِ بِالنَّهَارِ والذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهارِ لِيَكُونَ أخَفَّ علَيْهِ باللَّيْلِ، وَإِذا أرَادَ أنَّ يتَقَوَّى أفطَرَ أيَّاما وأحْصي، وصامَ مِثْلَهُنَّ كرَاهِيَةَ أنْ يتْرُكَ شَيْئا، فارَقَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَيهِ.
قَالَ أبُو عبْدِ الله: وَقَالَ بعْضُهُمْ: فِي ثَلاثٍ وَفِي خَمْسٍ، وأكْثَرُهُمْ علَى سَبْعٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَيفَ تختم؟ قَالَ: كل لَيْلَة) . ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، ومغيرة هُوَ ابْن مقسم، بِكَسْر الْمِيم: الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن بشر بِهِ وَفِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره.
قَوْله: (أنكحني أبي) أَي: زَوجنِي، وَهُوَ مَحْمُول على أَنه كَانَ المشير عَلَيْهِ بذلك، وَإِلَّا فعبد الله بن عَمْرو وَكَانَ رجلا كَامِلا، أَو كَانَ مُحْتملا عَنهُ بِالصَّدَاقِ، أَو زوجه بالفضول فَأَجَازَهُ. قَوْله: (امْرَأَة ذَات حسب) أَي: ذَات شرف بِالْآبَاءِ، وَجَاء فِي رِوَايَة أَحْمد: امْرَأَة من قُرَيْش، وَهِي أم مُحَمَّد بنت محمية، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الْخَفِيفَة: ابْن جُزْء الزبيدِيّ حَلِيف قُرَيْش. قَوْله: (فَكَانَ يتَعَاهَد) أَي: فَكَانَ أبي وَهُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ يتَعَاهَد أَي: يتفقد. قَوْله: (كنته) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد النُّون، وَهِي امْرَأَة ابْنه. قَوْله: (عَن بَعْلهَا) أَي: عَن زَوجهَا وَهُوَ عبد الله. قَوْله: (فَتَقول) أَي الكنة تَقول فِي جَوَاب عَمْرو حِين يسْأَلهَا عَنهُ. قَوْله: (نعم الرجل من رجل) قَالَ الْكرْمَانِي: الْمَخْصُوص بالمدح مَحْذُوف، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: نعم الرجل من بَين الرِّجَال، والنكرة فِي الْإِثْبَات قد تفِيد التَّعْمِيم، كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {علمت نفس مَا أحضرت} (التكوير: 41) أَو أَن يكون من بَاب التَّجْرِيد كَأَنَّهَا جردت من رجل مَوْصُوف بِكَذَا وَكَذَا رجلا، فَقَالَت: نعم الرجل الْمُجَرّد من كَذَا فلَان، وَقَالَ الْمَالِكِي فِي الشواهد: تضمن هَذَا الحَدِيث وُقُوع التَّمْيِيز بعد فَاعل نعم ظَاهرا، وسيبويه لَا يجوّز أَن يَقع التَّمْيِيز بعد فَاعله إلاَّ إِذا اضمر الْفَاعِل، وَأَجَازَهُ الْمبرد وَهُوَ الصَّحِيح. قَوْله: (لم يطَأ لنا فراشا) أَي: لم يضاجعنا حَتَّى يطَأ فراشنا. قَوْله: (وَلم يفتش لنا) ، بفاه مَفْتُوحَة وتاء مثناة من فَوق مُشَدّدَة: كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَكَذَا فِي رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ، وَفِي رِوَايَة الكشمهيني: وَلم يغش، بغين مُعْجمَة سَاكِنة بعْدهَا شين مُعْجمَة. قَوْله: (كنفا) بِفَتْح الْكَاف وَالنُّون بعْدهَا فَاء وَهُوَ السّتْر والجانب، وأرادت بذلك الْكِنَايَة عَن عدم جمَاعَة لَهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: والكنف السَّاتِر والوعاء أَو بِمَعْنى الكنيف. فَإِن قلت: مَا الْمَقْصُود من الجملتين؟ قلت: تَعْنِي لم يضاجعنا حَتَّى يطَأ فراشا، وَلم يطعم عندنَا حَتَّى يحْتَاج أَن يفتش عَن مَوضِع قَضَاء الْحَاجة، انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: الأول أولى. قلت: لم يبين وَجه الْأَوْلَوِيَّة وَلم يكن قَصده إلاَّ غمزة فِي حَقه. قلت: حَاصِل الْكَلَام هُنَا أَن هَذِه الْمَرْأَة شكرت عبد الله أَولا بِأَنَّهُ قوام بِاللَّيْلِ صوام بِالنَّهَارِ، ثمَّ شكت من حَيْثُ إِنَّه لم يضاجعها وَلم يطعم شَيْئا عِنْدهَا، فحط عَلَيْهِ أَبوهُ عمر، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا جَاءَ فِي رِوَايَة هشيم: فَأقبل عَليّ يلومني، فَقَالَ: أنكحتك امْرَأَة من قُرَيْش ذَات حسب فعضلتها وَفعلت، ثمَّ انْطلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكَانِي. قَوْله: (فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ) أَي: على عَمْرو، ذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَقَالَ القني بِهِ) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعَمْرو بن الْعَاصِ: القني بِهِ أَي: بِعَبْد الله، والقني مُشْتَقّ من اللِّقَاء. وَالْمعْنَى: اجْتمعَا عِنْدِي. قَوْله: (فَلَقِيته بعد) أَي: لقِيت عبد الله، قَائِله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح: اخْتلف الروَاة كَيفَ كَانَ لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ، وَقيل: لَقيته اتِّفَاقًا، فَقَالَ لَهُ: اجْتمع بِي. قَوْله: (بعد) مَبْنِيّ على الضَّم لانقطاعه عَن الْإِضَافَة أَي: بعد ذَلِك. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

(20/58)


(كَيفَ تَصُوم) . وَقد مضى فِي كتاب الصَّوْم مَا يتَعَلَّق بِهِ قَوْله: (أُطِيق أَكثر من ذَلِك) وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالفَة لأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ علم أَن مُرَاده تسهيل الْأَمر وتخفيفه عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْأَمر للْإِيجَاب. قَوْله: (صم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْجُمُعَة قَالَ: أُطِيق أَكثر من ذَلِك) أَي: من ثَلَاثَة أَيَّام قَوْله: (قَالَ: صم يَوْمًا) أَي: قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صم يَوْمًا وَأفْطر يَوْمَيْنِ. قلت: أُطِيق أَكثر من ذَلِك، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا وهم من الرَّاوِي لِأَن ثَلَاثَة أَيَّام من الْجُمُعَة أَكثر من فطر يَوْمَيْنِ وَصِيَام يَوْم؛ وَكَذَا قَالَه عبد الْملك، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إلاَّ أَن يُرِيد ثَلَاثَة من قَوْله: (أفطر يَوْمًا وصم يَوْمًا) وَهَذَا خُرُوج عَن الظَّاهِر. قَوْله: (صِيَام يَوْم) وَيجوز فِيهِ النصب على تَقْدِير: كَانَ يَصُوم صِيَام يَوْم، وَيجوز الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ صِيَام يَوْم. قَوْله: (إفطار يَوْم) عطف عَلَيْهِ على الْوَجْهَيْنِ. قَوْله: (واقرأ فِي كل سبع لَيَال مرّة) أَي: اختم فِي كل سبع لَيَال مرّة وَاحِدَة. قَوْله: (فَكَانَ يقْرَأ) هُوَ كَلَام مُجَاهِد يصف صَنِيع عبد الله بن عمر وَلما كبر، وَقد قع مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة هشيم. قَوْله: (كَبرت) بِكَسْر الْبَاء فِي السن، وَأما كَبرت بِالضَّمِّ فَفِي الْقُدْرَة. قَوْله: (وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ) أَي: وَالَّذِي أَرَادَ أَن يقرأه بِاللَّيْلِ يعرضه بِالنَّهَارِ. قَوْله: (وأحصي) أَي: عدم أَيَّام الْإِفْطَار. قَوْله: (كَرَاهِيَة) نصب على التَّعْلِيل، أَي: لأجل كَرَاهِيَة أَن يتْرك شَيْئا، وَكلمَة أَن يتْرك شَيْئا، وَكلمَة: أَن مَصْدَرِيَّة. فَإِن قلت: قد فَارق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صَوْم الدَّهْر وَقد ترك ذَلِك؟ قلت: غَرَضه أَنه مَا ترك السرد والتتابع فِي الْجُمْلَة، وَهُوَ الَّذِي فَارقه عَلَيْهِ.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم فِي ثَلَاث) أَي: قَالَ بعض الروَاة: قَرَأَ فِي كل ثَلَاث لَيَال مرّة وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى رِوَايَة شُعْبَة عَن مُغيرَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، فَقَالَ: اقْرَأ الْقُرْآن فِي كل شهر، قَالَ: إِنِّي أُطِيق أَكثر من ذَلِك، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: فِي ثَلَاث، وَرُوِيَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مصححا من طَرِيق يزِيد بن عبد الله بن الشخير عَن عبد الله بن عَمْرو مَرْفُوعا: لَا يفقه من قَرَأَ الْقُرْآن فِي أقل من ثَلَاث، وَهُوَ اخْتِيَار أَحْمد وَأبي عبيد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَآخَرُونَ. قَوْله: (وَفِي خمس) أَي: اقرأه فِي كل خمس لَيَال، وَرُوِيَ الدَّارمِيّ من طَرِيق أبي فَرْوَة عَن عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! فِي كم أختم الْقُرْآن؟ قَالَ: أختمه فِي شهر. قلت: إِنِّي أُطِيق قَالَ أختمه فِي خَمْسَة وَعشْرين. قلت: إِنِّي أُطِيق قَالَ: أختمه فِي عشْرين. قلت) إِنِّي أُطِيق، قَالَ: اختمه فِي خمس عشرَة، قلت إِنِّي أُطِيق قَالَ اختمه فِي خمس. قبت إِنِّي إطيق. قَالَ: لَا وَأَبُو فَرْوَة بِالْفَاءِ عُرْوَة بن الْحَارِث الْجُهَنِيّ الْكُوفِي الثِّقَة. قَوْله: (وَأَكْثَرهم على سبع) أَي: أَكثر الروَاة عَن عبد الله بن عَمْرو: على سبع لَيَال، يَعْنِي: إقرأ فِي كل سبع لَيَال مرّة، وَرُوِيَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من ذريق وهب بن مُنَبّه عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي كم يقْرَأ الْقُرْآن؟ قَالَ: فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ قَالَ: فِي شهر، قَالَ: فِي عشْرين، ثمَّ قَالَ: فِي خمس عشرَة، ثمَّ قَالَ: فِي عشر، ثمَّ قَالَ: فِي سبع، ثمَّ لم ينزل عَن سبع فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين هَذَا وَبَين حَدِيث أبي فَرْوَة الْمَذْكُور؟ قلت: بِتَعَدُّد الْقِصَّة، فَلَا مَانع أَن يتَكَرَّر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عَمْرو، وَلِأَن النَّهْي عَن الزِّيَادَة لَيْسَ للتَّحْرِيم كَمَا أَن الْأَمر فِي جَمِيع ذَلِك لَيْسَ للْوُجُوب.

3505 - حدَّثنا سَعْدُ بنُ حَفْصِ حدَّثنا شَيْبانُ عنْ يَحْيى اعنْ مُحَمَّدِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي سلَمَةَ عنْ عبْدِ الله بنِ عمْرو قَالَ: قَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كَمْ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟.

4505 - وحدَّثني إسْحاقُ أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ شَيْبانَ عنْ يَحْيى اعنْ مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ مَوْلَى زُهْرَةَ عنْ أبي سلَمَةَ، قَالَ: وأحْسبُنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنا مِنْ أبي سَلَمَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وَقَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَإ القُرْآنَ فِي شَهْرٍ. قُلْتُ: إنِّي أجِدُ قُوَّةً، حتَّى قَالَ: فاقرَأهُ فِي سَبْعِ وَلَا تَزِدْ علَى ذَلِكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فاقرأه فِي سبع) وَفِي قَوْله: (كم تقْرَأ الْقُرْآن؟) وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سعد بن حَفْص أبي مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي يُقَال لَهُ الضخم عَن أبي مُعَاوِيَة شَيبَان النَّحْوِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولى بني زهرَة عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَالْآخر: عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن عبيد الله بن مُوسَى وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ، رُوِيَ عَنهُ بِوَاسِطَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّاء عَن عبيد الله بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (وأحسبني) قَائِل هَذَا هُوَ يحيى بن أبي كثير وأحسبني أَي: أَظن نَفسِي أَنِّي سَمِعت هَذَا

(20/59)


من أبي سَلمَة. وَكَانَ يحيى يحدث بِهَذَا عَن أبي سَلمَة، ثمَّ توقف فِيهِ وتححق أَنه سَمعه بِوَاسِطَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَلَا يضر هَذَا لِأَن يحيى من رُوِيَ عَن أبي سَلمَة، وَقد تقدم فِي الصّيام من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن أبي سَلمَة مُصَرحًا بِالسَّمَاعِ من غير توقف. قَوْله: (وَلَا تزد على ذَلِك) أَي: على سبع قَالَ الْكرْمَانِي. مُقْتَضى لَا تزد أَن لَا تجوز الزِّيَادَة. قلت: لَعَلَّ ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى الْمُخَاطب، خاطبه لضَعْفه وعجزه. أَو أَن النَّهْي لَيْسَ للتَّحْرِيم، وَكَانَ أبي بن كَعْب يختمه فِي ثَمَان. وَكَانَ الْأسود يختمه فِي سِتّ، وعلقمة فِي خمس، وَرُوِيَ عَن معَاذ بن جبل، وَكَانَت طَائِفَة تقْرَأ الْقُرْآن كُله فِي لَيْلَة أَو رَكْعَة. وَرُوِيَ ذَلِك عَن عُثْمَان بن عَفَّان وَتَمِيم الدَّارِيّ. وَكَانَ سليم يختك الْقُرْآن فِي لَيْلَة ثَلَاث مَرَّات، ذكر ذَلِك أَبُو عبيد. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح: أَكثر مَا بلغنَا، قِرَاءَة ثَمَان ختمات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، وَقَالَ السّلمِيّ: سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عُثْمَان المغربي يَقُول: ابْن الْكَاتِب يخْتم بِالنَّهَارِ أَربع ختمات وبالليل أَربع ختمات.

53 - (بابُ البُكاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ)

أَي: هَذَا بَاب ف بَيَان حسن الْبكاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن، لِأَنَّهُ صفة العارفين وشعار الصَّالِحين قَالَ الله تَعَالَى: {يخرون للأذقان يَبْكُونَ} (الْإِسْرَاء: 901) {خروا سجدا وبكيا} (مَرْيَم: 85) .

5505 - حدَّثنا صَدَقَةُ أخبرنَا يَحْياى عنْ سُفْيانَ عنْ سُلَيْمانَ عنْ إبْراهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عبْدِ الله قَالَ يَحْيى ا: بعْضُ الحَدِيثِ عنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، قَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ح وحدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيى عنْ سُفْيانَ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ وعَنْ عَبِيدَةَ عنْ عبْدِ الله قَالَ الأعْمَشُ؛ وبَعْضَ الحَدِيثِ حدَّثني عَمْرُو بنُ مُرَّةَ عنْ إبْرَاهِيمَ وعنْ أبِيهِ عنْ أبي الضُّحى عنْ عبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأُ علَيَّ. قَالَ: قُلْتُ آقْرَأُ علَيْكَ وعلَيْكَ أنزِل؟ قَالَ: إنِّي أشْتَهِي أنْ أسْمَعَهُ منْ غَيْرِي قَالَ: فَقَرَأتُ النِّساءَ حتَّى إذَا بلَغْتُ { (4) ؟ 41} (النِّسَاء: 14) قَالَ لي: كُفَّ أوْ أمْسِكْ، فرَأيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قرأيت عَيْنَيْهِ نذرفان) . والْحَدِيث مربعين هَذَا الْإِسْنَاد فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء، كَمَا أخرجه هُنَا عَن صَدَقَة بن الْفضل عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عُبَيْدَة، بِفَتْح الْعين: السَّلمَانِي عَن عبد الله بن مَسْعُود. أخرجه عَن قريب فِي بَاب قَول المقرىء للقارىء: حَسبك، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَمر فِي الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَبَعض الحَدِيث) مَنْصُوب بقوله: حَدثنِي عَمْرو بن مرّة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. قَوْله: (وَعَن أَبِيه) عطف على قَوْله: (عَن سُلَيْمَان) . قَوْله: (وَعَن أَبِيه) أَي: عَن أبي سُفْيَان، واسْمه سعيد بن مَسْرُوق الثَّوْريّ وَالْحَاصِل أَن سُفْيَان الثَّوْريّ رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أَبِيه سعيد وَأَبوهُ رُوِيَ عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ مُنْقَطع لِأَن أَبَا الضُّحَى لم يدْرك ابْن مَسْعُود وَرِوَايَة إِبْرَاهِيم عَن أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود مُتَّصِلَة. قَوْله: (كف أَو أمسك) شكّ من الرَّاوِي، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: حَسبك، وَوَقع فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن فضَالة الظفري: أَن ذَلِك كَانَ وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بني ظفر أخرجه ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا من طَرِيق يُونُس بن مُحَمَّد بن فضَالة عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُم فِي بني ظفر وَمَعَهُ ابْن مَسْعُود وناس من أَصْحَابه، فَأمر قَارِئًا فَقَرَأَ، فَأتى على هَذِه الْآيَة {فَكيف إِذا جِئْنَا من أكل أمة بِشَهِيد} (النِّسَاء: 14) فَبكى حَتَّى ضرب لحياه ووجنتاه، فَقَالَ: يارب هَذَا شهِدت على أَمن أَنا بَين ظهريه، فَكيف على من ألم أره؟ وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد من طَرِيق سعيد بن الْمسيب قَالَ: لَيْسَ من يَوْم إلاَّ يعرض على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته غدْوَة وَعَشِيَّة فيعرفهم بِسِيمَاهُمْ وأعمالهم، فَلذَلِك يشْهد عَلَيْهِم فَفِي هَذَا الْمُرْسل مَا يرفع الْإِشْكَال الَّذِي تضمنه حَدِيث ابْن فضَالة.

5505 - حدَّثنا صَدَقَةُ أخبرنَا يَحْياى عنْ سُفْيانَ عنْ سُلَيْمانَ عنْ إبْراهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عبْدِ الله قَالَ يَحْيى ا: بعْضُ الحَدِيثِ عنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، قَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ح وحدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيى عنْ سُفْيانَ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ وعَنْ عَبِيدَةَ عنْ عبْدِ الله قَالَ الأعْمَشُ؛ وبَعْضَ الحَدِيثِ حدَّثني عَمْرُو بنُ مُرَّةَ عنْ إبْرَاهِيمَ وعنْ أبِيهِ عنْ أبي الضُّحى عنْ عبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأُ علَيَّ. قَالَ: قُلْتُ آقْرَأُ علَيْكَ وعلَيْكَ أنزِل؟ قَالَ: إنِّي أشْتَهِي أنْ أسْمَعَهُ منْ غَيْرِي قَالَ: فَقَرَأتُ النِّساءَ حتَّى إذَا بلَغْتُ { (4) ؟ 41} (النِّسَاء: 14) قَالَ لي: كُفَّ أوْ أمْسِكْ، فرَأيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قرأيت عَيْنَيْهِ نذرفان) . والْحَدِيث مربعين هَذَا الْإِسْنَاد فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء، كَمَا أخرجه هُنَا عَن صَدَقَة بن الْفضل عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عُبَيْدَة، بِفَتْح الْعين: السَّلمَانِي عَن عبد الله بن مَسْعُود. أخرجه عَن قريب فِي بَاب قَول المقرىء للقارىء: حَسبك، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَمر فِي الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَبَعض الحَدِيث) مَنْصُوب بقوله: حَدثنِي عَمْرو بن مرّة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. قَوْله: (وَعَن أَبِيه) عطف على قَوْله: (عَن سُلَيْمَان) . قَوْله: (وَعَن أَبِيه) أَي: عَن أبي سُفْيَان، واسْمه سعيد بن مَسْرُوق الثَّوْريّ وَالْحَاصِل أَن سُفْيَان الثَّوْريّ رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أَبِيه سعيد وَأَبوهُ رُوِيَ عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ مُنْقَطع لِأَن أَبَا الضُّحَى لم يدْرك ابْن مَسْعُود وَرِوَايَة إِبْرَاهِيم عَن أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود مُتَّصِلَة. قَوْله: (كف أَو أمسك) شكّ من الرَّاوِي، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: حَسبك، وَوَقع فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن فضَالة الظفري: أَن ذَلِك كَانَ وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بني ظفر أخرجه ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا من طَرِيق يُونُس بن مُحَمَّد بن فضَالة عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُم فِي بني ظفر وَمَعَهُ ابْن مَسْعُود وناس من أَصْحَابه، فَأمر قَارِئًا فَقَرَأَ، فَأتى على هَذِه الْآيَة {فَكيف إِذا جِئْنَا من أكل أمة بِشَهِيد} (النِّسَاء: 14) فَبكى حَتَّى ضرب لحياه ووجنتاه، فَقَالَ: يارب هَذَا شهِدت على أَمن أَنا بَين ظهريه، فَكيف على من ألم أره؟ وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد من طَرِيق سعيد بن الْمسيب قَالَ: لَيْسَ من يَوْم إلاَّ يعرض على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته غدْوَة وَعَشِيَّة فيعرفهم بِسِيمَاهُمْ وأعمالهم، فَلذَلِك يشْهد عَلَيْهِم فَفِي هَذَا الْمُرْسل مَا يرفع الْإِشْكَال الَّذِي تضمنه حَدِيث ابْن فضَالة.

6505 - حدَّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا عبْدُ الوَاحِدِ حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ

(20/60)


السلامنِيِّ عنْ عبْدِ الله، رضيَ الله عنهُ، قَالَ: قَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأُ علَيَّ. قُلْتُ أَقرَأ علَيْكَ وعلَيْكَ أُنْزِل قَالَ: إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَأخرجه عَن قيس بن حَفْص بن الْقَعْقَاع أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ الدَّارمِيّ من أَفْرَاده عَن الْخَمْسَة، وَلَيْسَ فِي شُيُوخ السّنة من اسْمه: قيس، غَيره قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ يروي عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِلَى آخِره.

63 - (بابُ مَنْ رَايا بِقرَاءَتهِ القُرْآنِ أوْ تأكَّلَ بِه، أوْ فجَرَ بهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من رايا من المرايات، ويروي من: رأى، بِهَمْزَة وَفِي بعض النّسخ: بَاب إِثْم من رايا. قَوْله: (بقرَاءَته الْقُرْآن) بِنصب القرآنْ، ويروي: بِقِرَاءَة الْقُرْآن، بِالْجَرِّ على الْإِضَافَة. قَوْله: (أَو تَأْكُل) . من بَاب: تفعل، بِالتَّشْدِيدِ أَي: طلب الْأكل بِهِ، أَي: بِالْقُرْآنِ. قَوْله: (أَو فجر) بِالْجِيم فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين من الْفُجُور، وَقَالَ ابْن التِّين فِي رِوَايَة: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الفخرة.

7505 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرَنا سُفْيانُ حثنا الأعْمَشُ عنْ خَيْثَمَةَ عنْ سُوَيْدِ بن غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ علِيُّ، رَضِي الله عنهُ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: يأتِي ي آخِرِ الزَّمانِ قوْمٌ حُدَثاءُ الأسْنانِ سُفَهاءُ الأحْلاَمِ يَقُولونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ البَرِيّة، يَمْرُقُونَ منَ الأَسْلاَمِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ منَ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حنَاجِرَهُمْ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فإِنَّ قَتْلَهُمْ أجْرٌ لمَنْ قتَلَهُمْ يوْمَ القِيَامَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَهِي أَن الْقِرَاءَة إِذا كَانَت لغير الله فَهِيَ للرياء أَو للتأكل بِهِ أَو نَحْو ذَلِك.
وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ أكل بِالْقُرْآنِ وَمَا تَأْكُل، وَفرق بَين الْأكل والتأكل أَو أَنه قَرَأَ لجِهَة الرّقية لَا لجِهَة الْقِرَاءَة.
وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي عَن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن غَفلَة، بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء المفتوحتين، مر فِي كتاب اللّقطَة عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد.
قَوْله: (سفاء الأحلام) ، أَي: الْعُقُول. قَوْله: (يَقُولُونَ من قَول خير الْبَريَّة) ، قيل: صَوَابه: قَول خير الْبَريَّة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ من بَاب الْقلب أَو مَعْنَاهُ خير من قَول الْبَريَّة، أَي: من كَلَام الله، وَهُوَ الْمُنَاسب للتَّرْجَمَة أَو خير أَقْوَال الْخلق، أَي: قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يَمْرُقُونَ) ، أَي: يخرجُون. قَوْله: (الرَّمية) ، بِكَسْر الْمِيم الْخَفِيفَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، فعلية بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي: الصَّيْد المرمي مثلا. قَوْله: (حَنَاجِرهمْ) ، جمع حنجرة، وَهِي رَأس الغلصمة حَيْثُ ترَاهُ ناتئا من خَارج الْحلق. قَوْله: (فاقتلوهم) قَالَ مَالك: من قدر عَلَيْهِ مِنْهُم استتيب، فَإِن تَابَ وإلاَّ قتل. وَقَالَ سَحْنُون: من كَانَ يَدْعُو إِلَى بِدعَة قوتل حَتَّى يُؤْتى عَلَيْهِ أَو يرجع إِلَى الله. وَإِن لم يدع يضنع بِهِ مَا صنع عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يسجن ويكرر عَلَيْهِ الضَّرْب حَتَّى يَمُوت. قَوْله: (يَوْم الْقِيَامَة) ظرف لِلْأجرِ لَا للْقَتْل.

8505 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ إبْرَاهِيمَ بنِ الحَارِثِ التيْمِيِّ عَنْ أبي سَلمَةَ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، أنّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: يَخْرُجُ فِيكُمْ قوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ معَ صَلاتِهِمْ وصِيامَكُمْ معَ صِيامِهِمْ وعَمَلَكُمْ معَ عمَلِهِمْ، ويَقْرأوْنَ القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ حَناجرَهُمْ، يَمْرُقُونَ منَ الدِّين كَما

(20/61)


يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النّصْلِ فَلاَ يَرَى شَيْئا ويَنْظُرُ فِي القِدْحِ فَلا يَرَى شَيْئَا. ويَنظُرُ فِي الرِّيشِ فَلاَ يَرَى شَيْئا، ويَتَمارَى فِي الفُوقِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة نَحْو مُطَابقَة الحَدِيث الَّذِي قبله. وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مطولا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر بعض شَيْء.
قَوْله: (وعملكم مَعَ عَمَلهم) من عطف الْعَام على الْخَاص. قَوْله: (ينظر) أَي: الرَّامِي: هَل فِيهِ شَيْء من أثر الصَّيْد من الدَّم وَنَحْوه، وَلَا يرى أثرا مِنْهُ، والنصل هُوَ حَدِيد السهْم، والقدح بِكَسْر الْقَاف السهْم قبل أَن يراش ويركب بنصله. قَوْله: (ويتمارى) أَي: يشك الرَّامِي (فِي الفوق) بِضَم الْفَاء وَهُوَ مدْخل الْوتر مِنْهُ هَل فِيهِ شَيْء من أثر الصَّيْد يَعْنِي: نفذ السهْم المرمي بِحَيْثُ لم يتَعَلَّق بِهِ شَيْء وَلم يظْهر أَثَره فِيهِ، فَكَذَلِك قراءتهم لاتحصل لَهُم مِنْهَا فَائِدَة قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون ضمير: يتمارى، رَاجعا إِلَى الرَّاوِي، أَي: يشك الرَّاوِي فِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر الفوق أم لَا، وَالله أعلم.

9505 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيى اعنْ شُعْبَةَ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِك عنْ أبي مُوسَى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: المُؤْمِنُ الَّذَي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَعْمَلُ بِهِ كالأُتْرُجَّة، طَعْمُها طَيِّبٌ ورِيحُها طَيِّبٌ، والمُئْمِنُ الَّذِي: لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كالتمْرَةِ طَعْمُها طَيِّبٌ وَلَا ريحَ لَهَا، ومَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِييَقْرَأُ القُرْآنَ كالرَّيْحانَةِ رِيحُها طيِّبٌ وطَعْمُها مُر، ومَثَلُ المُنافِق الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كالحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ أوْ خَبِيثٌ مُرٌّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هدبة بن خَالِد عَن همام عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.
قَوْله: (كالتمرة) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق لَا بِالْمُثَلثَةِ. قَوْله: (وَيعْمل بِهِ كالتمرة) عطف على قَوْله: (لَا يقْرَأ) لَا، على (يقْرَأ) .

73 - (بابٌ اقْرَؤُا القُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: اقرؤا الْقُرْآن مَا ائتلف أَي: اجْتمعت قُلُوبكُمْ عَلَيْهِ، وَفِي بعض النّسخ لفظ عَلَيْهِ مَوْجُود.

0605 - حدَّثنا أبُو النُّعْمان حدّثنا حَمَّادٌ عنْ أبي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ عنْ جُنْدَبِ بنِ عبْدِ الله عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اقرؤوا القُرْآنَ مَا ائُتَلَفَتْ قُلُوبكمْ، فإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عنْهُ.
التَّرْجَمَة نصف الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي عَن حَمَّاد بن زيد عَن أبي عمرَان عبد الْملك بن حبيب الْجونِي، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون: نِسْبَة إِلَى أحد الأجداد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن إِسْحَاق وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عَمْرو بن عَليّ وَغَيره.
قَوْله: (اقْرَءُوا الْقُرْآن مَا ائتلف قُلُوبكُمْ) يَعْنِي: اقرءوه عل نشاط مِنْكُم وخواطركم مَجْمُوعَة، فَإِذا حصل لكم ملالة فاتركوه فَإِنَّهُ أعظم من أَن يقرأه أحد من غير حُضُور الْقلب، كَذَا فسره الطَّيِّبِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن المُرَاد اقْرَءُوا الْقُرْآن مَا دَامَ بَين أَصْحَاب الْقِرَاءَة ائتلاف، فَإِذا حصل اخْتِلَاف فَقومُوا عَنهُ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ اخْتِلَاف الصَّحَابَة يَقع فِي القراآت واللغات فَأمروا بِالْقيامِ عِنْد الِاخْتِلَاف لِئَلَّا يجْحَد أحدهم مَا يقرأه الآخر، فَيكون جاحدا لما أنزل الله عز وَجل.

1605 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حَدثنَا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ مَهْدِي حَدثنَا سَلاَّمُ بنُ مُطيعٍ عنْ أبي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ عنْ جُنْدَبٍ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقرَءوا القُرْآنَ مَا اتْلَفَتْ عَليْهِ قُلُوبُكمْ، فإِذا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا.

(20/62)


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَسَلام، بتَشْديد اللَّام.
قَوْله: (مَا ائتلفت عَلَيْهِ) لفظ: فِي هَذِه الرِّوَايَة دون الرِّوَايَة السَّابِقَة.
تابَعَهُ الحارِثُ بنُ عُبَيْدٍ وَسعيدُ بنُ زَيْدِ عنْ أبي عِمْرَانَ

أَي: تَابع سَلام بن أبي مُطِيع الْحَارِث بن عبيد مصغر عبد أَبُو قدامَة الْإِيَادِي، بِكَسْر الْهمزَة الْبَصْرِيّ، وَتَابعه أَيْضا سعيد بن زيد هُوَ أَخُو حَمَّاد بن زيد، والمتابعة فِي رفع الحَدِيث الْمَرْوِيّ عَن جُنْدُب، أما مُتَابعَة الْحَارِث فرواها الدَّارمِيّ عَن أبي غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل عَنهُ، وَلَفظه مثل رِوَايَة حَمَّاد بن زيد الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور أَولا، وَأما مُتَابعَة سعيد بن زيد فرواها الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْند من طَرِيق أبي هِشَام المَخْزُومِي عَنهُ، قَالَ: سَمِعت أَبَا عمر قَالَ: حَدثنَا جُنْدُب فَذكر الحَدِيث مَرْفُوعا فِي آخِره: فَإِذا اختلفتم فِيهِ فَقومُوا.
ولَمْ يَرْفَعْهُ حمَّادُ بنُ سلَمَةَ وأبانُ

أَي: وَلم يرفع الحَدِيث الْمَذْكُور حَمَّاد بن وَأَبَان: بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن يزِيد الْعَطَّار حَاصله رويا الحَدِيث الْمَذْكُور مَوْقُوفا على جُنْدُب، وَلَكِن مُسلما رُوِيَ حَدِيث أبان مَرْفُوعا، فَقَالَ: حَدثنِي أَحْمد بن سعيد بن صَخْر الدَّارمِيّ حَدثنَا حسان حَدثنَا أبان حَدثنَا أَبُو عمرَان قَالَ: قَالَ لنا جُنْدُب وَنحن غلْمَان بِالْكُوفَةِ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْرَءُوا الْقُرْآن مَا ائتلفت عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ، فَإِذا اختلفتم فِيهِ فَقومُوا، وَلَعَلَّ البُخَارِيّ وَقعت لَهُ رِوَايَة أبان مَوْقُوفَة، فَلذَلِك قَالَ: وَلم يرفعهُ حَمَّاد وَأَبَان.
وَقَالَ غُنْدَرٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ أبي عمرَانَ سَمِعْتُ جُنْدَبا قَوْلَهُ

غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَقد تكَرر ذكره وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر. وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن غندرا روى هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور عَن شُعْبَة عَن أبي عمرَان الْجونِي يَقُول: (سَمِعت جندبا) قَوْله: يَعْنِي لم يرفعهُ. وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق بنْدَار، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون النُّون لقب مُحَمَّد بن بشار.
وَقَالَ ابْن عَوْن عنْ أبي عِمْرَانَ عنْ عَبْدِ الله بنِ الصَّامِتِ عنْ عْمَرَ قَوْلَهُ

أَي: قَالَ عبد الله بن عون الإِمَام الْمَشْهُور. وَهُوَ من أَقْرَان أبي عمرَان، يَعْنِي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي عمرَان عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن عمر بن الْخطاب قَوْله: (يَعْنِي قَول عمر) وَوصل هَذِه الرِّوَايَة أَبُو عُبَيْدَة عَن معَاذ بن معَاذ عَن عبد الله بن عون وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن إِسْحَاق الْأَزْرَق عَن عبد الله بن عون بِهِ.
وجُنْدَبٌ أصَحُّ وأكْثَرُ

أَي: الرِّوَايَة عَن جُنْدُب أصح إِسْنَاد وَأكْثر من الرِّوَايَة عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَعْنِي: فِي هَذَا الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن الجم الْغَفِير رَوَوْهُ عَن أبي عمرَان عَن جُنْدُب، إِلَّا أَنهم اخْتلفُوا عَلَيْهِ فِي رَفعه وَوَقفه، وَالَّذين رَفَعُوهُ ثِقَات حفاظ فَالْحكم لَهُم، وَأما رِوَايَة ابْن عون فشاذة وَلم يُتَابع عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد لم يخطأ ابْن عون قطّ إلاَّ فِي هَذَا، وَالصَّوَاب عَن جُنْدُب، قيل: يحْتَمل أَن يكون ابْن عون حفظه وَيكون لأبي عمرَان فِيهِ شيخ آخر، وَإِنَّمَا توارد الروَاة على طَرِيق جُنْدُب الْعلمَاء لعلوها وَالتَّصْرِيح برفعها.

2605 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ عنْ النَّزَّالِ بنِ سَبْرَةَ عنْ عبْدِ الله أنَّهُ سَمِعَ رجُلاً يَقْرَأُ آيَةً سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خِلاَفَها. فأخَذْتُ بِيَدِهِ فانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كِلاَكُما مُحْسِنٌ فَاقْرَآ. أكْثَرُ عِلْمِي قَالَ: فإِنَّ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فأهْلَكَهُمْ.
(انْظُر الحَدِيث 0842 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. (والنزال) ، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الزَّاي وباللام: ابْن سُبْرَة، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء: الْهِلَالِي تَابِعِيّ كَبِير، وَقد قيل: إِن لَهُ صُحْبَة، وَذهل الْمزي فَجزم فِي الْأَطْرَاف بِأَن لَهُ صُحْبَة، وَجزم فِي التَّهْذِيب

(20/63)


بِأَن لَهُ رِوَايَة عَن أبي بكر مُرْسلَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مر فِي الْأَشْخَاص عَن أبي الْوَلِيد، فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن آدم.
قَوْله: (سمع رجلا) ، قيل: يحْتَمل أَن يكون هُوَ أبي بن كَعْب. قَوْله: (كلاكما محسن) ، أَي: فِي الْقِرَاءَة، وَقيل: الْإِحْسَان رَاجع إِلَى ذَلِك الرجل بقرَاءَته إِلَى ابْن مَسْعُود بِسَمَاعِهِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتحربه فِي الِاحْتِيَاط. قَوْله: (فاقرآ) ، أَمر للاثنين.
قَوْله: (أَكثر علمي) ، هَذَا الشَّك من شُعْبَة، وَأكْثر بالثاء الْمُثَلَّثَة، ويروي بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي، غَالب ظَنِّي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَن من كَانَ قبلكُمْ اخْتلفُوا) . قَوْله: (فأهلكهم) ، أَي: الله، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (فأهلكوا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. وَاعْلَم أَن الِاخْتِلَاف الْمنْهِي هُوَ الْخَارِج عَن اللُّغَات السَّبع. أَو مَا لَا يكون متواترا، وَأما غَيره فَهُوَ رَحْمَة لَا بَأْس بِهِ. وَذَلِكَ مثل الِاخْتِلَاف بِزِيَادَة الْوَاو ونقصانها فِي: {قَالُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ} (الْبَقَرَة: 611) وبالجمع والإفراد {كطي السّجل للكتب} (الْأَنْبِيَاء: 401) وَالْكتاب والتأنيث نَحْو: {لتحصنكم من بأسكم} (الْأَنْبِيَاء: 08) وَالِاخْتِلَاف التصريفي كَقَوْلِه: كذابا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، وَمن يقنط، بِالْفَتْح وَالْكَسْر، والنحوي نَحْو: {ذُو الْعَرْش الْمجِيد} (البروج: 51) بِالرَّفْع والجر وَاخْتِلَاف الأدوات مثل: وَلَكِن الشَّيَاطِين، بتَشْديد النُّون وتخفيفها، وَاخْتِلَاف اللُّغَات كالإمالة والتفخيم، وَقد فسر بَعضهم: أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف، بِهَذِهِ الْوُجُوه من الِاخْتِلَاف، وَالله أعلم.