عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 39 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ
النِّساءِ وقَوْلهِ: {واضربوهن ضَرْبا غَيْرَ مُبَرِّح)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من ضرب النِّسَاء،
وَأَرَادَ بِهِ الضَّرْب المبرح فَإِنَّهُ يكره كَرَاهَة
تَحْرِيم، وَإِنَّمَا ذكر قَوْله تَعَالَى: {واضربوهن}
تَوْفِيقًا بَين الْكتاب وَالسّنة، وَلِهَذَا قَالَ: {غير
مبرح} بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَمَعْنَاهُ غير
شَدِيد الْأَذَى، وَعَن قَتَادَة: غير شائن، وَعَن الْحسن
الْبَصْرِيّ: غير مُؤثر، وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ بَعضهم:
أَمر الله، عز وَجل، بهجر النِّسَاء فِي الْمضَاجِع وضربهن
تذليلاً مِنْهُ لَهُنَّ وتصغيرا على إِيذَاء بعولتهن، وَلم
يَأْمر بِشَيْء فِي كِتَابه بِالضَّرْبِ صَرِيحًا إلاَّ
فِي ذَلِك وَفِي الْحُدُود الْعِظَام، فتساوى معصيتهن
لِأَزْوَاجِهِنَّ بِمَعْصِيَة أهل الْكَبَائِر، وَولى
الْأزْوَاج ذَلِك دون الْأَئِمَّة وَجعله لَهُم دون
الْقُضَاة بِغَيْر شُهُود وَلَا بَيِّنَة ائتماناا من الله
عز وَجل للأزواج على النِّسَاء. وَقَالَ الْمُهلب:
إِنَّمَا يكره من ضرب النِّسَاء التَّعَدِّي فِيهِ
والإسراف، وَقد بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ذَلِك، فَقَالَ: ضرب العَبْد من أجل الرّقّ يزِيد فَوق ضرب
الْحر لتباين حاليهما، وَلِأَن ضرب النِّسَاء إِنَّمَا
جَازَ من أجل امتناعها على زَوجهَا من أجل المباضعة،
وَقَالَ ابْن التِّين: وَاخْتلف فِي وجوب ضربهَا فِي
الْخدمَة وَالْقِيَاس يُوجب أَنه إِذا جَازَ ضربهَا فِي
المباضعة جَازَ فِي الْخدمَة الْوَاجِبَة للزَّوْج
عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يلْزمهَا
أَن تخْدم زَوجهَا فِي شَيْء أصلا، لَا فِي عجين وَلَا فِي
طبخ وَلَا كنس وَلَا غزل وَلَا غير ذَلِك، ثمَّ نقل عَن
أبي ثَوْر أَنه قَالَ: عَلَيْهَا أَن تخدمه فِي كل شَيْء،
وَيُمكن أَن يحْتَج لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح: أَن
فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، شكت إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَجِد من الرَّحَى،
وَبقول أَسمَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كنت أخدم
الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا حجَّة فيهمَا
لِأَنَّهُ لَيْسَ فيهمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَمرهمَا، وَإِنَّمَا كَانَتَا متبرعتين.
4025 - حدّثنا محَمَّد بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ
هِشامٍ عَن أبيهِ عنْ عبْدِ الله بنِ زَمْعَةَ عَن النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لاَ يَجْلِدْ أحَدُكُمُ
امْرَأتَهُ جَلْدَ العَبْدِ ثُمَّ يُجامِعُها فِي آخر
الْيَوْم.
)
(20/192)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد
بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام، وَعبد
الله بن زَمعَة بالزاي وَالْمِيم وَالْعين بِالْمُهْمَلَةِ
المفتوحات وَجَاء بِسُكُون الْمِيم أَيْضا ابْن الْأسود بن
الْمطلب بن أَسد الْأَسدي.
والْحَدِيث قد مر بأتم مِنْهُ فِي تَفْسِير سُورَة:
{وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} (الشَّمْس: 1) [/ ح.
قَوْله: (لَا يجلد) بِصِيغَة النَّهْي فِي نسخ
البُخَارِيّ، وَرِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أَحْمد بن
سُفْيَان النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف
الْفرْيَابِيّ الْمَذْكُور بِصِيغَة الْخَبَر. قَوْله:
(جلد العَبْد) بِالنّصب أَي: مثل جلد العَبْد، وَعِنْده
مُسلم فِي رِوَايَة: ضرب الْأمة، وَعند النَّسَائِيّ من
طَرِيق ابْن عُيَيْنَة ضرب العَبْد أَو الْأمة، وَفِي
رِوَايَة أَحْمد بن سُفْيَان جلد الْبَعِير أَو العَبْد
وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب إِن شَاءَ الله تَعَالَى من
رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: ضرب الْفَحْل أَو العَبْد،
وَالْمرَاد بالفحل الْبَعِير، وَوَقع لِابْنِ حبَان كضربك
إبلك. قيل: لَعَلَّه تَصْحِيف، وَفِي حَدِيث لَقِيط بن
صبرَة عِنْد أبي دَاوُد: وَلَا تضرب ظغينتك ضربك أمتك.
قَوْله: (ثمَّ يُجَامِعهَا) جَاءَ فِي لفظ آخر: ثمَّ
لَعَلَّه يعانقها، وَفِي التِّرْمِذِيّ مصححا. ثمَّ
لَعَلَّه أَن يضاجعها من آخر يَوْمه. قَوْله: (فِي آخر
الْيَوْم) ويروى من آخر الْيَوْم أَي: يَوْم جلدهَا، وَعند
أَحْمد: من آخر اللَّيْل. وَعند النَّسَائِيّ: آخر
النَّهَار.
وَفِي الحَدِيث: جَوَاز ضرب العَبْد بِالضَّرْبِ الشَّديد
للتأديب. وَفِيه: أَن ضرب النِّسَاء دون ضرب العبيد.
وَفِيه: استبعاد وُقُوع الْأَمريْنِ من الْعَاقِل أَن
يُبَالغ فِي ضرب امْرَأَته ثمَّ يُجَامِعهَا فِي بَقِيَّة
يَوْمه أَو ليلته، وَذَلِكَ أَن المضاجعة إِنَّمَا تستحسن
مَعَ ميل النَّفس وَالرَّغْبَة، والمضروب غَالِبا ينفر من
ضاربه، وَلَكِن يجوز الضَّرْب الْيَسِير بِحَيْثُ لَا يحصل
مِنْهُ النفور التَّام فَلَا يفرط فِي الضَّرْب وَلَا يفرط
فِي التَّأْدِيب.
49 - (بابٌ لَا تُطِيعُ المَرْأةُ زَوْجَها فِي
مَعْصِيَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فَفِيهِ بعض من حَدِيث لَا تطيع
الْمَرْأَة فِي مَعْصِيّة لِأَنَّهُ لَا طَاعَة للمخلوق
فِي مَعْصِيّة الْخَالِق.
5025 - حدّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيى حَدثنَا إبْرَاهِيمُ
بنُ نافِعٍ عَن الحَسَنِ هُوَ ابنُ مُسْلِمٍ عنْ صَفِيَّةَ
عنْ عائِشَة: أنَّ امْرَألاً من الأنْصارِ زَوَّجَتِ
ابْنَتَها فَتَمَعَّطَ شَعرُ رأسِهَا، فَجاءَتْ إِلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكَرَتْ ذلِكَ لهُ،
فقالتْ: إنَّ زَوْجَها أمَرَنِي أنْ أصِلَ فِي شَعَرِها،
فَقَالَ: لَا، إنّهُ قَدْ لُعِنَ المُوصِلاَتُ.
(انْظُر الحَدِيث 5025 طرفه فِي: 4395)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وخلاد
بتَشْديد اللَّام ابْن يحيى السّلمِيّ بِضَم السِّين
الْمُهْملَة الْكُوفِي، سكن مَكَّة وَهُوَ من أَفْرَاده،
وَإِبْرَاهِيم بن نَافِع المَخْزُومِي الْمَكِّيّ،
وَالْحسن بن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ، وَصفِيَّة هِيَ بنت
شيبَة المكية.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن آدم.
وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن ابْن الْمثنى وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن وهب.
قَوْله: (فتمعط) بتَشْديد الْعين الْمُهْملَة أَي: تساقط
وتمزق، وَيُقَال: معط الشّعْر وأمعط معطا إِذا تناثر،
ومعطته أَنا إِذا نتفته، والأمعط من الرِّجَال السنوط
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم النُّون وَهُوَ الَّذِي
لَا لحية لَهُ، يُقَال: رجل سنوط وسناط، وَقَالَ أَبُو
حَاتِم: وَالذِّئْب يكنى أَبَا معيط. قَوْله: (الموصلات)
بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وبالصاد الْمُهْملَة
بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني
الموصولات. ثمَّ الْعلَّة فِي تَحْرِيمه أما لكَونه شعار
الفاجرات أَو تدليسا وتغيير خلق الله عز وَجل، وَلَا
يمْنَع من الْأَدْوِيَة الَّتِي تزيل الكلف وتحسن الْوَجْه
للزَّوْج، وَكَذَا أَخذ الشّعْر مِنْهُ، وسئلت عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن قشر الْوَجْه فَقَالَت:
إِن كَانَ شَيْء ولدت وَهُوَ بهَا فَلَا يحل لَهَا
إِخْرَاجه، وَإِن كَانَ شَيْء حدث فَلَا بَأْس بقشره،
وَفِي لفظا إِن كَانَ للزَّوْج فافعلي، وَنقل أَبُو عبيد
عَن الْفُقَهَاء الرُّخْصَة فِي كل شَيْء وصل بِهِ الشّعْر
مَا لم يكن الْوَصْل شعرًا. وَفِي (مُسْند أَحْمد) من
حَدِيث ابْن مَسْعُود: نهى مِنْهُ إلاَّ من دَاء.
وَفِي الحَدِيث: حجَّة على من جوزه من الشَّافِعِيَّة
بِإِذن الزَّوْج.
59 - (بابٌ {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا
أَو إعْرَاضًا} (النِّسَاء: 821)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن امْرَأَة}
إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر: (أَو
إعْرَاضًا) قَوْله: (وَإِن امْرَأَة) أَي: وَإِن خَافت
امْرَأَة كَمَا فِي قَوْله: {وَإِن أحد من الْمُشْركين
استجارك} (التَّوْبَة: 6) وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا
ذكره الْمُفَسِّرُونَ بِأَن سَوْدَة خشيت أَن يطلقهَا
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول
الله! لَا تُطَلِّقنِي وَاجعَل يومي لعَائِشَة، فَفعل صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت: (من بَعْلهَا) أَي: من
(20/193)
زَوجهَا. قَوْله: (بنشوزا) وَهُوَ الترفع
عَنْهَا وَمنع النَّفَقَة. قَوْله: (أَو إعْرَاضًا) وَهُوَ
الِانْصِرَاف عَن مسله إِلَى غَيرهَا، وَجَوَاب: إِن هُوَ
قَوْله: {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا} .
6025 - حدّثنا ابنُ سَلاَمٍ أخبرنَا أبُو مُعاوِيَةَ عنْ
هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا {وَإِن
امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا}
(النِّسَاء: 821) قَالَت: هيَ المَرْأةُ تَكُون عِنْدَ
الرَّجُلِ لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْها فَيُريدُ طَلاَقَها
وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَها، تَقُولُ لهُ: أمْسِكْنِي وَلَا
تُطَلِّقْنِي ثُمَّ تَزَوَّجْ غيْرِي، فأنْت فِي حلٍّ مِنَ
النفَقَةِ علَيَّ والقِسْمَةِ لِي فَذَلِكَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: فَلاَ جُناح عَلَيْهِما أنْ يصالحا بَيْنَهُما
صُلْحا والصُّلْحُ خَيْرٌ.
)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن سَلام هُوَ
مُحَمَّد بن سَلام بتَشْديد اللَّام وتخفيفها، وَأَبُو
مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم الضَّرِير، يروي عَن هِشَام
بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم
الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَلَا يستكثر) أَي: لَا يستكثر من مضاجعتها
ومحادثتها والاختلاط بهَا وَلَا تعجبه. قَوْله: (فَأَنت
فِي حل) أَي: أحللت عَلَيْك النَّفَقَة وَالْقِسْمَة فَلَا
تنْفق عَليّ وَلَا تقسم لي قَوْله: (أَن يصالحا) أَي: أَن
يصطلحا، وقرىء أَن يصلحا بِمَعْنى يصطلحا أَيْضا قَوْله:
(وَالصُّلْح خير) لِأَن فِيهِ قطع النزاع، وَقَامَ
الْإِجْمَاع على جَوَاز هَذَا الصُّلْح.
وَاخْتلفُوا: هَل ينْتَقض هَذَا الصُّلْح؟ فَقَالَ
عُبَيْدَة: هما على مَا اصطلحا عَلَيْهِ، وَإِن انْتقض
فَعَلَيهِ أَن يعدل أَو يُفَارق، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
وَمُجاهد وَعَطَاء، قَالَ ابْن الْمُنْذر: هُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَقَالَ
الْكُوفِيُّونَ: الصُّلْح فِي ذَلِك جَائِز. قَالَ أَبُو
بكر: لَا أحفظ فِي الرُّجُوع شَيْئا، وَقَالَ الْحسن:
لَيْسَ لَهَا أَن تنقض، وهما على مَا اصطلحا عَلَيْهِ،
وَهُوَ قَول قَتَادَة، وَقَول الْحسن هُوَ قِيَاس قَول
مَالك فِيمَن اُنْظُرْهُ بِالدّينِ أَو أَعَارَهُ عَارِية
إِلَى مُدَّة أَن لَا يرجع فِي ذَلِك. وَقَول عُبَيْدَة
هُوَ قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لِأَنَّهَا
مَنَافِع طارئة لم تقبض، فَجَاز فِيهَا الرُّجُوع.
69 - (بابُ العَزْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم عزل الرجل ذَكَرَهُ من
الْفرج لينزل منيه خَارج الْفرج فِرَارًا من الإحبار.
7025 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يحْيى بن سَعِيدٍ عَن
ابنِ جُريْجٍ عنْ عَطاءٍ عنْ جابِرِ قَالَ: كُنَّا
نَعْزِلُ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(ي: 8025، 9025)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه فسر الْإِبْهَام
الَّذِي فِي التَّرْجَمَة وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان
يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء
بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله.
والْحَدِيث من أَفْرَاده بِهَذَا الْوَجْه، وروى هَذَا عَن
جَابر بِوُجُوه أُخْرَى، فروى البُخَارِيّ أَيْضا من
طَرِيق عَمْرو عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ: كُنَّا نعزل
وَالْقُرْآن ينزل. وَأخرجه مُسلم أَيْضا نَحوه، وروى
النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث معمر: عَن يحيى بن
أبي كثر عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن
جَابر، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُول الله! إِنَّا كُنَّا
نعزل، فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموؤودة الصُّغْرَى،
فَقَالَ: كذبت الْيَهُود، إِن الله إِذا أرد أَن يخلقه لم
يمنعهُ. وروى مُسلم من رِوَايَة معقل وَهُوَ ابْن عبيد
الله الْجَزرِي عَن عَطاء، قَالَ: سَمِعت جَابِرا يَقُول:
لقد كُنَّا نعزل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وروى مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر
قَالَ: كُنَّا نعزل على عهد نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَبلغ ذَلِك نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلم ينهنا. وروى أَيْضا النَّسَائِيّ من رِوَايَة عُرْوَة
بن عِيَاض عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: سَأَلَ رجل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِن عِنْدِي
جَارِيَة لي وَأَنا أعزل عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ذَلِك لم يمْنَع شَيْئا أَرَادَ
الله الحَدِيث، وروى أَيْضا أَبُو دَاوُد من رِوَايَة
زُهَيْر عَن أبي الزبير عَن جَابر، قَالَ: جَاءَ رجل من
الْأَنْصَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: إِن لي جَارِيَة أَطُوف عَلَيْهَا وَأَنا أكره
أَن تحمل فَقَالَ: اعزل عَنْهَا إِن شِئْت فَإِنَّهُ
سيأتيها مَا قدر لَهَا الحَدِيث. وَلَفظ أبي دَاوُد أخرجه
ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة سَالم بن أبي
الْجَعْد عَن جَابر نَحوه.
قَوْله: (كُنَّا نعزل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) قَول الصَّحَابِيّ: كُنَّا نَفْعل كَذَا إِن
أَضَافَهُ إِلَى زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَحكمه حكم الْمَرْفُوع على الصَّحِيح عِنْد أهل الحَدِيث
من الْأُصُولِيِّينَ، وَذهب أَبُو بكر
(20/194)
الاسماعيلي إِلَى أَنه مَوْقُوف لاحْتِمَال
أَن يكون، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، اطلع على
ذَلِك، وَهَذَا الْخلاف لَا يَجِيء هُنَا لوُجُود النَّقْل
باطلاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، كَمَا ثَبت
فِي (صَحِيح مُسلم) من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر من
قَوْله: (فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلم ينهنا) ، ثمَّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على جَوَاز
الْعَزْل.
فَمن قَالَ بِهِ من الصَّحَابَة: سعد بن أبي وَقاص وَأَبُو
أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن
عَبَّاس، ذكره عَنْهُم مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) وَرَوَاهُ
ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي بن كَعْب وَرَافِع بن خديج
وَأنس بن مَالك، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن غير وَاحِد من
الصَّحَابَة، لَكِن فِي الْعَزْل عَن الْأمة وهم: عمر بن
الْخطاب وخباب بن الْأَرَت. وروى كَرَاهَته عَن أبي بكر
وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن عمر وَأبي أُمَامَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَذَا روى عَن سَالم وَالْأسود
من التَّابِعين، وَرُوِيَ عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة
التَّفْرِقَة بَين الْحرَّة وَالْأمة، فتستأمر الْحرَّة
وَلَا تستأمر الْأمة وهم: عبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله
بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر، وَمن التَّابِعين سعيد بن
جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ
وَعَمْرو بن مرّة وَجَابِر بن زيد وَالْحسن وَعَطَاء
وطاووس، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل، وَحَكَاهُ
صَاحب (التَّقْرِيب) عَن الشَّافِعِي، وَكَذَا غزاه
إِلَيْهِ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) وَهُوَ قَول
أَكثر أهل الْعلم.
وتفصيل القَوْل فِيهِ: أَن الْمَرْأَة إِن كَانَت حرَّة
فقد ادّعى فِيهِ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) أَنه
لَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي أَنه لَا يعْزل عَنْهَا إلاَّ
بِإِذْنِهَا وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله
دَعْوَى الْإِجْمَاع لَا تصح، فقد اخْتلف أَصْحَاب
الشَّافِعِي على طَرِيقين: أظهرها كَمَا قَالَ
الرَّافِعِيّ رَحمَه الله: إِنَّهَا إِن رضيت جَازَ لَا
محَالة، وإلاَّ فَوَجْهَانِ أصَحهمَا عِنْد الْغَزالِيّ
الْجَوَاز، وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي (الشَّرْح
الصَّغِير) وَالنَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) إِنَّه الْأَصَح
وَقَالَ فِي (الرَّوْضَة) إِنَّه الْمَذْهَب وَالطَّرِيق
الثَّانِي: أَنَّهَا إِن لم تَأذن لم يجز، وَإِن أَذِنت
فَوَجْهَانِ؟ وَإِن كَانَت الْمَرْأَة الْمُزَوجَة أمة
فَاخْتلف الْعلمَاء فِي وجوب اسْتِئْذَان سَيِّدهَا فَحكى
ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) : عَن مَالك وَأبي
حنيفَة وأصحابهما أَنهم قَالُوا: الْإِذْن فِي الْعَزْل
عَنْهَا إِلَى مَوْلَاهَا وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَن
يعْزل عَنْهَا بِدُونِ إِذْنهَا وَإِذن مَوْلَاهَا، وَإِن
كَانَت الْمَرْأَة أمة لَهُ، فَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا
خلاف بَين فُقَهَاء الْأَمْصَار أَنه يجوز الْعَزْل
عَنْهَا بِغَيْر إِذْنهَا وَإنَّهُ لَا حق لَهَا فِي
ذَلِك، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله هَكَذَا
أطلق نفي الْخلاف وَلَيْسَ بجيد، وَقد فرق أَصْحَاب
الشَّافِعِي فِي الْأمة بَين الْمُسْتَوْلدَة وَغَيرهَا،
فَإِن لم يكن قد اسْتَوْلدهَا فَقَالَ الْغَزالِيّ
وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ: لَا خلاف فِي
جَوَازه، قَالَ الرَّافِعِيّ: صِيَانة للْملك، وَاعْترض
صَاحب (الْمُهِمَّات) بِأَن فِيهِ وَجها حَكَاهُ
الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَنه لَا يجوز لحق الْوَلَد،
وَإِن كَانَت مُسْتَوْلدَة لَهُ فَقَالَ الرَّافِعِيّ:
رتبها مرتبون على الْمَنْكُوحَة الرقيقة، وَأولى
بِالْمَنْعِ لِأَن الْوَلَد حر، وَآخَرُونَ على الْحرَّة
والمستولدة أولى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهَا لَيست راسخة فِي
الْفراش، وَلِهَذَا لَا تسْتَحقّ الْقسم. قَالَ
الرَّافِعِيّ: وَهَذَا أظهر.
8025 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيَانُ
قَالَ عَمْرٌ و: أَخْبرنِي عَطاءٌ سَمِعَ جابِرا رَضِي
الله عَنهُ، قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ والقُرْآنُ يَنْزِلُ
وعنْ عَمْرٍ وعنْ عَطاءٍ عنْ جابرٍ قَالَ: كُنّا نَعْزِلُ
عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والقُرْآنُ
يَنْزِلُ.
(انْظُر الحَدِيث 7025 وطرفه)
هَذَانِ وَجْهَان فِي حَدِيث جَابر: أَحدهمَا: عَن عَليّ
بن عبد الله الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
عَمْرو بن دِينَار، وَذكر فِيهِ الْإِخْبَار وَالسَّمَاع،
وَلم يذكر على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالْآخر: بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور عَن عَمْرو، وَذكره
بالعنعنة وَذكر فِيهِ على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني كَانَ يعْزل بِضَم
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الزَّاي على صِيغَة
الْمَجْهُول. (فَإِن قلت) روى مُسلم من حَدِيث أبي الْأسود
عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن جد أمة بنت وهب أُخْت عكاشة:
حضرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس
الحَدِيث. وَفِيه: ثمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْل؟ فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك الوأد الْخَفي،
وَبِه اسْتدلَّ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَالم بن عبد
الله وَالْأسود بن يزِيد. وطاووس وَقَالُوا: الْعَزْل
مَكْرُوه لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْعَزْل
بِمَنْزِلَة الوأد إِلَّا أَنه خَفِي، لِأَن من يعْزل عَن
امْرَأَته إِنَّمَا يعْزل هربا من الْوَلَد، فَلذَلِك سمي:
الموؤدة الصُّغْرَى، والموؤدة الْكُبْرَى هِيَ الَّتِي
تدفن وَهِي حَيَّة، كَانَ إِذا ولد لأَحَدهم بنت فِي
الْجَاهِلِيَّة دفنوها فِي التُّرَاب وَهِي حَيَّة فَكيف
التَّوْفِيق بَين هَذَا وَبَين حَدِيث جَابر وَأبي سعيد
وَغَيرهمَا وَفِي حَدِيث جَابر: قُلْنَا يَا رَسُول الله
إِنَّا كُنَّا نعزل، فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموؤدة
الصُّغْرَى، فَقَالَ: كذبت الْيَهُود، إِن الله إِذا
أَرَادَ أَن يخلقه لم يمنعهُ
(20/195)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قلت: أُجِيب عَن
هَذَا بِوُجُوه: الأول: أَنه يحْتَمل أَن يكون الْأَمر فِي
ذَلِك كَمَا وَقع فِي عَذَاب الْقَبْر لما قَالَت
الْيَهُود إِن الْمَيِّت يعذب فِي قَبره، فكذبهم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يطلعه الله على ذَلِك،
فَلَمَّا أطلعه الله على عَذَاب الْقَبْر أثبت ذَلِك
واستعاذ بِاللَّه مِنْهُ، وَهَهُنَا كَذَلِك. الثَّانِي:
مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: إِنَّه مَنْسُوخ بِحَدِيث جَابر
وَغَيره فَإِن قلت: ذكرُوا أَن جذامة أسلمت عَام الْفَتْح
فَيكون حَدِيثهَا مُتَأَخِّرًا فَيكون نَاسِخا لغير قلت:
ذكرُوا أَيْضا أَنَّهَا أسلمت قبل الْفَتْح، وَقَالَ عبد
الْحق: هُوَ الصَّحِيح. الثَّالِث: قَالَ ابْن
الْعَرَبِيّ: حَدِيث جذامة مُضْطَرب الرَّابِع: يرجع إِلَى
التَّرْجِيح، فَحَدِيث جذامة يرد من حَدِيثهَا، وَحَدِيث
جَابر بِرِجَال الصَّحِيح وَله شَاهد من حَدِيث أبي سعيد
على مَا سَيَأْتِي، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه
النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي سَلمَة عَنهُ قَالَ: سُئِلَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل؟ فَقيل:
إِن الْيَهُود تزْعم أَنَّهَا الموؤدة الصُّغْرَى،
فَقَالَ: كذبت يهود.
0125 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْماء
حَدثنَا جُوَيْرِيَةُ عَن مالِكِ بنِ أنسِ عَن
الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ مُحَيْرِيزِ عنْ أبي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ قَالَ: أصَبْنا سَبْيا فَكُنَّا نَعْزِلُ
فَسألْنا رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ:
أوَ إنَّكُمْ تَفْعَلُونَ؟ قالَها ثَلاَثا، مَا مِنْ
نَسَمَةٍ كائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا هِيَ
كائنةَ.
(انْظُر الحَدِيث 9222)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله شيخ
البُخَارِيّ ابْن أخي جوَيْرِية، وَأَسْمَاء وَجُوَيْرِية
من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء،
وَابْن محيريز مصغر محراز بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي
واسْمه عبد الله، وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة يُونُس
كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقدر عَن الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي
عبد الله بن محيريز الجُمَحِي. وَهُوَ مدنِي سكن الشَّام،
وَأَبُو محيريز جُنَادَة كَانَ من رَهْط أبي محدورة
الْمُؤَذّن، وَكَانَ يَتِيما فِي حجره.
والْحَدِيث قد مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب بيع الرَّقِيق،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب
عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن محيريز الحَدِيث.
قَوْله: (سبيا) أَي: جواري أخذناها من الْكفَّار أسرا
وَذَلِكَ فِي غَزْوَة بني المصطلق، وروى ابْن أبي شيبَة
فِي (مصفنه) من رِوَايَة أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن
وَأبي أُمَامَة بن سهل جَمِيعًا عَن أبي سعيد، قَالَ: لما
أصبْنَا سبي بني المصطلق استمتعنا من النِّسَاء وعزلنا
عَنْهُن قَالَ: ثمَّ إِنِّي وقفت على جَارِيَة فِي سوق بني
قينقاع، فَمر رجل من الْيَهُود فَقَالَ: مَا هَذِه
الْجَارِيَة يَا أَبَا سعيد؟ قلت: جَارِيَة لي أبيعها.
قَالَ: هَل كنت تصيبها؟ قَالَ: قلت: نعم. قَالَ: فلعلك
تبيعها وَفِي بَطنهَا مثل سخلة، قَالَ: كنت أعزل عَنْهَا.
قَالَ: هَذِه الموؤدة الصُّغْرَى، قَالَ: فَجئْت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ:
كذبت يهود، كذبت يهود. قَوْله: (أَو إِنَّكُم تَفْعَلُونَ)
اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَت طَائِفَة: ظَاهره
الْإِنْكَار والزجر فَنهى عَن الْعَزْل، وَحكى ذَلِك
أَيْضا عَن الْحسن، وَكَأَنَّهُم فَهموا من كلمة: لَا، فِي
رِوَايَة أُخْرَى: لَا! مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا،
وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَغَيره عَن مَالك إِنَّهَا
للنَّهْي عَمَّا سُئِلَ عَنهُ، وَأَن كلمة؛ لَا فِي: أَن
لَا تَفعلُوا، لتأكيد النَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ: لَا
تعزلوا وَعَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا. وَقَالَت طَائِفَة:
إِن هَذَا إِلَى النَّهْي أقرب. وَقَالَت طَائِفَة
أُخْرَى: كَأَنَّهَا جعلت جَوَابا لسؤال. قَوْله:
(عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا) أَي: لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح
فِي أَن لَا تَفعلُوا. وَقَول هَؤُلَاءِ أولى بالمصير
إِلَيْهِ بِدَلِيل قَوْله: (مَا من نسمَة) إِلَى آخِره،
وَبِقَوْلِهِ: افعلوا أَو لَا تَفعلُوا، إِنَّمَا هُوَ
الْقدر، وَبِقَوْلِهِ إِذا أَرَادَ الله خلق شَيْء لم
يمنعهُ شَيْء، وَهَذِه الألفظا كلهَا مصرحة بِأَن الْعَزْل
لَا يرد الْقدر وَلَا يضر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْس
بِهِ، وَبِهَذَا تمسك من رأى إِبَاحَته مُطلقًا عَن
الزَّوْجَة وَالْأمة، وَبِه قَالَ كثير من السّلف من
الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله:
(مَا من نسمَة) ، بِفَتَحَات هِيَ: النَّفس، أَي مَا من
نفس قدر كَونهَا إلاَّ وَهِي تكون سَوَاء عزلتم أَو لَا،
أَي: مَا قدر وجوده لَا يمنعهُ الْعَزْل. وَفِي حَدِيث
جَابر أَيْضا: إِن ذَلِك لم يمْنَع شَيْئا أَرَادَهُ الله،
وَفِي حَدِيثه أَيْضا وَفِي رِوَايَة مُسلم: أعزل عَنْهَا
إِن شِئْت فَإِنَّهُ سيأتيها مَا قدر لَهَا وَفِي حَدِيث
الْبَراء، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب (الْعِلَل)
لَيْسَ من كل المَاء يكون الْوَلَد.
79 - (بابُ القُرْعَةِ بَيْنَ النِّساء إذَا أرَادَ
سَفَرا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْقرعَة بَين النِّسَاء
إِذا أَرَادَ الرجل السّفر، وَأَرَادَ أَن يَأْخُذ مَعَه
إِحْدَى نِسَائِهِ.
1125 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا عبْدُ الوَاحِدِ بنُ
أيْمَنَ قَالَ حَدثنِي: ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عَن القاسِم
عنْ عائِشَة: أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ
إذَا خَرَجَ أقْرَعَ بيْنَ نِسَائِهِ، فَطارَتِ القُرْعَةُ
لِعائِشَةَ وحَفْصَةَ،
(20/196)
وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إذَا كَانَ باللّيْلِ سارَ مَعَ عائِشَةَ يَتَحَدَّثُ،
فقالَتْ حَفْصَةُ: أَلا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بعِيري
وأرْكَبُ بعِيرَكِ تَنْظُرِينَ وأنحظُرُ؟ فقالَتْ: بَلى،
فرَكِبَتْ فَجاءَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى
جَمَلِ عائشَةَ وعلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلّمَ عَليْهَا
ثُمَّ سارَ حتَّى نَزَلُوا، وافْتَقَدَتْهُ عائِشَةُ،
فَلمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْها بَيْنَ الإِذْخِرِ
وتقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَليَّ عَقْرَبا أوْ حَيَّةً
تَلْدَغُنِي، وَلَا أسْتَطِيعُ أنْ أقُول لَهُ شَيْئا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم بِضَم
النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وَعبد الْوَاحِد بن أَيمن ضد
الْأَيْسَر المَخْزُومِي الْمَكِّيّ يروي عَن عبد الله بن
عبيد بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم، عَن الْقَاسِم بن
مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَعبد بن حميد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة
النِّسَاء عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان ثَلَاثَتهمْ عَن أبي
نعيم.
قَوْله: (كَانَ إِذا خرج) أَي: إِلَى السّفر (أَقرع بَين
نِسَائِهِ) وَقَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ وَاجِب فِي حق غير
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِي وجوب الْقسم فِي حَقه خلاف فَمن
قَالَ بِوُجُوبِهِ يَجْعَل إقراعه وَاجِبا، وَمن لم
يُوجِبهُ يَقُول: فعل ذَلِك من حسن الْعشْرَة وَمَكَارِم
الْأَخْلَاق وتطييبا لقلوبهن، وَأما الحنفيون فَقَالُوا:
لَا حق لَهُنَّ فِي الْقسم حَالَة السّفر، يُسَافر
الزَّوْج بِمن شَاءَ وَالْأولَى أَن يقرع بَينهُنَّ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَلَيْسَت أَيْضا بواجبة عِنْد
مَالك، وَقَالَ ابْن الْقصار: لَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر
بِمن شَاءَ مِنْهُنَّ بِغَيْر قرعَة، وَهُوَ قَول مَالك
وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ مَالك مرّة: لَهُ
أَن يُسَافر بِمن شَاءَ مِنْهُنَّ بِغَيْر قرعَة. وَقَالَ
الْمُهلب: وَفِيه: الْعَمَل بِالْقُرْعَةِ فِي المقاسمات
والاستهام. وَفِيه: أَن الْقسم يكون بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَار. قَوْله: (فطارت الْقرعَة لعَائِشَة) أَي:
حصلت لَهَا ولحفصة بنت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، وطير كل إِنْسَان نصِيبه، يَعْنِي:
كَانَ هَذَا فِي سَفَره من سفرات النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يتحدث) جملَة فِي مَحل النصب على
الْحَال، وَالْحَاصِل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لما كَانَ فِي هَذِه السفرة وَكَانَت عَائِشَة
وَحَفْصَة مَعَه، فَإِذا كَانَ اللَّيْل وهم سائرون يسير
مَعَ عَائِشَة يتحدث مَعهَا كَمَا هِيَ عَادَة
الْمُسَافِرين لقطع الْمسَافَة، وَاسْتدلَّ بِهِ الْمُهلب
على أَن الْقسم لم يكن وَاجِبا على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ لحرم
على حَفْصَة مَا فعلت فِي تَبْدِيل بَعِيرهَا بِبَعِير
عَائِشَة، ورد عَلَيْهِ ذَلِك لِأَن الْقَائِل بِوُجُوب
الْقِسْمَة عَلَيْهِ لَا يمْنَع من حَدِيث الْأُخْرَى فِي
غير وَقت الْقسم لجَوَاز دُخُوله إِلَى غير صَاحِبَة
النّوبَة وَقد روى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ،
وَاللَّفْظ لَهُ، من طَرِيق ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام
بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: قلَّ يَوْم إلاَّ
وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف علينا
جَمِيعًا، فَيقبل ويلمس مَا دون الوقاع، فَإِذا جَاءَ
إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمهَا بَات عِنْدهَا. انْتهى. وعماد
الْقسم فِي حق الْمُسَافِر وَقت نُزُوله، وَحَالَة السّير
لَيست مِنْهُ لَيْلًا كَانَ، أَو نَهَارا. قَوْله:
(فَقَالَت حَفْصَة) أَي قَالَت حَفْصَة لعَائِشَة: (أَلا
تركبين اللَّيْلَة) أَي: فِي هَذِه اللَّيْلَة بَعِيري
وأركب أَنا بعيرك تنظرين إِلَى مَا لم تَكُونِي تنظرين
وَأنْظر أَنا إِلَى مَا لم أنظر؟ وَإِنَّمَا حمل حَفْصَة
على ذَلِك الْغيرَة الَّتِي تورث الدهش والحيرة وَفِيه:
إِشْعَار أَن عَائِشَة وَحَفْصَة لم تَكُونَا متقارنتين بل
كَانَت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي جِهَة قَوْله: فَقَالَت:
بلَى. أَي: فَقَالَت عَائِشَة لحفصة بلَى ارْكَبِي وَأَنا
أركب جملي. قَوْله: (فركبت) أَي حَفْصَة جمل عَائِشَة
قَوْله: (فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
جمل عَائِشَة) بِنَاء على أَن عَائِشَة على جملها،
وَالْحَال أَن عَلَيْهِ حَفْصَة قَالَ الْكرْمَانِي:
ويروى: عَلَيْهَا على تَأْوِيل الْجمل بمؤنث. قَوْله:
(فَسلم عَلَيْهَا) أَي: على حَفْصَة وَلم يذكر فِي
الْخَبَر أَنه تحدث، وَيحْتَمل أَنه تحدث وَلم ينْقل.
قَوْله: (وافتقدته عَائِشَة) أَي: افتقدت عَائِشَة رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: فِي حَالَة المسايرة،
لِأَن قطع المألوف صعف قَوْله: (جعلت رِجْلَيْهَا) أَي
جعلت عَائِشَة رِجْلَيْهَا بَين الأذخر وَهُوَ نبت
مَعْرُوف تُوجد فِيهِ الْهَوَام غَالِبا فِي الْبَريَّة،
وَإِنَّمَا فعلت هَذَا لما عرفت أَنَّهَا الجانية فِيمَا
أجابت إِلَى حَفْصَة وأرادت أَن تعاقب نَفسهَا على تِلْكَ
الْجِنَايَة. قَوْله: (وَتقول: يَا رب سلط عليَّ) هَكَذَا
فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي بِحرف النداء وَفِي رِوَايَة
غَيره رب سلط، بِدُونِ حرف النداء، وَكَذَا فِي رِوَايَة
مُسلم. قَوْله: (تلدغني) بالغين الْمُعْجَمَة. قَوْله:
(وَلَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول لَهُ) أَي لرَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْكرْمَانِي الظَّاهِر أَنه
كَلَام حَفْصَة وَيحْتَمل أَن يكون كَلَام عَائِشَة. قلت:
الْأَمر بِالْعَكْسِ، بل الظَّاهِر أَنه من كَلَام
عَائِشَة، وَظَاهر الْعبارَة يشْعر أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعرف الْقِصَّة، وَيحْتَمل أَن
يكون قد عرفهَا بِالْوَحْي وبالقرائن وتغافل صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا جرى إِذا لم يجز مِنْهَا شَيْء
يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم. وَعند مُسلم. وَتقول: رب سلط
(20/197)
عَليّ عقربا أَو حَيَّة تلدغني، رَسُولك
لَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول لَهُ شَيْئا، وَرَسُولك
بِالنّصب بإضمار فعل تَقْدِيره: انْظُر رَسُولك، وَيجوز
الرّفْع على الِابْتِدَاء وإضمار الْخَبَر تَقْدِيره: هُوَ
رَسُولك.
وَقَالَ الْمُهلب. وَفِيه: أَن دُعَاء الْإِنْسَان على
نَفسه عِنْد الْحَرج مَعْفُو عَنهُ غَالِبا لقَوْل الله عز
وَجل: {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم
بِالْخَيرِ} (يُونُس: 11) الْآيَة.
89 - (بابُ المَرْأةِ تَهَبُ يَوْمَها مِنْ زَوْجِها
لِضرَّتِها، وكَيْفَ يَقْسِمُ ذلِك؟)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ الْمَرْأَة الَّتِي تهب يَوْمهَا
إِلَى آخِره فَقَوله الْمَرْأَة، مُبْتَدأ وَقَوله: (تهب
يَوْمهَا) خَبره وَقَوله: (من زَوجهَا) فِي مَحل النصب على
أَنه صفة لقَوْله يَوْمهَا، أَي يَوْمهَا الْمُخْتَص لَهَا
فِي الْقسم الْكَائِن من زَوجهَا قَوْله: (لضرتها)
يتَعَلَّق بقوله تهب. قَوْله: (وَكَيف يقسم ذَلِك) أَي:
الْمَذْكُور من هبة الْمَرْأَة يَوْمهَا لضرتها كَيفَ
يقسم، وَلم يبين كَيْفيَّة ذَلِك، وَإِنَّمَا ذكر ذَلِك
على سَبِيل الِاسْتِفْهَام؟ عَن وَجه الْقِسْمَة أَي: على
أَي وَجه يقسم وهب الْمَرْأَة يَوْمهَا من الْقسم لضرتها،
بَيَان ذَلِك أَن تكون فِيهِ الْمَوْهُوبَة بِمَنْزِلَة
الواهبة فِي رُتْبَة الْقِسْمَة، فَإِن كَانَ يَوْم
سَوْدَة ثَالِثا ليَوْم عَائِشَة أَو رَابِعا أَو خَامِسًا
استحقته عَائِشَة على حسب الْقِسْمَة الَّتِي كَانَت
لسودة، وَلَا يتَأَخَّر عَن ذَلِك الْيَوْم وَلَا
يتَقَدَّم وَلَا يكون ثَانِيًا ليَوْم عَائِشَة إلاَّ أَن
يكون يَوْم سَوْدَة بعد يَوْم عَائِشَة.
2125 - حدّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا زُهَيْرٌ عنْ
هِشَامٍ عنْ أبيهِ عنْ عائِشةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ
سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَها لِعَائِشَةَ،
وكانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْسِمُ
لِعائِشَةَ بِيَوْمِها ويَوْمِ سَوْدَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُشْتَمل عَلَيْهَا
لِأَن قَوْله: إِن سَوْدَة بنت زَمعَة وهبت يَوْمهَا
لعَائِشَة، يَشْمَل الشّطْر الأول من التَّرْجَمَة.
وَقَوله: (كَانَ يقسم) إِلَى آخِره، مُشْتَمل على الشّطْر
الثَّانِي مِنْهَا. وَهُوَ قَول: وَكَيف يقسم ذَلِك، مَعَ
أَنه يُوضح معنى ذَلِك وَهُوَ أَنه يقسم لعَائِشَة
الْمَوْهُوب لَهَا يَوْمهَا الْمُخْتَص لَهَا وَيَوْم
سَوْدَة الواهبة يَوْمهَا لَهَا على الْوَجْه الَّذِي
ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَمَالك بن إِسْمَاعِيل هُوَ أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ
بالنُّون الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الْهَاء، وَزُهَيْر مصغر
زهر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن الجزيرة يروي
عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أبي عُرْوَة بن الزبير عَن
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح أَيْضا عَن عَمْرو
النَّاقِد عَن الْأسود بن عَامر عَن زُهَيْر بِهِ.
قَوْله: (أَن سَوْدَة بنت زَمعَة) بِسُكُون الْمِيم
وَفتحهَا ابْن قيس، القرشية العامرية، تزَوجهَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة بعد موت خديحة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَدخل عَلَيْهَا بهَا،
وَكَانَ دُخُولهَا بهَا قبل دُخُوله على عَائِشَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، بالِاتِّفَاقِ وَهَاجَرت مَعَه
وَتوفيت فِي آخر خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة) ، وَقد
تقدم فِي الْهِبَة من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة
بِلَفْظ: يَوْمهَا وليلتها، وَزَاد فِي آخِره تبتغي بذلك
رضَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي
رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عقبَة بن خَالِد عَن هِشَام: لما
أَن كَبرت سَوْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا جعلت
يَوْمهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لعَائِشَة، وروى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن يُونُس عَن
عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة
عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفضل بَعْضنَا على بعض فِي الْقسم
الحَدِيث وَفِيه: وَلَقَد قَالَت سَوْدَة بنت زمعه حِين
أَسِنَت وخافت أَن يفارقها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يَا رَسُول الله! يومي لعَائِشَة، فَقبل ذَلِك
مِنْهَا، وفيهَا وَفِي أشباهها نزلت: {وَإِن امْرَأَة
خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} (النِّسَاء: 821) الْآيَة.
وَتَابعه ابْن سعد عَن الْوَاقِدِيّ عَن ابْن أبي
الزِّنَاد فِي وَصله، وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن
عَبَّاس مَوْصُولا نَحوه. وَأخرج ابْن سعد بِسَنَد رِجَاله
ثِقَات من رِوَايَة الْقَاسِم بن أبي بزَّة مُرْسلا: أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا فَقَعَدت لَهُ
على طَرِيقه، فَقَالَت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَالِي
فِي الرِّجَال حَاجَة، وَلَكِن أحب أَن أبْعث مَعَ
نِسَائِك يَوْم الْقِيَامَة، فأنشدك بِالَّذِي أنزل
عَلَيْك الْكتاب هَل طَلقنِي لموجدة وَجدتهَا عَليّ؟
قَالَ: لَا. قَالَت: فأنشدك لما راجعتني، فَرَاجعهَا،
قَالَت: فَإِنِّي جعلت يومي وليلتي لعَائِشَة حَبَّة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَكَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم لعَائِشَة بيومها
وَيَوْم سَوْدَة) يَعْنِي على الْوَجْه الَّذِي
ذَكرْنَاهُ، وَفِي رِوَايَة جرير عَن هِشَام عِنْد مُسلم:
فَكَانَ يقسم لعَائِشَة يَوْمَيْنِ: يَوْمهَا وَيَوْم
سَوْدَة انْتهى.
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقسم لكل وَاحِدَة من
نِسَائِهِ يَوْمًا وَلَيْلَة كَمَا تظاهرت عَلَيْهِ
الْأَحَادِيث فَفِي بَعْضهَا: يَوْم، وَالْمرَاد بليلته،
وَفِي بَعْضهَا لَيْلَة، وَالْمرَاد مَعَ الْيَوْم، وَفِي
بَعْضهَا: يَوْم وَلَيْلَة. وَذهب جمَاعَة من أهل الْعلم
إِلَى أَنه لَا يُزَاد فِي
(20/198)
الْقسم على يَوْم وَلَيْلَة اقْتِدَاء
بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه قَالَ مَالك
وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو إِسْحَاق الْمروزِي من
الشَّافِعِيَّة. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله:
وَحمل الشَّافِعِي ذَلِك على الْأَوْلَوِيَّة والاستحباب،
وَنَصّ على جَوَاز الْقسم لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ
وَثَلَاثًا وَثَلَاثًا. وَقَالَ فِي (الْمُخْتَصر) وأكره
مُجَاوزَة الثَّلَاث فَحَمله الْأَكْثَرُونَ على الْمَنْع
وَنقل عَن نَصه فِي (الْإِمْلَاء) أَنه كَانَ يقسم مياومة
ومشاهرة ومسانهة، قَالَ الرَّافِعِيّ: فَحَمَلُوهُ على مَا
إِذا رضين وَلم يَجْعَلُوهُ قولا آخر، وَحكى عَن صَاحب
(التَّقْرِيب) أَنه: يجوز أَن يقسم سبعا سبعا. وَعَن
الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَغَيره أَنه تجوز
الزِّيَادَة مَا لم تبلغ التَّرَبُّص بِمدَّة الْإِيلَاء
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا يجوز أَن يَبْنِي
الْقسم على خمس سِنِين مثلا، وَحكى الْغَزالِيّ فِي
(الْبَسِيط) وَجها: أَنه لَا تَقْدِير بِزَمَان وَلَا
تَوْقِيت أصلا فَإِنَّمَا التَّقْدِير إِلَى الزَّوْج
انْتهى كَلَامه.
قلت: وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلَا أرى مُجَاوزَة يَوْم
إِذْ لَا حجَّة مَعَ من تحظى سنة رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى غَيرهَا. أَلا ترى قَوْله فِي
الحَدِيث: أَن سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة، وَلم يحفظ
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قسمته
لأزواجه أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة، وَلَو جَازَ ثَلَاثَة
لجَاز خَمْسَة شهرا، ثمَّ يتخطى بالْقَوْل إِلَى مَا لَا
نِهَايَة لَهُ، فَلَا يجوز مُعَارضَة السّنة.
وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْقسم بَين النِّسَاء وَهُوَ
مُتَّفق على اسْتِحْبَابه، فإمَّا وُجُوبه فَادّعى صَاحب
(الْمُفْهم) الِاتِّفَاق على وُجُوبه، فَقَالَ شَيخنَا:
وَفِي دَعْوَى الِاتِّفَاق نظر فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي
(شرح مُسلم: مَذْهَبنَا إِنَّه لَا يلْزم أَن يقسم لنسائه،
بل لَهُ إحسانهن كُلهنَّ، لَكِن يكره تعطيلهن. قَالَ
الرَّافِعِيّ: وَعَن القَاضِي أبي حَامِد حِكَايَة أَنه
يجب الْقسم بَينهُنَّ وَلَا يجوز لَهُ الْإِعْرَاض.
99
- (بابُ العَدْلِ بَيْنَ النِّساء. {وَلنْ تستطيعوا أَن
تعدلوا بَين النِّسَاء} إِلَى قَوْله: {وَاسِعًا حكيما}
(النِّسَاء: 921، 031) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْعدْل بَين النِّسَاء،
يَعْنِي إِذا كَانَ رجل لَهُ امْرَأَتَانِ أَو ثَلَاث أَو
أَربع يجب عَلَيْهِ أَن يعدل بَينهُنَّ فِي الْقسم، إلاَّ
برضاهن، بِأَن يرضين بتفضيل بَعضهنَّ على بعض، وَيحسن
مَعَهُنَّ عشرتهن وَلَا يدْخل بَينهُنَّ من التحاسد
والعداوة مَا يكدر صحبته لَهُنَّ، وَتَمام الْعدْل أَيْضا
بَينهُنَّ تسويتهن فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَالْهِبَة
وَنَحْوهَا قَوْله: {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين
النِّسَاء} (النِّسَاء: 921) أَي: لن تُطِيقُوا أَيهَا
الرِّجَال أَن تسووا بَين نِسَائِكُم فِي حبهن بقلوبكم
حَتَّى تعدلوا بَينهُنَّ فِي ذَلِك لِأَن ذَلِك مِمَّا لَا
تملكونه، وَلَو حرصتم فِي تسويتكم بَينهُنَّ فِي ذَلِك،
وروت الْأَرْبَعَة من حَدِيث عبد الله بن يزِيد عَن
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل،
وَيَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قسمي فِيمَا أملك فَلَا تلمني
فِيمَا تملك وَلَا أملك قَوْله: فِيمَا أملك أَي: فِيمَا
قدرتني عَلَيْهِ مِمَّا يدْخل تَحت الْقُدْرَة
وَالِاخْتِيَار بِخِلَاف مَا لَا قدرَة عَلَيْهِ من ميل
الْقلب فَإِنَّهُ لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة. وروى
الْأَرْبَعَة أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ عِنْد الرجل
امْرَأَتَانِ فَلم يعدل بَينهمَا جات يَوْم الْقِيَامَة
وَشقه سَاقِط. قيل: المُرَاد سُقُوط شقَّه حَقِيقَة أَو
المُرَاد سُقُوط حجَّته بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَى
امرأتيه الَّتِي مَال عَلَيْهَا مَعَ الْأُخْرَى؟
وَالظَّاهِر الْحَقِيقَة، تدل عَلَيْهَا رِوَايَة أبي
دَاوُد: وَشقه مائل، وَالْجَزَاء من جنس الْعَمَل، وَلما
لم يعدل أَو حاد عَن الْحق، والجور الْميل كَانَ عَذَابه
بِأَن يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رُؤُوس الأشهاد وَأحد
شقيه مائل فَإِن قلت: أَمر المزوجون بِالْعَدْلِ بَين
نِسَائِهِم، وَالْآيَة تخبر بِأَنَّهُم لَا يَسْتَطِيعُونَ
أَن يعدلُوا قلت: الْمَنْفِيّ فِي الْآيَة الْعدْل
بَينهُنَّ من كل جِهَة أَلا ترى كَيفَ قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك؟
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: يَعْنِي بِهِ الْحبّ والمودة لِأَن
ذَلِك مِمَّا لَا يملكهُ الرجل وَلَا هُوَ فِي قدرته.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
عَنْهُمَا: لَا تَسْتَطِيع أَن تعدل بالشهوة فِيمَا
بَينهُنَّ وَلَو حرصت، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: دلّت هَذِه
الْآيَة على أَن التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فِي الْمحبَّة غير
وَاجِبَة، وَقد أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن عَائِشَة أحب إِلَيْهِ من غَيرهَا من أَزوَاجه، فَلَا
تميلوا كل الْميل بأهوائكم حَتَّى يحملكم ذَلِك على أَن
تَجُورُوا فِي الْقسم على الَّتِي لَا تحبون. قَوْله:
إِلَى قَوْله: {وسعا حكيما} (النِّسَاء: 031) يَعْنِي:
إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ. وأولهما من قَوْله: {وَلنْ
تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء وَلَو حرصتم فَلَا
تميلوا كل الْميل فتذروها كالمعلقة وَأَن تصلحوا وتتقوا
فَإِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما وَإِن يَتَفَرَّقَا يغن
الله كلاًّ سعته وَكَانَ الله وَاسِعًا حكيما} (النِّسَاء:
921، 031) قَوْله: (فَلَا تميلوا كل الْميل) أَي: فَلَا
تَجُورُوا على المرغوب عَنْهَا كل الْجور فتمنعوها قسمتهَا
من غير رِضَاهَا. قَوْله: (فتذروها) أَي فتتركوها كالمعلقة
وَهِي الَّتِي لَيست بِذَات بعل وَلَا مُطلقَة، وَقيل: لَا
أيم وَلَا ذَات زوج. قَوْله: (وَأَن تصلحوا) أَي: فِيمَا
بَيْنكُم وبينهن بِالِاجْتِهَادِ مِنْكُم فِي الْعدْل
(20/199)
بَينهُنَّ وتتقوا الْميل فِيهِنَّ فَإِن الله غَفُور مَا
عجزت عَنهُ طاقتكم من بُلُوغ الْميل مِنْكُم فِيهِنَّ.
قَوْله: (وَإِن يَتَفَرَّقَا) يَعْنِي: وَإِن يُفَارق كل
مِنْهُمَا صَاحِبَة يغن الله كلا يَعْنِي: يرزقه زوجا خيرا
من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه، وَالسعَة: الْغَنِيّ
وَالْقُدْرَة، والواسع: الْغَنِيّ المقتدر.
001 - (بابٌ إذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ علَى الثَّيِّب)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يفعل الرجل إِذا تزوج
امْرَأَة بكرا على امْرَأَة ثيب وَلم يذكر جَوَاب: إِذا،
الَّذِي هُوَ يبين الحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث
الْبَاب، وَالْبكْر خلاف الثّيّب ويقعان على الرجل
وَالْمَرْأَة،، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الثّيّب من لَيْسَ
ببكر، وَيَقَع على الذّكر وَالْأُنْثَى، يُقَال: رجل ثيب
وَامْرَأَة ثيب، وَقد يُطلق على الْمَرْأَة الْبَالِغَة
وَإِن كَانَت بكرا مجَازًا واتساعا، وَاصل الْكَلِمَة
الْوَاو لِأَنَّهُ من ثاب يثوب إِذا رَجَعَ، فَإِن الثّيّب
بصدد الْعود وَالرُّجُوع قلت: أصل الثّيّب ثويب اجْتمعت
الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت
الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، فَافْهَم.
3125 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرٌ حَدثنَا خالِدٌ
عنْ أبي قِلاَبَةَ عَن أنَسٍ، رَضِي الله عنهُ، ولَوْ
شِئْتُ أَن أقُولَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
ولكِنْ قَالَ: السُّنَّةُ إذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ أَقَامَ
عِنْدَها سَبْعا، وإذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أقامَ
عِنْدَها ثَلاثا.
(انْظُر الحَدِيث 3125 طرفه فِي: 4125)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبشر، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْمفضل بن
لَاحق أَبُو إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن
مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر
الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام: عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن
رَافع وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي
سَلمَة يحيى بن خلف. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن هناد
بن السّري عَن عَبدة بن سُلَيْمَان.
قَوْله: (وَلَو شِئْت أَن أَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) اخْتلف فِي قَائِل هَذَا القَوْل أَعنِي
قَوْله: (وَلَو شِئْت) فَقيل: خَالِد الْحذاء رَاوِي
الحَدِيث. وَقد صرح بِهِ فِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ:
حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: أخبرنَا هشيم عَن خَالِد عَن
أبي قلَابَة عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
قَالَ: إِذا تزوج الْبكر على الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا
سبعا وَإِذا تزوج الثّيّب على الْبكر أَقَامَ عِنْدهَا
ثَلَاثًا، قَالَ خَالِد: وَلَو قلت إِنَّه رَفعه لصدقت،
وَلكنه قَالَ: السّنة كَذَلِك انْتهى. وَقيل: هُوَ أَبُو
قلَابَة الرَّاوِي، وَقد صرح بهما البُخَارِيّ فِي
الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا الْبَاب، على مَا
يَأْتِي إِن شَاءَ الله قَوْله: (وَلَكِن قَالَ: السّنة
إِذا تزوج الْبكر) إِلَى آخِره، أَي: وَلَكِن قَالَ أنس
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ السّنة إِلَى آخِره، وخَالِد
أَو أَبُو قلَابَة لَو قَالَ: قَالَ أنس: قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكَانَ صَادِقا فِي تصريحه
بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لكنه
رأى أَن الْمُحَافظَة على اللَّفْظ أولى، وَقَوله:
(السّنة) يَقْتَضِي أَن يكون مَرْفُوعا بطرِيق اجتهادي
احتمالي. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا اللَّفْظ يَقْتَضِي
رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا
قَالَ الصَّحَابِيّ: السّنة كَذَا، أَو من السّنة كَذَا
فَهُوَ فِي الحكم كَقَوْلِه: قَالَ التبي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (سبعا) أَي: سبع ليَالِي وَيدخل
فِيهَا الْأَيَّام، وَقَالَ الْخطابِيّ: السَّبع تَخْصِيص
للبكر لَا يحْسب بهَا وَعَلَيْهَا، وَكَذَا الثَّلَاث
للثيب، ويستأنف الْقِسْمَة بعده، وَهَذَا من الْمَعْرُوف
الَّذِي أَمر الله بِهِ فِي معاشرتهن، وَذَلِكَ أَن الْبكر
لما فِيهَا من الْحيَاء وَلُزُوم الخدر تحْتَاج إِلَى فضل
إمهال وصبر وتأن ورفق، وَالثَّيِّب قد جربت الرِّجَال
إِلَّا أَنَّهَا من حَيْثُ استجداد الصُّحْبَة أكرمت
بِزِيَادَة الوصلة، وَهِي مُدَّة الثَّلَاث. |