عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 26 - (بَابُ: {الدَّجاجِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أكل الدَّجَاج وَفِي بعض
النّسخ: بَاب لحم الدَّجَاج، مثلث الدَّال وَقيل: الضَّم
ضَعِيف، وَهُوَ اسْم جنس والواحدة دجَاجَة وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: دَخَلتهَا الْهَاء الْمُوَحدَة مثل
الْحَمَامَة وَعَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَن الدَّجَاج
بِالْكَسْرِ إسم للذكران دون الْإِنَاث، والواحدة مِنْهَا
ديك وبالفتح الْإِنَاث دون الذكران والواحدة دجَاجَة.
قَالَ: وسمى بِهِ لإسراعه فِي الإقبال والإدبار من دج يدج
إِذا أسْرع.
5517 - حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا وكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ
عَنْ أيُّوبَ عَنْ أبِي قِلابَةَ عَنْ زَهْدَمٍ
الجَرْمِيِّ عَنْ أبِي مُوسَى. يَعْنِي: الأشْعَرِيَّ
رَضِيَ الله عَنه. قَالَ: رَأيْتُ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يَأْكُلُ دَجاجا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَيحيى. قَالَ
الْكرْمَانِي: قيل: هُوَ إِمَّا ابْن مُوسَى وَإِمَّا ابْن
جَعْفَر. قلت: قَالَ ابْن السكن: أَنه ابْن مُوسَى
الْبَلْخِي، وَجزم الكلاباذي وَأَبُو نعيم بِأَنَّهُ ابْن
جَعْفَر بن أعين أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي،
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ،
وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الجزمي،
وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء بن مضرب الْجرْمِي
بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء نِسْبَة إِلَى جرم بطن
من قضاعة وجرم أَيْضا بطن من طي، وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ سوى حديثين: هَذَا الحَدِيث وَقد أخرجه فِي
مَوَاضِع، وَحَدِيث آخر عَن عمرَان بن حُصَيْن مضى فِي
المناقب، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس.
وَأخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع مِنْهَا فِي الْمَغَازِي
فِي: بَاب قدوم الْأَشْعَرِيين وَأهل الْيمن، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن عبد السَّلَام عَن أَيُّوب
عَن أبي قلاب عَن زَهْدَم إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ، وَرَوَاهُ هُنَا مُخْتَصرا.
5518 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ
حدَّثنا أيُّوبُ بنُ أبِي تَمِيمَةَ عَنِ القَاسِمِ عَنْ
زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ
وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذا الحِيِّ مِنْ جَرْمِ
إخاءٌ، فَأُتِيَ بِطَعامٍ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَفِي
القَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أحْمَرُ فَلَمْ يَدْنُ مِنْ
طَعَامِهِ قَالَ: ادْنُ فَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأكُلُ مِنْهُ. قَالَ: إنِّي
رَأيْتُهُ أكَلَ شَيْئا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أنْ لَا
آكُلَهُ. فَقَالَ: أدْنُ أُخْبِرْكَ أنْ أُحَدِّثْكَ إنِّي
أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي نَفَرٍ مِنَ
الأشْعَرِيِّينَ فَوَافَقُتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَهُوَ
يَقْسِمُ نَعَما مِنْ نَعَمِ الصَّدَّقَةِ
فَاسْتَحْمَلْناهُ فَحَلَفَ أنْ لَا يَحْمِلْنا قَالَ: مَا
عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَّ رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِنَهْبٍ مِنْ إبِلٍ
فَقَالَ: أيْنَ الأشْعَرِيُّونَ أيْنَ الأشْعَرِيُّونَ؟
قَالَ: فَأعْطانا خَمْسَ ذَوْدٍ غرَّ الذُّرَي، فَلَبِثْنا
غَيْرَ بَعِيدٍ فَقُلْتُ لأصْحَابِي: نَسِيَ رَسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَمِينَهُ فَوَالله لَئِنْ
تَفَفَّلْنا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يَمِينَهُ لَا نُفْلِحُ أبَدا فَرَجَعْنا إلَى النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله {إنَّا
اسْتَحْمَلْنَاكَ فَحَلَفْت أنْ لَا تَحْمِلَنا فَظَنَنَّا
أنَّكَ نَسِيت يَمِينَكَ}
(21/126)
فَقَالَ: إنَّ الله هُوَ حَمَلَكُمْ إنَّي
وَالله إنْ شَاءَ الله لَا أحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأرَى
غَيْرَها خَيْرا مِنْها إلاَّ أتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ
وَتَحَلَّلْتُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر بِفَتْح
الميمين عبد الله بن عَمْرو المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد
الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَذكره هُنَا بكنية أَبِيه أبي تَمِيمَة
واسْمه كيسَان أَبُو بكر الْبَصْرِيّ، وَالقَاسِم ابْن
عَاصِم الْكَلْبِيّ التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، وَهنا روى
أَيُّوب عَن الْقَاسِم عَن زَهْدَم، وَفِي الرِّوَايَة
الَّتِي سبقت عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن زَهْدَم.
وَمضى الحَدِيث فِي: بَاب قدوم الْأَشْعَرِيين وَمضى
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (بَيْننَا وَبَين هَذَا الْحَيّ) ، هَكَذَا وَقع
فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَقَالَ ابْن التِّين: بَيْننَا
وَبَينه هَذَا الْحَيّ، وَهَذَا الْحَيّ بِالْجَرِّ بَدَلا
من الضَّمِير فِي بَينه، قيل: رد هَذَا لفساد الْمَعْنى
لِأَنَّهُ يصير تَقْدِير الْكَلَام أَن زَهْدَم الْجرْمِي
قَالَ: كَانَ بَيْننَا وَبَين هَذَا الْحَيّ من جرم أخاء،
وَلَيْسَ المُرَاد، إِنَّمَا المُرَاد أَن أَبَا مُوسَى
وَقَومه الْأَشْعَرِيين كَانُوا أهل مَوَدَّة وإخاء لقوم
زَهْدَم، وهم بَنو جرم. قَوْله: (إخاء) ، بِكَسْر الْهمزَة
وَالْمدّ أَي: مؤاخاة. وَقَالَ ابْن التِّين ضَبطه بَعضهم
بِالْقصرِ وَهُوَ خطأ انْتهى قَوْله: (أَحْمَر) أَي:
أَحْمَر اللَّوْن، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد، رجل من
بني تيم الله أَحْمَر كَأَنَّهُ من الموَالِي، أَي:
الْعَجم. قيل: هَذَا الرجل هُوَ زَهْدَم الرَّاوِي أبهم
نَفسه. فَإِن قلت: وَقد وصف الرجل فِي رِوَايَة حَمَّاد
بِأَنَّهُ من تيم الله، وزهدم من بني جرم. قلت: لَا يعد
فِي هَذَا لِأَنَّهُ يَصح أَن ينْسب زَهْدَم تَارَة إِلَى
بني تيم الله وَتارَة إِلَى بني جرم، وَقد روى أَحْمد
هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي عَن
سُفْيَان الثَّوْريّ، فَقَالَ فِي رِوَايَته: رجل من بني
تيم الله. يُقَال لَهُ: زَهْدَم قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي
مُوسَى فَأتى بِلَحْم دَجَاج. قَوْله: (فقذِرته) ، بِكَسْر
الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتحهَا. أَي: كرهته، وَفِي
رِوَايَة أبي عوَانَة إِنِّي رَأَيْتهَا تَأْكُل قذرا.
قَوْله: (فَقَالَ: أدن أخْبرك) ، كَذَا هُوَ عِنْد
الْأَكْثَرين أَمر من الدنو. وَوَقع عِنْد الْمُسْتَمْلِي
والسرخسي: إِذن، بِكَسْر الْهمزَة وبذال مُعْجمَة مَعَ
التَّنْوِين وَهُوَ تَحْرِيف، فعلى الأول: أخْبرك مجزوم
وعَلى الثَّانِي مَنْصُور. قَوْله: (أَو أحَدثك) شكّ من
الرَّاوِي. قَوْله: (خمس ذود) ، بِفَتْح الذَّال
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة،
وَهُوَ من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة.
وَقَوله: (خمس ذود) بِالْإِضَافَة، واستنكره أَبُو
الْبَقَاء فِي (غَرِيبه) فَقَالَ: الصَّوَاب تَنْوِين خمس،
وَأَن يكون ذود بَدَلا من خمس فَإِنَّهُ لَو كَانَ من غير
تَنْوِين لتغير الْمَعْنى لِأَن الْعدَد الْمُضَاف غير
الْمُضَاف إِلَيْهِ، فَيلْزم أَن يكون خمس ذود خَمْسَة عشر
بَعِيرًا لِأَن الْإِبِل الذود ثَلَاثَة ورده بَعضهم
بقوله: وَلَكِن عدد الْإِبِل خَمْسَة عشر بَعِيرًا فَمَا
الَّذِي يضر؟ وَقد ثَبت فِي بعض طرقه خُذ هذَيْن القرنين
وهذين القرينين، إِلَى أَن عد سِتّ مَرَّات قلت: رده
مَرْدُود عَلَيْهِ لِأَن أَبَا الْبَقَاء إِنَّمَا قَالَ
مَا قَالَه فِي هَذِه الرِّوَايَة وَلم يقل: إِن الَّذِي
قَالَه يَتَأَتَّى فِي جَمِيع طرق هَذَا الحَدِيث. قَوْله:
(غر الذرى) الغر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة جمع أغر
وَهُوَ الْأَبْيَض، والذرى، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة
وَالْقصر جمع ذرْوَة، وذروة كل شَيْء أَعْلَاهُ،
وَالْمرَاد هُنَا أسنمة الْإِبِل، ولعلها كَانَت بَيْضَاء
حَقِيقَة أَو أَرَادَ وصفهَا بِأَنَّهَا لَا عِلّة فِيهَا
وَلَا دبر. قَوْله: (فاستحملناه) أَي: طلبنا مِنْهُ إبِلا
تحملنا. قَوْله: (تغفلنا) أَي: طلبنا غفلته أَو سألناه فِي
وَقت شغله. قَوْله: (حملكم) أَي: سَاق هَذَا النهب
إِلَيْنَا ورزقنا هَذِه الْغَنِيمَة. قَوْله: (وتحللتها)
من التَّحَلُّل وَهُوَ التفصي عَن عُهْدَة الْيَمين
وَالْخُرُوج مِنْهَا بِالْكَفَّارَةِ أَو الِاسْتِثْنَاء.
وَفِي الحَدِيث: جَوَاز أكل لحم الدَّجَاج، وَفِي
(التَّوْضِيح) قَامَ الْإِجْمَاع على حلّه، وَهُوَ من
رَقِيق المطاعم وناعمها، وَمن كره ذَلِك من المتقشفين من
الزهاد فَلَا عِبْرَة بكراهته، وَقد أكل مِنْهَا سيد
الزهاد وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن تكون جلالة وروى
الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يأكلها حَتَّى
يقصرها أَيَّامًا. وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنه كَانَ إِذا
أَرَادَ أَن يَأْكُل بيض الدَّجَاجَة قصرهَا ثَلَاثَة
أَيَّام وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدَّجَاجَة تخلط
وَالْجَلالَة لَا تَأْكُل غير الْعذرَة وَهِي الَّتِي
تكره: وَزعم ابْن حزم أَن الْجَلالَة من ذَوَات الْأَرْبَع
خَاصَّة وَلَا يُسمى الطير والدجاجة جلالة وَقَالَ ابْن
بطال: وَالْعُلَمَاء مجمعون على جَوَاز أكل الْجَلالَة.
وَقد سُئِلَ سَحْنُون عَن خروف أَرْضَعَتْه خنزيرة
فَقَالَ: لَا بَأْس بِأَكْلِهِ وَقَالَ الطَّبَرِيّ:
وَالْعُلَمَاء مجمعون على أَن جملا أَو جديا غذي بِلَبن
كلبة أَو خنزيرة غير حرَام أكله. وَلَا خلاف أَن ألبان
الْخَنَازِير نَجِسَة كالعذرة وَالله تَعَالَى أعلم.
27 - (بَابُ: {لُحُومِ الخَيْلِ} )
(21/127)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز أكل
لُحُوم الْخَيل، وَإِنَّمَا لم يُصَرح بالحكم لتعارض
الْأَدِلَّة فِيهِ.
5519 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا
هِشامٌ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أسْمَاءَ قَالَتْ: نَحَرْنا
فَرَسا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَأكَلْناهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحميدِي عبد الله بن
حميد بن عِيسَى وَنسبه إِلَى أحد أجداده، وَحميد بِضَم
الْحَاء وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام هُوَ
ابْن عُرْوَة وَفَاطِمَة هِيَ بنت الْمُنْذر زَوْجَة
هِشَام الرَّاوِي، وَأَسْمَاء هِيَ بنت أبي بكر الصّديق،
رَضِي الله عَنْهُمَا.
والْحَدِيث مضى عَن قريب: فِي بَاب النَّحْر وَالذّبْح،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَلاد بن يحيى عَن سُفْيَان
إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، والصحابي إِذا
قَالَ: كُنَّا نَفْعل كَذَا على عهد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ لَهُ حكم الرّفْع.
5520 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ
عَنْ عَمْرو بنِ دِينارٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ عَنْ
جَابِرٍ بنِ عَبْدِ الله، رَضِيَ الله عَنهم، قَالَ: نَهَى
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ
لُحُومِ الحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الخَيْلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عَليّ بن
الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَهُوَ الباقر أَبُو
جَعْفَر.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر،
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن يحيى بن يحيى
وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب بِهِ وَعَن غَيره. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد وَفِي الْوَلِيمَة عَن
قُتَيْبَة وَأحمد بن عَبدة. وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث
عَطاء وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَالْأسود بن يزِيد
وَسَعِيد بن جُبَير وَاللَّيْث وَابْن الْمُبَارك
وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَأَبُو
ثَوْر على جَوَاز أكل لحم الْخَيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة
وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأَبُو عبيد: يكره أكله ثمَّ
قيل: الْكَرَاهَة عِنْد أبي حنيفَة: كَرَاهَة تَحْرِيم،
وَقيل: كَرَاهَة تَنْزِيه وَقَالَ فَخر الْإِسْلَام
وَأَبُو معِين: هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَأخذ أَبُو حنيفَة
فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال
وَالْحمير لتركبوها وزينة} (النَّحْل: 8) خرج مخرج
الامتنان وَالْأكل من أَعلَى مَنَافِعهَا والحكيم لَا
يتْرك الامتنان بِأَعْلَى النعم ويمتن بأدناها وَلِأَنَّهُ
آلَة إرهاب الْعَدو فَيتْرك أكله احتراما لَهُ. وَاحْتج
أَيْضا بِحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد عَن خَالِد بن
الْوَلِيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى
عَن أكل لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير. وَأخرجه
النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه والطَّحَاوِي، وَلما رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ فسكوته دلَالَة رِضَاهُ بِهِ غير
أَنه قَالَ: وَهَذَا مَنْسُوخ، وَقَالَ النَّسَائِيّ:
وَيُشبه أَن كَانَ هَذَا صَحِيحا أَن يكون مَنْسُوخا
ويعارض حَدِيث جَابر وَالتَّرْجِيح للْمحرمِ، وَقد بسطنا
الْكَلَام فِيهِ فِي غَزْوَة خَيْبَر. وَأما لحم الْحمر
الْأَهْلِيَّة. فَقَالَ: ابْن عبد الْبر: لَا خلاف بَين
عُلَمَاء الْمُسلمين الْيَوْم فِي تَحْرِيمه، وَإِنَّمَا
حكى عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة إِبَاحَته بِظَاهِر
قَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا أوحى إِلَى محرما}
(الْأَنْعَام: 145) الْآيَة. قلت: ذكر فِي التَّفْرِيع
للمالكية وَلَا بَأْس بِأَكْل لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة
وَلَا الْبَغْل، وَيكرهُ أكل لُحُوم الْخَيل، وَسَيَجِيءُ
الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أعلم.
28 - (بَابُ: {لُحُومِ الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم لُحُوم الْحمر الأنسية
وَاحْترز بالإنسية عَن الوحشية فَإِنَّهَا تُؤْكَل
والإنسية بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون نِسْبَة إِلَى
الْإِنْس، وَيُقَال فِيهِ: إنسية بِفتْحَتَيْنِ نِسْبَة
إِلَى الْإِنْس بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ ضد الوحشة.
{فِيهِ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم}
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع،
وَمضى حَدِيثه مَوْصُولا مطولا فِي الْمَغَازِي فِي
أَوَائِل بَاب غَزْوَة خَيْبَر.
5521 - حدَّثنا صَدَقَةُ أخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ
عُبَيْدِ الله عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنِ ابنِ عمَرَ
رَضِيَ الله عَنْهُمَا نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ يَوْمَ
خَيْبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَصدقَة هُوَ ابْن الْفضل
الْمروزِي، وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله
هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
وَمضى الحَدِيث فِي غَزْوَة خَيْبَر فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي إِسْمَاعِيل عَن
أبي أُسَامَة
(21/128)
عَن عبيد الله إِلَى آخِره.
5522 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ
الله حدَّثني نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: نَهَى
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ
الأهْلِيَّةِ.
هَذَا طَرِيق آخر عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد
الله الْعمريّ إِلَى آخِره.
{تَابَعَهُ ابنُ المُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ
نَافِعٍ، وَقَالَ أبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ
سَالِمٍ}
أَي: تَابع يحيى عبد الله بن الْمُبَارك فِي رِوَايَته عَن
عبيد الله الْعمريّ عَن نَافِع، وَأسْندَ هَذِه
الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد
بن مقَاتل عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن عبيد الله.
قَوْله: (وَقَالَ أَبُو أُسَامَة) ، هُوَ حَمَّاد بن
أُسَامَة عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن سَالم بن عبد
الله بن عمر، وأسنده أَيْضا البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي
عَن عبيد الله بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة بِهِ.
5523 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مَالِك
عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عَبْدِ الله وَالحَسَنِ ابْنَيْ
مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ عَنْ أبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
الله عَنْهُمْ. قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَنِ المُتْعَةِ عَامَ خَيْبَرَ وَلُحُومِ
حُمُرِ الإنْسِيَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
النِّكَاح فِي بَاب نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَن نِكَاح الْمُتْعَة آخرا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
5524 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادٌ
عَنْ عَمْروٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بنِ
عَبْدِ الله قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَصَ
فِي لُحُومِ الخَيْلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحَمَّاد بن زيد،
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَمُحَمّد بن عَليّ بن
الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر
بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
5526 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ
قَالَ حدَّثني عَدِيٌّ عَنِ البَرَاءِ وَابْنِ أبِي
أوْفَى، رَضِيَ الله عَنْهُمْ قَالا: نَهَى النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَيحيى هُوَ الْقطَّان وعدي
هُوَ ابْن ثَابت، والبراء هُوَ ابْن عَازِب وَابْن أبي
أوفى هُوَ عبد الله وَاسم ابْن أبي أوفى عَلْقَمَة،
والْحَدِيث مضى فِي غَزْوَة خَيْبَر بأتم مِنْهُ.
5527 - حدَّثنا إسْحَاقُ أخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بنُ
إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبِي عَنْ صَالحٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ
أنَّ أبَا إدْرِيسَ أخْبَرَهُ أنَّ أبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ:
حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لُحُومَ
الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن
راهيوه، وَقَالَ الغساني: وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي
عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ، وَصَالح هُوَ
ابْن كيسَان، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ، وَأَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَة الْخَولَانِيّ، وَأَبُو ثَعْلَبَة اخْتلف فِي
اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا شَدِيدا فَقيل: جرهم،
وَقيل: جرنون، وَقيل: ابْن ناشب، وَقيل: ابْن جرثومة، وَلم
يَخْتَلِفُوا فِي صحبته، وَكَانَ بَايع تَحت الشَّجَرَة
ثمَّ نزل الشَّام وَمَات فِي خلَافَة مُعَاوِيَة. وَقيل:
مَاتَ فِي سنة خمس وَسبعين فِي ولَايَة عبد الْملك بن
مَرْوَان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن حسن الْحلْوانِي فِي
الذَّبَائِح.
{تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ}
أَي: تَابع صَالحا مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ بِضَم
الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة نِسْبَة
(21/129)
إِلَى زبيد قَبيلَة وَوصل النَّسَائِيّ
رِوَايَة الزبيدِيّ من طَرِيق بَقِيَّة قَالَ: حَدثنِي
الزبيدِيّ. قَوْله: (عقيل) ، أَي: وَتَابعه أَيْضا عقيل
بِضَم الْعين ابْن خَالِد فِي رِوَايَة عَن الزُّهْرِيّ،
وَوصل هَذَا أَحْمد فِي (مُسْنده) .
{وَقَالَ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَالمَاجِشُونُ وَيُونُسُ
وَابنُ إسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَهَى النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ}
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة. أَعنِي:
مَالِكًا وَمن مَعَه لم يتَعَرَّضُوا فِي حَدِيث أبي
ثَعْلَبَة الْمَذْكُور لذكر الْحمر وَإِنَّمَا قَالُوا:
نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن كل ذِي نَاب من
السبَاع. أما حَدِيث مَالك فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي
الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب فَقَالَ: حَدثنَا عبد
الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أبي
إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي ثَعْلَبَة أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن كل ذِي نَاب من السبَاع.
وَأما حَدِيث معمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَيُونُس بن
يزِيد الْأَيْلِي فوصل حَدِيثهمَا الْحسن بن سُفْيَان من
طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَنْهُمَا. وَأما حَدِيث
الْمَاجشون بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا. وَقيل: بضَمهَا وبضم
الشين الْمُعْجَمَة وبالواو وبالنون فوصله مُسلم عَن يحيى
بن يحيى عَنهُ، والماجشون مُعرب (ماه وَكَون) يَعْنِي:
الْمُشبه بالقمر، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا يُوسُف بن
يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي سَلمَة. واسْمه دِينَار،
وَهَكَذَا صرح بِيُوسُف مُسلم فِي (صَحِيحه) وَقَالَ
الْكرْمَانِي: هُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي
سَلمَة الْقرشِي الْمدنِي. قلت: هُوَ أَيْضا يلقب
بالماجشون. وَلَكِن الْأَصَح مَا قَالَه مُسلم. وَأما
حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار فوصله إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه عَن عَبدة بن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عبيد
كِلَاهُمَا عَنهُ.
5528 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبَرَنا عَبْدُ
الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ
أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ:
أُُكِلَتِ الْحُمُرُ ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ:
أُكِلَتْ الحُمُرُ، ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ:
أُُفْنِيَت الْحُمُرُ، فَأمَرَ مُنَادِيا فَنَادَى فِي
النَّاسِ: إنَّ الله وَرَسُولَهُ يَنْهيَانِكُمْ عَنْ
لُحُومِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فَإنَّها رِجْسٌ
فَأُُكْفِئت القُدُورُ وَإنَّها لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَفِي بعض
النّسخ صرح بِابْن سِيرِين.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل غَزْوَة خَيْبَر فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب عَن عبد
الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أنس
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ، وَوَقع فِي مُسلم أَن الَّذِي نَادَى بذلك
هُوَ أَبُو طَلْحَة. فَإِن قلت: وَقع عِنْد النَّسَائِيّ
أَن الْمُنَادِي بذلك عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قلت لَعَلَّ
عبد الرَّحْمَن نَادَى أَولا بِالنَّهْي مُطلقًا ثمَّ
نَادَى أَبُو طَلْحَة ثَانِيًا بِزِيَادَة على ذَلِك.
وَهُوَ قَوْله: (فَإِنَّهَا رِجْس) إِلَى آخِره.
قَوْله: (جَاءَهُ جَاءَ) ذكر ثَلَاث مَرَّات. قَالَ
بَعضهم: يحْتَمل أَن يَكُونُوا يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الجائين
وَاحِدًا فَإِنَّهُ قَالَ: أَولا أكلت فإمَّا لم يسمعهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِمَّا لم يكن أَمر
فِيهَا بِشَيْء، وَكَذَا فِي الثَّانِيَة فَلَمَّا قَالَ
الثَّالِثَة: (أفنيت الْخمر) أَي: لِكَثْرَة مَا ذبح
مِنْهَا. ليطبخ صَادف نزُول الإمر بتحريمها. قلت: (قَوْله)
(فَإِنَّهَا رِجْس) . أَي: نجس، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة
الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أنس قَالَ: لما افْتتح النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَيْبَر أَصَابُوا مِنْهَا حمرا
فطبخوا مِنْهَا مطبخة فَنَادَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أَلا إِن الله وَرَسُوله ينهيانكم عَنْهَا
فَإِنَّهَا نجس فأكفؤا الْقُدُور قَوْله: (فأكفئت) أَي:
قلبت قَوْله: (وَإِنَّهَا لتفور) أَي: لتغلي وَالْوَاو
فِيهِ للْحَال.
5529 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
قَالَ عَمْرٌ و: قُلْتُ لِ جَابِرِ بنِ زَيْد: يَزْعَمُونَ
أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَى عَنْ
الْحُمُر الأهْلِيَّةِ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ
ذَلِكَ الحَكَمُ
(21/130)
بنُ عَمْروٍ الغِفَارِيُّ عِنْدَنا
بِالبَصْرَةِ، وَلاكِنْ أبَى ذَاكَ البَحْرُ ابنُ
عَبَّاسٍ، وَقَرَأ: {قُلْ لَا أجِدُ فِيما أُوحِي إلَيَّ
مُحَرَّما} (الْأَنْعَام: 145) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبيد الله هُوَ
ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَجَابِر بن زيد هُوَ أَبُو
الشعْثَاء الْبَصْرِيّ، وَالْحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ
بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء
الصَّحَابِيّ وَقَالَ الْكرْمَانِي: نزل الْبَصْرَة وَمَات
بمرو سنة خمس وَأَرْبَعين وَقَالَ أَبُو عمر: بَعثه زِيَاد
بن أُميَّة على الْبَصْرَة، واليافي أول ولَايَة زِيَاد
على العراقين ثمَّ عَزله عَن الْبَصْرَة وولاه بعض أَعمال
خُرَاسَان وَمَات بهَا وَقيل: مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة
خمسين.
والْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن
إِبْرَاهِيم بن الْحسن عَن حجاج عَن ابْن جريج عَن عَمْرو
بن دِينَار بِمَعْنَاهُ.
قَوْله: (يَقُول ذَاك) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: (نهى
عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة) قَوْله: (وَلَكِن أَبى) ، أَي:
منع ذَلِك القَوْل. قَوْله: (الْبَحْر) ، صفة لِابْنِ
عَبَّاس سمي بِهِ لسعة علمه وَيُرَاد بِهِ: بَحر الْعلم
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ من تَقْدِيم الصّفة على الْمَوْصُوف
مُبَالغَة فِي تَعْظِيم الْمَوْصُوف. قلت: لَا تتقدم
الصّفة على الْمَوْصُوف. بل قَوْله: (ابْن عَبَّاس) عطف
بَيَان لقَوْله: (الْبَحْر) ويروى: الحبر، سمي بِهِ
لِأَنَّهُ كَانَ يزين مَا قَالَه. قَوْله: (وَقَرَأَ) ،
أَي: ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا
أوحى إليّ محرما} الْآيَة. يَعْنِي: أَنه اسْتدلَّ
بِهَذِهِ الْآيَة لِأَن الْمحرم فِي هَذِه الْآيَة مَا
ذكره الله فِيهَا فتقتصر الْحُرْمَة عَلَيْهَا وَمَا
وَرَاء ذَلِك فعلى أصل الْإِبَاحَة.
وفقهاء الْأَمْصَار مجمعون على تَحْرِيم الْحمر
الْأَهْلِيَّة إلاَّ أَنه رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه
أَبَاحَ أكلهَا، وَرُوِيَ مثله عَن عَائِشَة وَالشعْبِيّ.
فَإِن قلت: قد ذكر فِي أول الْمَائِدَة تَحْرِيم المنخنقة
والموقوذة وَمَا ذكر مَعَهُمَا وَهِي خَارِجَة عَن هَذِه
الْآيَة. قلت: المنخنقة وَمَا ذكر مَعهَا دَاخِلَة فِي
الْميتَة أَو نقُول: أَن سُورَة الْأَنْعَام مَكِّيَّة
فَيجوز أَن لَا يكون حرم فِي ذَلِك الْوَقْت إلاّ مَا ذكر
فِي هَذِه الْآيَة. وَسورَة الْمَائِدَة مَدَنِيَّة وَهِي
آخر مَا نزل من الْقُرْآن فَإِن قلت: الْأَحَادِيث الَّتِي
وَردت فِي تَحْرِيم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة أَخْبَار
آحَاد وَالْعَمَل بهَا يُوجب نسخ الْآيَة الْمَذْكُورَة،
وَهَذَا لَا يجوز. قلت: قد خصت من هَذِه الْآيَة أَشْيَاء
كَثِيرَة بِالتَّحْرِيمِ غير مَذْكُورَة فِيهَا كالنجاسات
والحمر وَلحم القردة فَحِينَئِذٍ يجوز تخصيصها بأخبار
الْآحَاد.
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اخْتلف فِي تَحْرِيم الْحمر على
أَرْبَعَة أَقْوَال: الأول: حرمت شرعا. الثَّانِي: حرمت
لِأَنَّهَا كَانَت جوال الْقرى. أَي: تَأْكُل الجلة وَهِي
النَّجَاسَة. وَالثَّالِث: أَنَّهَا كَانَت حمولة
الْقَوْم. الرَّابِع: أَنَّهَا حرمت لِأَنَّهَا أفنيت قبل
الْقِسْمَة. فَمنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن
أكلهَا حَتَّى تقسم. قلت: ذكر الطَّحَاوِيّ هَذِه
الْأَقْوَال فَأخْرج فِي القَوْل الأول: عَن اثْنَي عشر
نَفرا من الصَّحَابَة فِي تَحْرِيم أكل الْحمر
الْأَهْلِيَّة من غير قيد، وَقد ذَكَرْنَاهُمْ فِي (شرحنا
لمعاني الْآثَار) وَأخرج فِي القَوْل الثَّانِي: عَن ابْن
مَرْزُوق عَن وهب عَن شُعْبَة عَن الشَّيْبَانِيّ، قَالَ:
ذكرت لسَعِيد بن جُبَير حَدِيث ابْن أبي أوفى فِي أَمر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إيَّاهُم بإكفاء
الْقُدُور يَوْم خَيْبَر، فَقَالَ: إِنَّمَا نهى عَنْهَا
لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل الْعذرَة. وَأخرج فِي القَوْل
الثَّالِث: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ
قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا نهى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم خَيْبَر عَن أكل لُحُوم الْحمر
الْأَهْلِيَّة إلاَّ من أجل أَنَّهَا ظهر وَأخرج فِي
القَوْل الرَّابِع: من حَدِيث عدي بن ثَابت عَن الْبَراء
أَنهم أَصَابُوا من الْفَيْء حمرا فذبحوها فَفِيهِ
أَنَّهَا كَانَت نهبة وَلم تكن قسمت.
ثمَّ أجَاب عَن الْأَقْوَال الثَّلَاثَة بِحَدِيث أبي
ثَعْلَبَة أَنه قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله! حَدثنِي مَا يحل لي مِمَّا
يحرم عليَّ؟ فَقَالَ: لَا تَأْكُل الْحمار الأهلي رَوَاهُ
من حَدِيث مُسلم بن مشْكم كَاتب أبي الدَّرْدَاء عَنهُ،
ثمَّ قَالَ: فَكَانَ كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، جَوَابا لسؤال أبي ثَعْلَبَة إِيَّاه عَمَّا يحل
لَهُ مِمَّا يحرم عَلَيْهِ، فَدلَّ ذَلِك على نَهْيه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة
لَا لعِلَّة بل كَانَ التَّحْرِيم فِي نَفسه مُطلقًا.
وَقَالَ بَعضهم: قَالَ الطَّحَاوِيّ: لَوْلَا تَوَاتر
الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بِتَحْرِيم الْحمر الْأَهْلِيَّة لَكَانَ النّظر يَقْتَضِي
حلهَا لِأَن كلما حرم من الأهلي الْحَيَوَان أجمع على
تَحْرِيمه إِذا كَانَ وحشيا كالخنزير، وَقد أجمع على حل
الْحمار الوحشي فَكَانَ النّظر يَقْتَضِي حل الْحمار
الأهلي ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل. قلت: وَمَا ادَّعَاهُ
من الْإِجْمَاع مَرْدُود، فَإِن كثيرا من الْحَيَوَان
الأهلى مُخْتَلف فِي نَظِيره من الْحَيَوَان الوحشي كالهر.
قلت: دَعْوَاهُ الرَّد عَلَيْهِ مَرْدُودَة لِأَنَّهُ فهم
عكس مَا أَرَادَهُ الطَّحَاوِيّ، لِأَن مُرَاده كلما حرم
من الْحَيَوَان الأهلي، أجمع على تَحْرِيمه إِذا كَانَ
وحشيا. وَمثل لذَلِك بالخنزير فَإِنَّهُ مجمع على
(21/131)
حرمته من غير فرق بَين كَونه أهليا
يَعْنِي: مستأنسا أَو وحشيا غير مستأنس، وَلَيْسَ مُرَاده
أَن كلما أجمع على تَحْرِيمه من الوحشي يَقْتَضِي حلّه من
الأهلي كالضيون فَإِنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ فَلَا يَقْتَضِي
حل السنور الأهلي، وَقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي
الزبير عَن جَابر قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَن أكل الهر، وثمنه. وَقَالَ: هَذَا
حَدِيث غَرِيب.
29 - (بَابُ: {أكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّباعِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم كل أكل ذِي نَاب من سِبَاع
الْبَهَائِم وَالْمرَاد بالناب مَا يعدو بِهِ على
الْحَيَوَان ويتقوى بِهِ، وَلم يبين حكمه اكْتِفَاء بِمَا
بَينه فِي الحَدِيث.
5530 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنا مَالِكٌ
عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ أبِي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ عَنْ
أبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَى عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ
مِنَ السِّباعِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو إِدْرِيس هُوَ
عَائِذ الله الْخَولَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن عبد
الله بن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّيْد عَن أبي بكر
بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّيْد
عَن القضى عَن مَالك بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الصَّيْد عَن أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ وَغَيره.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث فَذهب
الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن النَّهْي فِيهِ
للتَّحْرِيم، وَلَا يُؤْكَل ذُو الناب من السبَاع وَلَا
ذُو المخلب من الطير، وَاسْتثنى الشَّافِعِي مِنْهُ الضبع
والثعلب خَاصَّة لِأَن نابهما ضَعِيف. قلت: هَذَا
التَّعْلِيل فِي مُقَابلَة النَّص فَهُوَ فَاسد. وَقَالَ
ابْن الْقصار: حمل النَّهْي فِي هَذَا الحَدِيث على
الْكَرَاهَة عِنْد مَالك، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن
السبَاع لَيست بمحرمة كالخنزير لاخْتِلَاف الصَّحَابَة
فِيهَا، وَقد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَنه أجَاز أكل الضبع. وَأخرجه الْحَاكِم من حَدِيث
جَابر. وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَهُوَ ذُو نَاب
فَدلَّ بِهَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أَرَادَ بِتَحْرِيم كل ذِي نَاب من السبَاع الْكَرَاهَة
وَالْحَاصِل فِي هَذَا الْبَاب أَن عَطاء بن أبي رَبَاح
ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق أباحوا أكل الضبع
وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة، وَقَالَ الْحسن
الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِيّ
وَالثَّوْري وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأَبُو حنيفَة
وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا يُؤْكَل الضبع وحجتهم فِيهِ
الحَدِيث الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل كل
ذِي نَاب والضبع ذُو نَاب. وَحَدِيث جَابر لَيْسَ
بِمَشْهُور، وَهُوَ مُحَلل وَالْمحرم يقْضِي على الْمُبِيح
احْتِيَاطًا وَقيل: حَدِيث جَابر مَنْسُوخ، وَوَجهه أَن
طلب المخلص عَن التَّعَارُض فِي الْأَحَادِيث بِوُجُوه
مِنْهَا طلب المخلص بِدلَالَة التَّارِيخ والتعارض ظَاهر
بَين الْحَدِيثين، وَدلَالَة التَّارِيخ فِيهِ أَن النَّص
الْمحرم ثَابت من حَيْثُ الظَّاهِر فَيكون مُتَأَخِّرًا
عَن الْمُبِيح، فالأخذ بِهِ يكون أولى، وَلَا يَجْعَل
الْمُبِيح مُتَأَخِّرًا لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ إِثْبَات
النّسخ مرَّتَيْنِ فَلَا يجوز. وَقيل: حَدِيث جَابر
انْفَرد بِهِ عبد الرَّحْمَن بن أبي عمار وَلَيْسَ
بِمَشْهُور بِنَقْل الْعلم وَلَا هُوَ حجَّة إِذا انْفَرد
فَكيف إِذا خَالفه من هُوَ أثبت مِنْهُ.
{تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ
وَالمَاجِشُنُ عَنِ الزُّهْرِيِّ}
أَي: تَابع مَالِكًا يُونُس بن يزِيد وَمعمر بن رَاشد
وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ويوسف بن يَعْقُوب الْمَاجشون فِي
روايتهم عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَقد ذكرنَا
مُتَابعَة هَؤُلَاءِ فِي الْبَاب الَّذِي قبله غير ابْن
عُيَيْنَة فمتابعة ابْن عُيَيْنَة أخرجهَا البُخَارِيّ فِي
أخر الطِّبّ فِي بَاب البان الاتن فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا سُفْيَان عَن
الزُّهْرِيّ عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي
ثَعْلَبَة الْخُشَنِي. قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع، ويروى من
السَّبع وَالله أعلم.
30 - (بَابُ: {جُلُودِ المَيْتَةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جُلُود الْميتَة قبل أَن
تدبغ.
5531 - حدَّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ
إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ: حدَّثني
(21/132)
ابنُ شِهابٍ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ
الله أخْبَرَهُ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ
الله عَنْهُما، أخْبَرَهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مَرَّ بِشاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ: هَلاَّ
اسْتَمْتَعْتُمْ بِإهابِها؟ قَالُوا: إنَّها مَيِّتَةٌ.
قَالَ: إنَّما حُرِّمَ أكْلُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ. وَهُوَ أَيْضا
يبين حكم التَّرْجَمَة.
وَزُهَيْر مصغر زهر. بالزاي وَالرَّاء ابْن حَرْب ضد
الصُّلْح وَيَعْقُوب ابْن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن مُضِيّ عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن
شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبيد الله
بِضَم الْعين بن عبد الله بِفَتْح الْعين ابْن عتبَة بن
مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بَاب الصَّدَقَة على
موَالِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير، وَمضى فِي
الْبيُوع أَيْضا.
قَوْله: (ميتَة) التَّخْفِيف والتثقيل فِيهِ سَوَاء على
قَول أَكثر أهل اللُّغَة، وَقيل بِالتَّخْفِيفِ لما مَاتَ،
وبالتشديد لما لم يمت بعد، وَعند حذاق أهل الْبَصْرَة
والكوفيين هما وَاحِد. قَوْله: (بإهابها) الإهاب بِكَسْر
الْهمزَة وَتَخْفِيف الْهَاء اسْم لجلد لم يدبغ. وَقيل:
هُوَ اسْم لجلد دبغ، وَيجمع على أهب، بِفتْحَتَيْنِ وَيجوز
بِضَمَّتَيْنِ أَيْضا على الأَصْل، وَالْأول على غير
الْقيَاس. قَوْله: (حرم) بِالتَّشْدِيدِ على صِيغَة
الْمَجْهُول، ويروى بِالتَّخْفِيفِ بِفَتْح الْحَاء وَضم
الرَّاء.
وَبِهَذَا الحَدِيث احْتج جُمْهُور الْفُقَهَاء وأئمة
الْفَتْوَى على جَوَاز الِانْتِفَاع بجلد الْميتَة بعد
الدّباغ، وَذكر ابْن الْقصار أَنه آخر قَول مَالك، وَهُوَ
قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَرُوِيَ عَن ابْن شهَاب
أَنه أَبَاحَ الِانْتِفَاع بهَا قبل الدّباغ مَعَ كَونهَا
نَجِسَة وَأما أَحْمد فَذهب إِلَى تَحْرِيم الْجلد
وَتَحْرِيم الِانْتِفَاع بِهِ قبل الدّباغ وَبعده وَاحْتج
بِحَدِيث عبد الله بن عكيم قَالَ: أَتَانَا كتاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل مَوته: أَن لَا تنتفعوا
من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب، أخرجه الشَّافِعِي وَأحمد
وَالْأَرْبَعَة وَصَححهُ ابْن حبَان وَحسنه التِّرْمِذِيّ،
وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي دَاوُد قبل
مَوته بِشَهْر، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: كَانَ أَحْمد يذهب
إِلَيْهِ، وَيَقُول هَذَا آخر الْأَمر ثمَّ تَركه لما
اضْطر بوافي إِسْنَاده، وَكَذَا قَالَ الْجلَال نَحوه، ورد
ابْن حبَان على من ادّعى فِيهِ الِاضْطِرَاب. وَقَالَ: سمع
ابْن عكيم الْكتاب يقْرَأ وسَمعه من مَشَايِخ جُهَيْنَة
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا اضْطِرَاب،
وَأعله بَعضهم بالانقطاع وَهُوَ مَرْدُود، وَبَعْضهمْ
بِكَوْنِهِ كتابا وَلَيْسَ بعلة قادحة وَبَعْضهمْ بِأَن
ابْن أبي ليلى راوية عَن ابْن عكيم لم يسمعهُ مِنْهُ. لما
وَقع عِنْد أبي دَاوُد عَنهُ أَنه انْطلق وأناس مَعَه
إِلَى عبد الله بن عكيم قَالَ: فَدَخَلُوا وَقَعَدت على
الْبَاب، فَخَرجُوا إِلَيّ فَأَخْبرُونِي، فَهَذَا
يَقْتَضِي أَن فِي السَّنَد من لم يسم وَلَكِن صَحَّ
بتصريح عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى بِسَمَاعِهِ من ابْن
عكيم فَلَا أثر لهَذِهِ الْعلَّة أَيْضا. وَالْجَوَاب
الصَّحِيح عَنهُ أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور من
الصِّحَاح، وَإنَّهُ سَماع، وَحَدِيث ابْن عكيم كِتَابَة
فَلَا يُقَاوم ذَلِك لما فِي الْكِتَابَة من شُبْهَة
الِانْقِطَاع. قلت: وَذكر فِيهِ أَيْضا من الْعِلَل
الِاخْتِلَاف فِي صُحْبَة ابْن عكيم، فَقَالَ
الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: لَا صُحْبَة لَهُ فَهُوَ مُرْسل.
فَإِن قلت: روى الطَّبَرِيّ فِي (تَهْذِيب الْآثَار) من
حَدِيث جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لَا تنتفعوا من الميتتة بِشَيْء وروى أَيْضا من
حَدِيث ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَن ينْتَفع من الْميتَة بإهاب وروى أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام نهى عَن جُلُود السبَاع أَن تفترش. قلت: فِي
رُوَاة حَدِيث جَابر زَمعَة وَهُوَ مِمَّن لَا يعْتَمد على
نَقله وَفِي عَامَّة إِسْنَاد حَدِيث ابْن عمر مَجَاهِيل
لَا يعْرفُونَ. وَأما النَّهْي عَن جُلُود السبَاع فقد
قيل: إِنَّهَا كَانَت تسْتَعْمل قبل الدّباغ.
5532 - حدَّثنا خَطَّابُ بنُ عُثْمانَ حدَّثنا مُحَمَّدُ
بنُ جُبَيْرٍ عَنْ ثَابِتِ بنِ عَجْلانَ قَالَ: سَمِعْتُ
سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ،
رَضِيَ الله عَنْهُما يَقُولُ: مَرَّ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بَعَنْزٍ مَيِّتَةٍ. فَقَالَ: مَا عَلَى
أهْلِها لَوْ انُتَفَعُوا بِإهابِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وخطاب، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة وبالباء
الْمُوَحدَة الفوزي، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْوَاو
وبالزاي: نِسْبَة إِلَى فوز قَرْيَة من قرى حمص، وَمُحَمّد
بن حمير، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم
وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء، وَقَالَ الغساني:
وَفِي بعض النّسخ حمير بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم وَهُوَ
تَصْحِيف وَقَالَ بَعضهم: وَأَخْطَأ من قَالَ
بِالتَّصْغِيرِ، أَخذه
(21/133)
من الغساني وأظهره فِي صُورَة يظنّ
الْوَاقِف عَلَيْهِ أَنه من كَلَامه، وثابت بالثاء
الْمُثَلَّثَة ضد الزَّائِد ابْن عجلَان أَبُو عبد الله
الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ.
وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة كلهم شَامِيُّونَ حمصيون مَا لَهُم
فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، إلاَّ مُحَمَّد بن
حمير فَلهُ حَدِيث آخر سبق فِي الْهِجْرَة إِلَى
الْمَدِينَة فَإِن قلت: هَؤُلَاءِ مُتَكَلم فيهم، فَكيف
وَضعه البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) أما خطاب فقد قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: رُبمَا أَخطَأ وَأما مُحَمَّد بن حمير
فَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وَأما ثَابت
فَقَالَ أَحْمد أَنا أتوقف فِيهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا
يُتَابع فِي حَدِيثه؟ قلت: قَالَ بَعضهم: إنّ هَؤُلَاءِ من
المتابعات لَا من الْأُصُول وَالْأَصْل فِيهِ الَّذِي قبله
انْتهى. وَهَذَا غير كَاف للرَّدّ وَلَكِن نقُول: أما خطاب
فَإِنَّهُ كَانَ يعد من الأبدال، وَذكره ابْن حبَان فِي
(الثِّقَات) وَوَثَّقَهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ مَعَ
قَوْله: رُبمَا أَخطَأ. وَأما مُحَمَّد بن حمير، فَعَن
يحيى ودحيم ثِقَة وَعَن النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس
وروى لَهُ. وَأما ثَابت فقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم:
صَالح الحَدِيث، وَلما ذكره الْعقيلِيّ فِي (الضُّعَفَاء)
أنكر عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن
سَلمَة بن أَحْمد بن عُثْمَان الفوزي عَن جده لأمه خطاب بن
عُثْمَان بِهِ.
قَوْله: (بعنز) ، بِفَتْح الْعين وَسُكُون النُّون
وبالزاي، أَي قَالَ بَعضهم: هِيَ وَاحِدَة الْمعز، وَكَذَا
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) هِيَ وَاحِدَة الْمعز. قلت:
هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، وَالصَّحِيح مَا قَالَه
الْجَوْهَرِي: العنز الماعزة وَهِي الْأُنْثَى من الْمعز،
وَكَذَلِكَ العنز من الظباء والأوغال. قَوْله: (فَقَالَ
مَا على أَهلهَا) أَي: لَيْسَ على أَهلهَا حرج.
31 - (بَابُ: {المِسكِ} )
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْمسك، وَهُوَ بِكَسْر
الْمِيم، وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد كل أحد، وَهُوَ فَارسي
مُعرب، وَأَصله بالشين الْمُعْجَمَة وَالْعرب إِذا
استعملوا لفظا أعجميا غيروه بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو
بقلب حرف بِحرف غَيره. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه إِيرَاد
هَذَا الْبَاب فِي كتاب الصَّيْد لكَون الْمسك فضلَة
الظبي، والظبي مِمَّا يصاد. وَقَالَ الجاحظ: الْمسك هُوَ
من دويبة تكون فِي الصين تصاد لتوافجها وسررها، فَإِذا
صيدت شدت بعصائب وَهِي مدلية يجْتَمع فِيهَا دم فَإِذا
ذبحت فورت السُّرَّة الَّتِي عصبت ودفنت فِي الشّعْر
حَتَّى يَسْتَحِيل ذَلِك الدَّم المتخمر الجامد مسكا ذكيا
بعدأن كَانَ لَا يرام من النتن وَنقل ابْن الصّلاح أَن
النافجة فِي جَوف الظبية كالأنفحة فِي جَوف الجدي، وَقيل:
غزال الْمسك كالظبأ إلاَّ أَن لَهُ نابين معتنقين خَارِجين
من فَمه كالفيل وَالْخِنْزِير، وَيُؤْخَذ الْمسك من سرته
وَله وَقت مَعْلُوم من السّنة يجْتَمع فِي سرته. فَإِذا
اجْتمع ورم الْموضع فَمَرض الغزال إِلَى أَن يسْقط مِنْهُ،
وَيُقَال: إِن أهل تِلْكَ الْبِلَاد يجْعَلُونَ لَهَا
أوتادا فِي الْبَريَّة تَحْتك بهَا فَتسقط وَقَالَ
النَّوَوِيّ: أَجمعُوا على أَن الْمسك طَاهِر يجوز
اسْتِعْمَاله فِي الْبدن وَالثَّوْب وَيجوز بَيْعه، وَحكى
ابْن التِّين عَن ابْن شعْبَان من الْمَالِكِيَّة أَن
فَأْرَة الْمسك إِنَّمَا تُؤْخَذ فِي حَال الْحَيَاة أَو
بِذَكَاة من لَا تصح ذَكَاته من الْكَفَرَة وَهِي مَعَ
ذَلِك مَحْكُوم بطهارتها لَا يَسْتَحِيل عَن كَونهَا دَمًا
حَتَّى تصير مسكان كَمَا يَسْتَحِيل فِي حَال الدَّم إِلَى
اللَّحْم فيطهر وَيحل أكله، وَلَيْسَت بحيوان حَتَّى
يُقَال: تنجست بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء يحدث
بِالْحَيَوَانِ كالبيض.
وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على طَهَارَة الْمسك إِلَّا مَا
حكى عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من كَرَاهَته،
وَهَكَذَا حكى ابْن الْمُنْذر عَن جمَاعَة ثمَّ قَالَ:
وَلَا يَصح الْمَنْع فِيهِ إلاَّ عَن عَطاء بِنَاء على
أَنه جُزْء مُنْفَصِل، وَقَالَ أَصْحَابنَا: الْمسك حَلَال
للرِّجَال وللنساء وَفِي (التَّوْضِيح) قَالَ ابْن
الْمُنْذر: وَمِمَّنْ أجَاز الِانْتِفَاع بالمسك عَليّ بن
أبي طَالب وَابْن عمر وَأنس وسلمان الْفَارِسِي، وَمن
التَّابِعين: سعيد بن الْمسيب وَابْن سِيرِين وَجَابِر بن
زيد، وَمن الْفُقَهَاء مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد وَإِسْحَاق وَخَالف ذَلِك آخَرُونَ، وَذكر ابْن أبي
شيبَة عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه
كره الْمسك، وَقَالَ: لَا تحنطوني بِهِ وَكَرِهَهُ عمر بن
عبد الْعَزِيز وَعَطَاء وَالْحسن وَمُجاهد وَالضَّحَّاك
وَقَالَ أَكْثَرهم لَا يصلح للحي وَلَا للْمَيت، وَهُوَ
عِنْدهم بِمَنْزِلَة مَا قطع من الْميتَة وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: لَا يَصح ذَلِك إلاَّ عَن عَطاء، وَهَذَا
قِيَاس غير صَحِيح، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد
الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: أطيب طيبكم الْمسك، وَهَذَا نَص
قَاطع للْخلاف. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَقد روينَا عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِإِسْنَاد جيد أَنه
كَانَ لَهُ مسك يتطيب بِهِ.
5533 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ حدَّثنا
عُمارَةُ بنُ القَعْقَاعِ عَنْ أبِي زُرْعَةَ بنِ عَمْروٍ
بنِ جَرِيرٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا مِنْ مَكْلُومٍ
يُكَلَمُ فِي الله إلاَّ جَاءَ يَوْمَ
(21/134)
القِيَامَةِ وَكَلَّمُهُ يَدْمَى.
اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ريح مسك) وَعبد
الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد الْبَصْرِيّ، وَعمارَة بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن الْقَعْقَاع
بِفَتْح القافين وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة الأولى،
وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وبالعين
الْمُهْملَة واسْمه هرم بن عَمْرو بن جرير بِفَتْح الْجِيم
وَكسر الرَّاء الأولى البَجلِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من يخرج فِي
سَبِيل الله، وَلَكِن بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد قيل: وَجه
اسْتِدْلَال البُخَارِيّ بِهَذَا الحَدِيث على طَهَارَة
الْمسك، وَكَذَا بِالَّذِي بعده وُقُوع تَشْبِيه دم
الشَّهِيد بِهِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاق التكريم والتعظيم،
فَلَو كَانَ نجسا لَكَانَ من الْخَبَائِث، وَلم يحسن
التَّمْثِيل بِهِ فِي هَذَا الْمقَام.
قَوْله: (يكلم) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يجرح، من
الْكَلم بِالْفَتْح وَهُوَ الْجرْح. قَوْله: (فِي الله)
أَي: فِي سَبِيل الله، وَهَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَات.
قَوْله: (وَكَلمه) بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون اللَّام أَي:
جرحه. قَوْله: (يدمي) بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الدَّال
وَفتح الْمِيم من دمى يدمى من بَاب علم يعلم أَي: يسيل
مِنْهُ الدَّم. قَوْله: (اللَّوْن لون دم) تَشْبِيه بليغ
بِحَذْف أَدَاة التَّشْبِيه، وَكَذَلِكَ (الرّيح ريح مسك)
.
5534 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عَنْ يَزِيدِ عَنْ أبِي بُرْدَةَ عَنْ أبِي
مُوسَى، رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَثَلُ الْجَلِيسَ الصَّالِحِ
وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ،
فَحَامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيكَ وَإمَّا أنْ
تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحا
طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِير: إمَّا أنْ يُحْرِقَ
ثِيَابَكَ وَإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحا خَبِيثَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد
بن أُسَامَة، وبُرَيد بِضَم الْبَاء وَفتح الرَّاء مصغر
برد ابْن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ، وَاسم أبي بردة عَامر، وَقيل: الْحَارِث،
وَاسم أبي مُوسَى عبد الله بن قيس، وبريد بن عبد الله يكنى
أَبَا بردة يروي عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع فِي: بَاب الْعَطَّار وَبيع
الْمسك فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
عَن عبد الْوَاحِد عَن أبي بردة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (مثل الجليس الصَّالح) ، ويروى: مثل جليس
الصَّالح، بِإِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته. قَوْله:
(الْكِير) ، بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ زق غليظ ينْفخ فِيهِ.
قَوْله: (يحذيك) ، بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْحَاء وَكسر
الذَّال الْمُعْجَمَة بِمَعْنى: يعطيك وزنا وَمعنى من
الإحذاء وَهُوَ الْإِعْطَاء يُقَال: أحذيت الرجل إِذا
أَعْطيته الشَّيْء واتحفته بِهِ.
وَفِيه: مدح الْمسك المستلزم لطهارته ومدح الصَّحَابَة
حَيْثُ كَانَ جليسهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
حَتَّى قيل: لَيْسَ للصحابي فَضِيلَة أفضل من فَضِيلَة
الصُّحْبَة، وَلِهَذَا سموا بالصحابة مَعَ أَنهم عُلَمَاء
كرماء شجعاء إِلَى تَمام فضائلهم.
32 - (بَابُ: {الأرْنَبِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم أكل الأرنب، وَلم يُبينهُ
فِي التَّرْجَمَة اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث، وَنَذْكُر
حكمه عَن قريب.
الأرنب دويبة مَعْرُوفَة تشبه العناق وَلَكِن فِي
رِجْلَيْهَا طول بِخِلَاف يَديهَا وَهُوَ اسْم جنس للذّكر
وَالْأُنْثَى، وَيُقَال للذّكر أَيْضا الخزز، على وزن عمر
بمعجمات، وَالْأُنْثَى عكرشية وَيُقَال للصَّغِير: خرنق،
بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح
النُّون بعْدهَا قَاف، وَقَالَ الجاحظ: لَا يُقَال الأرنب
إلاَّ للْأُنْثَى، وَيُقَال الأرنب شَدِيدَة الْجُبْن
كَثِيرَة الشبق وَإِنَّهَا تكون سنة ذكر أَو سنة أُنْثَى،
وَأَنَّهَا تحيض، وَإِنَّهَا تنام مَفْتُوحَة الْعين
انْتهى.
5535 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ
هِشامٍ بنِ زَيْدٍ عَنْ أنَسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ:
أنْفَجْنا أرْنَبا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى
القَوْمُ فَلَغَنُوا فَأخَذْتُها فَجِئْتُ بِها إلَى أبِي
طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَركَيْها أوْ قَالَ:
بِفَخْذَيْها إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَبِلَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك، وَهِشَام بن زيد بن أنس يروي عَن جده أنس.
والْحَدِيث مضى فِي الْهِبَة
(21/135)
فِي بَاب قبُول الصَّيْد فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (أنفجنا) من الإنفاج بالنُّون وَالْفَاء وَالْجِيم
وَهُوَ التهييج والإثارة فِي رِوَايَة مُسلم استنفجنا
وَهُوَ من بَاب الاستفعال وَمِنْه يُقَال: نفج الأرنب إِذا
ثار وَعدا وانتفج كَذَلِك وأنفجته أَنا أثرته من مَوْضِعه،
وَوَقع فِي (شرح مُسلم للمازري) بعجنا، بِالْبَاء
الْمُوَحدَة وَالْعين الْمُهْملَة وَالْجِيم، وَفَسرهُ
بالشق من بعج بَطْنه إِذا شقَّه، ورده عِيَاض وَنسبه إِلَى
التَّصْحِيف لفساد الْمَعْنى لِأَن الَّذِي يشق بَطْنه
كَيفَ يسْعَى خَلفه؟ قَوْله: (بمر الظهْرَان) ، قد فسرناه
عَن قريب بِأَنَّهُ اسْم مَوضِع على مرحلة من مَكَّة.
قَوْله: (فلغبوا) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَكسرهَا. أَي: تعبوا وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني
بِلَفْظ: تعبوا قَوْله: (فأخذتها) ، وَزَاد فِي كتاب
الْهِبَة فأدركتها فأخذتها وَفِي رِوَايَة مُسلم: فسعيت
حَتَّى أدركتها وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَكنت غُلَاما
حزورا أَي: مراهقا. قَوْله: (إِلَى أبي طَلْحَة) ، هُوَ
زوج أم أنس، واسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ. قَوْله:
(فذبحها) ، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: فذبحها بمروة.
قَوْله: (أَو بفخذيها) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله:
(فقبلها) ، أَي: الْهَدِيَّة وَتقدم فِي الْهِبَة قلت:
وَأكل مِنْهُ؟ قَالَ: وَأكل مِنْهُ.
وَاخْتلفُوا فِيهِ فعامة الْعلمَاء على جَوَاز أكل الأرنب
وَكَرِهَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ وَابْنه وَعبد الرَّحْمَن
بن أبي ليلى وَعِكْرِمَة، وَحكى الرَّافِعِيّ عَن أبي
حنيفَة أَنه حرمهَا وغلطه النَّوَوِيّ فِي النَّقْل عَن
أبي حنيفَة. قلت: هَذَا جدير بالتغليظ فَإِن أَصْحَابنَا
قَالُوا: لَا خلاف فِيهِ لأحد من الْعلمَاء قَالَ
الْكَرْخِي: وَلم يرَوا جَمِيعًا بَأْسا بِأَكْل الأرنب،
وَأَنه لَيْسَ من السبَاع وَلَا من أَكلَة الْجِيَف.
وَرويت فِيهِ أَحَادِيث وأخبار كَثِيرَة. مِنْهَا: مَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن جَابر بن
عبد الله أَن رجلا من قومه صَاد أرنبا أَو ثِنْتَيْنِ
فذبحهما بمروة فقطعهما حَتَّى لَقِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَهُ فَأمره بأكلهما وَانْفَرَدَ
التِّرْمِذِيّ بِهِ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه
من حَدِيث الشّعبِيّ عَن مُحَمَّد بن صَيْفِي قَالَ: أتيت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأرنبين فذبحتهما بمروة
فَأمرنِي بأكلهما. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة
بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث عمار قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأهدى إِلَيْهِ رجل من
الْأَعْرَاب أرنبا فأكلناه. فَقَالَ الْأَعرَابِي: إِنِّي
رَأَيْت بهَا دَمًا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا
بَأْس) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من
حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عَائِشَة. قَالَت: أهدي إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أرنب وَأَنا
نَائِمَة فخبا لي مِنْهَا الْعَجز فَلَمَّا قُمْت
أَطْعمنِي، وَفِي سَنَده زيد بن عِيَاض وَهُوَ ضَعِيف.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن
إِبْرَاهِيم أَن رجلا سَأَلَ عبد الله بن عُمَيْر عَن
الأرنب؟ فَقَالَ: لَا بَأْس بهَا قَالَ: إِنَّهَا تحيض؟
قَالَ: إِن الَّذِي يعلم حَيْضهَا يعلم طهرهَا، وَإِنَّمَا
هِيَ حاملة من الْحَوَامِل وَعَن ابْن الْمسيب عَن سعد
أَنه كَانَ يأكلها. قيل لسعد: مَا تَقول؟ قَالَ: كنت آكلها
وَعَن عبيد بن سعد أَن بِلَالًا رأى أرنبا فذبحها فَأكلهَا
وَعَن الْحسن أَنه كَانَ لَا يرى يأكلها بَأْسا وَقَالَ
طَاوُوس: الأرنب حَلَال. وَقَالَ حسن بن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم: أَنا أعافها وَلَا أحرمهَا على
الْمُسلمين وَقَالَ ابْن حزم: وَصَحَّ من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى بأرنب مشوية فَلم
يَأْكُل مِنْهَا. وَأمر الْقَوْم بأكلها. وَأما مَا
رَوَاهُ عِكْرِمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه أَتَى بأرنب فَقيل لَهُ: إِنَّهَا تحيض فكرهها فمرسل،
وَمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم بن عمر عَن
عبد الْكَرِيم بن أُميَّة قَالَ: سَأَلَ جرير بن أنس
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الأرنب فَقَالَ:
لَا آكلها انبئت أَنَّهَا تحيض. فَقَالَ ابْن حزم: أَبُو
أُميَّة هَالك، وَذكر حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ أَن
الْجِنّ تهرب من لعب الأرنب، وَذَلِكَ أَن الأرنب لَيست من
مطايا الْجِنّ لِأَنَّهَا تحيض.
33 - (بَابُ: {الضَّبِّ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الضَّب، وَهِي دويبة
تشبه الحرذون، وأكبر مِنْهُ، وتكنى أَبَا حسل، بِكَسْر
الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وباللام،
وَيُقَال للْأُنْثَى: ضبة وَيُقَال للذّكر ذكران لأجل أَن
لذكره فرجين وَذكر ابْن خالويه أَن الضَّب يعِيش بسبعمائة
سنة وَأَنه لَا يشرب المَاء ويكتفي بالنسيم وَبرد
الْهَوَاء، وَلَا يخرج من جُحْره فِي الشتَاء، ويبول فِي
كل أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَطْرَة، وَلَا يسْقط لَهُ سنّ،
وَيُقَال: إِن أَسْنَانه قِطْعَة وَاحِدَة وَيجمع على ضباب
وأضب مثل كف وأكف، وَفِي (الْمُحكم) وَالْجمع ضبان وَفِي
الْمثل أعق من ضَب لِأَنَّهُ رُبمَا أكل أُصُوله، وَيُقَال
ضبب الْبَلَد وأضب إِذا كثر ضبابه، وَأَرْض ضبيبة كَثِيرَة
الضباب وَأَرْض مضببة ذَات ضباب، وَالْجمع مضاب، والمضبب
الحارس الَّذِي يصب المَاء فِي جُحْره حَتَّى يخرج ليأخذه.
5536 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَبْدُ
العَزِيزِ بنِ مُسْلِمٍ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ
قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما
يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الضَّبُّ
لَسْتُ آكُلهُ وَلا أُُحَرِّمُهُ.
(21/136)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَبَين
الحَدِيث الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة. لِأَن
قَوْله: وَلَا أحرمهُ يدل على الْإِبَاحَة.
وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم بِكَسْر اللَّام الْخَفِيفَة
الْمروزِي.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَهَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي
الْإِبَاحَة وَعلل بالعيافة، وَهَذَا الضَّب جَاءَ أَنه
أهدته خَالَة ابْن عَبَّاس أم حفيدة، وَفِي لفظ: حفيدة بنت
الْحَارِث أُخْت مَيْمُونَة، وَكَانَت بِنَجْد تَحت رجل من
بني جَعْفَر. وَفِي لفظ: كلوا فَإِنَّهُ حَلَال، وَفِي
لفظ: لَا بَأْس بِهِ، وَفِي لفظ: لَا آكله وَلَا أنهى
عَنهُ، وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: كنت
فِي بَيت مَيْمُونَة فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَمَعَهُ خَالِد. فجاؤا بضبين مشويين فَتَبَزَّقَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ
خَالِد: إخالك تقذره يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أجل وروى
مُسلم من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا: إِن الله غضب على سبط
من بني إِسْرَائِيل فمسخهم دَوَاب يدبون فِي الأَرْض،
فَلَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذَا مِنْهَا، فلست آكلها وَلَا
أنهى عَنْهَا. قَالَ أَبُو سعيد: فَلَمَّا كَانَ بعد
ذَلِك، قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِن الله عز
وَجل لينفع بِهِ غير وَاحِد، وَإنَّهُ لطعام عَامَّة
الرُّعَاة، وَلَو كَانَ عِنْدِي لطعمته، وَإِنَّمَا عافه
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي هَذَا الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة بِأَلْفَاظ
مُخْتَلفَة عَن رجال شَتَّى من الصَّحَابَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، لم يصحح أحد مِنْهُم عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، تَحْرِيمهَا، وَأكْثر من روى أَنه
أمسك عَن أكلهَا عيافة، وَقد وضع الطَّحَاوِيّ بَابا
للضباب فروى أَولا حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة،
قَالَ: نزلنَا أَرضًا كَثِيرَة الضباب فأصابتنا مجاعَة
فطبخنا مِنْهَا، وَإِن الْقُدُور لتغلي بهَا إِذْ جَاءَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
فَقُلْنَا: ضباب أصبناها فَقَالَ: إِن أمة من بني
إِسْرَائِيل مسخت دَوَاب فِي الأَرْض وَإِنِّي أخْشَى أَن
تكون هَذِه وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ ابْن حزم:
حَدِيث صَحِيح إلاَّ أَنه مَنْسُوخ بِلَا شكّ. ثمَّ قَالَ
الطَّحَاوِيّ: ذهب قوم إِلَى تَحْرِيم لُحُوم الضباب،
وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث. قلت: أَرَادَ بالقوم
هَؤُلَاءِ الْأَعْمَش وَزيد بن وهب وَآخَرين. ثمَّ قَالَ:
وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَلم يرَوا بهَا بَأْسا.
قلت: أَرَادَ بالآخرين هَؤُلَاءِ عبد الرَّحْمَن بن أبي
ليلى وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ ومالكا
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَبِه قَالَت
الظَّاهِرِيَّة، ثمَّ قَالَ: وَقد كره قوم أكل الضَّب
مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. ثمَّ
قَالَ: الْأَصَح عِنْد أَصْحَابنَا أَن الْكَرَاهَة
كَرَاهَة تَنْزِيه لَا كَرَاهَة تَحْرِيم لتظاهر
الْأَحَادِيث الصِّحَاح بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحرَام.
5537 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ
عَن ابنِ شِهابٍ عَنْ أبِي أمامَةَ بنِ سَهْلِ عَنْ عَبْدِ
الله بنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُما، عَنْ خَالِدِ
بنِ الوَلِيدِ أنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ
مَحْنُودٍ فَأهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بِيَدِهِ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ:
أخْبِرُوا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمَا
يُرِيدُ أنْ يَأكُلَ. فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ
الله {فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أحَرَامٌ هُوَ يَا
رَسُولَ الله} فَقَالَ: لَا وَلاكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأرْضِ
قَوْمِي فَأجِدُنِي أعافُهُ. قَالَ خَالِدٌ:
فَاجْتَرَرْتُهُ فَأكَلْتُهُ وَرَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يَنْظُرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مسلمة
بِفَتْح الميمين القعني، وَأَبُو أُمَامَة بِضَم الْهمزَة
أسعد بن سهل الْأنْصَارِيّ وَله رِوَايَة ولأبيه سهل بن
حنيف صُحْبَة.
وَفِيه: رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ، وَاخْتلف فِيهِ
على الزُّهْرِيّ، هَل هُوَ من مُسْند ابْن عَبَّاس أَو من
مُسْند خَالِد بن الْوَلِيد، وَكَذَا اخْتلف فِيهِ على
مَالك فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: عَن ابْن عَبَّاس عَن
خَالِد، وَقَالَ يحيى ابْن بكير فِي (الْمُوَطَّأ)
وَطَائِفَة عَن مَالك بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وخَالِد
أَنَّهُمَا دخلا وَقَالَ يحيى بن يحيى عَن مَالك بِلَفْظ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخلت أَنا وخَالِد على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرجه مُسلم عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة فِي: بَاب مَا كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْكُل حَتَّى
يُسمى لَهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن
مقَاتل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بَيت مَيْمُونَة) ، هِيَ خَالَة خَالِد بن
الْوَلِيد. قَوْله: (محنوذ) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة
أَي: مشوي. قَوْله: (فَأَهوى إِلَيْهِ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ) ، أَي: أمال يَده إِلَيْهِ
ليأخذه، وَقيل: قصد بِيَدِهِ إِلَيْهِ. قَوْله: (فأجدني) ،
أَي: فأجد نَفسِي أعافه أَي: أكرهه. قَوْله: (ينظر) ، زَاد
يُونُس فِي رِوَايَته إليّ.
24 - (بَابٌ: {إذَا وَقَعَتِ الفَأرَةُ فِي السَّمْنِ
الجَامِدِ أوِ الذَّائِبِ} )
(21/137)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا وَقعت
الْفَأْرَة فِي السّمن، وَلَيْسَ السّمن بِقَيْد، وَكَذَا
الدّهن وَالْعَسَل وَنَحْوهَا وَأَرَادَ بقوله: (الجامد
أَو الذائب) هَل يفترقان فِي الحكم أم لَا. وَقد تقدم فِي
كتاب الطَّهَارَة على مَا ذَكرْنَاهُ مَا يدل على أَن
الْمُخْتَار أَنه لَا ينجس إِلَّا بالتغير.
5538 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا
الزَّهْرِيُّ قَالَ: أخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ
الله بنِ عُتْبَةَ بِأنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ
يُحَدِّثُهُ عَنْ مَيْمُونَةَ أنَّ فَأرَةَ وَقَعَتْ فِي
سَمْنٍ فَمَاتَتْ فَسُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَنْها فَقَالَ: ألْقُوهَا وَمَا حَوْلَها
وَكُلُوهُ.
قِيلَ لِسُفْيَانَ، فَإنَّ مَعَمْرٌ أيُحَدِّثُهُ عَنِ
الزّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِي
هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنْهُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ
الزُّهْرِيَّ يَقُولُ إلاَّ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنِ ابنِ
عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مِرَارا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث يبين مَا أبهم
فِي التَّرْجَمَة.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى
أحد أجداده حميد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة
ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب مَا
يَقع من النَّجَاسَات فِي السّمن وَالْمَاء فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن ابْن شهَاب
عَن عبيد الله بن عبد الله إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: (ألقوها) يدل على أَن السّمن كَانَ جَامِدا،
لِأَنَّهُ لَا يُمكن طرح مَا حولهَا من الْمَائِع الذائب
لِأَنَّهُ عِنْد الْحَرَكَة يمتزج بعضه بِبَعْض، وَقَامَ
الْإِجْمَاع على أَن هَذَا حكم السّمن الجامد، وَأما
الْمَائِع من السّمن وَسَائِر الْمَائِعَات فَلَا خلاف فِي
أَنه إِذا وَقع فِيهِ فَأْرَة أَو نَحْو ذَلِك لَا يُؤْكَل
مِنْهَا شَيْء.
وَاخْتلفُوا فِي بَيْعه وَالِانْتِفَاع بِهِ فَقَالَ
الْحسن بن صَالح وَأحمد لَا يُبَاع وَلَا ينْتَفع بِشَيْء
مِنْهُ كَمَا لَا يُؤْكَل وَقَالَ الثَّوْريّ وَمَالك
وَالشَّافِعِيّ يجوز الإستصباح والإنتفاع بِهِ فِي الصابون
وَغَيره، وَلَا يجوز بَيْعه وَلَا أكله. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَأَصْحَابه وَاللَّيْث ينْتَفع بِهِ فِي كل شَيْء
مَا عدا الْأكل وَيجوز بَيْعه بِشَرْط الْبَيَان، وروى عَن
أبي مُوسَى أَنه قَالَ: بيعوه وبينوا لمن تبيعونه مِنْهُ،
وَلَا تبيعوه من مُسلم، وَرُوِيَ عَن ابْن وهب عَن
الْقَاسِم وَسَالم أَنَّهُمَا أجازا بَيْعه وَأكل ثمنه بعد
الْبَيَان.
قَوْله: (فَقيل لِسُفْيَان) قيل: الْقَائِل هُوَ شيخ
البُخَارِيّ عَليّ بن الْمَدِينِيّ كَذَا ذكره فِي علله
قَوْله فَإِن معمراً يحدثه إِلَى آخِره طَرِيق معمر هَذَا
وَصله أَبُو دَاوُد عَن الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي
وَأحمد بن صَالح كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر
بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُور إِلَى أبي هُرَيْرَة، وَنقل
التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ أَن هَذَا الطَّرِيق خطأ.
وَالْمَحْفُوظ رِوَايَة الزُّهْرِيّ من طَرِيق مَيْمُونَة،
وَجزم الذهلي بِأَن الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ قَوْله
قَالَ: (مَا سَمِعت الزُّهْرِيّ) أَي: قَالَ سُفْيَان
قَوْله: (وَلَقَد سمعته مِنْهُ مرَارًا) يَعْنِي: من
طَرِيق مَيْمُونَة فَقَط.
5539 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخْبَرَنا عَبْدُ الله عَنْ
يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الدَّابَّةِ تَمُوتُ فِي
الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَهُوَ جَامِدٌ أوْ غَيْرُ جَامِدٍ،
الفَأْرَةِ أوْ غَيْرِها، قَالَ: بَلَغَنَا أنَّ رَسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمَرَ بِفَأْرَةٍ مَاتَتْ
فِي سَمْنٍ، فَأمَرَ بِمَا قَرُبَ مِنْها فَطُرِحَ ثُمَّ
أُكِلَ عَنْ حَدِيث عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن
عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك
الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي.
قَوْله: (عَن الدَّابَّة) أَي: عَن حكم الدَّابَّة تَمُوت
فِي الزَّيْت هَل ينجس الْكل أم لَا؟ قَوْله: (وَهُوَ
جَامِدا) الْوَاو فِيهِ للْحَال ظَاهر هَذَا يدل على أَن
الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحكم مَا كَانَ يفرق بَين الجامد
وَغَيره، وَكَذَا لم يفرق بَين السّمن وَغَيره لِأَنَّهُ
فِي السُّؤَال هَكَذَا ثمَّ اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ فِي
السّمن وَالْحق غير السّمن بِهِ قِيَاسا عَلَيْهِ. قَوْله:
(الْفَأْرَة) بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ إِمَّا بدل من
الدَّابَّة. وَإِمَّا عطف بَيَان لَهَا ويروى بِالرَّفْع
على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: الدَّابَّة هِيَ
فَأْرَة وَأَشَارَ بقوله: (أَو غَيرهَا) إِلَى أَن ذكر
الْفَأْرَة لَيْسَ بِقَيْد قَوْله: (بلغنَا أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هَذَا بَلَاغ صورته صُورَة
إرْسَال أَو وقف وَلكنه لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَرْفُوع
لِأَنَّهُ صرح أَولا وآخرا بِالرَّفْع، فالآخر هُوَ
قَوْله: (عَن حَدِيث عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة)
وَكلمَة عَن تتَعَلَّق بقوله: بلغنَا أَي: بلغنَا عَن
حَدِيث عبيد الله قَوْله: بِمَا قرب مِنْهَا أَي: من
الْفَأْرَة، وَهُوَ فِي الْمَعْنى مثل قَوْله: ألقوها
(21/138)
وَمَا حولهَا، وَلم يرد بطرِيق صَحِيح قدر
مَا يلقى، وَلَكِن جَاءَ فِي مُرْسل عَطاء بن يسَار أَنه
يكون قدر الْكَفّ، أخرجه ابْن أبي شيبَة عَنهُ بِسَنَد
جيد، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يحيى الْقطَّان
عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث فَأمر أَن يقور مَا حولهَا
فَيرمى بِهِ، وَهَذَا يُصَرح بِأَنَّهُ كَانَ جَامِدا
كَمَا ذكرنَا عَن قريب.
5540 - حدَّثنا عَبْدَ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا
مَالِكٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ
الله عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ الله
عَنْهُمْ قَالَت: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: ألْقُوها
وَمَا حَوْلَها وَكُلُوهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد
الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ. وَفِيه: رِوَايَة
صَحَابِيّ عَن صحابية.
والْحَدِيث مر فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب مَا يَقع من
النَّجَاسَات فِي السّمن وَالْمَاء فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن معن عَن مَالك إِلَى
آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
وَأبْهم السَّائِل فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَوَقع فِي
رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن أَحْمد تعْيين من سَأَلَ
وَلَفظه عَن مَيْمُونَة أَنَّهَا استفتت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن فَأْرَة الحَدِيث.
35 - (بَابُ: {الوَسْمِ وَالعَلَمِ فِي الصُّورَةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الوسم بِفَتْح الْوَاو
وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَقيل: بِالْمُعْجَمَةِ،
ومعناهما وَاحِد، وَهُوَ أَن يعلم الشَّيْء بِشَيْء يُؤثر
فِيهِ تَأْثِيرا بليغا يُقَال: وسمه إِذا أثر فِيهِ بعلامة
وكية وأصل ذَلِك أَن يَجْعَل فِي الْبَهِيمَة ليميزها عَن
غَيرهَا. وَقيل: الوسم بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْه
وبالمعجمة فِي سَائِر الْجَسَد، فعلى هَذَا الصَّوَاب
بِالْمُهْمَلَةِ لقَوْله: (فِي الصُّورَة) قَوْله:
(وَالْعلم) بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى الْعَلامَة وَفِي بعض
النّسخ: بَاب الْعلم والوسم، قَالَ ابْن الْأَثِير:
يُقَال: وسمه يسمه وسما وسمة إِذا أثر فِيهِ بالكي،
وَمِنْه الحَدِيث أَنه كَانَ يسم إبل الصَّدَقَة أَي: يعلم
عَلَيْهَا بالكي انْتهى. قلت: إِذا كَانَ الوسم بالكي يكون
عطف الْعلم على الوسم من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن
الْعَلامَة أَعم من أَن تكون بالكي وَغَيره، وَأما على
النُّسْخَة الَّتِي قدم الْعلم على الوسم فِيهَا يكون عطف
الوسم على الْعلم عطفا تفسيريا. قَوْله: (فِي الصُّورَة)
صفة للْعلم أَي: الْعلم الْكَائِن فِي الصُّورَة ويروى:
فِي الصُّور، على صِيغَة جمع الصُّورَة وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قيل: المُرَاد بالصورة الْوَجْه كَمَا يعْمل
الكي فِي صور سودان الْحَبَشَة وكما يغرز بالإبرة فِي
الشّفة وَغَيرهَا ويحشى بنيلة وَنَحْوهَا وَأبْهم الحكم
فِي التَّرْجَمَة اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث على
عَادَته هَكَذَا فِي غَالب التراجم.
5541 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ
عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّهُ كَرِهَ أنْ تُعَلَمَ
الصُّورَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن مُوسَى بن
باذام الْكُوفِي، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ فِي سنة ثَلَاث
عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ كَاتب الْوَاقِدِيّ مثله،
وَزَاد فِي ذِي الْقعدَة، وحَنْظَلَة هُوَ ابْن أبي
سُفْيَان الجُمَحِي، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَهُوَ من أَفْرَاده
قَوْله الصُّورَة أَي: الْوَجْه وَفِي رِوَايَة الْكشميهني
الصُّور: بِصِيغَة الْجمع فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي
(التَّوْضِيح) الوسم فِي الصُّورَة مَكْرُوه عِنْد
الْعلمَاء كَمَا قَالَه ابْن بطال. وَعِنْدنَا أَنه حرَام،
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مر على حمَار قد وسم فِي وَجهه فَقَالَ:
لعن الله الَّذِي وسمه، وَإِنَّمَا كرهوه لشرف الْوَجْه
وَحُصُول الشين فِيهِ وتغيير خلق الله، وَأما الوسم فِي
غير الْوَجْه للعلامة وَالْمَنْفَعَة بذلك فَلَا بَأْس
إِذا كَانَ يَسِيرا غير شائن أَلا ترى أَنه يجوز فِي
الضَّحَايَا وَغَيرهَا؟ وَالدَّلِيل على أَنه لَا يجوز
الشائن من ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حكم على
أَن من شان عَبده أَو مثل بِهِ باستئصال أنف أَو أذن أَو
جارحة عتقه عَلَيْهِ، وَأَن يعْتق إِن جرحه أَو يشق
أُذُنه، وَقد وسم الشَّارِع إبل الْأُضْحِية، وَقد تقدم
وسم الْبَهَائِم فِي: بَاب وسم الإِمَام إبل الصَّدَقَة
فِي كتاب الزَّكَاة.
{وَقَالَ ابنُ عمر: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن تَضْرِبَ}
هَذَا أَمر مَوْصُول بالسند الْمُتَقَدّم ذكر أَولا
الْمَوْقُوف ثمَّ أعقبه بالمرفوع مستدلاً بِهِ على مَا ذكر
من الْكَرَاهَة لِأَنَّهُ إِذا ثَبت النَّهْي
(21/139)
عَن الضَّرْب كَانَ منع الوسم أولى.
قَوْله: (أَن تضرب) ، أَي: الصُّورَة، وَجَاء فِي رِوَايَة
مُسلم من حَدِيث جَابر نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَن الضَّرْب فِي الْوَجْه وَعَن الوسم فِي
الْوَجْه وَقد ذكرنَا آنِفا عَن جَابر أَيْضا مَا رَوَاهُ
فِيهِ.
{تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ حدَّثنا العَنْقَزِيُّ عَنْ
حَنْظَلَةَ وَقَالَ تُضْرَبُ الصُّورَةُ}
أَي: تَابع عبد الله بن مُوسَى شيخ البُخَارِيّ
الْمَذْكُور قُتَيْبَة بن سعيد شيخ البُخَارِيّ أَيْضا فِي
رِوَايَة حَنْظَلَة عَن سَالم، وأوضح قُتَيْبَة فِي هَذِه
الْمُتَابَعَة أَن المُرَاد من قَوْله: أَن تعلم الصُّورَة
فِي رِوَايَة عبيد الله أَن تضرب الصُّورَة، وَرَوَاهُ
قُتَيْبَة عَن عَمْرو بن مُحَمَّد الْكُوفِي الْعَنْقَزِي
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح
الْقَاف بعْدهَا زَاي نِسْبَة إِلَى بيع العنقز. قَالَه
ابْن حبَان وَوَثَّقَهُ أَيْضا والعنقز المرزنجوش. وَقيل:
الريحان وَفِي (ديوَان الْأَدَب) العنقز المردكوش. قلت:
المرزنجوش مُعرب مردكوش وَهُوَ نبت مَشْهُور قَوْله: (عَن
حَنْظَلَة) أَي: بالسند الْمَذْكُور، وَهُوَ عَن حَنْظَلَة
عَن سَالم عَن أَبِيه عبد الله بن عمر، وَهَذِه
الْمُتَابَعَة لَهَا حكم الْوَصْل عِنْد ابْن الصّلاح
لِأَن قُتَيْبَة من شُيُوخ البُخَارِيّ، كَمَا ذكرنَا.
5542 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ
هِشامِ بنِ زَيْدٍ عَنْ أنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأخٍ لِي يُحَنِّكُهُ
وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ فَرَأيْتُهُ يَسِمُ شَاةً
حَسَبْتُهُ قَالَ: فِي آذَانِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَهِشَام بن زيد بن أنس بن
مَالك يروي عَن جده أنس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن أبي مُوسَى
وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن حَفْص بن
عمر وَأخرجه ابْن ماجة فِي اللبَاس عَن سُوَيْد بن سعيد.
قَوْله: (بِأَخ) ، هُوَ أَخُوهُ من أمه وَهُوَ عبد الله بن
أبي طَلْحَة. قَوْله: (يحنكه) من التحنيك وَهُوَ أَن يدلك
فِي حنكه ثَمَرَة ممضوغة وَنَحْوهَا. قَوْله: (فِي المربد)
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة. وَهُوَ الْموضع الَّذِي
تحبس فِيهِ الْإِبِل كالحظيرة للغنم فإطلاق المربد هُنَا
على مَوضِع الْغنم إِمَّا مجَاز وَإِمَّا حَقِيقَة بِأَن
أَدخل الْغنم إِلَى مربد الْإِبِل ليسمها. قَوْله: (يسم)
من الوسم كَمَا ذكرنَا. أَي: يكوي. قَوْله: (شَاة) وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني، شَاءَ، بِالْهَمْز جمع شَاة. قَوْله:
(حسبته) الْقَائِل شُعْبَة، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ
يرجع إِلَى هِشَام بن زيد، وَقد وَقع مبيتا فِي رِوَايَة
مُسلم.
وَفِيه: جَوَاز الوسم فِي غير الْآدَمِيّ، وَبَيَان مَا
كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ من
التَّوَاضُع وَفعل الأشغال بِيَدِهِ، وَنَظره فِي مصَالح
الْمُسلمين. وَفِيه: اسْتِحْبَاب تحنيك الْمَوْلُود وَحمله
إِلَى أهل الصّلاح ليَكُون أول مَا يدْخل جَوْفه ريق
الصَّالِحين، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الضَّرْب فِي الْوَجْه
مَنْهِيّ عَنهُ فِي كل حَيَوَان مُحْتَرم لكنه فِي
الْآدَمِيّ أَشد لِأَنَّهُ مجمع المحاسن، وَرُبمَا شانه
أَو آذَى بعض حواسه، وَأما الوسم فَفِي الْآدَمِيّ حرَام
وَفِي غَيره مَكْرُوه والوسم هُوَ أثر الكي قَالَ
الْكرْمَانِي: والوسم فِي نَحْو نعم الصَّدَقَة فِي غير
الْوَجْه مُسْتَحبّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَكْرُوه
لِأَنَّهُ تَعْذِيب ومثلة، وَقد نهى عَنْهُمَا. وَأجِيب:
عَنهُ بِأَن ذَلِك النَّهْي عَام وَحَدِيث الوسم خَاص
فَوَجَبَ تَقْدِيمه قلت: إِذا علم تقارنهما يقْضِي للخاص
على الْعَام، وإلاَّ فَلَا.
36 - (بَابٌ: {إذَا أصابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً فَذَبَحَ
بَعْضُهُمْ غَنَما أوْ إبْلاً بِغَيْرِ أمْرِ أصْحَابِهِمْ
لَمْ تُؤْكَلْ لِحَدِيثِ رَافِعٍ عَنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا أصَاب جمَاعَة
غنيمَة، بِفَتْح الْغَيْن على وزن عَظِيمَة فذبح وَاحِد
مِنْهُم غنما أَو إبِلا من تِلْكَ الْغَنِيمَة بِغَيْر
أَمر الْبَقِيَّة من أَصْحَابه لم تُؤْكَل تِلْكَ
الذَّبِيحَة وَلَعَلَّ البُخَارِيّ صَار فِي هَذَا إِلَى
أَن من ذبح غير من لَهُ ولَايَة الذّبْح شرعا بالملكية أَو
الْوكَالَة أَو نَحْوهَا غير مُعْتَبر قَوْله: (لحَدِيث
رَافع) الَّذِي يذكرهُ الْآن، وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ من
حَيْثُ إِن سرعَان النَّاس فِي قصَّة حَدِيثه أَصَابُوا من
الْغَنَائِم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي آخر
النَّاس فذبحوا وعلقوا الْقُدُور فَلَمَّا جَاءَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَأى ذَلِك أَمر بإكفاء
الْقُدُور لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم أَن يَفْعَلُوا ذَلِك
قبل الْقِسْمَة.
{وَقَالَ طَاوُوس وَعِكْرَمَةُ فِي ذَبِيحَة السَّارِقِ:
اطْرَحُوهُ}
(21/140)
يَعْنِي: حرَام لَا تأكلوه وَهَذَا أَيْضا
مصير مِنْهُمَا أَن من لَيْسَ لَهُ ولَايَة الذّبْح إِذا
ذبح لَا يُؤْكَل، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق عبد الرَّزَّاق
من حَدِيثهمَا بِلَفْظ: أَنَّهُمَا سئلا عَن ذَلِك فكرهاها
ونهيا عَنْهَا وَقَالَ ابْن بطال: لَا أعلم من تَابع
طاووسا وَعِكْرِمَة على كَرَاهِيَة أكلهَا غير إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه وَجَمَاعَة الْفُقَهَاء على إجازتها.
5543 - حدَّثنا مَسدَّدٌ حدَّثنا أبُو الأحْوصِ حدَّثنا
سَعِيدُ بنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بَنِ رَفَاعَةَ عَنْ
أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ بنِ خَدِيجٍ قَالَ: قُلْتُ
لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّنَا نَلْقَى
العَدُوَّ غَدا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ: مَا
أنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اسْمُ الله فَكُلُوا مَا لَمْ
يَكُنْ سِنٌّ وَلا ظُفُرٌ. وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذالِكَ
أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى
الحَبَشَةِ، وَتَقَدَّمَ سَرَعانُ النَّاسِ فَأصَابُوا
مِنَ الغَنَائِمِ وَالنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
آخِرِ النَّاسِ فَنَصَبُوا قُدُورا فَأمَرَ بِها
فَأُكْفِئَتْ وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرا
بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ أوَائِلِ
القَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ
بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ الله فَقَالَ: إنَّ لِهاذِهِ
البَهائِمِ أوَابِدَ كَأوَابِدِ الوَحْشِ فَمَا فَعَلَ
مِنْها هاذا فَافْعَلُوا مِثْلَ هاذا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه ذكر أَولا قَوْله
لحَدِيث رَافع، وَأورد بعده الحَدِيث بِتَمَامِهِ
مُسْندًا.
وَأَبُو الْأَحْوَص اسْمه سَلام الْحَنَفِيّ الْكُوفِي،
وَسَعِيد بن مَسْرُوق وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ، وعباية
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء
الْمُوَحدَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف ابْن
رِفَاعَة بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وَقَالَ
الغساني: سَائِر رُوَاة هَذَا الحَدِيث يَرْوُونَهُ عَن
سعيد بن مَسْرُوق عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة عَن جده، وَلم
يقل أحد عَن أَبِيه عَن جده غير أبي الْأَحْوَص. وَقيل:
أَخطَأ أَبُو الْأَحْوَص فِيهِ حَيْثُ قَالَ: عَن أَبِيه.
وَهَذَا الحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب التَّسْمِيَة على
الذَّبِيحَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَتقدم سرعَان النَّاس) قَالَ الْجَوْهَرِي:
سرعَان النَّاس بِالتَّحْرِيكِ أوائلهم وَقَالَ الْكسَائي
سرعَان النَّاس أخفاؤهم المستعجلون مِنْهُم وَضَبطه بَعضهم
بِسُكُون الرَّاء وَضَبطه الْأصيلِيّ وَغَيره سرعَان،
وَقَالَ ابْن التِّين: وَضبط بِضَم السِّين، فعلى هَذَا
يكون جمع سريع كقفيز وقفزان. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَأما
قَوْلهم: سرعَان مَا فعلت فبالفتح وَالضَّم وَالْكَسْر
وَإِسْكَان الرَّاء وَفتح النُّون أبدا.
37 - (بَابٌ: {إذَا نَدَّ بَعِيرٌ لِقَوْمٍ فَرَمَاهُ
بَعْضُهُمْ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَأرَادَ صَلاحَهُمْ
فَهْوَ جَائِزٌ لِخَبرِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا ندَّ أَي: نفر
هَارِبا بعير كَائِن لقوم فَرَمَاهُ بَعضهم أَي: بعض
الْقَوْم بِسَهْم فَقتله فَأَرَادَ أَي: الرَّامِي
صَلَاحهمْ أَي: صَلَاح الْقَوْم يَعْنِي: إِذا علم
مُرَادهم فَأَرَادَ حَبسه على أربابه وَلم يرد إفساده
عَلَيْهِم فَلذَلِك لم يضمن الْبَعِير وَحل أكله، وَإِذا
قتل بَعِيرًا لقوم بِغَيْر إذْنهمْ فَعَلَيهِ ضَمَانه
إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِأَنَّهُ صال عَلَيْهِ، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: فَأَرَادَ إِصْلَاحه أَي: إصْلَاح
الْبَعِير، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة صَلَاحه، بِغَيْر ألف
قَوْله: فَهُوَ جَائِز، جَزَاء إِذا ندَّ إِلَى آخِره
أَرَادَ أَنه يجوز أكله وَلَا يلْزمه شَيْء كَمَا ذكرنَا
قَوْله: لخَبر رَافع أَي: لحَدِيث رَافع بن خديج الَّذِي
تقدم لِأَن فِيهِ بَيَان جَوَاز هَذَا كَمَا مر.
5544 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبَرَنَا عُمَرُ
بنُ عُبَيْدٍ الطَّنافِسِيُّ عَنْ سَعِيدِ بنِ مَسْرُوقٍ
عَنْ عَبَايَةَ ابنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بنِ
خَدِيجٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سَفَرٍ، فَنَدَّ بَعِيرٌ
مِنَ الإبِلِ، قَالَ: فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ
فَحَبَسَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: إنَّ لَهَا أوَابِدَ
كَأوَابِدَ الوَحْشِ فَمَّا غَلَبَكُمْ مِنْها فَاصْنَعُوا
بِهِ هاكذا قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُوَل الله! إنَّا نَكُونُ
فِي المَغَازِي وَالأسْفَارِ، فَنُرِيدُ أنْ نَذْبَحَ فَلا
تَكُونُ
(21/141)
مُدًى قَالَ: أرِنْ مَا نَهَرَ، أوْ
أنْهَرَ الدَّمَ وَاذْكُرِ اسْمَ الله فَكُلْ غَيْرَ
السِّنِّ وَالظُّفْرِ، فَإنَّ السِنَّ عَظْمٌ وَالظُّفْرَ
مُدًى الحَبَشَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فند بعير من الْإِبِل)
وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، وَفِي بعض النّسخ
صرح بِمُحَمد بن سَلام، وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن عبيد
بِضَم الْعين الطنافسي نِسْبَة إِلَى بيع الطنافس أَو
اتخاذها، وَهُوَ جمع طنفسة وَهِي بِسَاط لَهُ خمل،
وَسَعِيد بن مَسْرُوق وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ.
والْحَدِيث قد تقدم عَن قريب فِي: بَاب مَا ند من
الْبَهَائِم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أرن) ويروى أرن. قَوْله: (أَو أنهر الدَّم) شكّ
من الرَّاوِي. قَوْله: (وَاذْكُر اسْم الله) بِصُورَة
الْأَمر، ويروى: وَذكر اسْم الله، بِصِيغَة الْمَجْهُول من
الْمَاضِي.
38 - (بَابُ: {أكْلِ المُضْطَرِّ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم أكل الْمُضْطَر الْميتَة
وَفِي بعض النّسخ: بَاب إِذا أكل الْمُضْطَر. أَي: من
الْميتَة.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتٍ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لله
إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ إنَّمَا حَرَّمَ الله
عَلَيْكُمْ المَيِّتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ
وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ} (الْبَقَرَة: 172،
173) وَقَالَ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ
مُتَجَانِفٍ لاثِمٍ} (الْمَائِدَة: 30) .
وَقَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ
إنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ وَمَا لَكُمْ أنْ لَا
تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ
فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا
اضْطَرَرْتُمْ إلَيْهِ وَإنَّ كَثِيِرا لَيُضِلُّونَ
بِأهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ
بِالمُعْتَدِينَ} (الْأَنْعَام: 145) .
وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا
أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ
أنْ يَكُونَ مَيْتَةٍ أوْ دَما مَسْفُوحا أوْ لَحْمَ
خِنْزِيرِ فَإنَّهُ رِجْسٌ أوْ فِسْقا أُهِلَّ لِغَيْر
الله بِهِ فَمَنْ اضْطرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإنَّ
رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الْأَنْعَام: 145) وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ مُهَرَاقا.
وَقَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ الله حَلالاً
طَيِّبا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ الله إنْ كُنْتُمْ إيَاهُ
تَعْبُدُونَ} (النَّحْل: 114) {إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ
لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا
عَادٍ فَإنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الْبَقَرَة: 173) .
وضع هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْمُضْطَر إِلَى أكل الْميتَة
وَلم يذكر فِيهَا حَدِيثا أصلا فَقيل: لِأَنَّهُ لم يظفر
فِيهِ بِشَيْء على مُقْتَضى شَرطه وَاكْتفى بسوق الْآيَات
الْمَذْكُورَة فَإِن فِيهَا بَيَانا لأحوال الْمُضْطَر.
وَقيل: لِأَنَّهُ بيض موضعا للْحَدِيث ليكتبه عِنْد
الظفرية فَلم يُدْرِكهُ. فانضم بعض تِلْكَ الْآيَات إِلَى
بعض عِنْد نسخ الْكتاب. قلت: روى الإِمَام أَحْمد حَدثنَا
الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنَا حسان
عَن عَطِيَّة عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ أَنهم قَالُوا:
يَا رَسُول الله! إنَّا بِأَرْض تصيبنا بهَا المخمصة
فَمَتَى تحل لنا بهَا الْميتَة؟ فَقَالَ: إِذا لم تصطبحوا
وَلم تغتبقوا وَلم تجتفئوا بقلاً فشأنكم بهَا. قَالَ ابْن
كثير: تفرد بهَا أَحْمد من هَذَا الْوَجْه، وَهُوَ
إِسْنَاد صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وروى ابْن جرير
حَدثنِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا ابْن علية عَن
ابْن عون. قَالَ: وجدت عِنْد الْحسن كتاب سَمُرَة
فَقَرَأته عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهِ يجزىء من الِاضْطِرَار
صبوح أَو غبوق وروى أَبُو دَاوُد: حَدثنَا هَارُون بن عبد
الله أَنبأَنَا الْفضل بن دُكَيْن أخبرنَا وهب بن عقبَة بن
وهيب العامري سَمِعت أبي يحدث عَن الفجيع العامري أَنه
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا
يحل لنا من الْميتَة؟ قَالَ: مَا طَعَامكُمْ؟ قُلْنَا:
نغتبق ونصطبح. قَالَ أَبُو نعيم فسره لي عقبَة قدح غدْوَة
وقدح عَشِيَّة، قَالَ: ذَاك وَأبي الْجُوع. وَأحل لَهُم
الْميتَة على هَذَا الْحَال. قَالَ ابْن كثير: تفرد بِهِ
أَبُو دَاوُد، وَكَأَنَّهُم كَانُوا يغتبقون ويصطبحون
شَيْئا لَا يكفيهم، فأحل لَهُم الْميتَة لتَمام كفايتهم،
وَقد يحْتَج بِهِ من يرى جَوَاز الْأكل مِنْهَا حَتَّى
يبلغ حد الشِّبَع وَلَا يتَقَيَّد ذَلِك بسد الرمق. قلت.
المخمصة ضمور الْبَطن من الْجُوع. قَوْله: (إِذا لم
تصطبحوا) ، يَعْنِي: بِهِ الْغَدَاة. وَلم تغتبقوا يَعْنِي
بِهِ الْعشَاء. قَوْله: (وَلم
(21/142)
تجتفئوا بقلاً) ، أَي: لم تقلوه وترموا
بِهِ من جفات الْقدر إِذا رمت مَا يجْتَمع على رَأسهَا من
الزّبد والوسخ، ومادته جِيم وَفَاء وهمزة: (فشأنكم بهَا)
أَي: الْميتَة اسْتَمْتعُوا بهَا غير مضيق عَلَيْكُم،
والشأن فِي الأَصْل الْخطب وَالْحَال وَالْأَمر، وانتصابه
بإضمار فعل قَوْله: (صبوح أَو غبوق) أُرِيد بالصبوح
الْغَدَاة وبالغبوق الْعشَاء. قَوْله: (عَن الفجيع
العامري) بِالْفَاءِ وَالْجِيم وَالْعين الْمُهْملَة،
قَالَ أَبُو عمر: الفجيع ابْن عبد الله بن جندح العامري من
بني عَامر بن صعصعة سكن الْكُوفَة رُوِيَ عَنهُ وهب ابْن
عقبَة الْبكالِي.
قَوْله: (لقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
كلوا من طَيّبَات} إِلَى قَوْله: {فَلَا أَثم عَلَيْهِ}
(الْبَقَرَة: 172، 173) آيتان من سُورَة الْبَقَرَة
اسْتدلَّ البُخَارِيّ بِذكر هَذِه الْآيَات الْمَذْكُورَة
فِي أكل الْمُضْطَر الَّذِي وَضعه تَرْجَمَة فَلذَلِك
قَالَ: (لقَوْله تَعَالَى) بلام التَّعْلِيل، وَتَمام
الْآيَتَيْنِ: {إِن الله غَفُور رَحِيم} وَلم يذكر فِي
رِوَايَة أبي ذَر إلاَّ إِلَى قَوْله: (فَلَا إِثْم
عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة ذكر آخر الْآيَة.
وَهُوَ قَوْله: (إِن الله غَفُور رَحِيم) قَوْله: (من
طَيّبَات) أَي: من حلالات مَا رزقناكم. قَوْله: (إِن
كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ) أَي: توحدون يَعْنِي: إِن
كُنْتُم مُؤمنين بِاللَّه فاشكروا لَهُ فَإِن الْإِيمَان
يُوجب ذَلِك، وَهُوَ من شَرَائِطه وَهُوَ مَشْهُور فِي
كَلَامهم، يَقُول الرجل لصَاحبه الَّذِي قد عرف أَنه
يُحِبهُ: إِن كنت محبا لي فافعل كَذَا فَيدْخل حرف
الشَّرْط فِي كَلَامه تحريكا لَهُ على مَا يَأْمر بِهِ
وإعلاما لَهُ بِأَن ذَلِك من شَرَائِط الْمحبَّة. وَقيل:
إِن كُنْتُم عازمين على الثَّبَات فاشكروا لَهُ فَإِن
ترككم الشُّكْر يخرجكم عَنهُ. قَوْله: (إِنَّمَا حرم
عَلَيْكُم الْميتَة) ذكر هُنَا أَرْبَعَة أَشْيَاء وَلم
يذكر سَائِر الْمُحرمَات لأَنهم كَانُوا يسْتَحلُّونَ
هَذِه الْأَشْيَاء فَبين الله عز وَجل أَنه حرمهَا ثمَّ
أَبَاحَ التَّنَاوُل مِنْهَا عِنْد الضَّرُورَة وَعند فقد
غَيرهَا من الْأَطْعِمَة. فَقَالَ: (فَمن اضْطر غير بَاغ
وَلَا عَاد) أَي: فِي غير بغي وَلَا عدوان، وَهُوَ
مُجَاوزَة الْحَد (فَلَا إِثْم عَلَيْهِ) فِي أكل ذَلِك
(إِن الله غَفُور رَحِيم) قَالَ مُجَاهِد: (فَمن اضْطر غير
بَاغ وَلَا عَاد) قَاطعا للسبيل أَو مفارقا للأئمة أَو
خَارِجا فِي مَعْصِيّة الله فَلَا رخصَة لَهُ، وَإِن اضْطر
إِلَيْهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، وَقيل: غير
بَاغ فِي أكلهَا وَلَا مُتَعَدٍّ فِيهِ من غير ضَرُورَة،
وَقيل: غير مستحل لَهَا وَلَا عَاد متزود مِنْهَا. وَقيل:
غير بَاغ فِي أكلهَا شَهْوَة وتلذذا وَلَا عَاد وَلَا
يَأْكُل حَتَّى يشْبع وَلَكِن يَأْكُل مَا يمسك رمقه،
وَقيل: عَاد. أَي: عَائِد فَهُوَ من المقلوب كشاكي
السِّلَاح أَصله: شائك وَمعنى: الْإِثْم هُوَ أَن يَأْكُل
مِنْهَا فَوق الشِّبَع.
وَاخْتلف فِي: الشِّبَع وسد الرمق والتزود، فَقَالَ مَالك:
أحسن مَا سَمِعت فِي الْمُضْطَر أَنه يشْبع ويتزود فَإِذا
وجد غنى عَنْهَا طرحها. وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ
وَرَبِيعَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي
قَول: لَا يَأْكُل مِنْهَا إلاَّ مِقْدَار مَا يمسك الرمق
وَالنَّفس، وَحكى الدَّاودِيّ قولا إِنَّه يَأْكُل مِنْهَا
ثَلَاث لقم، وَقيل: إِن تغدى لَا يتعشى وَإِن تعشى لَا
يتغدى قَوْله: {فَمن اضْطر فِي مخمصه} ، (الْمَائِدَة: 3)
الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة، وَقَبله: {الْيَوْم أكملت
لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم
الْإِسْلَام دينا فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف
لإثم فَإِن الله غَفُور رَحِيم} (الْمَائِدَة: 3) قَوْله:
(غير متجانف) أَي: غير منحرف إِلَيْهِ كَقَوْلِه: (غير
بَاغ وَلَا عَاد فَإِن الله غَفُور رَحِيم) لَا يُؤَاخذ
بذلك.
قَوْله: (فَكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ) ، إِلَى
قَوْله: {هُوَ أعلم بالمعتدين} (الْأَنْعَام: 119) فِي
سُورَة الْأَنْعَام. قَوْله: (فَكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم
الله عَلَيْهِ) ، إِبَاحَة من الله لِعِبَادِهِ
الْمُؤمنِينَ أَن يَأْكُلُوا من الذَّبَائِح مَا ذكر اسْم
الله عَلَيْهِ، مفهومة أَنه لَا يُبَاح مَا لم يذكر اسْم
الله عَلَيْهِ، ثمَّ ندب إِلَى الْأكل مِمَّا ذكر اسْم
الله عَلَيْهِ فَقَالَ: (مَا لكم أَن لَا تَأْكُلُوا
مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقد فصل لكم) أَي: بَين
لكم (مَا حرم عَلَيْكُم) ووضحه بقوله: (إِلَّا مَا اضطررتم
إِلَيْهِ) أَي: إلاَّ فِي حَال الِاضْطِرَار فَإِنَّهُ
يُبَاح لكم مَا وجدْتُم ثمَّ بيّن جَهَالَة الْمُشْركين
فِي آرائهم الْفَاسِدَة من استحلالهم الميتات فَقَالَ:
(وَإِن كثيرا ليضلون بأهوائهم بِغَيْر علم إِن رَبك هُوَ
أعلم بالمعتدين) باعتدائهم وكذبهم وافترائهم.
قَوْله: {قل لَا أجد فِيمَا أوحى إليّ محرما على طاعم
يطعمهُ} ، (الْأَنْعَام: 745) إِلَى قَوْله: (فَإِن رَبك
غَفُور رَحِيم) فِي سُورَة الْأَنْعَام أَي: قل يَا
مُحَمَّد لهَؤُلَاء الَّذين حرمُوا مَا رزقهم الله افتراءً
على الله. قَوْله: (على طاعم يطعمهُ) ، أَي: على آكل
يَأْكُلهُ. قَوْله: (أَو دَمًا مسفوحا) قَالَ الْعَوْفِيّ
عَن ابْن عَبَّاس يَعْنِي مهراقا وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ
هَذَا. قَوْله: (فَكُلُوا مِمَّا رزقكم الله حَلَالا طيبا)
، كَذَا ثَبت هُنَا لكريمة والأصيلي وَسقط للباقين،
وَتَمَامه {وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ
مُؤمنُونَ} (الْمَائِدَة: 88) وَهِي فِي سُورَة
الْمَائِدَة.
قَوْله: {واشكروا نعْمَة الله إِن كُنْتُم إِيَّاه
تَعْبدُونَ} (النَّحْل: 114) هَذَا فِي سُورَة النَّحْل.
وأوله: {وكلوا مِمَّا رزقكم الله حَلَالا طيبا واشكروا
نعْمَة الله} . وَقَوله: {إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم
الْميتَة} إِلَى آخِره بعد قَوْله: {واشكروا نعْمَة الله}
(الْبَقَرَة: 173) وَهِي فِي سُورَة النَّحْل قد ذكرنَا
فِيمَا قبل هَذِه الْآيَة بِعَينهَا فِي سُورَة
(21/143)
الْبَقَرَة، وَيظْهر هُنَا تكْرَار لَا فَائِدَة فِي
إِعَادَتهَا وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن كلا مِنْهُمَا فِي
سُورَة، وَلِهَذَا توجدان فِي كثير من النّسخ وَالله
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. |