عمدة القاري شرح صحيح البخاري

33 - (بابُ عَرْضِ الأَنْسانِ ابْنَتَهُ أوْ أُخْتَهُ علَى أهْلِ الخَيْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز عرض الرجل ابْنَته أَو أُخْته على أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح، وَلَا نقص فِيهِ.

2215 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْد الله حَدثنَا إبْراهيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحِ بنِ كَيْسانَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أخبرَني سالِمُ بنُ عبْدِ الله أنَّهُ سَمِعَ عبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ حينَ تأيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وكانَ مِنْ أصْحابِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتُوُفِّيَ بالمَدِينَةِ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: أتَيْتُ عُثْمانَ بنَ عَفانَ فَعَرَضْتُ علَيْهِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سأنْظُرُ فِي أمْرِي، فلَبِثْتُ لَيالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لي أنْ لَا أتَزَوَّجَ يَوْمِي هاذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍّ الصِّدِّيقَ، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتَ زَوجْتُكَ حَفْصَةَ بِنتَ عُمَرَ، فَصَمتَ أبُو بَكْر فلَمْ يَرْجِعْ إليَّ شَيْئا، وكُنْتُ أوْجَدَ علَيْهِ مِنِّي علَى عُثْمانَ، فَلَبِثْتُ لَيالِيَ ثُمَّ خَطَبَها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأنْكَحْتُها إيَّاهُ فَلقِيَني أبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَ وجَدْتَ عليَّ حِينَ عرضت عَليّ حَفْصَة فَلم أرجع إِلَيْك شَيْئا قَالَ عمر، قلت نعم قَالَ أَبُو بكر فَإِنَّهُ لم يَمْنعنِي أَن أرجع إلَيْكَ فِيما عَرَضْتَ علَيَّ إلاَّ أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ ذَكرَها فَلَم أكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولَوْ تَرَكَها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبِلْتُها..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الْقرشِي العامري الأويسي الْمَدِينِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الْقرشِي الزُّهْرِيّ الْمَدِينِيّ، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَذكر الْحميدِي وَأَبُو مَسْعُود هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي بكر، وَذكره خلف وَابْن عَسَاكِر فِي مُسْند عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (تأيمت حَفْصَة) يُقَال: تأيمت الْمَرْأَة وآمت إِذا أَقَامَت لَا تتَزَوَّج، وَالْعرب تَقول: كل امْرَأَة لَا زوج لَهَا وكل رجل لَا امْرَأَة لَهُ: أيم، وَمعنى: (تأيمت حَفْصَة)

(20/114)


مَاتَ زَوجهَا خُنَيْس بن حذافة فَصَارَت أَيّمَا، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن تأيم حَفْصَة من ابْن حذافة أَنه طَلقهَا، وَقَالَ أَبُو عمر وَغَيره: إِنَّه توفّي عَنْهَا من جِرَاحَة أَصَابَته بِأحد، وعَلى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ يحمل قَول من قَالَ: تزوج حَفْصَة بعد ثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، وَرِوَايَة من رُوِيَ سنتَيْن فِي عقب بدر، وَرِوَايَة من رُوِيَ: توفّي زَوجهَا بعد خَمْسَة وَعشْرين شهرا، وَقَالَ أَبُو عمر: تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أَكْثَرهم فِي سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: تزَوجهَا سنة ثِنْتَيْنِ من التَّارِيخ، وَمَاتَتْ حَفْصَة حِين بَايع الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لمعاوية، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين، وَقيل: فِي خمس وَأَرْبَعين. قَوْله: (من خُنَيْس) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ سين مُهْملَة: ابْن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين شهد بَدْرًا بعد هجرته إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ شهد أحدا ونالته ثَمَّ جِرَاحَة مَاتَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْن طَاهِر: قَالَ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: خُنَيْس، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون، وكل معمر بن رَاشد يَقُول: حُبَيْش، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ شين مُعْجمَة. وَقَالَ الجياني: رُوِيَ أَن معمرا كَانَ يصحف فِي هَذَا الِاسْم، فَيَقُول: حُبَيْش، وَرُوِيَ ابْن الْمَدِينِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف قَالَ: قَالَ معمر فِي حَدِيث: تأيمت حَفْصَة، فَقَالَ: مَن حُبَيْش بن حذافة؟ فَرد عَلَيْهِ: خُنَيْس فَقَالَ: لَا بل هُوَ حُبَيْش. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَقد اخْتلف على عبد الرَّزَّاق عَن معمر فروى عَنهُ خُنَيْس، بِالسِّين الْمُهْملَة على الصَّوَاب، وَرُوِيَ عَنهُ: خُنَيْس أَو حُبَيْش على الشَّك، وَذكره البُخَارِيّ ومُوسَى بن عقبَة وَيُونُس وَابْن أخي الزُّهْرِيّ على الصَّوَاب بخاء مُعْجمَة بعْدهَا نون. قَوْله: (فعرضت عَلَيْهِ حَفْصَة) ، فِيهِ: عرض الرجل وليته إِذا كَانَ على كُفْء لَيْسَ بمنقصة عَلَيْهِ. قَوْله: (سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي) أَي: أتفكر، وَيسْتَعْمل النّظر أَيْضا بِمَعْنى الرأفة، لَكِن تعديته بِاللَّامِ، وَبِمَعْنى الروية وَهُوَ الأَصْل وبعدي بإلى، وَقد يَأْتِي بِغَيْر صلَة بِمَعْنى الِانْتِظَار. قَوْله: (فَصمت أَبُو بكر) ، أَي: سكت وزنا وَمعنى. قَوْله: (وَلم يرجع) ، بِفَتْح الْيَاء، وَهَذَا تَأْكِيد لرفع الْمجَاز لاحْتِمَال أَنه صمت زَمَانا ثمَّ تكلم. قَوْله: (وَكنت أوجد عَلَيْهِ) ، أَي: أَشد على أبي بكر موجدة أَي غَضبا (مني على عُثْمَان) وَذَلِكَ لأمرين: أَحدهمَا: مَا كَانَ بَينهمَا من محبَّة أكيدة. وَالثَّانِي: أَن عُثْمَان أَن أَجَابَهُ أَولا ثمَّ اعتذر لَهُ ثَانِيًا، وَلكَون أبي بكر لم يعد عَلَيْهِ جَوَابا. وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي قَوْله: وَكنت أوجد عَلَيْهِ نَفسه هُوَ الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ، لَكِن الأول بِاعْتِبَار أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالثَّانِي بِاعْتِبَار عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (لَعَلَّك وجدت عَليّ) هَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لقد وجدت عَليّ وَالْأول هُوَ الأجه. قَوْله: (فَلم أرجع) بِكَسْر الْجِيم أَي: لم أعد عَلَيْك الْجَواب. قَوْله: (لأفشي) بِضَم الْهمزَة من الإفشاء وَهُوَ الْإِظْهَار، وَقَالَ ابْن بطال: كَانَ إسرار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَزْوِيج حَفْصَة لأبي بكرعلى سَبِيل المشورة، أَو لِأَنَّهُ علم قُوَّة إِيمَان أبي بكر، وَأَنه لَا يتَغَيَّر لذَلِك لكَون ابْنَته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكتمان أبي بكر لذَلِك خشيَة أَن يَبْدُو للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نِكَاحهَا أَمر فَيَقَع فِي قلب عمر مَا وَقع فِي قلبه لأبي بكر.
وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد.
فِيهِ: أَن من عرض عَلَيْهِ مَا فِيهِ الرَّغْبَة فَلهُ النّظر وَالِاخْتِيَار وَعَلِيهِ أَن يخبر بعد ذَلِك بِمَا عِنْده لِئَلَّا يمْنَعهَا من غَيره، لقَوْل عُثْمَان بعد لَيَال: قد بدا ليأن لَا أَتزوّج. وَفِيه: الِاعْتِذَار اقْتِدَاء بعثمان فِي مقَالَته هَذِه وَفِيه: كتمان السِّرّ، فَإِن أظهره الله أَو أظهره صَاحبه جَازَ للَّذي أسر إِلَيْهِ إِظْهَاره. وَفِيه: أَنه يجوز للرجل أَن يذكر لأَصْحَابه وَلمن يَثِق بِهِ أَنه يخْطب امْرَأَة قبل أَن يظْهر خطبتها وَفِيه: الرُّخْصَة فِي تَجْوِيز من عرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا بِخطْبَة أَو أَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا أَلا ترى إِلَى قَول الصدّيق: لَو تَركهَا تَزَوَّجتهَا؟ وَقد جَاءَ فِي خبر آخر الرُّخْصَة فِي نِكَاح من عقد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا النِّكَاح وَلم يدْخل بهَا. وَأَن الصّديق كرهه وَرخّص فِيهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عِكْرِمَة: تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة من كِنْدَة يُقَال لَهَا: قيلة، فَمَاتَ وَلم يدْخل بهَا وَلَا حجبها، فتزوجتها عِكْرِمَة بن أبي جهل فَغَضب أَبُو بكر وَقَالَ: تزوجت امْرَأَة من نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ عمر: مَا هِيَ من نِسَائِهِ، مَا دخل بهَا وَلَا حجبها، وَلَقَد ارْتَدَّت مَعَ من ارْتَدَّ فَسكت. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَفِيه: فَسَاد قَول من قَالَ: إِن للْمَرْأَة الْبَالِغَة المالكة أمرهَا تَزْوِيج نَفسهَا وَعقد النِّكَاح عَلَيْهَا دون وَليهَا انْتهى. قلت: نِسْبَة هَذَا القَوْل إِلَى الْفساد من الْفساد، لِأَن من قَالَ هَذَا لم يقل من عِنْده، وَإِنَّمَا اعْتمد على حجَّة قَوِيَّة، وَهِي مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة

(20/115)


أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تنْكح الأيم حَتَّى تستأمر، وَلَا تنْكح الْبكر حَتَّى تُستأذن. قَالُوا يَا رَسُول الله! كَيفَ إِذْنهَا؟ قَالَ: أَن تسكت وَرُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا وإذنها صمانها. فَإِن قلت: المُرَاد بالأيم فِي الحَدِيث الثّيّب دون غَيرهَا، ذكره الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي؟ قلت: هَذَا لفظ عَام يتَنَاوَل الْبكر وَالثَّيِّب والمطلقة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَيجب الْعَمَل بِعُمُوم الْعَام، وَأَنه يُوجب الحكم فِيمَا يتَنَاوَلهُ قطعا، وتخصيصه بِالثَّيِّبِ هُنَا إِخْرَاج للْكَلَام عَن عُمُومه. فَإِن قلت: جَاءَت الرِّوَايَة: الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا، وَهَذِه تفسر تِلْكَ الرِّوَايَة. قلت: لَا إِجْمَال فِيهَا فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير، بل يعْمل بِكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا، فَيعْمل بِرِوَايَة الأيم على عمومها، وبرواية الثّيّب على خصوصها وَلَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَتَيْنِ، على أَن أَبَا حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رجح الْعَمَل بِالْعَام على الْخَاص، كَمَا رجح قَوْله: مَا أخرجته الأَرْض فَفِيهِ الْعشْر، على الْخَاص الْوَارِد فِيهِ، وَهُوَ قَوْله: لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة. فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قد احْتج بِهِ أَي: بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض النَّاس: الأيم أَحَق بِنَفسِهَا.
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، وَهَكَذَا أفتى بِهِ بعد النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي. قلت: هَذَا عجب عَظِيم من التِّرْمِذِيّ يَقُول بِمَا لَا يَلِيق بِحَالهِ، لِأَن حَدِيث ابْن عَبَّاس: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي مَتى يُسَاوِي هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمجمع على صِحَّته؟
وَقد تكلمُوا فِي حَدِيث: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، فَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ يَصح فِي هَذَا شَيْء إلاَّ حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ. قلت: سُلَيْمَان بن مُوسَى مُتكلم فِيهِ. قَالَ ابْن جريج وَالْبُخَارِيّ: عِنْده مَنَاكِير، وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: مطعون عَلَيْهِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: خولط قبل مَوته بِيَسِير، وَلَئِن سلمنَا صِحَة: لَا نِكَاح إلاَّ بوليّ، فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس، فَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف، فَمَتَى يداني أَو يقرب هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمَرْفُوع الثَّابِت عِنْد أهل النَّقْل؟ وَلِهَذَا تجنب البُخَارِيّ وَمُسلم فِي تَخْرِيجه عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَوْله: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، فِيهِ ثُبُوت النِّكَاح على عُمُومه وخصوصه بولِي، وتأوله بَعضهم على نفي الْفَضِيلَة والكمال، وَهَذَا تَأْوِيل فَاسد، لِأَن الْعُمُوم يَأْتِي على أَصله جَوَازًا وكمالاً، وَالنَّفْي فِي الْمُعَامَلَات يُوجب الْفساد. قلت: سلمنَا أَنه على عُمُومه وَلَكِن مَعْنَاهُ مَحْمُول على الْكَمَال، كَمَا فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلاَّ فِي الْمَسْجِد، وَجعله النِّكَاح من الْمُعَامَلَات فَاسد لِأَنَّهُ من الْعِبَادَات حَتَّى إِنَّه أفضل من الصَّلَاة النَّافِلَة فَيكون لَهُ جهتان من جَوَاز: نَاقص وكامل، فَإِن قلت: رُوِيَ: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، عَن أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك وَجَابِر بن عبد الله وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم؟ قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمد بن عدي، وَحَدِيث عمرَان عِنْد حَمْزَة السَّهْمِي فِي تَارِيخ جرجان وَعند الدَّارَقُطْنِيّ، وَحَدِيث أنس عِنْد الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَحَدِيث جَابر عِنْد أبي يعلى الْموصِلِي، وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَحَدِيث ابْن عمر عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، وَحَدِيث معَاذ عِنْد ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْعِلَل المتناهية. أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَفِي إِسْنَاده الْمُغيرَة بن مُوسَى قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأما حَدِيث عمرَان فَفِي إِسْنَاده عبد الله بن عَمْرو الوافقي، قَالَ عَليّ: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ يكذب. وَأما حَدِيث أنس ... وَأما حَدِيث جَابر فَمَحْمُول على نفي الْكَمَال، وَأما حَدِيث أبي سعيد فَفِي إِسْنَاده ربيعَة بن عُثْمَان. قَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث، وَأما حَدِيث عبد الله بن عمر فَفِي إِسْنَاده ثَابت بن زُهَيْر، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَأما حَدِيث معَاذ فَفِي إِسْنَاده أَبُو عصمَة نوح، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ يتهم بِالْوَضْعِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ. مَتْرُوك.

3215 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عنْ عِرَاكٍ بن مالِكٍ أنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبِي سلَمَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قالَتْ لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّا قَدْ تَحَدَّثْنا أنَّكَ

(20/116)


ناكِحٌ دُرَّةَ بِنْتِ أبي سلَمَةَ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلَى أُمِّ سلَمَةَ؟ لَوْ لَمْ أنْكِحْ أُمِّ سلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي إنَّ أَبَاهَا أخِي مِنَ الرَّضاعَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا الحَدِيث طرف من الحَدِيث الَّذِي مضى قَرِيبا فِي: بَاب: {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} (النِّسَاء: 32) وَفِيه: قَالَت أم حَبِيبَة يَا رَسُول الله! أنكح أُخْتِي بنت أبي سُفْيَان الحَدِيث، وَهَذَا عرض أُخْتهَا على أهل الْخَيْر. قَوْله: (درة) بِضَم الدَّال الْمُهْملَة. قَوْله: (أَعلَى أم سَلمَة) أَي: أَتزوّج على أمهَا؟ يَعْنِي: كَيفَ أَتزوّج درة وَهِي ربيبتي، وَلَو لم تكن ربيبتي لما حلت لي أَيْضا لِأَنَّهَا بنت أخي؟ أَبَا سَلمَة، لِأَن ثوبية أرضعت أَبَا سَلمَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيعًا.

43 - (بابُ قَوْلِ الله جَلَّ وعَزَّ { (2) وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء أَو أكننتم أَنفسكُم علم الله} (الْبَقَرَة: 532) الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ { (2) غَفُور حَلِيم} (الْبَقَرَة: 532)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الله عز وَجل: {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم} (الْبَقَرَة: 532) إِلَى آخر مَا ذكره، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَحذف مَا بعد: {أكننتم} من رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع فِي شرح ابْن بطال سِيَاق الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا إِلَى قَوْله {أَجله} الْآيَة. وَقَالَ ابْن التِّين: تَضَمَّنت الْآيَة أَرْبَعَة أَحْكَام: إثنان مباحان: التَّعْرِيض والإكنان، وإثنان ممنوعان: النِّكَاح فِي الْعدة والمواعدة فِيهَا.
أكْننْتُمْ: أضْمَرْتُمْ فِي أنْفُسِكُمْ، وكلُّ صُنْتَهُ أوْ أضْمَرْتَهُ فَهْوَ مَكْنونٌ

قَوْله: (أكننتم) من الإكنان وَهُوَ الْإِضْمَار فِي النَّفس، وَأَشَارَ بقوله: (فَهُوَ مَكْنُون) إِلَى أَن ثلاثي أكننتم من: كنَّ يكن فَهُوَ مَكْنُون أَي: مَسْتُور ومحفوظ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: كننته أكنه كُنَّا، والإسم: يَعْنِي الْمصدر بِالْفَتْح والإسم بِالْكَسْرِ، وَفِي التَّفْسِير: يَعْنِي أضمرتم فِي قُلُوبكُمْ وَلم تذكروه بألسنتكم، وَهَذَا خطْبَة النِّسَاء، وَقد نفي الله الْجنَاح فِي التَّعْرِيض فِي خطْبَة النِّسَاء، وَقد نفى الله الْجنَاح فِي التَّعْرِيض فِي خطْبَة النِّسَاء وهنّ فِي الْعدة، وَذكر أَولا التَّعْرِيض بقوله: {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء} (الْبَقَرَة: 532) والتعريض أَن يَقُول: إِنَّك لجميلة، أَو صَالِحَة وَمن غرضي أَن أَتزوّج، وَعَسَى الله أَن ييسر لي امْرَأَة صَالِحَة، وَنَحْو ذَلِك من الْكَلَام الموهم أَنه يُرِيد نِكَاحهَا حَتَّى تحبس نَفسهَا عَلَيْهِ إِن رغبت فِيهِ، وَلَا يُصَرح بِالنِّكَاحِ فَلَا يَقُول: إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك أَو أتزوجك أَو أخطبك، وَالْفرق بَين التَّعْرِيض وَالْكِنَايَة أَن التَّعْرِيض أَن تذكر شَيْئا يدل على شَيْء لم تذكره، كَمَا يَقُول الْمُحْتَاج للمحتاج إِلَيْهِ: جئْتُك لأسلم عَلَيْك ولأنظر إِلَى وَجهك الْكَرِيم، وَالْكِنَايَة أَن يذكر الشَّيْء بِغَيْر لَفظه الْمَوْضُوع لَهُ، كَقَوْلِك: طَوِيل النجاد لطول الْقَامَة، وَكثير الرماد للمضياف. ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى: {علم الله أَنكُمْ ستذكرونهن} (الْبَقَرَة: 532) يَعْنِي: لَا تصبرون عَن النُّطْق برغبتكم فِيهِنَّ، وَفِيه نوع توبيخ. ثمَّ قَالَ: {وَلَكِن لَا تواعدوهن} (الْبَقَرَة: 532) فِيهِ حذف تَقْدِيره: فاذكروهن وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا، وَهُوَ كِنَايَة عَن النِّكَاح الَّذِي هُوَ الْوَطْء. ثمَّ عبر بالسر عَن النِّكَاح الَّذِي هُوَ الْمُقدر بقوله: {إلاَّ أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا} (الْبَقَرَة: 532) وَهُوَ أَن تعرضوا وَلَا تصرحوا، ثمَّ قَالَ: {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة: 532) أَي: لَا تقصدوها {حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله} (الْبَقَرَة: 532) يَعْنِي: مَا كتب وَفرض من الْعدة.

4215 - وَقَالَ لي طَلْقٌ: حدَّثنا زائدَةُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ مُجاهدٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ { (2) فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء} (الْبَقَرَة: 532) يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ وَلودَدْتُ أنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صالِحَة.
طلق بِفَتْح الطَّاء وَسُكُون اللَّام: ابْن غَنَّام. بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون: ابْن طلق بن مُعَاوِيَة أَبُو مُحَمَّد النَّخعِيّ الْكُوفِي أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ. وَقَالَ ابْن سعد: مَاتَ فِي رَجَب سنة: إِحْدَى عشر وَمِائَتَيْنِ. وزائدة بن قدامَة، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، فَظن صَاحب التَّوْضِيح أَن هَذَا مُعَلّق وَلَيْسَ بتعليق لِأَن قَوْله: (قَالَ لي) يدل على أَنه سَمعه من طلق، ثمَّ قَالَ: أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بِلَفْظ: إِنِّي فِيك لراغب وَإِنِّي أُرِيد امْرَأَة أمرهَا كَذَا وَكَذَا، ويعرض لَهَا بالْقَوْل. قَوْله: (وَلَو ددت) أَي: ولأحببت. قَوْله: (أَنه) أَي: أَن الشَّأْن. قَوْله: (تيَسّر لي) بِفَتْح التَّاء

(20/117)


الْمُثَنَّاة من فَوق الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد السِّين وَضم الرَّاء، وَأَصله تتيسر. بتاءين مثناتين من فَوق فحذفت إِحْدَاهمَا للتَّخْفِيف، وَضَبطه بَعضهم بقوله: ييسر، بِضَم التَّحْتَانِيَّة وَفتح أُخْرَى مثلهَا بعْدهَا وَفتح السِّين الْمُهْملَة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ مثل مَا ضَبطنَا فياليته يَقُول: بِضَم الفوقانية وَفتح التَّحْتَانِيَّة، وَلَكِن الْقُصُور عَن فن يُؤَدِّي إِلَى أَكثر من هَذَا إِثْم قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَفِي رواي الْكشميهني: يسر لي بتحتانية وَاحِدَة وَكسر الْمُهْملَة، وَلم أدر مَا وَجهه فياليته قَالَ: بِضَم تَحْتَانِيَّة وَتَشْديد السِّين الْمَكْسُورَة على صِيغَة مَجْهُولَة للماضي من التَّيْسِير.
وَقَالَ القاسِمُ: يَقُولُ: إنَّكِ عَليَّ كَرِيمَةٌ وإنِّي فِيكِ لَرَاغِب، وإنَّ الله لَسائِقٌ إليْكَ خَيْرا، أوْ نَحْوَ هاذَا

الْقَاسِم هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن هَارُون عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه فِي الْمَرْأَة يتوفي عَنْهَا زَوجهَا وَيُرِيد الرجل خطبتها وكلامها، قَالَ: يَقُول: إِنِّي بك لمعجب، وَإِنِّي عَلَيْك لحريض، وَإِنِّي فِيك لراغب، وَأَشْبَاه ذَلِك. قَوْله: (أَو نَحْو هَذَا) مثل أَن يَقُول: إِنِّي حَرِيص عَلَيْك، أَو أسأَل الله تَعَالَى أَن يَرْزُقنِي امْرَأَة صَالِحَة وأمثال هَذَا كَثِيرَة.
وَقَالَ عَطاءٌ: يُعَرِّضُ وَلَا يبُوحُ يَقُولُ: إنَّ لي حاجَةً، وأبْشِري، وأنْتِ بحَمْدِ الله نافِقَةٌ، وتَقُولُ هِيَ: قَدْ أسْمَعُ مَا تَقُولُ، وَلَا تَعِدُ شَيْئا وَلَا يُوَاعِدُ ولِيُّها بِغَيْرِ عِلْمِها، وإنْ واعَدَتْ رجُلاً فِي عِدَّتْها ثُمَّ نكَحَها بَعْدُ لَمْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُما

أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: (يعرض) بتَشْديد الرَّاء من التَّعْرِيض (وَلَا يبوح) أَي: وَلَا يُصَرح من باح بالشَّيْء يبوح بِهِ إِذا أعلنه قَوْله: (نافقة) بالنُّون وَالْفَاء، وَالْقَاف أَي: رائجة بِالْجِيم. قَوْله: (وَتقول هِيَ) الْمَرْأَة. قَوْله: (وَلَا تعِدُ) من الْوَعْد أَي: الْمَرْأَة لَا تعد لَهُ بِالْعقدِ وَأَنَّهَا تتَزَوَّج بِهِ، وَلَا تَقول شَيْئا غير قَوْلهَا: (اسْمَع مَا تَقول) . قَوْله: (وَلَا يواعد) أَي: الرجل (وَليهَا) أَي الَّذِي بلي أمرهَا بِغَيْر علمهَا، وَإِن وَاعَدت هِيَ رجلا فِي حَالَة الْعدة ثمَّ نكحا بعدُ بِضَم الدَّال أَي: بعد المواعدة وَبعد انْقِضَاء الْعدة، لم يفرق بَينهمَا لصِحَّة العقد وَعدم الْمَانِع، وَإِن صرح بِالْخطْبَةِ فِي الْعدة لَكِن لم يعْقد إلاَّ بعد انْقِضَاء الْعدة صَحَّ العقد عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَكِن ارْتكب الْمنْهِي. وَقَالَ مَالك: يفارقها، دخل بهَا أَو لم يدْخل، وَلَو وَقع العقد فِي الْعدة وَدخل بهَا يفرق بَينهمَا بِلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة. وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ: لَا يحل لَهُ بعد ذَلِك نِكَاحهَا، وَقَالَ الْبَاقُونَ: يحل لَهُ إِذا انْقَضتْ الْعدة أَن يَتَزَوَّجهَا إِن شَاءَ.
وَقَالَ الحَسَنُ { (2) لَا توعدوهن سرا} (الْبَقَرَة: 532) الزِّنا

أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي تَفْسِير السِّرّ فِي قَوْله عز وَجل: {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} (الْبَقَرَة: 532) أَنه الزِّنَا، وَوَصله عبد بن حميد من طَرِيق عمرَان بن جدير عَن الْحسن بِلَفْظِهِ: فَإِن قلت: أَيْن الْمُسْتَدْرك بقوله: {وَلَكِن لَا تواعدوهن} (الْبَقَرَة: 532) قلت: هُوَ مَحْذُوف لدلَالَة: {ستذكرونهن} (الْبَقَرَة: 532) عَلَيْهِ تَقْدِيره {علم الله أَنكُمْ ستذكرونهن فاذكروهن وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} (الْبَقَرَة: 532) والسر وَقع كِنَايَة عَن النِّكَاح الَّذِي هُوَ الْوَطْء لِأَنَّهُ مِمَّا يسر. قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، وَقَالَ الشّعبِيّ: هُوَ أَن يَأْخُذ عَلَيْهَا عهدا أَن لَا تتَزَوَّج غَيره، وَقَالَ مُجَاهدًا: سرا يخطبها فِي عدتهَا، وَقَالَ ابْن سِيرِين: يلقِي الْوَلِيّ فيذكر عَنهُ رَغْبَة وحرصا. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ الْجِمَاع وَهُوَ التَّصْرِيح بِمَا لَا يحل لَهُ فِي حَالَته، وَقد قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو الشعْثَاء مثل مَا قَالَ الْحسن، وَلَكِن فِيهِ تَأمل، لِأَن الزِّنَا لَا يجوز المواعدة بِهِ سرا وَلَا جَهرا.
ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: { (2) الْكتاب أَجله} (الْبَقَرَة: 532) : تَنْقَضِي العِدَّةُ

أَي: يذكر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله} (الْبَقَرَة: 532) حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة، وَوَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَنهُ بِهِ، وَقد حرم الله تَعَالَى عقد النِّكَاح فِي الْعدة بقوله: {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله} (الْبَقَرَة: 532) وَهَذَا

(20/118)


من الْمُحكم الْمُجْتَمع على تَأْوِيله أَن بُلُوغ أَجله انْقِضَاء الْعدة وأباح التَّعْرِيض فِي الْعدة وَذكر ابْن أبي شيبَة جَوَاز التَّعْرِيض عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَعبيدَة السَّلمَانِي وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَأبي الضُّحَى، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس بالهدية فِي تَعْرِيض النِّكَاح، وَقَالَ الشَّافِعِي، رَحمَه الله: الْعدة الَّتِي أذن الله تَعَالَى بالتعريض فِيهَا هِيَ الْعدة من وَفَاة الزَّوْج، وَلَا أحب ذَلِك فِي الْعدة من الطَّلَاق الْبَائِن احْتِيَاطًا، وَأما الَّتِي لزَوجهَا عَلَيْهَا رُجُوع فَلَا يجوز لأحد أَن يعرض لَهَا بِالْخطْبَةِ فِيهَا.

53 - (بابُ النَّظَرِ إِلَى المَرْأةِ قَبْلَ التَّزْويجِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز النّظر إِلَى الْمَرْأَة قبل أَن يَتَزَوَّجهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: قبل التَّزَوُّج، لِأَن النّظر فِيهِ لَا فِي التَّزْوِيج، وَالظَّاهِر أَن هَذَا من النَّاسِخ. وَهَذَا الْبَاب اخْتلف فِيهِ الْعلمَاء، فَقَالَ طَاوُوس وَالزهْرِيّ وَالْحسن والبصري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد وَآخَرُونَ: يُبَاح النّظر إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي يُرِيد نِكَاحهَا. وَقَالَ عِيَاض: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: ينظر إِلَيْهَا ويجتهد وَينظر مِنْهَا مَوَاضِع اللَّحْم. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَسَوَاء: بِإِذْنِهَا أَو بِغَيْر إِذْنهَا إِذا كَانَت مستترة، وَحكى بعض شُيُوخنَا، تَأْوِيلا على قَول مَالك: إِنَّه لَا ينظر إِلَيْهَا إلاَّ بِإِذْنِهَا لِأَنَّهُ حق لَهَا، وَلَا يجوز عِنْد هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين أَن ينظر إِلَى عورتها وَلَا وَهِي حَاسِرَة، وَعَن دَاوُد ينظر إِلَى جَمِيعهَا حَتَّى قَالَ ابْن حزم: يجوز النّظر إِلَى فرجهَا. وَقَالَت الْعلمَاء: لَا ينظر إِلَى فرجهَا. وَقَالَت الْعلمَاء: لَا ينظر إِلَيْهَا نظر تلذة وشهوة وَلَا لريبة، وَقَالَ أَحْمد: ينظر إِلَى الْوَجْه على غير طَرِيق لَذَّة، وَله أَن يردد النّظر إِلَيْهَا متأملاً محاسنها، وَإِذا لم يُمكنهُ النّظر اسْتحبَّ أَن يبْعَث امْرَأَة يَثِق بهَا تنظر إِلَيْهَا وَتُخْبِرهُ، لما رُوِيَ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ثَابت عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة فَبعث بِامْرَأَة لتنظر إِلَيْهَا، فَقَالَ: (شمي عوارضها وانظري إِلَى عرقوبيها) الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ شَيخنَا فِي الْمُسْتَدْرك، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل مُخْتَصرا. قلت: الْعَوَارِض الْأَسْنَان الَّتِي فِي عرض الْفَم، وَهِي مَا بَين الثنايا والأضراس، واحدتها عَارض، وَذَلِكَ لاختبار النكهة. قَالَت ظائفة، مِنْهُم يُونُس بن عبيد، وَإِسْمَاعِيل بن علية وَقوم من أهل الحَدِيث. لَا يجوز النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة مُطلقًا إلاَّ لزَوجهَا أَو ذِي رحم محمرم مِنْهَا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَا عَليّ! إِن لَك فِي الْجنَّة كنزا وَإنَّك ذُو قرنيها، فَلَا تتبع النظرة النظرة فَإِن لَك الأولى) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَزَّار. وَمعنى: لَا تتبع النظرة النظرة أَي: لَا تجْعَل نظرتك إِلَى الْأَجْنَبِيَّة تَابِعَة لنظرتك الأولى الَّتِي تقع بَغْتَة، وَلَيْسَت لَك النظرة الْآخِرَة، لِأَنَّهَا تكون عَن قصد وَاخْتِيَار فتأثم بهَا أَو تعاقب، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جرير بن عبد الله، قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نظر الْفجأَة فَأمرنِي أَن أصرف بَصرِي. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَت النظرة الثَّانِيَة حَرَامًا لِأَنَّهَا عَن اخْتِيَار خُولِفَ بَين حكمهَا وَحكم مَا قبلهَا إِذا كَانَت بِغَيْر اخْتِيَار، دلّ ذَلِك على أَنه لَيْسَ لأحد أَن ينظر إِلَى وَجه امْرَأَة إلاَّ أَن يكون بَينهَا وَبَينه من النِّكَاح أَو الْحُرْمَة.
واحتجت الطَّائِفَة الألى بِحَدِيث مُحَمَّد بن مسلمة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، يَقُول: (إِذا ألْقى فِي قلب امرىء خطْبَة امْرَأَة فَلَا بَأْس أَن ينظر إِلَيْهَا) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ، وَبِحَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ، وَقد كَانَ رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا خطب أحدكُم امْرَأَة فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن ينظر إِلَيْهَا إِذا كَانَ إِنَّمَا ينظر إِلَيْهَا للخطبة، وَإِن كَانَت لَا تعلم) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأحمد وَالْبَزَّار، وَبِحَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا خطب أحدكُم الْمَرْأَة فَقدر على أَن يرى مِنْهَا مَا يُعجبهُ فَلْيفْعَل) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأَبُو دَاوُد، وَبِحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رجلا أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة من الْأَنْصَار، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (انْظُر إِلَيْهَا فَإِن فِي أعين نسَاء الْأَنْصَار شَيْئا) ، يَعْنِي: الصغر، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأخرجه مُسلم وَلَيْسَ فِي رِوَايَته: يَعْنِي الصغر، وَبِحَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنه أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (انْظُر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا) وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث حسن، وَقَالَ: معنى قَوْله: (أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا) أَي: أَحْرَى أَن تدوم الْمَوَدَّة بَيْنكُمَا؛ وَأَجَابُوا عَن حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَن النّظر فِيهِ لغير الْخطْبَة، فَذَلِك حرَام، وَأما إِذا كَانَ للخطبة فَلَا يمْنَع مِنْهُ لِأَنَّهُ للْحَاجة، أَلا يرى كَيفَ جوز بِهِ فِي الْإِشْهَاد عَلَيْهَا وَلها؟ فَكَذَلِك النّظر للخطبة. وَالله أعلم.

5215 - حدَّثنا مُسَدّدٌ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا،

(20/119)


قالَتْ: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رأيْتُكِ فِي المَنامِ تجيءُ بِكِ المَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لي: هاذِه امْرَأتُكَ، فكَشَفْتُ عنْ وجهِكِ الثَّوْبَ فإِذَا أنْتِ هيَ فقُلْتُ: إنْ يَكُ هاذا مِنْ عنْدِ الله يُمْضِهِ..
هَذَا الحَدِيث مُضِيّ فِي أَوَائِل كتاب النِّكَاح فِي: بَاب نِكَاح الْأَبْكَار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة إِلَى آخِره وَفِيه: أريتك، على صِيغَة الْمَجْهُول مرَّتَيْنِ، وَهنا رَأَيْتُك، وَهُنَاكَ: إِذا رجل يحملك فِي سَرقَة من حَرِير، وَهُنَاكَ: فأكشفها، وَهنا: فَكشفت وَهُنَاكَ: فَإِذا هِيَ أَنْت، وَهنا: فَإِذا أَنْت هِيَ، وَهَذَا: مثل: زيد أَخُوك، وأخوك زيد، وَوجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة من حَيْثُ الِاسْتِئْنَاس بِهِ فِي جَوَاز النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة للخطبة، وَذَلِكَ لِأَن مَنَام الْأَنْبِيَاء وَحي، على أَن ظَاهر قَوْله: (يَجِيء بك الْملك) يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاهد حَقِيقَة صُورَة عَائِشَة، وَكَانَت هِيَ فِي سَرقَة من حَرِير، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ.

6215 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا يعْقُوبُ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ أنَّ امْرَأةً جاءَتْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقالَتْ: يَا رسولَ الله {جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إليْها رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إليْها وصوَّبَهُ، ثُمَّ طأْطأْ رَأْسَهُ فلَمَّا رأتِ المَرْأةُ أنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيها شَيْئا جلَسَتْ، فقامَ رجُلٌ مِنْ أصْحابهِ، فقالَ: أيْ رسولَ الله} إنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ حاجَةٌ فَزَوِّجْنِيها. فقالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْء؟ قَالَ: لَا وَالله يَا رسولَ الله، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أهْلِكَ فانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئَا؟ فذهَبَ ثُمَّ رجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله يَا رسولَ الله، مَا وجَدْتُ شَيْئَا. قَالَ: انْظُرْ ولَوْ خاتَما مِنْ حَدِيدٍ، فذهَبَ ثُمَّ رجَعَ فَقَالَ: وَلَا وَالله يَا رسولَ الله، وَلَا خَاتِما مِنْ حَدِيدٍ، ولاكِنْ هذَا إزَارِي. قَالَ سَهْلٌ: مالَهُ رِدَاءٌ فَلَها نصْفُهُ. فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إنْ لَبِسْتَهُ لمْ يَكُنْ علَيْها منْهُ شيْءٌ، وإنْ لَبِسَتْهُ لمْ يَكُنْ علَيْكَ شيْءٌ، فجَلَسَ الرَّجُلُ حتَّى طالَ مجْلِسُهُ، ثُمَّ قامَ، فرَآهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُوَلِّيا فأمَرَ بهِ فدُعِيَ، فلَمَّا جاءَ قَالَ: ماذَا معَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: معِي سُورَةُ كَذا وسورَةُ كَذا وسورَةُ كَذا، عَدَّدَها قَالَ: أتَقْرَؤُهُنَّ عنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إذْهَبْ فقَدْ مَّلكْتُكَها بِما معَكَ منَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم. والْحَدِيث قد مر فِيمَا قبله عَن قريب فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب تَزْوِيج الْمُعسر، وَفِيمَا قبله فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بَاب الْقِرَاءَة عَن ظهر الْقلب.
وَأخرجه فِي هَذَا الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة عَن قُتَيْبَة بن سعيد، لَكِن هُنَا وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن، وَفِي: بَاب تَزْوِيج الْمُعسر، عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه سَلمَة بن دِينَار.
قَوْله: (عَددهَا) ، ويروي: عادها، وَمد الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.

63 - (بابُ منْ قالَ: لَا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان (من قَالَ: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي) ، هَذَا لفظ الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَإِنَّمَا ترْجم بِهَذَا وَلم يُخرجهُ لكَونه لَيْسَ على شَرطه، وَكَذَلِكَ لم يُخرجهُ مُسلم وَفِيه كَلَام كَثِيرَة قد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَلَكِن لما كَانَ ميله إِلَى من قَالَ: لَا نِكَاح إلاّ بولِي، احْتج بِثَلَاث آيَات ذكر هُنَا فِي كل آيَة قِطْعَة وَهِي قَوْله.
لِقَوْلِ الله تَعالى { (2) فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: 232)

وَفِي بعض النّسخ لقَوْله تَعَالَى: {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعلضلوهن} (الْبَقَرَة: 232) وَجه الاستدل بِهِ أَن الله تَعَالَى نهى

(20/120)


الْأَوْلِيَاء عَن عضلهن أَي: مَنعهنَّ من التَّزْوِيج، فَلَو كَانَ العقد إلَيْهِنَّ لم يكنَّ ممنوعات. قلت: لَا يتم الاستدل بِهِ لِأَن ظَاهر الْكَلَام أَن الْخطاب للأزواج الَّذين يعاقون نِسَاءَهُمْ ثمَّ يعضلونها بعد انْقِضَاء الْعدة تأثما. ولحميَّة الْجَاهِلِيَّة لَا يتركونهن يتزوجهن من شئن من الْأزْوَاج. فَإِن قلت: هَذِه الْآيَة نزلت فِي قصَّة معقل بن يسَار، على مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، على مَا يَأْتِي عَن قريب، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى من رِوَايَة الْحسن عَن مقعل بن يسَار، قَالَ: كَانَت لي أُخْت تخْطب فأمنعها الحَدِيث، وَفِيه: فَأنْزل الله تَعَالَى: {فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: 232) فَقَالَ: من قَالَ: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي: أَمر الله تَعَالَى بترك عضلهن، فَدلَّ ذَلِك أَن إِلَيْهِم عقد نِكَاحهنَّ. قلت: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من وُجُوه كَثِيرَة مُخْتَلفَة، وَكَذَلِكَ ذكرت وُجُوه فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، فَمنهمْ من قَالَ: الْخطاب فِيهِ للأولياء، وَمِنْهُم من قَالَ الْخطاب: للأزواج الذيم طلقوا، وَمِنْهُم من قَالَ: الْخطاب لسَائِر النَّاس، فعلى هَذَا الأيتم بِهِ الِاسْتِدْلَال على مَا ذكرنَا. وَأَيْضًا يحْتَمل أَن يكون عضل معقل بن يسَار لأجل تزهيده وترغيبه أُخْته فِي الْمُرَاجَعَة، فتقف عِنْد ذَلِك، فَأمر بترك ذَلِك. وَقَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص، بعد أَن رُوِيَ حَدِيث معقل من رِوَايَة سماك عَن ابْن أخي معقل عَن معقل بن يسَار: إِن هَذَا الحَدِيث غير ثَابت على مَذْهَب أهل النَّقْل لِأَن فِي سَنَده رجلا مَجْهُولا، وَأما حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ فمرسل، وَأما الْآيَة فَالظَّاهِر أَنَّهَا خطاب للأزواج، كَمَا ذكرنَا.
فَدَخَلَ فِيهِ الثَّيِّبُ وكَذَلِكَ البِكْرُ

أَي: فَدخل فِي قَوْله عز وَجل: {فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: 232) الثّيّب وَالْبكْر لعُمُوم لفظ النِّسَاء، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ أَبُو عبد الله: فَدخلت فِيهِ الثّيّب وَالْبكْر، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
وَقَالَ: { (2) وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا} (الْبَقَرَة: 122)

وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن الله خَاطب الْأَوْلِيَاء ونهاهم عَن إنكاح الْمُشْركين مولياتهم المسلمات. قلت: الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله: {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} (الْمَائِدَة: 5) وَالْخطاب أَعم من أَن يكون للأولياء أَو غَيرهم، فَلَا يتم الِاسْتِدْلَال بِهِ.
وَقَالَ: { (24) وَانْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} (النُّور: 23)

لَا وَجه للاستدلال بِهِ لمن قَالَ: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، لِأَن الْمُفَسّرين قَالُوا: مَعْنَاهُ أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ زوجوا من لَا زوج لَهُ من أَحْرَار رجالكم ونسائكم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ، وَمن كَانَ فِيهِ صَلَاح من غِلْمَانكُمْ وجواربكم، والأيامى جمع أيم وَهُوَ أَعم من الْمَرْأَة كَمَا ذكرنَا لتنَاوله الرجل، فَلَا يَصح أَن يُرَاد بالمخاطبين الْأَوْلِيَاء وإلاَّ كَانَ للرجل ولي. وَقَالَ الْكرْمَانِي: خرج الرجل مِنْهُ بِالْإِجْمَاع فَبَقيَ الحكم فِي الْمَرْأَة بِحَالهِ. قلت: هَذِه عوى تحْتَاج إِلَى الْبُرْهَان.

7215 - قَالَ يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ: حَدثنَا ابنُ وهْبٍ عنْ يُونُسَ. يحيى بن سُلَيْمَان بن يحيى بن سعيد بن مُسلم بن عبيد بن مُسلم أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي المقرىء، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: قدم يحيى بن سُلَيْمَان مصر وَحدث بهَا، وَتُوفِّي بهَا سنة ثَمَان، وَيُقَال: سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ، يروي عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب، وَالْبُخَارِيّ يحْكى عَن يحيى بطرِيق النَّقْل عَنهُ بِدُونِ: حَدثنَا أَو أخبرنَا، وَلَكِن يروي عَن أَحْمد بن صَالح، وَهُوَ قَوْله:
حدَّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حَدثنَا عَنْبَسَةُ حَدثنَا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أخبرَني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ أنَّ النكاحَ فِي الجَاهِليَّةِ كانَ علَى أرْبَعَةٍ أنْحاء: فينكاحُ مِنْها نِكاحُ النَّاسِ اليَوْمَ، يخْطُبُ الرَّجُلُ ولِيَّتَهُ أَو ابْنَتَهُ فيُصْدِقُها ثُمَّ يَنْكِحُها، ونِكاحُ الآخَرِ: كانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأتِهِ إِذا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِها: أرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فاسْتَبْضِعي منْهُ ويَعْتَزلُها زَوْجُها وَلَا يَمَسُّها أبَدا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذالِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ منْهُ، فإِذَا تَبَيَّنَ حمْلُها أَصَابَهَا زَوْجُها إِذا أحَبَّ، وإِنَّما يَفْعَلُ ذالِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةٍ الوَلَد، فَكانَ هاذا النِّكاحُ نِكاحَ

(20/121)


الاسْتِبْضاعِ، ونِكاحُ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهطُ مَا دُونَ العَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ علَى المَرْأةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُها فإِذا حَمَلَتْ ووَضَعَتْ ومَرَّ علَيْها لَيالي بعْدَ أنْ تَضَعَ حَمْلَها، أرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فلَمْ يَسْتَطعْ رجُلٌ منْهُم أنْ يَمْتَنِعَ حتَّى يجتَمِعُوا عِنْدَها، تقُولُ لَهُمْ: قَدْ عرَفْتُمُ الَّذِي كانَ مِنْ أمْرِكُمُ، وقَدْ ولَدْتُ فهوَ ابْنُكَ يَا فلانَ، تُسَمِّي منْ أحَبَّتْ باسْمِهِ، فيَلْحَقُ بِهِ ولدُها لَا يَسْتَطيعُ أنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ. ونِكاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ علَى المَرْأةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جاءَها، وهُنّ البغَايا، كُنَّ يَنْصِبْنَ علَى أبْوابِهِنَّ راياتٍ تكُونُ عَلما، فمَنْ أرادَهُنَّ دخَلَ علَيْهِنَّ، فإِذَا حَمَلَتْ إحْدَاهُنَّ ووَضَعَتْ حَمْلَها جُمِعُوا لهَا ودَعَوْا لَهُمُ الْقافَةَ، ثُمَّ ألْحقُوا ولَدَها بالَّذِي يَرَوْنَ، فالْتاطَ بهِ ودُعِيَ ابْنَهُ لَا يمْتَنعُ مِنْ ذالِكَ، فلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحَقِّ هَدَمَ نِكاحَ الجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إلاَّ نِكاحَ النَّاسِ اليَوْمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مِنْهَا نِكَاح النَّاس الْيَوْم) إِلَى قَوْله: (وَنِكَاح آخر) .
وَأحمد بن صَالح أَبُو جَعْفَر الْمصْرِيّ، وعنبسة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة: ابْن خَالِد بن أخي يُونُس.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي النِّكَاح عَن أَحْمد بن صَالح بِهِ.
قَوْله: (على أَرْبَعَة أنحاء) أَي: أَرْبَعَة أَنْوَاع، وَهُوَ جمع نَحْو، يَأْتِي لمعان بِمَعْنى الْجِهَة وَالنَّوْع والمثل وَالْعلم الْمَعْرُوف فِي الْعَرَبيَّة. قَوْله: (وَابْنَته) كلمة: أَو، للتنويع لَا للشَّكّ. قَوْله: (فيصدقها) بِضَم الْيَاء وَسُكُون الصَّاد، أَي: يَجْعَل لَهَا صَدَاقا معينا. قَوْله: (وَنِكَاح الآخر) هُوَ النَّوْع الثَّانِي، وَهُوَ بِالْإِضَافَة فِي رِوَايَة، أَي: نِكَاح الصِّنْف الآخر، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: وَنِكَاح آخر، بِالتَّنْوِينِ: وَآخر، بِدُونِ الْألف وَاللَّام صفته. قَوْله: (إِذا طهرت) بِلَفْظ الغائبة. قَوْله: (من طمثها) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: من حَيْضهَا. قَوْله: (فاستبضعي) أَي: اطلبي مِنْهُ المباضعة أَي المجامعة، وَهِي مُشْتَقَّة من الْبضْع وَهُوَ الْفرج، وَوَقع فِي رِوَايَة إصبغ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: استرضعي، بالراء بدل الْبَاء الْمُوَحدَة قَالَ: رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصَّاغَانِي الأول هُوَ الصَّوَاب يَعْنِي: الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (وَلَا يَمَسهَا) أَي: وَلَا يُجَامِعهَا. قَوْله: (تستبضع مِنْهُ) أَي: من الرجل الَّذِي تستبضع الْمَرْأَة مِنْهُ أَي تطلب مِنْهُ الْجِمَاع. قَوْله: (أَصَابَهَا) أَي: جَامعهَا زَوجهَا. قَوْله: (وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك) أَي: الاستبضاع من فلَان قَوْله: (رَغْبَة) أَي: لأجل رَغْبَة (فِي نجابة الْوَلَد) من نجب ينجب إِذا كَانَ فَاضلا نفيسا فِي نَوعه، وَكَانُوا يطْلبُونَ ذَلِك اكتسابا من مَاء الْفَحْل وَكَانُوا يطلبونه من أَشْرَافهم وَرُؤَسَائِهِمْ وأكابرهم. قَوْله: (نِكَاح الاستبضاع) بِالنّصب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ، وَيجوز بِالرَّفْع على تَقْدِير: هُوَ نِكَاح الاستبضاع. قَوْله: (وَنِكَاح آخر) هُوَ النَّوْع الثَّالِث من الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة قَوْله: (يجْتَمع الرَّهْط) وَقد مر غير مرّة أَن الرَّهْط اسْم لما دون الْعشْرَة، وَلَا يكون فيهم امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الْجمع، وَإِنَّمَا قَالَ: مَا دون الْعشْرَة، احْتِرَازًا عَن قَول الْبَعْض: إِن الرَّهْط إِلَى الْأَرْبَعين. قَوْله: (كلهم يُصِيبهَا) أَي: كلهم يجامعونها وَذَلِكَ بِرِضَاهَا وبالتواطؤ بَينهم. قَوْله: (وَمر عَلَيْهَا لَيَال) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَمر لَيَال، بِدُونِ لفظ: عَلَيْهَا. قَوْله: (قد عَرَفْتُمْ) خطاب لأولئك الرِّجَال، وَفِي رِوَايَة فالتاطته وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قد عرفت، بِصِيغَة الْخطاب للْوَاحِد مِنْهُم. قَوْله: (وَقد ولدت) بِضَم التَّاء لِأَنَّهُ كَلَامهَا. قَوْله: (فَهُوَ ابْنك) الظَّاهِر أَنه إِذا كَانَ ذكرا تَقول: هُوَ ابْنك، وَيحْتَمل أَنه إِذا كَانَ بِنْتا لَا تَقول: هَذِه بنتك، لأَنهم كَانُوا يكْرهُونَ الْبَنَات، حَتَّى إِن مِنْهُم من كَانَ يقتل بنته الْحَقِيقِيَّة وَهِي الموؤدة. قَوْله: (فَيلْحق بِهِ وَلَدهَا) هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: فيلتحق بِهِ وَلَدهَا وَيلْحق أَن قرىء بِفَتْح الْيَاء يكون قَوْله وَلَدهَا مَرْفُوعا بِهِ وَإِن كَانَ بِضَم الْيَاء من الالحاق يكون فِيهِ الضَّمِير يرجع إِلَى الْمَرْأَة وَيكون وَلَدهَا مَنْصُوبًا. قَوْله: (لَا يَسْتَطِيع أَن يمْتَنع بِهِ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مِنْهُ قَوْله: (وَنِكَاح الرَّابِع) بِالْإِضَافَة وقطعها، وَوَجهه مَا ذَكرْنَاهُ عِنْد قَوْله: (وَنِكَاح الآخر) . قَوْله: (لَا تمْتَنع) أَي: الْمَرْأَة مِمَّن جاءها، ويروي: لَا تمنع من جاءها. قَوْله: (البغايا) جمع بغي، وَهِي الزَّانِيَة يُقَال: بَغت الْمَرْأَة تبغي بغيا بِالْكَسْرِ: إِذا زنت فَهِيَ بغي. قَوْله: (رايات) جمع راية. قَوْله: (تكون علما) أَي:

(20/122)


عَلامَة لمن أرادهن. قَوْله: (أرادهن) هُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره، فَمن أَرَادَ، فَقَط. قَوْله: (الْقَافة) ، وَهُوَ جمع قائف وَهُوَ الَّذِي يلْحق الْوَلَد بالوالد بالآثار الْخفية. قَوْله: (فالتاط بِهِ) أَي: فالتصق بِهِ، يُقَال: هَذَا لَا يلتاط بِهِ أَي: لَا يلتصق بِهِ، واستلاطوه أَي: استلحقوه، وأصل اللوط بِالْفَتْح اللصوق، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فالتاطه، بِغَيْر التَّاء الْمُثَنَّاة يَعْنِي: اسْتَلْحقهُ. قَوْله: (نِكَاح الْجَاهِلِيَّة) وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ: نِكَاح الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (كُله) أَي: كل مَا ذكرت عَائِشَة من أَنْوَاع الْأَنْكِحَة الثَّلَاثَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: ذكرت عَائِشَة أَرْبَعَة أنكحة وَبَقِي عَلَيْهَا أنحاء لم تذكرها. الأول: نِكَاح الخدن، وَهِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا متخذات أخدان} (النِّسَاء: 52) كَانُوا يَقُولُونَ: مَا استتر فَلَا بَأْس بِهِ وَمَا ظهر فَهُوَ لوم الثَّانِي: نِكَاح الْمُتْعَة. الثَّالِث: نِكَاح الْبَدَل، وَقد أخرج الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كَانَ الْبَدَل فِي الْجَاهِلِيَّة أَن يَقُول الرجل للرجل: إنزل لي عَن امْرَأَتك، وَأنزل لَك عَن امْرَأَتي وَأَزِيدك، وَإِسْنَاده ضَعِيف جدا.

9215 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّد حَدثنَا هِشامٌ أخْبرنا مَعْمَرٌ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبرنِي سالِمٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ أخْبرَهُ أنَّ عُمَرَ حينَ تأيمَتْ حَفْصَةُ بنْتُ عُمَرَ منِ ابنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وكانَ مِنْ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْ أهْلِ بَدْرٍ، تُوُفِّيَ بالمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لقِيتُ عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ فعَرَضْتُ علَيْهِ، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ. فَقَالَ: سأنْظُرُ فِي أمْرِي، فلَبِثْتُ لَيالِي ثُمَّ لَقِيَني فَقَالَ: بَدَا لي أنْ لَا أتَزَوَّجَ يوْمِي هاذا، قَالَ عُمَرُ: فلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فقُلْتُ: إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة كمطابقة الحَدِيث السَّابِق وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد.
والْحَدِيث قد مر بأتم مِنْهُ عَن قريب فِي: بَاب عرض الْإِنْسَان ابْنَته أَو أُخْته، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي) النّظر إِذا اسْتعْمل بِكَلِمَة: فِي، يكون بِمَعْنى التفكر، وَإِذا اسْتعْمل بِاللَّامِ يكون بِمَعْنى الرأفة، وَإِذا اسْتعْمل بِكَلِمَة: إِلَى، يكون بِمَعْنى الرُّؤْيَة، وَإِذا اسْتعْمل بِدُونِ الصِّلَة يكون بِمَعْنى الِانْتِظَار، نَحْو: انظرونا نقتبس من نوركم.

0315 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبي عَمْرو قَالَ: حدَّثنِي أبي قَالَ: حَدثنِي إبْرَاهِيمُ عنْ يُونُسَ عنِ الحَسنِ: { (4) فَلَا تعضلوهن} (النِّسَاء: 52) قَالَ: حدّثني مَعْقِلُ بنُ يَسارٍ أنَّها نزَلَتْ فِيهِ، قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتا لي مِنْ رجُلٍ فطَلَّقها، حتَّى إِذا انْقَضَتْ عدَّتُها جاءَ يَخْطُبُها، فقُلْتُ لهُ: زَوَّجْتُكَ وفرَشْتُكَ وأكْرَمْتُكَ فطَلَّقْتَها، ثمَّ

(20/123)


جِئْتُ تَخْطَبُها؟ وَوَاللَّه لَا تَعُودُ إليْكَ أبَدَا وكانَ رجُلاً لَا بأْسَ بهِ وكانَتِ المَرْأةُ تُرِيدُ أنْ ترْجعَ إليْه، فأنْزلَ الله هاذِهِ الآيةَ: { (2) فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: 232) فَقُلتُ: الآنَ أفْعلُ يَا رسُولَ الله، قَالَ: فزَوَّجَها إيَّاهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة عِنْد من لَا يرى النِّكَاح إلاَّ بولِي، وَلمن يجوز لَهَا أَن نزوج نَفسهَا بِنَفسِهَا أَن يَقُول: هَذَا الحَدِيث لَا يدل على مَا تذهبون إِلَيْهِ لِأَن قَوْله: (زوجت أُخْتا لي) لَا يدل على أَنه زَوجهَا بِغَيْر رِضَاهَا.
قَوْله: (لَا تعود إِلَيْك أبدا) خَارج مخرج الْعَادة فِي الْكَلَام الرِّجَال فِيمَن يتَعَلَّق بهم من النِّسَاء، وَأما قَوْله: {فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: 232) فَيدل عَليّ أَن الْولَايَة لَهَا مَا لَا يخفي.
وَأحمد بن أبي عَمْرو هُوَ النَّيْسَابُورِي قاضيها يكنى أَبَا عَليّ، وَقد مر فِي الْحَج وَهُوَ يرْوى عَن أَبِيه أبي عَمْرو اسْمه حَفْص بن عبد الله بن رَاشد النَّيْسَابُورِي وَهُوَ من أَفْرَاده يروي عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن يوسن بن عبيد بن دِينَار الْبَصْرِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَمَعْقِل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف: ابْن يسَار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة: ابْن عبد الله الْمُزنِيّ، سكن الْبَصْرَة وابتنى بهَا دَارا وَإِلَيْهِ ينْسب نهر معقل بِالْبَصْرَةِ، شهد بيعَة الْحُدَيْبِيَة وَتُوفِّي بِالْبَصْرَةِ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة، وَقد قيل: إِنَّه توفّي فِي أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة.
وَمر الحَدِيث فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة مُعَلّقا، وَمر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مفصلا.
قَوْله: (زوجت أُخْتا لي) اسْمهَا جميل بِالْجِيم مُصَغرًا بنت يسَار، وَقيل بِغَيْر تَصْغِير حكى الْبَيْهَقِيّ، أَن اسْمهَا ليلى، وَتَبعهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ، وَوَقع عِنْد ابْن إِسْحَاق أَن اسْمهَا فَاطِمَة، وَاسم الرجل الَّذِي تَحْتَهُ جميل أَبُو البداح بن عَاصِم بن عدي الْقُضَاعِي حَلِيف الْأَنْصَار، وَقيل: أَبُو البداح لقب غلب عَلَيْهِ وكنيته أَبُو عَمْرو، وَقيل: أَبُو بكر، وَالْأول أَكثر، وَقد اخْتلف فِي صحبته فَقيل: الصُّحْبَة لِأَبِيهِ وَهُوَ من التَّابِعين، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَذَا الحَدِيث يصحح صحبته، والبداح بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة. قَوْله: (يخطبها) من الْأَحْوَال الْمقدرَة. قَوْله: (وفرشتك) أَي: جَعلتهَا لَك فراشا، يُقَال: فرشت الرجل إِذا فرشت لَهُ. قَوْله: (وَكَانَ رجلا لَا بَأْس بِهِ) أَي: كَانَ جيدا.

73 - (بابٌ إذَا كانَ الوَلِيُّ هُوَ الخَاطِبَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا كَانَ الْوَلِيّ فِي النِّكَاح هُوَ الْخَاطِب، وَقَالَ بَعضهم: أَي هَل يُزَوّج نَفسه أم يحْتَاج إِلَى ولي آخر؟ قلت: هَذِه التَّرْجَمَة قطّ لَا تَقْتَضِي مَا قَالَه، بل الَّذِي يفهم مِنْهَا أَن الْوَلِيّ إِذا كَانَ الْخَاطِب هَل يجوز أم لَا؟ فأبهم وَلَكِن الْآثَار الَّتِي ذكرهَا تدل على الْجَوَاز أما أثر عَطاء فَإِنَّهُ يدل صَرِيحًا على أَنه يجوز، وَأما بَقِيَّة الْآثَار، فَإِن كَانَ فِيهَا أَمر الْوَلِيّ غَيره بِأَن تزَوجه فَلَيْسَ فِيهَا مَا يدل على الْمَنْع صَرِيحًا من تَزْوِيجه نَفسه، فَافْهَم.
وخَطَبَ المغِيرَةُ بنُ شُعْبَة امْرَأةً هُوَ أوْلى النّاسِ بِها، فأمَرَ رَجُلاً فَزَوَّجَهُ

هَذَا الْأَثر وَصله وَكِيع فِي مُصَنفه، وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه عَن الثَّوْريّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة وَهُوَ وَليهَا، فَجعل أمرهَا إِلَى رجل، والمغيرة أولى مِنْهُ فَزَوجهُ. وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق الشّعبِيّ وَلَفظه: أَن الْمُغيرَة خطب بنت عَمه عُرْوَة بن مَسْعُود فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبي عقيل، فَقَالَ: زوجنيها، فَقَالَ: مَا كنت لأَفْعَل، أَنْت أَمِير الْبَلَد وَابْن عَمها، فَأرْسل الْمُغيرَة إِلَى عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ فَزَوجهَا مِنْهُ، وَقد أوضح فِيهِ اسْم الرجل الميهم فِي الْأَثر الْمَذْكُور.
وَقَالَ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ لِأمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قارِظٍ: أتَجْعَلِينَ أمْرَك إلَيَّ؟ قالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ

هَذَا الْأَثر وَصله ابْن سعد من طَرِيق ابْن أبي ذئي عَن سعيد بن خَالِد أَن أم حَكِيم بنت قارظ قَالَت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِنَّه قد خطبني غير وَاحِد فَزَوجنِي أَيهمْ رَأَيْت، فَقَالَ: وتجعلين ذَلِك إِلَيّ؟ فَقَالَت: نعم. قَالَ: قد تَزَوَّجتك. قَالَ ابْن أَب ذِئْب: فَجَاز نِكَاحه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَإِدْخَال البُخَارِيّ هَذِه الصُّورَة فِي هَذِه التَّرْجَمَة مشعرة بِأَن عبد الرَّحْمَن كَانَ وَليهَا يُوَجه من وُجُوه الولايات. انْتهى. قلت: قَوْله: (أتجعلين أَمرك إِلَيّ) تَفْوِيض مِنْهَا، وَهُوَ الْوكَالَة وَلَا يفهم مِنْهُ إلاَّ أَنه وَكيل، وَلَا يفهم أَنه وَليهَا.

(20/124)


غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه يفهم مِنْهُ جَوَاز هَذَا الحكم لَيْسَ إلاَّ، وَقد ذكر ابْن سعد أم حَكِيم فِي النِّسَاء اللواتي لم يدركن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروين عَن أَزوَاجه.
وَقَالَ عطاءٌ: لِيُشْهِدْ أنِّي قَدْ نَكَحْتُكْ، أوْ لِيأْمُرْ رَجُلاً مِنْ عَشِيرَتِها

أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: ليشهد الْمَرْأَة أَن فلَانا خطبهَا وَأشْهد أَنِّي نكحتك، يُخَاطب بِهِ رجلا. قَالَ ابْن جريج لعطاء: امْرَأَة خطبهَا رجل، فَقَالَ عَطاء: ليشهد أبي قد نكحتك أَو لتأمر رجلا من عشيرتها، أَي: من قبيلتها وأوضح هَذَا عبد الرَّزَّاق رُوِيَ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: امْرَأَة خطبهَا ابْن عَم لَهَا لَا رجلَ لَهَا غَيره، قَالَ: فليشهد أَن فلَانا خطبهَا وَإِنِّي أشهدكم أَنِّي قد نكحتها، أَو لتأمر رجلا من عشيرتها. وَقَالَ الْكرْمَانِي. قَوْله: عشيرتها، يَعْنِي: تفوض الْأَمر إِلَى الْوَلِيّ الْأَبْعَد، أَو تحكّم رجلا من أقربائها، أَو يَكْتَفِي بالإشهادة، وللمجتهدين فِي مثله مَذَاهِب، وَلَيْسَ قَول بَعضهم حجَّة على الآخر. انْتهى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي الْوَجْه الأول لَيْسَ من معنى قَول عَطاء، وَلَيْسَ يُنَاسب مَعْنَاهُ إلاَّ فِي الْإِشْهَاد أَو التَّحْكِيم.
وَقَالَ سَهْلٌ: قالَتِ امْرَأةً لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهَبُ لَكَ نَفْسي. فَقَالَ رجُلٌ: يَا رسولَ الله {إِن لَمْ تَكُنْ لَكَ بِها حاجةٌ فَزَوِّجْنِيها

أَي: قَالَ سهل بن سعد، هَذَا طرف من حَدِيث الواهبة، وَقد مضى مَوْصُولا فِي: بَاب تَزْوِيج الْمُعسر، وَفِي: بَاب النّظر إِلَى الْمَرْأَة قبل التَّزْوِيج وَغَيرهمَا، وَوَصله فِي هَذَا الْبَاب بِلَفْظ آخر، وَأقر بهَا إِلَى هَذَا التَّعْلِيق رِوَايَة يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم بِلَفْظ: أَي أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله جِئْت لأهب لَك نَفسِي إِلَى قَوْله) فَقَامَ رجل من أَصْحَابه فَقَالَ) أَي رَسُول الله} إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة فزوجنيها الحَدِيث. وَوجه دُخُوله فِي هَذَا الْبَاب من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما طلب الرجل وَقَالَ لَهُ مَا قَالَ، ثمَّ زَوجهَا مِنْهُ كَأَنَّهُ خطبهَا لَهُ، وَالْحَال أَنه وَليهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولي كل من لَا ولي لَهُ.

1315 - حدَّثنا ابنُ سَلاَمٍ أخبرَنا أبُو مُعاوِيَةَ حَدثنَا هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رضيَ الله عَنْهَا فِي قَوْلِه: { (4) ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ} (النِّسَاء: 721) إِلَى آخِرِ الآيةَ، قالَتْ: هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْر الرَّجُلِ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَاله فَيَرْغَبُ عَنْها أنْ يَتَزَوَّجَها ويَكْرَهُ أنْ يُزَوِّجَها غَيْرَهُ فَيَدْخُلَ علَيْهِ فِي مالهِ فَيَحْبِسُها، فَنَهاهُمُ الله عنْ ذَلِكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فيرغب عَنْهَا أَن يَتَزَوَّجهَا) لِأَنَّهُ أَعم من أَن يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ، أَو يَأْمر غَيره فيزوجه، وَبِه احْتج مُحَمَّد بن الْحسن على الْجَوَاز، لِأَن الله عَاتب الْأَوْلِيَاء فِي تَزْوِيج من كَانَت من أهل المَال وَالْجمال بِدُونِ سنتها من الصَدَاق، وعاتبهم على ترك تَزْوِيج من كَانَت قَليلَة المَال وَالْجمال، دلّ على أَن الْوَلِيّ يَصح مِنْهُ تَزْوِيجهَا من نَفسه، إِذْ لَا يُعَاتب أحد على ترك مَا هُوَ حرَام عَلَيْهِ.
وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بن سَلام بتَشْديد اللَّام وتخفيفها، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم الضَّرِير، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

2315 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ حدّثنا فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حَدثنَا أبُو حازِمِ حَدثنَا سَهْلُ بنُ سَعْدٍ قالَ: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جُلُوسا، فَجاءَتْهُ امْرَأةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، فَخَفَّضَ فِيها النظَرَ ورفَعَهُ فلَمْ يُرِدْها، فَقَالَ رجُلٌ منْ أصْحابِهِ: زَوِّجْنِيها يَا رسولَ الله. قَالَ: أعِنْدَكَ مِنْ شَيء؟ قَالَ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْء. قَالَ: وَلَا خَاتما مِنْ حَدِيدٍ؟ قَالَ: وَلَا خَاتمًا مِنْ حَدِيدٍ، ولاكِنْ أشُقُّ بُرْدَنِي هاذِهِ

(20/125)


فاعْطِيها النِّصْفَ وآخُذُ النِّصْفَ، قَالَ: لَا! هَلْ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَها بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فَوق حَدِيث عَائِشَة فِي حَدِيث سهل، وَأحمد بن الْمِقْدَام، بِكَسْر الْمِيم: الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ، وفضيل مصغر فضل بن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
وَهَذَا الحَدِيث قد مضى مكررا بطرق مُخْتَلفَة ومتون بِزِيَادَة ونقصان.
قَوْله: (فَجَاءَتْهُ) ويروي: فَجَاءَت. قَوْله: (فخفض فِيهَا النّظر) ويروي: الْبَصَر. قَوْله: (أعندك؟) ويروي: هَل عنْدك؟ قَوْله: (فَلم يردهَا) بِضَم الْيَاء من الْإِرَادَة، وَقَالَ بَعضهم: وَحكى بعض الشُّرَّاح بِفَتْح أَوله وَتَشْديد الدَّال، وَهُوَ مُحْتَمل. قلت: هُوَ الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ هُوَ الحاكي بذلك. قَوْله: وَهُوَ مُحْتَمل، يدل على أَنه مَا يَأْخُذ كَلَامه بِالْقبُولِ.

83 - (بابُ إنْكاحِ الرَّجُلِ ولدَهُ الصِّغارَ)

أَي: هَذَا فِي بَاب فِي بَيَان جَوَاز إنكاح الرجل وَلَده الصغار، بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام جمع ولد، ويروي بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال وَهُوَ اسْم جنس يتَنَاوَل الذُّكُور وَالْإِنَاث.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { (65) واللائِي لم يحضن} (الطَّلَاق: 4) فَجَعَلَ عِدَّتَها ثَلاَثَةَ أشْهُرٍ قبْلَ البُلُوغِ

ذكره قَوْله تَعَالَى: {اللائي لم يحضن} (الطَّلَاق: 4) إِلَى آخِره فِي معرض الِاحْتِجَاج فِي جَوَاز تَزْوِيج الرجل وَلَده الصَّغِير، بَيَانه أَن الله تَعَالَى لما جعل عدتهَا ثَلَاثَة أشهر قبل الْبلُوغ دلّ ذَلِك على جَوَاز تَزْوِيجهَا قبله، قيل لَيْسَ فِي الْآيَة تَخْصِيص ذَلِك بِالْآبَاءِ وَلَا بالبكر فَلَا يتم الِاسْتِدْلَال. وَأجِيب: بِأَن الأَصْل فِي الإيضاع التَّحْرِيم إلاَّ مَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل. وَقد ورد فِي حَدِيث عَائِشَة أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، زوَّجها وَهِي دون الْبلُوغ، فَبَقيَ مَا عداهُ على الأَصْل، ولهذه النُّكْتَة أورد حَدِيث عَائِشَة فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح: وَكَأن البُخَارِيّ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الرَّد على ابْن شبْرمَة، فَإِن الطَّحَاوِيّ حكى عَنهُ أَن تَزْوِيج الْآبَاء الصغار لَا يجوز، ولهن الْخِيَار إِذا بلغن. قَالَ: وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد غَيره. وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ لشذوذه ومخالفته دَلِيل الْكتاب وَالسّنة. وَقَالَ الْمُهلب: أجمعواعلى أَنه يجوز للْأَب تَزْوِيج اينته الصَّغِيرَة الَّتِي لَا يُوطأ مثلهَا الْعُمُوم قَوْله: {واللائي لم يحضن} (الطَّلَاق: 4) فَيجوز نِكَاح من لم يخضن من أول مَا يخلقن. وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي غير الْآبَاء، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يجوز للْأَب وَلَا لغيره إنكاح الصَّغِير الذّكر حَتَّى يبلغ، فَإِن فعل فَهُوَ مفسوخ أبدا، وَاخْتَارَهُ قوم. وَفِيه دَلِيل على جَوَاز نِكَاح لَا وَطْء فِيهِ لعِلَّة بِأحد الزَّوْجَيْنِ لصِغَر أَو آفَة أَو غير إرب فِي الْجِمَاع، بل لحسن الْعشْرَة والتعاون على الدَّهْر وكفاية الْمُؤْنَة والخدمة، خلافًا لمن يَقُول: لَا يجوز نِكَاح لَا وَطْء فِيهِ، يُؤَيّدهُ حَدِيث سَوْدَة، وَقَوْلها: مَا لي فِي الرِّجَال من أرب.

3315 - حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ هِشامِ عنْ أبيهِ عنْ عائشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَزَوَّجَها بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وأُدْخِلَتْ علَيْهِ وهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ ومَكثَتْ عِنْدَهُ تِسْعا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، زوّج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنته عَائِشَة وَهِي صَغِيرَة.
وَمُحَمّد بن يُوسُف البيكندي البُخَارِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (وأدخلت) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي. قَوْله: (وَمَكَثت عِنْده) أَي: عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تسع سِنِين) . وَمَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعمرها ثَمَانِيَة عشرَة سنة. وَتوفيت عَائِشَة سنة سبع وَخمسين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة.
وَاخْتلف على هِشَام بن عُرْوَة فِي سنّ عَائِشَة حِين العقد، فَروِيَ عَنهُ سُفْيَان بن سعيد وَعلي بن مسْهر، وَأَبُو أُسَامَة وَأَبُو مُعَاوِيَة وَعباد بن عباد وَعَبدَة: سِتّ سِنِين لَا غير، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنهُ وَحَمَّاد بن زيد وجعفر بن سُلَيْمَان، فَقَالُوا: سبع سِنِين، وَطَرِيق الْجمع بَينهمَا أَنه كَانَت لَهَا سِنِين وَكسر، فَفِي رِوَايَة أسقط الْكسر وَفِي أُخْرَى أثْبته لدخولها فِي السَّبع أَو أَنَّهَا قالته تَقْديرا لَا تَحْقِيقا وَيُؤَيّد قَول من قَالَ: سبع سِنِين، مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه: تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة وَهِي بنت سبع سِنِين.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْوَقْت الَّذِي تدخل فِيهِ الْمَرْأَة على زَوجهَا إِذا اخْتلف الزَّوْج وَأهل الْمَرْأَة، فَقَالَت

(20/126)


طَائِفَة، مِنْهُم أَحْمد وَأَبُو عبيد: يدْخل وَهِي بنت تسع اتبَاعا لحَدِيث عَائِشَة، وَعَن أبي حنيفَة: نَأْخُذ بِالتسْعِ غير أَنا نقُول: إِن بلغت التسع وَلم تقدر على الْجِمَاع كَانَ لأَهْلهَا منعهَا، وَإِن لم تبلغ التسع وقويت على الرِّجَال لم يكن لَهُم منعهَا من زَوجهَا، وَكَانَ مَالك يَقُول: لَا نَفَقَة لصغيرة حَتَّى تدْرك أَو تطِيق الرِّجَال، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا قاربت الْبلُوغ وَكَانَت جسيمة تحْتَمل الْجِمَاع فلزوجها أَن يدْخل بهَا وإلاَّ منعهَا أَهلهَا حَتَّى تحتمله أَي: الْجِمَاع.

93 - (بابُ تَزْوِيجِ الأبِ ابْنَتَهُ مِنَ الإمامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَزْوِيج ابْنَته من الإِمَام أَي: الإِمَام الْأَعْظَم.
وَقَالَ عُمَرُ: خَطَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيَّ حَفْصَةَ، فأنْكَحْتُهُ

هَذَا طرف من حَدِيث عمر الَّذِي تقدم مَوْصُولا قَرِيبا. قَوْله: (إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (فأنكحته) أَي: أنكحت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة.

4315 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حَدثنَا وُهَيْبٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ: أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَزَوَّجَها وهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وبَنى بِها وهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنينَ، قَالَ هِشامٌ: وأُنْبِئْتُ أنَّها كانَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ..
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهُوَ أَن أَبَا بكر أَبَا عَائِشَة زَوجهَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الإِمَام.
وَمعلى، بتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة: ابْن أَسد الْعمي الْبَصْرِيّ، ووهيب بن خَالِد الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَهِي) الْوَاو فِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ للْحَال. قَوْله: (وأنبئت) على صِيغَة الْمَجْهُول من الإنباء وَهُوَ الْإِخْبَار، وَلم يسم من أنبأه. قيل: يشبه أَن يكون حمله على امْرَأَته فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن جدَّتهَا أَسمَاء، وَقَالَ ابْن بطال: دلّ حَدِيث الْبَاب عَليّ أَن الْأَب أولى فِي تَزْوِيج ابْنَته من الإِمَام، وَأَن السُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ، وَأَن الْوَلِيّ من شُرُوط النِّكَاح، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ دلَالَة فِيهِ على اشْتِرَاط شَيْء من ذَلِك. قلت: هَكَذَا هُوَ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَار عَمَّا ذكر فِيهِ لَيْسَ إلاَّ.