عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 16 - (بَابُ: {قَوْلِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ الله} )
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (فليذبح أضحيته على اسْم الله عز وَجل) .
32 - (حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن
الْأسود بن قيس عَن جُنْدُب بن سُفْيَان البَجلِيّ قَالَ
ضحينا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أضْحِية ذَات يَوْم فَإِذا أنَاس قد ذَبَحُوا
ضحاياهم قبل الصَّلَاة فَلَمَّا انْصَرف رَآهُمْ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنهم قد ذَبَحُوا
قبل الصَّلَاة فَقَالَ من ذبح قبل الصَّلَاة فليذبح
مَكَانهَا أُخْرَى وَمن كَانَ لم يذبح حَتَّى صلينَا
فليذبح على اسْم الله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر
الحَدِيث قيل فَائِدَة هَذِه التَّرْجَمَة بعد تقدم
التَّرْجَمَة على التَّسْمِيَة التَّنْبِيه على أَن
النَّاسِي يذبح على اسْم الله لِأَنَّهُ لم يقل فِيهِ
فليسم وَإِنَّمَا جعل أصل ذبح الْمُسلم على اسْم الله من
صفة فعله ولوازمه كَمَا ورد ذكر الله على قلب كل مُسلم سمى
أَو لم يسم انْتهى (قلت) التَّنْبِيه هُنَا على أَن من ذبح
قبل صَلَاة الْعِيد يُعِيدهَا بِالتَّسْمِيَةِ حَيْثُ
قَالَ فليذبح على اسْم الله وَاعْلَم بِهِ أَن وَقت
الْأُضْحِية بعد الصَّلَاة يذبحها مقرونة بِالتَّسْمِيَةِ
لِأَن كلمة على هُنَا فِيهَا معنى المصاحبة كَمَا فِي
قَوْله اركب على اسْم الله أَي مصاحبا باسم الله وَقَالَ
بَعضهم قَوْله فليذبح على اسْم الله يحْتَمل أَن يكون
المُرَاد بِهِ الْإِذْن فِي الذَّبِيحَة حِينَئِذٍ أَو
المُرَاد بِهِ الْأَمر بِالتَّسْمِيَةِ (قلت) المُرَاد
بِهِ أَن الذَّبِيحَة بعد الصَّلَاة بِالتَّسْمِيَةِ
وَأَنه لَا يجوز قبل الصَّلَاة وَلَا بِدُونِ التَّسْمِيَة
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يفهم من الحَدِيث والقرائن أَيْضا
تدل عَلَيْهِ وَمَا ذكره هَذَا الْقَائِل بالاحتمالين من
سوء التَّصَرُّف من غير تَأمل فِي معنى الحَدِيث
(21/114)
وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي
وَالْأسود بن قيس الْعَبْدي أَبُو قيس الْكُوفِي وجندب
بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة
وَضمّهَا ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم والْحَدِيث مر فِي
الْعِيدَيْنِ فِي بَاب كَلَام الإِمَام وَالنَّاس فِي
خطْبَة الْعِيد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسلم عَن
شُعْبَة عَن الْأسود عَن جُنْدُب إِلَى آخِره وَمر
الْكَلَام فِيهِ قَوْله ضحينا من ضحى يُضحي بِالتَّشْدِيدِ
قَوْله أضْحِية بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا وَفِيه لُغَتَانِ
أخراوان الضحية والأضحى قَوْله ذَات يَوْم أَي فِي يَوْم
وَلَفظ ذَات مقحم للتَّأْكِيد قَالَت النُّحَاة هُوَ من
بَاب إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه قَوْله على اسْم
الله قَالَ الدَّاودِيّ أَي باسم الله وَقد ذَكرْنَاهُ
وَقَالَ بعض النَّاس لَا يُقَال على اسْم الله لِأَن اسْم
الله تَعَالَى على كل شَيْء وَيرد بِمَا ذَكرْنَاهُ وَفِيه
الْعقُوبَة بِالْمَالِ لمُخَالفَة السّنة والتقرير
عَلَيْهَا وَفِيه أَن أصل السّنة أَن من استعجل شَيْئا قبل
وُجُوبه أَنه يحرمه كقاتل مورئه
18 - (بَابُ: {مَا أنْهَرَ الدَّمَ مِنَ القَصَبِ
وَالمَرْوَةِ وَالحَدِيدِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا أنهر الدَّم أَي: أساله
قَوْله: (من الْقصب والمروة وَالْحَدِيد) ذكر هَذِه
الثَّلَاثَة. وَلَيْسَ فِي أَحَادِيث الْبَاب شَيْء
مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الذّبْح بِالْحجرِ، أما
الذّبْح بالقصب فقد ورد فِي بعض طرق حَدِيث رَافع عِنْد
الطَّبَرَانِيّ: أفأذبح بالقصب والمروة؟ وَأما الذّبْح
بالمروة فَفِي حَدِيث أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق الشّعبِيّ عَن
مُحَمَّد بن صَفْوَان. وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد بن
صَيْفِي قَالَ: ذبحت أرنبين بمروة فَأمرنِي النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يأكلهما وَصَححهُ ابْن حبَان
وَالْحَاكِم، والمروة قَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ حِجَارَة
بيض رقاق يقْدَح مِنْهَا النَّار، وَأما الذّبْح بالحديد
فَيُؤْخَذ من حَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه من رِوَايَة جرير
بن حَازِم عَن أَيُّوب عَن زيد بن أسلم قَالَ جرير:
فَلَقِيت زيد بن أسلم فَحَدثني عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: كَانَت لرجل من الْأَنْصَار
نَاقَة ترعى فِي قبل أحد فَعرض لَهَا فنحرها بوتد فَقلت
لزيد: وتد من خشب أَو حَدِيد قَالَ لَا بل من خشب فَأتى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره بأكلها، انْتهى
فَإِذا كَانَ بوتد من خشب جَازَ فَمن وتد من حَدِيد
بِالطَّرِيقِ الأولى، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن مَاجَه من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن مُوسَى بن
قطري عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قلت: يَا رَسُول أَرَأَيْت
أَن أَحَدنَا أصَاب صيدا وَلَيْسَ مَعَه سكين أيذبح
بالمروة وشقة الْعَصَا؟ فَقَالَ: أنهر الدَّم بِمَا شِئْت
وَاذْكُر اسْم الله عز وَجل، هَذَا لفظ أبي دَاوُد،
وَقَالَ النَّسَائِيّ: فاذبحه بالمروة والعصا وَقَالَ ابْن
مَاجَه: فَلَا نجد سكينا إلاَّ الظرارة وشقة الْعَصَا.
قلت: الظرارة جمع ظررة، وَهُوَ حجر صلب محدد، وَيجمع
أَيْضا على ظران، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث
سفينة أَن رجلا شاط نَاقَته بجذل فَسَأَلَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَمرهمْ بأكلها. قلت: الجذل
بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا أصل الشَّجَرَة يقطع وَقد
يَجْعَل الْعود جدلاً وَمعنى شاط نَاقَته ذَبحهَا بِعُود.
5501 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكَرٍ المُقَدَّمِيُّ
حدَّثنا عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ سَمِعَ ابنَ
كَعْبٍ ابنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابنَ عُمَرَ أنَّ أبَاهُ
أخْبَرَهُ أنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ ترعى غَنَما
بِسَلْعٍ، فَأبْصَرْت بِشاةٍ مِنْ غَنَمِها مَوْتا
فَكَسَرَتْ حَجَرا فَذَبَحْتُها بِهِ فَقَالَ لأهْلِهِ لَا
تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَأسْأَلَهُ أوْ حَتَّى أُرْسِلْ إلَيْهِ مَنْ يَسَأَلُهُ
فَأُتِيَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أوْ بَعَثَ
إلَيْهِ فَأمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بِأَكْلِها.
يُمكن أَن تؤخذا الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة
والْحَدِيث من قَوْله: (فَكسرت حجرا) لِأَن الْمَرْوَة
أَيْضا حجر.
وَمُحَمّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم أَبُو عبد
الله الْمَعْرُوف بالمقدمي بتَشْديد الدَّال مَفْتُوحَة،
وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان،
وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَنَافِع مولى ابْن
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَابْن كَعْب جزم
الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) أَنه عبد الله بن كَعْب. وَقيل:
عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك يروي عَن أَبِيه كَعْب
بن مَالك الْأنْصَارِيّ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تيب
عَلَيْهِم.
وَفِي (التَّوْضِيح) وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَة
وَهِي رِوَايَة صَحَابِيّ عَن تَابِعِيّ، لِأَن ابْن عمر
رَوَاهُ عَن ابْن كَعْب بن مَالك وَهُوَ تَابِعِيّ. قلت:
ابْن عمر لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن أحد هُنَا، وَإِنَّمَا
ابْن كَعْب أخبرهُ بِهِ.
وَمضى الحَدِيث فِي الْوكَالَة فِي بَاب إِذا أبْصر
الرَّاعِي
(21/115)
أَو الْوَكِيل شَاة تَمُوت، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن مُعْتَمر
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَن جَارِيَة) ، ذكر هُنَا بِلَفْظ الْجَارِيَة
فِي ثَلَاث مَوَاضِع، وَفِي الْوكَالَة أَيْضا وَأكْثر مَا
تسْتَعْمل هَذِه اللَّفْظ فِي الْأمة وَقد جَاءَ مُصَرحًا
بِهِ فِي رِوَايَة أُخْرَى، وَذكره البُخَارِيّ بعد
بِلَفْظ: امْرَأَة وبلفظ: جَارِيَة. قَوْله: (بسلع) ،
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام
وَبِفَتْحِهَا وبالعين الْمُهْملَة. جبل مَعْرُوف
بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (فَأَبْصَرت بِشَاة) ، هَكَذَا
رِوَايَة أبي ذَر. وَفِي رِوَايَة غَيره فأصيبت شَاة من
غنمها. قَوْله: (موتا) ، مَنْصُوب بقوله: (أَبْصرت) وَفِي
رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي مَوتهَا. قَوْله:
(فذبحتها) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فذكتها. قَوْله:
(بِهِ) ، أَي: بِالْحجرِ، وَسَقَطت هَذِه اللَّفْظَة لغير
أبي ذَر. قَوْله: (أَو حَتَّى أرسل إِلَيْهِ) شكّ من
الرَّاوِي.
وَفِي هَذَا الحَدِيث خمس فَوَائِد ذَبِيحَة الْمَرْأَة،
وذبيحة الْأمة والذكاة بِالْحجرِ، وذكاة مَا أشرف على
الْمَوْت، وذكاة غير الْمَالِك بِلَا وكَالَة. وَاخْتلف
إِذا ذبح الرَّاعِي شَاة، وَقَالَ: خشيت عَلَيْهَا
الْمَوْت. قَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا ضَمَان عَلَيْهِ،
وَضَمنَهُ غَيره.
5502 - حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أخْبَرَنا عَبْدَ الله
أنَّ جَارِيَةَ لِكَعْبٍ بنِ مَالِكٍ تَرْعَى غَنما لهُ
بالجُبَيْلِ الَّذِي بِالسُّوقِ وَهُوَ بِسَلْعٍ؟
فأُصِيبَتْ شَاةٌ فَكَسَرَتْ حَجَرا فَذَبَحَتْها بِهِ،
فَذَكُرُوا لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمَرَهُمْ
بِأكْلِها.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري عَن جوَيْرِية بن أَسمَاء
الْبَصْرِيّ عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن رجل من بني
سَلمَة إِلَى آخِره، وَبَنُو سَلمَة بِفَتْح السِّين وَكسر
اللَّام. قَالَ الْكرْمَانِي: وَإسْنَاد الحَدِيث مَجْهُول
لِأَن الرجل غير مَعْلُوم، وَقيل: هُوَ ابْن لكعب بن مَالك
السّلمِيّ الْأنْصَارِيّ.
5503 - حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ: أخْبَرَنِي أبِي عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ بنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بنِ
رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله!
لَيْسَ لَنَا مُدًى؟ فَقَالَ: مَا أنْهَرَ الدَّمَ
وَذُكِرَ اسْمُ الله فَكُلْ لَيْسَ الظُّفْرَ وَالسِّنَّ.
أمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةَ وَأمَّا السِّنُّ
فَنَظْمٌ. وَنَدَّ بَعِيرٌ فَحَبْسَهُ فَقَالَ: إنَّ
لِهاذِهِ الإبِلِ أوَابِدَ كَأوَابِدَ الوَحْشِ فَمَا
غَلَبَكُمْ مِنْها فَاصْنَعُوا هاكذا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أنهر الدَّم)
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة
عَن قريب.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة يروي عَن أَبِيه
عَن شُعْبَة عَن سعيد بن مَسْرُوق، وَهُوَ أَبُو سُفْيَان
الثَّوْريّ عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة هَكَذَا رِوَايَة أبي
ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَبَايَة بن رَافع، وَرَافِع
جد عَبَايَة وَأَبوهُ رِفَاعَة فنسبه فِي هَذِه
الرِّوَايَة. أَعنِي: رِوَايَة غير أبي ذَر. إِلَى جده،
وَلَو أَخذ بِظَاهِرِهِ لَكَانَ الحَدِيث عَن خديج وَالِد
رَافع وَلَيْسَ كَذَلِك.
قَوْله: (فحبسه) فِيهِ حذف تَقْدِيره: فحسبه رجل بِسَهْم،
وَالْبَاقِي قد مر.
19 - (بَابُ: {ذَبِيحَةِ المَرْأَةِ وَالأَُمَّةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز ذَبِيحَة الْمَرْأَة
وذبيحة الْأمة وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة
إِلَى رد من منع هَذَا. وَقد نقل مُحَمَّد بن عبد الحكم
عَن مَالك كَرَاهَته. وَفِي الْمُدَوَّنَة جَوَازه، وَهُوَ
قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَذَلِكَ إِذا أَحْسَنت
الذّبْح، وَكَذَلِكَ الصَّبِي إِذا أحْسنه: وَاخْتلف فِي
كَرَاهَة ذبح الْخصي، وروى ابْن حزم عَن طَاوُوس منع
ذَبِيحَة الزنْجِي، كَمَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
5504 - حدَّثنا صَدَقَةُ أخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ
عُبَيْدُ الله عَنْ نِافِعِ عَنْ ابنٍ لِكَعْبٍ بنِ
مَالِكٍ عَنْ أبِيهِ أنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً
بِحَجْرٍ فَسُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ
ذَلِكَ فَأمَرَ بِأكْلِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَصدقَة هُوَ ابْن الْفضل
الْمروزِي، وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْكُوفِي،
وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ. والْحَدِيث مضى قبل
الْبَاب من طَرِيق جوَيْرِية عَن نَافِع.
(21/116)
{وَقَالَ اللَّيْثُ: حدَّثنا نَافِعٌ
أنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ يُخْبِرُ عَبْدَ
الله عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّ
جَارِيَةً لِكَعْبٍ بِهاذا}
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة
أَحْمد بن يُونُس عَن اللَّيْث بِهِ وَهَذَا أَيْضا فِيهِ
مَجْهُول. قَوْله: (بِهَذَا) ، أَي: بِهَذَا الحَدِيث
الْمَذْكُور.
5505 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ عَنْ مُعاذٍ بنِ
سَعْدٍ. أوْ سَعْدٍ بنِ مُعاذٍ أخْبرهُ أنَّ جَارِيَةَ
لِكَعْبٍ بنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَما بِسَلْعٍ
فَأُصِيبَتْ شَاة مِنْها فَأدْرَكْتَها فَذَبَحَتْها
بِحَجْرٍ فَسُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَالَ: كُلُوها.
هَذَا أَيْضا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَفِيه
مَجْهُول: وَتردد فِي معَاذ بن سعد أخرجه عَن إِسْمَاعِيل
ابْن أبي أويس عَن مَالك عَن نَافِع إِلَى آخِره قَالَ
الْكرْمَانِي: وَالشَّكّ من الرَّاوِي فِي معَاذ لَا
يقْدَح لِأَن كلا مِنْهُمَا صَحَابِيّ وَالصَّحَابَة كلهم
عدُول. قلت: لَيْسَ هُنَا اثْنَان، وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِد
غير أَن التَّرَدُّد فِي أَن معَاذًا هُوَ ابْن وَسعد
أَبوهُ أَو أَن سَعْدا ابْن ومعاذ أَبوهُ وَلِهَذَا لم
يذكر فِي (الِاسْتِيعَاب) معَاذ بن سعد، وَذكر
الذَّهَبِيّ: معَاذ بن سعد أَو سعد بن معَاذ. كَذَا روى
مَالك عَن نَافِع فِي الذَّكَاة بِحجر.
20 - (بَابٌ: {لَا يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالعَظْمِ
وَالظُّفْرُ} )
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يذكى إِلَى آخِره. قَالَ
الْكرْمَانِي: مَا هَذَا الْعَطف؟ وَالسّن عظم خَاص
وَكَذَا الظفر. وَأجَاب بقوله: لَعَلَّ البُخَارِيّ نظر
إِلَى أَنَّهُمَا ليسَا بعظمين عرفا قَالَ الْأَطِبَّاء
أَيْضا ليسَا بعظمين، وَالصَّحِيح أنهماعظم وَعطف الْعظم
على مَا قبله عطف الْعَام على الْخَاص، وَعطف مَا بعده
عَلَيْهِ عطف الْخَاص على الْعَام، وَقَالَ أَيْضا ترْجم
بالعظم وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذكره. وَأجَاب بِأَن حكم
الْعظم يعلم مِنْهُ، وَقيل: عَادَة البُخَارِيّ أَنه
يُشِير إِلَى مَا فِي أصل الحَدِيث، فَإِن فِيهِ أما السن
فَعظم.
5506 - حدَّثنا قُبَيْصَةُ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ أبِيهِ
عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعٍ بنِ خَدِيجٍ
قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُلْ.
يَعْنِي: مَا أنْهَرَ الدَّمَ إلاَّ السِّنَّ وَالظُّفْرَ.
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث رَافع بن خديج، وَمر الْكَلَام
فِيهِ أخرجه عَن قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ
عَن أَبِيه سعد بن مَسْرُوق عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة
إِلَى آخِره.
21 - (بَابُ: {ذَبِيحَةِ الأعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذَبِيحَة الْأَعْرَاب، وهم
ساكنو الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا يُقِيمُونَ فِي
الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَ المدن إلاَّ لحَاجَة،
وَالْعرب اسْم لهَذَا الْجَبَل الْمَعْرُوف من النَّاس لَا
وَاحِد لَهُ من لَفظه أَقَامَ بالبادية أَو المدن، والنسية
إِلَيْهِمَا أَعْرَابِي وعربي. قَوْله: (وَنَحْوهم) ،
بِالْوَاو فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني والنسفي، ونحرهم بالراء من نحر الْإِبِل.
5507 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله حدَّثنا
أُسَامَةَ بنُ حَفْص المَدَنِيُّ عَنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ
عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنها. أنَّ
قَوْما قَالُوا لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إنَّ
قَوْما يأتُونا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أذُكِرَ اسْمُ
الله عَلَيْهِ أمْ لَا؟ فَقَالَ: سَمُّوا عَلَيْهِ أنْتُمْ
وَكُلُوهُ. قَالَت: وَكَانُوا حَدِيثي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِن قوما
يأْتونَ) لِأَن المُرَاد مِنْهُم الْأَعْرَاب الَّذين
يأْتونَ إِلَيْهِم من الْبَادِيَة.
وَمُحَمّد بن عبيد الله بن زيد أَبُو ثَابت بالثاء
الْمُثَلَّثَة وَالْمُوَحَّدَة والمثناة، مولى عُثْمَان بن
عَفَّان الْقرشِي الْأمَوِي الْمدنِي، وَهُوَ من أَفْرَاد
البُخَارِيّ، وَأُسَامَة بن حَفْص الْمدنِي يروي عَن
هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن
عَائِشَة، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يَأْتُونَا) ، بِالْإِدْغَامِ والفك. قَوْله:
(بِاللَّحْمِ) ، فِي رِوَايَة أبي خَالِد باللحمان، وَفِي
رِوَايَة النَّسَائِيّ: إِن نَاسا من الْأَعْرَاب، وَفِي
رِوَايَة مَالك:
(21/117)
من الْبَادِيَة. قَوْله: (أذكر) ، على
صِيغَة الْمَجْهُول والهمزة فِيهِ للاستفهام، وَفِي
رِوَايَة الطفَاوِي الَّتِي مَضَت فِي الْبيُوع: اذْكروا
وَفِي رِوَايَة أبي خَالِد: لَا نَدْرِي يذكرُونَ، وَزَاد
أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته: أم لم يذكرُوا أفنأكل
مِنْهَا؟ قَوْله: (وَكَانُوا) ، أَي: الْقَوْم السائلون.
وَقد اسْتدلَّ قوم بِهَذَا الحَدِيث على أَن التَّسْمِيَة
على الذَّبِيحَة لَيست بواجبة، إِذْ لَو كَانَت وَاجِبَة
لما أَمرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأَكْل ذَبِيحَة
الْأَعْرَاب أهل الْبَادِيَة. وَأجِيب: بِأَن هَذَا كَانَ
فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن
مَالِكًا زَاد فِي آخِره. وَذَلِكَ فِي أول الْإِسْلَام،
وَيُمكن أَنهم لم يَكُونُوا جاهلين بِالتَّسْمِيَةِ.
{تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ الدَّراوَرْدِيِّ}
يَعْنِي: تَابع أُسَامَة بن حَفْص عَن هِشَام عَليّ بن
الْمَدِينِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد
الدَّرَاورْدِي بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالرَّاء
وَالْوَاو وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة نِسْبَة
إِلَى دراورد قَرْيَة من قرى خُرَاسَان وَمرَاده من
مُتَابَعَته إِيَّاه أَنه رَوَاهُ عَن هِشَام بن عُرْوَة
مَرْفُوعا، كَمَا رَوَاهُ أُسَامَة بن حَفْص، وَوصل هَذِه
الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يَعْقُوب بن
حميد عَن الدَّرَاورْدِي.
{وَتَابَعَهُ أبُو خَالِدٍ وَالطُّفاوِيُّ}
أَي: وتابع أُسَامَة بن حَفْص أَيْضا أَبُو خَالِد
سُلَيْمَان بن حَيَّان الْأَحْمَر فِي رِوَايَته عَن
هِشَام بن عُرْوَة مَرْفُوعا وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة
البُخَارِيّ فِي كتاب التَّوْحِيد مُتَّصِلا عَن يُوسُف بن
مُوسَى عَنهُ قَوْله: والطفاوي أَي: وَتَابعه أَيْضا
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي بِضَم الطَّاء
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَالْوَاو نِسْبَة إِلَى
طفاوة بنت حزم بن زِيَاد بن ثَعْلَب بن حلوان بن عمرَان بن
ألحاف بن قضاعة، وَوصل مُتَابَعَته البُخَارِيّ فِي كتاب
الْبيُوع عَن أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ عَنهُ
وَسَماهُ هُنَاكَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَزَاد
الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه تَابعه أَيْضا عبد الرَّحِيم بن
سُلَيْمَان وَيُونُس بن بكير ومحاضر وَمَالك بن أنس،
وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ: تَابعه أَيْضا النَّضر بن
شُمَيْل وَعمر بن مجمع، وَقَالَ فِي (غرائب الْمُوَطَّأ)
تفرد بِهِ عبد الْوَهَّاب عَن مَالك مُتَّصِلا وَغَيره
يرويهِ عَن مَالك عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا وادّعى
أَبُو عمر أَنه لم يخْتَلف عَن مَالك فِي إرْسَاله،
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (علله) وَرَوَاهُ حَمَّاد بن
سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد وَابْن عُيَيْنَة وَيحيى
الْقطَّان ومفضل بن فضَالة عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا
لَيْسَ فِيهِ عَن عَائِشَة، والمرسل أشبه بِالصَّوَابِ
وَله طَرِيق آخر مُرْسل أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي
(مُصَنفه) عَن الشّعبِيّ: أَنِّي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي غَزْوَة تَبُوك بمحنية، فَقيل: إِن
هَذَا طَعَام يصنعه الْمَجُوس، فَقَالَ: اذْكروا اسْم الله
عَلَيْهِ وكلوه.
22 - (بَابُ: {ذَبَائِحِ أهْلِ الكِتابِ وَشُحُومِها مِنْ
أهْلِ الحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذَبَائِح أهل الْكتاب.
قَوْله: وشحومها. أَي: شحوم أهل الْكتاب قَوْله: من أهل
الْحَرْب كلمة من يجوز أَن تكون بَيَانِيَّة، وَيجوز أَن
تكون للتَّبْعِيض أَي: من أهل الْحَرْب الَّذين لَا
يُعْطون الْجِزْيَة. قَوْله: (وَغَيرهم) ، أَي: وَغير أهل
الْحَرْب من الَّذين يُعْطون الْجِزْيَة، وَأَشَارَ
بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى جَوَاز ذَبَائِح أهل الْكتاب
وَجَوَاز أكل شحومهم، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَعَن مَالك
وَأحمد: تَحْرِيم مَا حرم أهل الْكتاب كالشحوم.
{وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمُ أُحِلَّ لَكُمْ
الطَّيِّبَاتِ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ
لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}
وَقَوله: بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الذَّبَائِح، أَي:
وَبَيَان قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْم أحل لكم
الطَّيِّبَات} وَهَذَا الْمِقْدَار فِي رِوَايَة أبي ذَر،
وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: {حل لكم} وَأورد هَذِه
الْآيَة فِي معرض الِاسْتِدْلَال على جَوَاز أكل ذَبَائِح
أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أهل الْحَرْب
وَغَيرهم لِأَن المُرَاد من قَوْله عز وَجل: {وَطَعَام
الَّذين أُوتُوا الْكتاب} ذَبَائِحهم، وَبِه قَالَ ابْن
عَبَّاس وَأَبُو أُمَامَة وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير
وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَالْحسن وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ وَالسُّديّ، وَمُقَاتِل بن حَيَّان، وَهَذَا
أَمر مجمع عَلَيْهِ بَين الْعلمَاء أَن ذَبَائِحهم حَلَال
للْمُسلمين لأَنهم يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيم الذّبْح لغير
الله تَعَالَى وَلَا يذكرُونَ على ذَبَائِحهم إِلَّا اسْم
الله وَإِن اعتقدوا فِيهِ مَا هُوَ منزه عَنهُ، وَلَا
تُبَاح ذَبَائِح من عداهم من أهل الشّرك وَمن شابههم
لأَنهم
(21/118)
لَا يذكرُونَ اسْم الله على ذَبَائِحهم
وقرابينهم، وهم لَا يتعبدون بذلك وَلَا يتوقفون فِيمَا
يَأْكُلُونَهُ من اللَّحْم على ذَكَاة، بل يَأْكُلُون
الْميتَة بِخِلَاف أهل الْكتاب وَمن شاكلهم من السامرة
والصابئة وَمن تمسك بدين إِبْرَاهِيم وشيث وَغَيرهمَا من
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، على أحد قولي
الْعلمَاء ونصارى الْعَرَب كبني تغلب وتنوخ وبهزام وجذام
ولخم وعاملة وَمن أشبههم لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم عِنْد
الْجُمْهُور.
{وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارَى
العَرَبِ وَإنْ سَمِعْتَهُ يُسَمَّى لِغَيْرِ الله فَلا
تَأْكُلْ وَإنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أحَلَّهُ الله
وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ}
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره،
وَقد وصل هَذَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر. قَالَ: سَأَلت
الزُّهْرِيّ عَن ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب فَذكر نَحوه،
وَقَالَ فِي آخِره: وإهلاله أَن يَقُول: باسم الْمَسِيح.
قلت: وَهُوَ فِي (الْمُوَطَّأ) مَرْفُوعا.
{وَنُذْكِرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوهُ}
ذكره بِصِيغَة التمريض إِشَارَة إِلَى ضعفه أَي: وَيذكر
عَن عَليّ بن أبي طَالب نَحْو: مَا روى عَن الزُّهْرِيّ،
وَجَاء عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من وَجه
صَحِيح الْمَنْع من ذَبَائِح بعض نَصَارَى الْعَرَب أخرجه
الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق بأسانيد صَحِيحَة عَن
مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي عَن
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا تَأْكُلُوا
ذَبَائِح نَصَارَى بني تغلب فَإِنَّهُم لم يَتَمَسَّكُوا
من دينهم إلاَّ بِشرب الْخمر.
{وَقَالَ الحَسَنُ وَإبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِذَبيحَةِ
الأقْلَفِ}
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.
لَا بَأْس بذبيحة الأقلف، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون
الْقَاف وَفتح اللَّام وبالفاء، وَهُوَ الَّذِي لم يختتن،
والقلفة بِالْقَافِ وَيُقَال بالغين الْمُعْجَمَة الغرلة
وَهِي الْجلْدَة الَّتِي تستر الْحَشَفَة، وإثر الْحسن
رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ: كَانَ الْحسن يرخص
فِي الرجل إِذا أسلم بعد مَا يكبر فيخاف على نَفسه إِن
اختتن أَن لَا يختتن وَكَانَ لَا يرى بِأَكْل ذَبِيحَته
بَأْسا وَأثر إِبْرَاهِيم أخرجه أَبُو بكر الْخلال من
طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ قَالَ: لَا بَأْس بذبيحة الأقلف.
{وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحِهِمْ}
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى:
{وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} إِن المُرَاد من
طعامهم ذَبَائِحهم، وَقَامَ الِاتِّفَاق على أَن المُرَاد
من طعامهم ذَبَائِحهم دون مَا أكلوه لأَنهم يَأْكُلُون
الْميتَة وَلحم الْخِنْزِير وَالدَّم، وَلَا يحل لنا شَيْء
من ذَلِك بِالْإِجْمَاع، وَقد مر هَذَا عَن قريب، وَهَذَا
التَّعْلِيق ذكره هُنَا عِنْد الْمُسْتَمْلِي، وَعند
السَّرخسِيّ والحموي فِي آخر الْبَاب عقيب الحَدِيث
الْمَذْكُور بعده.
5508 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ
حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُغْفَّلٍ
رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ
خَيْبَرَ فَرَمَى إنْسَانٌ بِجرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ
فَنَزَوْتُ لآخذَهُ فَالتَفَتُّ فَإذا النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِيهِ شَحم) وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بَاب مَا يُصِيب من
الْمَغَانِم فِي أَرض الْحَرْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن أبي الْوَلِيد عَن
شُعْبَة إِلَى آخِره. وَأخرجه أَيْضا فِي الْمَغَازِي،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فنزوت) بنُون وزاي أَي: وَثَبت من النزو، وَهُوَ
الوثبة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، فبدرت أَي: سارعت.
وَفِيه: حجَّة على من منع مَا حرم عَلَيْهِم كالشحوم لِأَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقرّ عبد الله بن معفل
على الِانْتِفَاع بالجراب الْمَذْكُور. وَفِيه: جَوَاز أكل
الشَّحْم مِمَّا ذبحه أهل الْكتاب. وَلَو كَانُوا أهل
الْحَرْب.
23 - (بَابُ: {مَا نَدَّ مِنَ البَهَائِمِ فَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ الوَحْشِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مَا ند أَي: نفر من
الْبَهَائِم فَهُوَ أَي الَّذِي ند بِمَنْزِلَة الْوَحْش
أَي: فِي جَوَاز عقره كَيفَ مَا اتّفق.
(21/119)
{وَأجازَهُ ابنُ مَسْعُودٍ}
أَي: أجَاز عبد الله بن مَسْعُود كَون حكم مَا ند من
الْبَهَائِم كَحكم الْحَيَوَان الوحشي فِي الْعقر كَيفَ
مَا كَانَ، وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود مَا
يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنى. قَالَ: حَدثنِي وَكِيع عَن
سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أَن
حمارا لأهل عبد الله ضرب رجل عُنُقه بِالسَّيْفِ، فَسئلَ
عبد الله فَقَالَ: كلوه فَإِنَّمَا هُوَ صيد.
{وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَا أعْجَزَكَ مِنَ البَهَائِمِ
مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ
تَرَدَّى فِي بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ
فَذَكِّهِ}
هَذَانِ أثران معلقان، وصل الأول ابْن أبي شيبَة من طَرِيق
عِكْرِمَة عَنهُ بِهَذَا قَالَ: فَهُوَ بِمَنْزِلَة
الصَّيْد، وَوصل الثَّانِي عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة
عَنهُ قَالَ: إِذا وَقع الْبَعِير فِي الْبِئْر فاطعنه من
قبل خاصرته وَاذْكُر اسْم الله وكل. قَوْله: (مِمَّا فِي
يَديك) أَي: مِمَّا كَانَ لَك، وَفِي تصرفك وعجزت عَن ذبحه
الْمَعْهُود.
{وَرَأي ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ}
ذَلِك إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من أَن حكم الْبَهِيمَة
الَّتِي تند مثل حكم الْحَيَوَان الوحشي، فَرَأى ذَلِك
عَليّ بن أبي طَالب، وَعبد الله بن عمر وَعَائِشَة أم
الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فأثر عَليّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَبُو بكر عَن حَفْص
عَن جَعْفَر عَن أَبِيه أَن ثورا مر فِي بعض دور
الْمَدِينَة فَضَربهُ رجل بِالسَّيْفِ وَذكر اسْم الله
قَالَ: فَسئلَ عَنهُ عَليّ، فَقَالَ: ذَكَاة، وَأمرهمْ
بِأَكْلِهِ وَأثر عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن شُعْبَة وسُفْيَان
كِلَاهُمَا عَن سعيد بن مَسْرُوق عَن عَبَايَة بن رَافع بن
خديج عَنهُ. وَأثر عَائِشَة ذكره ابْن حزم فَقَالَ: هُوَ
أَيْضا قَول عَائِشَة وَلَا يعرف لَهُم من الصَّحَابَة
مُخَالف. قَالَ: وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري
وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر وَأحمد وَإِسْحَاق وأصحابهم
وأصحابنا. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز أَن يذكي أصلا إلاَّ
فِي الْحلق واللبة، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَرَبِيعَة،
وَقَالَ ابْن بطال: وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: لَا تكون
ذَكَاة كل أنسي إلاَّ بِالذبْحِ والنحر، وَإِن شرد لَا يحل
إلاَّ بِمَا يحل بِهِ الصَّيْد.
5509 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا يَحْيَى
حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا أبِي عَنْ عَبَايَةَ بنِ
رِفاعَةَ بنِ رَافِعٍ بنِ خَدِيجٍ عَنْ رافِعٍ بنِ
خَدِيجٍ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إنَّا لاقُو
العَدُوِّ مُدا وَلَيْسَتْ مَعَنَا عدّا. فَقَالَ:
أعْجَلْ. أوْ أرنْ مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْم الله
عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ،
وَسَأُحَدِّثُكَ أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ. وَأمَّ
الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ، وَأصَبْنا نَهْبَ إبِلٍ
وَغَنَمٍ فَنَدَّ مِنْها بَعِيرٌ فَرَماهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ
فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إنَّ لِهاذِهِ الإبِلِ أوَابِدَ كَأوَابِدَ
الوَحْشِ، فَإذا غَلَبَكُمْ مِنْها شَيْءٌ فَافْعَلُوا
بِهِ هاكذا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر
الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَيحيى الْقطَّان، وسُفْيَان
هُوَ الثَّوْريّ يروي عَن أَبِيه سعيد بن مَسْرُوق عَن
عَبَايَة بن رِفَاعَة بن خديج يروي عَن جده رَافع بن خديج
كَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة غَيره.
عَن عَبَايَة بن رَافع بن خديج فنسبه إِلَى جده.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب التَّسْمِيَة على
الذَّبِيحَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن سعيد بن مَسْرُوق وَهُوَ
أَبُو سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَبَايَة إِلَى آخِره،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَقَالَ: أعجل) أَو أرن شكّ من الرَّاوِي أَي:
قَالَ أعجل أَو قَالَ أرن، وإعجل بِكَسْر الْهمزَة
وَسُكُون الْعين وَفتح الْجِيم، أَمر من العجلة ثمَّ إِن
الروَاة اخْتلفُوا فِي ضبط أرن فَفِي رِوَايَة كَرِيمَة
بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون النُّون، وَكَذَا
ضَبطه الْخطابِيّ فِي (سنَن أبي دَاوُد) وَفِي رِوَايَة
أبي ذَر بِسُكُون الرَّاء وَكسر النُّون، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَرِنِي، بِإِثْبَات الْيَاء، وَفِي
رِوَايَة ذكرهَا الْخطابِيّ. فَقَالَ: قَوْله: (إعجل أَو
أرن) صَوَابه ائرن بِوَزْن إعجل من أرن يأرن إِذا خف أَي:
(21/120)
أعجل ذَبحهَا لِئَلَّا تَمُوت حتفا، وَوجه
الْخطابِيّ وَجها آخر وَهُوَ: ائزز، من أزز الرجل إصبعه
فِي الشَّيْء إِذا أدخلها فِيهِ، وأززت الجرادة إِذا أدخلت
ذنبها فِي الأَرْض وادّعى أَن غَيره تَصْحِيف وَأَن هَذَا
هُوَ الصَّوَاب.
قلت: قد أَطَالَ الشُّرَّاح هُنَا كلَاما كثيرا أَكْثَره
على خلاف الْقَوَاعِد الصرفية، وَلم يذكر أحد مِنْهُم
كَيفَ أَعْرَاب: مَا أنهر الدَّم، فَنَقُول بعون الله
وتوفيقه: هُنَا أوجه.
الْوَجْه الأول: رِوَايَة كَرِيمَة أرن بِفَتْح الْهمزَة
وَكسر الرَّاء وَسُكُون النُّون على وزن: إفل لِأَن عين
الْفِعْل حذفت فِي الْأَمر لِأَنَّهُ أَمر من أران يرين،
وَالْأَمر: أرن كأطع من أطَاع يُطِيع، يُقَال: أرأنت
الْقَوْم إِذا هَلَكت مَوَاشِيهمْ وَالْمعْنَى، هُنَا أهلك
الَّذِي تذبحه بِمَا أنهر الدَّم وحرف الصِّلَة مَحْذُوف.
وَالْوَجْه الثَّانِي: رِوَايَة أبي ذَر: أرن، بِسُكُون
الرَّاء وَكسر النُّون قَالَ بَعضهم: بِوَزْن أعْط
بِمَعْنى أَدَم الحز من قَوْلك: رنوت إِذا أدمت النّظر
إِلَى الشَّيْء. قلت: هَذَا غلط فَاحش لِأَن رنوت من بَاب
رنا يرنو رنوا من بَاب نصر ينصر وَالْأَمر فِيهِ لَا
يَأْتِي أَلا ارن بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء مثل
انصر وَلَيْسَ هُوَ الْأَمر من أَرِنِي يرني من بَاب أفعل،
وَالْأَمر مِنْهُ أرن، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء
وَكسر النُّون، وَالْمعْنَى على هَذَا: أنظر مَا أنهر
الدَّم إِلَى الَّذِي تذبحه فَيكون مَحل مَا أنهر الدَّم،
نصبا على أَنه مفعول: أنظر من الإنظار.
الْوَجْه الثَّالِث: رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَرِنِي،
هُوَ مثل مَا قبله غير أَن النُّون لما أشبعت بالكسرة
تولدت مِنْهَا الْيَاء.
الْوَجْه الرَّابِع: مَا قَالَ الْخطابِيّ، وَهُوَ ائزز،
بِكَسْر الْهمزَة الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَفتح
الزَّاي الأولى إِن كَانَ من بَاب: أزز مثل علم فَلَا
يَجِيء الْأَمر مِنْهُ إِلَّا أئزز مثل اعْلَم، وَإِن
كَانَ من أزز الشَّيْء من بَاب نصر ينصر يكون الْأَمر
مِنْهُ أؤزز، بِضَم الْهمزَة الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة
وَضم الزَّاي الأولى فَمَعْنَى الْبَاب الأول الإغراء
والتهييج، وَمعنى الْبَاب الثَّانِي: ضم بعض الشَّيْء
إِلَى بعض.
24 - (بَابُ: {النَّحْرِ وَالذَّبْحِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النَّحْر وَالذّبْح، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر. والذبائح، وَقَالَ بَعضهم: الذَّبَائِح
بِصِيغَة الْجمع وَكَأَنَّهُ جمع بِاعْتِبَار أَنه
الْأَكْثَر. قلت: كل أحد يعرف أَن صِيغَة الذَّبَائِح
صِيغَة جمع، وَقَوله: وَكَأَنَّهُ إِلَى آخِره يشْعر بِأَن
الذَّبَائِح جمع ذبح وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ جمع
ذَبِيحَة، وَمَعَ هَذَا ذكره بِصِيغَة الْجمع لَا طائل
تَحْتَهُ بل قَوْله: وَالذّبْح أحسن مَا يكون لِأَنَّهُ
مصدر يعم كل ذبح فِي كل ذَبِيحَة، وَقَالَ ابْن التِّين:
الأَصْل فِي الْإِبِل النَّحْر، وَفِي الشَّاة وَنَحْوهَا
الذّبْح، وَأما الْبَقر فجَاء فِي الْقُرْآن ذكر ذَبحهَا
وَفِي السّنة ذكر نحرها، وَاخْتلف فِي نحر مَا يذبح وَذبح
مَا ينْحَر، فَأَجَازَهُ الْجُمْهُور وَمنعه ابْن
الْقَاسِم، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: رُوِيَ عَن أبي حنيفَة
وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ جَوَاز
ذَلِك إلاَّ أَنه يكره، وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو
ثَوْر: لَا يكره وَهُوَ قَول عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة
وَقَالَ أَشهب: إِن ذبح بَعِيرًا من غير ضَرُورَة لَا
يُؤْكَل.
{وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: لَا ذَبْحَ وَلا
مَنْحَرَ إلاَّ فِي المَذْبَحِ وَالمَنْحَرِ. قُلْتُ:
أيَجِزىء مَا يُذْبَحُ أنْ أنْحَرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ،
ذَكَرَ الله ذَبْحَ البَقَرَةِ فَإنْ ذَبَحْتَ شَيْئا
يَنْحَرُ جَازَ وَالنَّحْرُ أحَبُّ إلَيَّ، وَالذَّبْحُ
قَطْعُ الأوْدَاجِ. قُلْتُ: فَيُخَلَّفُ الأوْدَاجُ حَتَّى
يَقْطَعَ النِّخاعَ. قَالَ: لَا إخَالُ وَأخْبَرنِي
نَافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ: نَهَى عَنِ النَّخْع، يَقُولُ:
يَقْطَعُ مَا دُونَ العَظْمِ ثُمَّ يَدَعُ حَتَّى تَمُوتَ}
ابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج،
وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح. قَوْله: (لَا ذبح وَلَا
نحر إلاَّ فِي المذبح والمنحر) ، هَذَا لف وَنشر على
التَّرْتِيب، فالذبح والنحر مصدران والمذبح والمنحر اسْم
مَكَان الذّبْح والنحر. قَوْله: (قلت) ، الْقَائِل هُوَ
ابْن جريج. قَوْله: (أيجزىء) ، من الْإِجْزَاء. قَوْله:
(مَا يذبح) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَن أنحر)
على صِيغَة نفس الْمُتَكَلّم وَحده. قَوْله: (ذكر الله)
فعل وفاعل. وَذبح الْبَقَرَة بِالنّصب مَفْعُوله. وَهُوَ
فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا
بقرة} وروت عمْرَة عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت: دخل علينا يَوْم النَّحْر
بِلَحْم فَقيل: نحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
عَن أَزوَاجه الْبَقر فَجَاز فِيهَا الْوَجْهَانِ. قَوْله:
(فَإِن ذبحت) ، شَيْئا خطاب من عَطاء لِابْنِ جريج.
قَوْله: (ينْحَر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:
(والنحر أحب إليَّ) ، من كَلَام عَطاء وإليَّ بتَشْديد
الْيَاء. قَوْله: (وَالذّبْح قطع الْأَوْدَاج) ، تَفْسِير
الذّبْح، والأوداج جمع ودج بِفَتْح
(21/121)
الْوَاو وَالدَّال وبالجيم، وَقَالَ
بَعضهم: وَذكره الْأَوْدَاج فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ إلاَّ ودجان بالتثنية وهما عرقان غليظان متقابلان.
قلت: لما كَانَ الشَّرْط قطع الْعُرُوق الْأَرْبَعَة:
وَهِي الْحُلْقُوم والمريء والودجان أطلق عَلَيْهَا لفظ:
الْأَوْدَاج، بطرِيق الْغَلَبَة وَلِهَذَا ورد فِي بعض
الحَدِيث: أفر الأودج وأنهر بِمَا شِئْت، حَيْثُ أطلق على
الْأَرْبَعَة: الْأَوْدَاج، وأفر، بِالْفَاءِ بِمَعْنى:
اقْطَعْ وَقَالَ الصغافي: الودج عرق فِي الْعُنُق وهما
ودجان. وَقَالَ اللَّيْث: الودج عرق مُتَّصِل من الرَّأْس
إِلَى النَّحْر.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي اشْتِرَاط قطع الْأَوْدَاج كلهَا
فعندنا أَن قطع الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة حل الْأكل
وَإِن قطع أَكْثَرهَا فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة. وَقَالَ
أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بُد من قطع الْحُلْقُوم
والمريء وَأحد الودجين حَتَّى لَو قطع بعض الْحُلْقُوم أَو
المريء لم يحل، هَكَذَا ذكر الْقَدُورِيّ الإختلاف فِي
(مُخْتَصره) وَالْمَشْهُور فِي كتب مَشَايِخنَا أَن هَذَا
قَول أبي يُوسُف وَحده، وَالْحَاصِل أَن عِنْد أبي حنيفَة:
إِذا قطع الثَّلَاث أَي: ثَلَاث كَانَ من الْأَرْبَعَة
جَازَ وَعَن أبي يُوسُف ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهَا:
هَذِه. وَالثَّانيَِة: اشْتِرَاط قطع الْحُلْقُوم مَعَ
الآخرين. وَالثَّالِثَة: اشْتِرَاط قطع الْحُلْقُوم والمري
وَأحد الودجين وَعَن مُحَمَّد: يعْتَبر أَكثر كل فَرد،
يَعْنِي: أَكثر كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة، وَفِي (وجيز
الشَّافِعِيَّة) يعْتَبر قطع الْحُلْقُوم والمريء دون
الآخرين، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَعَن الاصطخري يَكْفِي قطع
الْحُلْقُوم أَو المريء وَفِي (الْحِلْية) هَذَا خلاف نَص
الشَّافِعِي وَخلاف الْإِجْمَاع، وَعَن الثَّوْريّ: إِن
قطع الودجان أَجْزَأَ وَلَو لم يَقع الْحُلْقُوم والمري،
وَعَن مَالك وَاللَّيْث يشْتَرط قطع الودجين والحلقوم
فَقَط.
قَوْله قلت: (فيخلف الْأَوْدَاج) ، الْقَائِل هُوَ ابْن
جريج سَأَلَ عَطاء بقوله: فيخلف الْأَوْدَاج على صِيغَة
الْمَجْهُول يَعْنِي: تتْرك الْأَوْدَاج وَلَا يَكْتَفِي
بقطعها حَتَّى يقطع النخاع، بِتَثْلِيث النُّون، وَهُوَ
خيط أَبيض يكون دَاخل عظم الرَّقَبَة وَيكون ممتدا إِلَى
الصلب حَتَّى يبلغ عجب الذَّنب. هَكَذَا فسره
الْكرْمَانِي، وَهَذَا أَخذه من صَاحب (الْمغرب) فَإِنَّهُ
فسره هَكَذَا، ورد عَلَيْهِ بعض أَصْحَابنَا بِأَن بدن
الْحَيَوَان مركب من عِظَام، وأعصاب وعروق وشرايين وأوتار
وَمَا ثمَّة شَيْء يُسمى بالخيط أصلا وَقَالَ الْكَرْخِي
فِي (مُخْتَصره) وَيكرهُ إِذا ذَبحهَا أَن يبلغ النخاع
وَهُوَ الْعرق الْأَبْيَض الَّذِي يكون فِي عظم
الرَّقَبَة. قَوْله: (قَالَ لَا إخال) أَي: قَالَ عَطاء:
لَا أَظن وإخال بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وَالْكَسْر
أفْصح. قَوْله: (وَأَخْبرنِي نَافِع) هَذَا من كَلَام ابْن
جريج أَي: قَالَ ابْن جريج، وَأَخْبرنِي مولى ابْن عمرَان
بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نهى عَن النخع
بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ
أَن يَنْتَهِي بِالذبْحِ إِلَى النخاع. وَقَالَ اصحب
(الْهِدَايَة) وَمن بلغ بالسكين النخاع أَو قطع الرَّأْس
كره لَهُ ذَلِك، وتؤكل ذَبِيحَته وَأما الْكَرَاهَة
فَلَمَّا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أَنه نهى أَن تنخع الشَّاة إِذا ذبحت. قلت: هَذَا رَوَاهُ
مُحَمَّد بن الْحسن فِي (كتاب الصَّيْد) من الأَصْل عَن
سعيد بن الْمسيب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهُوَ مُرْسل، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه)
حَدثنَا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحَارِث حَدثنَا أَبُو
الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا عبد الحميد بهْرَام عَن
شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن
الذَّبِيحَة أَن تفرس، وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ
فِي (غَرِيب الحَدِيث) الْفرس أَن تذبح الشَّاة فتنخع.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْفرس النخع، يُقَال: فرست
الشَّاة ونخعتها، وَذَلِكَ أَن يَنْتَهِي الذَّابِح إِلَى
النخاع. قَوْله: (يَقُول) إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى
تَفْسِير النخع وَهُوَ قطع مَا دون الْعظم ثمَّ يدع أَي:
ثمَّ يتْرك حَتَّى يَمُوت.
{وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
إنَّ الله يَأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة} وَقَالَ:
{فَذَبَحُوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: النَّحْر
وَالذّبْح المجروران بِالْإِضَافَة والعطف، تَقْدِيره:
بَاب فِي بَيَان النَّحْر وَالذّبْح، وَفِي بَيَان قَول
الله عز وَجل: {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} إِلَى
آخِره، وَهَذَا من تَمام التَّرْجَمَة وفيهَا إِشْعَار
بِأَن الْبَقَرَة لَهَا اخْتِصَاص بِالذبْحِ قَوْله: (إِذا
قَالَ) أَي: اذكر يَا مُحَمَّد حِين (قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ إِن الله يَأْمُركُمْ) . وَقَالَ أَبُو عبد
الله. وَكَانَ نزُول قصَّة الْبَقَرَة على مُوسَى،
عَلَيْهِ السَّلَام، فِي أَمر الْقَتِيل قبل نزُول
الْقسَامَة فِي الْقَتِيل، وقصته مَشْهُورَة. قَوْله:
(وَقَالَ فذبحوها) أَي: الْبَقَرَة الَّتِي جاؤوا بهَا على
الْوَصْف الْمَذْكُور الَّذِي وَصفه الله تَعَالَى.
قَوْله: {وَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} لِكَثْرَة ثمنهَا.
وَقيل: خوف الفضيحة إِن اطلع الله على قَاتل النَّفس
الَّذِي اخْتَصَمُوا فِيهِ.
{وَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ
الذَّكاةُ فِي الحَلْقِ وَاللَّبَّةِ}
(21/122)
أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس: الذَّكَاة فِي الْحلق واللبة. قَالَ بَعضهم:
اللبة، بِكَسْر اللَّام وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة:
هِيَ مَوضِع القلادة من الصَّدْر وَهِي المنحر قلت: لَيست
اللبة بِكَسْر اللَّام وَإِنَّمَا هِيَ بِفَتْحِهَا
وَقَالَ الدودى: هِيَ أَعلَى الْعُنُق مَا دون الخرزة.
وَفِي (الْمَبْسُوط) مَا بَين اللبة واللحيين، واللبة رَأس
الصَّدْر، واللحيان الذقن، وَفِي الْجَامِع (الصَّغِير)
لَا بَأْس بِالذبْحِ فِي الْحلق كُله وَسطه وَأَعلاهُ
وأسفله، وَقَول ابْن عَبَّاس الذَّكَاة فِي الْحلق واللبة
أَي: بَين الْحلق واللبة وَكلمَة فِي بِمَعْنى: بَين كَمَا
فِي قَوْله تَعَالَى: {فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: 29)
أَي: بَين عبَادي وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، رَوَاهُ أَبُو بكر عَن ابْن
الْمُبَارك عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَنهُ.
{وَقَالَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبَّاسٍ وَأنَسٌ: إذَا
قَطَعَ الرَّأْسَ فَلا بَأْسَ}
أثر ابْن عمر وَصله أَبُو مُوسَى الزَّمن من رِوَايَة أبي
مجَاز: سَأَلت ابْن عمر عَن ذَبِيحَة قطع رَأسهَا؟ فَأمر
ابْن عمر بأكلها وَأثر ابْن عَبَّاس وَصله ابْن أبي شيبَة
بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ عَن ذبح دجَاجَة
طير رَأسهَا. فَقَالَ: ذَكَاة وحية بِفَتْح الْوَاو وَكسر
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي:
شَرِيعَة منسوبة إِلَى الوحاء وَهُوَ الْإِسْرَاع والعجلة،
وَأثر أنس بن مَالك وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة من
طَرِيق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أَن جزارا لأنس ذبح
دجَاجَة فاضطربت فذبحها من قفاها فأطار رَأسهَا فأرادوا
طرحها فَأَمرهمْ أنس بأكلها.
5510 - حدَّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى حدَّثنا سُفْيَانُ
عَنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةِ قَالَ: أخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ
بِنْتُ المُنْذِرِ امْرَأَتِي عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي
بَكْرٍ، رَضِيَ الله عَنْهُما، قَالَتْ: نَحَرْنا عَلَى
عهد النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَساً
فَأَكَلْناهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وخلاد بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام ابْن يحيى بن صَفْوَان
أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي سكن مَكَّة وَمَات
بهَا قَرِيبا من سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ،
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَفَاطِمَة بنت الْمُنْذر
زَوْجَة هِشَام الرَّاوِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح أَيْضا عَن
مُحَمَّد بن نمير وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
عِيسَى بن أَحْمد وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن
أبي بكر بن أبي شيبَة. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: حكم الْخَيل
فِي الذَّكَاة حكم الْبَقر يُرِيد أَنَّهَا تنحر وتذبح
وَأَن الْأَحْسَن فِيهَا الذّبْح.
وَفِيه حجَّة للشَّافِعِيّ، وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد بن
الْحسن على جَوَاز أكل لحم الْخَيل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة
وَمَالك يكره كَرَاهَة تَحْرِيم، وَقيل: تَنْزِيه.
5511 - حدَّثنا إسْحَاقُ سَمِعَ عَبْدَةَ عَنْ هِشامٍ عَنْ
فَاطِمَةَ عَنْ أسْمَاءَ قَالَتْ: ذَبَحْنا عَلى عَهْدِ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَسا وَنَحْنُ
بِالمَدِينَةِ فَأكَلْناهُ.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه إِسْحَاق قَالَ الكلاباذي:
لَعَلَّه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَعَبدَة بِفَتْح الْعين
وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سُلَيْمَان إِلَى
آخِره، وَهنا قَالَ: ذبحنا وَفِي الحَدِيث السَّابِق
قَالَ: نحرنا، وَجه الْجمع بَينهمَا أَنهم مرّة نحروها
وَمرَّة ذبحوها أَو أحد اللَّفْظَيْنِ مجَاز وَالْأول هُوَ
الصَّحِيح الْمعول عَلَيْهِ إِذْ لَا يعدل إِلَى الْمجَاز
إلاَّ إِذا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة، وَلَا تعذر هَاهُنَا.
بل فِي الْحَقِيقَة فَائِدَة وَهِي ذبح المنحور وَنحر
الْمَذْبُوح، وَقيل: هَذَا الِاخْتِلَاف على هِشَام،
وَفِيه إِشْعَار بِأَنَّهُ تَارَة يرويهِ بِلَفْظ: نحرنا،
وَتارَة بِلَفْظ: ذبحنا، وَهُوَ مصير مِنْهُ إِلَى
اسْتِوَاء اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَعْنى، وَإِن النَّحْر
يُطلق على الذّبْح، وَالذّبْح يُطلق على النَّحْر.
5512 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا جَرِيرٌ عَنْ هِشامٍ
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ أنَّ أسْمَاءَ بِنْتَ
أبِي بَكْرٍ قَالَتْ: نَحَرْنا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَسا فَأكَلْناهُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، أخرجه عَن
قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد إِلَى آخِره.
{تَابَعَهُ وَكِيعٌ وَابنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ: فِي
النَّحْرِ}
أَي: تَابع جَرِيرًا وَكِيع وسُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
هِشَام فِي لفظ النَّحْر، فرواية وَكِيع أخرجهَا أَحْمد
عَنهُ بِلَفْظ: نحرنا، وَكَذَلِكَ
(21/123)
مُسلم أخرجه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن
نمير عَن أَبِيه وَحَفْص بن غياث ووكيع، ثَلَاثَتهمْ عَن
هِشَام بِلَفْظ: نحرنا وَرِوَايَة ابْن عُيَيْنَة أخرجهَا
البُخَارِيّ بعد بَابَيْنِ عَن الحمدي عَن سُفْيَان عَن
هِشَام إِلَى آخِره بِلَفْظ: نحرنا.
25 - (بَابُ: {مَا يُكْرَهُ مِنَ المُثْلَةِ
وَالمَصْبُورَةِ وَالمُجَثَّمَةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة الْمثلَة بِضَم
الْمِيم وَهُوَ قطع أَطْرَاف الْحَيَوَان أَو بَعْضهَا
يُقَال: مثل بِالْحَيَوَانِ يمثل مثلا كَقَتل يقتل قتلا
إِذا قطع أَطْرَافه أَو أَنفه أَو أُذُنه وَنَحْو ذَلِك،
والمثلة الِاسْم. قَوْله: (والمصبورة) ، هِيَ الدَّابَّة
الَّتِي تحبس وَهِي حَيَّة لتقتل بِالرَّمْي وَنَحْوه،
(وَالْمُجَثمَة) بِالْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة
الْمَفْتُوحَة الَّتِي تجثم ثمَّ ترمى حَتَّى تقتل، وَقيل:
إِنَّهَا فِي الطير خَاصَّة والأرنب وَأَشْبَاه ذَلِك.
وَقَالَ الْخطابِيّ: الْمُجثمَة هِيَ المصبورة بِعَينهَا.
وَقَالَ: بَين الْمُجثمَة والجاثمة فرق لِأَن الجاثمة هِيَ
الَّتِي جثمت بِنَفسِهَا فَإِذا صيدت على تِلْكَ الْحَال
لم تحرم، وَالْمُجَثمَة هِيَ الَّتِي ربطت وحبست قهرا وروى
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء قَالَ: نهى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أكل الْمُجثمَة
وَهِي الَّتِي تصبر بِالنَّبلِ، وَقَالَ: حَدِيث غَرِيب
وَهُوَ من أَفْرَاده وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث
الْعِرْبَاض بن سَارِيَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، نهى يَوْم خَيْبَر عَن كل ذِي نَاب من
السَّبع وَعَن كل ذِي مخلب من الطير وَعَن لُحُوم الْحمر
الْأَهْلِيَّة وَعَن الْمُجثمَة وَعَن الخليسة وَأَن تُوطأ
الحبالى حَتَّى يَضعن مَا فِي بطونهن. قَالَ مُحَمَّد بن
يحيى هُوَ شيخ التِّرْمِذِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث سَأَلَ
أَبُو عَاصِم عَن الْمُجثمَة فَقَالَ: أَن ينصب الطير أَو
الشَّيْء فَيرمى وَسُئِلَ عَن الخليسة فَقَالَ: الذِّئْب
أَو السَّبع يُدْرِكهُ الرجل فَيَأْخُذ مِنْهُ فَيَمُوت
فِي يَده قبل أَن يذكيه. قلت: الخليسة، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وَسُكُون الْبَاء آخر
الْحُرُوف وبسين مُهْملَة وَهِي فعيلة بِمَعْنى مفعولة،
والجثوم من جثم الطَّائِر جثوما إِذا لزم الأَرْض والتصق
بهَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَة البروك لِلْإِبِلِ.
5513 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ
هِشام بنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أنَسٍ عَلَى
الحَكَمِ بنِ أيُّوبَ فَرَأى غِلْمانا أوْ فِتْيانا
نَصَبُوا دَجَاجَةَ يَرْمُونَها. فَقَالَ أنَسٌ: نَهَى
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ تُصبَرَ
البَهَائِمُ.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَهِشَام
بن زيد بن أنس بن مَالك يروي عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن أبي مُوسَى
عَن غنْدر وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَضَاحِي
عَن أبي الْوَلِيد، وَفِيه قصَّة أُخْرَى. وَأخرجه ابْن
مَاجَه عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع.
قَوْله: (على الحكم بن أَيُّوب) ، بن أبي عقيل الثَّقَفِيّ
ابْن عَم الْحجَّاج بن يُوسُف نَائِبه على الْبَصْرَة
وَزوج أُخْت زَيْنَب بنت يُوسُف، وَهُوَ الَّذِي يَقُول
فِيهِ جرير يمدحه:
(حَتَّى انخناها على بَاب الحكم ... خَليفَة الْحجَّاج غير
الْمُتَّهم)
وَقع ذكره فِي عدَّة أَحَادِيث، وَكَانَ يضاهي فِي الْجور
ابْن عَمه. قَوْله: (وفتيانا) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله:
(أَن تصبر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: تحبس لترمى
حَتَّى تَمُوت، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَضْييع لِلْمَالِ
وتعذيب للحيوان. وَأخرج الْعقيلِيّ فِي (الضُّعَفَاء) من
طَرِيق الْحسن عَن سَمُرَة. قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أَن تصبر الْبَهِيمَة وَأَن يُؤْكَل
لَحمهَا إِذا صبرت وَقَالَ الْعقيلِيّ: جَاءَ فِي النَّهْي
عَن صَبر الْبَهِيمَة أَحَادِيث جيادا وَأما النَّهْي عَن
أكلهَا فَلَا يعرف إلاَّ فِي هَذَا. وَقَالَ شَيخنَا فِي
(شرح التِّرْمِذِيّ) فِيهِ تَحْرِيم أكل المصبورة
لِأَنَّهُ قتل مَقْدُور عَلَيْهِ بِغَيْر ذَكَاة
شَرْعِيَّة. قلت: إِن أدْركْت وذكيت فَلَا بَأْس كَمَا فِي
الْمَقْتُول بالبندقة.
5514 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ أخْبَرَنَا إسْحَاقَ
بنُ سَعِيدِ بنِ عَمَرو عَنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَهُ
يُحَدِّثُ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما. أنَّهُ
دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ وَغُلامٌ مِنْ بَنِي
يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا فَمَشَى إلَيْها
ابنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّها، ثُمَّ أقْبَل بِها
وَبِالْغُلام مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلامَكُمْ عَنْ
أنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَيْرَ لِلْقَتْلِ فَإنِّي سَمِعْتُ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى أنْ تُصْبَرَ
بِهِيمَةٌ أوْ غَيْرُها لِلْقَتْلِ.
(21/124)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن
يَعْقُوب المَسْعُودِيّ الْكُوفِي، وَإِسْحَاق بن سعيد
يروي عَن أَبِيه سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ
الْأمَوِي، وَهُوَ أَخُو عَمْرو الْمَعْرُوف بالأشدق،
وَسَعِيد هَذَا يروي عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَغُلَام من بني يحيى) . يَعْنِي: ابْن سعيد
الْمَذْكُور، وَكَانَ ليحيى أَوْلَاد ذُكُور وهم: عُثْمَان
وعنبسة وَأَبَان وَإِسْمَاعِيل وَسَعِيد وَمُحَمّد
وَهِشَام وَعَمْرو، وَكَانَ يحيى بن سعيد قد ولى إمرة
الْمَدِينَة مرّة كَذَلِك أَخُوهُ عمر. وَقَوله: (حَتَّى
حلهَا) بتَشْديد اللَّام هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني
وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: حملهَا من
الحملان، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي
نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) ، فَحل الدَّجَاجَة انْتهى.
قَوْله: (غلامكم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: غِلْمَانكُمْ
قَوْله: (عَن أَن يصبر) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن
يصبروا قَوْله: (هَذَا الطير) قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا
على لُغَة قَليلَة فِي إِطْلَاق الطير على الْوَاحِد
وإلاَّ فَالْمَشْهُور أَن الْوَاحِد يُقَال لَهُ:
الطَّائِر، وَالْجمع: الطير. وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ هُنَا
مُحْتَمل لإِرَادَة الْجمع، بل الأولى أَنه لإِرَادَة
الْجِنْس. قلت: هَذَا غير موجه لِأَنَّهُ أَشَارَ بقوله:
هَذَا الطير. إِلَى قَوْله: دجا جة، وَهِي وَاحِدَة فَكيف
يحْتَمل إِرَادَة الْجمع ودعواه الْأَوْلَوِيَّة لإِرَادَة
الْجِنْس أبعد من الأول لِأَن الْإِشَارَة إِلَيْهَا
تنَافِي ذَلِك على مَا لَا يخفى. قَوْله: (وَغَيرهَا) ،
فلفظة أَو هُنَا للتنويع لَا للشَّكّ فَيتَنَاوَل
الطُّيُور والبهائم.
5515 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ
عَنْ أبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ. قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابنِ عُمَرَ فَمَرُّوا بِفَتِيَةٍ أوْ
بِنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَلَمَّا
رَأوُا ابنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْها. وَقَالَ ابنُ
عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هاذا؟ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هاذا.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة فَإِن المنصوبة هِيَ
المصبرة وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَأَبُو
عوَانَة الوضاح، وَأَبُو بشر جَعْفَر بن أبي وحشية وَهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه لمتون أُخْرَى قد مر غير مرّة.
قَوْله: (بفتية) ، جمع فَتى. قَوْله: (وبنفر) ، شكّ من
الرَّاوِي، وَهُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم
جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين
الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه
قَوْله: (من فعل هَذَا) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى نصبهم
دجَاجَة للرمي، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لعن الله من اتخذ
شَيْئا فِيهِ الرّوح فرضا بالمعجمتين وَفتح الرَّاء،
وَهُوَ الَّذِي ينصب للرمي، وَفِي رِوَايَة مُسلم وَابْن
مَاجَه من حَدِيث جَابر بن عبد الله يَقُول: نهى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يقتل شَيْء من
الدَّوَابّ صبرا وروى الْبَزَّار من حَدِيث سَمُرَة أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا
تَتَّخِذُوا شَيْئا فِيهِ الرّوح غَرضا وروى
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على قوم من
الْأَنْصَار يرْمونَ حمامة فَقَالَ: لَا تَتَّخِذُوا
الرّوح عرضا. وَإِسْنَاده حسن، وروى النَّسَائِيّ من
حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: مر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، على نَاس وهم يرْمونَ كَبْشًا
بِالنَّبلِ، فكره ذَلِك، فَقَالَ: لَا تمثلوا بالبهائم
وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ. قَالَ:
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يمثل
بالبهائم وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من حَدِيث أبي
أَيُّوب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، نهى عَن صَبر الْبَهِيمَة.
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ {حدَّثنا المِنْهالُ
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ لَعَنَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ}
أَي: تَابع أَبَا بشر الْمَذْكُور سُلَيْمَان بن حَرْب،
وَرَوَاهُ عَن شُعْبَة عَن الْمنْهَال بِكَسْر الْمِيم
ابْن عَمْرو عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَمْرو، وصل
هَذِه الْمُتَابَعَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل
بن إِسْحَاق القَاضِي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. قَوْله:
(من مثل) ، بِالتَّشْدِيدِ أَي: صيره مثلَة.
{وَقَالَ عَدِيٌّ: عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم}
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن عدي بن ثَابت خَالف أَبَا بشر
والمنهال فروى الحَدِيث الْمَذْكُور عَن سعيد بن جُبَير
عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من
رِوَايَة شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن
ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه
قَالَ: (لَا تَتَّخِذُوا شَيْئا فِيهِ الرّوح عرضا) ،
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) وَالنَّسَائِيّ من
رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة
عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الثَّوْريّ عَن سماك
عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يتَّخذ شَيْء فِيهِ الرّوح
غَرضا.
(21/125)
5515 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ
عَنْ أبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ. قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابنِ عُمَرَ فَمَرُّوا بِفَتِيَةٍ أوْ
بِنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَلَمَّا
رَأوُا ابنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْها. وَقَالَ ابنُ
عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هاذا؟ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هاذا.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة فَإِن المنصوبة هِيَ
المصبرة وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَأَبُو
عوَانَة الوضاح، وَأَبُو بشر جَعْفَر بن أبي وحشية وَهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه لمتون أُخْرَى قد مر غير مرّة.
قَوْله: (بفتية) ، جمع فَتى. قَوْله: (وبنفر) ، شكّ من
الرَّاوِي، وَهُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم
جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين
الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه
قَوْله: (من فعل هَذَا) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى نصبهم
دجَاجَة للرمي، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لعن الله من اتخذ
شَيْئا فِيهِ الرّوح فرضا بالمعجمتين وَفتح الرَّاء،
وَهُوَ الَّذِي ينصب للرمي، وَفِي رِوَايَة مُسلم وَابْن
مَاجَه من حَدِيث جَابر بن عبد الله يَقُول: نهى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يقتل شَيْء من
الدَّوَابّ صبرا وروى الْبَزَّار من حَدِيث سَمُرَة أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا
تَتَّخِذُوا شَيْئا فِيهِ الرّوح غَرضا وروى
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على قوم من
الْأَنْصَار يرْمونَ حمامة فَقَالَ: لَا تَتَّخِذُوا
الرّوح عرضا. وَإِسْنَاده حسن، وروى النَّسَائِيّ من
حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: مر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، على نَاس وهم يرْمونَ كَبْشًا
بِالنَّبلِ، فكره ذَلِك، فَقَالَ: لَا تمثلوا بالبهائم
وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ. قَالَ:
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يمثل
بالبهائم وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من حَدِيث أبي
أَيُّوب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، نهى عَن صَبر الْبَهِيمَة.
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ {حدَّثنا المِنْهالُ
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ لَعَنَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ}
أَي: تَابع أَبَا بشر الْمَذْكُور سُلَيْمَان بن حَرْب،
وَرَوَاهُ عَن شُعْبَة عَن الْمنْهَال بِكَسْر الْمِيم
ابْن عَمْرو عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَمْرو، وصل
هَذِه الْمُتَابَعَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل
بن إِسْحَاق القَاضِي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. قَوْله:
(من مثل) ، بِالتَّشْدِيدِ أَي: صيره مثلَة.
{وَقَالَ عَدِيٌّ: عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم}
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن عدي بن ثَابت خَالف أَبَا بشر
والمنهال فروى الحَدِيث الْمَذْكُور عَن سعيد بن جُبَير
عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من
رِوَايَة شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن
ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه
قَالَ: (لَا تَتَّخِذُوا شَيْئا فِيهِ الرّوح عرضا) ،
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) وَالنَّسَائِيّ من
رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة
عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الثَّوْريّ عَن سماك
عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يتَّخذ شَيْء فِيهِ الرّوح
غَرضا.
5516 - حدَّثنا حَجَّاجُ بن مِنهالٍ حدَّثنا شُعْبَةُ
قَالَ: أخْبرَنِي عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ الله بنَ يَزِيدَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أنَّهُ نَهَى عَنِ النُّهْبَةِ وَالمُثْلَةِ.
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الله بن
يزِيد بن زيد الخطمي الْأنْصَارِيّ أَمِير الْكُوفَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب النَّهْي
بِغَيْر إِذن صَاحبه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم بن
أبي إِيَاس عَن شُعْبَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (النهبة) ، بِضَم النُّون وَسُكُون الْهَاء ويروى
عَن النَّهْي مَقْصُورا وَهُوَ أَخذ مَال الْغَيْر قهرا
جَهرا وَمِنْه أَخذ مَال الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة
اختطافا بِغَيْر تَسْوِيَة انْتهى. |