عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 04 - (بابٌ السُّلْطَانُ وَلِيٌّ لِقَوْلِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زَوَّجْناكَها بِما
مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ: أَن السُّلْطَان ولي من لَا ولي
لَهُ، وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَن السطان
ولي من لَا ولي لَهُ، وَأَجْمعُوا على أَن لَهُ أَن
يُزَوّجهَا إِذا دعت إِلَى كُفْء وَامْتنع الْوَلِيّ أَن
يُزَوّجهَا. وَاخْتلفُوا إِذا غَابَ عَن الْبكر أَبوهَا
وَعمي خَبره، وَضربت فِيهِ الْآجَال من يُزَوّجهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يُزَوّجهَا أَخُوهَا
بِإِذْنِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: يُزَوّجهَا السُّلْطَان
دون بَاقِي الْأَوْلِيَاء، وَكَذَلِكَ الثّيّب إِذا غَابَ
أقرب أوليائها. وَاخْتلفُوا فِي الْوَلِيّ من هُوَ؟
فَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ:
هُوَ الْعصبَة الَّذِي يَرث وَلَيْسَ الْخَال وَلَا الْجد
لأم وَلَا الْأُخوة للْأُم أَوْلِيَاء عِنْد مَالك فِي
النِّكَاح، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: كل من لزمَه اسْم
ولي فَهُوَ ولي يعْقد النِّكَاح وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر.
وَاخْتلفُوا فِيمَن أولى بِالنِّكَاحِ الْوَلِيّ أَو
الْوَصِيّ؟ فَقَالَ بيعَة وَمَالك وَأَبُو حنيفَة
وَالثَّوْري: الْوَصِيّ أولى، وَقَالَ الشَّافِعِي:
الْوَلِيّ أولى وَلَا ولَايَة للْوَصِيّ على الصَّغِير،
وَقَالَ ابْن حزم: وَلَا إِذن للْوَصِيّ فِي إنكاح أصلا
لَا لرجل وَلَا لامْرَأَة صغيرين كَانَا أَو كبيرين.
قَوْله: (لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ذكرع
فِي معرض الِاحْتِجَاج على أَن السُّلْطَان ولي من لَا ولي
لَهُ، ويروي: بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بِالْبَاء الْمُوَحدَة مَوضِع اللَّام، قَوْله:
(زَوَّجْنَاكهَا) بنُون الْجمع للتعظيم، كَذَا فِي
رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: زوجتكها،
بِالْإِفْرَادِ.
5315 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ
أبي حازِمٍ عنْ سهْلٍ سَعْدٍ قَالَ: جاءَتِ امْرَأةٌ إلَى
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ: إنِّي
وهَبْتُ منْ نَفْسِي، فَقامَتْ طَوِيلاً، فَقَالَ رجُلٌ:
زَوِّجْنِيها إنْ لَمْ تَكُنْ بِها حاجَةٌ. قَالَ: هلْ
عِنْدكَ مِنْ شَيْءٌ تُصْدِقُها؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إلاَّ
إزَارِي. فَقَالَ: إنْ أعْطَيْتَها إيَّاهُ
(20/127)
جلسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فالْتَمِسْ
شَيْئا. فَقَالَ: مَا أجِدُ شَيْئا. فَقَالَ: الْتَمِسْ
ولوْ خاتَما مِنْ حَدِيدٍ، فَلَمْ يجدْ، فَقَالَ: أمَعكَ
مِن القُرْآنِ شَيءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ سورَةُ كَذَا وسورَةُ
كَذَا لِسْوَرٍ سَمَّاها. فَقَالَ: زَوَّجْناكَها بِمَا
مَعَك مِنَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث قد مر غير
مرّة، وَمر الْكَلَام فِيهِ قَرِيبا وبعيدا.
قَوْله: (إِنِّي وهبت من نَفسِي) كلمة: من، زَائِدَة،
وَجوز الْكُوفِيُّونَ زيادتها فِي الْمُثبت وَقِيَاسه:
وهبت لَك، ويروي: وهبت مِنْك نَفسِي. قَالَ النَّوَوِيّ:
وَكَذَلِكَ: من، هُنَا زَائِدَة.
14 - (بابٌ لاَ يُنْكِحُ الأبُ وغَيْرُهُ البِكْرَ
والثَّيِّبُ إلاَّ يرضاها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَنه لَا ينْكح الْأَب إِلَى
آخِره، وينكح بِضَم الْيَاء من الْإِنْكَاح، وَالْأَب
بِالرَّفْع فَاعله، وَغَيره عطف عَلَيْهِ أَي: وَغير
الْأَب من الْأَوْلِيَاء. قَوْله: الْبكر، مَنْصُوب على
المفعولية، وَالثَّيِّب عطف عَلَيْهِ.
6315 - حدَّثنا مُعاذُ بنُ فَضالَة حَدثنَا هِشامٌ عنْ
يَحْيَى اعنْ أبي سلَمَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
حدَّثُهُمْ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتّى تُسْتَأْمَر، وَلَا تُنْكَحُ
البِكْرُ حتّى تُسْتأذنَ. قَالُوا: يَا رسُولَ الله
{وكيْفَ إِذْنُها؟ قَالَ: أنْ تَسْكُتَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومعاذ، بِضَم الْمِيم
وبالعين الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة: ابْن فضَالة،
بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة،
وَهِشَام هُوَ الدستوَائي، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير،
وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ترك الْحِيَل عَن
مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن
القواريري. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن
عبد الْأَعْلَى.
قَوْله: (لَا تنْكح) على صِيغَة الْمَجْهُول. والأيم قد مر
تَفْسِير. قَوْله: (حَتَّى تستأمر) من الاستئمار، وَهُوَ
طلب الْأَمر، وَقيل: الْمُشَاورَة. قَوْله: (حَتَّى
تستأذن) أَي: حَتَّى يطْلب مِنْهَا الْإِذْن. قَوْله: (لَا
تنْكح الأيم) المُرَاد بِهِ الثّيّب هُنَا بِقَرِينَة
قَوْله: (وَلَا تنْكح الْبكر) وَإِن كَانَ الأيم يتَنَاوَل
الثّيّب وَالْبكْر، وَبِهَذَا احْتج أَبُو حنيفَة على أَن
الْوَلِيّ لَا يجْبر الثّيّب وَلَا الْبكر على النِّكَاح
فالثيب تستأمر وَالْبكْر تستأذن، وَالْمَرْأَة الْبَالِغَة
الْعَاقِلَة، إِذا زوجت نَفسهَا من غير ولي ينفذ نِكَاحهَا
عِنْده، وَعند أبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد يتَوَقَّف على
إجَازَة الْوَلِيّ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد:
لَا ينْعَقد بِعِبَارَة النِّسَاء أصلا لقَوْله صلى الله
تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي.
والْحَدِيث الْمَذْكُور حجَّة عَلَيْهِم، وَمر الْكَلَام
فِي حَدِيث: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، مُسْتَوفى، خلاصته
أَنه: لَيْسَ بمتفق عَلَيْهِ فَلَا يُعَارض مَا اتّفق
عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ وَيحيى بن معِين:
لم يَصح فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث، يَعْنِي فِي اشْتِرَاط
الْوَلِيّ. فَإِن قلت: رُوِيَ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث
الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت
بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، فنكاحها بَاطِل.
الحَدِيث. قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قد تكلم بعض أهل
الحَدِيث فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ. قَالَ ابْن جريج: ثمَّ
لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته فَأنْكر. وضعفوا هَذَا
الحَدِيث من أجل هَذَا. فَإِن قلت: قَالَ الرمذي هَذَا
حَدِيث حسن. قلت: من أَيْن لَهُ الْحسن وَقد أنكرهُ
الزُّهْرِيّ؟ فَإِن قلت: إِنْكَاره لَا يعين التَّكْذِيب
بل يحْتَمل أَنه رَوَاهُ فنسيه إِذْ كل مُحدث لَا يحفظ مَا
رَوَاهُ. قلت: إِذا احْتمل التَّكْذِيب وَالنِّسْيَان
فَلَا يبْقى حجَّة، وَيلْزم المحتج بِهِ أَن يَقُول
بِمَفْهُوم الْخطاب وَمَفْهُوم هَذَا يَقْتَضِي صِحَة
النِّكَاح بِإِذن الْوَلِيّ فَلَا تَقول بِهِ.
7315 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ الرَّبِيعِ بن طارقٍ قَالَ:
أخبرنَا الليْثُ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عَنْ أبي عَمْرو
مَوْلَى عائِشةَ عَن عَائِشَة أنَّها قالَتْ: يَا رسولَ
الله} إنَّ البِكْرَ تَسْتَحَي؟ قَالَ: رِضَاها صَمْتُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: وَلَا تنْكح الْبكر حَتَّى تستأذن. قَالُوا:
يَا رَسُول الله إِن الْبكر تَسْتَحي؟ قَالَ: رِضَاهَا
(20/128)
صمتها، وَلم يجوز الْإِجْبَار عَلَيْهَا،
والضحك رضَا دلَالَة، فَإِنَّهُ عَلامَة السرُور والفرح
بِمَا سَمِعت. وَقيل: إِذا ضحِكت كالمستهزئة لم رضَا
بِخِلَاف مَا إِذا بَكت فَإِنَّهُ دَلِيل السخط والكراهية.
وَعَمْرو بن الرّبيع بن طَارق الْهِلَالِي الْمصْرِيّ،
مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَابْن أبي مليكَة
هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة زُهَيْر
الْمَكِّيّ الْأَحول القَاضِي على عبد بن الزبير، وَأَبُو
عَمْرو مولى عَائِشَة، وخادمها واسْمه ذكْوَان، قد دَبرته
وَكَانَ من أفْصح الْقُرَّاء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
إِسْحَاق بن مَنْصُور.
قَوْله: (إِن الْبكر تَسْتَحي) بِخِلَاف الثّيّب لِأَن
كَمَال حيائها قد زَالَ بممارسة الرِّجَال. قَوْله:
(رِضَاهَا صمتها) أَي: سكُوتهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن
جريج: قَالَ: سكُوتهَا إِذْنهَا، وَفِي لفظ لَهُ قَالَ:
إِذْنهَا صماتها، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن
جريج أَيْضا قَالَ: فَكَذَلِك إِذْنهَا إِذا هِيَ سكتت.
24 - (بابٌ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وهْيَ كارهَةٌ
فَنِكاحُهَا مَرْدُودٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا زوج ابْنَته وَالْحَال
أَنَّهَا كارهة فنكاحها مَرْدُود، وَقَوله: ابْنَته،
يَشْمَل الْبكر وَالثَّيِّب. قيل: هَذِه التَّرْجَمَة
مُخَالفَة للتَّرْجَمَة السَّابِقَة حَيْثُ قَالَ: بَاب
نِكَاح الرجل وَلَده الصغار، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بنته
الْبَالِغَة، يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَهِي كارهة، لِأَن
هَذِه الصّفة للبالغات.
8315 - حدَّثنا إسْمااعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَن
عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسمِ عَن أبيهِ عَن عَبْدِ
الرَّحْمنِ ومُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بنِ جاريَةَ عَن
خَنْساءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصارِيَّةِ: أنَّ أبَاهَا
زَوَّجَها وهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأتَتْ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَدَّ نِكاحَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي أويس ابْن أُخْت مَالك، وَمَالك يروي عَن عبد
الرَّحْمَن وَهُوَ يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم وَالقَاسِم
يروي عَن عبد الرَّحْمَن وأخيه مجمع، بِضَم الْمِيم وَفتح
الْجِيم وَكسر الْمِيم فِي آخِره عين مُهْملَة، وهما ابْنا
يزِيد بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف ابْن جَارِيَة بِالْجِيم
ابْن عَامر بن العطاف الْأنْصَارِيّ الأوسي من بني عَمْرو
بن عَوْف، وَهُوَ ابْن أخي مجمع بن جَارِيَة الصَّحَابِيّ
الَّذِي جمع الْقُرْآن فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَمِنْه قيل: إِن الْمجمع بن يزِيد صُحْبَة،
وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لِعَمِّهِ مجمع بن
جَارِيَة، وَلَيْسَ لمجمع بن يزِيد فِي البُخَارِيّ سوى
هَذَا الحَدِيث، وَقد قرنه فِيهِ بأَخيه عبد الرَّحْمَن بن
يزِيد وَعبد الرَّحْمَن ولد فِي زمن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا ذكره العسكري وَغَيره، وَهُوَ أَخُو
عَاصِم بن عمر بن الْخطاب لأمه، وَقَالَ ابْن سعد: ولي
الْقَضَاء لعمر بن عبد الْعَزِيز لما كَانَ أَمِير
الْمَدِينَة، وَمَات سنة ثَلَاث وَتِسْعين، وَقيل: سنة
ثَمَان، وَوَثَّقَهُ جمَاعَة، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ
سوى هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: (عَن خنساء) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة وَالْمدّ: (بنت
خذام) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الذَّال
الْمُعْجَمَة، وَقيل: اسْم أَبِيه وَدِيعَة، وَالصَّحِيح
أَن اسْم أَبِيه خَالِد، ووديعة اسْم جده، وَقَالَ أَبُو
عمر: خنساء بنت خذام بن وَدِيعَة الْأَنْصَارِيَّة من
الْأَوْس، وَفِي التَّوْضِيح: خنساء اسْمهَا زَيْنَب بنت
خذام، وَفِي رِوَايَة لأبي مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي
كِتَابه: اسْمهَا ربعَة بدل خنساء وَاسْتَغْرَبَهُ، وَفِي
رِوَايَة أم ربعَة، ولعلها كنيتها، وَكَانَ خذام من أهل
مَسْجِد الضرار وَمن دَاره أخرج، وَوَقع فِي طَرِيق
مُحَمَّد بن إِسْحَاق: خناس، بِضَم الْخَاء وَتَخْفِيف
النُّون على وزن فلَان، وَهُوَ مُشْتَقّ من خنساء كَمَا
يُقَال زناب فِي زَيْنَب. قَوْله: (أَن أَبَاهَا زَوجهَا
وَهِي ثيب) ، وَوَقع فِي رِوَايَة الثَّوْريّ: (أَن
أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي بكر) ، وَقَالَ أَبُو عمر: وَذكر
ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ عَن عبد الرَّحْمَن بن
الْقَاسِم عَن عبد الله بن يزِيد بن وَدِيعَة عَن خنساء
بنت خذام أَنَّهَا كَانَت يَوْمئِذٍ بكرا، وَالصَّحِيح نقل
مَالك فِي ذَلِك، وَرُوِيَ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن
سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجحشي عَن أبي بكر بن مُحَمَّد:
أَن رجلا من الْأَنْصَار تزوج خنساء بنت خذام فقُتل
عَنْهَا يَوْم أحد فَأَنْكحهَا أَبوهَا رجلا، فَأَتَت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن أبي
أنكحني وَإِن عَم وَلَدي أحب إِلَيّ، فَهَذَا يدل على
أَنَّهَا ولدت من زَوجهَا الأول، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ
واسْمه بن قَتَادَة وَقيل اسْمه، وَأَنه اسْتشْهد ببدر
وروى الدارقذني والذبراني من طَرِيق هشيم عَن عَمْرو بن
أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة: أَن خنساء بنت
خذام زَوجهَا أَبوهَا وَهِي كارهة فَأَتَت النَّبِي
(20/129)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد نِكَاحهَا،
وَلم يقل فِيهِ: بكرا وَلَا ثَيِّبًا، قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ أَبُو عوَانَة عَن عمر مُرْسلا،
وَلم يذكر أَبَا هُرَيْرَة.
وَقد جَاءَت أَحَادِيث بِمثل حَدِيث خنساء، مِنْهَا:
حَدِيث عَطاء عَن جَابر أَن رجلا زوج ابْنَته بكرا وَلم
يستأذنها، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفرق
بَينهمَا، وَأخرجه النَّسَائِيّ، وَقَالَ: الصَّحِيح
إرْسَاله، وَالْأول وهم. وَمِنْهَا: أَن ابْن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، تزوج ابْنة خَاله وَأَن عَمها
هُوَ الَّذِي زَوجهَا الحَدِيث، وَفِيه: فَأَتَت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد نِكَاحهَا، أخرجه
الدَّارَقُطْنِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن
جَارِيَة بكرا أنْكحهَا أَبوهَا وَهِي كارهة، فَخَيرهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد بِإِسْنَادِهِ على شَرط الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ
أَبُو دَاوُد: وَالصَّحِيح مُرْسل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم:
رَفعه خطأ، وَقَالَ ابْن حزم: صَحِيح فِي غَايَة
الصِّحَّة. وَلَا معَارض لَهُ وَابْن الْقطَّان صَححهُ،
وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِحَدِيث الْبَاب وبهذه
الْأَحَادِيث على أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ إِجْبَار الْبكر
الْبَالِغَة على النِّكَاح. وَفِي التَّوْضِيح: إتفق
أَئِمَّة الْفَتْوَى بالأمصار على أَن الْأَب إِذا زوج
ابْنَته الثّيّب بِغَيْر رِضَاهَا أَنه لَا يجوز وَيرد
احتجاجا بِحَدِيث خنساء وَغَيره، وشذا الْحسن الْبَصْرِيّ
وَالنَّخَعِيّ فخالفا الْجَمَاعَة، فَقَالَ الْحسن: نِكَاح
الْأَب جَائِز على ابْنَته بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا كرهت
أَو لم تكره، وَقَالَ النَّخعِيّ: إِن كَانَت الْبِنْت فِي
عِيَاله زوّجها وَلم يستأمرها، وَإِن لم تكن فِي عِيَاله
أَو كَانَت نائية عَنهُ استأمرها، وَلم يتلفت أحد من
الْأَئِمَّة إِلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ لمخالفتهما السّنة
الثَّابِتَة فِي خنساء وَغَيرهَا.
وَاخْتلف الْأَئِمَّة الْقَائِلُونَ بِحَدِيث خنساء
بِغَيْر إِذْنهَا ثمَّ بلغَهَا فأجازت، فَقَالَ
إِسْمَاعِيل القَاضِي: أصل قَول مَالك: إِنَّه لَا يجوز
وَإِن أجازته إلاَّ أَن يكون بِالْقربِ كَأَنَّهُ فِي
فَور، وَيبْطل إِذا بعد لِأَن عقده بِغَيْر أمرهَا لَيْسَ
بِعقد وَلَا يَقع فِيهِ طَلَاق. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ:
إِذا أجازته جَازَ إِذا أبطلته بَطل. وَقَالَ الشَّافِعِي
وَأحمد وَأَبُو ثَوْر: إِذا زَوجهَا بِغَيْر إِذْنهَا
فَالنِّكَاح بَاطِل وَإِن رضيته لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رد نِكَاح خنساء وَلم يقل: إلاَّ أَن
تحيزه، وَاسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، على إبِْطَال النِّكَاح الْمَوْقُوف على إجَازَة من
لَهُ الْإِجَازَة، وَهُوَ أحد قولي مَالك، وَاسْتدلَّ بِهِ
الْخطابِيّ على أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فِي قَوْله: لَا يُزَوّج الْبكر الْبَالِغ إلاَّ
بِرِضَاهَا، وَذَلِكَ أَن الثيوبة إِنَّمَا ذكرت هُنَا
ليعلم أَنَّهَا عِلّة الحكم. قلت سُبْحَانَ الله!
مَقْصُوده هَؤُلَاءِ وَمُجَرَّد الْحَط على أبي حنيفَة،
وَذَلِكَ أَن الثيوبة إِذا كَانَت عِلّة فَلم لَا يجوز أَن
تكون الْبكارَة أَيْضا عِلّة؟ وَالْحَال أَنَّهَا ذكرت
أَيْضا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَجَاء أَيْضا بِدُونِ
هذَيْن القيدين، كَمَا ذكرنَا، وَلَا نسلم أَيْضا أَن
الْعلَّة فِي الرَّد هِيَ الثيوبة أَو الْبكارَة،
وَالظَّاهِر أَن الْعلَّة هِيَ كَرَاهَة الْمَنْكُوحَة.
9315 - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا بَزِيدُ أخبرَنا يحْياى
أنَّ القاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ حدَّثهُ أنَّ عبْدَ
الرَّحْمانِ بنَ يَزِيدَ ومُجَمِّعَ بن يَزِيدَ حدَّثاهُ:
أنَّ رجُلاً يُدْعَى خِذَاما أنْكَح ابْنَةً لهُ:
نَحْوَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
إِسْحَاق، قَالَ بَعضهم: هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَقيل:
ابْن مَنْصُور نسبه صَاحب التَّوْضِيح إِلَى اليجاني،
وَيزِيد بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف هُوَ ابْن هَارُون،
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ. وَأخرجه أَحْمد عَن
يزِيد بن هَارُون بِهَذَا الْإِسْنَاد: أَن رجلا مِنْهُم
يدعى خذاما أنكح ابته فَكرِهت نِكَاح أَبِيهَا، فَأَتَت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَرد
عَنْهَا نِكَاح أَبِيهَا فَتزوّجت أَبَا لبَابَة بن عبد
الْمُنْذر. قَوْله: (نَحوه) أَي: نَحْو الحَدِيث
الْمَذْكُور.
34 - (بابُ تَزْوِيجِ اليَتِيمَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم تَزْوِيج الْيَتِيمَة.
{ (4) وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى
فانكحوا} (النِّسَاء: 3) .
فِي أَكثر النّسخ لقَوْله عز وَجل: {وَإِن خِفْتُمْ}
(النِّسَاء: 3) ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه لِأَنَّهُ ذكر
هَذِه الْقطعَة من الْآيَة فِي معرض الِاحْتِجَاج، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء.
وإذَا قَالَ لِلْوَليِّ: زَوَّجْنِي فُلانَةَ، فَمَكُثَ
ساعَةً أوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا
وكذَا، أوْ لَبِثا ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَها، فَهْوَ
جائِزٌ
(20/130)
يَعْنِي: إِذا قَالَ رجل لوَلِيّ من لَهُ
عَلَيْهَا الْولَايَة: إِلَى آخِره، وَهَذِه ثَلَاث صور:
الأولى: أَن يَقُول زَوجنِي فُلَانَة ثمَّ مكث الْوَلِيّ
سَاعَة. الثَّانِيَة: أَن يَقُول لَهُ: زوجنى فُلَانَة،
وَقَالَ الْوَلِيّ: مَا مَعَك حَتَّى تصدق؟ فَقَالَ: معي
كَذَا وَكَذَا، وَذكر شَيْئا مِمَّا يصدق بِهِ.
الثَّالِثَة: أَن يلبث كِلَاهُمَا بعد هَذَا القَوْل، ثمَّ
قَالَ الْوَلِيّ: زوجتكها، فَهُوَ جَائِز فِي الصُّور
الْمَذْكُورَة، وَالْحَاصِل أَنه التَّفْرِيق إِذا كَانَ
بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الْمجْلس لَا يضر وَإِن
تخَلّل بَينهمَا، كَلَام، وَإِذا حصل الْإِيجَاب فِي
مجْلِس وَالْقَبُول فِي آخر لَا يجوز العقد قيل: أَخذ
هَذَا من حَدِيث الْبَاب فِيهِ نظر، لِأَن قصَّته وَاقعَة
عين فيطرقها احْتِمَال أَن يكون قبل عقيب الْإِيجَاب.
فِيهِ سَهْلٌ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث سهل بن سعد، وَفِيه قَالَ
رجل: زوجنيها إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة الحَدِيث
بِطُولِهِ، وَفِي آخِره: ملكتكها أَو زوجتكها، وَجرى بَين
قَوْله: زوجينها وَبَين قَوْله، عَلَيْهِ السَّلَام:
زوجتكها، أَشْيَاء كَثِيرَة كَمَا ذكرهَا فِي الحَدِيث
وَلم يضر ذَلِك لِاتِّحَاد الْمجْلس.
0415 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن
الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ اللَيْث: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابْن
شِهابٍ أخْبَرني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَأَلَ
عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ لَها يَا أُمَّتاهْ:
{ (4) وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى}
إِلَى { (4) مَا ملكت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 3) قالَتْ
عائِشَةُ: يَا ابنَ أُخْتِي! هذِهِ اليَتِمَةُ تَكُونُ فِي
حَجْرِ ولِيِّها فَيَرْغَبُ فِي جمَالِها ومالِها ويُرِيدُ
أنْ يَنْتَقصَ مِنْ صَدَاقِها، فَنُهُوا عنْ نِكاحِهِنَّ
إلاَّ أنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إكمالِ الصَّدَاقِ،
وأُمِرُوا بِنِكاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّساءِ،
قالَتْ: عائِشَةُ: اسْتَفْتَى النَّاسُ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعْدَ ذلِكَ فأنْزَلَ الله: { (4)
ويستفتونك فِي النِّسَاء} إِلَى { (4) وترغبون}
(النِّسَاء: 721) فأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ لَهُمْ فِي
هاذِهِ الآيَةِ: أنَّ اليَتِيمَةَ إذَا كانَتْ ذَاتَ مالٍ
وجَمالِ رغِبُوا فِي نِكاحِها ونَسَبِها، والصَّدَاقِ،
وإذَا كانَتْ مَرْغُوبا عَنْها فِي قِلَّةِ المالِ
والجَمالِ تَرَكُوها وأخذُوا غَيْرَها مِنَ النِّساءِ،
قالَتْ: فَكَما يَتْرُكُونَها حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْها
فَليْسَ لَهُمْ أنْ يَنْكِحُوها إِذا رَغبُوا فِيها إلاَّ
أَن يُقْسِطُوا لَها ويُعْطُوها حَقَّها الأوْفَى مِنَ
الصَّدَاقِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهُوَ
أَن حكم الْيَتِيمَة فِي التَّزَوُّج بهَا مَا ذكره فِيهِ.
وَأخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن
أبي حَمْزَة إِلَخ، وَقد مر هَذَا الحَدِيث مكررا فِي
سُورَة النِّسَاء وَغَيرهَا فِي كتاب النِّكَاح، وَتقدم
طَرِيق اللَّيْث مَوْصُولا فِي: بَاب الْأَكفاء فِي
المَال، وسَاق الْمَتْن هُنَاكَ على لَفظه وَهنا على لفظ
شُعَيْب، وَقد أفرده بِالذكر فِي كتاب الْوَصَايَا.
44 - (بابٌ إذَا قَالَ الخاطِبُ لِلْولِيِّ: زَوِّجْنِي
فُلاَنَةَ، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بكَذَا وكذَا، جازَ
النِّكاحُ وإنْ لَمْ يَقُلْ لِلزَّوْج: أرَضِيت أوْ
قَبِلْتَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا قَالَ الْخَاطِب
لوَلِيّ الْمَرْأَة إِلَخ. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
إِذا قَالَ الْخَاطِب: زَوجنِي، بِدُونِ لفظ للْوَلِيّ.
قَوْله: (وَإِن لم يقل) أَي: الْوَلِيّ للزَّوْج أَي:
الْخَاطِب، وَقَالَ الْمُهلب: توقف الْخَاطِب على الرِّضَا
لَيْسَ فِي كل نِكَاح، بل يسْأَل أرضي بِالصَّدَاقِ
وَالشّرط أم لَا؟ إلاَّ أَن يكون مثل هَذَا الْمُعسر
الرَّاغِب فِي النِّكَاح فَلَا يحْتَاج إِلَى توقفه على
الرِّضَا لعلمهم بِهِ.
1415 - حدَّثنا أَبُو النُّعْمانِ حدّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلٍ بنِ سَعْدٍ، رَضِي
(20/131)
الله عَنهُ، أنَّ امْرَأَةً أتَتِ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَرَضَتْ عَليْهِ نَفْسَها،
فَقَالَ: مالِي اليَوْمَ فِي النِّساءِ منْ حاجَةٍ،
فَقَالَ رجلٌ يَا رسولَ الله! زَوِّجْنيها. قَالَ: مَا
عِنْدَكَ؟ قَالَ: مَا عِنْدي شَيْءٌ. قَالَ: أعْطِها ولوْ
خَاتمًا منْ حَدِيدٍ. قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ:
فَما عِنْدَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: كَذَا وكَذَا،
قَالَ: فَقَدْ مَلَّكْتُكَها بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَقَالَ رجل)
إِلَخ، وَلَا يخفي ذَلِك على الفطن.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَبُو
حَازِم سَلمَة بن دِينَار، وَقد مر حَدِيث سهل بن سعد
مرَارًا عديدة، وَلَكِن فِي هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ:
(مَالِي الْيَوْم فِي النِّسَاء من حَاجَة) قيل: فِيهِ
إِشْكَال من جِهَة أَن فِيهِ: سعد النّظر إِلَيْهَا
وَصَوَّبَهُ، فَهَذَا دَلِيل على أَنه كَانَت لَو حَاجَة،
وَأجِيب بِاحْتِمَال أَن جَوَاز النّظر من خَصَائِصه وَإِن
لم يرد التَّزَوُّج.
54 - (بابٌ لَا يَخْطُبُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ حَتَّى
يَنْكحَ أوْ يَدَعَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان لَا يخْطب الرجل على خطْبَة
أَخِيه، والخطية بِكَسْر الْخَاء من خطبت الْمَرْأَة
خطْبَة، وبالضم فِي الْوَعْظ وَغَيره. قَوْله: (أَو يدع)
أَي: أَو يتْرك، وَذكره فِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة
بِلَفْظ: وَيتْرك، على مَا يَأْتِي. وَأخرجه مُسلم من
حَدِيث عقبَة بن عَامر: حَتَّى يذر، وَهُوَ بِمَعْنى:
يتْرك، أَيْضا.
2415 - حدَّثنا مَكِيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا ابنُ
جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نافِعا يُحَدِّثُ أنَّ ابنَ
عُمَرَ، رضيَ الله عَنْهُمَا، كانَ يقُولُ: نهَى النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ يَبِيعَ بعْضُكُمْ علَى
بيْعِ بعْضٍ وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ
أخِيهِ حتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أوْ يأذنَ لهُ
الخَاطِبُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي شقة الثَّانِي، ومكي بن
إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد، وَيُقَال: ابْن فرقد بن بشير
البرجمي التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، يكنى أَبَا
السكن، قَالَ البُخَارِيّ: توفّي سنة أَربع عشرَة أَو خمس
عشرَة وَمِائَتَيْنِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ومكي بِلَفْظ
الْمَنْسُوب إِلَى مَكَّة المشرفة. قلت: ظَنّه مَنْسُوبا
وَلم يدر أَنه اسْمه، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز بن جريج، والشطر الأول من الحَدِيث قد مر فِي
كتاب الْبيُوع فِي: بَاب لَا بيع على بيع أَخِيه من حَدِيث
ابْن عمر مُخْتَصرا أَو مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَمر
فِيهِ بِكَمَالِهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَوْله وَلَا
يخْطب بِالنّصب وَلَا زَائِدَة وبالرفع نفيا وبالكسر نهيا
بِتَقْدِير قَالَ مُقَدرا عطفا على نهي أَي نهى وَقَالَ
لَا يخْطب قَوْله أَخِيه يتَنَاوَل الْأَخ النسبي والرضاعي
والديني قَوْله أَو يَأْذَن لَهُ الْخَاطِب أَي حَتَّى
يَأْذَن الأول للثَّانِي وَقيل هَذَا النَّهْي مَنْسُوخ
بِخطْبَة الشَّارِع لأسامة فَاطِمَة بنت قيس على خطْبَة
مُعَاوِيَة وَأبي جهم وفقهاء الْأَمْصَار على عدم النّسخ
وَأَنه بَاقٍ وخطبة الشَّارِع كَانَت قبل النَّهْي وَأغْرب
أَبُو سُلَيْمَان فَقَالَ إِن هَذَا النَّهْي للتأديب لَا
للتَّحْرِيم وَنقل عَن أَكثر الْعلمَاء أَنه لَا يبطل
وَعند دَاوُد بطلَان نِكَاح الثَّانِي وَالْأَحَادِيث
دَالَّة على إِطْلَاق التَّحْرِيم وَقد أخرج مُسلم من
حَدِيث عقبَة بن عَامر أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ لَا يحل لمُؤْمِن أَن يخْطب على خطْبَة
أَخِيه حَتَّى يذر وَلَا يحل لَهُ أَن يبْتَاع على بيع
أَخِيه حَتَّى يذر وَهُوَ قَول ابْن عمر وَعقبَة بن عَامر
وَابْن هُرْمُز وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ اخْتلف
عُلَمَاؤُنَا هَل الْحق فِيهِ لله عز وَجل أَو للخاطب
فَقيل بِالْأولِ فيتحلل فَإِن لم يفعل فَارقهَا قَالَه
ابْن وهب وَقيل أَن النَّهْي فِي حَال رضَا الْمَرْأَة
بِهِ وركونها إِلَيْهِ وَبِه فسر فِي الْمُوَطَّأ دون مَا
إِذا لم يركن وَلم يتَّفقَا على صدَاق وَقَالَ أَبُو عبيد
هُوَ وَجه الحَدِيث وَبِه يَقُول أهل الْمَدِينَة وَأهل
الْعرَاق وَاسْتثنى ابْن الْقَاسِم من النَّهْي مَا إِذا
كَانَ الْخَاطِب فَاسِقًا وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ
وَاسْتثنى ابْن الْمُنْذر فِيمَا إِذا كَانَ الأول
كَافِرًا وَهُوَ خلاف قَول الْجُمْهُور والْحَدِيث خرج على
الْغَالِب وَلَا مَفْهُوم لَهُ وَقَالَ ابْن نَافِع يخْطب
وَإِن رضيت بِالْأولِ حَتَّى يتَّفقَا على صدَاق وَخَطأَهُ
ابْن حبيب وَقَالَت الشَّافِعِيَّة والحنابلة مَحل
التَّحْرِيم مَا إِذا صرحت المخطوبة أَو وَليهَا الَّذِي
أَذِنت لَهُ حَيْثُ يكون إِذْنهَا مُعْتَبرا بالإجابة
فَلَو وَقع التَّصْرِيح بِالرَّدِّ فَلَا تَحْرِيم وَلم
يعلم الثَّانِي بِالْحَال فَيجوز الهجوم على الْخطْبَة
لِأَن الأَصْل الْإِبَاحَة وَعند الْحَنَابِلَة فِي ذَلِك
رِوَايَتَانِ وَإِن وَقعت الْإِجَابَة بالتعريض كقولها لَا
رَغْبَة عَنْك فَقَوْلَانِ عِنْد الشَّافِعِيَّة الْأَصَح
وَهُوَ قَول الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة لَا يحرم
أَيْضا وَإِذا لم ترد وَلم تقبل فَيجوز -
(20/132)
3415 - حدَّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ
حَدثنَا الليْثُ عنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةِ عنِ الأعْرَجِ
قَالَ: قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ يأثُرُ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إيّاكُمْ والظَّنَّ فإنَّ الظنَّ
أكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا
وَلَا تَباغَضُوا وكُونُوا عبادَ الله إخْوَانا. وَلَا
يخْطُبُ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخيهِ حَتَّى يَنْكِحَ
أوْ يَتْرُكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا يخْطب) إِلَى
آخِره. والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يأثر أَي) يروي من أثرت الحَدِيث آثره بِالْمدِّ
أثرا بِفَتْح أَوله وَسُكُون الثَّانِي إِذا ذكرته عَن
غَيْرك. قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالظَّن) تحذير مِنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: التحذير عَن الظَّن إِنَّمَا هُوَ
فِيمَا يجب فِيهِ الْقطع والتحديث مَعَ الِاسْتِغْنَاء
عَنهُ، وَقَالَ ابْن التِّين: يُرِيد بِهِ أَن تحقق الظَّن
قد يُوقع بِهِ فِي الْإِثْم، قيل: (وَإِيَّاكُم وَالظَّن)
تحذير مِنْهُ وَالْحَال أَنه يجب على الْمُجْتَهد
مُتَابعَة ظَنّه، وَكَذَا على مقلده. وَأجِيب بِأَن ذَلِك
من أَحْكَام الشَّرِيعَة، وَقيل: إِحْسَان الظَّن بِاللَّه
عز وَجل وبالمسلمين وَاجِب، وَأجِيب بِأَن هَذَا تحذير من
ظن السوء بهم، وَقيل: الْجَزْم سوء الظَّن وَهُوَ ممدوح،
وَأجِيب بِأَن ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَال نَفسه
وَمَا يتَعَلَّق بخاصته، وَحَاصِله أَن الْمَدْح
للِاحْتِيَاط فِيمَا هُوَ ملتبس بِهِ قَوْله: (فَإِن
الظَّن أكذب الحَدِيث) يَعْنِي أَن الظَّن أَكثر كذبا من
الْكَلَام. وَقيل: إِن إِثْم هَذَا الْكَذِب أزيدمن إِثْم
الحَدِيث أَو من سَائِر الأكاذيب، وَإِنَّمَا كَانَ إثمه
أَكثر لِأَنَّهُ أَمر قلبِي وَالِاعْتِبَار بِهِ كالإيمان
وَنَحْوه، وَقيل: الظَّن لَيْسَ كذبا، وَشرط أفعل أَن يكون
مُضَافا إِلَى جنسه، وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا يلْزم أَن يكون
الْكَذِب صفة لِلْقَوْلِ بل هُوَ صَادِق أَيْضا على كل
اعْتِقَاد وَظن وَنَحْوهمَا إِذا كَانَ مُخَالفا
للْوَاقِع، أَو الظَّن كَلَام نفساني، وأفعل قد يُضَاف
إِلَى غير جنسه، أَو بِمَعْنى: أَن الظَّن أَكْثَره كذب،
أَو المظنونات يَقع فِيهَا الْكَذِب أَكثر من المجزومات.
وَقَالَ الْخطابِيّ: تَحْقِيق الظَّن دون مَا يهجس فِي
النَّفس فَإِن ذَلِك لَا يملك أَي: الْمحرم من الظَّن مَا
يصر صَاحبه عَلَيْهِ وَيسْتَمر فِي قلبه دون مَا يعرض
وَلَا يسْتَقرّ، وَالْمَقْصُود أَن الظَّن يهجم صَاحبه على
الْكَذِب إِذا قَالَ على ظَنّه مَا لم يتيقنه فَيَقَع
الْخَبَر عَنهُ حِينَئِذٍ كذبا. أَي: أَن الظَّن منشأ
أَكثر الْكَذِب. قَوْله: (وَلَا تجسسوا وَلَا تحسسوا)
الأول بِالْجِيم وَالثَّانِي بِالْحَاء الْمُهْملَة، ويروى
بِالْعَكْسِ،، وَاخْتلفُوا فيهمَا: التحسس بِالْحَاء
الِاسْتِمَاع لحَدِيث الْقَوْم، بِالْجِيم الْبَحْث عَن
العورات، وَقيل: بِالْحَاء هُوَ أَن تطلبه لغيرك، وَقيل:
هما بِمَعْنى، وَهُوَ طلب معرفَة الْأَخْبَار الغائبة
وَالْأَحْوَال، قَالَه الْحَرْبِيّ، وَقيل: بِالْحَاء فِي
الْخَيْر وبالجيم فِي الشَّرّ. وَقَالَ ابْن حبيب:
بِالْحَاء أَن تسمع مَا يَقُول أَخُوك فِيك، وبالجيم أَن
ترسل من يسْأَل لَك عَمَّا يُقَال لَك فِي أَخِيك من
السوء. قَوْله: (وَلَا تباغضوا) من بَاب التفاعل الَّذِي
هُوَ اشْتِرَاك الْجَمَاعَة، وَهُوَ من البغض ضد الْحبّ.
قَوْله: (وَكُونُوا إخْوَانًا) كإخوان فِي جلب نفع وَدفع
مضرَّة. قَوْله: (حَتَّى ينْكح) قيل: كَيفَ يَصح هُوَ
غَايَة لقَوْله: لَا يخْطب؟ وَأجِيب بِأَن بعد النِّكَاح
لَا يُمكن الْخطْبَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يخْطب على
الْخطْبَة أصلا كَقَوْلِه عز وَجل: {حَتَّى يلج الْجمل فِي
سم الْخياط} (الْأَعْرَاف: 04) .
64 - (بابُ تفْسِيرِ تَرْكِ الخِطْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَفْسِير ترك الْخطْبَة.
وَهُوَ أَن يكون صَرِيحًا كَمَا تقدم فِي الحَدِيث الَّذِي
سبق، وَهُوَ قَوْله فِي آخر الحَدِيث حَتَّى ينْكح أَو
يتْرك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: تَفْسِير ترك
الْخطْبَة أَي: الِاعْتِذَار عَن تَركهَا.
5415 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ
الزّهْرِيِّ قَالَ: أخبَرَنِي سالِمُ بنُ عبْدِ الله أنّهُ
سمِعَ عبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا
يُحَدِّثُ أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ حِين تأيَّمَتْ
حَفْصَةُ، قَالَ عُمَرُ: لقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فقُلْتُ: إنْ
شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فلَبِثْتُ
لَيالِي ثُمَّ خطَبَها رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فلَقيَنِي أبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إنّهُ لعمْ
يَمْنَعْني أنْ أرْجِعَ إليْكَ فِيما عرَضْتَ إلاَّأنِّي
قَدْ علمْتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ
ذَكرَها، فلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ولَوْ ترَكَها لقَبِلْتُها.
(20/133)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:
(فلقيني أَبُو بكر) إِلَى آخِره، فَإِن فِيهِ اعتذار أبي
بكر لعمر عَن ترك خطبَته وإجابته لعمر نعلمهُ بِأَن صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد خطبتها، وَهَذَا تَفْسِير من
أبي بكر لترك الْخطْبَة. والْحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي:
بَاب عرض الْإِنْسَان ابْنَته أَو أُخْته على أهل
الْخَيْر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
تابَعَهُ يُونُسُ ومُوسى بنُ عُقْبَةَ وابنُ عَتيقٍ عنِ
الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع شعيبَ بن أبي حَمْزَة يُونُس بن يزِيد ومُوسَى
بن عقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف،
وَابْن أبي عَتيق وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي
عَتيق، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق: الصديقي التَّمِيمِي الْقرشِي،
ومتابعة يُونُس وَصلهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل من
طَرِيق إصبغ عَن ابْن وهب عَن يُونُس، ومتابعة مُوسَى ابْن
أبي عَتيق وَصلهَا الذهلي فِي الزهريات من طَرِيق
سُلَيْمَان بن بِلَال عَنْهُمَا، وَسبق هَذَا الحَدِيث
للْبُخَارِيّ من رِوَايَة معمر، وَمن رِوَايَة صَالح بن
كيسَان عَن الزُّهْرِيّ.
74 - (بابُ الخُطْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْخطْبَة، بِضَم الْخَاء
عِنْد العقد.
6415 - حدَّثنا قَبِيصَةُ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ زَيْدِ بنِ
أسْلَمَ قَالَ: سمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يقُولُ: جاءَ رجُلاَنٍ
مِنَ المَشْرقِ فخَطَبَا، فَقَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إنّ مِنَ البَيانِ سحْرا.
قيل: لَا وَجه لإدخال هَذَا الحَدِيث فِي كتاب النِّكَاح
لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعه. وَقد أطنب الشُّرَّاح هُنَا
فِي الرَّد على قَائِل هَذَا القَوْل بِمَا لَا يجدي،
وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن خطْبَة الرجلَيْن
الْمَذْكُورين عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لم تخل عَن قصد حَاجَة مَا، وَالْخطْبَة عِنْد الْحَاجة من
الْأَمر الْقَدِيم الْمَعْمُول بِهِ لأجل استمالة
الْقُلُوب وَالرَّغْبَة فِي الْإِجَابَة، فَمن ذَلِك
الْخطْبَة عِنْد النِّكَاح لذَلِك الْمَعْنى.
وَقد ورد فِي تَفْسِير خطْبَة النِّكَاح أَحَادِيث أشهرها
مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ:
علمنَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله
وَسلم، التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة وَالتَّشَهُّد فِي
الْحَاجة ... الحَدِيث، وَفِيه التَّشَهُّد فِي الْحَاجة:
إِن الْحَمد لله نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ إِلَى آخِره،
وَهَذَا اللَّفْظ التِّرْمِذِيّ، وَلما ذكره قَالَ: حَدِيث
حسن، وَترْجم لَهُ بقوله: بَاب مَا جَاءَ فِي خطْبَة
النِّكَاح. وَأخرجه أَبُو عوَانَة وَابْن حبَان وصححاه.
وَمن ذَلِك اسْتحبَّ الْعلمَاء الْخطْبَة عِنْد النِّكَاح.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد قَالَ بعض أهل الْعلم: إِن
النِّكَاح جَائِز بِغَيْر خطْبَة، وَهُوَ قَول سُفْيَان
الثورى وَغَيره من أهل الْعلم. قلت: وأوجبها أهل الظَّاهِر
فرضا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب
عِنْد تزوج فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
وأفعاله على الْوُجُوب، وَاسْتدلَّ الْفُقَهَاء على عدم
وُجُوبهَا بقوله فِي حَدِيث سهل بن سعد: قد زوجتها بِمَا
مَعَك من الْقُرْآن، وَلم يخْطب ثمَّ إِنَّه خرج الحَدِيث
الْمَذْكُور عَن قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ،
ويروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَلَا قدح بِهَذَا
لِأَنَّهُمَا بِشَرْط البُخَارِيّ.
وَزيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن عبد
الله بن يُوسُف عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْأَدَب عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْعَزِيز
بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: حسن صَحِيح.
قَوْله: (حاء رحلان) وهما: الزبْرِقَان بن بدر التَّمِيمِي
وَعَمْرو بن الْأَهْتَم التَّمِيمِي، وَفْدًا على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وُجُوه قومهماوساداتهم
وأسلما، وَكَانَ فِي سنة تسع من الْهِجْرَة. قَوْله: (من
الْمشرق) أَرَادَ بِهِ مشرق الْمَدِينَة، وَهُوَ طرف نجد.
قَوْله: (فخطبا) ، فَقَالَ الزبْرِقَان: يَا رَسُول الله!
أَنا سيد تَمِيم والمطاع فيهم والمجاب، أمنعهم من الظُّلم
وآخذ لَهُم بحقوقهم، وَهَذَا يعلم ذَلِك. يَعْنِي عمرا
فَقَالَ عَمْرو: إِنَّه لشديد الْمُعَارضَة مَانع لجانبه
مُطَاع فِي أدانيه، فَقَالَ الزبْرِقَان: وَالله يَا
رَسُول الله، لقد علم مني غير مَا قَالَ: وَمَا مَنعه أَن
يتَكَلَّم إلاَّ الْحَسَد، فَقَالَ عَمْرو: أَنا أحسدك؟
فوَاللَّه يَا رَسُول الله إِنَّه للئيم الْحَال حَدِيث
المَال أمق الْوَلَد مضيع فِي الْعَشِيرَة، وَالله يَا
رَسُول الله لقد صدقت فِي الأولى وَمَا كذبت فِي
الْأُخْرَى، وَلَكِنِّي رجل إِذا رضيت قلت أحسن مَا علمت،
وَإِذا غضِبت قلت أقبح مَا وجدت. فَقَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (إِن من الْبَيَان سحرًا إِن من الْبَيَان
سحرًا) . قَوْله: (إِن من الْبَيَان سحرًا) ، هَكَذَا فِي
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة
(20/134)
غَيره: (إِن من الْبَيَان لسحرا) بِاللَّامِ الَّتِي هِيَ
للتَّأْكِيد، وَالْبَيَان على نَوْعَيْنِ: بَيَان تقع بِهِ
الْإِبَانَة عَن المُرَاد بِأَيّ وَجه كَانَ، وَبَيَان
بلاغة وَهُوَ الَّذِي دَخلته الصَّنْعَة بِحَيْثُ يروق
السامعين ويستميل بِهِ قُلُوبهم، وَهُوَ الَّذِي يشبه
بِالسحرِ إِذا جلب الْقُلُوب وَغلب على النُّفُوس، وَفِي
الْحَقِيقَة هُوَ تصنع فِي الْكَلَام وتكلف لتحسينه وَصرف
الشَّيْء عَن ظَاهِرَة كالسحر الَّذِي هُوَ تخييل لَا
حَقِيقَة لَهُ، والمذموم من هَذَا الْفَصْل أَن يقْصد بِهِ
الْبَاطِل واللبس فيوهمك الْمُنكر مَعْرُوفا وَهَذَا
مَذْمُوم، وَهُوَ أَيْضا مشبه بِالسحرِ لِأَن السحر صرف
الشَّيْء عَن حَقِيقَته. وَحكى يُونُس أَن الْعَرَب تَقول،
مَا سحرك عَن وَجه كَذَا؟ أَي: صرفك، وَرُوِيَ أَبُو
دَاوُد فِي الْأَدَب من حَدِيث صَخْر بن عبد الله بن
بُرَيْدَة عَن أَبِيه عبد الله بن بُرَيْدَة يرفعهُ: (إِن
من الْبَيَان سحرًا وَإِن من الْعلم جهلا وَإِن من الشّعْر
حكما وَإِن من القَوْل عيالاً) . فَقَالَ صعصعة بن صوحان
الْعَبْدي: صدق نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أما
قَوْله: إِن من الْبَيَان سحرًا فالرجل يكون عَلَيْهِ
الْحق وَهُوَ أَلحن بالحجج من صَاحب الْحق فيسحر الْقَوْم
ببيانه فَيذْهب بِالْحَقِّ. وَأما قَوْله: (إِن من الْعلم
جهلا) ، فَهُوَ أَن يتَكَلَّف الْعَالم إِلَى علمه مَا لم
يعلم فيجهل لذَلِك، وَأما قَوْله: (إِن من الشّعْر حكما) ،
فَهِيَ هَذِه المواعظ والأمثال الَّتِي يتعظ بهَا النَّاس،
وَلما قَوْله: (إِن من القَوْل عيالاً) ، فعرضك كلامك على
من لَيْسَ من شَأْنه وَلَا يُريدهُ. وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: أَن من القَوْل عيلاً، ثمَّ فسره بِمَا ذكرنَا،
ثمَّ قَالَ: علت الضَّالة أعيل عيلاً إِذا لم تدر أَي
جِهَة تبغيها، كَأَنَّهُ لم يهتد لمن يطْلب فعرضه على من
لَا يُريدهُ. |