عمدة القاري شرح صحيح البخاري

71 - ( {كِتابُ العَقِيقَةِ} )

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْعَقِيقَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَقِيقَة أَصْلهَا الشّعْر الَّذِي يكون على رَأس الصَّبِي حِين يُولد، وَسميت الشَّاة الَّتِي تذبح عَنهُ فِي تِلْكَ الْحَال عقيقة لِأَنَّهُ يحلق عَنهُ ذَلِك الشّعْر عِنْد الذّبْح. وَقَالَ الْخطابِيّ: هِيَ اسْم الشَّاة المذبوحة عَن الْوَلَد، وَسميت بهَا لِأَنَّهَا تعق عَن ذابحها. أَي: تشق وتقطع، وَيُقَال: وَرُبمَا يُسمى الشّعْر عقيقة بعد الْحلق على الِاسْتِعَارَة، وَإِنَّمَا سمي الذّبْح عَن الصَّبِي يَوْم سابعه عقيقة باسم الشّعْر لِأَنَّهُ يحلق فِي ذَلِك الْيَوْم وعق عَن ابْنه يعق عقا: حلق عقيقته وَذبح عَنهُ شَاة وَتسَمى الشَّاة الَّتِي ذبحت لذَلِك عقيقة وَقَالَ: أصل العق الشق فَكَأَنَّهَا قيل لَهَا: عقيقة. أَي: مشقوقة وكل

(21/82)


مَوْلُود من الْبَهَائِم فشعره عقيقة.

1 - (بَابُ: {تَسْمِيَةِ المَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُلِمَنْ يَعُقَّ عَنهُ وَتحْنِيكِهِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَسْمِيَة الْمَوْلُود غَدَاة يُولد لمن لم يعق عَنهُ وتحنيكه كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني، وَسَقَطت لَفْظَة عَن عِنْد الْجُمْهُور وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: وَإِن لم يعق عَنهُ بدل: لمن لم يعق عَنهُ وَأَرَادَ بِالْغَدَاةِ الْوَقْت لِأَنَّهَا تطلق وَيُرَاد بهَا مُطلق الْوَقْت ويقهم من قَوْله: (لمن لم يعق) ، أَنه يُسمى الْمَوْلُود وَقت الْولادَة إِن لم تحصل الْعَقِيقَة وَإِن حصلت يُسمى فِي الْيَوْم السَّابِع وَيفهم من رِوَايَة النَّسَفِيّ أَنه يُسمى وَقت الْولادَة سَوَاء حصلت الْعَقِيقَة أَو لم تحصل وَالْأول أولى لِأَن الْأَخْبَار وَردت فِي التَّسْمِيَة يَوْم السَّابِع لما سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَيفهم من رِوَايَة النَّسَفِيّ أَيْضا أَن الْعَقِيقَة غير وَاجِبَة.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْفضل أَي: الْعَقِيقَة، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق: سنة لَا يَنْبَغِي تَركهَا لمن قدر عَلَيْهَا، وَقَالَ أَحْمد: هِيَ أحب إليّ من التَّصَدُّق بِثمنِهَا على الْمَسَاكِين وَقَالَ مرّة: إِنَّهَا من الْأَمر الَّذِي لم يزل عَلَيْهِ أَمر النَّاس عندنَا. وَقَالَ مَالك: هِيَ من الْأَمر الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ عِنْدهم، وَقَالَ يحيى بن سعيد: أدْركْت النَّاس وَمَا يدعونها عَن الْغُلَام وَالْجَارِيَة. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمِمَّنْ كَانَ يَرَاهَا ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وروى عَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وروى عَن الْحسن وَأهل الظَّاهِر أَنَّهَا وَاجِبَة، وتأولوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَعَ الْغُلَام عقيقة) على الْوُجُوب وَقَالَ ابْن حزم: هِيَ فرض وَاجِب يجْبر الْإِنْسَان عَلَيْهَا إِذا فضل لَهُ من قوته مقدارها وَفِي (شرح السّنة) وأوجبها الْحسن قَالَ: يجب عَن الْغُلَام يَوْم سابعه فَإِن لم يعق عَنهُ عق عَن نَفسه، وَقَالَ ابْن التِّين قَالَ أَبُو وَائِل: هِيَ سنة فِي الذُّكُور دون الْإِنَاث، وَكَذَا ذكره فِي (المُصَنّف) عَن مُحَمَّد وَالْحسن، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيست بِسنة. وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: هِيَ تطوع كَانَ النَّاس يفعلونها ثمَّ نسخت بالأضحى، وَنقل صَاحب (التَّوْضِيح) عَن أبي حنيفَة والكوفيين: أَنَّهَا بِدعَة وَكَذَلِكَ قَالَ بَعضهم فِي شَرحه وَالَّذِي نقل عَنهُ أَنَّهَا بِدعَة أَبُو حنيفَة. قلت: هَذَا افتراء فَلَا يجوز نسبته إِلَى أبي حنيفَة وحاشاه أَن يَقُول مثل هَذَا: وَإِنَّمَا قَالَ: لَيست بِسنة فمراده إِمَّا لَيست بِسنة ثَابِتَة، وَإِمَّا لَيست بِسنة مُؤَكدَة وروى عبد الرَّزَّاق عَن دَاوُد بن قيس. قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: لَا أحب العقوق. قَالُوا: يَا رَسُول الله! ينْسك أَحَدنَا عَمَّن يُولد لَهُ فَقَالَ: من أحب مِنْكُم أَن ينْسك عَن وَلَده فَلْيفْعَل عَن الْغُلَام شَاتَان مكافأتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، فَهَذَا يدل على الِاسْتِحْبَاب.
قَوْله: (وتحنيكه) ، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: تَسْمِيَة الْمَوْلُود. أَي: فِي بَيَان تحنيك الْمَوْلُود، وَهُوَ مضغ الشَّيْء وَوَضعه فِي فَم الصَّبِي، وَذَلِكَ تحنيكه بِهِ، يُقَال: حنكت الصَّبِي إِذا مضغت التَّمْر أَو غَيره ثمَّ دلكته بحنكه وَالْأولَى فِيهِ التَّمْر فَإِن لم يَتَيَسَّر فالرطب وإلاَّ فشيء حُلْو، وَعسل النَّحْل أولى من غَيره. ثمَّ مَا لم تمسه النَّار.

5467 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ قَالَ؛ حدَّثني بُرَيْدٌ عَنْ أبِي بُرْدَةَ عَنْ أبِي مُوسَى، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: وُلِدَ لي غُلامٌ فَأتَيْتُ بِهِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسمَّاهُ إبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إلَيَّ وَكَانَ أكْبَرَ وَلَدِ أبِي مُوسَى.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَنَّهَا فِي تَسْمِيَة الْمَوْلُود وتحنيكه والْحَدِيث يشملها.
وَإِسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن نصر البُخَارِيّ، نزل الْمَدِينَة. فَالْبُخَارِي: تَارَة يَقُول: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَتارَة ينْسبهُ إِلَى جده، وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَيُرِيد الْمَذْكُور يروي عَن جده أبي مُوسَى.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي كريب، وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَغَيره.
وَفِيه (حكمان) .
الأول: تَسْمِيَة الْمَوْلُود أَنه يعجل تَسْمِيَة الْمَوْلُود وَلَا ينْتَظر بهَا إِلَى السَّابِع أَلا يرى كَيفَ أسْرع أَبُو مُوسَى بإحضار مولوده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَماهُ إِبْرَاهِيم، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تَسْمِيَة الْمَوْلُود حِين يُولد أصح من الْأَحَادِيث فِي تَسْمِيَته يَوْم السَّابِع

(21/83)


وَأورد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّار وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي (صَحِيحَيْهِمَا) عَن عَائِشَة. قَالَت: عق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْحسن وَالْحُسَيْن، رَضِي الله عَنْهُمَا، يَوْم السَّابِع وسماهما وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِتَسْمِيَة الْمَوْلُود لسابعه، وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَبْعَة من السّنة فالصبي يَوْم السَّابِع: يُسمى، ويختن، يماط عَنهُ الْأَذَى، ويثقب أُذُنه ويعق عَنهُ، ويحلق رَأسه، ويلطخ من عقيقته، وَيتَصَدَّق بِوَزْن شعره ذهب أَو فضَّة أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْأَوْسَط) وَفِي سَنَده ضعف، وَفِيه أَيْضا عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، رَفعه إِذا كَانَ يَوْم السَّابِع للمولود فأهريقوا عَنهُ دَمًا واميطوا عَنهُ الْأَذَى وسموه، وَإِسْنَاده حسن. وَقَالَ الْخطابِيّ: ذهب كثير من النَّاس إِلَى أَن التَّسْمِيَة تجوز قبل ذَلِك. وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيّ: إِذا ولد وَقد تمّ خلقه يُسمى فِي الْوَقْت إِن شَاءَ. وَقَالَ الْمُهلب: وَتَسْمِيَة الْمَوْلُود حِين يُولد وَبعد ذَلِك بليلة أَو لَيْلَتَيْنِ وَمَا شَاءَ إِذا لم ينْو الْأَب الْعَقِيقَة عِنْد يَوْم سابعه جَائِز، وَإِن أَرَادَ أَن ينْسك عَنهُ فَالسنة أَن تُؤخر تَسْمِيَته إِلَى يَوْم النّسك وَهُوَ السَّابِع.
وَالْحكم الثَّانِي: تحنيك الْمَوْلُود، وَقد ذَكرْنَاهُ. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تحنيكه؟ قلت: قَالَ بَعضهم: يصنع ذَلِك بِالصَّبِيِّ ليتمرن على الْأكل فيقوى عَلَيْهِ، فيا سُبْحَانَ الله مَا أبرد هَذَا الْكَلَام، وَأَيْنَ وَقت الْأكل من وَقت التحنيك؟ وَهُوَ حِين يُولد وَالْأكل غَالِبا بعد سنتَيْن أَو أقل أَو أَكثر؟ وَالْحكمَة فِيهِ أَنه يتفاءل لَهُ بِالْإِيمَان لِأَن التَّمْر ثَمَرَة الشَّجَرَة الَّتِي شبهها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْمُؤمنِ، وبحلاوته أَيْضا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ المحنك من أهل الْفضل وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ لِأَنَّهُ يصل إِلَى جَوف الْمَوْلُود من ريقهم أَلا ترى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما حنك عبد الله بن الزبير حَاز من الْفَضَائِل والكمالات مَا لَا يُوصف؟ وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ عفيفا فِي الْإِسْلَام، وَكَذَلِكَ عبد الله بن أبي طَلْحَة كَانَ من أهل الْعلم وَالْفضل والتقدم فِي الْخَيْر ببركة رِيقه الْمُبَارك.

5468 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا. قَالَتْ: أُُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِصَبِيِّ يُحَنِّكُهُ فَبَالَ عَلَيْهِ فَأتْبَعَهُ المَاء.

مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث من أَفْرَاده وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب بَوْل الصّبيان عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة الحَدِيث.

5469 - حدَّثنا إسْحَاقَ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ حدَّثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُما أنَّها حَمَلَتْ بِعَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأنَا مُتِم، فَأتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدَتُهُ بِقُباء، ثُمَّ أتَيْتُ بِهِ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَها ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإسْلامِ فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحا شَدِيدا لأنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إنَّ اليَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلا يُولَدُ لَكُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْحَاق بن نصر وَشَيْخه قد ذكرا عَن قريب.
والْحَدِيث قد مضى فِي هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن زَكَرِيَّاء بن يحيى، وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
قَوْله: (وَأَنا متم) ، بِضَم الْمِيم وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، يُقَال: اتمت الحبلى فَهِيَ متم إِذا أتمت أَيَّام حملهَا. قَوْله: (قبَاء) ، والفصيح فِيهِ الْمَدّ وَالصرْف وَحكى الْقصر وَكَذَا ترك الصّرْف. قولهّ (فِي حجره) بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَوْله: (ثمَّ تقل) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْفَاء أَي: بزق. قَوْله: (فِي فِيهِ) أَي: فِي فَمه. قَوْله: (فبرك عَلَيْهِ) بتَشْديد الرَّاء أَي: دَعَا لَهُ بِالْبركَةِ. قَوْله: (أول مَوْلُود فِي الْإِسْلَام) أَي: أول مَوْلُود بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة من أَوْلَاد الْمُهَاجِرين وَإِلَّا فالنعمان بن بشير الْأنْصَارِيّ ولد قبله بعد الْهِجْرَة.

(21/84)


5470 - حدَّثنا مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخْبَرَنا عَبْدُ الله بنُ عَوْنٍ عَنْ أنَسٍ بنِ سِيرِينَ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، رَضِيَ الله عَنهُ. قَالَ: كَانَ ابنٌ لأبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَجَعَ أبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أسْكَنُ مَا كَانَ فَقَرَّبَتْ إلَيْهِ العَشَاءَ فَتَعَشَى ثُمَّ أصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارِ الصَّبِيَّ فَلَمَّا أصْبَحَ أبُو طَلْحَةَ أتَى رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخُبَرَهُ. فَقَالَ: أعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا فَوَلَدَتْ غُلاما قَالَ لِي أبُو طَلْحَةَ: احْفَظِيهِ حَتَّى نَأتِيَ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتَى بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ. فَأخَذَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أمَعَهُ شَيْءٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ! تَمْرَاتٌ. فَأخَذَها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَضَغَهَا ثُمَّ أخَذَ مِنْ فِيه فَجَعَلَها فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث ومطر بن الْفضل الْمروزِي وَيزِيد من الزِّيَادَة وَأنس بن سِيرِين أَخُو مُحَمَّد بن سِيرِين.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (لأبي طَلْحَة) ، وَهُوَ يزِيد بن سهل زوج أم أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (يشتكي) ، من الاشتكاء من الشكو وَهُوَ الْمَرَض. قَوْله: (أم سليم) ، هِيَ: أم أنس بن مَالك. قَوْله: (أسكن مَا كَانَ) أَرَادَت بِهِ سُكُون الْمَوْت، وَهُوَ أفعل التَّفْضِيل، وَظن أَبُو طَلْحَة أَنَّهَا تُرِيدُ سُكُون الشِّفَاء. قَوْله: (ثمَّ أصَاب مِنْهَا) أَي: جَامعهَا. قَوْله: (وارِ الصَّبِي) أَي: ادفنه من المواراة، ويروى: وأروا الصَّبِي. قَوْله: (أعرستم) من الإعراس وَهُوَ الْوَطْء. يُقَال: أعرس بأَهْله إِذا غشيها، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، أعرستم؟ بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الرَّاء وَقَالَ عِيَاض: هُوَ غلط لِأَن التَّعْرِيس النُّزُول فِي آخر اللَّيْل، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لُغَة يُقَال: أعرس وعرس إِذا دخل بأَهْله، والأفصح: أعرس، وَهَذَا السُّؤَال للتعجب من صنعهما وصبرهما وسروره بِحسن رضائها بِقَضَاء الله تَعَالَى. قَوْله: (احفظيه) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: احفظه.
وَفِيه: اسْتِحْبَاب تحنيك الْمَوْلُود عِنْد وِلَادَته وَحمله إِلَى صَالح يحنكه، والتمسية يَوْم وِلَادَته، وتفويض التَّسْمِيَة إِلَى الصَّالِحين، ومنقبة أم سليم من عَظِيم صبرها وَحسن رضائها بِالْقضَاءِ، وجزالة عقلهَا فِي إخفائها مَوته عَن أَبِيه فِي أول اللَّيْل ليبيت مستريحا وَاسْتِعْمَال المعاريض، وأجابة دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَقّهمَا حَيْثُ حملت بِعَبْد الله بن أبي طَلْحَة، وَجَاء من عبد الله عشرَة صَالِحُونَ عُلَمَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
{حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا ابنُ أبِي عَدِيٍّ عَنِ ابنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أنَسٍ، وَسَاقَ الحَدِيثَ} .
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الحَدِيث الْمَذْكُور دائر بَين الْأَخَوَيْنِ فَالَّذِي مضى عَن أنس بن سِيرِين، وَهَذَا عَن أَخِيه مُحَمَّد بن سِيرِين كِلَاهُمَا رويا عَن أنس بن مَالك فروى البُخَارِيّ هَذَا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى ضد الْمُفْرد عَن مُحَمَّد بن أبي عدي عَن عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك. قَوْله: (وسَاق الحَدِيث) ، أَي: الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْمثنى وَسَاقه البُخَارِيّ فِي كتاب اللبَاس فِي بَاب الخميصة السَّوْدَاء. قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى. قَالَ: حَدثنِي ابْن أبي عدي عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس. قَالَ: لما ولدت أم سليم الحَدِيث.

2 - (بَابُ: {إمَاطَةِ الأذَى عَنِ الصَّبِيِّ فِي العَقِيقَةِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إمَاطَة الْأَذَى أَي: إِزَالَة الْأَذَى. قَالَ: الْكسَائي: مطت عَنهُ الْأَذَى، وأمطت نحيت، وَكَذَلِكَ، مطت غَيْرِي وأمطته وَأنكر ذَلِك الْأَصْمَعِي. وَقَالَ: مطت أَنا وأمطت غَيْرِي، وَفِي (التَّوْضِيح) . وإماطة الْأَذَى عَن الصَّبِي: حلق الشّعْر الَّذِي على رَأسه.

5471 - حدَّثنا أبُو النُّعمَانِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ قَالَ: مَعَ الغُلامِ عَقِيقَةٌ.

(21/85)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِي الْعَقِيقَة، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَسليمَان بن عَامر الضَّبِّيّ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة صَحَابِيّ سكن الْبَصْرَة مَاله فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث.
وَقد أخرج البُخَارِيّ حَدِيثه من عدَّة طرق فَهَذَا الحَدِيث مَوْقُوف مُخْتَصر، وَقَالَ الكلاباذي: روى عَن سلمَان الضَّبِّيّ مُحَمَّد ابْن سِيرِين حَدِيثا مَوْقُوفا فِي الْأَطْعِمَة، وَهُوَ فِي الأَصْل مَرْفُوع، وَمَعْنَاهُ: عقيقة مصاحبة للغلام بعد وِلَادَته، يَعْنِي: يعق عَنهُ، وَاعْترض عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ هُنَا بِأَنَّهُ، وَإِن كَانَ مَوْصُولا لكنه مَوْقُوف وَلَيْسَ فِيهِ ذكر إمَاطَة الْأَذَى الَّذِي ترْجم بِهِ وَأجِيب عَنهُ بِأَن الْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي طرق هَذَا الحَدِيث الَّتِي أخرجهَا هُوَ طَرِيق حَمَّاد بن زيد لَكِن أوردهُ مُخْتَصرا اكْتِفَاء بِمَا ورد تَمَامه فِي بعض طرقه على مَا يَجِيء وَذَلِكَ على عَادَته هَكَذَا فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَافْهَم.
وَفِيه: حجَّة على أَنه لَا يعق عَن الْكَبِير، وَعَلِيهِ أَئِمَّة الْفَتْوَى بالأمصار.
{وَقَالَ حَجَّاجٌ: حدَّثنا حَمَّادٌ أخْبَرنا أيُّوبُ وَقَتَادَةُ وَهِشَامٌ وَحَبِيبٌ عَنِ ابنِ سِيرينَ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،} .
هَذَا الطَّرِيق مَرْفُوع، وَلكنه مُعَلّق أخرجه عَن حجاج بن منهال عَن حَمَّاد هُوَ ابْن سَلمَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَقَتَادَة ابْن دعامة السدُوسِي، وَهِشَام بن حسان الْأَزْدِيّ وحبِيب بن شَهِيد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَصله الطَّحَاوِيّ وَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي عَن حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة بِهِ. وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: حَمَّاد بن سَلمَة لَيْسَ من شَرطه فِي الِاحْتِجَاج، وَأجِيب عَنهُ بِأَنا سلمنَا أَن حَمَّاد بن سَلمَة لَيْسَ من شَرطه، وَلَكِن لَا يضرّهُ إِيرَاده للاستشهاد بِهِ.
{وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْت سِيرِينَ عَنِ الرَّبابِ عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِيِّ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} .
هَذَا طَرِيق آخر، وَهُوَ مُعَلّق مَرْفُوع، وَفِيه مُبْهَم وَهُوَ قَوْله: (غير وَاحِد) . فَمن الَّذين أبهمهم عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول سُفْيَان بن عُيَيْنَة أخرجه أَحْمد عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَصرح بِرَفْعِهِ. قَوْله: (وَهشام) ، عطف على عَاصِم، وَهُوَ هِشَام بن حسان وَمِمَّنْ أخرج عَنهُ عبد الرَّزَّاق أخرجه أَحْمد عَنهُ عَن هِشَام بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، وَمِمَّنْ أخرج عَن هِشَام أَيْضا عبد الله بن نمير أخرجه ابْن مَاجَه من طَرِيقه. وَحَفْصَة بنت سِيرِين أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين رَوَت عَن الربَاب بِفَتْح الرَّاء وبباءين موحدتين بَينهمَا ألف، وَالْأولَى مِنْهُمَا مُخَفّفَة إبنت صليعٍ مصغر الصلع بالمهملتين ابْن عَامر الضَّبِّيّ يروي عَن عَمها سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
{وَرَوَاهُ يَزِيدُ بنُ إبْرَاهِيمَ عَنِ ابنِ سِيرينَ عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ} .
هَذَا طَرِيق آخر مُعَلّق مُصَرح فِيهِ بِالْوَقْفِ أخرجه عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن إِبْرَاهِيم التسترِي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن سلمَان الضَّبِّيّ. قَوْله: (قَوْله) ، أَي: قَول سلمَان، وَصرح بِهِ أَنه مَوْقُوف عَلَيْهِ، وَوَصله الطَّحَاوِيّ فِي كِتَابه (مُشكل الْآثَار) وَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم بِهِ مَوْقُوفا.
وَقَالَ أصْبَغُ: أخْبَرَنِي ابنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بنِ حَازِمِ عَنْ أيُّوبَ السَّخْتَيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ حدَّثنا سَلْمَانُ بنُ عَامِرِ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: مَعَ الغُلامِ عَقِيقَةٌ فَأهْريقوا عَنْهُ دَما وَأمِيطُوا عَنْهُ الأذَى.
هَذَا طَرِيق آخر مَرْفُوع، وَلكنه مُعَلّق أخرجه عَن أصبغ بن الْفرج الْمصْرِيّ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن

(21/86)


وهب الْمصْرِيّ، وَأحد مَشَايِخ الطَّحَاوِيّ عَن جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ مَنْسُوب إِلَى عمل السختيان أَو بَيْعه، وَهُوَ فَارسي مُعرب، وَهِي جُلُود عَن مُحَمَّد بن سِيرِين إِلَى آخِره، وَوَصله الطَّحَاوِيّ عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن بن وهب بِهِ وَاعْترض عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا. فَقَالَ: ذكر هَذَا الحَدِيث بِلَا خبر، وَقد قَالَ أَحْمد: حَدِيث جرير بِمصْر كَانَ على التَّوَهُّم. أَو كَمَا قَالَ: وَقَالَ السَّاجِي حدث بالوهم بِمصْر وَلم يكن يحفظ وَأجِيب بِأَنَّهُ قد وَافقه غَيره عَن أَيُّوب وَفِي الْجُمْلَة هَذِه الطّرق الْخَمْسَة يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا والْحَدِيث فِي الأَصْل مَرْفُوع فَلَا يضرّهُ الْوَقْف.
قَوْله: (مَعَ الْغُلَام عقيقة) ، تمسك بِظَاهِر لَفْظَة الْحسن وَقَتَادَة، وَقَالَ: يعق عَن الْغُلَام وَلَا يعق عَن الْجَارِيَة وَعند الْجُمْهُور: يعق عَنْهُمَا لوُرُود الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة بِذكر الْجَارِيَة أَيْضا على مَا يَجِيء الْآن. قَوْله: (فأهريقوا) ، يُقَال: هراق المَاء يهريقه هراقة أَي: صبه، وَأَصله: أراق يريق إِرَاقَة.
وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أهرق المَاء يهرقه إهراقا على أفعل يفعل إفعالاً لُغَة ثَالِثَة أهرق يهريق إهرياقا وَاعْلَم أَنه أبهم فِيهِ مَا يهراق، وَكَذَا فِي حَدِيث سَمُرَة الْآتِي، وَبَين ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه التِّرْمِذِيّ مصححا من رِوَايَة يُوسُف بن مَاهك بِأَنَّهُم دخلُوا على حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمرهم عَن الْغُلَام شَاتَان مكافيتان وَعَن الْجَارِيَة شَاة وأخرجت الْأَرْبَعَة من حَدِيث أم كرز أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة وَاحِدَة وَلَا يضركم ذكرانا كن أم أناثا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: صَحِيح وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رَفعه فِي أثْنَاء حَدِيث قَالَ: من أحب أَن ينْسك عَن وَلَده فَلْيفْعَل عَن الْغُلَام شَاتَان مكافيتان وَعَن الْجَارِيَة شَاة. وَقَالَ دَاوُد بن قيس، رِوَايَة عَن عَمْرو: سَأَلت زيد بن أسلم عَن قَوْله: (مكافأتان) ، فَقَالَ: متشابهتان تذبحان جَمِيعًا. أَي: لَا يُؤَخر ذبح إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى، وَحكى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد المتكافيان المتقاربان. قَالَ الْخطابِيّ: أَي: فِي السن، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: معادلتان لما تجزي فِي الزَّكَاة وَفِي الْأُضْحِية، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي حَدِيث آخر، قيل: مَا المتكافيتان؟ قَالَ: المثلان.
قَوْله: (وأميطوا) ، أَي: أزيلوا وَقد مر فِي أول الْبَاب. قَوْله: (والأذى) ، قيل: هُوَ إِمَّا الشّعْر أَو الدَّم أَو الْخِتَان، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لما سمعنَا هَذَا الحَدِيث طلبنا من يعرف معنى إمَاطَة الْأَذَى فَلم نجد، وَقيل: المُرَاد بالأذى هُوَ شعره الَّذِي علق بِهِ دم الرَّحِم فيماط عَنهُ بِالْحلقِ، وَقيل: إِنَّهُم كَانُوا يلطمون بِرَأْس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة، وَهُوَ أَذَى فَنهى عَن ذَلِك، وَقد جزم الْأَصْمَعِي بِأَنَّهُ حلق الرَّأْس، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن كَذَلِك، وَالْأَوْجه أَن يحمل الْأَذَى على الْمَعْنى الْأَعَمّ، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن فِي بعض طرق حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب ويماط عَنهُ أقذاره، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ.
{حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنا قُرَيْشُ بنُ أنَسٍ عَنْ حَبِيبٍ بنِ الشَّهِيدِ قَالَ: أمَرَنِي ابنُ سِيرِينَ أنْ أسْألَ الحَسَنَ: مِمَّنْ سَمَعَ حَدِيثَ العَقِيقَةَ؟ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود، وَاسم أبي الْأسود حميد، وقريش مصغر القرش، بِالْقَافِ وَالرَّاء والشين الْمُعْجَمَة ابْن أنس بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة تسع وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وحبِيب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، وَسمرَة بن جُنْدُب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا الْفَزارِيّ بِالْفَاءِ وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء الْكُوفِي الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن قُرَيْش بن أنس بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعَقِيقَة عَن هَارُون بن عبد الله عَن قُرَيْش بِهِ، وَقد توقف الْبرد نجي فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث من أجل اخْتِلَاط قُرَيْش، هَذَا وَزعم أَنه تفرد بِهِ وَأَنه وهم، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك مَا حَكَاهُ الْأَثْرَم عَن أَحْمد أَنه ضعف حَدِيث قُرَيْش هَذَا، وَقَالَ: مَا أرَاهُ بِشَيْء قلت: قُرَيْش تغير سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَاسْتمرّ على ذَلِك سِتّ سِنِين، وَمَات سنة تسع وَمِائَتَيْنِ، ولقريش متابع، روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من أَن أَبَا حَمْزَة رَوَاهُ عَن الْحسن كَرِوَايَة قُرَيْش سَوَاء، وَلَعَلَّ سَماع شيخ البُخَارِيّ عَن قُرَيْش كَانَ قبل الِاخْتِلَاط، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يَصح لِلْحسنِ سَماع عَن سَمُرَة إلاَّ حَدِيث الْعَقِيقَة وَحده، ورد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ

(21/87)


البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه الْكَبِير) . قَالَ لي عَليّ بن الْمَدِينِيّ: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح. قَوْله: (أَمرنِي ابْن سِيرِين) أَي: مُحَمَّد بن سِيرِين (أَن أسأَل) أَي: بِأَن أسأَل الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (فَسَأَلته) أَي: قَالَ ابْن الشَّهِيد فَسَأَلت الْحسن فَقَالَ: سَمِعت من سَمُرَة بن جُنْدُب. فَإِن قلت: لم يبين البُخَارِيّ حَدِيث الْعَقِيقَة. قلت: كَأَنَّهُ اكْتفى عَن إِيرَاده بشهرته، وَقد أخرجه أَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته، يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع ويحلق رَأسه وَيُسمى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم يستحبون أَن يذبح عَن الْغُلَام الْعَقِيقَة يَوْم السَّابِع. فَإِن لم يتهيأ يَوْم السَّابِع فَيوم الرَّابِع عشر، فَإِن لم يتهيأ عق عَنهُ يَوْم إِحْدَى وَعشْرين قَوْله: مُرْتَهن، بِفَتْح التَّاء مَعْنَاهُ: رهن بعقيقته يَعْنِي: العقيق لَازِمَة لَهُ لَا بُد مِنْهَا، فشبهه بلزومها لَهُ وَعدم انفكاكه مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَد الْمُرْتَهن.
وَقَالَ الْخطابِيّ: تكلم النَّاس فِي هَذَا وأجود مَا قيل فِيهِ مَا ذهب إِلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل، رَحمَه الله. قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَة، يُرِيد أَنه إِذا لم يعق عَنهُ فَمَاتَ طفْلا لم يشفع فِي وَالِديهِ، وَقيل: مَرْهُون بأذى شعره، ويروى: كل غُلَام رهينة بعقيقته الرهينة الرَّهْن وَالْهَاء للْمُبَالَغَة كالشتيمة والشتم ثمَّ استعملا بِمَعْنى الْمَرْهُون، يُقَال: هُوَ رهن بِكَذَا ورهينة بِكَذَا. قَوْله: (يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَقد احْتج بِهِ من قَالَ: إِن الْعَقِيقَة مُؤَقَّتَة بِالْيَوْمِ السَّابِع، فَإِن ذبح قبله لم يَقع الموقوع، وَإِنَّهَا تفوت بعده، وَهَذَا قَول مَالك، وَعند الْحَنَابِلَة فِي اعْتِبَار الأسابيع بعد ذَلِك رِوَايَتَانِ، وَعند الشَّافِعِيَّة أَن ذكر السَّابِع للاختيار لَا للتعيين، وَنقل الرَّافِعِيّ أَنه يدْخل وَقتهَا بِالْولادَةِ، قَالَ: وَذكر السَّابِع فِي الْخَبَر بِمَعْنى أَن لَا يُؤَخر عَنهُ إختيارا، ثمَّ قَالَ: وَالِاخْتِيَار أَن لَا يُؤَخر عَن الْبلُوغ فَإِن أخرت إِلَى الْبلُوغ سَقَطت عَمَّن كَانَ يُرِيد أَن يعق عَنهُ. لَكِن إِن أَرَادَ هُوَ أَن يعق عَن نَفسه فعل. وَقَوله: يَوْم السَّابِع، أَي: من يَوْم الْولادَة، وَهل يحْسب يَوْم الْولادَة؟ وَقَالَ ابْن عبد الْبر: نَص مَالك على أَن أول السَّبْعَة الْيَوْم الَّذِي يَلِي يَوْم الْولادَة إِلَّا أَن ولد قبل طُلُوع الْفجْر، وَكَذَا نَقله الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي. قَوْله: (ويحلق رَأسه) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: يحلق جَمِيع رَأسه لثُبُوت النَّهْي عَن القزع، وَحكى الْمَاوَرْدِيّ كَرَاهَة حلق رَأس الْجَارِيَة. وَعَن بعض الْحَنَابِلَة يحلق. قلت: هَذَا أولى لِأَن فِي حَدِيث سلمَان: أميطوا عَنهُ الْأَذَى وَمن جملَة الْأَذَى شعر رَأسه الملوث من الْبَطن، وبعمومه يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْحسن بِشَاة. وَقَالَ: يَا فَاطِمَة أحلقي رَأسه وتصدقي بزنة شعره فضَّة، فوزناه فَكَانَ وَزنه درهما أَو بعض دِرْهَم. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قَوْله: (ويسمي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا وَإِن لم يستهل لم يسم. وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيّ: إِذا ولد وَقد تمّ خلقه يُسمى فِي الْوَقْت إِن شاؤا قَالَ الْمُهلب: وَتَسْمِيَة الْمَوْلُود حِين يُولد وَبعد ذَلِك بليلة وليلتين وَمَا شَاءَ إِذا لم ينْو الْأَب الْعَقِيقَة عِنْد يَوْم سابعه جَائِز وَإِن أَرَادَ أَن ينْسك عَنهُ فَالسنة أَن يُؤَخر تَسْمِيَته إِلَى يَوْم النّسك، وَهُوَ السَّابِع.

5471 - حدَّثنا أبُو النُّعمَانِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ قَالَ: مَعَ الغُلامِ عَقِيقَةٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِي الْعَقِيقَة، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَسليمَان بن عَامر الضَّبِّيّ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة صَحَابِيّ سكن الْبَصْرَة مَاله فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث.
وَقد أخرج البُخَارِيّ حَدِيثه من عدَّة طرق فَهَذَا الحَدِيث مَوْقُوف مُخْتَصر، وَقَالَ الكلاباذي: روى عَن سلمَان الضَّبِّيّ مُحَمَّد ابْن سِيرِين حَدِيثا مَوْقُوفا فِي الْأَطْعِمَة، وَهُوَ فِي الأَصْل مَرْفُوع، وَمَعْنَاهُ: عقيقة مصاحبة للغلام بعد وِلَادَته، يَعْنِي: يعق عَنهُ، وَاعْترض عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ هُنَا بِأَنَّهُ، وَإِن كَانَ مَوْصُولا لكنه مَوْقُوف وَلَيْسَ فِيهِ ذكر إمَاطَة الْأَذَى الَّذِي ترْجم بِهِ وَأجِيب عَنهُ بِأَن الْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي طرق هَذَا الحَدِيث الَّتِي أخرجهَا هُوَ طَرِيق حَمَّاد بن زيد لَكِن أوردهُ مُخْتَصرا اكْتِفَاء بِمَا ورد تَمَامه فِي بعض طرقه على مَا يَجِيء وَذَلِكَ على عَادَته هَكَذَا فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَافْهَم.
وَفِيه: حجَّة على أَنه لَا يعق عَن الْكَبِير، وَعَلِيهِ أَئِمَّة الْفَتْوَى بالأمصار.
{وَقَالَ حَجَّاجٌ: حدَّثنا حَمَّادٌ أخْبَرنا أيُّوبُ وَقَتَادَةُ وَهِشَامٌ وَحَبِيبٌ عَنِ ابنِ سِيرينَ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،} .
هَذَا الطَّرِيق مَرْفُوع، وَلكنه مُعَلّق أخرجه عَن حجاج بن منهال عَن حَمَّاد هُوَ ابْن سَلمَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَقَتَادَة ابْن دعامة السدُوسِي، وَهِشَام بن حسان الْأَزْدِيّ وحبِيب بن شَهِيد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَصله الطَّحَاوِيّ وَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي عَن حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة بِهِ. وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: حَمَّاد بن سَلمَة لَيْسَ من شَرطه فِي الِاحْتِجَاج، وَأجِيب عَنهُ بِأَنا سلمنَا أَن حَمَّاد بن سَلمَة لَيْسَ من شَرطه، وَلَكِن لَا يضرّهُ إِيرَاده للاستشهاد بِهِ.
{وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْت سِيرِينَ عَنِ الرَّبابِ عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِيِّ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} .
هَذَا طَرِيق آخر، وَهُوَ مُعَلّق مَرْفُوع، وَفِيه مُبْهَم وَهُوَ قَوْله: (غير وَاحِد) . فَمن الَّذين أبهمهم عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول سُفْيَان بن عُيَيْنَة أخرجه أَحْمد عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَصرح بِرَفْعِهِ. قَوْله: (وَهشام) ، عطف على عَاصِم، وَهُوَ هِشَام بن حسان وَمِمَّنْ أخرج عَنهُ عبد الرَّزَّاق أخرجه أَحْمد عَنهُ عَن هِشَام بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، وَمِمَّنْ أخرج عَن هِشَام أَيْضا عبد الله بن نمير أخرجه ابْن مَاجَه من طَرِيقه. وَحَفْصَة بنت سِيرِين أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين رَوَت عَن الربَاب بِفَتْح الرَّاء وبباءين موحدتين بَينهمَا ألف، وَالْأولَى مِنْهُمَا مُخَفّفَة إبنت صليعٍ مصغر الصلع بالمهملتين ابْن عَامر الضَّبِّيّ يروي عَن عَمها سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
{وَرَوَاهُ يَزِيدُ بنُ إبْرَاهِيمَ عَنِ ابنِ سِيرينَ عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ} .
هَذَا طَرِيق آخر مُعَلّق مُصَرح فِيهِ بِالْوَقْفِ أخرجه عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن إِبْرَاهِيم التسترِي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن سلمَان الضَّبِّيّ. قَوْله: (قَوْله) ، أَي: قَول سلمَان، وَصرح بِهِ أَنه مَوْقُوف عَلَيْهِ، وَوَصله الطَّحَاوِيّ فِي كِتَابه (مُشكل الْآثَار) وَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم بِهِ مَوْقُوفا.
وَقَالَ أصْبَغُ: أخْبَرَنِي ابنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بنِ حَازِمِ عَنْ أيُّوبَ السَّخْتَيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ حدَّثنا سَلْمَانُ بنُ عَامِرِ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: مَعَ الغُلامِ عَقِيقَةٌ فَأهْريقوا عَنْهُ دَما وَأمِيطُوا عَنْهُ الأذَى.
هَذَا طَرِيق آخر مَرْفُوع، وَلكنه مُعَلّق أخرجه عَن أصبغ بن الْفرج الْمصْرِيّ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَأحد مَشَايِخ الطَّحَاوِيّ عَن جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ مَنْسُوب إِلَى عمل السختيان أَو بَيْعه، وَهُوَ فَارسي مُعرب، وَهِي جُلُود عَن مُحَمَّد بن سِيرِين إِلَى آخِره، وَوَصله الطَّحَاوِيّ عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن بن وهب بِهِ وَاعْترض عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا. فَقَالَ: ذكر هَذَا الحَدِيث بِلَا خبر، وَقد قَالَ أَحْمد: حَدِيث جرير بِمصْر كَانَ على التَّوَهُّم. أَو كَمَا قَالَ: وَقَالَ السَّاجِي حدث بالوهم بِمصْر وَلم يكن يحفظ وَأجِيب بِأَنَّهُ قد وَافقه غَيره عَن أَيُّوب وَفِي الْجُمْلَة هَذِه الطّرق الْخَمْسَة يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا والْحَدِيث فِي الأَصْل مَرْفُوع فَلَا يضرّهُ الْوَقْف.
قَوْله: (مَعَ الْغُلَام عقيقة) ، تمسك بِظَاهِر لَفْظَة الْحسن وَقَتَادَة، وَقَالَ: يعق عَن الْغُلَام وَلَا يعق عَن الْجَارِيَة وَعند الْجُمْهُور: يعق عَنْهُمَا لوُرُود الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة بِذكر الْجَارِيَة أَيْضا على مَا يَجِيء الْآن. قَوْله: (فأهريقوا) ، يُقَال: هراق المَاء يهريقه هراقة أَي: صبه، وَأَصله: أراق يريق إِرَاقَة.
وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أهرق المَاء يهرقه إهراقا على أفعل يفعل إفعالاً لُغَة ثَالِثَة أهرق يهريق إهرياقا وَاعْلَم أَنه أبهم فِيهِ مَا يهراق، وَكَذَا فِي حَدِيث سَمُرَة الْآتِي، وَبَين ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه التِّرْمِذِيّ مصححا من رِوَايَة يُوسُف بن مَاهك بِأَنَّهُم دخلُوا على حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمرهم عَن الْغُلَام شَاتَان مكافيتان وَعَن الْجَارِيَة شَاة وأخرجت الْأَرْبَعَة من حَدِيث أم كرز أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة وَاحِدَة وَلَا يضركم ذكرانا كن أم أناثا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: صَحِيح وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رَفعه فِي أثْنَاء حَدِيث قَالَ: من أحب أَن ينْسك عَن وَلَده فَلْيفْعَل عَن الْغُلَام شَاتَان مكافيتان وَعَن الْجَارِيَة شَاة. وَقَالَ دَاوُد بن قيس، رِوَايَة عَن عَمْرو: سَأَلت زيد بن أسلم عَن قَوْله: (مكافأتان) ، فَقَالَ: متشابهتان تذبحان جَمِيعًا. أَي: لَا يُؤَخر ذبح إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى، وَحكى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد المتكافيان المتقاربان. قَالَ الْخطابِيّ: أَي: فِي السن، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: معادلتان لما تجزي فِي الزَّكَاة وَفِي الْأُضْحِية، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي حَدِيث آخر، قيل: مَا المتكافيتان؟ قَالَ: المثلان.
قَوْله: (وأميطوا) ، أَي: أزيلوا وَقد مر فِي أول الْبَاب. قَوْله: (والأذى) ، قيل: هُوَ إِمَّا الشّعْر أَو الدَّم أَو الْخِتَان، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لما سمعنَا هَذَا الحَدِيث طلبنا من يعرف معنى إمَاطَة الْأَذَى فَلم نجد، وَقيل: المُرَاد بالأذى هُوَ شعره الَّذِي علق بِهِ دم الرَّحِم فيماط عَنهُ بِالْحلقِ، وَقيل: إِنَّهُم كَانُوا يلطمون بِرَأْس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة، وَهُوَ أَذَى فَنهى عَن ذَلِك، وَقد جزم الْأَصْمَعِي بِأَنَّهُ حلق الرَّأْس، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن كَذَلِك، وَالْأَوْجه أَن يحمل الْأَذَى على الْمَعْنى الْأَعَمّ، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن فِي بعض طرق حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب ويماط عَنهُ أقذاره، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ.
{حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنا قُرَيْشُ بنُ أنَسٍ عَنْ حَبِيبٍ بنِ الشَّهِيدِ قَالَ: أمَرَنِي ابنُ سِيرِينَ أنْ أسْألَ الحَسَنَ: مِمَّنْ سَمَعَ حَدِيثَ العَقِيقَةَ؟ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود، وَاسم أبي الْأسود حميد، وقريش مصغر القرش، بِالْقَافِ وَالرَّاء والشين الْمُعْجَمَة ابْن أنس بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة تسع وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وحبِيب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، وَسمرَة بن جُنْدُب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا الْفَزارِيّ بِالْفَاءِ وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء الْكُوفِي الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن قُرَيْش بن أنس بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعَقِيقَة عَن هَارُون بن عبد الله عَن قُرَيْش بِهِ، وَقد توقف الْبرد نجي فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث من أجل اخْتِلَاط قُرَيْش، هَذَا وَزعم أَنه تفرد بِهِ وَأَنه وهم، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك مَا حَكَاهُ الْأَثْرَم عَن أَحْمد أَنه ضعف حَدِيث قُرَيْش هَذَا، وَقَالَ: مَا أرَاهُ بِشَيْء قلت: قُرَيْش تغير سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَاسْتمرّ على ذَلِك سِتّ سِنِين، وَمَات سنة تسع وَمِائَتَيْنِ، ولقريش متابع، روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من أَن أَبَا حَمْزَة رَوَاهُ عَن الْحسن كَرِوَايَة قُرَيْش سَوَاء، وَلَعَلَّ سَماع شيخ البُخَارِيّ عَن قُرَيْش كَانَ قبل الِاخْتِلَاط، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يَصح لِلْحسنِ سَماع عَن سَمُرَة إلاَّ حَدِيث الْعَقِيقَة وَحده، ورد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه الْكَبِير) . قَالَ لي عَليّ بن الْمَدِينِيّ: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح. قَوْله: (أَمرنِي ابْن سِيرِين) أَي: مُحَمَّد بن سِيرِين (أَن أسأَل) أَي: بِأَن أسأَل الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (فَسَأَلته) أَي: قَالَ ابْن الشَّهِيد فَسَأَلت الْحسن فَقَالَ: سَمِعت من سَمُرَة بن جُنْدُب. فَإِن قلت: لم يبين البُخَارِيّ حَدِيث الْعَقِيقَة. قلت: كَأَنَّهُ اكْتفى عَن إِيرَاده بشهرته، وَقد أخرجه أَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته، يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع ويحلق رَأسه وَيُسمى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم يستحبون أَن يذبح عَن الْغُلَام الْعَقِيقَة يَوْم السَّابِع. فَإِن لم يتهيأ يَوْم السَّابِع فَيوم الرَّابِع عشر، فَإِن لم يتهيأ عق عَنهُ يَوْم إِحْدَى وَعشْرين قَوْله: مُرْتَهن، بِفَتْح التَّاء مَعْنَاهُ: رهن بعقيقته يَعْنِي: العقيق لَازِمَة لَهُ لَا بُد مِنْهَا، فشبهه بلزومها لَهُ وَعدم انفكاكه مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَد الْمُرْتَهن.
وَقَالَ الْخطابِيّ: تكلم النَّاس فِي هَذَا وأجود مَا قيل فِيهِ مَا ذهب إِلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل، رَحمَه الله. قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَة، يُرِيد أَنه إِذا لم يعق عَنهُ فَمَاتَ طفْلا لم يشفع فِي وَالِديهِ، وَقيل: مَرْهُون بأذى شعره، ويروى: كل غُلَام رهينة بعقيقته الرهينة الرَّهْن وَالْهَاء للْمُبَالَغَة كالشتيمة والشتم ثمَّ استعملا بِمَعْنى الْمَرْهُون، يُقَال: هُوَ رهن بِكَذَا ورهينة بِكَذَا. قَوْله: (يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَقد احْتج بِهِ من قَالَ: إِن الْعَقِيقَة مُؤَقَّتَة بِالْيَوْمِ السَّابِع، فَإِن ذبح قبله لم يَقع الموقوع، وَإِنَّهَا تفوت بعده، وَهَذَا قَول مَالك، وَعند الْحَنَابِلَة فِي اعْتِبَار الأسابيع بعد ذَلِك رِوَايَتَانِ، وَعند الشَّافِعِيَّة أَن ذكر السَّابِع للاختيار لَا للتعيين، وَنقل الرَّافِعِيّ أَنه يدْخل وَقتهَا بِالْولادَةِ، قَالَ: وَذكر السَّابِع فِي الْخَبَر بِمَعْنى أَن لَا يُؤَخر عَنهُ إختيارا، ثمَّ قَالَ: وَالِاخْتِيَار أَن لَا يُؤَخر عَن الْبلُوغ فَإِن أخرت إِلَى الْبلُوغ سَقَطت عَمَّن كَانَ يُرِيد أَن يعق عَنهُ. لَكِن إِن أَرَادَ هُوَ أَن يعق عَن نَفسه فعل. وَقَوله: يَوْم السَّابِع، أَي: من يَوْم الْولادَة، وَهل يحْسب يَوْم الْولادَة؟ وَقَالَ ابْن عبد الْبر: نَص مَالك على أَن أول السَّبْعَة الْيَوْم الَّذِي يَلِي يَوْم الْولادَة إِلَّا أَن ولد قبل طُلُوع الْفجْر، وَكَذَا نَقله الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي. قَوْله: (ويحلق رَأسه) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: يحلق جَمِيع رَأسه لثُبُوت النَّهْي عَن القزع، وَحكى الْمَاوَرْدِيّ كَرَاهَة حلق رَأس الْجَارِيَة. وَعَن بعض الْحَنَابِلَة يحلق. قلت: هَذَا أولى لِأَن فِي حَدِيث سلمَان: أميطوا عَنهُ الْأَذَى وَمن جملَة الْأَذَى شعر رَأسه الملوث من الْبَطن، وبعمومه يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْحسن بِشَاة. وَقَالَ: يَا فَاطِمَة أحلقي رَأسه وتصدقي بزنة شعره فضَّة، فوزناه فَكَانَ وَزنه درهما أَو بعض دِرْهَم. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قَوْله: (ويسمي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا وَإِن لم يستهل لم يسم. وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيّ: إِذا ولد وَقد تمّ خلقه يُسمى فِي الْوَقْت إِن شاؤا قَالَ الْمُهلب: وَتَسْمِيَة الْمَوْلُود حِين يُولد وَبعد ذَلِك بليلة وليلتين وَمَا شَاءَ إِذا لم ينْو الْأَب الْعَقِيقَة عِنْد يَوْم سابعه جَائِز وَإِن أَرَادَ أَن ينْسك عَنهُ فَالسنة أَن يُؤَخر تَسْمِيَته إِلَى يَوْم النّسك، وَهُوَ السَّابِع.

3 - (بَابُ: {الفَرَعِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْفَرْع بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، وَذكر أَبُو عبيد أَنه بِفَتْح الرَّاء، وَكَذَلِكَ الفرعة، وَهُوَ أول مَا تلده النَّاقة، وَكَانُوا يذبحون ذَلِك لآلهتهم وَقد أفرع الْقَوْم إِذا فعلت إبلهم ذَلِك، وَذكر شمر أَن أَبَا مَالك قَالَ: كَانَ الرجل إِذا تمت إبِله مائَة قدم بكرا فذبحه لصنمه، فَذَلِك الْفَرْع.

5473 - حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخْبرنا مَعْمَرٌ أخْبَرَنا الزُّهْرِيُّ عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ.
وَالفَرَعُ أوَّلُ النِّتاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطواغِيتِهِمْ. وَالعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَضَاحِي عَن مُحَمَّد بن رَافع وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان.
قَوْله: (لَا فرع وَلَا عتيرة) ، قد مر الْآن تَفْسِير الْفَرْع، وَالْعَتِيرَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة

(21/88)


وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالراء، وَهِي النسيكة الَّتِي تعتر أَي: تذبح، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يذبحونها فِي الْعشْر الأول من رَجَب ويسمونها الرجبية، وأوله الشَّافِعِي على أَن المُرَاد لَا فرع وَاجِب وَلَا عتيرة وَاجِبَة. قلت: يرد هَذَا التَّأْوِيل إِحْدَى روايتي النَّسَائِيّ فِي هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْفَرْع وَالْعَتِيرَة، وَقد جَاءَ هَكَذَا فِي رِوَايَة لِأَحْمَد أَيْضا. لَا فرع وَلَا عتيرة فصورته نفي وَمَعْنَاهُ نهي.
وَقد اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي حكم الْفَرْع وَالْعَتِيرَة فروى النَّسَائِيّ من حَدِيث الْحَارِث بن عَمْرو أَنه لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حجَّة الْوَدَاع الحَدِيث، وَفِيه قَالَ رجل من النَّاس: يَا رَسُول الله {العتائر والفرائع؟ قَالَ: من شَاءَ عتر وَمن شَاءَ لم يعتر، وَمن شَاءَ فرع وَمن شَاءَ لم يفرع، وروى النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي ذَر بن لَقِيط بن عَامر الْعقيلِيّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} إِنَّا كُنَّا نذبح فِي الْجَاهِلِيَّة فِي رَجَب فنأكل ونطعم من جَاءَنَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا بَأْس بِهِ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُئِلَ عَنْهَا يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: هِيَ حق، يَعْنِي: العتيرة وروى أَيْضا فِيهِ من حَدِيث أنس قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله {إِنَّا كُنَّا نعتر فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: اذبحوا فِي أَي شهر كَانَ وأطعموا. وروى أَيْضا فِيهِ من حَدِيث يزِيد بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فِي الْإِبِل فرع، وَفِي الْغنم فرع. وروى عبد الرَّزَّاق من حَدِيث حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق عَن عَائِشَة. قَالَت: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالفرع من كل خمسين وَاحِدَة، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مخنف سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس إِن على كل أهل بَيت فِي كل عَام أضْحِية وعتيرة، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وروى أَبُو دَاوُد عَن نُبَيْشَة، قَالَ: نَادَى رجل: يَا رَسُول الله} إِنَّا كُنَّا نعتر عتيرة فِي الْجَاهِلِيَّة فِي رَجَب، فَمَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: اذبحوا لله فِي أَي شهر كَانَ. قَالَ: إِنَّا كُنَّا نفرع فرعا فِي الْجَاهِلِيَّة فَمَا تَأْمُرنَا؟ فَقَالَ: فِي كل سَائِمَة فرع قَالَ أَبُو قلَابَة: السَّائِمَة مائَة. فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كلهَا تدل على الْإِبَاحَة. وَقَالَ ابْن بطال: وَكَانَ ابْن سِيرِين من بَين الْعلمَاء يذبح العتيرة فِي رَجَب، وَفِي (الْآثَار) للطحاوي، وَكَانَ ابْن عمر يعتر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ نَص الشَّافِعِي، اسْتِحْبَاب الْفَرْع وَالْعَتِيرَة، وَزعم القَاضِي عِيَاض والحازمي أَن حَدِيث النَّهْي نَاسخ لأحاديث الْإِبَاحَة، وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْعلمَاء، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمَعْلُوم أَن النَّهْي لَا يكون إلاَّ عَن شَيْء قد كَانَ يفعل، وَلَا نعلم أَن أحدا من أهل الْعلم يَقُول: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ نَهَاهُم عَنْهُمَا أَي: عَن الْفَرْع وَالْعَتِيرَة، ثمَّ أذن فيهمَا.
قَوْله: (وَالْفرع أول النتيجة) ، إِلَى آخِره ذكر أَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق فِي (كتاب السّنَن) تأليفه: أَن تَفْسِير العتيرة وَالْفرع من كَلَام الزُّهْرِيّ.

4 - (بَابٌ: {فِي العَتِيرَةِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان العتيرة، وَقد مر تَفْسِيرهَا.

5474 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حدَّثَنا عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةِ.
قَالَ: وَالفَرَعُ أوَّلُ نِتاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ. وَالعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ.

أعَاد الحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا قبله بِعَيْنِه من رِوَايَة عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. وَاخْتلف فِي سُفْيَان هَذَا فَفِي مُسلم: هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا ابْن مثنى عَن أبي دَاوُد عَن شُعْبَة، قَالَ: أخبرنَا حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن معمر وسُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَحدهمَا: لَا فرع وَلَا عتيرة، وَقَالَ الآخر: نهى عَن الْفَرْع وَالْعَتِيرَة. وَالصَّوَاب الأول.
قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ: حَدثنَا عَن سعيد) أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ حَال كَونه حَدثنَا عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (لطواغيتهم) جمع طاغية وَهِي مَا كَانُوا يعبدونه من الْأَصْنَام وَغَيرهَا.
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَقعت الْبَسْمَلَة هَكَذَا قبل ذكر الْكتاب فِي رِوَايَة أبي الْوَقْت، وَوَقعت فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد ذكر الْكتاب، وَالْأول أوجه.

72 - (كِتابُ: {الذَّبائِح والصَّيْدِ} )

(21/89)


أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الذَّبَائِح وَأَحْكَام الصَّيْد وَبَيَان التَّسْمِيَة عِنْد إرْسَال الْكَلْب على الصَّيْد، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَأبي ذَر فِي رِوَايَة وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ، وَلأبي الْوَقْت: بَاب بدل كتاب وَسقط للنسفي أصلا، والذبائح جمع ذَبِيحَة بِمَعْنى المذبوحة. قَوْله: (وَالتَّسْمِيَة على الصَّيْد) أَي: وَفِي بَيَان وجوب التَّسْمِيَة على الصَّيْد.

1 - (بَابُ: {التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب التَّسْمِيَة على الصَّيْد، وَلَفظ: بَاب لم يثبت فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَلَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر، وَثَبت للباقين. وَالصَّيْد مصدر من صَاد يصيد صيدا فَهُوَ صائد وَذَاكَ مصيد وَقد يَقع الصَّيْد على المصيد نَفسه تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ كَمَا فِي قَوْله عز وَجل: {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} (الْمَائِدَة: 95) قيل: لَا يُقَال للشَّيْء صيد حَتَّى يكون مُمْتَنعا حَلَالا لَا مَالك لَهُ.
وقَوْلَهُ تَعَالَى: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ الله بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} إلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ ألِيمٌ} (الْمَائِدَة: 94) وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (الْمَائِدَة: 1) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ المَيِّتَةُ وَالدَّمُ} إلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (الْمَائِدَة: 3) .
فِي كثير من النّسخ ذكر هَذِه الْآيَات الثَّلَاث وَهِي فِي الْمَائِدَة الأولى: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} الثَّانِيَة: قَوْله تَعَالَى: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم غير محلى الصَّيْد وَأَنْتُم حرم إِن الله يحكم مَا يُرِيد} الثَّالِثَة: قَوْله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع إِلَّا مَا ذكيتم وَمَا ذبح على النصب وَأَن تستقيموا بالأزلام ذَلِكُم فسق الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا تخشوهم واخشون} (الْمَائِدَة: 3) وَفِي بعض النّسخ: وَقَول الله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} إِلَى قَوْله: {فَلَا تخشوهم واخشون} وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد} قَالَ بعض الشُّرَّاح. كَذَا لأبي ذَر، وَقدم وَأخر فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَزَاد بعدقوله: {تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} الْآيَة. إِلَى قَوْله: {عَذَاب أَلِيم} وَعند النَّسَفِيّ فِي قَوْله: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} . الْآيَتَيْنِ وَكَذَا لأبي الْوَقْت لَكِن قَالَ إِلَى قَوْله: {فَلَا تخشوهم واخشون} وفرقهما فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي. قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم} الْآيَة. نزلت فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فَكَانَت الْوَحْش وَالطير تغشاهم فِي رحالهم فيتمكنون من صيدها أخذا بِالْأَيْدِي وطعنا بِالرِّمَاحِ جَهرا أَو سرا لتظهر طَاعَة من يُطِيع مِنْهُم فِي سره وجهره، وَقَالَ الْوَالِبِي عَن ابْن عَبَّاس: ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم. قَالَ: هُوَ الضَّعِيف من الصَّيْد وصغيره يَبْتَلِي الله بِهِ عباده فِي إحرامهم حَتَّى لَو شاؤوا لتناولوه بِأَيْدِيهِم فنهاهم الله أَن يقربوه، قَالَ مُجَاهِد: تناله أَيْدِيكُم، يَعْنِي: صغَار الصَّيْد وفراخه، ورماحكم كباره. قَوْله: (فَمن اعْتدى بعد ذَلِك) ، أَي: بعد هَذَا الْإِعْلَام والإنذار {فَلهُ عَذَاب أَلِيم} أَي: لمُخَالفَة أَمر الله وشرعه. قَوْله: (أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام) ، هِيَ: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. قَالَه الْحسن وَقَتَادَة. قَوْله: (إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم) ، اسْتثِْنَاء من قَوْله: (أحلّت لكم) قَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: يَعْنِي بذلك الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ، والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع، فَإِن هَذِه وَإِن كَانَت من الْأَنْعَام إِلَّا أَنَّهَا تحرم بِهَذِهِ الْعَوَارِض، وَلِهَذَا قَالَ: {إِلَّا مَا ذكيتم وَمَا ذبح على النصب} مِنْهَا فَإِنَّهُ حرَام لَا يُمكن استدراكه. قَوْله: (غير محلى الصَّيْد) نصب على الْحَال، وَالْمرَاد بالأنعام مَا يعم الْإِنْسِي من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَمَا يعم الوحشي كالظباء وَنَحْوه، فاستثنى من الْإِنْس مَا تقدم، واستثني من الوحشي الصَّيْد فِي حَال الْإِحْرَام، وَالْحرم جمع حرَام. قَوْله: (إِن الله يحكم مَا يُرِيد) يَعْنِي: أَن الله حَكِيم فِي جَمِيع مَا يَأْمر بِهِ وَينْهى عَنهُ. قَوْله: (حرمت عَلَيْكُم الْميتَة) اسْتثْنى مِنْهَا السّمك وَالْجَرَاد. قَوْله: (وَالدَّم) يَعْنِي: المسفوح. قَوْله: (وَلحم الْخِنْزِير) ، سَوَاء كَانَ إنسيا أَو وحشيا. وَقَوله: (وَاللَّحم يعم جَمِيع أَجْزَائِهِ. قَوْله: (وَمَا أهل لغير الله بِهِ) أَي: مَا ذبح

(21/90)


على اسْم غير الله من صنم أَو وثن أَو طاغوت، أَو غير ذَلِك، من سَائِر الْمَخْلُوقَات فَإِنَّهُ حرَام بِالْإِجْمَاع. قَوْله: (والمنخنقة) ، هِيَ الَّتِي تَمُوت بالخنق إِمَّا قصدا أَو اتِّفَاقًا بِأَن تتخبل فِي وثاقها فتموت فَهِيَ حرَام. قَوْله: (والموقوذة) هِيَ الَّتِي تضرب بِشَيْء ثقيل غير مَحْدُود حَتَّى تَمُوت، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يضربونها بالعصا حَتَّى إِذا مَاتَت أكلوها. قَوْله: (والمتردية) ، هِيَ الَّتِي تقع من شَاهِق فتموت بذلك فَتحرم، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّهَا الَّتِي تسْقط من جبل، وَقَالَ قَتَادَة: هِيَ الَّتِي تتردى فِي بِئْر. قَوْله: (النطيحة) ، هِيَ الَّتِي تَمُوت بِسَبَب نطح غَيرهَا لَهَا وَإِن جرحها الْقرن وسال مِنْهَا الدَّم وَلَو من مذبحها. قَوْله: (وَمَا أكل السَّبع) ، أَي: مَا عدا عَلَيْهَا أَسد أَو فَهد، أَو نمر، أَو ذِئْب أَو كلب فَأكل بَعضهم فَمَاتَتْ بذلك فَهِيَ حرَام وَإِن كَانَ قد سَالَ مِنْهَا الدَّم وَلَو من مذبحها فَهِيَ حرَام بِالْإِجْمَاع. قَوْله: (إِلَّا مَا ذكيتم) ، عَائِد على مَا يُمكن عوده عَلَيْهِ مِمَّا اتّفق سَبَب مَوته وَأمكن تَدَارُكه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة. وَعَن ابْن عَبَّاس إِلَّا مَا ذبحتم من هَذِه الْأَشْيَاء وَفِيه روح فكلوه فَهُوَ ذكي، وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالسُّديّ، وَرُوِيَ عَن طَاوُوس وَالْحسن وَقَتَادَة وَعبيد بن عُمَيْر وَالضَّحَّاك وَغير وَاحِد، أَن المذكاة مَتى تحركت حَرَكَة تدل على بَقَاء الرّوح فِيهَا بعد الذّبْح فَهِيَ حَلَال وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَبِه يَقُول أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، رَحِمهم الله. قَوْله: (وَمَا ذبح على النصب) ، قَالَ مُجَاهِد وَابْن جريج: كَانَت النصب حِجَارَة حول الْكَعْبَة قَالَ ابْن جريج: وَهِي ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ نصبا كَانَت الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا يذبحون عِنْدهَا ويلطخون مَا أقبل مِنْهَا إِلَى الْبَيْت بدماء تِلْكَ الذَّبَائِح ويشرحون اللَّحْم ويضعونه على النصب. قَوْله: (وَأَن تستقسموا بالأزلام) ، أَي: وَحرم عَلَيْكُم أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ الاستقسام بالأزلام، وَهُوَ جمع زلم بِفَتْح الزَّاي، وَهِي عبارَة عَن أقداح ثَلَاثَة على أَحدهَا مَكْتُوب افْعَل، وعَلى الآخر: لَا تفعل، وَالثَّالِث: غفل لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء. وَقيل: مَكْتُوب على الْوَاحِد أَمرنِي رَبِّي، وعَلى الآخر: نهاني رَبِّي، وَالثَّالِث غفل لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء، فَإِذا جَاءَ السهْم الْآمِر فعله، أَو الناهي تَركه وَإِن طلع الفارغ أعَاد الاستقسام. قَوْله: (ذَلِكُم فسق) ، أَي: تعاطيه فسق وغي وضلال وجهالة وشرك. قَوْله: (الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا) ، يَعْنِي: يئسوا أَن يراجعوا دينهم. وَقيل: يئسوا من مشابهة الْمُسلمين بِمَا تميز بِهِ الْمُسلمُونَ من هَذِه الصِّفَات الْمُخَالفَة للشرك وَأَهله وَلِهَذَا أَمر الله عباده الْمُؤمنِينَ أَن يصيروا ويثبتوا فِي مُخَالفَة الْكفَّار وَلَا يخَافُوا أحدا إلاَّ الله تَعَالَى. فَقَالَ: {فَلَا تخشوهم واخشون} . حَتَّى: أَنْصُركُمْ عَلَيْهِم وأظفركم بهم وأشف صدوركم مِنْهُم وأجعلكم فَوْقهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
{وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: العُقُودُ العُهُودُ مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ إلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ الخِنْزِيرِ} .
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: 1) وَفسّر الْعُقُود بالعهود، وَحكى ابْن جرير الْإِجْمَاع على ذَلِك. وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: الْعُقُود يَعْنِي: مَا أحل الله وَمَا حرمه وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن كُله. وَلَا تغدروا وَلَا تنكثوا قَوْله: (إلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُم) . قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي: الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب.
{يَجْرِمَنَّكُمْ: يَحْمِلَنَّكُمْ شَنآنُ: عَدَاوَةُ} )
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم إِن صدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام} (الْمَائِدَة: 2) أَي: لَا يحملنكم بغض قوم على الْعدوان، وَقَرَأَ الْأَعْمَش بِضَم الْيَاء فِي: لَا يجرمنكم وَفسّر قَوْله: شنآن بقوله: عَدَاوَة وقرىء بِسُكُون النُّون أَيْضا، وَأنكر السّكُون من قَالَ: لَا يكون الْمصدر على فعلان.
{المُنْخَنِقَةُ: تُخْنَقُ فَتَمُوتُ. المَوْقُودَةُ، تُضْرَبُ بِالخَشَبِ يُوقِذُها فَتَمُوتُ، وَالمُتَرَدِّيَةُ: تَتَرَدَّى مِنَ الجَبَلِ. وَالنَّطِيحَةُ، تُنْطحُ الشَّاةُ، فَما أدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ أوْ بِعَيْنِهِ فَاذْبَحْ وَكُلْ} .
قد مر تَفْسِير هَذِه الْأَشْيَاء عَن قريب قَوْله: يوقذها من أَو قذ والموقودة من وقذ يُقَال: وقذه وأوقذه، والوقذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فِي الأَصْل: الضَّرْب المثخن، وَالْكَسْر الْمُؤَدِّي للْمَوْت. قَوْله: (فَمَا أَدْرَكته) ، بِفَتْح التَّاء على خطاب الْحَاضِر. قَوْله: (يَتَحَرَّك) فِي مَوضِع الْحَال أَي: فَمَا أَدْرَكته حَالَة كَونه متحركا بِذَنبِهِ قَوْله: (فاذبح) أَمر من ذبح (وكل) أَمر من أكل.

(21/91)


5475 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زَكَريَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ الله عَنه، قَالَ: سألْتُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ صَيْدِ المِعْرَاضِ؟ قَالَ: مَا أصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ وَمَا أصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ وَسَألْتُهُ عَنْ صَيْدِ الكَلْبِ؟ فَقَالَ: مَا أمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ فَإنَّ أخْذَ الكَلْبِ ذَكَاةٌ وَإنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلَبِكَ أوْ كِلابِكَ كَلَبا غَيْرَهُ فَخَشِيتَ أنْ يَكُونَ أخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة على تَقْدِير وجود قَوْله: بَاب التَّسْمِيَة على الصَّيْد وإلاَّ فَلقَوْله: كتاب الصَّيْد والذبائح وَالتَّسْمِيَة على الصَّيْد أظهر لِأَن فِي الحَدِيث ثَلَاثَة أَشْيَاء مَشْرُوعِيَّة الصَّيْد، وَوُجُوب ذَكَاته حَقِيقَة أَو حكما وَوُجُوب التَّسْمِيَة وللترجمة ثَلَاثَة أَجزَاء يُطَابق كل وَاحِد من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، وكل وَاحِد من أَجزَاء التَّرْجَمَة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن؟ وزَكَرِيا هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وعدي بن حَاتِم بن عبد الله بن سعد الطَّائِي الْجواد بن الْجواد، وَكَانَ إِسْلَامه سنة الْفَتْح، وَثَبت هُوَ وَقَومه على الْإِسْلَام نزل الْكُوفَة وَشهد الْفتُوح بالعراق، ثمَّ كَانَ مَعَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَات بِالْكُوفَةِ زمن الْمُخْتَار سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن عشْرين وَمِائَة سنة، وَيُقَال: مَاتَ بقرقيسيا، وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي (كتاب المعمرين) . قَالُوا: عَاشَ عدي بن حَاتِم مائَة وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ أَعور.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان، من غير ذكر قصَّة المعراض، وَمضى أَيْضا فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع فِي: بَاب تَفْسِير المشبهات بِتَمَامِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَغَيره، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن يُوسُف بن عِيسَى وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر وَآخَرين. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَمْرو بن عبد الله الْأَزْدِيّ وَغَيره.
قَوْله: {عَن عدي بن حَاتِم} وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا عَامر حَدثنَا عدي بن حَاتِم، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن زَكَرِيَّاء مُدَلّس وَقد عنعن. قلت: عَن قريب يَأْتِي عَن الشّعبِيّ: سَمِعت عدي بن حَاتِم. قَوْله: (المعراض) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة. قَالَ الْخَلِيل وَآخَرُونَ: هُوَ سهم لَا ريش لَهُ وَلَا نصل. وَقَالَ ابْن دُرَيْد وَابْن سَيّده: سهم طَوِيل لَهُ أَربع قذذ رقاق فَإِذا رمى بِهِ اعْترض، وَقَالَ الْخطابِيّ: المعراض نصل عريض لَهُ ثقل ورزانة. وَقيل: عود رَقِيق الطَّرفَيْنِ غليظ الْوسط وَهُوَ الْمُسَمّى بالحذافة، وَقيل: خَشَبَة ثَقيلَة آخرهَا عَصا محدد رَأسهَا وَقد لَا يحدد. وَقَالَ ابْن التِّين: المعراض عَصا فِي طرفها حَدِيدَة يَرْمِي الصَّائِد بهَا الصَّيْد فَمَا أصَاب بحده فَهُوَ ذكي فيؤكل، وَمَا أصَاب بِغَيْر حَده فَهُوَ وقيذ، وَهُوَ معنى قَوْله: (فَهُوَ وقيذ) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْقَاف وبالذال الْمُعْجَمَة على وزن فعيل، بِمَعْنى مفعول، وَقد مر تَفْسِير الموقوذة عَن قريب. قَوْله: (فَإِن أَخذ الْكَلْب ذَكَاة) أَي: حكمه حكم التذكية فَيحل أكله كَمَا يحل أكل المذكاة. قَوْله: (أَو كلابك) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (كَلْبا غَيره) أَرَادَ بِهِ كَلْبا لم يُرْسِلهُ من هُوَ أَهله.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام قد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى من الْأَبْوَاب الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَلَكِن نذْكر بعض شَيْء من ذَلِك لبعد الْمسَافَة فَنَقُول.
الأول من الْأَحْكَام: مَشْرُوعِيَّة الصَّيْد بِهِ وَبِالْقُرْآنِ أَيْضا. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِذا حللتم فاصطادوا} وَقَالَ عِيَاض: الِاصْطِيَاد يُبَاح لمن اصطاده للاكتساب وَالْحَاجة وَالِانْتِفَاع بِالْأَكْلِ وَالثمن، وَاخْتلفُوا فِيمَن اصطاد للهو، وَلَكِن يقْصد التذكية وَالْإِبَاحَة وَالِانْتِفَاع فكرهه مَالك وَأَجَازَهُ اللَّيْث وَابْن عبد الحكم فَإِن فعله بِغَيْر نِيَّة التذكية فَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ فَسَاد فِي الأَرْض وَإِتْلَاف نفس عَبَثا وَقد نهى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قتل الْحَيَوَان إلاَّ لمأكلة وَنهى أَيْضا عَن الْإِكْثَار من الصَّيْد، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعا: من سكن الْبَادِيَة فقد جَفا، وَمن اتبع الصَّيْد فقد غفل، وَمن لزم السُّلْطَان افْتتن وَقَالَ: حسن غَرِيب وَأعله الْكَرَابِيسِي بِأبي مُوسَى أحد رُوَاته، وَقَالَ حَدِيثه لَيْسَ بالقائم، وروى أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بأسناد ضَعِيف، وَأَيْضًا من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ شريك.
الثَّانِي: أَن سيد

(21/92)


المعراض إِن لم يصبهُ بحده فَلَا يحل أكله. الثَّالِث: أَن قتل الْكَلْب الْمعلم ذَكَاة فَإِذا أكل فَلَيْسَ بمعلم، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ ومذهبهما أَن تَعْلِيمه أَن لَا يَأْكُل وَهُوَ شَرط عِنْدهمَا وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر وَدَاوُد، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول ضَعِيف وَمَالك: لَيْسَ بِشَرْط، وَهُوَ قَول سلمَان الْفَارِسِي وَسعد بن أبي وَقاص وَعلي وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمن التَّابِعين قَول سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار وَالْحسن وَالزهْرِيّ، وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} (الْمَائِدَة: 4) وَإنَّهُ ذَكَاة يستباح بهَا الصَّيْد فَلَا يفْسد بِأَكْلِهِ مِنْهُ وَحجَّة الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة. قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِن أكل فَلَا تَأْكُل) فَإِنَّهُ لم يمسك عَلَيْك إِنَّمَا أمسك على نَفسه، على مَا يَأْتِي عَن قريب فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب. فَإِن قلت: قَالَ القَاضِي فِي حَدِيث عدي خلاف يَعْنِي: فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي، وَهُوَ أَن قَوْله: فَإِنَّهُ لم يمسك عَلَيْك إِلَى آخِره، ذكره الشّعبِيّ وَلم يذكرهُ هِشَام وَابْن أبي مطر وَأَيْضًا هُوَ معَارض بِمَا رُوِيَ أَبُو ثَعْلَبَة الخشنى أَنه قَالَ لَهُ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل وَأَن أكل مِنْهُ، أخرجه أَبُو دَاوُد وَسكت وَلم يُضعفهُ. قلت: فِي إِسْنَاده دَاوُد بن عَمْرو الدِّمَشْقِي، قَالَ ابْن حزم: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَدَاوُد هَذَا ضَعِيف ضعفه أَحْمد وَقد ذكر بِالْكَذِبِ فَإِن قلت: دَاوُد بن عَمْرو الْمَذْكُور وَثَّقَهُ يحيى بن معِين، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ ابْن عدي: لَا أرى بروايته بَأْسا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد صَالح: وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات. قلت: وَإِن سلمنَا هَذَا فَهُوَ لَا يُقَاوم الَّذِي فِي (الصَّحِيح) وَلَا يُقَارِبه، وَقيل: حَدِيث أبي ثَعْلَبَة مَحْمُول على مَا إِذا أكل مِنْهُ بعد أَن قَتله وخلاه وفارقه ثمَّ عَاد فَأكل مِنْهُ فَهَذَا لَا يضر، وَمِنْهُم من حمله على الْجَوَاز وَحَدِيث عدي على التَّنْزِيه لِأَنَّهُ كَانَ موسعا عَلَيْهِ فأفتاه بالكف تورعا وَأَبُو ثَعْلَبَة كَانَ مُحْتَاجا فأفتاه بِالْجَوَازِ.
الرَّابِع: اشْتِرَاط التَّسْمِيَة لِأَنَّهُ علل بقوله: فَإِنَّمَا ذكرت اسْم الله على كلبك وَلم تذكره على غَيره، وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي التَّسْمِيَة على الصَّيْد والذبيحة فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَنَافِع مولى عبد الله وَالشعْبِيّ: أَنَّهَا فَرِيضَة فَمن تَركهَا عَامِدًا أَو سَاهِيا لم يُؤْكَل مَا ذبحه وَهُوَ قَول أبي ثَوْر والظاهرية وَذهب مَالك وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة، وأصحابهم إِلَى أَنه إِن تَركهَا عَامِدًا لم يُؤْكَل، وَأَن تَركهَا سَاهِيا أكلت. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الْمسيب وَالْحسن بن صَالح وطاووس وَعَطَاء وَالْحسن بن أبي الْحسن النَّخعِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وجعفر بن مُحَمَّد وَالْحكم وَرَبِيعَة وَأحمد وَإِسْحَاق وَرَوَاهُ فِي (المُصَنّف) عَن الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَفِي (المغنى) وَعَن أَحْمد رِوَايَة وَهُوَ الْمَذْهَب أَنَّهَا شَرط إِن تَركهَا عمدا أَو سَهوا فَهِيَ ميتَة وَفِي رِوَايَة إِن تَركهَا على إرْسَال السهْم نَاسِيا أكل، وَإِن تَركهَا على الْكَلْب أَو الفهد لم يُؤْكَل. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُؤْكَل الصَّيْد والذبيحة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا تعمد ذَلِك أَو نَسيَه، رُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء.

2 - (بَابُ: {صَيْدِ المِعْرَاضِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صيد المعراض، وَقد مر تَفْسِير المعراض عَن قريب.
{وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي المَقْتُولَةِ بِالبُنْدُقَةِ: تِلْكَ المَوْقُوذَةُ}
قيل: لَا وَجه لذكر أثر ابْن عمر وَلَا للآثار الَّتِي بعده فِي هَذَا الْبَاب قلت: فِيهِ وَجه حسن وَهُوَ أَن المقتولة بالبندقة موقوذة، كَمَا أَن مقتولة المعراض بِغَيْر حَده موقوذة فَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ فِي الْمُطَابقَة وَتَعْلِيق ابْن عمر وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن عَامر الْعَقدي عَن زُهَيْر هُوَ ابْن مُحَمَّد عَن زيد بن أسلم عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: المقتولة بالبندقة تِلْكَ الموقوذة.
{وَكَرِهَهُ سَائِمٌ وَالقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالحَسَنُ. وَكَرِهَ الحَسَنُ رَمِي البنْدُقَةِ فِي القُرَى وَالأمْصَارِ، وَلا يَرَى بِهِ بَأسا فِيما سِوَاهُ.
أَي: كره سَالم بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أكل مقتولة البندقة، وَكَذَلِكَ كرهه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمُجاهد بن جبر وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ، أما أثر سَالم وَالقَاسِم فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن الثَّقَفِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان البندقة إلاَّ مَا أدْركْت ذَكَاته وَأما أثر مُجَاهِد فاخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد أَنه كرهه، وَأما أثر إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فاخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن حَفْص عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم: لَا تَأْكُل مَا أصبت بالبندقية إلاَّ أَن تذكي.

(21/93)


وَأما أثر عَطاء فَأخْرجهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ عَطاء: إِذا رميت صيدا ببندقة فأدركت ذَكَاته فكله وإلاَّ فَلَا تؤكله. وَأما أثر الْحسن فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن هِشَام عَن الْحسن، إِذْ رمى الرجل الصَّيْد بالجلاهقة فَلَا تَأْكُل إِلَّا أَن تدْرك ذَكَاته وَقَالَ بَعضهم: والجلاهقة بِضَم الْجِيم وَتَشْديد اللَّام وَكسر الْهَاء بعْدهَا قَاف هِيَ: البندقة بِالْفَارِسِيَّةِ، وَالْجمع جلاهق قلت: الْمَشْهُور فِي لِسَان الفارسية أَن اسْم البندقة كل كمان. قَوْله: (وَكره الْحسن) ، أَي: الْبَصْرِيّ (رمى البندقة فِي الْقرى) الخ. إِنَّمَا كرهه فِي الْقرى والأمصار تَحَرُّزًا عَن إِصَابَة النَّاس بِخِلَاف الصَّحرَاء، وَهَذَا ظَاهر. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمِمَّنْ روينَا عَنهُ أَنه كره صيد البندقة ابْن عمر وَالنَّخَعِيّ وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.

5476 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيٍّ بنَ حَاتِمٍ، رَضِيَ الله عَنهُ، قَالَ: سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنِ المِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: إذَا أصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ فَإذَا أصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإنَّهُ وَقِيذٌ فَلا تَأْكُلْ فَقُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي؟ قَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ قُلْتُ: فِإنْ أكَلَ؟ قَالَ: فَلا تَأْكُلْ فَإنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إنَّمَا أمَسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فأجِدُ مَعَهُ كَلْبا آخَرَ؟ قَالَ: لَا تَأْكُلْ فَإنَّكَ إنَّما سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد مضى الحَدِيث الْآن، وَالْكَلَام فِيهِ وَعبد الله بن أبي السّفر بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء، وَاسم أبي السّفر سعيد بن يحمد الْهَمدَانِي الْكُوفِي يروي عَن عَامر الشّعبِيّ.
قَوْله: (فَإِنَّهُ لم يمسك عَلَيْك) ، قَالَ الله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} (الْمَائِدَة: 4) .

3 - (بَابُ: {مَا أصَابَ المِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مَا أصَاب المعراض بعرضه.

5477 - حدَّثنا قَبِيصَةُ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بنِ الحَارِثِ عَنْ عَدِيٍّ بنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله! إنَّا نُرْسِلُ الكِلابَ المُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: كُلْ مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكَ قُلْتُ وَإنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: وَإنْ قَتَلْنَ. قُلْتُ: وَإنَّا نَرْمِي بِالمِعْرَاضِ؟ قَالَ: كُلْ مَا خَزَقَ وَمَا أصَابَ بِعَرْضِهِ فَلا تَأُُكُلْ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور قبله، أخرجه عَن قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن همام بتَشْديد الْمِيم ابْن الْحَارِث النَّخعِيّ الْكُوفِي.
قَوْله: (كل مَا خزق) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالزَّاي بعْدهَا قَاف أَي: نفذ يُقَال: سهم خازق أَي: نَافِذ، وَيُقَال: خسق، بِالسِّين الْمُهْملَة أَيْضا إِذا أصَاب الرَّمية وَنفذ مِنْهَا وخزق يخزق خزوقا وَسَهْم خازق وخاسق، وَقَالَ ابْن التِّين: خزق أصَاب مجده وأصل الخزق فِي اللُّغَة الطعْن. قَوْله: (وَمَا أصَاب بعرضه) ، بِفَتْح الْعين يَعْنِي: بِغَيْر طرفه الحاد فَلَا تَأْكُل، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ الشّعبِيّ وَابْن جُبَير: يُؤْكَل إِذا خزق وَبلغ الْمقَاتل، وَقَالَ ابْن بطال: وَذهب الْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول وفقهاء الشَّام إِلَى جَوَاز أكل مَا قتل بالمعراض خزقه أَو لم يخزق وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاء وفضالة بن عبيد لَا يريان بِهِ بَأْسا.

4 - (بَابُ: {صَيْدِ القَوْسِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّيْد بِالْقَوْسِ، والقوس يذكر وَيُؤَنث، فَمن أنثه يَقُول فِي تصغيره، قويسة، وَمن ذكره يَقُول: أَسْفَل قويس وَيجمع على قسي وأقواس وَقِيَاس، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة منشدا.
(ووتر الأساود القياسا.)

والقوس أَيْضا بَقِيَّة التَّمْر فِي الْحلَّة والقوس برج فِي السَّمَاء وَتقول: قست الشَّيْء بِغَيْرِهِ وعَلى غَيره أَقيس قيسا وَقِيَاسًا فانقاس إِذا قدرته على مِثَاله.

(21/94)


وَقَالَ الحَسَنُ وَإبْرَاهِيمُ: إذَا ضَرَبَ صَيْدا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ أوْ رِجْلٌ لَا تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ وَتَأْكُلُ سَائِرَهُ} .
قيل: لَا وَجه لإيراد الْأَثر الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب قلت: الْوَجْه لِأَنَّهُ يُمكن ضرب صيد بِسَهْم قَوس فأبان مِنْهُ يَده أَو رجله. وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ أما أثر الْحسن فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن يُونُس عَنهُ فِي رجل ضرف صيدا فأبان مِنْهُ بدا أَو رجلا، وَهُوَ حَيّ ثمَّ مَاتَ تَأْكُله وَلَا تَأْكُل مَا بَان مِنْهُ إلاَّ أَن تضربه فتقطعه فَيَمُوت من سَاعَته فَإِذا كَانَ ذَلِك فلتأكله كُله وَفِي (الْأَشْرَاف) عَن الْحسن خلاف هَذَا، قَالَ فِي الصَّيْد يقطع مِنْهُ عُضْو، قَالَ: يَأْكُلهُ جَمِيعًا مَا بَان وَمَا بَقِي وَأما أثر إِبْرَاهِيم فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة. قَالَ: إِذا ضرب رجل الصَّيْد فَبَان عُضْو مِنْهُ ترك مَا سقط وَأكل مَا بَقِي، وَإِبْرَاهِيم لما روى هَذَا وَلم يعْتَرض عَلَيْهِ بِشَيْء فَكَأَنَّهُ رضيه. قَوْله: (سائره) ، أَي: بَاقِيه، وَقيل: لَا يسْتَعْمل سائره إلاَّ بِمَعْنى جَمِيعه، وَلَيْسَ كَذَلِك بل اللُّغَة الفصيحة أَنه يسْتَعْمل بِمَعْنى بَاقِيه قلَّ الْبَاقِي أَو كثر.
{وَقَالَ إبْرَاهِيمُ إذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ} .
أَي: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. قَوْله: (أَو وَسطه) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة لِأَنَّهُ اسْم لِمَعْنى مَا بَين طرفِي الشَّيْء كمركز الدائرة، وبالسكون اسْم مُبْهَم لداخل الدائرة.
{وَقَالَ الأعْمَشُ عَنْ زَيْدٍ: اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ الله حِمارٌ فَأمَرَهُمْ أنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ} .
الْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَزيد هُوَ ابْن وهب، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب قَالَ: سُئِلَ ابْن مَسْعُود عَن رجل ضرب رجل حمَار وَحشِي فقطعها فَقَالَ: دعوا سقط وذكوا مَا بَقِي وكلوه، وَحَكَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من حَدِيث الْحَارِث عَنهُ، وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَعَطَاء: لَا تَأْكُل الْعُضْو وذَكِ، الصَّيْد وَكله. وَقَالَ عِكْرِمَة: إِن عدا حَيا بعد سُقُوط الْعُضْو مِنْهُ فَلَا تَأْكُل الْعُضْو، وذِك الصَّيْد وَكله، وَإِن مَاتَ حِين ضرب فكله كُله وَبِه قَالَ قَتَادَة وَأَبُو ثَوْر وَالشَّافِعِيّ: كَذَلِك قَالَ: إِذا كَانَ لَا يعِيش بعد ضَرْبَة سَاعَة أَو مُدَّة أَكثر مِنْهَا وَفِي التَّمْهِيد عَن مَالك إِن قطع عضوه لَا يُؤْكَل الْعُضْو وَأكل الْبَاقِي وَقَالَ الشَّافِعِي إِن قطع قطعتين أكله وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أقل من الْأُخْرَى إِذا مَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري: إِذا قطعه نِصْفَيْنِ أكلا جَمِيعًا وَإِن قطع الثُّلُث فَإِن كَانَ مِمَّا يَلِي الرَّأْس أكله جَمِيعه، وَإِن كَانَ من الَّذِي يَلِي الْعَجز أكل الثُّلثَيْنِ مِمَّا يَلِي الرَّأْس وَلَا يَأْكُل الثُّلُث الَّذِي يَلِي الْعَجز.

5478 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ حدَّثنا حَيْوَةُ، قَالَ: أخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أبِي إدْرِيس عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشْنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله {إنَّا بِأرْضِ قَوْمٍ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ، أفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ} وَبِأرْضِ صَيْد أصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَبِكَلْبِي المُسْلِّم، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أهْلِ الكِتابِ؟ فَإنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَها فَلا تَأْكُلُوا فِيها، وَإنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوها وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْت اسْمَ الله فَكُلْ، وَما صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ الله فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعلِّمٍ فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة الْمقري، وحيوة ابْن شُرَيْح. مصغر شرح بالشين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمصْرِيّ أَبُو زرْعَة، وَرَبِيعَة بن يزِيد من الزِّيَادَة الدِّمَشْقِي الْقصير، وَأَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْخَولَانِيّ، وَأَبُو ثَعْلَبَة بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور الْخُشَنِي بِضَم الْخَاء وَفتح الشين المعجمتين وبالنون نِسْبَة إِلَى خشين بن النمر بن وبرة بن ثَعْلَب

(21/95)


ابْن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة. وَفِي اسْمه وَاسم أَبِيه خلاف، وَالْأَكْثَر على أَنه: جرهم بِضَم الْجِيم وَالْهَاء وَسُكُون الرَّاء، ابْن ناشم بالنُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ من الْمُبَايِعين تَحت الشَّجَرَة مَاتَ سنة خمس وَسبعين.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن أبي عَاصِم فِي موضِعين مِنْهُ على مَا يَجِيء وَعَن أَحْمد بن أبي رَجَاء وَأخرجه مُسلم فِي الصَّيْد عَن هناد وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن هناد بِقصَّة الْكَلْب وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي السّير عَن هناد بِقصَّة الْآنِية. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبيد بِقصَّة الْقوس وَالْكَلب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِتَمَامِهِ. قَوْله: (أَنا بِأَرْض قوم) يَعْنِي: بِالشَّام وَكَانَت جمَاعَة من قبائل الْعَرَب سكنوا الشَّام وَتنصرُوا مِنْهُم آل غَسَّان وتنوخ وبهراء وبطون من قضاعة. مِنْهُم: بَنو خشين من آل أبي ثَعْلَبَة قَوْله: (فِي آنيتهم) جمع إِنَاء وَفِي (الْمغرب) الْإِنَاء وعَاء المَاء، وَجمع التقليل آنِية والتكثير: الْأَوَانِي. وَنَظِيره سوار وأسورة وأساور.
واستغتى أَبُو ثَعْلَبَة الْمَذْكُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من مَسْأَلَتَيْنِ.
الأولى: عَن الْأكل فِي آنِية أهل الْكتاب فَأجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: (فَإِن وجدْتُم غَيرهَا) أَي: غير آنِية أهل الْكتاب فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِلَّا فاغسلوها وكلوا فِيهَا. وَهَذَا التَّفْصِيل يَقْتَضِي كَرَاهَة اسْتِعْمَالهَا إِن وجد غَيرهَا مَعَ أَن الْفُقَهَاء قَالُوا بِجَوَاز اسْتِعْمَالهَا بعد الْغسْل بِلَا كَرَاهَة سَوَاء وجد غَيرهَا أَو لَا وَأجِيب أَن المُرَاد النَّهْي عَن الْآنِية الَّتِي يطبخون فِيهَا لُحُوم الْخَنَازِير وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخُمُور، وَإِنَّمَا نهى عَنْهَا بعد الْغسْل للاستقذار وَكَونهَا معدة للنَّجَاسَة، وَمُرَاد الْفُقَهَاء أواني الْكفَّار الَّتِي لَيست مستعملة فِي النَّجَاسَات غَالِبا. قلت: التَّحْقِيق فِي هَذَا أَن فِي حَدِيث أبي ثَعْلَبَة هَذَا تَرْجِيح الظَّاهِر على الأَصْل لِأَن الأَصْل فِي آنِية أهل الْكتاب وَالْمَجُوس الطَّهَارَة، وَمَعَ هَذَا فقد أَمر بغسلها عِنْد عدم وجود غَيرهَا. وَالصَّحِيح أَن الحكم للْأَصْل حَتَّى تتَحَقَّق النَّجَاسَة ثمَّ يحْتَاج إِلَى الْجَواب عَن الحَدِيث فَأُجِيب بجوابين: أَحدهمَا: أَن الْأَمر بِالْغسْلِ للِاحْتِيَاط والاستحباب. وَالثَّانِي: أَن المُرَاد بِالْحَدِيثِ حَالَة تحقق نجاستها، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: إِنَّا نجاور أهل الْكتاب وهم يطبخون فِي قدورهم الْخِنْزِير وَيَشْرَبُونَ فِي آنيتهم الْخمر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن وجدْتُم غَيرهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا وَإِن لم تَجدوا غَيرهَا فاغسلوها بِالْمَاءِ وكلوا وَاشْرَبُوا) . فَافْهَم.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: عَن الصَّيْد بِالْقَوْسِ وبالكلب الْمعلم وَغير الْمعلم فَأجَاب بقوله: (وَمَا صدت) إِلَى آخر.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَحْكَام.
الأول: فِيهِ جَوَاز الصَّيْد بِالْقَوْسِ إِذا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن أَعْرَابِيًا يُقَال لَهُ: أَبُو ثَعْلَبَة، قَالَ: يَا رَسُول الله! إِن لي كلابا معلمة الحَدِيث، وَفِيه: افتني فِي قوسي، قَالَ: كل مَا ردَّتْ عَلَيْك قوسك ذكيا وَغير ذكي، قَالَ: وَإِن تغيب عني؟ قَالَ: وَإِن تغيب عَنْك مَا لم يصل أَو تَجِد فِيهِ أثر غير سهمك. قَوْله: (مَا لم يصل) بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَاللَّام الثَّقِيلَة أَي: مَا لم ينتن.
الثَّانِي: وجوب اشْتِرَاط التَّسْمِيَة، وَقد مرت مباحثها عَن قريب.
الثَّالِث: أَن الْكَلْب لَا بُد أَن يكون معلما؟ فَإِذا صَاد بكلبه الْمعلم وَذكر اسْم الله عِنْد الْإِرْسَال فَإِنَّهُ يُؤْكَل، وَإِذا صَاد بكلب غير معلم فَإِن أدْرك ذَكَاته يذكى ويؤكل، وإلاَّ فَلَا يُؤْكَل.
الرَّابِع: أَن ذكر الْكَلْب مُطلقًا يتَنَاوَل أَي لون كَانَ أَبيض أَو أسود أَو أَحْمَر، فَيجوز بِأَيّ لون كَانَ، وَفِيه حجَّة على أَحْمد حَيْثُ لَا يجوز بالكلب الْأسود، وَإِن كَانَ معلما.
الْخَامِس: أَن فِيهِ شرطين: كَون معلما. وَالتَّسْمِيَة فَإِذا أرسل كَلْبا غير معلم أَو أرسل معلما بِغَيْر تَسْمِيَة، أَو وجد كَلْبا قد صَاد من غير إرْسَال فَلَا يحل صَيْده إِلَّا بِأَن يُدْرِكهُ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة ثمَّ يذكيه.

5 - (بابُ: {الخَذْفِ وَالبُنْدُقَةِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْخذف، وَهُوَ بِالْخَاءِ والذال المعجمتين، وَهُوَ الرَّمْي بالحصى بالأصابع. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: الْخذف رميك حَصَاة أَو نواة تَأْخُذ بَين سبابتيك وَتَرْمِي بهَا، أَو تتَّخذ مخذفة من خشب ثمَّ ترمي بهَا الْحَصَاة بَين إبهامك والسبابة، وَأما الْحَذف بِالْحَاء الْمُهْملَة فَهُوَ الرَّمْي بالعصا وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يسْتَعْمل فِي الرَّمْي وَالضَّرْب مَعًا، والبندقة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون النُّون طِينَة مُدَوَّرَة مجففة يرْمى بهَا عَن الجلاهق، وَهُوَ بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف اللَّام وَكسر الْهَاء وبالقاف: اسْم لقوس البندقة.

(21/96)


5479 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ رَاشِدٍ حدَّثنا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بنُ هَارُونَ، وَاللَّفْظُ لِ يَزِيدَ عَنْ كَهْمَسٍ بنِ الحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُغفَّلٍ: أنَّهُ رَأى رَجُلاً يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: لَا تَخْذِفْ فَإنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أوْ كَانَ يَكْرَهُ الخَذْفَ. وَقَالَ: إنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلا يُنْكَى بِهِ وَعَدُوٌّ وَلاكِنَّها قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ العَيْنَ، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذالِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّهُ نَهَى عَنِ الخَذْفِ. أوْ كَرِهَ الخَذْفَ، وَأنْتَ تَخْذِف؟ لَا أكلِّمك كَذا وَكَذا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد أوضح الحَدِيث الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة وَقَالَ بَعضهم: يَأْتِي تَفْسِير الْخذف فِي الْبَاب. قلت: لم يُفَسر الْخذف فِي الْبَاب قطّ، وَإِنَّمَا بَين حكمه، وَهَذَا ظَاهر.
ويوسف بن رَاشد هُوَ يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الرَّازِيّ نزيل بَغْدَاد، نسبه البُخَارِيّ إِلَى جده، ووكيع هُوَ ابْن الْجراح الْكُوفِي، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ من مَشَايِخ أَحْمد بن حَنْبَل، وكهمس بِفَتْح الْكَاف وَالْمِيم وبالسين الْمُهْملَة ابْن الْحسن أَبُو الْحسن التَّمِيمِي، نزل الْبَصْرَة فِي بني قيس، وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة ابْن خصيب الْأَسْلَمِيّ قَاضِي مرو أَبُو سهل الْمروزِي أَخُو سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، وَكَانَا توأمين وَلم يزل قَاضِيا بمرو إِلَى أَن مَاتَ بهَا. وَقَالَ الدمياطي: قيل: مَاتَ عبد الله وَسليمَان فِي يَوْم وَاحِد سنة خمس وَمِائَة وَكَانَ عمرهما مائَة سنة وَالأَصَح أَن سُلَيْمَان تولى الْقَضَاء قبله وَمَات بمرو وَهُوَ على الْقَضَاء بهَا سنة خمس وَمِائَة، وَولي أَخُوهُ الْقَضَاء بهَا بعده، وَمَات وَهُوَ على الْقَضَاء سنة خمس عشرَة وَمِائَة، فعلى هَذَا يكون عمر سُلَيْمَان تسعين سنة، وَعمر عبد الله مائَة سنة، وَعبد الله بن مُغفل بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة ابْن عبد نهم بن عفيف بن أسحم الْمُزنِيّ، نزل الْبَصْرَة وَمَات بهَا سنة سِتِّينَ، وصلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَرزَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح أَيْضا عَن عبد الله بن معَاذ وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الدِّيات عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.
قَوْله: (رأى رجلا) لم يدر اسْمه وَفِي رِوَايَة مُسلم: رأى رجلا من أَصْحَابه، وَله من رِوَايَة سعيد بن جُبَير عَن عبد الله بن مُغفل: إِنَّه قريب لعبد الله بن مُغفل. قَوْله: (يخذف) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَقد مر تَفْسِيره آنِفا. وَهُوَ الَّذِي يَرْمِي الْحَصَاة بالمخذفة بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الَّذِي يُسمى بالمقلاع بِكَسْر الْمِيم. قَوْله: (أَو كَانَ يكره) ، الْخذف شكّ من الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن وَكِيع: نهى عَن الْخذف من غير شكّ، وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن كهمس بِالشَّكِّ، وبيَّن أَن الشَّك من كهمس. قَوْله: (إِنَّه لَا يصاد بِهِ صيد) قَالَ الْمُهلب: أَبَاحَ الله الصَّيْد على صفة فَقَالَ: {تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} (الْمَائِدَة: 94) وَلَيْسَ الرَّمْي بالبندقة وَنَحْوهَا من ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ وقيذ، وَإِنَّمَا نهى عَن الْخذف لِأَنَّهُ يقتل الصَّيْد بِقُوَّة رامية لَا بحده. قَوْله: (وَلَا ينكى بِهِ) قَالَ عِيَاض: الرِّوَايَة بِفَتْح الْكَاف والهمزة فِي آخِره وَهِي لُغَة، وَالْأَشْهر بِكَسْر الْكَاف بِغَيْر همزَة وَفِي (شرح مُسلم) لَا ينْكَأ، بِفَتْح الْكَاف مَهْمُوز. قلت: الْمُنَاسب هُنَا كسر الْكَاف بِغَيْر همزَة لِأَن مَعْنَاهُ من نكيت فِي الْعد وأنكي نكاية. فَأَنا ناك إِذا أكثرت فيهم الْجراح وَالْقَتْل فوهنوا لذَلِك، وَأما الَّذِي بِالْهَمْز فَمن قَوْلهم: نكأت القرحة أنكؤها إِذا قشرتها وَلَا يُنَاسب هُنَا إلاَّ الأول على مَا لَا يخفى. وَقَالَ ابْن سَيّده: نكيت الْعَدو نكاية أصبت مِنْهُم نكأت الْعَدو أنكؤهم لُغَة فِي نكيت. فعلى هَذَا الْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ. قَوْله: (وَلكنهَا) ، أَي: الرَّمية، وَأطلق السن ليشْمل سنّ الْآدَمِيّ وَغَيره. قَوْله: (كَذَا وَكَذَا) ، وَفِي رِوَايَة معَاذ وَمُحَمّد بن جَعْفَر: لَا أُكَلِّمك كلمة كَذَا وَكَذَا. وَكلمَة، بِالنّصب والتنوين، وَكَذَا وَكَذَا لإبهام الزَّمَان، وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير عِنْد مُسلم لَا أُكَلِّمك أبدا.
وَفِيه: جَوَاز هجران من خَالف السّنة وَترك كَلَامه وَلَا يدْخل ذَلِك فِي النَّهْي عَن الهجران فَوق ثَلَاث لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِمن هجر لحظ نَفسه. وَفِيه: تَغْيِير الْمُنكر وَمنع الرَّمْي بالبندق فَلَا يحل مَا قَتله إلاَّ إِذا أدْرك ذَكَاته فَيحل حِينَئِذٍ، وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي: الْمَنْقُول عَن بعض مُتَقَدِّمي الشَّافِعِيَّة منع الِاصْطِيَاد بالبندق إِمَّا تَحْرِيمًا وَإِمَّا كَرَاهَة وَعَن بعض الْمُتَأَخِّرين جَوَازه وَاسْتدلَّ على ذَلِك

(21/97)


بِحَدِيث الِاصْطِيَاد بالكلب الَّذِي لَيْسَ بمعلم، وبالعلة الَّتِي فِي الحَدِيث الْمَذْكُور لِأَنَّهُ قَالَ: (لَا ينكى بِهِ الْعَدو) فمفهوم هَذَا أَن مَا ينكي الْعَدو ويقتُل الصَّيْد: لَا ينْهَى عَنهُ لزوَال عِلّة النَّهْي، وَهَذَا دَلِيل مَفْهُوم. قلت: هَذَا لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الْجُمْهُور.

6 - (بَابُ: {مَنِ اقْتَنَى كَلْبا لَيْسَ بِكَلْبٍ صَيْد أوْ ماشِيَةٍ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اقتنى من الاقتناء. وَهُوَ الاتخاذ والإدخار للْقنية. قَوْله: (لَيْسَ بكلب صيد) صفة لقَوْله: (كَلْبا) وماشية، أَي: أَو لَيْسَ بكلب مَاشِيَة، وَهُوَ اسْم يَقع على الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَلَكِن أَكثر مَا يسْتَعْمل فِي الْغنم، وَيجمع على الْمَوَاشِي وَلم يبين الحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث.

5480 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ حدَّثنا عَبْدِ الله بنُ دِينارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَنْ اقْتَنَى كَلْبا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أوْ ضَارِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيراطان.

مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله أَو مَاشِيَة صَرِيحًا، وللجزء الأول من حَيْثُ الْمَعْنى، وَهُوَ قَوْله: (وضارية) لِأَنَّهُ من ضرى الْكَلْب بالصيد ضراوة أَي: تعود. وَكَانَ حَقه أَن يُقَال: أَو ضار، وَلكنه أنث للتناسب للفظ مَاشِيَة نَحْو: لَا دَريت وَلَا تليت، وَحقه تَلَوت وَكَذَلِكَ نَحْو الغدايا والعشايا وَقيل: صفة للْجَمَاعَة الصائدين أَصْحَاب الْكلاب الْمُعْتَادَة للصَّيْد فسموا ضارية اسْتِعَارَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمُزَارعَة فِي: بَاب اقتناء الْكَلْب للحرث، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، وَفِيه أَيْضا من رِوَايَة سُفْيَان بن أبي زُهَيْر كِلَاهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمضى أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي كتاب بَدْء الْخلق فِي: بَاب إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم، وَعَن سُفْيَان بن أبي زُهَيْر أَيْضا فِيهِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (قيراطان) وَجَاء فِي حَدِيث آخر: قِيرَاط قَالَ ابْن بطال: إِنَّه غلظ عَلَيْهِم فِي اتخاذها لِأَنَّهَا تروع النَّاس فَلم ينْتَهوا. فَزَاد فِي التَّغْلِيظ فَجعل مَكَان قِيرَاط قيراطين وَفِي (التَّوْضِيح) هَل هَذَا النَّقْص من ماضي عمله أَو من مستقبله؟ أَو قِيرَاط من عمل النَّهَار وقيراط من عمل اللَّيْل، أَو قِيرَاط من الْفَرْض وقيراط من النَّفْل؟ فِيهِ خلاف حَكَاهُ فِي (الْبَحْر) والقيراط فِي الأَصْل نصف دانق وَالْمرَاد هُنَا مِقْدَار مَعْلُوم عِنْد الله. أَي: ننقص الْجُزْء من أَجْزَأَ عمله.

5481 - حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا حَنْظَلَة بنُ أبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِما يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: مَنِ اقْتَنَى كَلْبا إلاَّ كَلْبُ ضَارٍ لِصَيْدٍ أوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ فَإنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراطان.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن الْمَكِّيّ بن إِبْرَاهِيم بن بشير الْبَلْخِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَنْسُوب إِلَى مَكَّة شرفها الله، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ علم لَهُ يروي عَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي، وَاسم أبي سُفْيَان الْأسود بن عبد الرَّحْمَن مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة.
قَوْله: (إلاَّ كلب ضار) من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته، نَحْو: شجر الْأَرَاك، وَقيل: لفظ ضار صفة للرجل الصَّائِد أَي: إلاَّ كلب الرجل الْمُعْتَاد للصَّيْد، ويروى: ضاري، وَالْقِيَاس حذف الْيَاء مِنْهُ، وَلَكِن جَاءَ فِي لُغَة إِثْبَات الْيَاء فِي المنقوص. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا الِاسْتِثْنَاء؟ قلت: إلاَّ هَاهُنَا بِمَعْنى غير، وَالِاسْتِثْنَاء مُتَعَذر اللَّهُمَّ إلاَّ أَن ينزل النكرَة منزلَة الْمعرفَة فَيكون اسْتثِْنَاء. قَوْله: (قيراطان) ، ويروى: قيراطين، وَفِيمَا مضى أَيْضا وَجه الرّفْع ظَاهر لِأَنَّهُ فَاعل ينقص هُنَا، وَهُنَاكَ نقص، وَأما وَجه النصب فَلِأَن نقص جَاءَ لَازِما مُتَعَدِّيا بِاعْتِبَار اشتقاقه من النُّقْصَان وَالنَّقْص.
وَاخْتلفُوا فِي سَبَب نُقْصَان الْأجر باقتناء الْكَلْب، فَقيل: لِامْتِنَاع الْمَلَائِكَة من دُخُول بَيته، وَقيل: لما يلْحق المارين من الْأَذَى، وَقيل: لما يبتلى بِهِ من ولوغه فِي الْإِنَاء عِنْد غَفلَة صَاحبه وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يجمع بَين الحصرين؟ إِذْ المحصور هُنَا كلب الْمَاشِيَة والحرث، وَمَفْهُوم أَحدهمَا دُخُول كلب الصَّيْد فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَمَفْهُوم الآخر خُرُوجه عَنهُ وهما متنافيان وَكَذَا حكم كلب الْحَرْث، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنى وَغير مُسْتَثْنى قلت:

(21/98)


مدَار أَمر الْحصْر على المقامات واعتقاد السامعين لَا على مَا فِي الْوَاقِع فالمقام الأول اقْتضى اسْتثِْنَاء كلب الصَّيْد، وَالثَّانِي اسْتثِْنَاء كلب الْحَرْث، فصارا مستثنيين فَلَا مُنَافَاة فِي ذَلِك.

5482 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمر قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنِ اقْتَنَى كَلْبا إلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ ضارٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمِ قِيراطانِ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن عبد الله بن يُوسُف إِلَى آخِره. قَوْله: (أَو ضار) . أَي: أَو إلاَّ كلب ضار، وَالْمعْنَى إلاَّ كَلْبا ضاريا. قَوْله: (من عمله) ويروى: من أجره.

7 - (بَابٌ: {إذَا أكَلَ الكَلْبُ} )

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أكل الْكَلْب من الصَّيْد، وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا أكل الْكَلْب من الصَّيْد لَا يُؤْكَل، وَلم يذكرهُ اعْتِمَادًا على مَا يفهم من متن الحَدِيث.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الصَّوَائِدُ وَالكَوَاسِبُ، اجْتَرَحُوا: اكْتَسَبُوا {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ الله فَكُلُوا مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {سَرِيعُ الحِساب} (الْمَائِدَة: 4) .
قَوْله: مَرْفُوع عطفا على قَوْله: (بَاب) ، لِأَنَّهُ مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. كَمَا قُلْنَا، وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أَبُو زرْعَة حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير حَدثنِي عبد الله بن لَهِيعَة حَدثنِي عَطاء بن دِينَار وَعَن سعيد بن جُبَير أَن عدي بن حَاتِم وَيزِيد بن المهلهل الطائيين سَأَلَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَا: يَا رَسُول الله! قد حرم الله الْميتَة، فَمَاذَا يحل لنا مِنْهَا؟ فَنزلت: {يَسْأَلُونَك} الْآيَة. قَوْله: (قل أحل لكم الطَّيِّبَات) يَعْنِي: الذَّبَائِح الْحَلَال طيبَة لَهُم قَالَه سعيد بن جُبَير: وَقَالَ مقَاتل بن حَيَّان: الطَّيِّبَات مَا أحل لَهُم من كل شَيْء أَن يصيبوه، وَهُوَ الْحَلَال من الرزق. قَوْله: (وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح) أَي: وَأحل لكم مَا اصطدتموه بِمَا علمْتُم من الْجَوَارِح وَهِي الْكلاب والفهود والصقور وَأَشْبَاه ذَلِك، وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك: عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} وَهِي: الْكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصَّيْد، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن خَيْثَمَة وطاووس وَمُجاهد وَمَكْحُول وَيحيى ابْن أبي كثير: أَن الْجَوَارِح الْكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. قَوْله: (مكلبين) ، حَال من قَوْله: (مِمَّا علمْتُم) وَهُوَ جمع مكلب وَهُوَ مؤدب الْجَوَارِح ومضربها بالصيد لصَاحِبهَا ورائضها لذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: مكلبين مؤدبين فَلَيْسَ هُوَ تفعيل من الْكَلْب الْحَيَوَان الْمَعْرُوف إِنَّمَا هُوَ من الْكَلْب بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الْحِرْص. انْتهى. قلت: هَذَا تركيب فَاسد وَمعنى غير صَحِيح وَدَعوى اشتقاق من غير أَصله، وَلم يقل بِهِ أحد، بل الَّذِي يُقَال هُنَا مَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ الَّذِي هُوَ الْمرجع إِلَيْهِ فِي التَّفْسِير، وَهُوَ أَنه قَالَ: واشتقاقه أَي: اشتقاق مكلبين من الْكَلْب لِأَن التَّأْدِيب أَكثر مَا يكون فِي الْكلاب فاشتق من لَفظه لكثرته فِي جنسه. فَإِن قلت: قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا: وَمن الْكَلْب الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الضراوة؟ يُقَال: هُوَ كلب بِكَذَا إِذا كَانَ ضَارِبًا بِهِ قلت: نَحن مَا ننكر أَن يكون اشتقاق مكلبين من غير الْكَلْب الَّذِي هُوَ الْحَيَوَان، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا على هَذَا الْقَائِل قَوْله: وَلَيْسَ هُوَ تفعيل من الْكَلْب، وَإِنَّمَا هُوَ الْكَلْب بِفَتْح اللَّام، فَالَّذِي لَهُ أدنى مسكة من علم التصريف لَا يَقُول بِهَذِهِ الْعبارَة. وَأَيْضًا فقد فسر الْكَلْب بِفَتْح اللَّام بِمَعْنى الْحِرْص وَلَيْسَ كَذَلِك مَعْنَاهُ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مثل مَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، وَهُوَ معنى الضراوة. قَوْله: (الصوائد) ، جمع صائدة. (والكواسب) جمع كاسبة وَهُوَ صفة لقَوْله: (الْجَوَارِح) وَقَالَ بَعضهم: صفة مَحْذُوف تَقْدِيره: الْكلاب الصوائد. قلت: هَذَا أَيْضا فِيهِ مَا فِيهِ، بل هِيَ صفة للجوارح كَمَا قُلْنَا. وَقَوله: الصوائد، رِوَايَة الْكشميهني وَلغيره، الكواسب. قَوْله: (الصوائد والكواسب) وَقَوله: (اجترحوا: اكتسبوا) لَيْسَ من الْآيَة الْكَرِيمَة بل هُوَ معترض بَين قَوْله: (مكلبين) وَبَين قَوْله: (تعلمونهن) فَذكر الصوائد والكواسب تَفْسِيرا للجوارح، وَذكر اجترحوا بِمَعْنى اكتسبوا اسْتِطْرَادًا لبَيَان أَن

(21/99)


الاجتراح يُطلق على الِاكْتِسَاب. قَوْله: (تعلمونهن) ، أَي: الْجَوَارِح، وتعليمهن أَنه إِذا أرسل استرسل وَإِذا أشلاه استشلى وَإِذا أَخذ الصَّيْد أمْسكهُ على صَاحبه حَتَّى يَجِيء إِلَيْهِ وَلَا يمسِكهُ لنَفسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ وَاتَّقوا الله} (الْمَائِدَة: 4) فِي مُخَالفَة أمره. {وَإِن الله سريع الْحساب} .
{وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إنْ أكَلَ الكَلْبُ فَقَدْ أفْسَدَهُ إنَّما أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَالله يَقُولُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ الله} فَتُضْرَبُ وَتُعْلَّمُ حَتَّى تَتْرُك} .
هَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور مُخْتَصرا من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِذا أكل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل فَإِنَّمَا أمسك على نَفسه. قَوْله: (أفْسدهُ) ، أَي: أخرجه عَن صلاحيته للْأَكْل. وَقَوله: (إِنَّمَا أمسك) إِلَى آخِره تَعْلِيل لما قَالَ. قَوْله: (فَتضْرب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. وَكَذَلِكَ (تعلم) قَوْله: (حَتَّى تتركه) ، أَي: الْأكل.
{وَكَرِهَهُ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما}
أَي: كره أكل الصَّيْد الَّذِي أكل مِنْهُ الْكَلْب عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَوَصله وَكِيع بن الْجراح حَدثنَا سُفْيَان ابْن سعيد عَن لَيْث عَن مُجَاهِد عَنهُ.
{وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ}
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: إِن شرب الْكَلْب دم الصَّيْد وَلم يَأْكُل من لَحْمه فَكل، يَعْنِي: كل هَذَا الصَّيْد. وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن حَفْص بن غياث عَن ابْن جريج عَنهُ، وَذكر عَن عدي بن أبي حَاتِم: إِن شرب من دَمه فَلَا تَأْكُل فَإِنَّهُ لم يتَعَلَّم مَا عَلمته وَعَن الْحسن: إِن أكل فَكل فَإِن شرب فَكل، وَزعم ابْن حزم أَن الْجَارِح إِذا شرب من دم الصَّيْد لم يضر ذَلِك شَيْئا لِأَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حرم علينا أكل مَا قَتِيل: إِذا أكل وَلم يحرم إِذا ولغَ قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ قَول سعد بن أبي وَقاص وَابْن عمر وسلمان، رَضِي الله عَنْهُم، قَالُوا: إِذا أكل الْجَارِح يُؤْكَل مَا أكل، وَهُوَ قَول مَالك. وَقَالَ ابْن بطال، وَهُوَ قَول عَليّ بن أبي طَالب وَسَعِيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار وَالْحسن بن أبي الْحسن وَمُحَمّد بن شهَاب وَرَبِيعَة وَاللَّيْث، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن إِدْرِيس وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق: إِن أكل لَا يُؤْكَل وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ قَول الْجُمْهُور من السّلف وَغَيرهم مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَابْن شهَاب فِي رِوَايَة، وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة.

5483 - حدَّثنا قُتَيْبَةَ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُلْتُ: إنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهاذِهِ الكِلابِ؟ فَقَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كِلابِكَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله فعل مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَإنْ قَتَلْنَ، إلاَّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ فَإنِّي أخافُ أنْ يَكُونَ إنَّمَا أمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإنْ خَالَطَها كِلابٌ مِنْ غَيْرِها فَلا تَأْكُلْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبَيَان، بِفَتْح الْيَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْبَاء آخر الْحُرُوف، ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الأحمسي بالمهملتين، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل.
والْحَدِيث قد مر بِوُجُوه مُخْتَلفَة وطرق عديدة.
قَوْله: (إِذا أرْسلت) ، فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ إِذا استرسل بِنَفسِهِ فَلَا يُؤْكَل صَيْده، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور إلاَّ مَا حُكيَ عَن الْأَصَم من إِبَاحَته، وَإِذا غصب كَلْبا واصطاد هَل يكون للْمَالِك أَو للْغَاصِب؟ فَقيل: للْمَالِك. لِأَن الصَّيْد بكلبه، وَقيل: للْغَاصِب لِأَن الْكَلْب يتَمَلَّك.

8 - (بَابُ: {الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أوْ ثَلاثَةَ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّيْد إِذا غَابَ عَنهُ أَي: عَن الصَّائِد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام.

5484 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا ثَابِتُ بنُ يَزِيد حدَّثنا عَاصمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَيْتَ فَأمْسَكَ

(21/100)


وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإنْ أكَلَ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّمَا أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإذَا خَالَطَ كِلابا لَمْ يُذْكَر اسْمُ الله عَلَيْها فأمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّكَ لَا تَدْرِي أيُّها قَتَلَ، وَإنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إلاَّ أثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإنْ وَقَعَ فِي المَاءِ فَلا تَأْكُلْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ) ، وَذكر الثَّلَاثَة فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا.
وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ضد الزائل ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْأَحول الْبَصْرِيّ، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام.
الأول: إِذا أرسل كَلْبه وسمى فَأمْسك على صَاحبه يحل أكله.
الثَّانِي: إِن أكل مِنْهُ لَا يحل.
الثَّالِث: إِذا خالط كَلْبه كلابا أُخْرَى لم يذكر اسْم الله عَلَيْهَا فأمسكن وقتلن لَا يحل أكله، وَعلله بقوله: (لَا تَدْرِي أَيهَا) أَي: الْكلاب (قلته) وَفِي (التَّوْضِيح) إِن جُمْهُور الْعلمَاء بالحجاز وَالْعراق متفقون على أَنه إِذا أرسل كَلْبه على الصَّيْد وَوجد مَعَه كَلْبا آخر وَلم يدر أَيهمَا أَخذ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَل هَذَا الصَّيْد، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك عَطاء وَالْأَرْبَعَة وَأَبُو ثَوْر، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يَقُول: إِذا أرسل كَلْبه الْمعلم فَعرض لَهُ كلب آخر معلم فقتلاه فَهُوَ حَلَال، وَإِن كَانَ غير معلم فقتلاه لم يُؤْكَل وَعبارَة الْقُرْطُبِيّ، الْكَلْب المخالط مَجْهُول غير مُرْسل من صائد أخر، وَأَنه إِنَّمَا انْبَعَثَ فِي طلب الصَّيْد بطبعه، وَلَا يخْتَلف فِي هَذَا فَأَما إِذا أرْسلهُ صائد آخر على ذَلِك الصَّيْد فاشترك الكلبان فِيهِ فَإِنَّهُ للصائدين، فَلَو نفذ أحد الكلبين مقاتله ثمَّ جَاءَ الآخر بعد فَهُوَ للْأولِ.
الرَّابِع: إِذا رمى الصَّيْد وَغَابَ عَنهُ ثمَّ وجد بعد يَوْم أَو بعد يَوْمَيْنِ وَلَيْسَ بِهِ إِلَّا أثر سَهْمه فَإِنَّهُ يُؤْكَل، وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ. فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا وجده من الْغَد مَيتا وَوجد سَهْمه أَو أثرا من كَلْبه فليأكله، وَهُوَ قَول أَشهب وَابْن الْمَاجشون وَابْن عبد الحكم، وَرُوِيَ عَن مَالك فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن الْقصار، وَالْمَعْرُوف عَنهُ خِلَافه فَفِي (الْمُوَطَّأ) و (الْمُدَوَّنَة) لَا بَأْس بِأَكْل الصَّيْد وَإِن غَابَ عَنهُ مصرعه إِذا وجدت بِهِ أثر كلبك أَو كَانَ بِهِ سهمك مَا لم يبت فَإِذا بَات لم يُؤْكَل، وَعنهُ الْفرق بَين السهْم فيؤكل وَبَين الْكَلْب فَلَا يُؤْكَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا توارى عَنهُ الصَّيْد وَالْكَلب فِي طلبه فَوَجَدَهُ مقتولاً وَالْكَلب عِنْده كرهت أكله. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْقيَاس أَنه لَا يُؤْكَل إِذا غَابَ عَنهُ لاحْتِمَال أَن غَيره قَتله، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْحل أصح.
الْخَامِس: إِذا وَقع الصَّيْد فِي المَاء فَلَا يُؤْكَل لاحْتِمَال أَن المَاء أهلكه، وَإِذا تحقق أَن سَهْمه أنفذ مقاتله قبل وُقُوعه فِي المَاء فمذهب الْجُمْهُور أكله، وروى ابْن وهب عَن مَالك كَرَاهَته.
وَقَالَ عَبْدُ الأعْلَى عَنْ دَاودَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيَ أنَّهُ قَالَ: لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفي أثَرَهُ اليَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتا وَفِيهِ سَهْمُهُ؟ قَالَ: يَأكُلُ إنْ شَاءَ عبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ، يروي عَنهُ دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر الشّعبِيّ.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد عَن الْحُسَيْن بن معَاذ بن عبد الْأَعْلَى، فَذكره.
قَوْله: (فيقتفي) ، من الاقتفاء وَهُوَ الِاتِّبَاع، يُقَال: اقتفيته وقفوته وقفيته: إِذا اتبعته، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، ويروى: فيقتفر بِالْقَافِ وَالْفَاء وَالرَّاء أَي: يتبع، يُقَال: اقتفرت الْأَثر وقفرته إِذا تَبعته وقفوته، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ أَيْضا. قَوْله: (الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة) ، فِيهِ زِيَادَة على رِوَايَة عَاصِم، بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وروى مُسلم من حَدِيث أبي ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا رميت سهمك فَغَاب عَنْك فادركته فَكل مَا لم ينتن، وَفِي روايه فِي الَّذِي يدْرك صَيْده بعد ثَلَاث إلاَّ أَن ينتن يَدعه وَاخْتلف فِي تَأْوِيله فَمنهمْ من قَالَ: إِذا انتن الْحق بالمستقذر الَّذِي تمجه الطباع، فَلَو أكله جَازَ، كَمَا جَاءَ أَنه أكل إهالة سنخة أَي: مُنْتِنَة، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ مُعَلل بِمَا يخَاف مِنْهُ الضَّرَر على أكله، وعَلى هَذَا يكون أكله محرما إِن كَانَ الْخَوْف محققا وَالله أعلم.

9 - (بَابٌ: {إذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبا آخَرَ} ؟)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا وجد الصَّائِد مَعَ كَلْبه الَّذِي أرْسلهُ كَلْبا آخر، وَلم يذكر جَوَاب إِذا اكتفاه بِمَا ذكر فِي الحَدِيث.

5486 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بنِ

(21/101)


حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله {إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأسَمِّي؟ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأخَذَ فَقَتَلَ فَأكَلَ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّما أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي أجِدُ مَعَهُ كَلْبا آخَرَ لَا أدْرِي أيُّهُما أخَذَهُ؟ فَقَالَ: لَا تأكُلْ. فإنَّما سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ. وَسَألْتُهُ عَنْ صَيْدِ المِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: إذَا أصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإذَا أصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإنَّهُ وَقِيذٌ فَلا تَأْكُلْ.

هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه متْنا وإسنادا قد مر فِي: بَاب المعراض، غير أَنه هُنَاكَ روى عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَهنا رُوِيَ عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، فلأجل اخْتِلَاف شَيْخه وضع لكل مِنْهُمَا تَرْجَمَة يطابقها حَدِيثه. وَالله أعلم.

10 - (بَابُ: {مَا جَاءَ فِي التَّصَيُّدِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي التصيد، أَي: فِي التَّكَلُّف بالصيد والاشتغال بِهِ لأجل التكسب، وَقد علم أَن بَاب التفعل للتكلف والاعتمال، وَهَذَا غير مَمْنُوع بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ تولعه بِهِ لأجل اللَّهْو والتنزه فَإِنَّهُ مَمْنُوع، كَمَا قد ذَكرْنَاهُ.

5487 - حدَّثني مُحَمَّدٌ أخْبَرَنِي ابنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: سَألَتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: إنّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهاذِهِ الكِلابِ؟ فَقَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كِلابَكَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمِ الله فَكُلْ مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إلاَّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ فَلا تَأْكُلْ، فَإنِّي أخَافُ أنْ يَكُونَ إنَّمَا أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإنْ خَالَطَها كَلْبٌ مِنْ غَيْرِها فَلا تَأْكُلْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنَّا قوم نتصيد) ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام. قَالَه الغساني: وَابْن فُضَيْل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة مصغر فضل هُوَ مُحَمَّد بن فُضَيْل بن غَزوَان الْكُوفِي، وَبَيَان بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن بشر الْكُوفِي، وعامر هُوَ الشّعبِيّ.
وَقد مر الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب إِذا أكل الْكَلْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن فُضَيْل إِلَى آخِره، وَفِيه (إِنَّا قوم نصيد) وَهَاهُنَا نتصيد، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

5488 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ (ح) وَحدَّثَنِي أحْمَدُ بنُ أبِي رَجاءٍ حدَّثنا سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمانَ عَنِ ابنِ المُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِي قَالَ: أخْبَرَنِي أبُو إدْرِيسَ عَائِذُ الله قَالَ: سَمِعْتُ أبَا ثَعْلَبَةَ الخَشْنِيَّ، رَضِيَ الله عَنْهُ، يَقُولُ: أتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله} إنَّا بِأرْضِ قَوْمِ أهْلِ الكِتَابِ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأرْضِ صَيْدٍ أصيدُ بِقَوْسِي وَأصِيدُ بِكَلْبِي المُعَلَّمِ وَالَّذِي لَيْسَ مِعَلَّما فَأخْبَرَنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذالِكَ؟ فَقَالَ: أمَّا مَا ذَكَرْتَ أنَّكَ بِأرْضِ قَوْمٍ أهْلِ الكِتابِ تَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ فَإنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلوها ثُمَّ كُلُوا فِيها، وَأمَّا مَا ذَكَرتَ أنَّكَ بِأرْضِ صَيْدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ الله ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المِعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ الله ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّما فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ.

هَذَا الحَدِيث أَيْضا قد مر عَن قريب فَإِنَّهُ أخرجه فِي: بَاب مَا أصَاب المعراض بعرضه عَن عبد الله بن يزِيد عَن حَيْوَة وَأخرجه هَاهُنَا من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل عَن حَيْوَة بن شُرَيْح عَن ربيعَة بن يزِيد من الزِّيَادَة عَن أبي إِدْرِيس عائذا لله بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. وَالْآخر: عَن أَحْمد بن أبي رَجَاء بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم المخففة وبالمد الْهَرَوِيّ عَن سَلمَة بن سُلَيْمَان

(21/102)


الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن حَيْوَة إِلَى آخِره، وَهَذَا الطَّرِيق أنزل من الأول، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

5489 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حدَّثني هِشامُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، رَضِيَ الله عَنْه، قَالَ: أنْفَجْنا أرْنَبا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْها حَتَّى لَغِبُوا فَسَعيْتُ عَلَيْها حَتَّى أخَذْتُها فَجِئْتُ بِها إلَى أبِي طَلْحَةَ، فَبَعَثَ إلَى النبيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِوَرِكِها وَفَخِذَيْها فَقَبِلَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فسعوا عَلَيْهَا حَتَّى لغبوا) لِأَن مَعْنَاهُ: حَتَّى تعبوا. وَفِيه معنى التصيد وَهُوَ التَّكَلُّف فِي الِاصْطِيَاد.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك يروي عَن جده.
والْحَدِيث قد مر فِي الْهِبَة فِي: بَاب قبُول هَدِيَّة الصَّيْد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد الخ. وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أنفجنا) ، بالنُّون وَالْفَاء وَالْجِيم أَي: هيجنا، يُقَال: نفج الأرنب إِذا أثاره. قَوْله: (بمر الظهْرَان) ، مَوضِع بِقرب مَكَّة. قَوْله: (حَتَّى لغبوا) ، بالغين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وبالفتح أفْصح، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى تعبوا. قَوْله: (إِلَى أبي طَلْحَة) ، وَهُوَ زوج أم أنس، واسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (بوركها) فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بوركيها بالتثنية.

5490 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أبِي قَتَادَة عَنْ أبِي قَتَادَةَ أنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أصْحَابٍ لَهُ مُحَرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحَرِمٍ، فَرَأى حِمَارا وَحْشِيا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ سَألَ أصْحَابَهُ أنْ يُناوِلُوهُ سَوْطا فَأبُوا فَسَألَهُمْ رمْحَهُ فَأبَوْا فَأخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الحِمارِ فَقَتَلَهُ فَأكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أصْحابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أدْرَكُوا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَألُوهُ عَنْ ذالِكَ؟ فَقَالَ: إنَّما هِيَ طُعْمَةً أطْعَمْتَكُمُوها الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ شدّ على الْحمار) فَإِن فِيهِ معنى التَّكَلُّف فِي التصيد.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس عبد الله بن أُخْت مَالك بن أنس، وَأَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة سَالم مولى عمر بن عبيد الله بن معمر الْقرشِي، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْحَج عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَغَيره. وَفِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن يُوسُف، وَمر الْكَلَام فِيهِ قَوْله: (طعمة) بِضَم الطَّاء أَي: مأكلة.

5491 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ زَيْدٍ بنِ أسْلَمَ عَنْ عَطاء بنِ يَسَارٍ عَنْ أبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ إلاَّ أنَّهُ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحمِهِ شَيْءٌ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَمضى حَدِيث أبي قَتَادَة فِي كتاب الْحَج فِي أَرْبَعَة أَبْوَاب مُتَوَالِيَة بطرق مُخْتَلفَة ومتون بِزِيَادَة ونقصان وَأخرجه مُسلم مثله فِي رِوَايَة حَدثنَا قُتَيْبَة عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي قَتَادَة فِي حمَار الوحشي مثل حَدِيث أبي النَّضر، غير أَن فِي حَدِيث زيد بن أسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: هَل مَعكُمْ من لَحْمه شَيْء؟ .

11 - (بَابُ: {التَّصَيُّد عَلَى الجِبَالِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التصيد على الْجبَال، جمع جبل بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة.

5492 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ الجُعَفِيُّ قَالَ: حدَّثني ابنُ وَهْبٍ أخْبَرَنا عَمْروٌ أنَّ أبَا النَّضْر حدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أبِي قَتَادَةَ وَأبِي صَالِحٍ مَوْلَى التَوْأمَةِ قَالا: سَمِعْنا أبَا قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ

(21/103)


وَسلم، فِيما بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأنَا رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسٍ وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى الجِبَالِ، فَبَيْنا أنَا عَلَى ذالِكَ إذْ رَأيْتُ النَّاسَ مُتَشَوِّفِينَ لِشَيْء فَذَهَبْتُ أنْظُرُ فَإذا هُوَ حِمارُ وَحْشِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هاذا قَالُوا: لَا نَدْرِي. قُلْتُ هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌ؟ فَقَالُوا: هُوَ مَا رَأيْتَ، وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِي فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي سَوْطِي فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلْتُ فَأخَذْتُهُ ثُمَّ ضَرَبْتُ فِي أثَرِهِ فَلَمْ يَكُنْ إلاَّ ذَاكَ حَتَّى عَقَرْتُهُ فَأتَيْتُ إلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ: قُومُوا فَاحْتَمِلُوا قَالُوا: لَا تَمَسُّهُ فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ، فَأبَى بَعْضُهُمْ وَأكَلَ بَعْضُهُمْ. فَقُلْتُ: أنَا أسْتَوقْفُ لَكُمْ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأدْرَكْتُهُ فَحَدَّثْتُهُ الحَدِيثَ فَقَالَ لِي: أبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: كُلُوا فَهُوَ طُعْمٌ أطْعَمَكُمُوهَا الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَكنت رقاء على الْجبَال) لِأَن مَعْنَاهُ: كنت كثير الرقي على الْجبَال، من رقى يرقى من بَاب علم يعلم رقيا ورقيا بِالتَّشْدِيدِ للْمُبَالَغَة، والرقي الصعُود والارتفاع، وَلَا يَخْلُو من الْمَشَقَّة والتكلف والترجمة فِيهَا معنى التَّكَلُّف، وَمرَاده. كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت على الْجَبَل، وَلِهَذَا يَقُول: فَنزلت. أَي: من الْجَبَل أَو من الْفرس.
وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي نزل مصر، يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ يروي عَن عَمْرو بن الْحَارِث الْمصْرِيّ عَن أبي النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة سَالم عَن نَافِع مولى أبي قَتَادَة، وَأبي صَالح نَبهَان بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة مولى التؤمة، حكى عِيَاض عَن الْمُحدثين بِضَم الثَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقَالَ: الصَّوَاب فتح أَوله، وَحكى ابْن التِّين والتؤمة، بِوَزْن الحطمة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مولى التؤمة بِفَتْح الفوقانية، يُقَال: أتأمت الْمَرْأَة إِذا وضعت اثْنَيْنِ فِي بطن، والولدان توأمان، يُقَال: هَذَا توأم لهَذَا، وَهَذِه توأمة لهَذِهِ، وَالْجمع توائم نَحْو: جَعْفَر وجعافر، وَهِي بنت أُميَّة بن خلف الجُمَحِي وَسميت بهَا لِأَنَّهَا كَانَت مَعَ أُخْت لَهَا فِي بطن أمهَا وَلَيْسَ لنبهان هَذَا فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَنَافِع الْمَذْكُور وَأَبُو صَالح كِلَاهُمَا يرويان عَن أبي قَتَادَة والْحَدِيث مَحْفُوظ لأبي صَالح نَبهَان لَا لِابْنِهِ صَالح، وَمن ظن غير هَذَا فقد غلط.
قَوْله: (وهم محرمون) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَلِكَ الْوَاو فِي (وَأَنا رجل حل) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام أَي: حَلَال قَوْله: (فَبينا) طرف مُضَاف إِلَى جملَة. قَوْله: (إِذْ رَأَيْت النَّاس) جَوَابه. قَوْله: (متشوفين) من قَوْلهم: تشوف فلَان للشَّيْء أَي: لمح لَهُ وَنظر إِلَيْهِ، ومادته شين مُعْجمَة، وواو وَفَاء. قَوْله: (فِي أَثَره) أَي: وَرَاءه، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: خرجت فِي أَثَره وأثره يَعْنِي: بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبفتحهما أَيْضا. قَوْله: (عقرته) أَي: جرحته. قَوْله: (فاحتملوا) صِيغَة أَمر للْجَمَاعَة قَوْله: (فَأبى بَعضهم) يَعْنِي: امْتنع بَعضهم من الْأكل. قَوْله: (استوقف لكم) أَي: أسأله أَن يقف لكم. قَوْله: (أبقى) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على وَجه الاستخبار.

12 - (بَابُ: {قَوْلِ الله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْر} (الْمَائِدَة: 96)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {أحل لكم صيد الْبَحْر} وَهَذَا الْمِقْدَار رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم} وروى سعيد بن جُبَير وَسَعِيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أحل لكم صيد الْبَحْر} . يَعْنِي: مَا يصطاد مِنْهُ طريا وَطَعَامه مَا يتزود مِنْهُ مليحا يَابسا قَوْله: (مَتَاعا لكم) أَي: مَنْفَعَة وقوتا لكم أَيهَا المخاطبون وانتصابه على أَنه مفعول لَهُ. أَي: تمتيعا لكم. قَوْله: (وللسيارة) جمع سيار، وَقَالَ عِكْرِمَة: لمن كَانَ بِحَضْرَة الْبَحْر وَالسّفر.
{وَقَالَ عُمَرُ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطعامُهُ مَا رَمَى بِهِ}
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَيْده. أَي: صيد الْبَحْر (مَا اصطيد) أَي: الَّذِي اصطيد، وَطَعَام الْبَحْر مَا رمى بِهِ أَي: مَا قذفه، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد من طَرِيق عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: لما قدمت الْبَحْرين سَأَلَني أَهلهَا عَمَّا قذف الْبَحْر فَأَمَرتهمْ أَن يأكلوه فَلَمَّا قدمت على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَذكرت قصَّته. قَالَ: فَقَالَ عمر: قَالَ الله عز وَجل فِي كِتَابه: (أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه) فصيده مَا صيد، وَطَعَامه مَا قذف بِهِ.

(21/104)


{وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: الطَّافِي حَلالٌ}
أَي: قَالَ أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (الطافي) ، هُوَ الَّذِي يَمُوت فِي الْبَحْر ويعلو فَوق المَاء، وَلَا يرسب فِيهِ، وَهُوَ من طفا يطفو، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك بن أبي بشير عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أشهد على أبي بكر أَنه قَالَ: السَّمَكَة الطافية على المَاء حَلَال، زَاد الطَّحَاوِيّ فِي (كتاب الصَّيْد) حَلَال لمن أَرَادَ أكله. وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: يكره أكل الطافي، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد والظاهرية، لَا بَأْس بِهِ لإِطْلَاق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ والحل ميتَته) . وَاحْتج أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن يحيى بن سليم عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر أَو جزر عَنهُ فكلوه، وَمَا مَاتَ فِيهِ وطفا فَلَا تأكلوه) . فَإِن قلت: ضعف الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ يحيى بن سليم: كثير الْوَهم سيء الْحِفْظ وَقد رَوَاهُ غَيره مَوْقُوفا. قلت: يحيى بن سليم أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فَهُوَ ثِقَة وَزَاد فِيهِ الرّفْع، وَنقل ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه عَن يحيى أَنه ثِقَة. فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِسْمَاعِيل بن أُميَّة مَتْرُوك. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ ظن أَنه إِسْمَاعِيل بن أُميَّة أَبُو الصَّلْت الزَّارِع، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَأما هَذَا فَهُوَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة الْقرشِي الْأمَوِي، وَالَّذِي ظَنّه لَيْسَ فِي طبقته. فَإِن قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ الثَّوْريّ وَأَيوب وَحَمَّاد عَن أبي الزبير مَوْقُوفا على جَابر، وَقد أسْند من وَجه ضَعِيف عَن ابْن أبي ذِئْب عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا اصطدتموه وَهِي حَيّ فكلوه. وَمَا وجدْتُم مَيتا طافيا فَلَا تأكلوه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وروى عَن جَابر خلاف هَذَا، وَلَا أعرف لِابْنِ أبي ذِئْب عَن أبي الزبير شَيْئا. قلت: قَول البُخَارِيّ: أعرف لِابْنِ أبي ذِئْب عَن أبي الزبير شَيْئا على مذْهبه فِي أَنه يشْتَرط لاتصال الْإِسْنَاد المعنعن ثُبُوت السماع، وَقد أنكر مُسلم ذَلِك إنكارا شَدِيدا. وَزعم أَنه قَول مخترع، وَأَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَنه يَكْفِي للاتصال إِمْكَان اللِّقَاء وَالسَّمَاع، وَابْن أبي ذِئْب أدْرك زمَان أبي الزبير بِلَا خلاف وسماعه مِنْهُ مُمكن. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر مَرْفُوعا وَعبد الْعَزِيز ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. قلت: أخرج الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) حَدِيثا عَنهُ وَصحح سَنَده. وَأخرج حَدِيثه هَذَا الطَّحَاوِيّ فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) . فَقَالَ: حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الْمرَادِي حَدثنَا أَسد بن مُوسَى حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن وهب بن كيسَان ونعيم بن عبد الله المجمر عَن جَابر بن عبد الله عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا جزر الْبَحْر فَكل وَمَا ألْقى فَكل وَمَا وجدته طافيا فَوق المَاء فَلَا تَأْكُل. وَقَوله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} (الْمَائِدَة: 3) عَام خص مِنْهُ غير الطافي من السّمك بالِاتِّفَاقِ، والطافي مُخْتَلف فِيهِ فَبَقيَ دَاخِلا فِي عُمُوم الْآيَة.
{وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَيْتَتْهُ إلاَّ مَا قَذِرْتَ مِنْها}
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير: وَطَعَامه فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه} (الْمَائِدَة: 96) أَي: ميتَة الْبَحْر إلاَّ مَا قدرت مِنْهَا. أَي: من الْميتَة. وقذرت بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتحهَا وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس هَذَا وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق أبي بكر بن حَفْص عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه} قَالَ: وَطَعَامه ميتَته.
{وَالجِرِّيُّ لَا تَأْكُلُهُ اليَهُودُ وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ}
أَي: هَذَا قَول ابْن عَبَّاس أَيْضا وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن الثَّوْريّ بِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَة سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الجري فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ إِنَّمَا تحرمه الْيَهُود وَنحن نأكله، والجري، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالياء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة قَالَ عِيَاض: وَجَاء فِيهِ كسر الْجِيم أَيْضا وَهُوَ من السّمك مَا لَا قشر لَهُ وَقَالَ عَطاء: لما سُئِلَ عَن الجري قَالَ: كُلْ كُلْ ذنيب سمين مِنْهُ. وَقَالَ ابْن التِّين: وَيُقَال لَهُ أَيْضا: الجريث. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الجريث نوع من السّمك يشبه الْحَيَّات وَيُقَال لَهُ أَيْضا: الْمَار مَا هِيَ والسلور مثله، وَقيل: هُوَ سمك عريض الْوسط دَقِيق الطَّرفَيْنِ. قلت: الجريث السّمك السود، والمار مَا هِيَ لفظ فَارسي لِأَن مار بِالْفَارِسِيَّةِ الحيكة وَمَا هِيَ: هُوَ السّمك والمضاف إِلَيْهِ يتَقَدَّم على الْمُضَاف فِي لغتهم.

(21/105)


{وَقَالَ شُرَيْحٌ: صَاحِبُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلُّ شَيْءٍ فِي البَحْرِ مَذْبُوحٌ}
هَذَا التَّعْلِيق لم يثبت فِي رِوَايَة أبي زيد وَابْن السكن والجرجاني، وَإِنَّمَا ثَبت فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَقَالَ: أَبُو شُرَيْح، وَهُوَ وهم نبه على ذَلِك أَبُو عَليّ الغساني وَقَالَ مثله عِيَاض. وَزَاد وَهُوَ شُرَيْح بن هانىء وَالصَّوَاب أَنه غَيره وَهُوَ شُرَيْح بن هانىء بن يزِيد بن كَعْب الْحَارِثِيّ جاهلي إسلامي يكنى أَبَا الْمِقْدَام، وَأَبوهُ هانىء بن يزِيد لَهُ صُحْبَة، وَأما ابْنه شُرَيْح فَلهُ إِدْرَاك وَلم يثبت لَهُ سَماع وَلَا لقى، وَشُرَيْح الْمَذْكُور هُنَا هُوَ الَّذِي ذكره أَبُو عمر فَافْهَم. وَقَالَ الجياني: الحَدِيث مَحْفُوظ لشريح لَا لأبي شُرَيْح، وَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) عَن مُسَدّد حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن ابْن جريج أَخْبرنِي عَمْرو وَأَبُو الزبير سمعا شريحا. وَقَالَ أَبُو عمر: شُرَيْح رجل من الصَّحَابَة حجازي روى عَنهُ أَبُو الزبير وَعَمْرو بن دِينَار سمعاه يحدث عَن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: كل شَيْء فِي الْبَحْر مَذْبُوح ذبح الله لكم كل دَابَّة خلقهَا فِي الْبَحْر، قَالَ أَبُو الزبير وَعَمْرو بن دِينَار، وَكَانَ شُرَيْح هَذَا قد أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَهُ صُحْبَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع.
{وَقَالَ عَطَاءٌ: أمَّا الطَّيْرُ فَأرَى أنْ يَذْبَحَهُ}
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح هَذَا التَّعْلِيق ذكره أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي (كتاب الصَّحَابَة) أثر حَدِيث شُرَيْح الْمَذْكُور من طَرِيق ابْن جريج قَالَ: فَذكرت ذَلِك لعطاء فَقَالَ: (أما الطير فَأرى أَن يذبحه) .
{وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطاء: صَيْدُ الأنْهَارِ وَقِلاةِ السَّيْلِ أصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَلا {هاذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغُ شَرابُهُ وَهاذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلِّ تَأْكُلُونَ لَحْما طَرِيّا} (فاطر: 12)
أَي: قَالَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج قلت لعطاء بن أبي رَبَاح: قلات السَّيْل بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق جمع. قلت: وَهِي النقرة الَّتِي تكون فِي الصَّخْرَة يستنقع فِيهَا المَاء، وكل نقرة فِي الْجَبَل أَو غَيره فَهِيَ. قلت: وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا سَاق السَّيْل من المَاء وَبَقِي فِي الغدير وَكَانَ فِيهِ حيتان، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق السكْسكِي فِي سنَنه عَن ابْن جريج، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا فِي (تَفْسِيره) عَن ابْن جريج نَحوه سَوَاء.
{وَرِكبَ الحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلابِ المَاءِ}
قيل: الْحسن هُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقيل: هُوَ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقَالَ بَعضهم: وَيُؤَيّد القَوْل الأول أَنه وَقع فِي رِوَايَة وَركب الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قلت: فِيهِ نوع مناقشة لَا تخفى قَوْله: (من جُلُود) أَي: سرج متخذ من جُلُود كلاب المَاء.
{وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أنَّ أهْلِي أكَلُوا الضَّفَادِعَ لأطْعَمْتُهُمْ}
أَي: قَالَ عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ إِلَى آخِره والضفادع جمع ضفدع بِكَسْر الضَّاد وَسُكُون الْفَاء وَفتح الدَّال وَكسرهَا وَحكى بِضَم الضَّاد، وَفتح الدَّال، وَفِي (الْمُحكم) الضفدع والضفدع لُغَتَانِ فصيحتان وَالْأُنْثَى ضفدعة وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وناس يَقُولُونَ: ضفدع: بِفَتْح الدَّال، وَقد زعم الْخَلِيل أَنه لَيْسَ فِي الْكَلَام فعلل إلاَّ أَرْبَعَة أحرف دِرْهَم وهجرع وهبلع وقلعم الهجرع: الطَّوِيل، والهبلع الأكول، والقلعم الْجَبَل، وَزَاد غَيره الضفدع، وَجزم صَاحب ديوَان الْأَدَب بِكَسْر الضَّاد وَالدَّال، وَحكى ابْن سَيّده فِي (الإقتضاب) بِضَم الضَّاد وَفتح الدَّال وَهُوَ نَادِر، وَحكى ابْن دحْيَة ضمهما وَقَالَ الجاحظ الضفدع لَا يَصِيح وَلَا يُمكنهُ الصياح حَتَّى يدْخل حنكه الْأَسْفَل فِي المَاء وَهُوَ من الْحَيَوَان الَّذِي يعِيش فِي المَاء ويبيض فِي الشط مثل السلحفاة وَنَحْوهَا وَهِي تنق فَإِذا أَبْصرت النَّار أَمْسَكت وَهِي من الْحَيَوَان الَّذِي يخلق من أَرْحَام الْحَيَوَان وَمن أَرْحَام الْأَرْضين إِذا لقحها المَاء، وَأما قَول من قَالَ: إِنَّهَا من السَّحَاب فكذب وَهِي لَا عِظَام لَهَا وتزعم الْأَعْرَاب فِي خرافاتها أَنَّهَا كَانَت ذَات ذَنْب، وَأَن الضَّب سلبه إِيَّاهَا، وَتقول الْعَرَب: لَا يكون ذَلِك حَتَّى يجمع بَين الضَّب وَالنُّون، وَحَتَّى يجمع بَين الضَّب والضفدع، أجحظ الْخلق عينا ويصبر عَن المَاء الْأَيَّام الصَّالِحَة. وَهِي تعظم وَلَا تسمن كالأرنب

(21/106)


والأسد ينتابها فِي الرّبيع فيأكلها أكلا شَدِيدا والحيات تَأتي مناقع الْمِيَاه لطلبها، وَيُقَال لَهُ: نيق وتهدر. وَلم يبين الشّعبِيّ هَل تذكى الضفادع أم لَا.
وَاخْتلف مَذْهَب مَالك فِي ذَلِك. فَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي (الْمُدَوَّنَة) عَن مَالك: أكل الضفدع والسرطان والسلحفاة جَائِز من غير ذَكَاة، وروى عَن ابْن الْقَاسِم: مَا كَانَ مَأْوَاه المَاء يُؤْكَل من غير ذَكَاة وَإِن كَانَ يرْعَى فِي الْبر، وَمَا كَانَ مَأْوَاه ومستقره الْبر لَا يُؤْكَل إِلَّا بِذَكَاة وَعَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم: لَا يؤكلان إلاَّ بِذَكَاة. قَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.
ثمَّ اعْلَم أَن قَول الشّعبِيّ يردهُ مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي (كتاب الْأَطْعِمَة) بِسَنَد صَحِيح أَن ابْن عمر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ضفدع يَجعله فِي دَوَاء فَنهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قَتله، قَالَ أَبُو سعيد فَيكْرَه أكله إِذْ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قَتله لِأَنَّهُ لَا يُمكن أكله إلاَّ مقتولاً. وَإِن أكل غير مقتول فَهُوَ ميتَة وَزعم ابْن حزم أَن أكله لَا يحل أصلا ووى أَبُو دَاوُد فِي الطِّبّ وَفِي الْأَدَب، وَالنَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد بن خَالِد عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان الْقرشِي: أَن طَبِيبا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الضفدع يَجْعَلهَا فِي دَوَاء فَنهى عَن قَتلهَا. وَرَوَاهُ أَحْمد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مسانيدهم) وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) فِي الطِّبّ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأقوى مَا ورد فِي الضفدع هَذَا الحَدِيث وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم أكل الضفدع لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن قَتله، وَالنَّهْي عَن قتل الْحَيَوَان إِمَّا لِحُرْمَتِهِ كالآدمي، وَإِمَّا لتَحْرِيم أكله كالصرد، والهدهد، والضفدع لَيْسَ بِمحرم فَكَانَ النَّهْي منصرفا إِلَى الْوَجْه الآخر.
وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بِالسُّلحَفَاةِ بَأسا
أَي: الْحسن الْبَصْرِيّ، وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق مبارك بن فضَالة عَن الْحسن. قَالَ: لَا بَأْس بأكلها، وروى من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد عَن جَعْفَر: أَنه أَتَى بسلحفاة فَأكلهَا وَمن حَدِيث حجاج عَن عَطاء. لَا بَأْس بأكلها يَعْنِي: السلحفاة. وَزعم ابْن حزم أَن أكلهَا لَا يحل إلاَّ بِذَكَاة، وأكلها حَلَال بريها وبحريها. وَأكل بيضها وَرُوِيَ عَن عَطاء إِبَاحَة أكلهَا، وَعَن طَاوُوس وَمُحَمّد بن عَليّ وفقهاء الْمَدِينَة إِبَاحَة أكلهَا، وَعِنْدنَا يكره أكل مَا سوى السّمك من دَوَاب الْبَحْر، كالسرطان والسلحفاة والضفدع وخنزير المَاء، وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: {وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} (الْأَعْرَاف: 157) وَمَا سوى السّمك خَبِيث، وَقَالَ مقَاتل: إِن السلحفاة من المسوخ، وَفِي (الصِّحَاح) إِنَّهَا بِفَتْح اللَّام وَحكي إسكانها وَحكي سُقُوط الْهَاء، وَحكي الرواسِي: سلحفية. مثل: بلهنية، وهما مِمَّا يلْحق بالخماسي بِأَلف وَفِي (الْمُحكم) السلحفات والسلحفاه من دَوَاب المَاء.
{وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ البَحْرِ نَصْرَانِيُّ أوْ يَهُودِيُّ أوْ مَجُوسِيُّ}
قَالَ الْكرْمَانِي: كَذَا وَقع فِي النّسخ الْقَدِيمَة، وَفِي بعض النّسخ: كل من صيد الْبَحْر وَإِن صَاده نَصْرَانِيّ أَو يَهُودِيّ أَو مَجُوسِيّ. قلت: الْمَعْنى لَا يَصح إلاَّ على هَذَا، وَلَا بُد من هَذَا التَّقْدِير على قَول النّسخ الْقَدِيمَة ويروى كل من صيد الْبَحْر مَا صَاده نَصْرَانِيّ أَو يَهُودِيّ أَو مَجُوسِيّ وروى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: كل مَا القى الْبَحْر وَمَا صيد مِنْهُ صَاده يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ، قَالَ ابْن التِّين: مَفْهُومه أَن صيد الْبَحْر لَا يُؤْكَل إِن صَاده غير هَؤُلَاءِ وَهُوَ كَذَلِك عِنْد قوم.
{وَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمرِي ذَبَحَ الخَمْرَ النِّينانُ وَالشَّمْسُ}
أَبُو الدَّرْدَاء اسْمه عُوَيْمِر بن مَالك الْأنْصَارِيّ الخزرجي، والمري، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء، وَكَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ، وَقَالَ: لَيْسَ عَرَبيا وَهُوَ يشبه الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس: الكامخ، بإعجام الْخَاء. وَقَالَ الجواليقي: التحريك لحن، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: بِكَسْر الرَّاء وتشديدها وَتَشْديد الْيَاء كَأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى المرارة، والعامة يخففونه، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: هُوَ مري يعْمل بِالشَّام يُؤْخَذ الْخمر فَيحمل فِيهَا الْملح والسمك وَيُوضَع فِي الشَّمْس فيتغير طعمه إِلَى طعم المري، يَقُول: كَمَا أَن الْميتَة وَالْخمر حرامان والتنذكية تحل الْميتَة بِالذبْحِ، فَكَذَلِك الْملح. قَوْله: والنينان: بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف النُّون الثَّانِيَة وَهُوَ جمع، نون وَهُوَ الْحُوت، ثمَّ تَفْسِير كَلَام أبي الدَّرْدَاء بقوله: (فِي المري) مقدم لفظا، وَلَكِن فِي الْمَعْنى مُتَأَخّر تَقْدِيره: ذبح الْخمر النينان

(21/107)


وَالشَّمْس فِي المري، وَذبح فعل مَاض على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَالْخمر مَنْصُوب بِهِ لِأَنَّهُ مفعول، والنينان بِالرَّفْع فَاعله وَالشَّمْس عطف عَلَيْهِ، وَقيل: لفظ ذبح مصدر مُضَاف إِلَى الْخمر فَيكون مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله النينان، وَالْمعْنَى: زَوَال الْخمر فِي المري النينان وَالشَّمْس أَي: تطهيرها فَهَذَا يدل على أَن أَبَا الدَّرْدَاء مِمَّن يرى جَوَاز تَخْلِيل الْخمر، وَهُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة. وَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي: (ذيل الْغَرِيب) عبر عَن قُوَّة الْملح وَالشَّمْس وغلبتهما على الْخمر وإزالتهما طعمها ورائحتها بِالذبْحِ، وَإِنَّمَا ذكر النينان دون الْملح لِأَن الْمَقْصُود من ذَلِك يحصل بِدُونِهِ، وَلم يرد أَن النينان وَحدهَا هِيَ الَّتِي خللته وَقَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء: يُفْتِي بِجَوَاز تَخْلِيل الْخمر فَقَالَ: إِن السّمك بالآلة الَّتِي أضيفت إِلَيْهِ تغلب على ضراوة الْخمر وتزيل شدتها، وَالشَّمْس تُؤثر فِي تخليلها فَتَصِير حَلَالا. قَالَ: وَكَانَ أهل الرِّيف من الشَّام يعجنون الرّيّ بِالْخمرِ وَرُبمَا يجْعَلُونَ فِيهِ السّمك الَّذِي يربى بالملح والأبزار مِمَّا يسمونه الصحناء، وَالْقَصْد من المري هضم الطَّعَام يضيفون إِلَيْهِ كل ثَقِيف أَو حريف ليزِيد فِي جلاء الْمعدة واستدعاء الطَّعَام بحرافته، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاء وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة يَأْكُلُون هَذَا المري الْمَعْمُول بِالْخمرِ. قَالَ: وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي طَهَارَة صيد الْبَحْر يُرِيد أَن السّمك طَاهِر حَلَال وَأَن طَهَارَته وحله يتَعَدَّى إِلَى غَيره كالملح حَتَّى تصير الْحَرَام النَّجِسَة بإضافتها إِلَيْهِ طَاهِرَة حَلَالا وَفِي (التَّوْضِيح) وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس وَغَيرهم من التَّابِعين يَأْكُلُون هَذَا المري الْمَعْمُول بِالْخمرِ وَلَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا، وَيَقُول أَبُو الدَّرْدَاء: إِنَّمَا حرم الله الْخمر بِعَينهَا وسكرها وَمَا ذبحته الشَّمْس وَالْملح فَنحْن نأكله وَلَا نرى بِهِ بَأْسا.

5493 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثَنا يَحْيَى عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أخْبَرَنِي عَمْروٌ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرا، رَضِيَ الله عَنْهُ يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الخَبطِ وَأُمِّرَ أبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنا جَوْعا شَدِيدا فَألْقَى البَحْرُ حُوتا مَيِّتا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقالُ لَهُ: العَنْبَرُ فَأكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ فَأخذ أبُو عُبَيْدَةَ عَظْما مِنْ عِظامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان وَابْن جريج عبد الْملك وَعمر وَهُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب غَزْوَة سيف الْبَحْر، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن مُسَدّد عَن يحيى وَفِيه زِيَادَة على مَا تقف عَلَيْهَا.
قَوْله: (جَيش الْخبط) قيل: إِنَّه مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: مصاحبين الْجَيْش الْخبط أَو فِيهِ الْخبط بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْوَرق الَّذِي يخبط لعلف الْإِبِل قَوْله: (وَأمر أَبُو عُبَيْدَة) وَهُوَ عَامر بن عبد الله بن الْجراح أحد الْعشْرَة المبشرة. وَقَوله: (أَمر) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: جعل عَلَيْهِم أَمِيرا، ويروى: وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة، قَوْله: (العنبر) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء.

5494 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ أخْبَرَنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْروٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرا يَقُولُ: بَعَثَنَا النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَلاثَمَائَةِ رَاكِبٍ وَأمِيرُنا أبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُد عيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأصابَنا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أكَلْنا الخَبَطَ، فَسُمِّيَ جَيْشَ الخَبَطِ، وَألْقَى البَحْرَ حُوتا يُقَالُ لَهُ: العَنْبَرُ فَأكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا بِوَدَكهِ حتَّى صَلَحَتْ أجْسَامُنا قَالَ: فَأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعا مِنْ أضْلاعِهِ فَنَصَبَهُ فَمرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، وَكَانَ فِينا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الجُوعُ نَحَرَ ثَلاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَهَاهُ أبُو عُبَيْدَةَ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار.
قَوْله: (عيرًا لقريش) بِكَسْر الْعين الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة. قَوْله: (بودكه) بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ دهنه. قَوْله: (ضلعا) بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام. قَوْله: (رجل) هُوَ قيس بن سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (ثَلَاث جزائر) غَرِيب لِأَن الجزائر جمع جَزِيرَة

(21/108)


وَالْقِيَاس جزر جمع الْجَزُور، وَمر الْكَلَام فِيهِ فِي الْمَغَازِي مُسْتَوفى.

13 - (بَابُ: {أكْلِ الجَرَادِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز أكل الْجَرَاد الْوَاحِدَة جَرَادَة الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء كالحمامة قيل: إِنَّه مُشْتَقّ من الجرد لِأَنَّهُ لَا ينزل على شَيْء إِلَّا جرده، وَالْجَرَاد يلحس التُّرَاب وكل شَيْء يمر عَلَيْهِ، وَنقل عَن الْأَصْمَعِي: إِنَّه إِذا خرج من بيضه فَهُوَ دباب والواحدة دباة. قَالَ: ولعابه سم على الْأَشْجَار لَا يَقع على شَيْء إِلَّا أحرقه وَقَالَ: الذّكر من الْجَرَاد هُوَ العنظب أَو الحنطب زَاد الْكسَائي، والعنطوب، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الجندب ضرب مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: وَأَبُو جحادب شيخ الجنادب وسيدها، وَقَالَ ابْن خالويه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب للجراد اسْم أغرب من العصفود، وللجراد نَيف وَسِتُّونَ اسْما فَذكرهَا وَصفَة الْجَرَاد عَجِيبَة فِيهَا صفة عشرَة من الْحَيَوَانَات وَذكر بَعْضهَا ابْن الشهرزوري فِي قَوْله:
(لَهَا فخذا بكر وساقا نعَامَة ... وقادمتا نسر وجوءجوء ضيغم)

(حبتها أفاعي الرمل بَطنا وأنعمت ... عَلَيْهَا جِيَاد الْخَيل بِالرَّأْسِ والفم)

قيل: وَفَاته: عين الْفِيل وعنق الثور وَقرن الْإِبِل وذنب الْحَيَّة، وَاخْتلف فِي أَصله فَقيل: نثرة حوت، ورد فِي حَدِيث ضَعِيف أخرجه ابْن مَاجَه عَن أنس رَفعه بِأَن الْجَرَاد نثرة حوت من الْبَحْر، وَقيل: إِنَّه بري، وَقيل: هُوَ صنفان أَحدهمَا يطير فِي الْهَوَاء يُقَال لَهُ الْفَارِس، وَالْآخر ينزو نَزْوًا يُقَال لَهُ: الراجل، وَله سِتَّة أرجل، إِذا كَانَ أَيَّام الرّبيع وَأَرَادَ أَن يبيض التمس الأَرْض الصلبة والصخرة الصلدة الَّتِي لَا تعْمل فِيهَا المعاول فيضربه بِيَدِهِ فينفرج فيلقي فِيهَا بيضه ويلقي كل وَاحِد مائَة بَيْضَة ويطير وَيَتْرُكهَا فَإِذا أَتَى أَيَّام الرّبيع واعتدل الزَّمَان وينشق ذَلِك الْبيض فَيظْهر مثل الذَّر الصغار فيسيح على وَجه الأَرْض وَيَأْكُل زَرعهَا حَتَّى يُقَوي فينهض إِلَى أَرض أُخْرَى ويبيض كَمَا فعل فِي الْعَام الأول، وآفتها الطير وَالْبرد، وَأجْمع الْعلمَاء على جَوَاز أكله بِغَيْر تذكية إلاَّ أَن الْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة اشْتِرَاط تذكيته، وَاخْتلفُوا فِي صفتهَا فَقيل: يقطع رَأسه. وَقَالَ ابْن وهب: أَخذه ذَكَاته، وَعَن مَالك إِذا أَخذه حَيا ثمَّ قطع رَأسه أَو شواء أَو قلاه فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ، وَمَا أَخذه حَيا فَغَفَلَ عَنهُ حَتَّى مَاتَ لَا يُؤْكَل، وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي (كتاب الصَّيْد) أَن أَبَا حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قيل لَهُ أَرَأَيْت الْجَرَاد هُوَ عنْدك بِمَنْزِلَة السّمك من أصَاب مِنْهُ شَيْئا أكله سمى أَو لم يسم؟ قَالَ: نعم. قلت: وأينما وجدت الْجَرَاد آكله؟ قَالَ: نعم. قلت: وَإِن وجدته مَيتا على الأَرْض؟ قَالَ: نعم. قلت: وَإِن أَصَابَهُ مطر فقلته؟ قَالَ: نعم. لَا يحرم الْجَرَاد شَيْء على حَال.

5495 - حدَّثنا أبُو الوَلِيد حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبِي يَعْفُورِ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ أبِي أوْفَى، رَضِيَ الله عَنْهُما. قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَبْعَ غَزَوَاتٍ. أوْ سِتّا كُنَّا نَأكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ.
قَالَ سُفْيَانُ وأبُو عَوَانَةَ وَإسْرَائِيلُ عَنْ أبِي يَعْفُورٍ عَنِ ابنِ أبِي أوفَى سَبْعَ غَزَوَاتٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو يَعْفُور بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الْفَاء وبالواو وبالراء متصرفا اسْمه وقدان بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة وبالنون، وَيُقَال: اسْمه وَاقد، ووقدان لقبه، وَكَذَا قَالَه مُسلم وَهُوَ الْأَكْبَر وَلَهُم أَبُو يَعْفُور الْأَصْغَر اسْمه عبد الرَّحْمَن بن عبيد وَكِلَاهُمَا ثِقَة من أهل الْكُوفَة. وَلَيْسَ للأكبر فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر تقدم فِي الصَّلَاة فِي أَبْوَاب الرُّكُوع من صفة الصَّلَاة، وَجزم النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ الْأَصْغَر هُنَا. وَتبع فِي ذَلِك ابْن الْعَرَبِيّ وَغَيره، وَالصَّوَاب أَنه الْأَكْبَر، وَبِه جزم الكلاباذي، وَالَّذِي يرجح كَلَامه جزم التِّرْمِذِيّ بعد تَخْرِيجه هَذَا الحَدِيث بِأَن رَاوِي حَدِيث الْجَرَاد هُوَ الَّذِي اسْمه وَاقد، وَيُقَال: وقدان، وَهَذَا هُوَ الْأَكْبَر، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن ابْن أبي حَاتِم جزم فِي تَرْجَمَة الْأَصْغَر بِأَنَّهُ لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: رَحمَه الله، أَبُو يَعْفُور الْأَصْغَر لم يسمع من أحد من الصَّحَابَة، وَأَبُو يَعْفُور الْأَكْبَر سمع من جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عمر وَأنس وَعبد الله بن أبي أوفي، وَمَات سنة عشْرين وَمِائَة، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة بن خَالِد الْأَسْلَمِيّ.
والْحَدِيث أخرجه

(21/109)


مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن مُحَمَّد بن مثنى وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن حَفْص بن عَمْرو وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد ابْن منيع وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن قُتَيْبَة وَغَيره.
قَوْله: (سبع غزوات أَو سِتا) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: أَو سِتّ وَقَالَ شَيخنَا: اخْتلفت أَلْفَاظ الحَدِيث فِي عدد الْغَزَوَات وَذكر التِّرْمِذِيّ بعد أَن رَوَاهُ بِلَفْظ: غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ غزوات تَأْكُل الْجَرَاد هَكَذَا روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي يَعْفُور هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: سِتّ غزوات. وروى سُفْيَان الثَّوْريّ هَذَا الحَدِيث عَن أبي يَعْفُور وَقَالَ: سبع غزوات، وَذكر الِاخْتِلَاف بَين السفيانين، وَلم يذكر فِي رِوَايَة شُعْبَة عَن أبي يَعْفُور عدد الْغَزَوَات، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ على الشَّك، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: سِتّ غزوات من غير شكّ، وَنقل بَعضهم عَن ابْن مَالك: سبع غزوات أَو ثَمَان، وَأطَال الْكَلَام عَنهُ فَلَا فَائِدَة فِيهِ هُنَا لِأَنَّهُ لم يثبت عَن أحد مِمَّن رُوِيَ هَذَا الحَدِيث لفظ أَو ثَمَان. وَالله أعلم.
قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ الثَّوْريّ (وَأَبُو عوَانَة) الوضاح الْيَشْكُرِي (وَإِسْرَائِيل) بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي كلهم رووا عَن أبي يَعْفُور عَن عبد الله بن أبي أوفى (سبع غزوات) وَأما رِوَايَة سُفْيَان فقد وَصلهَا الدَّارمِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَلَفظه غزونا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سبع غزوات نَأْكُل الْجَرَاد وَأما رِوَايَة أبي عوَانَة فقد وَصلهَا مُسلم عَن أبي كَامِل عَنهُ، وَأما رِوَايَة إِسْرَائِيل فقد وَصلهَا الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الله بن رَجَاء، عَنهُ وَلَفظه سبع غزوات كُنَّا نَأْكُل مَعَه الْجَرَاد.
وَهَذَا الحَدِيث يدل على جَوَاز أكل الْجَرَاد قَالُوا أكل الْجَرَاد حَلَال بِالْإِجْمَاع، وَخَصه ابْن الْعَرَبِيّ بِغَيْر جَراد الأندلس لما فِيهِ من الضَّرَر الْمَحْض، وَعَن الْمَالِكِيَّة فِي الْمَشْهُور خِلَافه ووردت أَحَادِيث أُخْرَى بِأَكْلِهِ.
وَمِنْهَا حَدِيث ابْن عمر أخرجه ابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أحلّت لنا ميتَتَانِ الْحُوت وَالْجَرَاد. كَذَا رَوَاهُ فِي أَبْوَاب الصَّيْد ثمَّ رَوَاهُ فِي أَبْوَاب الْأَطْعِمَة وَزَاد فِيهِ وَدَمَانِ: الكبد وَالطحَال، وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم ضَعِيف ضعفه يحيى بن معِين وَغَيره. وَمِنْهَا حَدِيث جَابر رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة جَابر الْجعْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأصبنا جَرَادًا فأكلنا. وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي المهزم وَهُوَ ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حج أَو عمْرَة فَاسْتقْبلنَا رجل من جَراد فَجعلنَا نضربهن بأسواطنا ونعالنا. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كلوه فَإِنَّهُ من صيد الْبَحْر) .
ووردت أَحَادِيث أُخْرَى بِالْوَقْفِ وبالمنع. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث زَيْنَب بنت منجل، وَيُقَال: منخل عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجر صبياننا عَن الْجَرَاد وَكَانُوا يَأْكُلُونَهُ قَالَ أَبُو الْحسن: وَالصَّوَاب أَنه مَوْقُوف. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن سُلَيْمَان سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْجَرَاد فَقَالَ: لَا أحله وَلَا أحرمهُ. قَالَ: وَقد رُوِيَ مُرْسلا وروى ابْن أبي عَاصِم من حَدِيث بَقِيَّة: حَدثنِي نمير ابْن يزِيد حَدثنِي أبي أَنه سمع صدي بن عجلَان يحدث أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِن مَرْيَم بنت عمرَان، عَلَيْهَا السَّلَام، سَأَلت رَبهَا عز وَجل أَن يطْعمهَا لَحْمًا لَا دم لَهُ، فأطعمها الْجَرَاد فَقَالَت: اللَّهُمَّ أنعشه بِغَيْر رضَاع وتابع بَينه وَبَين بنيه بِغَيْر شياع، يَعْنِي: الصَّوْت وروى أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن عِيسَى الْهُذلِيّ عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِن الله خلق ألف أمة: سِتّمائَة فِي الْبَحْر، وَأَرْبَعمِائَة فِي الْبر، فَأول شَيْء يهْلك من هَذِه الْأمة الْجَرَاد فَإِذا هلك الْجَرَاد تَتَابَعَت الْأُمَم مثل سلك النظام.

14 - (بَابُ: {آنِيَةِ المَجُوسِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم آنِية الْمَجُوس فِي الْأكل وَالشرب مِنْهَا، وَقد ترْجم هَكَذَا، وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب ذكر الْمَجُوس وَإِنَّمَا فِيهِ ذكر أهل الْكتاب، فَقيل: لَعَلَّ البُخَارِيّ يرى أَن الْمَجُوس من أهل الْكتاب، وَقيل: بني الحكم هَكَذَا لِأَن الْمَحْذُور من ذَلِك وَاحِد وَهُوَ عدم توقيهم النَّجَاسَات، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هما متساويان فِي عدم التوقي عَن النَّجَاسَات فَحكم بِأَحَدِهِمَا على الآخر بِالْقِيَاسِ، وَبِاعْتِبَار أَن الْمَجُوس يَزْعمُونَ التَّمَسُّك بِالْكتاب، وَقيل: نَص فِي بعض طرق الحَدِيث على الْمَجُوس، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن أبي ثَعْلَبَة: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قدور الْمَجُوس؟ فَقَالَ: اتقوها غسلا واطبخوا فِيهَا وَمن عَادَة البُخَارِيّ أَنه يترجم بِهِ ثمَّ يُورد على الْبَاب مَا يُؤْخَذ مِنْهُ الحكم بطرِيق الْإِلْحَاق.

(21/110)


5496 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ قَالَ حدَّثني رَبِيعَةَ بنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حدَّثني أبُو إدْرِيسَ الخَولانِيُّ قَالَ: حدَّثني أبُو ثَعْلَبَةَ الخُشْنِيُّ قَالَ: أتَيْتُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله {إنَّا بأرْضِ أهْلِ الكِتَابِ} فَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ وَبِأرْضِ صَيْدٍ أصِيدُ بِقَوْسِي وَأصِيدُ بِكَلْبِي المُعَلِّمِ وبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلِّمٍ فَقَالَ: النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمَّا مَا ذكَرْتَ أنَّكَ بِأرْضِ أهْلِ كِتَابٍ فَلا تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إلاَّ أنْ لَا تَجِدُوا بِدّا فَإنْ لَمْ تَجِدُوا بُدّا مَا ذَكَرْتَ أنَّكَ بِأرْضِ أهْلِ كِتَابٍ فَلا تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إلاَّ أنْ لَا تَجِدُوا فَإنْ لَمْ تَجِدُوا بُدّا فَاغْسِلُوها وَكُلُوا فِيهَا، وَأمَّا مَا ذَكَرْتَ أنَّكُمْ بِأرْضِ صَيْدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ الله وَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَاذْكُر اسْمَ الله. وَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْهُ.

وَجه الْمُطَابقَة قد ذَكرنَاهَا وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد وَأَبُو ادريس عَائِذ الله بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي بَاب مَا جَاءَ فِي التصيد وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله بدا أَي فراقاً وَقَالَ الْجَوْهَرِي قَوْلهم لَا بُد من كَذَا كَأَنَّهُ قَالَ لَا فِرَاق مِنْهُ وَيُقَال البد الْعرض.

5497 - حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثني يَزِيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَ: لَمَّا أمْسَوْا يَوْمَ فَتَحُوا خَيْبَر أوْ قَدُوا النِّيرَانَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَى مَا أوْقَدْتُمْ هاذهِ النِّيرَانَ؟ قَالُوا: لحُومِ الْحُمْرِ الإنْسِيَّةِ {قَالَ: أهْرِيقُوا مَا فِيهَا وَاكْسِرُوا قُدُورَها فَقَامَ رَجلٌ مِنْ القَوْمِ فَقَالَ: نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسلُها} فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوْ ذَاكَ.

وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب هُوَ أَنه لما ثَبت تَحْرِيم الْحمر الْأَهْلِيَّة صَارَت كالميتة، وَلما أَبَاحَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اسْتِعْمَال الْقُدُور بعد غسلهَا صَارَت كَذَلِك آنِية الْمَجُوس، فَيجوز اسْتِعْمَالهَا بعد غسلهَا، لِأَن ذَبَائِحهم ميتَة وَهَذَا الحَدِيث هُوَ السَّابِع عشر من ثلاثيات البُخَارِيّ.
والمكي علم بِخِلَاف مَا قَالَه الْكرْمَانِي إِنَّه مَنْسُوب إِلَى مَكَّة المشرفة، وَقد مضى فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب هَل تكسر الدنان الَّتِي فِيهَا الْخمر؟ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أهريقوا) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء من أهراق يهريق، وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة. قَوْله: (أَو ذَاك) ، إِشَارَة إِلَى التَّخْيِير بَين الْكسر وَالْغسْل. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَا أَمر أَولا بِكَسْرِهَا جزما يحْتَمل أَنه كَانَ بِوَحْي أَو اجْتِهَاد، ثمَّ نسخ أَو تغير الِاجْتِهَاد.

15 - (بَابُ: {التَّسْمِيَّةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدا} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة، وَفِي بَيَان من ترك التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة حَالَة كَونه مُتَعَمدا وَهَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا هِيَ عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي بعض النّسخ كتاب الذَّبَائِح، وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ ترْجم أَولا. كتاب الصَّيْد والذبائح وَكتاب الذَّبَائِح، وَيكون ذكره تَكْرَارا بِلَا فَائِدَة وَقيد بقوله: (مُتَعَمدا) إِشَارَة إِلَى أَنه إِذا ترك التَّسْمِيَة نَاسِيا على الذَّبِيحَة لَا يكون مَانِعا من الْحل كَمَا مر الْخلاف فِيهِ.
{قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلا بَأْسَ}
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس من نسبي التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة فَلَا بَأْس، يَعْنِي: لَا تحرم الذَّبِيحَة، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق شُعْبَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أبي الشعْثَاء. قَالَ: حَدثنِي عين عَن ابْن عَبَّاس أَنه لم ير بِهِ بَأْسا. يَعْنِي: إِذا نسي. وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عُيَيْنَة بِهَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَ فِي سَنَده. عَن عين، يَعْنِي: عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِيمَن ذبح وَنسي التَّسْمِيَة فَقَالَ الْمُسلم فِيهِ اسْم الله وَإِن لم يذكر التَّسْمِيَة، وَسَنَده صَحِيح وَهُوَ مَوْقُوف، وَذكره مَالك بلاغا عَن ابْن عَبَّاس وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا.
{وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْق} وَالنَّاسِي: لَا يُسَمَّى فَاسِقا. وَقَوْلُهُ:

(21/111)


وَإنَّ الشيَّاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أوْلِيَائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (الْأَنْعَام: 121)
أورد هَذِه الْآيَة تَقْوِيَة لاحتجاج الْحَنَفِيَّة بهَا فِي قَوْلهم: إِن التَّسْمِيَة شَرط فَإِن تَركهَا عَامِدًا فَلَا يحل أكله وَإِن تَركهَا نَاسِيا فَلَا عَلَيْهِ شَيْء وَبَين وَجه ذَلِك بقوله: (وَالنَّاسِي لَا يُسمى فَاسِقًا) وَذكر الْآيَة الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ من تَمام الْآيَة. تَقْوِيَة لاحتجاج الشَّافِعِيَّة حَيْثُ قَالُوا: مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ كِنَايَة عَن الْميتَة أَو مَا ذكر اسْم غير الله عَلَيْهِ. قرينَة وَإنَّهُ لفسق وَهُوَ مؤول بِمَا أهل بِهِ لغير الله وَقَوله: (وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون) أَي: ليوسوسون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ من الْمُشْركين ليجادلوكم بقَوْلهمْ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا قَتله الله قَالُوا: وَبِهَذَا ترجح تَأْوِيل من أَوله بالميتة وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَن قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا} الْآيَة. نهى، وَالنَّهْي الْمُطلق للتَّحْرِيم وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: (وَأَنه لفسق) وأكدا النَّهْي بِحرف من لِأَنَّهُ فِي مَوضِع النَّهْي للْمُبَالَغَة فَيَقْتَضِي حُرْمَة كل جُزْء مِنْهُ وَالْهَاء فِي قَوْله: (وَإنَّهُ لفسق) إِن كَانَت كِتَابَة من الْأكل فالفسق أكل الْحَرَام، وَإِن كَانَت كِنَايَة عَن الْمَذْبُوح فالمذبوح الَّذِي يُسمى فسقا يكون حَرَامًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو فسقا أهل لغير الله} وَفِي الْآيَة. بَيَان أَن الْحُرْمَة لعدم ذكر اسْم الله تَعَالَى لِأَن التَّحْرِيم يُوصف بذلك الْوَصْف وَهُوَ الْمُوجب للْحُرْمَة كالميتة والموقوذة، وَبِهَذَا تبين فَسَاد حمل الْآيَة على الْميتَة وذبائح الْمُشْركين فَإِن الْحُرْمَة هُنَاكَ لَيست لعدم ذكر اسْم الله تَعَالَى حَتَّى إِنَّه، وَإِن ذكر اسْم الله لم يحل فَإِن قلت: النَّص مُجمل لِأَنَّهُ يحْتَمل الذّكر حَالَة الذّبْح وَحَالَة الطَّبْخ وَحَالَة الْأكل فَلم يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ قلت: مَا سوى حَالَة الذّبْح لَيْسَ بِمُرَاد بِالْإِجْمَاع، وَأجْمع السّلف على أَن المُرَاد حَالَة الذّبْح فَلَا يكون مُجملا وَقد حررنا الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام مَبْسُوطا فِي شرحنا البناية فِي شرح الْهِدَايَة، فَمن أَرَادَ التَّحْقِيق فِيهِ فَليرْجع إِلَيْهِ.

5498 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدٍ بنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بنِ رَفَاعَةَ ابنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِذِي الخُلِيفَةِ فَأصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأصَبْنا إبِلاً وَغَنَما وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي أُخْرَياتِ النَّاسِ فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا القُدُورَ فَدُفِعَ إلَيْهِمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمَر بِالْقُدُورِ فَأكْفِئْتْ ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْها بَعِيرٌ وَكَانَ فِي القَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأعْياهُمْ فَأهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ الله تَعَالَى فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ لِهاذِهِ البَهَائِمِ أوَابِدَ كَأوَابِدِ الوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنعُوا بِهِ هاكَذَا قَالَ: وَقَالَ جَدِّي: إنَّا لَنَرْجُو أوْ نَخافُ أنْ نَلْقَى العَدُوَّ غَدا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًي، أفَنَذْبَحُ بَالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أمَّا السِّنُّ فَعظْمٌ، وَأمَّا الظُّفُرُ فَمدَى الحَبَشَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكل) ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَسَعِيد بن مَسْرُوق هُوَ وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ وعباية، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف ابْن رِفَاعَة بِكَسْر الرَّاء وبالفاء وبالعين الْمُهْملَة ابْن رَافع ضد الْخَافِض ابْن خديج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم ابْن رَافع الْأنْصَارِيّ، وعباية هَذَا يروي عَن جده رَافع بن خديج. وَقَالَ الغساني فِي بعض الرِّوَايَات عَبَايَة عَن أَبِيه عَن جده زِيَادَة لفظ عَن أَبِيه وَهُوَ سَهْو.
والْحَدِيث مضى فِي الشّركَة فِي: بَاب من عدل عشرَة من الْغنم بجزور فِي الْقسم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أَبِيه عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة عَن جده رَافع بن خديج إِلَى آخِره، وَفِيه أَيْضا: عَن عَليّ بن الحكم الْأنْصَارِيّ، وَفِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا يكره من ذبح الْإِبِل وَالْغنم فِي الْمَغَانِم، ومضي الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
قَوْله: (بِذِي الحُليقة) ، قَالَ الدَّاودِيّ: والحليفة الْمَذْكُورَة هُنَا من أَرض تهَامَة بَين الطَّائِف وَمَكَّة وَلَيْسَت الَّتِي بِالْقربِ من الْمَدِينَة

(21/112)


وَكَذَا قَالَ يَعْقُوب: هِيَ مَوضِع بَين حادة وَذَات عرق من تهَامَة وَلَيْسَت بالمهل، وَذكر ابْن بطال عَن الْقَابِسِيّ أَنَّهَا الْمهل فَقَالَ عَنهُ وَكَانَ فِي هَذِه الْغَنِيمَة بِذِي الحليفة من الْمَدِينَة، وَكَذَا ذكره النَّوَوِيّ، وَقَالَ: كَانَ ذَلِك عِنْد رجوعهم من الطَّائِف سنة ثَمَان. قَوْله: (أخريات النَّاس) ، جمع الْأُخْرَى تَأْنِيث الآخر. قَوْله: (كفئت) ، أَي: قلبت قَالُوا: إِنَّمَا أَمرهم بالإكفاء وإراقة مَا فِيهَا عُقُوبَة لَهُم لاستعجالهم فِي السّير وتركهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الأخريات معرضًا لمن يَقْصِدهُ من الْعَدو وَنَحْوه. وَقيل: لِأَن الْأكل من الْغَنِيمَة الْمُشْتَركَة قبل الْقِسْمَة لَا يحل فِي دَار الْإِسْلَام. قَوْله: (فَعدل) ، أَي: قَابل وَكَانَ هَذَا بِالنّظرِ إِلَى قيمَة الْوَقْت، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالفا لقاعدة الْأُضْحِية فِي إِقَامَة الْبَعِير مقَام سبع شِيَاه إِذْ ذَاك بِحَسب الْغَالِب فِي قيمَة الشَّاة وَالْإِبِل المعتدلة. قَوْله: (فند) ، أَي: نفر وَذهب على وَجهه هَارِبا. قَوْله: (فأعياهم) ، أَي: أتعبهم وأعجزهم. قَوْله: (أوابد) ، جمع الآبدة الَّتِي تأبدت أَي: توحشت ونفرت من الْإِنْس. قَوْله: (هَكَذَا) ، أَي: مجروحا بِأَيّ وَجه كَانَ قدرتم عَلَيْهِ فَإِن حكمه حكم الصَّيْد فِي ذَلِك. قَوْله: (قَالَ: وَقَالَ جدي) أَي: قَالَ عَبَايَة: قَالَ جدي رَافع بن خديج. قَوْله: (إِنَّا لنرجوا ونخاف) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (نرجو) إِشَارَة إِلَى حرصهم على لِقَاء الْعَدو لما يرجونه من فضل الشَّهَادَة أَو الْغَنِيمَة. وَقَوله: (نَخَاف) إِشَارَة إِلَى أَنهم لَا يحبونَ أَن يهجم عَلَيْهِم الْعَدو بَغْتَة وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص أَن نلق الْعَدو غَدا بِالْجَزْمِ ولعلهم عرفُوا ذَلِك بالقرائن وَالْغَرَض من ذكر لِقَاء الْعَدو عِنْد السُّؤَال عَن الذّبْح بالقصب أَنهم لَو استعملوا السيوف فِي المذابح لكلت عِنْد اللِّقَاء ولعجزوا عَن الْمُقَاتلَة بهَا. قَوْله: (مدى) ، جمع مدية وَهِي الشَّفْرَة. قَوْله: (مَا أنهر الدَّم) أَي: مَا أسَال الدَّم كَمَا يسيل المَاء فِي النَّهر، وَكلمَة إِمَّا شَرْطِيَّة وَإِمَّا مَوْصُولَة وَقَالَ عِيَاض: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات بالراء، وَذكره أَبُو ذَر الْخُشَنِي بالزاي، وَقَالَ النَّهر بِمَعْنى الدّفع وَهُوَ غَرِيب. قَوْله: (لَيْسَ السن وَالظفر) بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء بِكَلِمَة لَيْسَ، وَيجوز الرّفْع أَي: لَيْسَ السن وَالظفر مجزيا وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص: مَا لم يكن سنّ أَو ظفر، وَفِي رِوَايَة عمر بن عبيد غير السن وَالظفر، وَفِي رِوَايَة دَاوُد بن عِيسَى إِلَّا سنا أَو ظفرا. قَوْله: (وَسَأُخْبِرُكُمْ) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: سأحدثكم. قَوْله: (فَعظم) يَعْنِي: لَا يجوز بِهِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّس بِالدَّمِ، وَهُوَ زَاد الْجِنّ أَو لِأَنَّهُ غَالِبا لَا يقطع إِنَّمَا يجرح فتزهق النَّفس من غير أَن يتَيَقَّن وُقُوع الذَّكَاة بِهِ. وَأما الظفر فَإِن مَعْنَاهُ أَن الْحَبَشَة يدمون مذابح الشَّاة بأظفارهم حَتَّى تزهق النَّفس خنقا وتعذيبا.

16 - (بابُ: {مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالأصْنَامِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فَسَاد مَا ذبح على النصب بِضَم النُّون وَاحِد الأنصاب، وَقيل: النصب جمع وَالْوَاحد نِصَاب، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: النصب بِسُكُون الصَّاد وَضمّهَا مَا نصب وَعبد من دون الله. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كَانَت لَهُم أَحْجَار مَنْصُوبَة حول الْبَيْت يذبحون عَلَيْهَا ويشرحون اللَّحْم عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لَهَا بذلك ويتقربون بِهِ إِلَيْهَا تسمى الأنصاب قَوْله: والأصنام أَي: مَا ذبح على الْأَصْنَام، وَهُوَ جمع صنم، وَهُوَ مَا اتخذ إلاها من دون الله. وَقيل: هُوَ مَا كَانَ لَهُ جسم أَو صُورَة فَإِن لم يكن لَهُ جسم أَو صُورَة فَهُوَ وثن، وَوجه عطف الْأَصْنَام على النصب أَن النصب إِذا كَانَت أحجارا فَهُوَ ظَاهر، وعَلى تَقْدِير أَن تكون هِيَ المعبودة فَهُوَ من الْعَطف التفسيري كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي: قلت النصب كَانَت أحجارا وَكَانَت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ حجرا مَجْمُوعَة عِنْد الْكَعْبَة كَانُوا يذبحون عِنْدهَا لآلهتهم، وَلم تكن أصناما، لِأَن الْأَصْنَام كَانَت صورا مصورة وتماثيل.

5499 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حدَّثنا عَبْدِ العَزِيزِ يَعْني ابنَ المُخْتَار أخبرنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ قَالَ: أخبرَنِي سَالِمٌ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لَقِيَ زَيْدَ بنَ عَمْرو ابنِ نُفَيْلٍ بأسْفَل بَلْدَحِ وَذَاكَ قَبْلَ أنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الوَحْيُ، فَقَدَمَ إلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ فَأبى أنْ يأكُلَ مِنْها، ثُمَّ قَالَ: إنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أنْصَابِكُمْ وَلا آكُلُ إلاَّ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث مضى فِي آخر

(21/113)


المناقب فِي بَاب حَدِيث زيد بن عَمْرو بن نفَيْل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ مطولا عَن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن فُضَيْل بن سُلَيْمَان عَن مُوسَى إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَزيد بن عَمْرو بن نفَيْل بِضَم النُّون الْقرشِي وَالِد سعيد أحد الْعشْرَة المبشرة كَانَ يتعبد فِي الْجَاهِلِيَّة على دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: قَوْله: (بلدح) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وَفتح الدَّال الْمُهْملَة، وَفِي آخِره حاء مُهْملَة منصرفا وَغير منصرف وَهُوَ اسْم مَوضِع بالحجاز قريب من مَكَّة قَوْله: (فَقدم إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، سفرة وَفِي هَذَا الْموضع اخْتِلَاف فرواية الْأَكْثَرين هَكَذَا وَهُوَ أَن الضَّمِير فِي إِلَيْهِ يرجع إِلَى زيد وَرَسُول الله مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل قدم وسفرة مَنْصُوب على المفعولية وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقدم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سفرة على أَن قدم على صِيغَة الْمَجْهُول وسفرة مَرْفُوع بِهِ وَالْجمع بَينهمَا بِأَن الْقَوْم الَّذين كَانُوا هُنَاكَ قدمُوا إِلَى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سفرة فَقَدمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى زيد. قَوْله: (سفرة فِيهَا لحم) ، رِوَايَة أبي ذَر. وَفِي رِوَايَة غَيره: (سفرة لحم) . قَوْله: (قابى) ، أَي: زيد. أَي: امْتنع عَن الْأكل وَقَالَ الْخطابِيّ: امْتنَاع زيد من أكل مَا فِي السفرة إِنَّمَا هُوَ من خَوفه أَن يكون اللَّحْم مِمَّا ذبح على الأنصاب المنصوبة لِلْعِبَادَةِ وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَيْضا لَا يَأْكُل من ذَبَائِحهم الَّتِي كَانُوا يذبحونها لأنصابهم وَأما ذبحهم لمآكلهم فَلم نجد فِي الحَدِيث أَنه كَانَ يتنزه عَنهُ وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَونه فِي سفرته لَا يدل على أَنه كَانَ يَأْكُل مِنْهُ وَقَالَ ابْن زيد: (مَا ذبح) . على النصب وَمَا أهل بِهِ لغير الله وَاحِد وَمعنى: مَا أهل بِهِ لغير الله ذكر عَلَيْهِ غير اسْم الله من أَسمَاء الْأَوْثَان الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَكَذَا الْمَسِيح وكل اسْم سوى الله عز وَجل. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك فكره عمر وَابْنه وَعلي وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، مَا أهل بِهِ لغير الله وَعَن النَّخعِيّ وَالْحسن وَالثَّوْري، مثله وَكره مَالك ذَبَائِح النَّصَارَى لكنائسهم وأعيادهم وَقَالَ: يكره مَا سمى عَلَيْهِ الْمَسِيح من غير تَحْرِيم وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُؤْكَل مَا سمى الْمَسِيح عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يحل مَا ذبح لغير الله وَلَا مَا ذبح للأصنام وَرخّص فِي ذَلِك آخَرُونَ وروى ذَلِك عَن عبَادَة بن الصَّامِت وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي أُمَامَة وَقَالَ عَطاء وَالشعْبِيّ: قد أحل الله مَا أهل بِهِ لغير الله، لِأَنَّهُ قد علم أَنهم سيقولون هَذَا القَوْل وَأحل ذَبَائِحهم وَإِلَيْهِ ذهب اللَّيْث وفقهاء أهل الشَّام مَكْحُول وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالُوا: (سَوَاء) سمى الْمَسِيح على ذَبِيحَة أَو ذبح لعيد أَو كَنِيسَة وكل ذَلِك حَلَال لِأَنَّهُ كتابي قد ذبح لدينِهِ وَكَانَت هَذِه ذَبَائِحهم قبل نزُول الْقُرْآن وأحلها الله تَعَالَى فِي كِتَابه.