عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 76 - (كِتابُ النِّكاحِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام النِّكَاح، قَالَ
الْأَزْهَرِي: أصل النِّكَاح فِي كَلَام الْعَرَب،
الْوَطْء، وَقيل للتزويج: نِكَاح لِأَنَّهُ سَبَب
الْوَطْء، وَقَالَ الزجاجي: هُوَ فِي كَلَام الْعَرَب
الْوَطْء وَالْعقد جَمِيعًا، وَفِي الْمغرب: وَقَوْلهمْ
النِّكَاح الضَّم مجَاز، وَفِي المغيث: النِّكَاح
التَّزْوِيج، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اشْتهر إِطْلَاقه على
العقد، وَحَقِيقَته عِنْد الْفُقَهَاء على ثَلَاثَة أوجه
حَكَاهَا القَاضِي حُسَيْن: أَصَحهَا: أَنه حَقِيقَة فِي
العقد مجَاز فِي الوطىء. وَهُوَ الَّذِي صَححهُ أَبُو
الطّيب وَبِه قطع الْمُتَوَلِي وَغَيره الثَّانِي: أَنه
حَقِيقَة فيالوطء مجَاز فِي العقد وَبِه، قَالَ أَبُو
حنيفَة. وَالثَّالِث: أَنه حَقِيقَة فيهمَا بالاشتراك.
وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: فرقت الْعَرَب بَينهمَا
فرقا لطيفا، فَإِذا قَالُوا: نكح فُلَانَة أَو بنت
فُلَانَة أَو أُخْته، أَرَادوا عقد عَلَيْهَا، وَإِذا
قَالُوا: أنكح امْرَأَته أَو زَوجته لم يُرِيدُوا إلاَّ
الْوَطْء، لِأَن بِذكر امْرَأَته أَو زَوجته يسْتَغْنى عَن
ذكر العقد، وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تَقول: نكح
الْمَرْأَة بِضَم النُّون بضعهَا، وَهِي كِنَايَة عَن
الْفرج، فَإِذا قَالُوا: نَكَحَهَا أَرَادوا: أصَاب
نَكَحَهَا، وَهُوَ فرجهَا. وَفِي الْمُحكم: النِّكَاح
الْبضْع وَذَلِكَ فِي نوع الْإِنْسَان خَاصَّة،
وَاسْتَعْملهُ ثَعْلَب فِي الذئاب، نَكَحَهَا ينْكِحهَا
نكحا ونكاحا، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام فعل يفعل مِمَّا لَام
الْفِعْل مِنْهُ حاء إلاَّ ينْكح وينطح ويمنح وينضح وينبح
ويرجح ويأنح ويأزح ويملح الْقدر، وَالِاسْم: النكح، والنكح
ونكحها الَّذِي يَتَزَوَّجهَا وَهِي نكحته، وَامْرَأَة كح
ذَات زوج وَقد جَاءَ فِي الشّعْر: ناكحة على الْفِعْل،
واستنكحها كنكحها. قلت: هَذِه الْأَفْعَال الَّتِي قَالُوا
إِنَّهَا جَاءَت على: يفعل، بِكَسْر الْعين يَعْنِي فِي
الْمُضَارع قد جَاءَ مِنْهَا بِفَتْح الْعين أَيْضا فِي
الْمُضَارع. قَالَ الْجَوْهَرِي: نطحه الْكَبْش يَنْطَحُهُ
وينطحه بِكَسْر عين الْفِعْل وَفتحهَا، ومنحه يمنحه من
الْمنح وَهُوَ الْعَطاء، وَيُقَال: نضحت الْقرْبَة
بِالْفَتْح، قَالَه الْجَوْهَرِي، ونبح الْكَلْب ينبح
بِالْفَتْح وينبح بِالْكَسْرِ نبحا ونبيحا ونباحا ونباحا
بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، وَرجع الْمِيزَان يرجع بِالْكَسْرِ
وَالْفَتْح وَيرجع بِالضَّمِّ، وَيُقَال: أنح الرجل يأنح
بِالْكَسْرِ أنحا وأنيحا وأنوحا: إِذا ضجر من ثقل يجده من
مرض أَو بهر كَأَنَّهُ يتنخنخ وَلَا يبين، وأزح الرجل يأزح
أزوحا بالزاي: إِذا تفيض، وملحت الْقدر يملحها بِالْفَتْح
وَالْكَسْر ملحا بِالْفَتْح إِذا طرحت فِيهَا من الْملح
بِقدر، وَإِذا قلت: أملحت الْقدر إِذا أكثرت فِيهَا الْملح
حَتَّى فَسدتْ. وَفِي التَّوْضِيح؛ وللنكاح عدَّة أَسمَاء
جمعهاأبو الْقَاسِم اللّغَوِيّ فبلغت ألف اسْم وَأَرْبَعين
اسْما.
1 - (بابُ التَّرْغِيبِ فِي النِّكاح لِقَوْلِهِ عَزَّ
وجَلَّ: { (4) فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء}
(النِّسَاء: 3)
أَي: هَذَا بَاب فِي التَّرْغِيب فِي النِّكَاح:
وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ
لكم من النِّسَاء} (النِّسَاء: 3) زَاد الْأصيلِيّ وَأَبُو
الْوَقْت الْآيَة. قَالَ بَعضهم: وَجه الِاسْتِدْلَال
أَنَّهَا صِيغَة أَمر تَقْتَضِي الطّلب. وَأَقل درجاته
النّدب فَيثبت التَّرْغِيب، انْتهى. قلت: لَا دلَالَة
(20/64)
فِيهِ على التَّرْغِيب أصلا. لِأَن الْآيَة
سيقت لبَيَان مَا يجوز الْجمع بَينه من أعداد النِّسَاء.
وَقَوله: (يَقْتَضِي الطّلب) كَلَام من لم يذقْ شَيْئا من
الْأُصُول، فَإِن الْأَمر إِبَاحَة كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {وَإِذا حللتم فاصطادوا} (الْمَائِدَة: 2) ،
وَهل يُقَال: طلب الله مِنْهُ النِّكَاح، أَو طلب مِنْهُ
الصَّيْد غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه أَبَاحَ النِّكَاح
بِالْعدَدِ الْمَذْكُور، وأباح الصَّيْد بعد التَّحْلِيل
من الْإِحْرَام، ثمَّ بنى هَذَا الْقَائِل على هَذَا
الْكَلَام الواهي. قَوْله: وَأَقل دجاته النّدب، فَيثبت
التَّرْغِيب.
3605 - حدَّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ أخبرنَا مُحَمَّدُ
بنُ جعْفَرٍ أخبرنَا حُمَيْدُ بنُ الطَّوِيلُ أنَّهُ
سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ:
جاءَ ثلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يَسألُونَ عنْ عِبَادَةِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فلَمَّا أُخْبِرُوا كأنَّهُمْ
تَقالُّوها، فقالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَدْ غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ وَمَا تأخَّرَ. قَالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أَنا
فإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبدا، وَقَالَ آخَرُ: أَنا
أصومُ الدَّهْرَ وَلَا أَفْطِرُ، وَقَالَ أخَرُ: أَنا
أعْتَزِلُ النِّساءَ فَلاَ أَتَزَوَّجَ أبَدا، فَجاءَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أنْتُمُ
الَّذين قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟ أما وَالله إنِّي
لَأخْشاكُمْ لِلَّهِ، وأتْقاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ
وأفْطِرُ وأصَلِّي وأرْقُدُ وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ
رَغِبَ عنْ سُنَّتي فَليْسَ مِنِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَمن رغب عَن سنتي
فَلَيْسَ مني) . قَوْله: (ثَلَاثَة رَهْط) وَفِي رِوَايَة
مُسلم من حَدِيث ثَابت عَن أنس: أَن نَفرا من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم،
وَالْفرق بَين الرَّهْط والنفر أَن الرَّهْط من ثَلَاثَة
إِلَى عشرَة، والنفر من ثَلَاثَة إِلَى تِسْعَة، وكل
مِنْهُمَا اسْم جمع لَا وَاحِد لَهُ، وَلَا مُنَافَاة
بَينهمَا من حَيْثُ الْمَعْنى، وَوَقع فِي مُرْسل سعيد بن
الْمسيب من رِوَايَة عب الرَّزَّاق: أَن الثَّلَاثَة
الْمَذْكُورين هم: عَليّ بن أبي طَالب. وَعبد الله بن
عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعُثْمَان بن مَظْعُون. قَوْله:
(يسْأَلُون عَن عبَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن عمله فِي السِّرّ، قَوْله:
(فَلَمَّا أخبروا) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (تقالوها) بتَشْديد اللَّام المضمومة أَي: عدوها
قَليلَة، وَأَصله: تقاللوا فأدغمت اللَّام فِي اللَّام
لِاجْتِمَاع المثلين. قَوْله: (قد غفر لَهُ) على صِيغَة
الْمَجْهُول. هَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: غفر الله لَهُ. قَوْله: (أما
أَنا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم للتفصيل.
قَوْله: (أبدا) ، قيد لِليْل لَا لقَوْله: أُصَلِّي.
قَوْله: (وَلَا أفطر) ، أَي: بِالنَّهَارِ سوى أَيَّام
الْعِيد والتشريق وَلِهَذَا لم يُقيد بالتأبيد. قَوْله:
(فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَالَ:
وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ:
مَا بَال أَقوام قَالُوا كَذَا. . والتوفيق بَينهمَا
بِأَنَّهُ منع من ذَلِك عُمُوما جَهرا مَعَ عدم تعيينهم،
وخصوصا فِيمَا بَينه وَبينهمْ رفقا بهم، وسترا عَلَيْهِم.
قَوْله: (أما وَالله) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم
حرف تَنْبِيه. قَوْله: (إِنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم لَهُ)
يَعْنِي: أَكثر خشيَة وَأَشد تقوى، وَفِيه رد لما بنوا
عَلَيْهِ أَمرهم من أَن المغفور لَا يحْتَاج إِلَى مزِيد
فِي الْعِبَادَة، بِخِلَاف غَيره، فأعلمهم أَنه مَعَ كَونه
يشدد فِي الْعِبَادَة غَايَة الشدَّة أخْشَى لله وَأتقى من
الَّذين يشددون. قَوْله: (لكني) اسْتِدْرَاك من شَيْء
مَحْذُوف تَقْدِيره أَنا وَأَنْتُم بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْعُبُودِيَّة سَوَاء، لَكِن أَنا أَصوم إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَمن رغب عَن سنتي) أَي: فَمن أعرض عَن طريقتي
(فَلَيْسَ مني) أَي: لَيْسَ على طريقتي، وَلَفظ رغب إِذا
اسْتعْمل بِكَلِمَة: عَن فَمَعْنَاه: أعرض. وَإِذا
اسْتعْمل بِكَلِمَة: فِي، فَمَعْنَاه أقبل إِلَيْهِ،
وَالْمرَاد بِالسنةِ الطَّرِيقَة وَهِي أَعم من الْفَرْض
وَالنَّفْل، بل الْأَعْمَال والعقائد وَكلمَة: من فِي مني،
اتصالية أَي: لَيْسَ مُتَّصِلا بِي قَرِيبا مني.
وَفِيه: أَن النِّكَاح من سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَزعم الْمُهلب أَنه من سنَن الْإِسْلَام، وَأَنه
لَا رَهْبَانِيَّة فِيهِ. وَأَن من تَركه رَاغِبًا عَن
سنَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَهُوَ مَذْمُوم
مُبْتَدع وَمن تَركه من أجل أَنه أرْفق لَهُ وأعون على
الْعِبَادَة فَلَا ملامة عَلَيْهِ، وَزعم دَاوُد وَمن تبعه
أَنه وَاجِب. وَأَن الْوَاجِب عِنْدهم العقد لَا الدُّخُول
فَإِنَّهُ إِنَّمَا يجب عِنْدهم فِي الْعُمر مرّة، وَعند
أَكثر الْعلمَاء هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ وَعند أَحْمد فِي
رِوَايَة: يلْزمه الزواج أَو التَّسَرِّي إِذا خَافَ
الْعَنَت، وَغَيره لم يشْتَرط خوف الْعَنَت. فَإِن قلت:
ظَاهر الْآيَة يدل على وُجُوبه؟ قلت: حصل الْجَواب عَنهُ
بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب، وَأَيْضًا فَإِن آخر
الْآيَة وَهُوَ قَوْله: {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم}
(النِّسَاء: 3) وينافي الْوُجُوب، وَذَلِكَ لِأَن فِيهِ
(20/65)
التَّخْيِير بَين النِّكَاح والتسري،
فالتسري لَا يجب بالِاتِّفَاقِ، فكذالك النِّكَاح
لِأَنَّهُ لَا يَصح التَّخْيِير بَين وَاجِب وَغَيره،
وَعند الشَّافِعِي: التخلي لِلْعِبَادَةِ أفضل لقَوْله عز
وَجل فِي يحيى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَيِّدًا
وَحَصُورًا وَهُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء مَعَ
الْقُدْرَة على إتيانهن، فمدح الله بِهِ، وَلَو كَانَ
النِّكَاح أفضل مَا مدح بِهِ وَالْجَوَاب عَنهُ أَن
الشَّافِعِي لَا يرى شرع من قبلنَا شرعا لنا، فَكيف يحْتَج
بِمَا لَا يرَاهُ؟ وَنحن نقُول: شرع لنا مَا لم ينص الله
على إِنْكَاره. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن النِّكَاح
مُعَاملَة فَلَا فضل لَهَا على الْعِبَادَة. قُلْنَا:
هَذَا نظر إِلَى ظَاهره دون مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن
ينظر إِلَى الصُّور وَيتْرك الْمعَانِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ
من أَصله ذَلِك، وَلَو كَانَ التخلي لِلْعِبَادَةِ خيرا من
النِّكَاح نظرا إِلَى صورته مَا قطع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَحكم الصُّورَة بِالسنةِ، وَلَيْسَ فِي
مدح حَال يحيى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَا يدل
على أَنه أفضل من النِّكَاح، فَإِن مدح الصّفة فِي ذَاتهَا
لَا يَقْتَضِي ذمّ غَيرهَا ذَلِك أَن النِّكَاح لم يفضل
على التخلي لِلْعِبَادَةِ بصورته، وَإِنَّمَا تميز عَنهُ
بِمَعْنَاهُ فِي تحصين النَّفس، وَبَقَاء الْوَلَد
الصَّالح وَتَحْقِيق الْمِنَّة فِي النّسَب والصهر، فقضاء
الشَّهْوَة فِي النِّكَاح لَيْسَ مَقْصُودا فِي ذَاته،
وَإِنَّمَا أكد النِّكَاح بِالْأَمر قولا، وأكده بِخلق
الشَّهْوَة خلقَة حَتَّى يكون ذَلِك أدعى للوفاء بمصالحه،
والتيسير بمقاصده، وَهَذَا أَمر تفطن لَهُ أَبُو حنيفَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَمن قَالَ بقوله: وَمن
الثَّابِت برهانه على فَضِيلَة النِّكَاح أَنه يجوز مَعَ
الْإِعْسَار، وَلَا ينْتَظر بِهِ حَالَة الثروة، بل هُوَ
سَببهَا أَن كَانَا فقيرين. قَالَ الله تَعَالَى: {أَن
يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله} (النُّور:
23) فندب إِلَيْهِ ووعد بِهِ الْغَنِيّ، وَقد سبق حَدِيث
الرجل الَّذِي لم يجد خَاتمًا من حَدِيد يصدق بِهِ زَوجته،
وَهُوَ نَص على نِكَاح من لَا يقدر على فطر لَيْلَة
بنائِهِ بهَا، وَلَا شكّ أَن التَّرْجِيح يتبع الْمصَالح
ومقاديرها مُخْتَلفَة، وَصَاحب الشَّرْع صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أعلم بِتِلْكَ الْمَقَادِير والمصالح.
4605 - حدَّثنا عَلِيٌّ سَمِعَ حَسَّانَ بنَ إبْرَاهِيمَ
عنْ يُونُس بنِ يَزِيدَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبرَني
عُرْوَةُ أنَّهُ سألَ عائشَةَ عنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى
فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى
وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ
فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ
أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (النِّسَاء: 3) قالتْ: يَا
ابْنِ أُخْتِي اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْر ولِيِّها
فَيَرْغَبُ فِي مَالهَا وجَمالِها يُرِيدُ أنْ
يَتَزَوَّجَها بأدنَى من سُنَّةِ صَدَاقِها، فَنُهُوا أنْ
يَنْكِحُوهُنَّ إلاَّ أنْ يُقْسطُوا لَهُنَّ فَيُكْمِلُوا
الصَّدَاقَ، وأُمِرُوا بِنِكاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ
النِّساءِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فيرغب فِي
مَالهَا وجمالها) وَلَكِن فرق بَين ترغيب وترغيب.
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَجزم بِهِ الْحَافِظ
الْمزي تبعا لأبي مَسْعُود، وَحسان بن إِبْرَاهِيم
الْعَنزي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالزاي
الْكرْمَانِي، كَانَ قَاضِي كرمان وَوَثَّقَهُ ابْن معِين
وَغَيره، وَلَكِن لَهُ أَفْرَاد، وَقَالَ ابْن عدي: وَهُوَ
من أهل الصدْق إلاَّ أَنه رُبمَا غلط، وَالْبُخَارِيّ
أدْركهُ بِالسِّنِّ، وَلَكِن لم يلقه، مَاتَ سنة سِتّ
وَمِائَتَيْنِ قبل أَن يرحل البُخَارِيّ، وَعُرْوَة بن
أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، وَعَائِشَة خَالَته، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير
سُورَة النِّسَاء بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي حجر) بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَوْله:
(بِأَدْنَى من سنة صَدَاقهَا) أَي: بِأَقَلّ من مهر
مثلهَا.
2 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنِ
اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فلْيَتَزَوَّجْ لِأنّهُ أغضُّ
للْبَصَرِ وأحْصَنُ لِلْفَرَجِ، وهَلْ يَتَزَوَّجُ منْ لَا
أرَبَ لِه فِي النِّكاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من
اسْتَطَاعَ) : إِلَى آخِره، وَلم يَقع فِي بعض النّسخ
لَفْظَة: مِنْكُم لِأَنَّهُ تصرف فِيهِ، وَلم يذكر هَذِه
اللَّفْظَة. قَوْله: لِأَنَّهُ وَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة
السَّرخسِيّ، وَالْأولَى فَإِنَّهُ، لِأَنَّهُ لفظ
الحَدِيث، وبقيته قَوْله: أَي لِأَن التَّزَوُّج دلّ
عَلَيْهِ قَوْله: فليتزوج. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: 8) أَي: الْعدْل.
قَوْله: (وَهل يتَزَوَّج) إِلَى آخِره من التَّرْجَمَة،
وَهُوَ عطف على قَوْله: (بَاب قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) ، وَالتَّقْدِير: وَبَاب هَل يتَزَوَّج.
قَوْله: (لَا أرب لَهُ) بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء أَي:
لَا حَاجَة
(20/66)
لَهُ فِي النِّكَاح، وَكلمَة: هَل،
للاستفهام، وَلم يذكر الْجَواب اعْتِمَادًا على مَا عرف
فِي مَوْضِعه، وَهُوَ أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيمَن لَا
يتوق إِلَى النِّكَاح هَل ينْدب لَهُ النِّكَاح أم لَا؟
5605 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حدَّثنا
الأعْمَشُ، قَالَ: حدَّثني إبْرَاهِيمُ عنْ عَلْقَمَةَ،
قَالَ: كُنْتُ معَ عبْدِ الله فَلقِيَهُ عُثْمانُ بِمِنى،
فَقَالَ: يَا أَبَا عبْدِ الرَّحْمانِ {لِي إليْكَ حاجَةً
فَخَليا، فَقَالَ عُثْمانَ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عبْدِ
الرَّحْمانِ فِي أنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرا تُذَكّرُكَ مَا
كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فلَمَّا رأى عبْدُ الله أنْ ليْسَ لهُ
حاجَةٌ إلاّ هاذا، أشارَ إلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ}
فانْتَهَيْتُ إليْهِ، وهْوَ يَقُولُ: أما لَئِنْ قُلْتُ
ذالِكَ لقَدْ قَالَ لَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ {مِنَ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ
الْباءَةَ فلْيَتَزوَّجْ، ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ فإِنَّهُ لهُ وِجاءٌ.
(انْظُر الحَدِيث 5091 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا السَّنَد بهؤلاء
الرِّجَال قد ذكر غَيره مرّة، فَإِن عمر بن حَفْص يروي عَن
أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن عبد الله
بن مَسْعُود، هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا ذكر أَنه أصح
الْأَسَانِيد.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي بَاب الصَّوْم
لمن خَافَ على نَفسه الْعُزُوبَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
بأخضر مِنْهُ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن
الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم إِلَى آخِره.
قَوْله: (كنت مَعَ عبد الله) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود.
قَوْله: (بمنى) وَوَقع فِي رِوَايَة زيد بن أبي أنيسَة عَن
الْأَعْمَش، عِنْد ابْن حبَان بِالْمَدِينَةِ، وَهِي
شَاذَّة. قَوْله: (فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن)
هِيَ كنية عبد الله بن مَسْعُود، قيل: الْمُخَاطب بذلك عبد
الله بن عمر لِأَنَّهَا كنيته الْمَشْهُورَة، ثمَّ قَالَ
هَذَا الْقَائِل: هَذَا يدل على أَن ابْن عَمه شدد على
نَفسه فِي زمن الشَّبَاب لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمن عُثْمَان
شَابًّا، وَهَذَا غيرصحيح، لِأَن ابْن عمر لَا مدْخل لَهُ
فِي هَذِه الْقِصَّة، والْحَدِيث لِابْنِ مَسْعُود،
وَقَوله: وَكَانَ فِي زمَان عُثْمَان شَابًّا فِيهِ نظر
لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك كَانَ جَاوز الثَّلَاثِينَ. قَوْله:
(فحليا) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ: فَخلوا، قَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ الصَّوَاب
لِأَنَّهُ واوي من الْخلْوَة، مثل: دعوا، وَمَعْنَاهُ:
دخلا فِي مَوضِع خَال. قَوْله: (تذكرك مَا كنت تعهد) ،
يَعْنِي: من نشاطك وَقُوَّة شبابك، وَقيل: لَعَلَّ
عُثْمَان رأى بِهِ قشفا ورثاثة هَيْئَة فَحمل ذَلِك على
فَقده الزَّوْجَة الَّتِي ترفهه، وَفِي رِوَايَة مُسلم:
لَعَلَّهَا أَن تذكرك مَا مضى من زَمَانك، وَعِنْده فِي
رِوَايَة أُخْرَى: لَعَلَّك ترجع إِلَيْك من نَفسك مَا كنت
تعهد. وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان لَعَلَّهَا أَن تذكرك مَا
فاتك. قَوْله: (فَلَمَّا رأى عبد الله) يرفع عبد الله أَن
لَيْسَ لَهُ حَاجَة أَي: لعُثْمَان إلاَّ هَذَا، أَي:
التَّرْغِيب فِي النِّكَاح، ويروي بِنصب عبد الله أَي:
فَلَمَّا رأى عُثْمَان عبد الله أَن لَيْسَ لَهُ حَاجَة
إِلَى هَذَا أَي: الزواج، وَهنا جَاءَت كلمة إلاَّ الَّتِي
هِيَ أَدَاة الِاسْتِثْنَاء، وَكلمَة إِلَى الَّتِي هِيَ
حرف الْجَرّ، فَالْمَعْنى فِي الْوَجْه الأول على كلمة
إلاَّ، وَفِي الْوَجْه الثَّانِي على كلمة إِلَى قَوْله:
(أَشَارَ) قَالَ الْكرْمَانِي، أَشَارَ عبد الله. قلت:
الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَال أَن الَّذِي أَشَارَ هُوَ
عُثْمَان. قَوْله: (إِلَيّ) ، بتَشْديد الْيَاء قَوْله:
(وَهُوَ يَقُول) جملَة حَالية. قَوْله: (ذَاك) ، إِشَارَة
إِلَى قَوْله: (نُزَوِّجك) وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن
عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن
إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، قَالَ: إِنِّي لأمضي مَعَ عبد
الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بمنى إِذْ
لقِيه عُثْمَان، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا أَبَا عبد
الرَّحْمَن. قَالَ: فاستخلاه، فَلَمَّا رأى عبد الله أَن
لَيست لَهُ حَاجَة، قَالَ: تعال يَا عَلْقَمَة} قَالَ:
فَجئْت. فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: أَلا نُزَوِّجك يَا أَبَا
عبد الرَّحْمَن جَارِيَة بكرا لَعَلَّه يرجع إِلَيْك من
نَفسك مَا كنت تعهد؟ فَقَالَ عبد الله لَئِن قلت ذَاك لقد
قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث.
قَوْله: (يَا مشْعر الشَّبَاب) ، المعشر هم الطَّائِفَة
الَّذين يشملهم وصف. فالشباب معشر والشيوخ معشر، والشباب
جمع شَاب وَيجمع أَيْضا على شببة وشبان بِضَم أَوله
وَتَشْديد الْبَاء، وَذكر الْأَزْهَرِي أَنه لم يجمع فَاعل
على فعلان غَيره، وَأَصله الْحَرَكَة والنشاط، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: والشاب عِنْد أَصْحَابنَا هُوَ من بلغ وَلم
يُجَاوز ثلاثن سنة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُقَال لَهُ:
حدث إِلَى سِتّ عشرَة سنة ثمَّ شَاب إِلَى اثْنَيْنِ
وَثَلَاثِينَ، ثمَّ كهل وَكَذَا ذكر الزَّمَخْشَرِيّ،
وَقَالَ ابْن شَاس الْمَالِكِي فِي الْجَوَاهِر إِلَى
أَرْبَعِينَ، وَإِنَّمَا خص الشَّبَاب بِالْخِطَابِ لِأَن
الْغَالِب وجود قُوَّة الدَّاعِي فيهم
(20/67)
إِلَى النِّكَاح، بِخِلَاف الشُّيُوخ.
قَوْله: (الْبَاءَة) قد مر تَفْسِير فِي كتاب الصَّوْم،
وَلَكِن نذْكر مِنْهُ بعض شَيْء. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
فِيهَا أَربع لُغَات: الْمَشْهُور بِالْمدِّ وَالْهَاء،
وَالثَّانيَِة بِلَا مد، وَالثَّالِثَة بِالْمدِّ بِلَا
هَاء، وَالرَّابِعَة بِلَا مد وَأَصلهَا لُغَة الْجِمَاع،
ثمَّ قيل: لعقد النِّكَاح، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْبَاء
مثل الباعة، لُغَة فِي الْبَاء، وَمِنْه سمي النِّكَاح
بَاء وباه، لِأَن الرجل يتبوء من أَهله أَي يستمكن مِنْهَا
كَمَا يتبوأ من دَاره. قَوْله: (وَجَاء) بِكَسْر الْوَاو
وبالمد، وَهُوَ رض الخصيتين، قيل: عَلَيْهِ إغراء غَائِب،
وَهُوَ من النَّوَادِر، وَلَا تكَاد الْعَرَب تغري إلاَّ
الْحَاضِر. تَقول عَلَيْك: زيدا، وَلَا تَقول عَلَيْهِ:
زيدا، وَفِيه اسْتِحْبَاب عرض الصاحب هَذَا على صَاحبه،
وَنِكَاح الشَّابَّة فَإِنَّهَا ألذ استمتاعا وَأطيب نكهة
وَأحسن عشرَة وأفكه محادثة وأجمل منْظرًا، وألين ملمسا
وَأقرب إِلَى أَن يعودها زَوجهَا الْأَخْلَاق الَّتِي
يرتضيها واستحباب الْإِسْرَار بِمثلِهِ.
3 - (بابٌ: مَنْ لمْ يَسْتَطِع الْباءَةَ فَلْيَصُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نت لن يسْتَطع الْبَاءَة
فليصم.
6605 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غياثٍ حَدثنَا أبي
حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني عُمارَةُ عنْ عبْدِ
الرَّحْمانِ بنِ يَزِيدَ، قَالَ: دَخَلْتُ معَ عَلْقمَةَ
والأسْوَدِ علَى عبْدِ الله، فَقَالَ عبْدُ الله: كُنّا
مَعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَبابا لَا نجِدُ
شَيْئا، فَقَالَ لَنا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ مَنِ اسْتَطاعَ الباءَةَ
فلْيَتَزَوَّجْ، فإِنّهُ أغضُّ لِلْبَصَرِ وأحْصَنُ
لِلْفَرْجِ، ومَنْ لمْ يَسْتَطِعْ فعَلَيْهِ بالصَّوْمِ
فإِنّهُ لَهُ وِجاءٌ.
(انْظُر الحَدِيث 5091 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمن لم يسْتَطع)
فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ وَهَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث
الْمَذْكُور، أخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن
غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن عمَارَة، بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالراء: ابْن عُمَيْر
التَّيْمِيّ الْكُوفِي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن
قيس النَّخعِيّ، وعلقمة عَمه وَالْأسود أَخُوهُ يَعْنِي:
دخلت مَعَ أخي وَعمي على عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله:
(أَغضّ) بِمَعْنى الْفَاعِل لَا الْمَفْعُول أَي: أَشد
غضا. قَوْله: (وَأحْصن) أَي: أَشد إحصانا لَهُ ومنعا من
الْوُقُوع فِي الْفَاحِشَة. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي فَإِن
الصَّوْم. قَوْله: (وَجَاء) جملَة فِي مَحل الرّفْع على
الخبرية. وفال النَّوَوِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد
بِالْبَاءَةِ هُنَا على قَوْلَيْنِ: يرجعان إِلَى معنى
وَاحِد، أصَحهمَا: أَن المُرَاد مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ
وَهُوَ الْجِمَاع، فتقدير من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْجِمَاع
لقدرته على مؤونته وَهِي مُؤَن النِّكَاح فليتزوج، وَمن لم
يسْتَطع الْجِمَاع لعَجزه عَن مؤنه فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ
ليقطع شَهْوَته يقطع شَرّ منيه كَمَا يقطعهُ الوجاء، وعَلى
هَذَا القَوْل وَقع الْخطاب مَعَ الشَّبَاب الَّذين هم
مَظَنَّة شَهْوَة النِّسَاء وَلَا ينفكون عَنْهَا غَالِبا.
وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن المُرَاد هُنَا بِالْبَاءَةِ
مُؤَن النِّكَاح، سَمِعت باسم مَا يلازمهما، وَتَقْدِيره:
من اسْتَطَاعَ مِنْكُم مُؤَن النِّكَاح فليتزوج، وَمن لم
يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ. قَالُوا: وَالْعَاجِز عَن
الْجِمَاع لَا يحْتَاج إِلَى الصَّوْم لدفع الشَّهْوَة،
فَوَجَبَ تَأْوِيل الْبَاءَة على الْمُؤَن، وانفصل
الْقَائِلُونَ بِالْأولِ عَن ذَلِك بالتقدير الْمَذْكُور.
انْتهى. قلت: مفعول (من لم يسْتَطع) مَحْذُوف فَيحْتَمل
أَن يكون المُرَاد بِهِ. وَمن لم يسْتَطع الْبَاءَة أَو من
لم يسْتَطع التَّزَوُّج، وَقد وَقع كل مِنْهُمَا صَرِيحًا
فَروِيَ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن يزِيد
عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن شباب
لَا نقدر على شَيْء فَقَالَ: يَا معشر الشَّبَاب عَلَيْكُم
بِالْبَاءَةِ فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن
لِلْفَرجِ. فَمن لم يسْتَطع مِنْكُم الْبَاءَة فَعَلَيهِ
بِالصَّوْمِ فَإِن الصَّوْم لَهُ وَجَاء، وَرُوِيَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث الْأَعْمَش: من اسْتَطَاعَ
مِنْكُم أَن يتَزَوَّج فليتزوج، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة
النَّسَائِيّ: من كَانَ ذَا طول فَلْيَنْكِح، وَالْحمل على
الْمَعْنى الْأَعَمّ أولى بِأَن يُرَاد بِالْبَاءَةِ
الْقُدْرَة على الْوَطْء ومؤن التَّزَوُّج. قَوْله:
(وَجَاء) وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: فَإِنَّهُ لَهُ
وَجَاء، وَهُوَ الإخصاء وَهِي زِيَادَة مدرجة فِي
الْخَبَر، وَتَفْسِير الوجاء بِالْإِخْصَاءِ فِيهِ نظر،
فَإِن الوجاء: رض الانثيين، والإخصاء: قلعهما، وَإِطْلَاق
الوجاء على الصّيام من مجَاز المشابهة، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة قَالَ بَعضهم: وَجَاء، بِفَتْح الْوَاو مَقْصُور
وَالْأول أَكثر، وَاسْتدلَّ بِهِ الْخطابِيّ على جَوَاز
المعالجة لقطع شَهْوَة النِّكَاح بالأدوية، وَحَكَاهُ
الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة وَيَنْبَغِي أَن يحمل على
دَوَاء يسكن الشَّهْوَة دون مَا يقطعهَا أَصَالَة
لِأَنَّهُ قد يقدر بعد فيندم لفَوَات ذَلِك فِي حَقه، وَقد
صرح الشَّافِعِيَّة
(20/68)
بِأَنَّهُ لَا يكسرها بالكافور وَنَحْوه،
وَاسْتدلَّ بِهِ بعض الْمَالِكِيَّة على تَحْرِيم
الاستمناء، وَقد ذكر أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة أَنه
يُبَاح عِنْد الْعَجز لأجل تسكين الشَّهْوَة.
4 - (بابُ كَثْرَةِ النِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَثْرَة النِّسَاء لمن قدر على
الْعدْل بَينهُنَّ.
7605 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسى اأخبرَنا هِشَامُ
بنُ يُوسُفَ أنَّ جُرَيْجٍ أخبرهُمْ قَالَ: أخبَرَني
عَطاءٌ قَالَ: حضَرْنَا مَعَ ابنِ عَبّاس جَنازَةَ
مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابنُ عَبّاسٍ: هاذِهِ
زَوْجَةُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فإِذا
رَفَعْتُمْ نَعْشَها فَلا تُزَعْزِعُوها وَلَا
تُزَلْزِلُوها وَارْفُقُوا فإِنّهُ كانَ عِنْدَ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعٌ كانَ يَقْسِمُ لِثَمانٍ
وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تسع) هَذِه كَثْرَة
النِّسَاء، وَلَكِن هَذَا الْعدَد فِي حَقه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَفِي حق غَيره أَربع أَو ثَلَاث أَو
ثِنْتَانِ، وَيُطلق عَلَيْهَا الْكَثْرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك
بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
سُلَيْمَان بن يُوسُف وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن يُوسُف بن
سعيد.
قَوْله: (مَيْمُونَة) هِيَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة،
تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة سِتّ من
الْهِجْرَة وَتوفيت بسرف، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَكسر الرَّاء وبالفاء: وَهُوَ مَكَان مَعْرُوف بِظَاهِر
مَكَّة بَينهَا وَبَين مَكَّة اثْنَا عشر ميلًا، وَكَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنى بهَا فِيهَا،
وَكَانَت وفاتها سنة إِحْدَى وَخمسين، وَقيل: ثَلَاث
وَخمسين، وَقيل: سنة سِتّ وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهَا
ابْن عَبَّاس، ونزول فِي قبرها، وَعبد الرَّحْمَن بن
خَالِد بن الْوَلِيد وَهِي خَالَة أَبِيه. قَوْله: (نعشها)
بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْعين وبالشين الْمُعْجَمَة
وَهُوَ السرير الَّذِي يوع عَلَيْهِ الْمَيِّت. قَوْله:
(فَلَا تزعزعوها) من الزعزعة بزاءين معجمتين وعينين
مهملتين، وَهِي تَحْرِيك الشَّيْء الَّذِي يرفع. قَوْله:
(لَا تزلزلوها) من الزلزلة وَهِي الِاضْطِرَاب. قَوْله:
(وارفقوا بهَا) من الرِّفْق. وَأَرَادَ بِهِ السّير الْوسط
المعتدل. وَالْمَقْصُود مِنْهُ حُرْمَة الْمُؤمن بعد مَوته
فَإِن حرمته بَاقِيَة كَمَا كَانَت فِي حَيَاته وَلَا
سِيمَا هِيَ زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن الشان (كَانَ عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تسع) أَي: تسع نسْوَة،
أَي عِنْد مَوته، وَهن: سَوْدَة وَعَائِشَة وَحَفْصَة وَأم
سَلمَة وَزَيْنَب بنت جحش وَأم حَبِيبَة وَجُوَيْرِية
وَصفِيَّة ومَيْمُونَة، هَذَا تَرْتِيب تَزْوِيجه، إياهن.
وَمَات وَهن فِي عصمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(كَانَ يقسم) من الْقسم، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون
السِّين: مصدر قسمت الشَّيْء فانقسم، وبالكسر وَاحِد
الْأَقْسَام وَبِمَعْنى النَّصِيب، يُقَال: كِلَاهُمَا
بِمَعْنى النَّصِيب وَلَكِن الأول يسْتَعْمل فِي مَوضِع
خَاص بِخِلَاف الثَّانِي، وَالْقسم بِفتْحَتَيْنِ الْيَمين
قَوْله: (لثمان) أَي: لثمان نسْوَة (وَلَا يقسم لوَاحِدَة)
أَي: لامْرَأَة وَاحِدَة، وَهِي: سَوْدَة بنت زَمعَة بن
قيس القرشية العامرية، توفيت فِي آخر خلَافَة عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت قد أَسِنَت
عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم
بِطَلَاقِهَا، فَقَالَت لَهُ: لَا تُطَلِّقنِي وَأَنت فِي
حل من شأني، فَإِنَّمَا أريدأن أحْشر فِي أَزوَاجك،
وَإِنِّي قد وهبت يومي لعَائِشَة، وَإِنِّي لَا أُرِيد مَا
تُرِيدُ النِّسَاء؛ فَأَمْسكهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى توفّي عَنْهَا مَعَ سَائِر من توفّي
عَنْهُن من أَزوَاجه. فَإِن قلت: رُوِيَ مُسلم الحَدِيث
الْمَذْكُور من طَرِيق عَطاء، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ
عَطاء الَّتِي لَا يقسم لَهَا صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب
قلت: حكى عِيَاض عَن الطَّحَاوِيّ أَن هَذَا وهم وَصَوَابه
سَوْدَة، وَإِنَّمَا غلط فِيهِ ابْن جريج راوية عَن عَطاء،
وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا وهم من ابْن جريج الرَّاوِي
عَن عَطاء، وَإِنَّمَا الصَّوَاب سَوْدَة، كَمَا فِي
الْأَحَادِيث فَإِن قلت: يحْتَمل أَن تكون رِوَايَة ابْن
جريج صَحِيحَة وَيكون ذَلِك فِي آخر أمره حَيْثُ رُوِيَ
الْجَمِيع، فَكَانَ يقسم لجميعهن إلاَّ لصفية. قلت: قد
أخرج ابْن سعد من ثَلَاثَة طرق أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم لصفية كَمَا يقسم لنسائه. فَإِن
قلت: قد أخرج ابْن سعد هَذِه الطّرق كلهَا من رِوَايَة
الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة قلت: مَا
لِلْوَاقِدِي وَقد رُوِيَ عَنهُ الشَّافِعِي وَأَبُو بكر
بن أبي شيبَة وَأَبُو عبيد وَأَبُو خَيْثَمَة، وَعَن مُصعب
الزبيرِي ثِقَة مَأْمُون، وَكَذَا قَالَ الْمسَيبِي،
(20/69)
وَقَالَ أَبُو عبيد: ثِقَة، وَعَن
الداروردي: الْوَاقِدِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي
الحَدِيث، مَاتَ قَاضِيا بِبَغْدَاد سنة سبع وَمِائَتَيْنِ
وَدفن فِي مَقَابِر الخيزران وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين
سنة.
8605 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ
حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قتادَةَ عنْ أنَس، رَضِي الله عنهُ
أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كانَ يَطُوفُ علَى
نِسائِهِ فِي لَيْلَةٍ واحِدَةٍ ولَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ.
وَقَالَ لي خَلِيفَةُ: حَدثنَا يزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ
حَدثنَا سَعِيدٌ عنْ قَتادَةَ أنَّ أنَسا حدَّثَهُمْ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي
عرُوبَة واسْمه مهْرَان الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث قد مضى
فِي كتاب الْغسْل بأتم مِنْهُ. قَوْله: (وَقَالَ لي
خَليفَة) هُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، إِنَّمَا قصد
بذلك تَصْرِيح قَتَادَة بتحديث أنس لَهُ بذلك.
9605 - حدَّثنا علِيٌّ بنُ الحَكَمِ الأنْصاريُّ حَدثنَا
أبُو عَوانَةَ عنْ رَقَبةَ عنْ طَلْحَةَ اليامِيِّ عنْ
سعيدِ بنِجُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِيَ ابنُ عَبّاسٍ: هلْ
تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَتَزَوَّجْ فإِنَّ
خَيْرَ هاذِهِ الأُمَّةِ أكْثَرُها نِساءً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَكْثَرهَا نسَاء)
وَعلي بن الحكم بِفتْحَتَيْنِ الْأنْصَارِيّ الْمروزِي من
قَرْيَة من قرى مرو يَدعِي غزا مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَطَلْحَة هُوَ ابْن
مصرف اليامي بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم،
وَيُقَال الأيامي فِي هَمدَان ينْسب إِلَى أَيَّام بن أصبي
بن رَافع بن مَالك بن جشم بن حاشد بن خيران بن نوف بن
أوسلة وَهُوَ هَمدَان.
قَوْله: (فَإِن خير هَذِه الْأمة) المُرَاد بِهِ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ أَكثر نسَاء من
غَيره، وَالْأمة الْجَمَاعَة أَي: خير هَذِه الْجَمَاعَة
الإسلامية وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِنَّهُ أَكْثَرهم نسَاء لِأَن لَهُ تسعا، وَإِنَّمَا
قيد بِهَذِهِ الْأمة لِأَن سليكان، عَلَيْهِ السَّلَام،
أَكثر زَوْجَات من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قيل: كَانَت ألف امْرَأَة: ثَلَاثمِائَة حرائر وَسَبْعمائة
إِمَاء، وأبلوه دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَت لَهُ
تسع وَتسْعُونَ امرأةٍ، وَقيل: مَعْنَاهُ خير أمة مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هُوَ أَكثر نسَاء من غَيره
إِذا تساووا فِي الْفَضَائِل، وَقيل لَهُ: الْخَيْرِيَّة
من هَذِه الْجِهَة لَا مُطلقًا، فَافْهَم.
5 - (بابٌ مَنْ هاجَرَ أوْ عَمِلَ خَيْرا لِتَزْوِيجِ
امْرَأةٍ فلَهُ مَا نَوَى)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن من هَاجر إِلَى دَار
الْإِسْلَام وَكَانَ قَصده تَزْوِيج امْرَأَة، أَو عمل خير
من أَنْوَاع الْخَيْر ليتوسل بِهِ إِلَى تَزْوِيج امْرَأَة
أَو يَجْعَلهَا زَوْجَة نَفسه، أَو التَّزْوِيج بِمَعْنى
التَّزَوُّج، فَلهُ مَا نوى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، على مَا يَجِيء
الْآن.
0705 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حَدثنَا مالِكٌ عنْ
يَحْيَى بنِ سعِيدٍ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ إبْرَاهِيمَ بنِ
لحَارِثِ عنْ علْقَمَةَ بن وقاصٍ عنْ عُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: العَمَلُ بالنِّيَّةِ، وإنَما
لِامْرِىءٍ مَا نَوَى، فمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله
ورسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومَنْ كانتْ هِجْرَتُهُ
إِلَى دُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأةٍ يَنْكِحُها
فهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَر إليْهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن قزعة،
بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات:
الْحِجَازِي. والْحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب فَإِنَّهُ
إخرجه هُنَاكَ عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن يحيى بن
سعيد الْأنْصَارِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
6 - (بابُ تَزْوِيجِ المُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ القُرْآنُ
والإسْلاَمُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَزْوِيج الْمُعسر أَي:
الْفَقِير الَّذِي لَيْسَ مَعَه شَيْء وَمَعَهُ الْقُرْآن،
يَعْنِي: يحفظ شَيْئا من الْقُرْآن. قَوْله:
(وَالْإِسْلَام) قَالَ ابْن بطال: دلّ هَذَا على أَن
الْكَفَاءَة إِنَّمَا هِيَ فِي الدّين لَا فِي المَال،
وَقد نبه بِهَذِهِ التَّرْجَمَة
(20/70)
على جَوَاز ذَلِك آخِذا بِمَا وَقع من حَال ذَلِك الرجل
الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد، فَلم يجد، وزوجه بِمَا
مَعَه من الْقُرْآن.
فِيهِ سَهْلٌ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي هَذَا الْبَاب ورد حَدِيث سهل بن سعد
الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، وَقد مر حَدِيثه فِي: بَاب
الْقِرَاءَة عَن ظهر الْقلب، وَفِيه: مَاذَا مَعَك من
الْقُرْآن؟ قَالَ: معي سُورَة كَذَا وَكَذَا، قَالَ:
اتقرؤهن عَن ظهر قَلْبك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فقد ملكتكها
بِمَا مَعَك من الْقُرْآن.
1705 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيَى
حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني قَيْسٌ عنِ ابنِ
مَسْعُودٍ رضيَ الله عنهُ، قَالَ: كُنا نَغْزُو مَع
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْسَ لَنا نِساءٌ،
فَقُلْنا: يَا رَسُول الله ألاَ نَسْتَخْصِي؟ فَنَهانا عنْ
ذالِكَ.
(انْظُر الحَدِيث 5164 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تعلم بالدقة فِي النّظر، وَهُوَ أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نَهَاهُم عَن الاختصاء مَعَ
احتياجهم إِلَى النِّسَاء وَمَعَ فَقرهمْ، كَمَا صرح بِهِ
فِي هَذَا الْخَبَر على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله
تَعَالَى، وَكَانَ مَعَ كل مِنْهُم شَيْء من الْقُرْآن
كَأَنَّهُ أجَاز لَهُم التَّزْوِيج بِمَا مَعَهم من
الْقُرْآن.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي خَالِد سعد البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقيس هُوَ ابْن أبي
حَازِم عَوْف الأحمسي البَجلِيّ. قدم الْمَدِينَة
بَعْدَمَا قبص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والْحَدِيث قد مر التَّفْسِير.
قَوْله: (عَن ذَلِك) أَي: عَن الاستخصاء، فَدلَّ على أَنه
حرَام فِي الْآدَمِيّ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا، لِأَن
فِيهِ تَغْيِير خلق الله تَعَالَى، وَلما فِيهِ من قطع
النَّسْل وتعذيب الْحَيَوَان. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَكَذَا
كل حَيَوَان لَا يُؤْكَل، وَأما الْمَأْكُول فَيجوز فِي
صغره وَيحرم فِي كبره. |