عمدة القاري شرح صحيح البخاري

32 - (بابُ شَهادَةِ المُرْضِعَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَهَادَة الْمُرضعَة بِالرّضَاعِ وَحدهَا، وَفِيه خلاف، فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وطاووس جَوَاز شَهَادَة وَاحِدَة فِيهِ إِذا كَانَت مُرْضِعَة، وتستحلف مَعَ شهادتها، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ: إِنَّه أجَاز شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي ذَلِك إِذا شهِدت قبل أَن تتزوجه، فَأَما بعده فَلَا وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه: لَا يقبل فِي ذَلِك إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَقَالَ مَالك: تقبل شَهَادَة امْرَأتَيْنِ دون رجل، وَبِه قَالَ الحكم، وَقَالَت طَائِفَة: لَا يقبل فِي ذَلِك أقل من أَربع نسْوَة، رُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء وَالشعْبِيّ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.

4015 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا أيُّوبُ عنْ عَبْدِ الله بن أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: حدّثني عُبَيْدُ بنُ أبي مَرْيَمَ عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ قَالَ: وقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لكنِّي لِحَديثِ عُبَيْدٍ أحْفَظُ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأةً فَجَاءَتْنا امْرَأَةً فجاءَتْنَا امْرَأَةً سَوْدَاءٌ، فقالَتْ: أرْضَعْتُكُما فأتيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتُ فُلاَنٍ فجاءَتْنَا امْرَأةً سَوْداءٌ فقالَتْ لِي: إنِّي قدْ أرْضَعْتُكُما، وهْيَ كاذِبَةٌ، فأعْرَضَ عَنِّي فأتَيْتُهُ مِنْ قَبْلِ وجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كاذِبَة. قَالَ: كَيْفَ بِها وقَدْ زَعَكَتْ أَنَّهَا قَدْ أرْضَعْتُكُما؟ دَعْها عَنْكَ. وأشَارَ إسْماعِيلُ بإِصْبَعيْهِ السَّبَابَةِ والوُسْطَى يَحْكِي أيُّوبَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَيفَ بهَا) ؟ إِلَى آخِره، وَبِه أَخذ اللَّيْث وَقَالَ يجواز شَهَادَة الْمُرضعَة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية، وَهِي أمه وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَعبيد بن أبي مَرْيَم الْمَكِّيّ مَاله فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي ثِقَات التَّابِعين، وَعقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف ابْن الْحَارِث الْقرشِي الْمَكِّيّ الصَّحَابِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي بَاب الرحلة وَفِي كتاب الشَّهَادَات أَيْضا فِي: بَاب شَهَادَة الْإِمَاء وَالْعَبِيد.
قَوْله: (قَالَ: وَقد سمعته) أَي: قَالَ عبد الله بن أبي مليكَة: سَمِعت هَذَا الحَدِيث من عقبَة بن الْحَارِث، والاعتماد على سَمَاعه مِنْهُ. قَوْله: (تزوجت امْرَأَة) وَهِي أم يحيى بنت أبي إهَاب، بِكَسْر الْهمزَة، التَّمِيمِي. قَوْله: (امْرَأَة سَوْدَاء) وَلم يدر اسْمهَا. قَوْله: (فَأَعْرض عني) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فَأَعْرض عَنهُ، بطرِيق الِالْتِفَات. قَوْله: (من قبل وَجهه) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (كَيفَ بهَا) استبعاد مِنْهُ أَي: وَكَيف تَجْتَمِع بهَا بعد أَن قيل هَذَا. قَوْله: (دعها) أَي: اتركها وَهُوَ أَمر من يدع أمره بِالتّرْكِ وَالْأَخْذ بالورع وَالِاحْتِيَاط لَا على الْإِيجَاب، وَرُوِيَ ابْن مهْدي بِإِسْنَادِهِ عَن رجل من بني عبس، قَالَ: سَأَلت عليا وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن رجل تزوج امْرَأَة فَجَاءَت امْرَأَة فَزَعَمت أَنَّهَا أرضعتهما، فَقَالَا: ينزه عَنْهَا فَهُوَ خير، وَإِمَّا أَن يحرمها عَلَيْهِ أحد فَلَا، وَقد قَالَ زيد بن أسلم: إِن عمر بن الْخطاب لم يجز شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الرَّضَاع. قَوْله: (وَأَشَارَ إِسْمَاعِيل) هُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الرَّاوِي، قَوْله: (بِأُصْبُعَيْهِ) يَعْنِي أَشَارَ بهما حِكَايَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فِي إِشَارَته إِلَى الزَّوْجَيْنِ.

42 - (بابُ مَا يَحلُّ مِنَ النِّساءِ وَمَا يَحْرُمُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يحل نِكَاحه من النِّسَاء وَمَا لَا يحل.

(20/99)


وقَوْلِهِ تَعَالَى: { (4) حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم. . وأخواتكم وعماتكم وخلاتكم وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت} (النِّسَاء: 32) الْآيَة إِلَى قوْلِهِ { (4) إِن الله كَانَ عليما حكميا} (النِّسَاء: 42)

وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: مَا يحل، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة كريمه، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم} (النِّسَاء: 32) الْآيَة إِلَى {عليما حكيما} (النِّسَاء: 42) قَوْله: الْآيَة، وَفِي بعض النّسخ: الْآيَتَيْنِ، لِأَن من قَوْله {حرمت} (النِّسَاء: 32) إِلَى قَوْله: {عليما حكيما} (النِّسَاء: 42) آيَتَيْنِ الأولى من {حرمت عَلَيْكُم} (النِّسَاء: 32) إِلَى قَوْله {إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما} (النِّسَاء: 32) وَالثَّانيَِة من قَوْله {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} إِلَى قَوْله {إِن الله كَانَ عليما حكيما} (النِّسَاء: 42) وَقد بَين الله تَعَالَى هُنَا الْمُحرمَات من النِّسَاء وَهن أَربع عشرَة امْرَأَة: سبع من نسب وَسبع بِسَبَب، فالسبع الَّتِي من نسب هِيَ قَوْله: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} إِلَى قَوْله {وَبَنَات الْأُخْت} (النِّسَاء: 32) الأولى: الْأُمَّهَات وَالْمرَاد بهَا الوالدات وَمن فوقهن من الْجدَّات من قبل الْأُمَّهَات والآباء، الثَّانِيَة: الْبَنَات وَالْمرَاد بهَا بَنَات الأصلاب وَمن أَسْفَل مِنْهُنَّ من بَنَات الْأَبْنَاء وَالْبَنَات، وَإِن سفلن الثَّالِثَة: الْأَخَوَات وَالْمرَاد الشقيقات وغيرهن من الْآبَاء والأمهات. الرَّابِعَة: العمان وَالْمرَاد أَخَوَات الْآبَاء وأخوات الأجداد وَإِن علون. الْخَامِسَة: الخالات وَهِي أَخَوَات الْأُمَّهَات الوالدات لآبائهن وأمهاتهن. السَّادِسَة: بَنَات الْأَخ من الْأَب وَالأُم أَو من الْأَب أَو من الْأُم. وَبَنَات بناتهن وَإِن سفلن. السَّابِعَة: بَنَات الْأُخْت، كَذَلِك من أَي جِهَة كن، وَأَوْلَاد أَوْلَادهنَّ وَإِن سفلن. وَإِمَّا السَّبع الَّتِي من جِهَة السَّبَب فَهِيَ من قَوْله تَعَالَى: {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم} (النِّسَاء: 42) إِلَى آخر الْآيَة، وَالْمرَاد الْأُم الْمُرضعَة وَمن فَوْقهَا من أمهاتهاوإن بعدن وَقَامَ ذَلِك مقَام الوالدة ومقام أمهاتها وَالْأُخْت من الرَّضَاع الَّتِي أرضعتها أمك بلبان أَبِيك سَوَاء أرضعتها مَعَك أَو مَعَ ولد قبلك، أَو بعْدك. وَالْأُخْت من الْأَب دون الْأُم وَهِي الَّتِي أرضعتها زَوْجَة أَبِيك بلبان أَبِيك، وَالْأُخْت من الْأُم دون الْأَب وَهِي الَّتِي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر، وَأم الْمَرْأَة حرَام عَلَيْهِ دخل بهَا أَو لم يدْخل بهَا، وَهُوَ قَول أَكثر الْفُقَهَاء، وَقَالَ عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَمُجاهد وَعِكْرِمَة: لَهُ أَن يتَزَوَّج قبل الدُّخُول بهَا، والربيبة وَهِي بنت امْرَأَة الرجل من غَيره، وَإِنَّمَا تحرم بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ، وَلَا تحرم بِمُجَرَّد العقد، وَذكر الْحجر بطرِيق الْأَغْلَب لَا على الشَّرْط، وحليلة الابْن أَي: زَوجته، وَإِنَّمَا قَالَ من أصلابكم تَحَرُّزًا عَن زَوْجَات المتبني، وَالْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرتين كَانَت أَو أمتين وطئتا فِي عقد وَاحِد فِي حَال الْحَيَاة، وَحكي عَن دَاوُد أَنه جوز ذَلِك بِملك الْيَمين، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
وَقَالَ أنَسٌ { (4) وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} ذَوَات الْأزْوَاج الْحَرَائِر حرَام { (4) إلاَّ مَا ملَكَتْ أيْمانُكُمْ} (النِّسَاء: 42) لَا يَرَى بَأْسا أنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جارِيتَهُ منْ عَبْدِهِ

أَي: قَالَ أنس بن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحصنَات} أَي: النِّسَاء الْمُحْصنَات اللَّاتِي لَهُنَّ أَزوَاج حرَام إلاَّ بعد طَلَاق أَزوَاجهنَّ وانقضاء الْعدة مِنْهُنَّ، وَقيل: الْمُحْصنَات أَي العفائف حرَام إلاَّ بعد النِّكَاح، وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: أصبْنَا سَبَايَا يَوْم أَوْطَاس لَهُنَّ أَزوَاج، فكرهنا أَن نقع عَلَيْهِنَّ، فسألنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَوْله: (إِلَّا مَا ملكت) يعي إلاَّ الْأمة الْمُزَوجَة بِعَبْد، فَإِن لسَيِّده أَن يَنْزِعهَا من تَحت نِكَاح زَوجهَا. قَوْله: (وَلَا يرى بهَا) أَي: فِيهَا (بَأْسا) أَي: حرجا (أَن ينْزع الرجل جَارِيَته من عِنْده) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: جَارِيَة من عَبده.
وَقَالَ { (2) وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} (الْبَقَرَة: 122)
أَي: قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} (الْبَقَرَة: 122) أَي: لَا تتزوجوهن حَتَّى يُؤمن بِاللَّه، وقرىء بِضَم التَّاء أَي: وَلَا تزوجوهن، وَالْمرَاد بالمشركات الحربيات، وَالْآيَة ثَابِتَة، وَقيل: المشركات الكتابيات والحربيات أهل الْكتاب من أهل الشّرك لقَوْله تَعَالَى: {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله} (التَّوْبَة: 03) وَهِي مَنْسُوخَة بقوله: {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} (الْمَائِدَة: 5) .
وَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ، مَا زَادَ علَى أرْبَعٍ فهْوَ حرامٌ كأُمِّهِ وابْنَتِه وأُخْتِه

(20/100)


أَي: مَا زَاد على أَربع نسْوَة، وَهَذَا وَصله إِسْمَاعِيل بن زِيَاد فِي تَفْسِيره عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك مِنْهُ.

5015 - وَقَالَ لَنا أحْمَدُ بنُ حنْبلٍ: حَدثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ سُفْيانَ حدّثني حَبِيبُ عَن سَعِيدٍ عَن ابْن عبّاسٍ: حَرُمَ مِنَ النَّسَب سبْعٌ ومِنَ الصِّهْرِ سبْعٌ، ثُمَّ قرَأ { (4) حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} (النِّسَاء: 32) الْآيَة.
قَوْله: (قَالَ لنا أَحْمد بن حَنْبَل) وَهُوَ الإِمَام الْمَشْهُور، وَأخذ البُخَارِيّ عَنهُ هُنَا مذاكرة. وَلم يقل: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ عَنهُ حَدِيثا وَاحِدًا فِي آخر الْمَغَازِي فِي مُسْند بُرَيْدَة قَوْله: إِنَّه غزا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ عشرَة غَزْوَة، وَقَالَ فِي كتاب الصَّدقَات: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا أبي حَدثنَا ثُمَامَة: الحَدِيث، ثمَّ قَالَ عقيبة: وَزَادَنِي أَحْمد بن حَنْبَل عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ هُنَا: قَالَ أَحْمد، رُوِيَ عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد بن جُبَير.
قَوْله: (حرم) ، أَي: حرم من النّسَب سبع نسْوَة وَمن الصهر كَذَلِك والصهر وَاحِد الأصهار وهم أهل بَيت الْمَرْأَة، وَمن الْعَرَب من يَجْعَل الصهر من الأحماء والأختان جَمِيعًا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْأخْتَان من قبل الْمَرْأَة، والأحماء من قبل الرجل: والصهر يجمعهما وخان الرجل إِذا تزوج إِلَيْهِ قيل: الْآيَة لَا تدل على السَّبع الصهري. وَأجِيب بِأَنَّهُ اقْتصر على ذكر الْأُمَّهَات وَالْبَنَات لِأَنَّهُمَا كالأساس مِنْهُنَّ. وَهَذَا بترتيب مَا فِي الْقُرْآن من النّسَب. وَقيل: مَا فَائِدَة ذكر الْأُخْتَيْنِ بعْدهَا؟ وَأجِيب: الْإِشْعَار بِأَن حرمتهما لَيست مُطلقًا ودائما كالأصل وَالْفرع، عِنْد الْجمع. وَلم يذكر الْأَرْبَعَة الْأُخْرَى لِأَن حكمهن يعلم من الْأُخْتَيْنِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا لِأَن عِلّة حرمتهما الْجمع الْمُوجب لقطيعة الرَّحِم، وَذَلِكَ حَاصِل فيهمَا.
وقَدْ جَمَعَ عبْدُ الله بنُ جعفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عليٍّ وامْرَأةِ علِيٍّ
أَي: قد جمع عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب بَين ابْنة عَليّ بن أبي طَالب وَامْرَأَته ليلى بنت مَسْعُود، فكانتا عِنْده جَمِيعًا. وَفِي حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، قَالَ: حَدثنِي غير وَاحِد أَن عبد الله بن جَعْفَر جمع بَين امْرَأَة عَليّ وَابْنَته، ثمَّ مَاتَت بنت عَليّ فَتزَوج عَلَيْهَا بِنْتا لَهُ أُخْرَى قَالَ: وَحدثنَا قبيصَة عَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مهْرَان، قَالَ: جمع ابْن جَعْفَر بن أبي طَالب بَين بنت عَليّ وَامْرَأَته فِي لَيْلَة، وَعند ابْن سعد من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن مهْرَان أَن ابْن جَعْفَر تزوج زَيْنَب بنت عَليّ وَتزَوج مَعهَا امْرَأَته ليلى بنت مَسْعُود، وَقَالَ ابْن سعد: فَلَمَّا توفيت زَيْنَب تزوج بعْدهَا أم كُلْثُوم بنت عَليّ بنت فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَقَالَ ابنُ سِيرِين: لَا بأْسَ بهِ وكَرهَهُ الحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بأْسَ بهِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لَا بَأْس بِهَذَا الْجمع، وَقَالَ الْقَاسِم بن سَلام: حَدثنَا أسماعيل بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين أَنه كَانَ لَا يرى بذلك بَأْسا، وَقَالَ الْقَاسِم، وَكَذَلِكَ قَول سُفْيَان. وَأهل الْعرَاق لَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا، وَلَا أَحْسبهُ إلاَّ قَول أهل الْحجاز وَكَذَلِكَ هُوَ عندنَا، وَلَا أعلم أحدا كرهه إلاَّ شَيْئا يروي عَن الْحسن ثمَّ رَجَعَ عَنهُ. قلت: أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ بقوله: (وَكَرِهَهُ الْحسن مرّة ثمَّ قَالَ: لَا بَأْس بِهِ) وَقَالَ ابْن بطال قَالَ ابْن أبي ليلى: لَا يجوز هَذَا النِّكَاح، وَكَرِهَهُ عِكْرِمَة، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: ثَبت رُجُوع الْحسن عَنهُ وَأَجَازَهُ أَكثر أهل الْعلم. وَفعل ذَلِك صَفْوَان بن أُميَّة، وأباحه بن سِيرِين وَسليمَان بن يسَار وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق والكوفيون وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ مَالك: لَا أعلم ذَلِك حَرَامًا، وَبِه نقُول، وَفِي الْإِسْنَاد إِلَى عِكْرِمَة فِي كَرَاهَته مقَال.
وجَمَعَ الحَسَنُ بنُ الحَسنِ بنِ علِيٍّ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍ فِي لَيْلةٍ

أَي: جمع الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو عبيد بن سَلام فِي كتاب النِّكَاح تأليفه: عَن حجاج عَن ابْن جريج أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار أَن الْحسن بن مُحَمَّد أخبرهُ: أَن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بني فِي لَيْلَة وَاحِدَة

(20/101)


ببنت مُحَمَّد بن عَليّ وببنت عمر بن عَليّ، فَجمع بَينهمَا، يَعْنِي: بَين ابْنَتي الْعم، وَأَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: هُوَ أحب إِلَيْنَا مِنْهُمَا، مَا يَعْنِي ابْن الْحَنَفِيَّة، قَالَ ابْن بطال: وَكَرِهَهُ مَالك وَلَيْسَ بِحرَام، إِنَّمَا هُوَ لأجل القطيعة، قَالَ: وَهُوَ قَول عَطاء وَجَابِر بن زيد، وَفِي المُصَنّف: عَن عَطاء يكره الْجمع بَينهمَا لفساد بَينهمَا. وَكَذَا ذكره عَن الْحسن، وَحدثنَا ابْن نمير عَن سُفْيَان حَدثنِي خَالِد الفأفاء عَن عِيسَى بن طَلْحَة، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْكح الْمَرْأَة على قرابتها مَخَافَة القطيعة.
وكَرِهَهُ جابِرُ بنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ، ولَيْسَ فِيهِ تحْرِيمٌ لقَوْلِهِ تَعَالَى: { (4) وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} (النِّسَاء: 42)

أَي: كره هَذَا النِّكَاح الْمَذْكُور جَابر بن زيد أَبُو الشعْثَاء الْأَزْدِيّ اليحمدي الجوفي بِالْجِيم نَاحيَة عمان الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. قَوْله: (للقطعية) أَي: لوُقُوع التنافس بَينهمَا فِي الحظوة عِنْد الزَّوْج، فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى قطيعة الرَّحِم. قَوْله: (وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيم) من كَلَام البُخَارِيّ، وَقد صرح بِهِ قَتَادَة قبله.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَباسٍ: إِذا زَنَى بأُخْتِ امْرَأتِه لَمْ تَحْرُمْ علَيْهِ امْرَأتُهُ

هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن هِشَام عَن قيس بن سعد عَن عَطاء، وَقَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا حرم الله الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ بِالنِّكَاحِ خَاصَّة لَا بِالزِّنَا، أَلا ترى أَنه يجوز نِكَاح وَاحِدَة بهد أُخْرَى من الْأُخْتَيْنِ وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْمَرْأَة وابنتها من غَيره، والكوفيون على أَنه إِذا زنى بِالْأُمِّ حرم عَلَيْهِ بنتهَا، وَكَذَا عَكسه وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: إِنَّه يحرم عَلَيْهِ ابْنَتهَا وَأمّهَا. وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَخَالف فِيهِ ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَرَبِيعَة وَاللَّيْث، فَقَالُوا: الْحَرَام لَا يحرم حَلَالا. وَهُوَ قَوْله: فِي (الْمُوَطَّأ) ، ويه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر.
ويُرْوَى عنْ يَحْيَى الكِنْديِّ عنِ الشَّعْبِيِّ وَأبي جعْفَرٍ فِيمَنْ يلْعبُ بالصَّبِيِّ إِنْ أدخلَهُ فِيه فَلا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ، ويَحْيَى هاذا غيْرُ مَعْرُوفٍ لَمْ يُتابَعْ علَيْهِ

يحيى هَذَا هُوَ ابْن قيس الْكِنْدِيّ، رُوِيَ عَن شُرَيْح وَرُوِيَ عَنهُ أَبُو عوَانَة وَشريك الثَّوْريّ، وَقَول البُخَارِيّ: وَيحيى هَذَا غير مَعْرُوف أَي غير مَعْرُوف الْعَدَالَة وإلاَّ فاسم الْجَهَالَة ارْتَفع عَنهُ بِرِوَايَة هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَلم يذكرَا فِيهِ جرحا، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات على عَادَته فِيمَن لم يجرح. قَوْله: (عَن الشّعبِيّ) هُوَ عَامر بن شرَاحِيل. قَوْله: (وَأبي جَعْفَر) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: وَابْن جَعْفَر. وَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن الْمهْدي عَن الْمُسْتَمْلِي كالجماعة. وَهَكَذَا وَصله وَكِيع عَن سُفْيَان عَن يحيى. قَوْله: (فِيمَن يلْعَب بِالصَّبِيِّ إِن أدخلهُ فِيهِ) أَرَادَ بِهِ إِذا لَاطَ بِهِ فَلَا يتزوجن أمه، يَعْنِي: تحرم عَلَيْهِ، الْحَاصِل أَنه يثبت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة. وَقَالَ ابْن بطال: أما تَحْرِيم النِّكَاح باللواطة فأصحاب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يحرمُونَ بِهِ شَيْئا، وَقَالَ الثَّوْريّ: إِذا لعب بِالصَّبِيِّ خرمت عَلَيْهِ أمه. وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: إِذا تلوط بِابْن امْرَأَته أَو أَبِيهَا أَو أُخْتهَا حرمت عَلَيْهِ امْرَأَته، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا لَاطَ غُلَام بِغُلَام وَولد للمفجور بِهِ بنت لم يجز لِلْفَاجِرِ أَن يتَزَوَّج بهَا لِأَنَّهَا بنت من قد دخل هُوَ بِهِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبّاسٍ: إِذَا زَنَى بِها لاَ تَحْرُمْ علَيْهِ امْرَأتُهُ

أَي: قَالَ عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن مَوْلَاهُ ابْن عَبَّاس: إِذا زنى رجل بِأم امْرَأَته لَا تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته، وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق هِشَام عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة بِلَفْظ: فِي رجل غشي أم امْرَأَته لَا تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته.
ويُذْكَرُ عنْ أبي نَصْرٍ أنَّ ابنَ عبّاسٍ حَرَّمَهُ، وأبُو نَصْرٍ هاذا لمْ يُعْرَفْ سمَاعهُ مِنِ ابنِ عبَّاسٍ

أَبُو نصر هَذَا بِسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة يذكر عَنهُ أَن ابْن عَبَّاس حرمه أَي: حرم العقد الَّذِي بَينه وَبَين امْرَأَته بِوَطْء أمهَا، وَوَصله الثَّوْريّ فِي جَامعه من طَرِيقه وَلَفظه: أَن رجلا قَالَ إِنَّه أصَاب أم امْرَأَته، فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: حرمت عَلَيْك امْرَأَتك،

(20/102)


وَذَلِكَ بعد أَن ولدت مِنْهُ سَبْعَة أَوْلَاد كُلهنَّ بلغ مبلغ الرِّجَال. قَوْله: (وَأَبُو نصر) هَذَا لم يعرف سَمَاعه عَن ابْن عَبَّاس، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن الْمهْدي عَن الْمُسْتَمْلِي: لَا يعرف بِسَمَاعِهِ، وَعدم الْمعرفَة بِسَمَاعِهِ عَن ابْن عَبَّاس هُوَ قَول البُخَارِيّ، وعرفه أَبُو زرْعَة بِأَن أسدي وَأَنه ثِقَة، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سَأَلَهُ عَن قَوْله عز وَجل: {وَالْفَجْر وليال عشر} (الْفجْر: 1 2) انْتهى. فَإِن كَانَت الطَّرِيق إِلَيْهِ صَحِيحَة فَهُوَ يرد قَول البُخَارِيّ، وَلَا شكّ أَن عدم معرفَة البُخَارِيّ بِسَمَاعِهِ من ابْن عَبَّاس لَا تَسْتَلْزِم نفي معرفَة غَيره بِهِ عل أَن الْإِثْبَات أولى من النَّفْي.
ويُرْوَى عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن وجابِر بنِ زَيْدٍ والحَسَنِ وبَعْضِ أهْلِ العِراقِ، وَقَالَ: تَحْرُمُ علَيْهِ

عمرَان بن الْحصين: بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَجَابِر بن زيد التَّابِعِيّ، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ وَبَعض أهل الْعرَاق مثل إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه، فكلهم يَقُولُونَ: إِن من وطىء أم امْرَأَته تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته، أما قَول عمرَان بن حُصَيْن فوصله عبد الرَّزَّاق من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ عَنهُ، قَالَ: من فجر بِأم امْرَأَته حرمتا عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَأما قَول جَابر بن زيد وَالْحسن فوصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق قَتَادَة عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ جَابر بن زيد وَالْحسن يكرهان أَن يمس الرجل أم امْرَأَته يَعْنِي فِي الرجل يَقع على أم امْرَأَته، وَأما قَول بعض أهل الْعرَاق فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة عَن جرير عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم وعامر فِي رجل وَقع على ابْنة امْرَأَته، قَالَا: حرمتا عَلَيْهِ كلتاهما، وَرُوِيَ عَن جرير عَن حجاج عَن ابْن هانىء الْخَولَانِيّ، قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: من نظر إِلَى فرج امْرَأَة لم تحل لَهُ أمهَا وَلَا بنتهَا.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: لَا تَحْرُمُ حتَّى يُلْزِقَ بالأرْضَ، يَعْنِي: يُجامِعَ

أَي: لَا تحرم الْبِنْت إِذا وطىء أمهَا، وَبِالْعَكْسِ أَيْضا. قَوْله: (حَتَّى يلزق) ، قَالَ ابْن التِّين بِفَتْح أَوله وَضَبطه غَيره بِالضَّمِّ، وَهُوَ أوجه، فسره البُخَارِيّ بقوله: (يَعْنِي بِجَامِع) وَكَأَنَّهُ أحترز بِهِ عَمَّا إِذا لمسها أَو قبلهَا من غير جماع لاتحرم.
وجَوَّزَهُ ابنُ المُسَيَّبِ وعِرْوَةُ والزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عليٌّ: لَا تَحْرُمُ

أَي: جوز سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ النِّكَاح بَينه وَبَين امْرَأَة قد وطىء أمهَا، وَقد رُوِيَ عبد الرَّزَّاق من طَرِيق الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: سَأَلت سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير عَن الرجل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ: هَل تحل لَهُ بنتهَا؟ فَقَالَا لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَال، وَرُوِيَ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ مثله. قَوْله: (وَقَالَ الزُّهْرِيّ: قَالَ عَليّ) أَي: عَليّ بن أبي طَالب: لَا يحرم، وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يحيى بن أَيُّوب عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن رجل وطىء أم امْرَأَته، فَقَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ: لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَال.
وهاذا مُرْسَلٌ

أَي: هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الزُّهْرِيّ مُرْسل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَهُوَ مُرْسل أَي: مُنْقَطع، وَأطلق الْمُرْسل على الْمُنْقَطع وَهَذَا أَمر سهل.

52 - (بابٌ { (4) وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن} (النِّسَاء: 32)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَوْله عز وَجل: {وربائبكم} (النِّسَاء: 32) وَهُوَ جمع: ريبية، وَهِي بنت امْرَأَة الرجل من غَيره، فعيلة بِمَعْنى مفعولة، سميت بهَا لِأَنَّهَا يُرَبِّيهَا زوج أمهَا غَالِبا. قَوْله: (فِي حجوركم) ، جمع حجر، بِفَتْح الحاى وَكسرهَا، يُقَال: فلَان فِي حجر فلَان أَي: فِي كنفه ومنعته، وَهِي من الْمُحرمَات بِشَرْط دُخُول الرجل على أَن الريبية: وَأَجْمعُوا على أَن الرجل إِذا تزوج امْرَأَة ثمَّ طَلقهَا أَو مَاتَت قبل أَن يدْخل بهَا حل لَهُ تَزْوِيج ابْنَتهَا، وَهُوَ قَول الحنيفة وَالثَّوْري وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَمن قَالَ بقوله من أهل الشَّام وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه، وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَرُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله وَعمْرَان بن حُصَيْن أَنَّهُمَا قَالَا: إِذا طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا يتَزَوَّج ابْنَتهَا.
وَاخْتلفُوا فِي معنى الدُّخُول الَّذِي يَقع بِهِ تَحْرِيم الربائب، فَقَالَت طَائِفَة: الدُّخُول الْجِمَاع، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ طَاوُوس وَعَمْرو بن دِينَار. وَهُوَ الْأَصَح من قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْخلْوَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد، وَهنا قَول آخر وَهُوَ: أَن يحرم ذَلِك التفقيس والعقود بَين الرجلَيْن، هَكَذَا قَالَ عَطاء

(20/103)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن دخل بِالْأُمِّ فعراها ولمسها بِيَدِهِ أَو أغلق بَابا أَو أرْخى سترا فَلَا يحل لَهُ نِكَاح ابْنَتهَا. وَاخْتلفُوا فِي النّظر، فَقَالَ مَالك: إِذا نظر إِلَى شعرهَا أَو صدرها أَو شَيْء من محاسنها بلذة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وبنتها. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذا نظر إِلَى فرجهَا بِشَهْوَة كَانَ بِمَنْزِلَة اللَّمْس بِشَهْوَة، وَقَالَ ابْن أبي ليلى: لَا تحرم بِالنّظرِ حَتَّى يلمس. وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَقد رُوِيَ التَّحْرِيم بِالنّظرِ عَن مَسْرُوق وَالتَّحْرِيم باللمس عَن النَّخعِيّ وَالقَاسِم وَمُجاهد.
وَقَالَ ابنُ عبّاسٍ: الدُّخُولُ والمَسِيسُ واللِّماسُ: هُوَ الجِماعُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معنى هَذِه الْأَلْفَاظ الْجِمَاع، ذكرهَا الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، وَرُوِيَ عبد الرَّزَّاق من طَرِيق بكر بن أبي عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: الدُّخُول والعشي والإفضاء والمباشرة والرفث: الْجِمَاع، إلاَّ أَن الله تَعَالَى حَيّ كريم يكني بِمَا شَاءَ عَمَّن شَاءَ.
ومَنْ قَالَ: بَناتُ وَلدِها مِنْ بَناتِه فِي التَّحْرِيمِ لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. لأُمِّ حبِيبَةَ: لَا تعْرِضْنَ علَيَّ بَناتِكُنَّ وَلَا أخَوَاتِكُنَّ
يَعْنِي الَّذِي قَالَ: حكم بَنَات ولد الْمَرْأَة كَحكم بَنَات الْمَرْأَة فِي التَّحْرِيم على الرجل محتجا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأم حَبِيبَة: (لَا تعرضن عَليّ بناتكن) وَوجه دلَالَة الحَدِيث عَلَيْهِ أَن لفظ الْبَنَات متناول لبنات الْبَنَات، وَإِن لم يكن فِي حجره يَعْنِي: الربيبة مُطلقًا. وَحَدِيث أم حَبِيبَة قد تقدم عَن قريب.
قَوْله: (وَمن قَالَ) إِلَى قَوْله: حَدثنَا الْحميدِي، لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ.
وكَذلِكَ ولَدُ الأبْنَاءِ هُنَّ حلائلُ الأبْناء

أَي: كَذَلِك فِي الترحيم ولد الْأَبْنَاء هن حلائل الْأَبْنَاء أَي: أَزوَاجهم، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ.
وهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ وَإنْ لم تَكُمْ فِي حَجْرِهِ

إِنَّمَا ذكره بالاستفهام لِأَن فِيهِ خلافًا. وَهُوَ أَن التَّقْيِيد بِالْحجرِ شَرط أم لَا؟ وَعند الْجُمْهُور: لَيْسَ بِشَرْط، وَذكر لفظ الْحجر بِالنّظرِ إِلَى الْغَالِب وَلَا اعْتِبَار لمَفْهُوم الْمُخَالفَة إِذا كَانَ الْكَلَام خَارِجا على الْأَغْلَب وَالْعَادَة، وَعند الظَّاهِرِيَّة. لَا تَحْرِيم إلاَّ إِذا كَانَت فِي حجره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
ودَفَعَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَبِيبَةٍ لهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُها
ذكر هَذَا فِي معرض الِاحْتِجَاج على كَون الربيبة فِي الْحجر لَيْسَ بِشَرْط، كَمَا ذهب إِلَيْهِ أهل الظَّاهِر، وَوَجهه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دفع ربيبة لَهُ إِلَى من يكلفها. قَوْله: (دفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) طرف من حَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار وَالْحَاكِم من طَرِيق أبي إِسْحَاق عَن فَرْوَة بن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ عَن أَبِيه، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دفع إِلَيْهِ زَيْنَب بنت أم سَلمَة، وَقَالَ: إِنَّمَا أَنْت ظئري. قَالَ: فَذهب بهَا ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا فعلت الجويرية؟ قَالَ: عِنْد أمهَا يَعْنِي من الرضَاعَة، وَجئْت لتعلمني، فَذكر حَدِيثا فِيمَا يقْرَأ عِنْد النّوم. قلت: نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ لَهُ صُحْبَة نزل الْكُوفَة، قَالَ أَبُو عمر: لم يرو عَنهُ غير بنيه: فَرْوَة وَعبد الرَّحْمَن وسحيم بَنو نَوْفَل، حَدِيثه فِي {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} (الْكَافِرُونَ: 1) مُخْتَلف فِيهِ مُضْطَرب الْإِسْنَاد قلت: حَدِيثه فِي سنَن أبي دَاوُد رَحمَه الله تَعَالَى، فَأن قلت: احْتج أهل الظَّاهِر بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو لم يكن ربيبتي فِي حجري، فَشرط الْحجر. قلت: هَذَا أخرجه صَالح بن أَحْمد عَن أَبِيه. وَأخرجه أَبُو عبيد أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر والطَّحَاوِي أَنه غير ثَابت عَنهُ، فِيهِ إِبْرَاهِيم بن عبيد بن رِفَاعَة لَا يعرف، وَأكْثر أهل الْعلم تلقوهُ بِالدفع وَالْخلاف وَاحْتَجُّوا فِي دَفعه بقوله لأم حَبِيبَة: فَلَا تعرضن عَليّ بناتكن وَلَا أخواتكن، فَدلَّ ذَلِك على انتفائه، ووهاه أَبُو عبيد أَيْضا.
وسمَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابنَ ابْنَتهِ إبْنا

(20/104)


ذكر هَذَا أَيْضا فِي معرض الِاحْتِجَاج لقَوْله: وَمن قَالَ بَنَات وَلَدهَا، وَقَوله: وَكَذَلِكَ ولد الْأَبْنَاء، وَوَجهه أَنه قَالَه فِي حَدِيث أبي بكر الَّذِي مضى فِي المناقب: إِن ابْني هَذَا سيد، يَعْنِي الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

43 - (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن زَيْنَب عَن أم حَبِيبَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله هَل لَك فِي بنت أبي سُفْيَان قَالَ فأفعل مَاذَا قلت تنْكح قَالَ أتحبين قلت لست لَك بمخلية وَأحب من شركني فِيك أُخْتِي قَالَ إِنَّهَا لَا تحل لي قلت بَلغنِي أَنَّك تخْطب قَالَ ابْنة أم سَلمَة قلت نعم قَالَ لَو لم تكن ربيبتي مَا حلت لي أرضعتني وأباها ثويبة فَلَا تعرضن عَليّ بناتكن وَلَا أخواتكن) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحميدِي عبد الله بن الزبير مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده حميد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير وَزَيْنَب بنت أبي سَلمَة ربيبة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي بَاب وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وَمر الْكَلَام فِيهِ قَوْله فأفعل مَاذَا فَإِن مَا قلت مَاذَا لَهُ صدر الْكَلَام قلت تَقْدِيره فَمَاذَا أفعل مَاذَا قَوْله بمخلية من بَاب الْأَفْعَال أَي لست خَالِيَة عَن الضرة قَوْله وأباها أَي أَبَا ابْنة أبي سَلمَة
(وَقَالَ اللَّيْث حَدثنَا هِشَام درة بنت أبي سَلمَة) يَعْنِي روى اللَّيْث بن سعد عَن هِشَام بن عُرْوَة فَسمى بنت أبي سَلمَة درة بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ فِي بَاب وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم -
62 - (بابٌ { (4) وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف} (النِّسَاء: 32)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله عز وَجل: {وَأَن تجمعُوا} (النِّسَاء: 32) الْآيَة، وَقد مر فِيهَا أَن الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرَام بِالْعقدِ.

7015 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عَن ابنِ شِهابٍ أنَّ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ أخْبَرَهُ أنَّ زَيْنَب ابْنَةَ أبي سلَمَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله {أنْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أبي سُفْيانَ. قَالَ: وتُحبِّينَ؟ قُلْتُ: نعَمْ لَسْتُ بِمُخَلَيةٍ وأحَبُّ من شارَكَنِي فِي خَيْر أُخْتي. فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّ ذالِكَ لَا يَحِلُّ لِي قُلْتُ: يَا رسولَ الله} فَوَالله إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أنَّكَ تُريدُ أنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بنْتَ أبي سلَمَةَ. قَالَ: بنْتُ أُمِّ سلَمَةَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَالله لوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّها لاَبْنَة أخِي مِنَ الرَّضاعَةِ، أرْضَعَتْنِي وَأَبا سلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَناتِكُنَّ وَلَا أخَوَاتِكُنَّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع، فَفِي كل مَوضِع وضع تَرْجَمَة مُطَابقَة لموْضِع فِي الحَدِيث، وَهنا مَوضِع التَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: (فَلَا تعرضن) إِلَخ.

72 - (بابٌ: لَا تُنْكَحُ المَرْأةُ على عَمَّتِها)

أَي: هَذَا ابا فِي بَيَان عدم جَوَاز إنكاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا، يَعْنِي: لَا يجوز الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها بِنِكَاح.

45 - (حَدثنَا عَبْدَانِ أخبرنَا عبد الله أخبرنَا عَاصِم عَن الشّعبِيّ سمع جَابِرا رَضِي الله عَنهُ قَالَ نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَاقْتصر فِيهَا على لفظ الْعمة لكَون الْخَالَة مثلهَا وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي

(20/105)


وَعبيد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن آدم وَغَيره قَوْله أَو خَالَتهَا أَي أَو لَا تنْكح على خَالَتهَا وَكلمَة أَو لَيست للشَّكّ لِأَن حكمهمَا وَاحِد وَظَاهر الحَدِيث تَخْصِيص الْمَنْع مِمَّا إِذا تزوج إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى وَيُؤْخَذ مِنْهُ منع تزويجهما مَعًا فَإِن جمع بَينهمَا بِعقد بطلا أَو مُرَتبا بَطل الثَّانِي وَقَالَ الْخطابِيّ وَفِي معنى خَالَتهَا وعمتها خَالَة أَبِيهَا وَعَمَّته وعَلى هَذَا الْقيَاس كل امْرَأتَيْنِ لَو كَانَت إِحْدَاهمَا رجلا لم تحل لَهُ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا نهى عَن الْجمع بَينهمَا لِئَلَّا يَقع التنافس فِي الحظوة من الزَّوْج فيفضي إِلَى قطع الْأَرْحَام وَعند ابْن حبَان نهى أَن تزوج الْمَرْأَة على الْعمة وَالْخَالَة وَقَالَ إنكن إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أرحامكن
(وَقَالَ دَاوُد وَابْن عون عَن الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة) دَاوُد هُوَ ابْن أبي هِنْد واسْمه دِينَار الْقشيرِي وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالنون الْبَصْرِيّ قَوْله " عَن الشّعبِيّ " أَي رويا كِلَاهُمَا عَن عَامر الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَذكر روايتهما معلقَة أما رِوَايَة دَاوُد فوصلها أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والدارمي فَلفظ أبي دَاوُد لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا وَلَفظ التِّرْمِذِيّ نهى أَن تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا أَو الْعمة على ابْنة أُخْتهَا وَالْمَرْأَة على خَالَتهَا أَو الْخَالَة على ابْنة أُخْتهَا وَلَا تنْكح الصُّغْرَى على الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى على الصُّغْرَى وَلَفظ الدَّارمِيّ نَحوه وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأخرج حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا هَكَذَا قَالَ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة حَدِيث صَحِيح قَالَ وَفِي الْبَاب عَن عَليّ وَابْن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَأبي سعيد وَأبي أُمَامَة وَجَابِر وَعَائِشَة وَأبي مُوسَى وَسمرَة بن جُنْدُب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين حَدِيث عَليّ رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَحَدِيث ابْن عمر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه وَفِيه جَعْفَر بن برْقَان فالجمهور على تَضْعِيفه وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَوَاهُ أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَلَفظه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يَوْم فتح مَكَّة لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا وَحَدِيث أبي سعيد أخرجه ابْن مَاجَه وَلَفظه سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن نِكَاحَيْنِ أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَبَين الْمَرْأَة وخالتها وأخلى شَيخنَا موضعا لحَدِيث أبي أُمَامَة وَحَدِيث جَابر عِنْد البُخَارِيّ وَحَدِيث عَائِشَة أخلى مَوْضِعه أَيْضا وَحَدِيث أبي مُوسَى أخرجه ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد ضَعِيف وَحَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأخرج شَيخنَا عَن عتاب بن أسيد عَن الطَّبَرَانِيّ فِيهِ مُوسَى بن عُبَيْدَة وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم وَبَقِي الْكَلَام فِي موضِعين الأول أَن أَبَا عمر ذكر فِي التَّمْهِيد عَن بعض أهل الحَدِيث أَنه كَانَ يزْعم أَن هَذَا الحَدِيث لم يسْندهُ أحد غير أبي هُرَيْرَة وَلم يسم قَائِل ذَلِك من أهل الحَدِيث قَالَ شَيخنَا أَظُنهُ أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِن كَانَ أَرَادَهُ فَهُوَ لم يقل لم يروه وَإِنَّمَا قَالَ لم يثبت وَقد روى كَلَامه الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والمعرفة أَيْضا فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح إِلَيْهِ أَنه قَالَ وَلم يرو من جِهَة يُثبتهُ أهل الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قد روى من حَدِيث لَا يُثبتهُ أهل الحَدِيث من وَجه آخر قلت اعْترض صَاحب الْجَوْهَر النقي على الْبَيْهَقِيّ بِأَن قَالَ وَقد أثْبته أهل الحَدِيث من رِوَايَة اثْنَيْنِ غير أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر فَيحمل على أَن الشّعبِيّ سَمعه مِنْهُمَا أَعنِي أَبَا هُرَيْرَة وجابرا وَهَذَا أولى من تخطئة أحد الطَّرفَيْنِ إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لم يُخرجهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَقَالَ شَيخنَا سَماع الشّعبِيّ مِنْهُمَا صرح بِهِ حَمَّاد بن سَلمَة فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن عَاصِم عَن الشّعبِيّ عَن جَابر وَأبي هُرَيْرَة وَكَذَلِكَ ذكره الْحَافِظ الْمزي فِي الْأَطْرَاف إِلَّا أَن الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة حكى عَن الْحفاظ أَن رِوَايَة عَاصِم خطأ وَذَلِكَ أَن حَدِيث جَابر وَإِن أخرجه البُخَارِيّ فَإِنَّهُ عقبه بِذكر الِاخْتِلَاف فِيهِ فَقَالَ بعد أَن رَوَاهُ من رِوَايَة عَاصِم عَن الشّعبِيّ عَن جَابر وَرَوَاهُ دَاوُد وَابْن عون عَن الشّعبِيّ عَن جَابر وَرَوَاهُ دَاوُد وَابْن عون عَن الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَإِذا تبين لَك الِاخْتِلَاف الَّذِي وَقع فِيهِ فقد أحالك على التَّرْجِيح فَنَظَرْنَا بَين عَاصِم الْأَحول وَبَين دَاوُد وَابْن عون وكل وَاحِد مِنْهُمَا لَو انْفَرد كَانَ أول مَا يُؤْخَذ بقوله دون عَاصِم لِأَنَّهُمَا مجمع على عدالتهما وَلم يتَكَلَّم أحد فيهمَا وَتكلم فِي عَاصِم غير وَاحِد عُمُوما وخصوصا أما عُمُوما فَقَالَ ابْن علية

(20/106)


كل من اسْمه عَاصِم فِي حفظه شَيْء وَأما خُصُوصا فقد قَالَ يحيى بن معِين كَانَ يحيى بن سعيد الْقطَّان لَا يحدث عَن عَاصِم الْأَحول يستضعفه وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْدهم وَلم يحمل عَنهُ ابْن إِدْرِيس لسوء مَا فِي سيرته وَقَالَ بَعضهم نصْرَة للْبُخَارِيّ أَن هَذَا الِاخْتِلَاف لَا يقْدَح عِنْد البُخَارِيّ لِأَن الشّعبِيّ أشهر بجابر مِنْهُ بِأبي هُرَيْرَة وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر عَن جَابر بِشَرْط الصَّحِيح أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر والْحَدِيث أَيْضا مَحْفُوظ من أوجه عَن أبي هُرَيْرَة فَلِكُل من الطَّرِيقَيْنِ مَا يعضده انْتهى قلت قَوْله وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر إِلَى آخِره غير صَحِيح لِأَن رِوَايَة أبي الزبير لَا يحْتَج بهَا لِأَنَّهُ مُدَلّس وَقد قَالَ الشَّافِعِي لَا نقبل رِوَايَة المدلس حَتَّى يَقُول حَدثنَا وَقَالَ غير الشَّافِعِي أَيْضا وَمَعَ ذَلِك قَالَ الشَّافِعِي لَا يحْتَج بروايات أبي الزبير الْموضع الثَّانِي مُشْتَمل على أَحْكَام. الأول احْتج بِهِ على تَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ وَلَكِن فِيهِ خلاف فعندنا يجوز بالأحاديث الْمَشْهُورَة قَالَ صَاحب الْهِدَايَة هَذَا الحَدِيث من الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة الَّتِي يجوز بِمِثْلِهَا الزِّيَادَة على الْكتاب وَعند الشَّافِعِي وَآخَرين يجوز تَخْصِيص عُمُوم الْقُرْآن بِخَبَر الْآحَاد. الثَّانِي أجمع الْعلمَاء على القَوْل بِهَذَا الحَدِيث فَلَا يجوز عِنْد جَمِيعهم نِكَاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَإِن علت وَلَا على ابْنة أَخِيهَا وَإِن سفلت وَلَا على خَالَتهَا وَإِن علت وَلَا على ابْنة أَخِيهَا وَإِن سفلت وَقَالَ ابْن الْمُنْذر لَا أعلم فِي ذَلِك خلافًا إِلَّا عَن فرقة من الْخَوَارِج وَلَا يلْتَفت إِلَى خلافهم مَعَ الْإِجْمَاع وَالسّنة وَذكر ابْن حزم أَن عُثْمَان البتي أَبَاحَهُ وَذكر الإسفرايني أَنه قَول طَائِفَة من الشِّيعَة محتجين بقوله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} قَالَ أَبُو عبيد فَيُقَال لَهُم لم يقل الله تَعَالَى إِنِّي لست أحرم عَلَيْكُم بعد وَقد فرض الله تَعَالَى طَاعَة رَسُوله على الْعباد فِي الْأَمر وَالنَّهْي فَكَانَ مِمَّا نهى عَن ذَلِك وَهِي سنة بِإِجْمَاع الْمُسلمين عَلَيْهَا. الثَّالِث يدْخل فِي معنى هَذَا الحَدِيث تَحْرِيم نِكَاح الرجل الْمَرْأَة على عَمَّتهَا من الرضَاعَة وخالتها مِنْهَا لِأَنَّهُ يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب. الرَّابِع كَمَا يحرم الْجمع بَين من ذكر فِي الحَدِيث بِالنِّكَاحِ يحرم الْجمع بَينهمَا بِملك الْيَمين أَيْضا فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا وَالْحكم للنِّكَاح الْمُتَقَدّم أما إِذا كَانَ أَحدهمَا بِالنِّكَاحِ وَالْأُخْرَى بِملك الْيَمين فَالْحكم للنِّكَاح وَإِن تَأَخّر لِأَنَّهُ أقوى كَمَا إِذا وطىء أمته بِملك الْيَمين ثمَّ تزوج عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا أَو بنت أَخِيهَا فَإِن النِّكَاح صَحِيح وَتحرم عَلَيْهِ الْمَوْطُوءَة بِملك الْيَمين حَتَّى تبين مِنْهُ الَّتِي تزَوجهَا آخرا. الْخَامِس إِنَّمَا يحرم ذَلِك بِسَبَب الْقَرَابَة وَالرّضَاع فَقَط أما بِسَبَب الْمُصَاهَرَة فَلَا على الصَّحِيح وَذَلِكَ كالجمع بَين الْمَرْأَة وَزَوْجَة أَبِيهَا أَو بَينهَا وَبَين أم زَوجهَا فَإِنَّهُ لَو قدر إِحْدَاهمَا ذكر أحرم عَلَيْهِ نِكَاح الْأُخْرَى وَمَعَ ذَلِك فَلَا يحرم الْجمع بَينهمَا لِأَن هَذَا بالمصاهرة وَذَاكَ بِالْقَرَابَةِ وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم وَحكى ابْن عبد الْبر عَن قوم من السّلف أَنه يحرم الْجمع أَيْضا على هَذِه الصُّورَة. السَّادِس أَن عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد أَنه إِذا طلق الْعمة أَو الْخَالَة أَو ابْنة الْأَخ أَو ابْنة الْأُخْت طَلَاقا بَائِنا فَلَا يحل لَهُ نِكَاح الْأُخْرَى مادام فِي زمن الْعدة وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه يُبَاح لَهُ الْأُخْرَى بِمُجَرَّد الْبَيْنُونَة وَإِن لم تنقض الْعدة لانْقِطَاع الزَّوْجِيَّة حِينَئِذٍ وَلَيْسَ فِيهِ الْجمع بَينهمَا -
9015 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالكٌ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعرَج عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأةِ وعَمتِها وَلَا بَيْنَ المَرْأةِ وخالَتها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة قبيصَة بن ذُؤَيْب عَن أبي هُرَيْرَة.

0115 - حدَّثنا عبْدَانُ أخبرنَا عبْدُ الله قَالَ: أَخْبرنِي يُونُسُ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني قَبِيصَةُ بن ذُؤَيْبٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ تُنْكحَ المَرْأةُ علَى عَمَّتِها والمرْأةُ وخالَتُها، فَنرَى خالَةَ أبِيها بِتِلْكَ المَنْزلة. لأنَّ عُرْوَةَ حدّثني عنْ عائشَةَ قالَتْ: حَرِّمُوا منَ الرَّضاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.
.

(20/107)


عَبْدَانِ لقب عبد الله بن عُثْمَان امروزي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَقبيصَة، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالصاد الْمُهْملَة: ابْن ذُؤَيْب مصغر ذِئْب الْحَيَوَان الْمَشْهُور الْخُزَاعِيّ، مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ.
قَوْله: (فنرى) إِلَى آخِره، من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَضمّهَا، فالبفتح بِمَعْنى نعتقد، وبالضم بِمَعْنى نظن خَالَة أَبِيهَا مثل خَالَتهَا فِي الْحُرْمَة، ويروي: فَيرى، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح: اسْتِدْلَال الزُّهْرِيّ غير صَحِيح لِأَنَّهُ اسْتدلَّ على تَحْرِيم من حرمت بِالنّسَبِ، فَلَا حَاجَة إِلَى تشبيهها من الرَّضَاع.

82 - (بابُ الشِّغارِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشّغَار، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهُوَ فِي اللُّغَة الرّفْع، من قَوْلهم: شغر الْكَلْب بِرجلِهِ إِذا رَفعهَا ليبول، فَكَأَن المتناكحين ورفعا الْمهْر بَينهمَا. وَقَالَ أَبُو زيد: رفع رجله بَال أَو لم يبل، وَعبارَة صَاحب الْعين: رفع إِحْدَى رجلَيْهِ ليبول، وَقَالَ أَبُو زيد: شغرت الْمَرْأَة شغورا إِذا رفعت رِجْلَيْهَا عِنْد الْجِمَاع، وَقيل لِأَنَّهُ رفع العقد من الأَصْل فارتفع النِّكَاح، وَقيل: من شغر الْمَكَان إِذا خلا لخلوه عَن الصَدَاق أَو عَن الشَّرَائِط، وَيَجِيء الْآن مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ.

2115 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَى عنِ الشِّغارِ، وَالشِّغارُ أنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتهُ علَى أنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُما صَدَاقٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا من لفظ الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن بن عِيسَى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هَارُون بن عبد الله عَن معن بن عِيسَى وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن سُوَيْد بن سعيد، ستتهم عَن مَالك بِهِ.
قَوْله: (نهى عَن الشّغَار) وَلَفظ مُسلم: لَا شغار فِي الْإِسْلَام. قَوْله: (والشغار) إِلَخ. تَفْسِير الشّغَار من حَيْثُ الشَّرْع، وَقَالَ الْخَطِيب: تَفْسِير الشّغَار لَيْسَ من كَلَام سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول مَالك وصل بِالْمَتْنِ الْمَرْفُوع، بيَّن ذَلِك القعْنبِي وَابْن مهْدي ومحرز فِي روايتهم عَن مَالك، وَلما رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث مُحرز بن عون ومعن بن عِيسَى عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الشّغَار، قَالَ: قَالَ مُحرز: قَالَ مَالك: والشغار أَن يُزَوّج الرجل ابْنَته الحَدِيث. وَقَالَ الشَّافِعِي، فِيمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ بعد رِوَايَته الحَدِيث عَن مَالك: لَا أَدْرِي تَفْسِير الشّغَار فِي الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من ابْن عمر أَو من نَافِع أَو من مَالك. وَقَالَ شَيخنَا فِي صَحِيح مُسلم من غير طَرِيق مَالك: أَن تَفْسِير الشّغَار من قَول نَافِع، رَوَاهُ من رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع، وَفِيه: أَن فِي حَدِيث عبيد الله قَالَ: قلت لنافع: مَا الشّغَار؟ وَفِي كتاب الموطآت للدارقطني: حَدثنَا أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان حَدثنَا بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن مَالك: نهى عَن الشغارة، قَالَ بنْدَار: الشّغَار أَن يَقُول: زَوجنِي ابْنَتك أزَوجك ابْنَتي.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صُورَة نِكَاح الشّغَار الْمنْهِي عَنهُ، فَعَن مَالك: هُوَ أَن الرجل يُزَوّج أُخْته أَو وليته من رجل آخر على أَن يُزَوّج ذَلِك الرجل مِنْهُ ابْنَته أَيْضا أَو وليته، وَيكون بضع كل وَاحِد مِنْهُمَا صَدَاقا لِلْأُخْرَى دون صدَاق، وَكَذَا ذكره خَلِيل بن أَحْمد فِي كِتَابه، وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط: صورته الْكَامِلَة أَن يَقُول: زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك، على أَن يكون بضع كل وَاحِدَة مِنْهُمَا صَدَاقا لِلْأُخْرَى، وَمهما انْعَقَد نِكَاح ابْنَتي انْعَقَد نِكَاح ابْنَتك. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا فِيهِ تَعْلِيق وَشرط عقد فِي عقد وتشريك فِي الْبضْع، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: ينبغني أَن يُزَاد فِي هَذِه الصُّورَة. وَأَن لَا يكون مَعَ الْبضْع صدَاق آخر حَتَّى يكون مجمعا على تَحْرِيمه، فَإِنَّهُ إِذا ذكر فِيهِ الصَدَاق فِيهِ الْخلاف. قلت: هَذَا على مَذْهَبهم، وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فالشغار هُوَ أَن يشاغر الرجل الرجل، يَعْنِي يُزَوّج ابْنَته أَو أُخْته على أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته أَو أُخْته أَو أمته ليَكُون أحد الْعقْدَيْنِ عوضا عَن الآخر، فَالْعقد الصَّحِيح، وَيجب مهر الْمثل.
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِي تزوج الرجل ابْنَته على أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته وَيكون مهر كل وَاحِدَة مِنْهُمَا نِكَاح الْأُخْرَى؛ فَقَالَت طَائِفَة: النِّكَاح جَائِز وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا صدَاق مثلهَا، هَذَا قَول عَطاء وَعَمْرو بن

(20/108)


دِينَار وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَالثَّوْري والكوفيين، وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول بهَا فلهَا الْمُتْعَة فِي قَول النُّعْمَان وَيَعْقُوب، وَقَالَت طَائِفَة: عقد النِّكَاح على الشّغَار بَاطِل وَهُوَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِد فِي كل أَحْكَامه، هَذَا قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَكَانَ مَالك وَأَبُو عبيد يَقُولَانِ: نِكَاح الشّغَار مَنْسُوخ على كل حَال، وَفِيه قَول ثَالِث وَهُوَ: أَنَّهُمَا إِن كَانَا لم يدخلا بهما فسخ وَيسْتَقْبل النِّكَاح بِالْبَيِّنَةِ وَالْمهْر، وَإِن كَانَا قد خلا بهما فَلَهُمَا مهر مثلهمَا. وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ: وَأجَاب أَصْحَابنَا عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ ورد، وَلَا خلاية عَن تَسْمِيَة الْمهْر واكتفائه بذلك من غيرأن يجب فِيهِ شَيْء آخر من المَال على مَا كَانَت عَلَيْهِ عَادَتهم فِي الْجَاهِلِيَّة، أَو هُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة.

92 - (بابٌ: هَلْ لِلْمَرْأةِ أنْ تَهَبَ نَفْسَها لأحَدٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان: هَل يحل للْمَرْأَة أَن تهب نَفسهَا لأحد من الرِّجَال؟ وَصورته أَن يَقع العقد بِلَفْظ الْهِبَة بِأَن تَقول الْمَرْأَة: وهبت نَفسِي لَك، وَالرِّجَال يَقُول: قبلت، وَلم يذكر الْمهْر، فَإِن جمَاعَة ذَهَبُوا إِلَى بطلَان النِّكَاح، يَعْنِي: لَا ينْعَقد النِّكَاح بِهَذَا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول الْمُغيرَة وَابْن دِينَار وَأبي ثَوْر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري: ينْعَقد بِهِ العقد وَلها صدَاق الْمثل، وَكَذَا ينْعَقد بِلَفْظ الصَّدَقَة بِلَفْظ البيع بِدُونِ لفظ النِّكَاح أَو التَّزْوِيج أَنه يَصح، وَعند الشَّافِعِي: لَا يَصح إلاَّ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ.
49 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام حَدثنَا ابْن فُضَيْل حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه قَالَ كَانَت خَوْلَة بنت حَكِيم من اللائي وهبْنَ أَنْفسهنَّ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت عَائِشَة أما تَسْتَحي الْمَرْأَة أَن تهب نَفسهَا للرجل فَلَمَّا نزلت {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} قلت يَا رَسُول الله مَا أرى رَبك إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من أول الحَدِيث وَابْن فُضَيْل هُوَ مُحَمَّد بن فُضَيْل مصغر فضل وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير والْحَدِيث قد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب وَخَوْلَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة بنت حَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَيُقَال خُوَيْلَة بِالتَّصْغِيرِ بنت حَكِيم بن أُميَّة كَانَت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة وَقَالَ أَبُو عمر تكنى أم شريك وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَول بَعضهم وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ فِي سُورَة الْأَحْزَاب قَوْله " إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك " أَي فِي الَّذِي تحبه يَعْنِي مَا أرى إِلَّا أَن الله تَعَالَى موجد لمرادك بِلَا تَأْخِير منزلا لما تحبه وترضى وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا قَول أبرزه الدَّلال والغيرة وَهُوَ من نوع قَوْلهَا مَا أحمدكما وَمَا أَحْمد إِلَّا الله وَإِلَّا فإضافة الْهوى إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يحمل على ظَاهره لِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى وَلَا يفعل بالهوى وَلَو قَالَت إِلَى مرضاتك لَكَانَ أليق وَلَكِن الْغيرَة تغتفر لأَجلهَا إِطْلَاق مثل ذَلِك قلت الَّذِي ذكرته أحسن من هَذَا على مَا لَا يخفى
(رَوَاهُ أَبُو سعيد الْمُؤَدب وَمُحَمّد بن بشر وَعَبدَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة يزِيد بَعضهم على بعض) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو سعيد واسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن أبي الوضاح الْجَزرِي وَهُوَ من رجال مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَكَانَ مؤدب مُوسَى بن الْهَادِي وَمَات بِبَغْدَاد فِي خِلَافَته وَيُقَال أَن اسْم أبي الوضاح الْمثنى وَرَوَاهُ أَيْضا مُحَمَّد بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْعَبْدي الْكُوفِي وَرَوَاهُ أَيْضا عَبدة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سُلَيْمَان كلهم رووا عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة قَوْله " يزِيد بَعضهم " أَي يزِيد بَعضهم فِي رِوَايَته على بعض أما رِوَايَة أبي سعيد فوصلها ابْن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مَنْصُور بن أبي مُزَاحم عَنهُ مُخْتَصرا قَالَت الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَوْلَة بن حَكِيم وَأما رِوَايَة مُحَمَّد بن بشر فوصلها الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ حَدثنَا الْقَاسِم حدّثنَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر عَن هِشَام وَأما حَدِيث عَبدة فوصله مُسلم وَقَالَ حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تَقول أما تَسْتَحي الْمَرْأَة تهب نَفسهَا لرجل حَتَّى أنزل الله تَعَالَى {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} فَقلت إِن رَبك ليسارع لَك فِي هَوَاك

(20/109)


03 - (بابُ نِكاحِ المُحْرِمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نِكَاح الْمحرم هَل يَصح أم لَا. قَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ يمِيل إِلَى الْجَوَاز لِأَنَّهُ لم يذكر فِي الْبَاب إلاَّ حَدِيث ابْن عَبَّاس لَيْسَ إلاَّ، وَلم يخرج حَدِيث الْمَنْع كَأَنَّهُ لم يَصح عِنْده. قلت: الظَّاهِر أَن مذْهبه جَوَاز نِكَاح الْمحرم. قَوْله: وَلم يخرج حَدِيث الْمَنْع إِلَى آخِره، فِيهِ تَأمل، لِأَن عدم تَخْرِيجه حَدِيث الْمَنْع لَا يسْتَلْزم عدم صِحَّته عِنْده، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَلَا مَانع أَن يَصح عِنْد غَيره وَيعْمل بِهِ.

4115 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ أخبرَنا ابنُ عَيَيْنَةَ أخبرنَا عَمْرُو حَدثنَا جابِرُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: أنْبأنا ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُحْرِمٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه بيَّن الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة وَمَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد النَّهْدِيّ الْكُوفِي، وَقَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد أبي الشعْثَاء أَنه قَالَ: أَنبأَنَا ابْن عَبَّاس أَي: أخبرنَا: تزوج النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحَال أَنه محرم.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب تَزْوِيج الْمحرم، وَفِيه ذكر الَّتِي تزَوجهَا. وَأخرجه عَن أبي الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوْفِي، ولنذكر بعض شَيْء فَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ أَبُو حنيفَة يَصح نِكَاح الْمحرم لقصة مَيْمُونَة، وَهُوَ رِوَايَة ابْن عَبَّاس. فَأُجِيب عَنهُ بِأَن مَيْمُونَة نَفسهَا رَوَت أَنه تزَوجهَا حَلَالا وَهِي أعرف بالقضية من ابْن عَبَّاس لتعلقها بهَا، وَبِأَن المُرَاد بالمحرم أَنه فِي الْحرم، وَيُقَال لمن هُوَ فِي الْحرم: محرم، وَإِن كَانَ حَلَالا قَالَ الشَّاعِر:
قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما
أَي: فِي حرم الْمَدِينَة، وَبِأَن فعله معَارض بقوله: لَا ينْكح الْمحرم، وَإِذا تَعَارضا يرجح القَوْل، وَبِأَن ذَلِك من خَصَائِصه، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. انْتهى.
قلت: أجَاب عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس بأَرْبعَة أجوبة نصْرَة لمَذْهَب إِمَامه، وَالْكل مَا يجدي شَيْئا. فَالْجَوَاب عَن الأول: كَيفَ يحكم بِأَن مَيْمُونَة أعرف بالقضية من ابْن عَبَّاس وَلَا تلْحق مَيْمُونَة ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْقَضِيَّة وفير غَيرهَا؟ وَمَعَ هَذَا رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مَا يُوَافق فِي ذَلِك رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود وَأنس بن مَالك وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة ومعاذ وَأَبُو عبد الله بن مَسْعُود، أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: حَدثنَا وَكِيع عَن جرير بن حَازِم عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله أَنه لم يكن يرى بتزويج الْمحرم بَأْسا، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد بن خُزَيْمَة عَن حجاج عَن جرير بن حَازِم عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم: أَن ابْن مَسْعُود كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يتَزَوَّج الْمحرم. وَأثر أنس بن مَالك أخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا روح بن الْفرج حَدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا ابْن أبي فديك حَدثنِي عبد الله ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر، قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك عَن نِكَاح الْمحرم، قَالَ: وَمَا بَأْس بِهِ، هَل هُوَ إلاَّ كَالْبيع؟ وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن شُعَيْب حَدثنَا خَالِد بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا كَامِل أَبُو الْعَلَاء عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: تزوج رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ محرم، وَكَذَلِكَ أخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،: حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة حَدثنَا مُعلى بن أَسد نَا أَبُو عوَانَة عَن مُغيرَة عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة قَالَت: تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض نِسَائِهِ وَهُوَ محرم. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عَليّ بن عبد الْعَزِيز: حَدثنَا مُعلى بن أَسد إِلَى آخِره نَحوه. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ويروي من مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن مُغيرَة، فَقَالَ: عَن إِبْرَاهِيم، بدل: أبي الضُّحَى؟ قَالَ أَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي: كِلَاهُمَا خطأ، وَالْمَحْفُوظ عَن مُغيرَة عَن سباك عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق مُرْسلا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَذَا رَوَاهُ جرير عَن مُغيرَة قلت: لَا نسلم أَنه خطأ، بل هُوَ مَحْفُوظ أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَنا الْحسن بن سُفْيَان حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن الْمُغيرَة عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة: تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض نِسَائِهِ وَهُوَ محرم، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ محرم، وَأما معَاذ فَذكره ابْن حزم مَعَهم. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَالَّذين رووا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا وَهُوَ محرم أهل علم، وَثَبت أَصْحَاب ابْن عَبَّاس سعيد بن جُبَير وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَطَاوُس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة

(20/110)


وَجَابِر بن زيد، وَهَؤُلَاء كلهم فُقَهَاء يحْتَج برواياتهم وآرائهم، وَالَّذين نقلوا مِنْهُم فَكَذَلِك أَيْضا مِنْهُم عَمْرو بن دِينَار وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَعبد الله بن أبي نجيح فَهَؤُلَاءِ أَيْضا أَئِمَّة يقْتَدى برواياتهم. وَحَدِيث مَيْمُونَة الَّذِي أخرجه مُسلم فِيهِ زيد بن الْأَصَم، وَقد ضعفه عَمْرو بن دِينَار فِي خطابه لِلزهْرِيِّ وَترك الزُّهْرِيّ الْإِنْكَار عَلَيْهِ، وَأخرجه من أهل الْعلم وَجعله أَعْرَابِيًا بوالاً على عقيبة، وَكَيف يكون طعن أَكثر من ذَلِك؟ وقصده من هَذَا الْكَلَام نسبته إِلَى الْجَهْل بِالسنةِ. فَأن قلت: الزُّهْرِيّ احْتج بِهِ قلت احتجابه لَا يَنْفِي طعن عَمْرو بن دِينَار فِيهِ، فَإِن عَمْرو بن دِينَار فِي نَفسه حجَّة ثَبت وَلَا ينقص عَن الزُّهْرِيّ، على أَن بَعضهم قد رجحوه على مثل عَطاء وَمُجاهد وطاووس، وَالَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَيْمُونَة، فِي إِسْنَاده مطر الْوراق، قَالَ الطَّحَاوِيّ: ومطر عِنْدهم مِمَّن يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مطر بن طهْمَان الْوراق لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَعَن أَحْمد: كَانَ فِي حفظه سوء، وَلَئِن سلمنَا أَنه مجمع عَلَيْهِ فِي توثيقه وَضَبطه وَلكنه لَيْسَ كرواة حَدِيث ابْن عَبَّاس وَلَا قَرِيبا مِنْهُم، فَافْهَم.
وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي: وَهُوَ قَوْله: (المُرَاد بالمحرم أَنه فِي الْحرم) إِلَى قَوْله: وَبَان فعله أَن الْجَوْهَرِي ذكر مَا يُخَالف ذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ: أحرم الرجل إِذا دخل فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَأنْشد الْبَيْت الْمَذْكُور على ذَلِك، وَأَيْضًا فَلفظ البُخَارِيّ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا وَهُوَ محرم وَبني بهَا وَهُوَ حَلَال، يدْفع هَذَا التَّفْسِير ويبعده.
وَالْجَوَاب عَن الثَّالِث: وَهُوَ قَوْله بِأَن فعله معَارض إِلَى قَوْله: يرجح القَوْل، أَنه لَيْسَ مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الأصوليون، فَإِن فِيهِ خلافًا.
وَالْجَوَاب عَن الرَّابِع: إِنَّه دَعْوَى فَيحْتَاج إِلَى برهَان. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الصَّوَاب من القَوْل عندنَا أَن نِكَاح الْمحرم فَاسد لحَدِيث عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما قصَّة مَيْمُونَة فتعارضت الْأَخْبَار فِيهَا. انْتهى
قلت: أَيْن ذهب حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس؟ وَأما حَدِيث عُثْمَان الَّذِي أخرجه مُسلم عَنهُ أَنه قَالَ: الْمحرم لَا ينْكح وَلَا يخْطب فَفِي إِسْنَاده نبيه بن وهب وَلَيْسَ كعمرو بن دِينَار وَلَا كجابر بن دِينَار وَلَا لَهُ مَوضِع فِي الْعلم كموضع عَمْرو وَجَابِر، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: ضعف البُخَارِيّ حَدِيث عُثْمَان وَصحح حَدِيث ابْن عَبَّاس، فَلَو علم أَن رُوَاة حَدِيث عُثْمَان يساوون رَوَاهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس لصحح كلا الْحَدِيثين، وَلَئِن سلمنَا أَنهم متساوون، فَنَقُول: معنى لَا ينْكح الْمحرم وَلَا يطَأ، وَهُوَ مَحْمُول على الْوَطْء أَو الْكَرَاهَة لكَونه سَببا للوقوع فِي الرَّفَث لَا إِن عقده لنَفسِهِ أَو لغيره، كَمَا مر مُمْتَنع، وَلِهَذَا قرنه بِالْخطْبَةِ، وَلَا خلاف فِي حوازها، وَإِن كَانَت مَكْرُوهَة فَكَذَا النِّكَاح والإنكاح وَصَارَ كَالْبيع وَقت النداء.

13 - (بابُ نَهْيِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ نِكاحِ المُتْعَةِ آخِرا)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن نِكَاح الْمُتْعَة. قَوْله: (آخرا) ، يُشِير إِلَى أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة أَولا. فَإِن قيل: ذكر فِي هَذَا الْبَاب عدَّة أَحَادِيث وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيح بذلك.
أُجِيب: بِأَنَّهُ قَالَ فِي آخر الْبَاب: إِن عليا بيَّن أَنه مَنْسُوخ، وَقد وَردت جملَة أَحَادِيث صَحِيحَة تَصْرِيح بِالنَّهْي عَنْهَا بعد الْإِذْن فِيهَا.

5115 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا ابنُ عُيَيْنَةَ أنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيِّ يَقُولُ: أخبرَني الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وأخُوهُ عبْدُ الله عنْ أبِيهِما: أنَّ عَليّا رَضِي الله عَنهُ، قَالَ لابنِ عَبَّاسٍ: إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنِ المُتْعَةِ وعنْ لُحومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّة زَمَنَ خَيْبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمَالك بن إِسْمَاعِيل مر عَن قريب، يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن الْحسن بن مُحَمَّد وأخيه عبد الله بن مُحَمَّد كِلَاهُمَا يرويانعن أَبِيهِمَا مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب أَن عليا قَالَ لعبد الله بن عَبَّاس إِلَى آخِره، وَمُحَمّد هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب إِلَى آخه وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَته.

6115 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ سُئِلَ عنْ مُتْعَةِ النِّساءِ فَرَخَّصَ فَقَالَ لهُ مَوْلى: إنَّما ذَلِكَ فِي الحالِ الشَّدِيد وَفِي النِّساءِ قِلةٌ أوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ: نَعَمْ.

(20/111)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يتَضَمَّن النَّهْي عَن الترخيص الْمُطلق، فَافْهَم.
وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء واسْمه نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (سُئِلَ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فَرخص) ، أَي فِي الْمُتْعَة. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ مولى لَهُ) ، قيل بِالظَّنِّ إِنَّه عِكْرِمَة. قَوْله: (إِنَّمَا ذَلِك) أَي: الترخيص فِي الْحَال الشَّديد نَحْو الْعزبَة الشَّدِيدَة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي الْجِهَاد وَالنِّسَاء قَلَائِل. قَوْله: (نعم) يَعْنِي: الْأَمر كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: صدق، وَرُوِيَ الْخطابِيّ من حَدِيث سعيد بن جُبَير، قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: لقد سَارَتْ بفتياك الركْبَان، وَقَالَ فِيهَا الشُّعَرَاء، يَعْنِي فِي الْمُتْعَة، فَقَالَ: وَالله مَا بِهَذَا أَفْتيت، وَمَا هِيَ إلاَّ كالميتة لَا تحل إلاَّ للْمُضْطَر.

7115 - حدَّثنا عَلِيٌّ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ، عَمْرٌ وعنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ جابِر بنِ عبْدِ الله وسلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أنْ تَسْتَمْتِعُوا فاسْتَمْتِعُوا.
لَيْسَ فِي النَّهْي عَن الْمُتْعَة، فَلَا يُطَابق التَّرْجَمَة، إِلَّا أَن يُقَال بالتعسف إِن فِيهِ ذكر الِاسْتِمْتَاع، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن فِي آخر حَدِيث حابر فِي رِوَايَة مُسلم: حَتَّى نهى عَنْهَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد جرت عَادَته أَنه يُشِير إِلَى مَا يُطَابق التَّرْجَمَة من غير أَن يُصَرح بِهِ، وَهُوَ الْمُتْعَة.
وَعلي هُوَ ابْن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن بنْدَار عَن غنْدر وَغَيره.
قَوْله: (كُنَّا فِي جَيش) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون لاياء آخر الْحُرُوف وبالشبن الْمُعْجَمَة هَكَذَا هُوَ عَامر الرِّوَايَات، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي بعض الرِّوَايَات: حنين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وبالنونين. وَهُوَ الْموضع الَّذِي كَانَت فِيهِ الْوَقْعَة الْمَشْهُورَة. قَوْله: (رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قيل بِالظَّنِّ: يشبه أَن يكون بِلَالًا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (أَن تستمتعوا) أَي: بِأَن تستمتعوا، وَكلمَة. أَن مَصْدَرِيَّة أَي: بالاستمتاع قَوْله: (فاستمتعوا) يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ: أَحدهمَا: أَن يكون على صُورَة الْمَاضِي، وَالْآخر: أَن يكون على صِيغَة الْأَمر، وَالْمعْنَى: جامعوهن بِالْوَقْتِ الْمعِين.

9115 - وَقَالَ ابْن أبي ذِئْب حَدثنِي إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل وَامْرَأَة توفقا فعشرة مَا بَينهمَا ثَلَاث لَيَال، فَإِن أحبا أَن يتزايدا أَو يشاركا تشاركاً فَمَا أَدْرِي أَشَيْء (كَانَ لنا خَاصَّة) أم للنَّاس عَامَّة.
ابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَاسم أبي ذِئْب: هِشَام بن سعد، وَإيَاس بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف يرْوى عَن أَبِيه سَلمَة بن الْأَكْوَع.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن نَاجِية: حَدثنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى لَفظه وَبُنْدَار وَحميد بن زَنْجوَيْه قَالُوا: حَدثنَا أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد عَن ابْن أبي ذِئْب عَن إِيَاس، بِلَفْظ: أَيّمَا رجل وَامْرَأَة أَيَّام الْحَج تَرَاضيا فعشرة مَا بَينهمَا ثَلَاثَة أَيَّام.
قَوْله: (توافقا) أَي: فِي النِّكَاح بَينهمَا مُطلقًا من غير ذكر أجل. قَوْله: (فعشرة) ، بِكَسْر الْعين أَي: فمعاشرة مَا بَينهمَا ثَلَاث لَيَال، أَرَادَ أَن الْإِطْلَاق مَحْمُول على ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن. قَوْله: (فعشرة) بِالْفَاءِ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ كَمَا مر، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِعشْرَة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَالْأول أوجه. قَوْله: (فَإِن أحبا) أَي: الرجل وَالْمَرْأَة الْمَذْكُورَان إِن أحبا (أَن يتزايدا) يَعْنِي: على ثَلَاث لَيَال، وَجَوَاب: إِن، مَحْذُوف تَقْدِيره: فَإِن أحبا أَن يتزايدا تزايدا، وَوَقع فِي تَخْرِيج أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ: فَإِن أحبا أَن يتناقصا تناقصا وَإِن أحبا أَن يتزايدا فِي الْأَجَل تزايدا. قَوْله: (أَو يتتاركا) الْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا قبله، أَي: وَإِن أَرَادَا أَن يتتاركا أَي: أَن يتركا التوافق يَعْنِي: إِن أَرَادَا الْمُفَارقَة. قَوْله: (تتاركا) ، جَوَاب: إِن أَي: تفارقا، وَهُوَ من بَاب التفاعل من التّرْك، أَي: ترك مَا توافقا وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ التناقص من الْمدَّة، كَمَا فِي رِوَايَة أبي نعيم. قَوْله: (فَمَا أَدْرِي؟) أَي: فَمَا أعلم؟ الْقَائِل سَلمَة

(20/112)


بن الْأَكْوَع رَاوِي الحَدِيث أَي: لَا أعلم جَوَازه كَانَ خَاصّا بالصحابة أَو كَانَ عَاما للْأمة؟ وَوَقع فِي حَدِيث أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، التَّصْرِيح بالاختصاص، أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، قَالَ: إِنَّمَا أحلّت لنا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتْعَة النِّسَاء ثَلَاث أَيَّام ثمَّ نهى عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ أبُو عبْدِ الله: وبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ مَنْسُوخٌ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ هَذَا، أَي: وَقد بَين عَليّ بالتصريح بِالنَّهْي عَنْهَا بعد الْإِذْن فِيهَا، وَرُوِيَ عبد الرَّزَّاق عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من وَجه آخر: نسخ رَمَضَان كل صَوْم، وَنسخ الْمُتْعَة الطَّلَاق وَالْعدة وَالْمِيرَاث.

23 - (بابُ عَرْضِ المَرْأَةِ نَفسَها علَى الرَّجُلِ الصَّالحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز عرض الْمَرْأَة نَفسهَا على الرجل الصَّالح رَغْبَة لصلاحه، قيل: لما علم البُخَارِيّ الخصوصية فِي قصَّة الواهبة نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استنبط من الحَدِيث مَا لَا خُصُوصِيَّة فِيهِ، وَهُوَ جَوَاز عرض الْمَرْأَة نَفسهَا للرجل الصَّالح. انْتهى. قلت: لما علم فِي قصَّة الواهبة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْصُوص بِهَذَا، كَيفَ يستنبط مِنْهَا مَا لَا خُصُوصِيَّة فِيهِ؟ فَفِي مَا قَالَه لَا خُصُوصِيَّة لأح، فَإِن قيل: الْعرض غير الْهِبَة. أُجِيب: فِي حَدِيث سهل بن سعد مَا جَاءَ إلاَّ بِلَفْظ الْعرض، وَهُوَ عبارَة عَن الْهِبَة أَو هُوَ مُقَدّمَة الْهِبَة، فَلَا طائل تَحت قَوْله.

0215 - حدَّثنا عَلِيٌّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا مَرْحُومٌ قَالَ: سَمِعْتُ ثابِتا البُنانِيَّ قَالَ: كُنْتُ عِنْد أنَسٍ وعِنْدَهُ ابْنَةٌ لهُ، قَالَ أنَسٌ: جاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَعْرِضُ علَيْهِ نَفْسَها، قالَتْ: يَا رسولَ الله! ألكَ بِي حاجةٌ؟ فقالتْ بنْتُ أنسٍ: مَا أقَلَّ حَياءَها، واسَوْأتاه واسَوْأتاه. قَالَ: هيَ خيْرٌ مِنْكَ، رَغِبَتْ فِي النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَرَضَتْ علَيْهِ نَفْسَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تعرض عَلَيْهِ نَفسهَا) وَفِي قَوْله: (فعرضت عَلَيْهِ نَفسهَا) وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، ومرحوم، على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من الرَّحْمَة: ابْن عبد الْعَزِيز بن مهْرَان الْبَصْرِيّ مولى آل أبي سُفْيَان ثِقَة، مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَأورد الحَدِيث أَيْضا فِي الْأَدَب بِهَذَا الْإِسْنَاد، وثابت الْبنانِيّ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح عَن ابْن الْمثنى وَغَيره، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بكر بن خلف وَغَيره.
قَوْله: (حَدثنَا مَرْحُوم) كَذَا فِي رِوَايَة الأكثين مَذْكُور بِغَيْر نِسْبَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز بن مهْرَان. قَوْله: (وَعِنْده ابْنة لَهُ) أَي: ابْنة لأنس وَلم يدر اسْمهَا، وَقيل بِالظَّنِّ، لَعَلَّهَا أمينة بِالتَّصْغِيرِ. قَوْله: (جَاءَت امْرَأَة) لم يدر اسْمهَا، وَقَالَ بَعضهم: وأشبه من رَأَيْت بِقِصَّتِهَا مِمَّن تقدم ذكر اسمهن فِي الواهبات ليلى بنت قيس بن الخطيم. قلت: هَذَا حَدِيث أنس وَهُوَ غير حَدِيث سهل بن سعد، فَتخلف صَاحِبَة الْقِصَّة. قَوْله: (واسوأتاه) الْوَاو فِيهِ للنداء، وَلَكِن هِيَ الْوَاو الَّتِي تخْتَص بالندبة وَالْألف فِيهِ للندبة وَالْهَاء للسكت نَحْو: أزيداه، والسوأة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا همزَة وَهِي الفعلة الْفَاحِشَة والفضيحة، وَيُطلق على الْفرج أَيْضا، وَالْمرَاد هُنَا لأوّل، وَهِي هُنَا مكررة. قَوْله: (هِيَ خير مِنْك) فِيهِ دَلِيل على جَوَاز عرض الْمَرْأَة نَفسهَا على الرجل الصَّالح وتعرف رغبتها فِيهِ لصلاحه وفضله، أَو لعلمه وشرفه، أَو لخصلة من خِصَال الدّين، وَأَنه لَا عَار عَلَيْهَا فِي ذَلِك، بل ذَلِك يدل على فَضلهَا، وَبنت أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نظرت إِلَى ظَاهر الصُّورَة وَلم تدْرك هَذَا الْمَعْنى حَتَّى قَالَ أنس: هِيَ خير مِنْك، وَأما الَّتِي تعرض نَفسهَا على الرجل لأجل غَرَض من الْأَغْرَاض الدنياوية فأقبح مَا يكون من الْأَمر وأفضحه.

1215 - حدَّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حَدثنَا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْل

(20/113)


ٍ أنَّ امْرَأةً عَرَضَتْ نَفْسَها علَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لهُ رجلٌ: يَا رسُولَ الله! وَزَوِّجْنِيها. فَقَالَ مَا عِنْدَك؟ قَالَ: مَا عنْدِي شيءٌ. قَالَ: اذْهَبْ فالْتَمِسْ ولوْ خاتَما مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ ثُمَّ رجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله مَا وَجَدْتُ شَيئا وَلَا خاتَما مِنْ حَدِيدٍ، ولاكنْ هاذَا إزَارِي ولَها نِصْفُهُ قَالَ سَهْلٌ: وَمَا لَهُ رِدَاءٌ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا تَصْنعُ بإِزَارِكَ؟ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ علَيْها مِنْهُ شَيْءٌ؟ وإنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حتَّى إذَا طالَ مَجْلِسُهُ قامَ فَرَآهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدَعاهُ، أوْ دُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لهُ: ماذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ فَقَالَ: مَعي سورَةُ كَذَا وسورَةُ كَذَا؟ لِسُوَرٍ يُعَدِّدُها، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْلَكْناها لَكَ بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن امْرَأَة عرضت نَفسهَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَسَعِيد هُوَ ابْن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي الْمصْرِيّ، وَأَبُو غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة: مُحَمَّد بن مطرف، بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة: اللَّيْثِيّ الْمدنِي وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد الْأنْصَارِيّ. والْحَدِيث قد مر فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بَاب خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أملكناها لَك) ويروى: أملكناكها.