عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 73 - ( {كتابُ الأضاحِي} )
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْأَضَاحِي، وَهِي
جمع أضْحِية. قَالَ الْأَصْمَعِي: فِي الْأُضْحِية أَربع
لُغَات: أضْحِية، بِضَم الْهمزَة وإضحية، بِكَسْر الْهمزَة
وضحية وَجَمعهَا أضاحي، وأضحاة وَجَمعهَا أضحى كَمَا
يُقَال: أَرْطَاة وأرطى، قَالَ: وَبِه سمى يَوْم
الْأَضْحَى. وَفِي (نَوَادِر اللحياني) وضحية بِكَسْر
الضَّاد وَجَمعهَا كجمع الْمَفْتُوحَة الضَّاد وَعند ابْن
التياني: أضحاة، بِكَسْر الْهمزَة وَفِي (الدَّلَائِل)
لِلسَّرَقُسْطِيِّ: أضْحِية بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف
الْيَاء، وَفِي (نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي) كل ذَلِك
للشاة الَّتِي تذبح ضحوة. وَقيل: وَبِه سمى يَوْم
الْأَضْحَى وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث وَكَانَ تَسْمِيَتهَا
اشْتقت من اسْم الْوَقْت الَّذِي تشرع فِيهِ.
1 - (بَابُ: {سَنَّةِ الأضْحِيَّةِ} )
أَي: هَذَا بَاب سنة الْأُضْحِية وَهُوَ من بَاب إِضَافَة
الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف مثل جرد قطيفة، أَي: القطيفة
الَّتِي انجرد خملها، وخلقت.
{قَالَ ابنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ}
أَي: قَالَ عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا: الْأُضْحِية سنة. قَوْله: (ومعروف) ،
الْمَعْرُوف اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز
وَجل والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس وَلكُل
مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع وَنهى عَنهُ من المحسنات
والمقبحات، وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة أَي: أَمر
مَعْرُوف بَين النَّاس إِذا رَأَوْهُ لَا ينكرونه.
وَاخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء بن
أبي رَبَاح وعلقمة وَالْأسود وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو
ثَوْر: لاتجب فرضا لَكِنَّهَا مَنْدُوب إِلَيْهَا من
فعلهَا كَانَ مثابا وَمن تخلف عَنْهَا لَا يكون آثِما
وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بكر وَعمر وَأبي مَسْعُود البدري
وبلال. وَقَالَ اللَّيْث وَرَبِيعَة: لَا نرى أَن
يَتْرُكهَا الْمُوسر الْمَالِك لأمر الضحية، وَقَالَ
مَالك: لَا يَتْرُكهَا فَإِن تَركهَا بئس مَا صنع إلاَّ
أَن يكون لَهُ عذر، وَحكى عَن النَّخعِيّ أَنه قَالَ:
الْأَضْحَى وَاجِب على أهل الْأَمْصَار مَا خلا الْحجَّاج
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن:
الْأَضْحَى وَاجِب على كل مُقيم فِي الْأَمْصَار إِذا
كَانَ مُوسِرًا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف تجب
على الْحر الْمُقِيم الْمُسلم الْمُوسر، وَتَخْصِيص ابْن
الْمُنْذر يَقُول مُحَمَّد وَحده لَا وَجه لَهُ، وتحرير
مَذْهَبنَا مَا قَالَه صَاحب (الْهِدَايَة) بالأضحية
وَاجِبَة على كل مُسلم حر مُقيم مُوسر فِي يَوْم
الْأَضْحَى عَن نَفسه وَعَن وَلَده الصغار، أما الْوُجُوب
فَقَوْل أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَالْحسن وَإِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف وَعَن أبي أبي يُوسُف،
إِنَّهَا سنة وَذكر الطَّحَاوِيّ إِنَّهَا على قَول أبي
حنيفَة وَاجِبَة، وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد سنة
مُؤَكدَة، وَجه السّنيَّة مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَة غير
البُخَارِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من رأى هِلَال ذِي
الْحجَّة مِنْكُم وَأَرَادَ أَن يُضحي فليمسك عَن شعره
وأظفاره وَالتَّعْلِيق بالإرادة يُنَافِي الْوُجُوب،
وَبِهَذَا اسْتدلَّ ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق
لمَذْهَب أَحْمد وَوجه الْوُجُوب مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه
عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من كَانَ
لَهُ سَعَة وَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا) وَأخرجه
الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَمثل هَذَا
الْوَعيد لَا يلْحق بترك غير الْوَاجِب وَذكر ابْن حزم عَن
أبي حنيفَة أَنه قَالَ: هِيَ فرض.
5545 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الأيَامِيِّ عَنِ
الشَعْبِيِّ عَنِ البَرَاءِ، رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ أوَّلَ مَا
نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمنَا هَذَا نُصلي ثُمَّ نَرْجعُ
فننحرُ من فعله فقد أصابَ سنتنا وَمن ذبح قبل فَإِنَّمَا
هُوَ لحم قدَّمه لأهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي
شَيْءٍ) ، فَقَامَ أبُو بُرْدَةَ بنُ نُيَارٍ وَقَدْ
ذَبَحَ فَقَالَ: إنَّ عَنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ: إذْبَحْها
وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ.
قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ البَراءِ قَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ
ثَمَّ نَسْكُهُ وَأصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ) .
(21/144)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر لقب
مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، وزبيد بِضَم الزاء وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد
الْكَرِيم الأيامي، وَيُقَال: اليامي، بِالْيَاءِ آخر
الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى يام بن أصبي، بطن من هَمدَان،
وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل.
والْحَدِيث مضى فِي الْعِيدَيْنِ فِي: بَاب الْأكل يَوْم
النَّحْر بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (نصلي) ، أَي: أَن نصلي، وَهُوَ من قبيل قَوْلهم:
وَتسمع بالمعيدي أَي: وَأَن تسمع، أَو هُوَ تَنْزِيل
الْفِعْل منزلَة الْمصدر، ويروى بِأَن أَيْضا فَلَا
يحْتَاج إِلَى تَقْدِير. قَوْله: (من ذبح قبل) ، أَي: قبل
مُضِيّ وَقت الصَّلَاة. قَوْله: (لَيْسَ من النّسك) ، أَي:
الْعِبَادَة أَي: لَا ثَوَاب فِيهَا بل هِيَ لحم ينْتَفع
بِهِ أَهله. قَوْله: (فَقَامَ أَبُو بردة) ، بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة اسْمه
هانىء، بالنُّون بعد الْألف قبل الْهمزَة ابْن نيار
بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالراء
الْبلوى بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام وبالواو.
قَوْله: (جَذَعَة) ، هِيَ جَذَعَة معز كَانَت لَا تجوز،
وَأما الْجَذعَة من الضَّأْن فَتجوز. قَالَ أَبُو عبد الله
الزَّعْفَرَانِي: الْجذع من الضَّأْن مَا تمت لَهُ سَبْعَة
أشهر وَطعن فِي الشَّهْر الثَّامِن وَيجوز فِي الْأُضْحِية
إِذا كَانَ عَظِيم الجثة، وَأما الْجذع من الْمعز فَلَا
يجوز إلاَّ مَا تمت لَهُ سنة وَطعن فِي الثَّانِيَة
انْتهى. قَوْله: (وَلنْ تجزي) ، أَي: لن تَكْفِي، من جزى
يَجْزِي كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي
نفس} (الْبَقَرَة: 48، 123) قَوْله: (عَن أحد بعْدك)
يَعْنِي: لغيرك، وَهَذَا من خَصَائِص هَذَا الصَّحَابِيّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (قَالَ مطرف) بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء
الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالفاء ابْن طريف
الْحَارِثِيّ بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: (عَن عَامر) ،
أَي: عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب، وَتَعْلِيق
مطرف هَذَا وَصله البُخَارِيّ فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَأْتِي
أَيْضا بعد ثَمَانِيَة أَبْوَاب.
5546 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عَنْ أيُوبَ
عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، رَضِيَ الله
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإنَّما ذَبَحَ لِنَفْسِهِ
وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ
وَأصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ شرطا من جملَة
شُرُوط الْأُضْحِية، وَهُوَ أَن يكون ذَبحهَا بعد
الصَّلَاة وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين. والْحَدِيث
مضى فِي صَلَاة الْعِيد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
2 - (بَابُ: {قِسْمَةِ الإمامِ الأضَاحِيَّ بَيْنَ
النَّاسِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قسْمَة الإِمَام الْأَضَاحِي
بَين النَّاس بِنَفسِهِ أَو بوكيله، وغرضه من هَذِه
التَّرْجَمَة بَيَان قسمته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الضَّحَايَا بَين أَصْحَابه فَإِن كَانَ قسمهَا بَين
الْأَغْنِيَاء كَانَت من الْفَيْء أَو مَا يجْرِي مجْرَاه
مِمَّا يجوز أَخذه للأغنياء وَإِن كَانَ قسمهَا بَين
الْفُقَرَاء خَاصَّة كَانَت من الصَّدَقَة، وَإِنَّمَا
أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا وَالله أعلم إِن إِعْطَاء
الشَّارِع الضَّحَايَا لأَصْحَابه دَلِيل على تأكدها
وندبهم إِلَيْهَا. قيل: لَو كَانَ الْأَمر كَمَا ذكر لم
يخف ذَلِك على الصَّحَابَة الَّذين قصدُوا تَركهَا وهم
موسرون. وَأجِيب بِأَن من تَركهَا مِنْهُم لم يَتْرُكهَا
لِأَنَّهَا غير وكيدة، وَإِنَّمَا تَركهَا لما رُوِيَ عَن
معمر وَالثَّوْري عَن أبي وَائِل. قَالَ: قَالَ أَبُو
مَسْعُود الْأنْصَارِيّ: إِنِّي لأدع الْأَضْحَى وَأَنا
مُوسر مَخَافَة أَن يرى جيراني أَنه حتم عليّ، وروى
الثَّوْريّ عَن ابْن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن النَّخعِيّ
عَن عَلْقَمَة. قَالَ: لِأَن لَا أضحي أحب أَن أرَاهُ حتما
عليّ، وَقَالَ ابْن بطال: وَهَكَذَا يَنْبَغِي للْعَالم
الَّذِي يَقْتَدِي بِهِ إِذا خَفِي من الْعَامَّة أَن
يلتزموا السّنَن الْتِزَام الْفَرَائِض أَن يَتْرُكهَا
لِئَلَّا يتأسى بِهِ، وَلِئَلَّا يخْتَلط على النَّاس أَمر
دينهم فَلَا يفرقُوا بَين فرضهم ونفلهم.
5547 - حدَّثنا مُعاذُ بنُ فَضَالَةَ حدَّثنا هِشَامٌ عَنْ
يَحْيَى عَنْ بَعْجَةَ الجُهَنِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بنِ
عَامِرٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَسَمَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَ أصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ
لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! صَارَتْ
جَذَعَةٌ؟ قَالَ: ضَحِّ بِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِشَام هُوَ الدستوَائي،
وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وبعجة بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة
(21/145)
وَفتح الْجِيم ابْن عبد الله الْجُهَنِيّ،
وَهُوَ تَابِعِيّ مَعْرُوف مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ
هَذَا الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَضَاحِي عَن ابْن أبي شيبَة وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَغَيره.
قَوْله: (لعقبة) ، أَي: ابْن عَامر. قَوْله: (صَارَت
جَذَعَة) أَي: حصلت لي جَذَعَة. وَلَفظه أَعم من أَن يكون
من الْمعز لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: كَانَت
هَذِه رخصَة لعقبة كَمَا كَانَ مثلهَا رخصَة لأبي بردة فِي
حَدِيث الْبَراء، وَيُقَال: الْجَذعَة وصف لسن معِين من
بَهِيمَة الْأَنْعَام، فَمن الضَّأْن مَا أكمل السّنة،
وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَقيل: دونهَا، ثمَّ اخْتلف فِي
تَقْدِيره، فَقيل: ابْن سِتَّة أشهر، وَقيل: ثَمَانِيَة،
وَقيل: عشرَة، وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن وَكِيع أَنه ابْن
سِتَّة أشهر أَو سَبْعَة أشهر، وَأما الْجذع من الْمعز
فَهُوَ مَا دخل فِي السّنة الثَّانِيَة، وَمن الْبَقر مَا
أكمل الثَّالِثَة، وَمن الْإِبِل مَا دخل فِي الْخَامِسَة.
قَوْله: (ضح) ، أَمر من ضحى يُضحي. قَوْله: (بهَا) ، أَي:
بالجذعة الْمَذْكُورَة.
3 - (بَابُ: {الأضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْأُضْحِية للْمُسَافِر
وَالنِّسَاء، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشَارَة إِلَى خلاف
من قَالَ: لَا أضْحِية عَلَيْهِنَّ، وَيحْتَمل أَن يكون
أَشَارَ إِلَى خلاف منع تضحيتهن. قلت: لَا إِشَارَة فِيهِ
أصلا لما قَالَه. وَإِنَّمَا وضع هَذِه التَّرْجَمَة
لبَيَان أَن الْمُسَافِر وَالنِّسَاء هَل عَلَيْهِمَا
أضْحِية أم لَا؟ غير أَنه أبهم ذَلِك اكْتِفَاء بِمَا يفهم
من حَدِيث الْبَاب: على مَا لَا يخفى على من لَهُ ذوق فِي
إِدْرَاك مَعَاني الْأَحَادِيث. وَقَوله: (وَيحْتَمل)
إِلَى آخِره أبعد من الأول لِأَن التَّرْجَمَة لَيْسَ
فِيهَا مَا يدل على ذَلِك وَلَا فِي حَدِيث الْبَاب.
5548 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمانِ بنِ القَاسِمِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ الله عَنْها. أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، دَخَلَ عَلَيْها وَحَاضَتْ بَسَرِفَ قَبْلَ أنْ
تَدْخُلَ مَكَةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَالَكِ؟
أنَفِسْتِ! قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: هاذا أمْرٌ كَتَبَهُ
الله عَلَى بَنَاتِ آدَمِ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ
غَيْرَ أنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ فَلَمَّا كُنَّا
بِمنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ: مَا هاذا؟
قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
عَنْ أزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَن فِيهِ أضْحِية
الْمُسَافِر، وَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، كَانَ مُسَافِرًا وَفِيه تعرض للأضحية للنِّسَاء،
وَهُوَ ظَاهر.
فَالْكَلَام هُنَا فِي فصلين.
الأول: هَل يجب على الْمُسَافِر أضْحِية؟ اخْتلفُوا فِيهِ.
فَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ سنة على جَمِيع النَّاس وعَلى
الْحَاج بمنى وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر. وَقَالَ مَالك: لَا
أضْحِية عَلَيْهِ وَلَا يُؤمر بِتَرْكِهَا إلاَّ الْحَاج
بمنى وَذكر ابْن الْمَوَّاز عَن مَالك أَن من لم يحجّ من
أهل مَكَّة وَمنى فليضحِّ وَحكى ابْن بطال: أَن مَذْهَب
ابْن عمر أَن الْأُضْحِية تلْزم الْمُسَافِر. قلت: قد مر
أَن ابْن عمر قَالَ: هِيَ سنة ومعروف، نعم هُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب
على الْمُسَافِر أضْحِية، وَعَن النَّخعِيّ: رخص للْحَاج
وَالْمُسَافر أَن لَا يُضحي.
الْفَصْل الثَّانِي: أَن من أوجب الْأُضْحِية أوجبهَا على
النِّسَاء وَمن لم يُوجِبهَا لم يُوجِبهَا عَلَيْهِنَّ،
واستحبها فِي حقهن.
وسُفْيَان فِي السَّنَد هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبد
الرَّحْمَن يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي
بكر الصّديق. رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن عَائِشَة
أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْغسْل فِي كتاب الطَّهَارَة
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله
الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: (بسرف) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر
الرَّاء وَفتح الْفَاء وَهُوَ مَا بَين مَكَّة
وَالْمَدينَة بِقرب مَكَّة على أَمْيَال قَالَ
النَّوَوِيّ: قبل سِتَّة، وَقيل: سَبْعَة، وَقيل: تِسْعَة،
وَقيل: عشرَة، وَقيل: اثْنَي عشر ميلًا. قَوْله: (أنفست) ،
مَعْنَاهُ أحضت؟ وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَضمّهَا
لُغَتَانِ مشهورتان، وَالْفَتْح أفْصح وَالْفَاء
مَكْسُورَة فيهمَا. وَأما النّفاس الَّذِي هُوَ الْولادَة
فَيُقَال فِيهِ: نفست، بِالضَّمِّ لَا غير. قَوْله: (هَذَا
أَمر كتبه الله تَعَالَى على بَنَات آدم) هَذَا تَسْلِيَة
لَهَا وَتَخْفِيف لَهَا وَمَعْنَاهُ: أَنَّك لست بمختصة
بِهِ بل كل بَنَات آدم يكون هَذَا مِنْهُنَّ كَمَا يكون من
الرجل ومنهن الْبَوْل وَالْغَائِط وَغَيرهمَا وَقَالَ
النَّوَوِيّ: اسْتدلَّ البُخَارِيّ بِعُمُوم هَذَا
الحَدِيث على أَن الْحيض كَانَ فِي جَمِيع بَنَات آدم.
وَأنكر بِهِ على من قَالَ: إِن الْحيض أول مَا وَقع فِي
بني إِسْرَائِيل. قَوْله: (فاقضي) أَي: افعلي كَمَا فِي
الرِّوَايَة الْأُخْرَى: فاصنعي.
وَفِيه: دَلِيل على أَن الطّواف
(21/146)
لَا يَصح من الْحَائِض، وَهَذَا مجمع
عَلَيْهِ، وَلَكِن اخْتلفُوا فِي علته على حسب اخْتلَافهمْ
فِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة للطَّواف. فَقَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ شَرط، وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
لَيست بِشَرْط، وَبِه قَالَ دَاوُد فَمن شَرط الطَّهَارَة
قَالَ: الْعلَّة فِي بطلَان طواف الْحَائِض عدم
الطَّهَارَة، وَمن لم يشترطها قَالَ: الْعلَّة فِيهِ
كَونهَا مَمْنُوعَة من اللّّبْث فِي الْمَسْجِد.
قَوْله: (ضحى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
أَزوَاجه) وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن نِسَائِهِ. قَالَ
النَّوَوِيّ: هَذَا مَحْمُول على أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، استأذنهن فِي ذَلِك، فَإِن تضحية الْإِنْسَان عَن
غَيره لَا تجوز إِلَّا بِإِذْنِهِ.
4 - (بَابُ: {مَا يُشْتَهي مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ
النَّحْرِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَشْتَهِي كلمة مَا يجوز
أَن تكون مَوْصُولَة وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة
وَذَلِكَ لِأَن الْعَادة بَين النَّاس الالتذاذ بِأَكْل
اللَّحْم. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {فَذكرُوا اسْم الله
فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة
الْأَنْعَام} (الحجرات: 28) وَمن اشْتهى اللَّحْم يَوْم
النَّحْر لَا حرج عَلَيْهِ وَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ مَا
قَالَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين
لَقِي جَابر بن عبد الله وَمَعَهُ حمال لحم بدرهم. فَقَالَ
لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قر منا
إِلَى اللَّحْم. فَقَالَ لَهُ: أَيْن تذْهب هَذِه الْآيَة.
{أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا
وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا} (الْأَحْقَاف: 20) لِأَن يَوْم
النَّحْر مَخْصُوص بِأَكْل اللَّحْم، وَأما فِي غير زمن
النَّحْر فَأَكله مُبَاح إلاَّ أَن السّلف كَانُوا لَا
يواظبون على أكله دَائِما لِأَن اللَّحْم ضراوة كضراوة
الْخمر.
5549 - حدَّثنا صَدَقَةُ أخْبَرَنَا ابنُ عُلَيَّةَ عَنْ
أيُّوبُ عَنِ ابنِ سِيرِينَ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَوْمَ النَّحْرِ:
مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةَ فَلْيُعِدْ فَقَامَ
رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إنَّ هاذَا يَوْمٌ
يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ وَعِنْدِي
جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. فَرَخَّصَ لَهُ فِي
ذَلِكَ فَلا أدْرِي أبَلَغت الرُّخْصَةُ مَنْ سَواهُ أمْ
لَا. ثُمَّ انْكَفَأَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
إلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَقَامَ النَّاسُ إلَى
غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوها. أوْ قَالَ فَتَجَزَّعُوها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَصدقَة هُوَ ابْن الْفضل،
وَابْن علية هُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف
بِابْن علية اسْم أمه، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ،
وَابْن سِيرِين مُحَمَّد.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعِيدَيْنِ فِي: بَاب الْأكل
يَوْم النَّحْر.
قَوْله: (يَوْم النَّحْر) أَي: قَالَ فِي يَوْم النَّحْر.
قَوْله: (فَقَامَ رجل) هُوَ أَبُو بردة بن نيار كَمَا فِي
حَدِيث الْبَراء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله:
(وَذكر جِيرَانه) أَي: ذكر احْتِيَاج جِيرَانه وفقرهم
كَأَنَّهُ يُرِيد بِهِ عذره فِي تَقْدِيم الذّبْح على
الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة مُسلم، وَإِنِّي عجلت فِيهِ
نسيكتي لَا طعم أَهلِي وجيراني وَأهل دَاري. قَوْله:
(وَعِنْدِي جَذَعَة) هِيَ جَذَعَة الْمعز. قَوْله: (خير من
شاتَيْ لَحْم) ، أَي: أطيب لَحْمًا وأنفع لسمنها ونفاستها
قَوْله: (فِي ذَلِك) أَي: فِي التَّضْحِيَة بِتِلْكَ
الْجَذعَة من الْمعز قَوْله: (فَلَا أَدْرِي) كَلَام أنس
إِنَّمَا قَالَ: لَا أَدْرِي لِأَنَّهُ لم يبلغهُ مَا
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لن تجزي عَن أحد
بعْدك) . قَوْله: (من سواهُ) ، مَنْصُوب بقوله: (أبلغت)
قَوْله: (ثمَّ انكفأ) بِالْهَمْز أَي: مَال وانعطف من كفأت
الْإِنَاء إِذا أملته، وَالْمرَاد أَنه رَجَعَ من مَكَان
الْخطْبَة إِلَى مَكَان الذّبْح. قَوْله: (غنيمَة)
تَصْغِير غنم قَوْله: (فتوزعوها) أَي: فتفرقوها والتوزيع
التَّفْرِقَة قَوْله: (أَو قَالَ فتجزعوها) شكّ من
الرَّاوِي بِالْجِيم وَالزَّاي من الْجزع وَهُوَ الْقطع
أَي: اقتسموها حصصا وَلَيْسَ المُرَاد أَنهم اقتسموها بعد
الذّبْح فَأخذ كل وَاحِد قِطْعَة من اللَّحْم، وَإِنَّمَا
المُرَاد أَخذ حِصَّة من الْغنم، والقطعة تطلق على
الْحصَّة من كل شَيْء.
5 - (بابُ: {مَنْ قَالَ: الأضْحَى يَوْمَ النَّحْرِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قَالَ: إِن الْأَضْحَى
يَوْم النَّحْر، يَعْنِي: يَوْم وَاحِد وَهُوَ يَوْم
النَّحْر، وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين، وَحَكَاهُ ابْن حزم
عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن أَنه كَانَ لَا يرى النَّحْر
إلاَّ يَوْم النَّحْر. وَهُوَ قَول ابْن أبي سُلَيْمَان.
وَفِي هَذَا الْبَاب أَقْوَال: أَحدهَا: يَوْم النَّحْر
ويومان بعده، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه
وَالثَّوْري وَأحمد، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعلي وَابْن
عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَأنس رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، ذكره ابْن الْقصار، وَذكره ابْن وهب عَن
ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
(21/147)
الثَّانِي: أَرْبَعَة أَيَّام، يَوْم
النَّحْر وَثَلَاثَة بعده، وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحسن
الْبَصْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر
وروى ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس قَالَا: أَيَّام
النَّحْر الْأَيَّام المعلومات يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة
أَيَّام بعده.
الثَّالِث: يَوْم النَّحْر وَسِتَّة أَيَّام بعده وَهُوَ
قَول قَتَادَة. الرَّابِع: عشرَة أَيَّام حَكَاهُ ابْن
التِّين. الْخَامِس: إِلَى آخر يَوْم من ذِي الْحجَّة
يرْوى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقَالَ ابْن التِّين:
ويروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، أَيْضا وَنَقله ابْن حزم عَن سُلَيْمَان بن يسَار
وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَا: الْأَضْحَى إِلَى
هِلَال الْمحرم. السَّادِس: يَوْم وَاحِد فِي الْأَمْصَار
وَفِي منى ثَلَاثَة أَيَّام. وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير
وَجَابِر بن زيد. السَّابِع: يَوْم وَاحِد فَقَط وَعَلِيهِ
ترْجم البُخَارِيّ كَمَا ذكرنَا، وَأَخذه من إضافه
الْيَوْم إِلَى النَّحْر فِي حَدِيث الْبَاب، وَهُوَ
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر؟
قُلْنَا بلَى) وَاللَّام فِيهِ للْجِنْس فَلَا يبْقى نحر
إلاَّ فِي ذَلِك الْيَوْم. وَأجِيب عَن هَذَا بِأَن
المُرَاد النَّحْر الْكَامِل، وَاللَّام تسْتَعْمل كثيرا
للكمال كَقَوْلِه: الشَّديد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد
الْغَضَب، وَفِيه تَأمل.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: التَّمَسُّك بِإِضَافَة النَّحْر
إِلَى الْيَوْم الأول ضَعِيف مَعَ قَوْله تَعَالَى:
{لِيذكرُوا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا
رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} (الْحَج: 28) وَقَالَ ابْن
بطال: وَلَيْسَ اسْتِدْلَال من اسْتدلَّ من قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر؟) أَنه لَا
يكون نحر وَلَا ذبح فِي غَيره بِشَيْء لِأَن النَّحْر فِي
أَيَّام منى قد فعله الْخلف وَالسَّلَف. وَجرى عَلَيْهِ
الْعَمَل فِي جَمِيع الْأَمْصَار فَلَا حجَّة مَعَ من
خَالفه وَاسْتدلَّ من قَالَ: الْأَضْحَى يَوْم النَّحْر
وَثَلَاثَة أَيَّام بِمَا رُوِيَ فِي صَحِيح ابْن حبَان من
حَدِيث جُبَير بن مطعم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ: (كل فجاج منى منحر وَفِي كل أَيَّام
التَّشْرِيق ذبح) . قلت: هَذَا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن
حبَان من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن عَن جُبَير
بن مطعم، وَقَالَ الْبَزَّار فِي مُسْنده لم يلق ابْن أبي
حُسَيْن جُبَير بن مطعم فَيكون مُنْقَطِعًا. فَإِن قلت:
أخرجه أَحْمد أَيْضا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان بن
مُوسَى عَن جُبَير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: سُلَيْمَان بن مُوسَى لم يدْرك
جُبَير بن مطعم. فَيكون مُنْقَطِعًا. فَإِن قلت: أخرج ابْن
عدي فِي (الْكَامِل) عَن مُعَاوِيَة بن يحيى الصَّدَفِي
عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ، رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا ذبح.
قلت: مُعَاوِيَة بن يحيى ضعفه النَّسَائِيّ وَابْن معِين
وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي (كتاب
الْعِلَل) قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مَوْضُوع بِهَذَا
الْإِسْنَاد. فَإِن قلت: أخرج الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث
طَلْحَة بن عَمْرو عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ:
الْأَضْحَى ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر. قلت: خرج
الطَّحَاوِيّ بِسَنَد جيد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ: الْأَضْحَى يَوْمَانِ بعد
يَوْم النَّحْر، ولأصحابنا الْحَنَفِيَّة مَا رَوَاهُ
الْكَرْخِي فِي (مُخْتَصره) حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن
الْجُنَيْد قَالَ: حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة قَالَ: حَدثنَا
هشيم قَالَ: أخبرنَا ابْن أبي ليلى عَن الْمنْهَال بن
عَمْرو عَن زر بن حُبَيْش وَعبادَة بن عبد الله الْأَسدي
عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يَقُول
أَيَّام النَّحْر ثَلَاثَة أَيَّام أولهنَّ أفضلهن، وَعَن
ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،
قَالَا: النَّحْر ثَلَاثَة أَيَّام أَولهَا أفضلهَا.
5550 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ حدَّثنا عَبْدُ
الوَهَابِ حدَّثنا أيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابنِ أبِي
بَكْرَةَ عَنْ أبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ الله عَنْه عَنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الزَّمَانُ قَدِ
اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّمَوَاتِ
وَالأرْضَ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرا مِنْها أرْبَعَةَ
حُرُمٌ: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ. ذُو القَعْدَةِ وَذُو
الْحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ
جُمادَى وَشَعْبَانَ. أيُّ شَهْرٍ هاذا؟ قُلْنا: الله
وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: ألَيْسَ ذَا
الحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: أيُّ بَلَدٍ هاذا؟
قُلْنَا: الله وَرَسُولَهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى
ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ:
ألَيْسَ البَلْدَةَ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: فَأيُّ يَوْمٍ
هاذا؟ قُلْنا. الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى
ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ:
ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا بَلَى قَالَ: فَإنَّ
دِماءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأحْسِبُهُ
قَالَ: وأعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَّامٌ كَحُرْمَةِ
يَوْمُكُمْ هاذا فِي بَلَدِكُمْ هاذا فِي شَهْرِكُمْ هاذا
وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْألُكُمْ عَنْ أعْمَالِكُمْ
(21/148)
أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً
يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضَ أَلا لِيُبَلِّغِ
الشاهِدُ الغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أنْ
يَكُونَ أوْعى لَهُ مِنْ بَعْضٍ مَنْ سَمِعَهُ وَكَانَ
مُحَمَّدٌ إذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ قَالَ: أَلا هَلْ بَلَغْتُ! أَلا
هَلْ بَلَغْتُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَلَيْسَ يَوْم
النَّحْر؟) وَقد مر فِيهِ فِي أول الْبَاب.
وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب
السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين وَابْن أبي
بكرَة عبد الرَّحْمَن يروي عَن أَبِيه أبي بكرَة نفيع بن
الْحَارِث مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى أَولا فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب قَول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (رب مبلغ أوعى من سامع)
، وَأخرج بعضه أَيْضا فِي الْعلم فِي: بَاب ليبلغ
الشَّاهِد الْغَائِب، وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الْحَج فِي:
بَاب الْخطْبَة فِي أَيَّام منى وَأخرج بعضه أَيْضا فِي
كتاب بَدْء الْخلق فِي بَاب مَا جَاءَ فِي سبع أَرضين،
وَأخرجه أَيْضا فِي التَّفْسِير وَفِي الْفِتَن، وَمضى
الْكَلَام فِي هَذِه الْمَوَاضِع.
قَوْله: (الزَّمَان) ، قَالَ الْكرْمَانِي: يُرَاد بِهِ
هُنَا السّنة. وَالزَّمَان يَقع على جَمِيع الدَّهْر
وَبَعضه. قَوْله: (كَهَيْئَته) ، صفة لمصدر مَحْذُوف أَي:
اسْتَدَارَ استدارة مثل حَالَته يَوْم خلق السَّمَوَات
وَالْأَرْض. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: دَار يَدُور
واستدار يستدير بِمَعْنى: إِذا طَاف حول الشَّيْء وَعَاد
إِلَى الْموضع الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَمعنى الحَدِيث
أَن الْعَرَب كَانُوا يؤخرون الْمحرم إِلَى صفر وَهُوَ
النسيء لِيُقَاتِلُوا فِيهِ ويفعلون ذَلِك سنة بعد سنة،
فَينْتَقل الْمحرم من شهر إِلَى شهر حَتَّى يحملوه فِي
جَمِيع شهور السّنة، فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ السّنة كَانَ
قد عَاد إِلَى زَمَنه الْمَخْصُوص بِهِ قبل النَّقْل،
ودارت السّنة كَهَيئَةِ الأولى فَوَافَقَ حجَّة الْوَدَاع
أَصله فَوَقع الْحَج فِي ذِي الْحجَّة، وَبَطل النسيء
الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة وعادت الْأَشْهر إِلَى
الْوَضع الْقَدِيم قَوْله: (أَرْبَعَة حرم) جمع حرَام أَي:
يحرم الْقِتَال فِيهَا ثَلَاث مِنْهَا سرد وَوَاحِد فَرد.
قَوْله: (ثَلَاث) الْقيَاس ثَلَاثَة، وَلَكِن التَّمْيِيز
إِذا كَانَ محذوفا جَازَ فِيهِ الْأَمْرَانِ. قَوْله:
(وَرَجَب مُضر) إِنَّمَا خصّه بمضر لأَنهم كَانُوا يعظمونه
غَايَة التَّعْظِيم وَلم يغيروه عَن مَوْضِعه الَّذِي بَين
جُمَادَى الْآخِرَة وَشَعْبَان، وَإِنَّمَا وَصفه بِهِ
تَأْكِيدًا وإزاحة للريب الْحَادِث فِيهِ من النسيء،
وَمُضر بِضَم الْمِيم قَبيلَة وَهِي مُضر بن نزار بن معد
بن عدنان. قَوْله: (أَلَيْسَ الْبَلدة) ، أَي:
الْمَعْهُودَة الَّتِي هِيَ أشرف الْبِلَاد وأكثرها
حُرْمَة يَعْنِي: مَكَّة المشرفة، وَذكر ثَابت فِي (غَرِيب
الحَدِيث) الْبَلدة بِفَتْح اللَّام. قَالَ: وَمنى أَيْضا
يُسمى الْبَلدة. قلت: فِي الْقُرْآن بِإِسْكَان اللَّام
(إِنَّمَا أمرت أَن أعبد رب هَذِه الْبَلدة) وَلَا يعرف
مَا قَالَ ثَابت إلاَّ أَن يكون لُغَة للْعَرَب أَيْضا
بِفَتْح اللَّام. قَوْله: (أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر) ؟
أَي: يَوْم ينْحَر فِيهِ الْأَضَاحِي فِي سَائِر الأقطار
والهدايا بمنى. قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد) هُوَ ابْن
سِيرِين. قَوْله: (وَأَحْسبهُ) أَي: وأحسب ابْن أبي بكرَة
قَالَ فِي حَدِيثه: (وَأَعْرَاضكُمْ) جمع عرض بِكَسْر
الْعين وَهُوَ مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان
كالغيبة وَذَلِكَ كَالْقَتْلِ فِي الدِّمَاء وَالْغَصْب
فِي الْأَمْوَال وَشبههَا فِي الْحُرْمَة بِالْيَوْمِ
والشهر والبلد لأَنهم لَا يرَوْنَ اسْتِبَاحَة تِلْكَ
الْأَشْيَاء وانتهاك حرمتهَا بِحَال، وَإِنَّمَا قدم
السُّؤَال عَنْهَا تذكارا للْحُرْمَة. قَوْله: (ضلالا)
بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام جمع ضال.
قَوْله: (يضْرب) بِالرَّفْع والجزم. قَوْله: (ليبلغ) من
التَّبْلِيغ. قَوْله: (من يبلغهُ) على صِيغَة الْمَعْلُوم
ويروى على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ مضارع من
التَّبْلِيغ. قَوْله: (فَلَعَلَّ) جعل لَعَلَّ بِمَعْنى
عَسى فِي دُخُول أَن فِي خَبره. قَوْله: (أوعى) أَي: أحفظ.
ويروى: أرعى من الرِّعَايَة. قيل: هُوَ الْأَشْبَه لِأَن
الْمَقْصُود الرِّعَايَة لَهُ والامتثال بِهِ. قَوْله:
(وَكَانَ مُحَمَّد) هُوَ ابْن سِيرِين أَيْضا. قَوْله:
(إِذا ذكره) فِي رِوَايَة الْكشميهني: إِذا ذكر، بِدُونِ
الضَّمِير الْمَنْصُوب قَوْله: (أَلا هَل بلغت) الْقَائِل
هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ بَقِيَّة
الحَدِيث وَلَكِن الرَّاوِي فصل بَين قَوْله: (بعض من
يسمعهُ) وَبَين قَوْله: (أَلا هَل بلغت) بِكَلَام ابْن
سِيرِين الْمَذْكُور وَبَلغت مَذْكُور مرَّتَيْنِ.
6 - (بَابُ: {الأضْحَى وَالنَّحْرِ بِالمَصَلَّى} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَون الْأَضْحَى والنحر
بالمصلى، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يصلى فِيهِ صَلَاة
الْعِيد وَالْمَقْصُود من هَذِه التَّرْجَمَة بَيَان
السّنة فِي ذبح الإِمَام وَهُوَ أَن يذبح فِي الْمصلى
لِئَلَّا يذبح أحد قبله ليذبحوا بعده بِيَقِين وليتعلموا
أَيْضا صفة الذّبْح فَإِنَّهُ مِمَّا يحْتَاج فِيهِ إِلَى
الْبَيَان وليبادروا أَيْضا بعد الصَّلَاة إِلَى الذّبْح
كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أول مَا نبدأ بِهِ
أَن نصلي) ثمَّ ننصرف فَنحر. قَوْله: والنحر وَفِي بعض
النّسخ: والمنحر بِالْمِيم فِي أول النَّحْر.
(21/149)
5551 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكْرٍ
المُقَدَّمِيُّ حدَّثنا خَالِدُ بنُ الحَارِثِ حدَّثنا
عُبَيْدُ الله عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الله
يَنْحَرُ فِي المَنْحَرِ قَالَ: عُبَيْدُ الله يَعْنِي
مَنْحَرَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لما كَانَ
مَعْلُوما منحره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالمصلى علم
مِنْهُ التَّرْجَمَة بجزئيها وَمُحَمّد بن أبي بكر
الْمقدمِي، بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة: نِسْبَة إِلَى
أحد أجداده، وخَالِد بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان
الهُجَيْمِي الْبَصْرِيّ، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن
نَافِع مولى ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
وَهَذَا مَوْقُوف وَلم ير مَالك هَذَا لغير الإِمَام.
5552 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عَنْ كَثِيرِ بنِ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ
رَضِيَ الله عَنْهُمَا أخْبَرَهُ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ
بِالمُصَلَّى.
هَذَا مَرْفُوع، رَوَاهُ عَن يحيى بن بكير بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة عَن اللَّيْث بن سعد عَن كثير بالثاء
الْمُثَلَّثَة بن فرقد بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء
وَفتح الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة.
7 - (بَابٌ: {فِي أضْحِيَّةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِكَبْشَيْنِ أقْرَنَيْنِ وَيُذْكَرُ سَمِينَيْنِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أضْحِية النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بكبشين تَثْنِيَة كَبْش، وَهُوَ فَحل
الضَّأْن فِي أَي سنّ كَانَ قَوْله: أقرنين أَي: صاحبا قرن
يَعْنِي: لكل مِنْهُمَا قرنان. قَوْله: وَيذكر سمينين،
يَعْنِي: كبشين، سمينين وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي
أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، خيرا لأضحى الْكَبْش، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث
عبَادَة بن الصَّامِت، وَفِيه الأقرن، وَفِيه اسْتِحْبَاب
التَّضْحِيَة بالأقرن وَأَنه أفضل من الأجم مَعَ
الِاتِّفَاق على جَوَاز تضحية الأجم، وَهُوَ الَّذِي لَا
قرن لَهُ وَاخْتلفُوا فِي مكسور الْقرن وروى الْبَزَّار من
حَدِيث أبي رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
إِذا ضحى اشْترى كبشين سميتين أقرنين أملحين الحَدِيث.
{وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أبَا أُُمَامَةَ
بنَ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نُسِّنُ الأضْحِيَّةَ
بِالمَدِينَةِ وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسْمِّنُونَ}
يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو أُمَامَة بِضَم
الْهمزَة واسْمه أسعد الصَّحَابِيّ، وادّعى ابْن التِّين
أَنه من كبار التَّابِعين، وَولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ لَهُ حَدِيث قلت سَمَّاهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وبرك عَلَيْهِ
وَهُوَ أحد السِّتَّة من الصَّحَابَة مِمَّن يكنى بِأبي
أُمَامَة، وتعليقه وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج)
من طَرِيق أَحْمد بن حَنْبَل عَن عبَادَة ابْن الْعَوام
أَخْبرنِي يحيى بن سعيد بِهِ وَقَالَ ابْن التِّين: كَانَ
بعض الْمَالِكِيَّة يكره تسمين الْأُضْحِية لِئَلَّا يتشبه
باليهود، وَقَول أبي أُمَامَة أَحَق قَالَه الدَّاودِيّ.
5553 - حدَّثنا آدَمُ بنُ إياسٍ حدَّثنا شَعْبَةُ حدَّثنا
عَبْدِ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ
مَالِكٍ، رَضِيَ الله عَنهُ، قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأنا أضَحِّي
بِكَبْشَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث من أَفْرَاده،
وَفِيه أفضيلة الضَّأْن فِي الْأُضْحِية.
5554 - حدَّثنا قُتَيْبَةَ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا عَبْدُ
الوَهَابِ عَنْ أيُّوبَ عَنْ أبِي قِلابَةَ عَنْ أنَسٍ
أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، انْكَفَأَ
إلَى كَبْشَيْنِ أقْرَنَيْنِ أمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا
بِيَدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَهَّاب بن عبد
الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو
قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (انكفأ) أَي: انعطف وَمَال قَوْله: (أملحين)
تَثْنِيَة أَمْلَح وَهُوَ الأغبر وَهُوَ الَّذِي فِيهِ
سَواد وَبَيَاض وَعبارَة الْعين الملحة وَالْملح بَيَاض
يشوبه شَيْء من سَواد وكبش أَمْلَح وعنب ملاحي لضرب مِنْهُ
فِي حبه طول
(21/150)
وَعبارَة الْجَوْهَرِي وَابْن فَارس الأملح
الْأَبْيَض يخالط بياضه سَواد وَقد أَمْلَح الْكَبْش
أملاحاً صَار أَمْلَح وَعبارَة ابْن الْأَعرَابِي أَنه
التقى الْبيَاض وَقَالَ أَبُو عبيد الْكسَائي وَأَبُو زيد
أَنه الَّذِي فِيهِ الْبيَاض والسواد وَيكون الْبيَاض
أَكثر قَوْله فذبحهما بِيَدِهِ فِيهِ أَن ذبح الشَّخْص
أضحيته بِيَدِهِ أفضل إِذا كَانَ يحسن الذّبْح.
{تابَعَهُ وُهَيْبٌ عنْ أَيُّوبَ}
أَي تَابع عبد الْوَهَّاب الْمَذْكُور عبد الْوَهَّاب
الْمَذْكُور وهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ فِي
رِوَايَته عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة
عَن أنس وَأخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة من
طَريقَة كَذَلِك كَذَا وَقع مُتَابعَة وهيب مقدما على
قَوْله وَقَالَ إِسْمَاعِيل إِلَى آخِره فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بِالْعَكْسِ.
{وَقَالَ إسماعِيلُ وحاتُم بنُ وَرْدان عنْ أَيُّوبَ عنِ
ابنِ سِيرينَ عنْ أَنَسِ}
أَي قَالَ إِسْمَاعِيل بن علية إِلَى آخِره إِنَّمَا قَالَ
هُنَا وَقَالَ إِسْمَاعِيل وَفِي رِوَايَة وهيب تَابعه
لِأَن القَوْل إِنَّمَا يسْتَعْمل إِذا كَانَ على سَبِيل
المذاكرة وَأما الْمُتَابَعَة فَهِيَ عِنْد النَّقْل
والتحميل أما حَدِيث إِسْمَاعِيل فقد وَصله البُخَارِيّ
بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي أثْنَاء حَدِيث وَأما حَدِيث
حَاتِم بن وردان فوصله مُسلم كَذَا قَالَ بَعضهم وَلَيْسَ
بِصَحِيح لِأَن مُسلما مَا ذكر حَدِيث حَاتِم بن وردان
إِلَّا فِي بَاب من ذبح قبل الصَّلَاة نعم ذكر فِي بَاب
الضحية بكبشين أملحين أقرنين من طَرِيق شُعْبَة عَن
قَتَادَة عَن أنس قَالَ ضحى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بِيَدِهِ.
5555 - حدَّثنا عَمْرو بنُ خالدِ حدَّثنا اللَّيثُ عنْ
يَزِيدَ عَنْ أَبي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِر رَضِي
الله عنهُ أَن النَّبيَّ أَعطاهُ غَنَماً يَقْسِمُها عَلى
صَحابَتِه ضَحايا فبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ للنبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ضحِّ أنتَ بهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عطاه النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ضحاياه لأَصْحَابه كَأَنَّهُ ذبح
عَنْهُم فيضاف نسبته إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَعَمْرو
بن خَالِد الْجَزرِي الْحَرَّانِي سكن مصر وَيزِيد من
الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب أَو رَجَاء الْمصْرِيّ وَأَبُو
الْخَيْر مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله
الْيَزنِي بِالْيَاءِ أخر الْحُرُوف الْمصْرِيّ وَعقبَة بن
عَامر الْجُهَنِيّ والْحَدِيث مر فِي أَو الْوكَالَة
بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن وَفِي الشّركَة أَيْضا
فِي بَاب قسْمَة الْغنم وَالْبدل فِيهَا عَن قُتَيْبَة بن
سعيد عَن اللَّيْث إِلَى آخِره نَحوه قَوْله (غنما)
يَشْمَل الضَّأْن والمعز قَوْله (على صحابته) ويروى (على
أَصْحَابه) قيل الضَّمِير فِيهِ يحْتَمل أَن يكون عَائِدًا
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحْتَمل أَن
يكون عَائِدًا إِلَى عقبَة قلت الظَّاهِر أَنه عَائِد
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل يحْتَمل أَن
يكون الْغنم ملكا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر
بقسمتها بَينهم شرعا وَيحْتَمل أَن يكون من الْفَيْء
وَإِلَيْهِ مَال الْقُرْطُبِيّ حَيْثُ قَالَ فِي الحَدِيث
أَن الإِمَام يَنْبَغِي لَهُ أَن يفرق الضَّحَايَا على من
لَا يقدر عَلَيْهَا من بَيت مَال الْمُسلمين وَقَالَ ابْن
بطال إِن كَانَ قسمتهَا بَين الْأَغْنِيَاء فَهِيَ من
الْفَيْء وَإِن كَانَ خص بهَا الْفُقَرَاء فَهِيَ من
الزَّكَاة قَوْله (فبقى عتود) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ من أَوْلَاد
الْمعز خَاصَّة وَهُوَ مَا رعى وَلم يبلغ سنة وَقيل العتود
الْجذع من الْمعز قَالَ ابْن بطال وَهُوَ ابْن خَمْسَة
أشهر وَنقل ابْن التِّين عَن أهل اللُّغَة أَن الصَّغِير
من أَوْلَاد الْمعز إِذا قوى ورعى وأتى عَلَيْهِ حول
فَهُوَ عتود واعتدة وعتدان وعودان على الأَصْل وَعبارَة
الداودى أَنه الْجذع وَلَا يجوز الْجذع من الْمعز فِي
الضَّحَايَا وَإِنَّمَا يجوز مِنْهَا الثنى وَهُوَ بعد
دُخُوله فِي السّنة الثَّانِيَة فَالْحَدِيث خَاص لعبة لَا
يجوز لغيره إِلَّا أَبَا بردة بن نيار الَّذِي رخص لَهُ
الشَّارِع مثله دون غَيرهمَا وَجزم ابْن التِّين بِأَنَّهُ
مَنْسُوخ بِحَدِيث أبي بردة قَالَ أَو يكون سنّ العتود
فَوق الْجذع وَالله أعلم. قَوْله ضح بِهِ أَنْت ويروى ضح
أَنْت بِهِ وَزَاد الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَته من طَرِيق
يحيى بن بكير عَن اللَّيْث وَلَا رخصَة لَا حِدة فِيهَا
بعْدك.
8 - ( {بابُ قَول النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَبى
بُرْدَةَ ضَحِّ بالجَذْعِ مِنَ المَعَزِ وَلَنْ تَجْزِيَ
عَنْ أحَدِ بَعْدَكَ} )
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأبي بردة بن نيار وضح بالجذع قَالَ صلى
الله تَعَالَى عَلَيْهِ
(21/151)
وَسلم لَهُ فِي حَدِيث الْبَاب الَّذِي
أخرجه عَن الْبَراء بن عَازِب على مَا يَأْتِي الْآن
وَقَالَ لَهُ أَيْضا وَلنْ تجزى عَن أحد بعْدك أَرَادَ
بِهِ أَنه مَخْصُوص بذلك كَمَا ذكرنَا.
5556 - حدَّثنا مُسَدَّدُ حدَّثنا خالِدُ بنُ عبْدِ الله
حدَّثنا مُطَرِّفٌ عنْ عامِرٍ عنِ البرَاءِ بنِ عازِبٍ
رَضِي الله عَنْهُمَا ضَحَّى خالٌ لِي يُقالُ لهُ أبُو
بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ لهُ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم شاتُكَ شاةُ لَحْمٍ فَقَالَ يَا رسولَ
الله إنَّ عِنْدِي داجِناً جَذَعَةً مِنَ المَعَزِ قَالَ
اذْبَحْها وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ ثُمَّ قَالَ مَنْ
ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فإِنَّما يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ
ومَنْ ذَبَحَ بعْدَ الصَّلاَةِ فقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ
وَأصَاب سُنَّة المُسْلِمين.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ومطرف بِضَم الْمِيم وَفتح
الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالفاء ابْن طريف
الْحَارِثِيّ وعامر هُوَ الشّعبِيّ وَأخرج البُخَارِيّ
حَدِيث الْبَراء هَذَا فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي
الْعِيدَيْنِ أَيْضا عَن آدم وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب
وَفِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْأَضَاحِي عَن بنْدَار عَن
غندور وَفِي الْعِيدَيْنِ عَن أبي نعيم وَغَيرهمَا وَمضى
الْكَلَام فِيهَا قَوْله فَقَالَ لَهُ أَبُو بردة بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه هانىء الْبلوى من حلفاء
الْأَنْصَار وَشهد الْعقبَة وبدرا والمشاهد وعاش إِلَى سنة
خمس وَأَرْبَعين وَله فِي البُخَارِيّ حَدِيث سَيَأْتِي
فِي الْحُدُود قَوْله (شَاة لحم) أَي لسيت بأضحية بل هُوَ
لحم ينْتَفع بِهِ كَمَا وَقع فِي رِوَايَة زبيد فَإِنَّمَا
هُوَ لحم يقدمهُ لأَهله وَفِي رِوَايَة مُسلم قَالَ شَيْء
عجلته لأهْلك قبل فِي إِضَافَة شَاة لحم أشكال لِأَنَّهَا
لَيست من الْإِضَافَة اللفظية وَهِي إِضَافَة اسْم
الْفَاعِل أَو الصّفة المشبهة إِلَى معمولها كضارب زيد
وَحسن الْوَجْه وَلَا هِيَ من أَنْوَاع الْإِضَافَة
المعنوية وَهِي الْإِضَافَة بِمَعْنى من كخاتم فضَّة
وَبِمَعْنى اللَّام كغلام زيد وَبِمَعْنى فِي كمكر
اللَّيْل واجيب بِأَن أَبَا بردة لما اعْتقد أَن شاته
أضْحِية أجَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله شَاة لحم
مَوضِع شَاة غير أضْحِية قلت هَذَا جَوَاب غير مقنع
لظُهُور الأشكال فِيهِ وبقائه أَيْضا وَيُمكن أَن يُقَال
أَن الْإِضَافَة فِيهِ بِمَعْنى اللَّام التَّقْدِير شَاة
وَاقعَة لأجل لحم ينْتَفع بِهِ لَا لأجل أضْحِية لوُقُوع
ذَبحهَا فِي غير وَقتهَا قَوْله داجناً الدَّاجِن بِكَسْر
الْجِيم الشَّاة الَّتِي تَالِف الْبيُوت وتستانس وَلَيْسَ
لَهَا سنّ معِين قيل إِنَّمَا لم يدْخل التَّاء فِي دَاجِن
لِأَن الشَّاة مِمَّا يفرق بَين جنسه وواحده بِالتَّاءِ
فتانيثه وتذكيره يظْهر بِالْوَصْفِ ورد هَذَا بِأَن هَذَا
التَّقْدِير لَا يَصح هُنَا لِأَن قَوْله جَذَعَة بِالنّصب
عطف بَيَان للداجن وَهِي للمؤنث فَيلْزم أَن يكون مُذَكّر
أَو مؤنثاً وَالْجَوَاب الموجه أَن يُقَال الدَّاجِن صَار
اسْما لما يألف الْبيُوت واضمحل معنى الوصفية عَنهُ
فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث.
{تابَعَهُ عُبَيْدَةُ عنِ الشَّعْبِيِّ وإبْراهِيمَ}
أَي تَابع مطرفاً عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح
الْمُوَحدَة ابْن معتب بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
الْمُشَدّدَة الضبى فِي رِوَايَته عَن عَامر الشّعبِيّ عَن
الْبَراء بن عَازِب بِهَذِهِ الْقِصَّة وَلَيْسَ لعبيدة
فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع الْوَاحِد قَوْله
(وَإِبْرَاهِيم) أَي وَتَابعه أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ عَن الْبَراء وَهُوَ مُنْقَطع لِأَن
إِبْرَاهِيم لم يلق أحدا من الصَّحَابَة قَالَ ابْن
الْمَدِينِيّ فَأدْخل على عَائِشَة وَهُوَ صبي وَلم يسمع
مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأدْركَ أنسا وَلم
يسمع مِنْهُ وَكَانَ يحيى يَقُول مَرَاسِيل إِبْرَاهِيم
أحب إِلَيّ من مَرَاسِيل الشّعبِيّ.
{وتابعَهُ وَكِيعٌ عَنْ حُرَيْثٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ}
أَي تَابع عُبَيْدَة فِي رِوَايَة عَن الشّعبِيّ وَكِيع
عَن حُرَيْث مصغر الْحَرْث أَي الزَّرْع ابْن أبي مطر
واسْمه عَمْرو الْأَسدي الْكُوفِي الحناط بالنُّون قَالَ
ابْن معِين لَا شَيْء وَقَالَ أَبُو حَاتِم ضَعِيف
الحَدِيث بَابه عُبَيْدَة الضَّبِّيّ وَعبد الْأَعْلَى
الخزاز ونظرائهما وَقَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث
وَقَالَ البُخَارِيّ فِيهِ نظر وَاسْتشْهدَ بِهِ هَهُنَا
وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله
أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الْأَضَاحِي من طَرِيق سهل بن
عُثْمَان العسكري عَن وَكِيع عَن حُرَيْث عَن الشّعبِيّ
عَن الْبَراء أَن خَاله سَأَلَهُ فَذكر الحَدِيث.
(21/152)
{وَقَالَ عاصمٌ وَدَاوُدُ عنِ الشعْبيِّ
عِنْدِي عَناقُ لَبَنٍ}
أَي قَالَ عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول وَدَاوُد بن أبي
هِنْد عَن عَامر الشّعبِيّ فِي رِوَايَته عَن الْبَراء
عنَاق لبن العناق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
النُّون الْأُنْثَى من ولد الْمعز وَقَالَ ابْن بطال
العناق من الْمعز ابْن خَمْسَة أشهر أَو نَحْوهَا وَقَالَ
الْكرْمَانِي العناق من أَوْلَاد الْمعز ذَات سنة أَو قريب
مِنْهَا وأضيف إِلَى اللَّبن إِشَارَة إِلَى صغرها قريبَة
من الرَّضَاع وَقَالَ الدَّاودِيّ العناق هِيَ الَّتِي
اسْتحقَّت أَن تحمل وَأَنَّهَا تطلق على الذّكر
وَالْأُنْثَى وَأَنه بَين بقوله لبن أَنَّهَا أُنْثَى
وَقَالَ ابْن التِّين غلط فِي نقل اللُّغَة وَفِي تَأْوِيل
الحَدِيث فَإِن معنى عنَاق لبن أَنَّهَا صَغِيرَة ترْضع
أمهَا أما تَعْلِيق عَاصِم فقد وَصله مُسلم حَدثنِي أَحْمد
بن سعيد بن صَخْر الدَّارمِيّ حدَّثنا أَبُو النُّعْمَان
عَارِم بن الْفضل حدَّثنا عبد الْوَاحِد يعْنى ابْن زِيَاد
حدَّثنا عَاصِم الْأَحول عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء بن
عَازِب قَالَ حدَّثنا رَسُول الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم
فِي يَوْم النَّحْر وَقَالَ لَا يضحين أحد حَتَّى يصلى
قَالَ رجل عِنْدِي عنَاق لبن هِيَ خير من شاتي لحم قَالَ
فَضَح بهَا وَلَا تجزى جَذَعَة عَن أحد بعْدك وَأما
تَعْلِيق دَاوُد فقد وَصله مُسلم أَيْضا حَدثنَا مُحَمَّد
بن الْمثنى حدَّثنا ابْن أبي عدي عَن دَاوُد عَن الشّعبِيّ
عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر فَقَالَ لَا يذبحن أحد
حَتَّى يصلى فقد خَالِي يَا رَسُول الله أَن هَذَا يَوْم
النَّحْر فِيهِ مَكْرُوه وَأَنِّي عجلت نسيكتي لأطعم
أَهلِي وجيراني وَأهل دَاري فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أعد نسكا فَقَالَ يَا رَسُول الله أَن
عِنْدِي عنَاق لبن هِيَ خير من شاتي لحم فَقَالَ هِيَ خير
نسيكتك وَلَا تجزى جَذَعَة عَن أحد بعْدك.
{وَقَالَ زُبَيْدٌ وفِرَاسٌ عنِ الشَّعْبِيِّ عِنْدِي
جَذَعَةٌ}
زبيد بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة ابْن الْحَارِث
اليامى بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالْمِيم وفراس بِكَسْر
الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة ابْن يحيى
الْكُوفِي أما تَعْلِيق زبيد فقد وَصله البُخَارِيّ فِي
أول الْأَضَاحِي كَذَلِك وَأما تَعْلِيق فراس فوصله
البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَاب من ذبح قبل الصَّلَاة أعَاد.
{وَقَالَ أَبُو الأحْوَصِ حدَّثنا مَنْصُورٌ عَناقٌ
جَذَعَةٌ}
أَبُو الْأَحْوَص سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي
وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر قَوْله (عنَاق)
بِالتَّنْوِينِ وَكَذَلِكَ جَذَعَة بِالتَّنْوِينِ عطف
بَيَان وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ عَن
مَنْصُور عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء فِي الْعِيدَيْنِ.
{وَقَالَ ابنُ عَوْن عَناقٌ جَذَعٌ عَناقُ لَبَنٍ}
ابْن عون هُوَ عبد الله بن رطبان الْبَصْرِيّ قَوْله عنَاق
جذع عنَاق لبن يَعْنِي أَن فِي رِوَايَة ابْن عون عَن
الشّعبِيّ عَن الْبَراء باللفظين جَمِيعًا وعناق جذع صفة
مَوْصُوف وعناق لبن مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ وَوَصله
البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور من طَرِيق
معَاذ بن معَاذ باللفط الْمَذْكُور وَقيل قَالَ عنَاق
تَارَة وجذعة تَارَة وَجمع بَينهمَا تَارَة وَأجِيب لَا
مُنَافَاة بَينهمَا إِذْ المرار بالجذعة مَا هُوَ من
الْمعز والعناق أَيْضا ولد الْمعز وَيشْتَرط فيهمَا عدم
بلوغهما إِلَى حد النزوان وَقيل أَيْضا قَالَ مرّة جذع
مُذَكّر وَتارَة جَذَعَة مؤنث وَأجِيب بِأَن الْجَذعَة
للواحدة أَو أرد بالجذع الْجِنْس.
5557 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ
بنُ جَعْفَرِ حَدثنَا شُعْبةُ عنْ سَلمَة عنْ أَبي
جُحيَفَةً عنِ البرَاءِ قَالَ ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ
قَبْلَ الصَّلاَة فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أبْدِلْها قَالَ لَيْسَ عِنْدِي إلاَّ جَذَعَةٌ
قَالَ شُعْبَةُ وأحْسِبُهُ قَالَ هِيَ خَيْرٌ مِنْ
مُسِنَّةٍ قَالَ اجْعلْها مَكانَها ولَنْ تَجْزِيَ عنْ
أحدٍ بَعْدَكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَسَلَمَة بِفتْحَتَيْنِ
هُوَ ابْن كهيل مصغر كهل الْحَضْرَمِيّ الْكُوفِي وَأَبُو
جُحَيْفَة مصغر حجفة بِالْجِيم والحاء الْمُهْملَة
وَالْفَاء اسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي الصَّحَابِيّ
الْمَشْهُور يرْوى عَن الْبَراء بن عَازِب والْحَدِيث
أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الضَّحَايَا عَن بنْدَار وَهُوَ
مُحَمَّد بن بشار شيخ البُخَارِيّ وَغير قَوْله أَبُو بردة
بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن نيار الَّذِي تقدم ذكره
قَوْله (ابدلها) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة أَمر من الابدال يعْنى اذْبَحْ مَكَانهَا
أُخْرَى قَوْله واحسبه
(21/153)
أَي احسب أَبَا بردة قَالَ هِيَ الْجَذعَة
خير من مُسِنَّة يعْنى من مُسِنَّة بَالِغَة والخيرية
بِحَسب السّمن والنفاسة قَوْله قَالَ اجْعَلْهَا مَكَانهَا
أَي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعَالَى
عَلَيْهِ وَسلم اجْعَل هَذِه الْجَذعَة مَكَان المسنة
وَهَذَا أَيْضا مَخْصُوص بِهِ فَلهَذَا قَالَ وَلنْ تجزى
عَن أحد بعْدك وَالَّذين ذَهَبُوا إِلَى وجوب الْأُضْحِية
احْتَجُّوا بقوله أبدلها لِأَنَّهُ أَمر بالابدال فَلَو لم
تكن وَاجِبَة لما أَمر بالابدال وَهُوَ الْعِوَض ووردت
أَحَادِيث كَثِيرَة تدل على الْوُجُوب مِنْهَا مَا رَوَاهُ
أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن ابْن عون عَن أبي
رَملَة حَدثنَا محفف من سليم قَالَ كُنَّا وقوفاً مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَات فَقَالَ
(يَا أَيهَا النَّاس على كل أهل بَيت فِي كل عَام أضحاة
وعتيرة) الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب
فَإِن قلت قَالَ عبد الْحق إِسْنَاده ضَعِيف وَقَالَ ابْن
الْقطَّان وعلته الْجَهْل بِحَال أبي رَملَة واسْمه عَامر
فَلَا يعرف إِلَّا بِهَذَا يرْوى عَنهُ ابْن عون قلت
تَحْسِين التِّرْمِذِيّ إِيَّاه يكفى للاستدلال بِهِ على
الْوُجُوب ومحفف بن سليم بن الْحَارِث الْأَزْدِيّ الغامدي
روى هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَذكره أَبُو نعيم فِي تَارِيخ اصبهان أَن عليا رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ اسْتَعْملهُ على أَصْبَهَان وَنزل
الْكُوفَة وَأَبُو رَملَة ذكره أَبُو دَاوُد مُصَرحًا
باسمه عَامر قَوْله (وَأَن تجزى) بِفَتْح أَوله غير
مَهْمُوز أَي أَن تقضى يُقَال جزى فلَان عني كَذَا أَي قضى
وَمِنْه (لَا تجزى نفس عَن نفس شَيْئا) أَي لَا تقضى
عَنْهَا وَقَالَ ابْن بَرى الْفُقَهَاء يَقُولُونَ لَا
تجزىء بِالضَّمِّ والهمزة فِي مَوضِع لَا تقضى وَالصَّوَاب
بِالْفَتْح وَترك الْهمزَة وَقَالَ لَكِن يجوز الضَّم
والهمزة بِمَعْنى الْكِفَايَة يُقَال أَجْزَأَ عَنْك
وَقَالَ صَاحب الأساس بَنو تَمِيم يَقُولُونَ الْبَدنَة
تجزى عَن سَبْعَة بِضَم أَوله وَأهل الْحجاز وتجزى بِفَتْح
أَوله وَبِهِمَا قرىء (لَا تجزى نفس عَن نفس شَيْئا) وَفِي
هَذَا رد على من نقل الِاتِّفَاق على منع ضم أَوله.
{وَقَالَ حاتِمُ بنُ ورْدَانَ عنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ
عنْ أَنَسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَقَالَ
عَناقٌ جَذَعَةٌ}
حَاتِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وانتاء الْمُثَنَّاة من فَوق
الْمَكْسُورَة ابْن وردان أَبُو صَالح الْبَصْرِيّ وَأَيوب
هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَهَذَا
التَّعْلِيق أخرجه مُسلم حَدثنِي زِيَاد بن يحيى الحساني
حَدثنَا حَاتِم يَعْنِي ابْن وردان حَدثنَا أَيُّوب عَن
مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك قَالَ خَطَبنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أضحى قَالَ
فَوجدَ ريح لحم فنهاهم أَن يذبحوا قَالَ من كَانَ ضحى
فليعد ثمَّ قَالَ يمثل حَدِيثهمَا يعْنى رِوَايَة اسماعيل
بن علية عَن أَيُّوب وَرِوَايَة هِشَام عَن مُحَمَّد بن
سِيرِين قَوْله عنَاق جَذَعَة بِالتَّنْوِينِ فيهمَا وجذعة
عطف بَيَان لعناق.
9 - ( {بابُ مَنْ ذَبَحَ الأضاحِيَّ بِيَدِهِ} )
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان من ذبح الْأَضَاحِي بِيَدِهِ
كَيفَ حكمه هَل يشْتَرط ذبح أضحيته بِيَدِهِ أم لَا أَن
هُوَ الأولى وَقد اتَّفقُوا على جَوَاز التَّوْكِيل فِيهَا
فَلَا يشْتَرط الذّبْح بِيَدِهِ لَكِن جَاءَت رِوَايَة عَن
الْمَالِكِيَّة بِعَدَمِ الْأَجْزَاء عِنْد الْقُدْرَة
وَعند أَكْثَرهم يكره لَكِن يسْتَحبّ أَن يشهدها وَيكرهُ
أَن يَسْتَنِيب حَائِضًا أَو صَبيا أَو كتابياً.
5558 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إياسِ حَدثنَا شُعْبَةِ
حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ قَالَ ضَحَّى النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِكَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ فَرَأْيْتُهُ
واضِعاً قَدَمَهُ على صِفاحِهِما يُسَمِّى ويْكَبِّرُ
فَذَبَحَهُما بِيَدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم
أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن يحيى بن يحيى وَغَيره وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَغَيره
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَضَاحِي عَن نصر بن عَليّ
وَغَيره قَوْله على صفاحهما الصفاح جمع صفحة وصفحة كل
شَيْء جَانِبه وَقيل الذَّابِح لَا يضع رجله إِلَّا على
صفحته فَلم قَالَ على صفاحهما وَأجِيب لَعَلَّه على
مَذْهَب من قَالَ إِن أقل الْجمع اثْنَان كَقَوْلِه
تَعَالَى فقد صغت قُلُوبكُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ صفحتيهما
وَإِضَافَة الْمثنى إِلَى الْمثنى تفِيد التَّوْزِيع
فَكَانَ مَعْنَاهُ وضع رجله على صفحة كل مِنْهُمَا
وَالْحكمَة فِيهِ التَّقْوَى على الاظهار عَلَيْهَا وَيكون
أسْرع لموتها وَلَيْسَ ذَلِك من تعذيبها المنهى عَنهُ إِذْ
لَا يقدر على ذَبحهَا إِلَّا بتعافها وَقَالَ ابْن
الْقَاسِم الصَّوَاب إِن يضجعها على شقها الْأَيْسَر وعَلى
ذَلِك مضى عمل الْمُسلمين
(21/154)
فَإِن جهل فأضجعها على الشق الآخر لم يحرم
أكلهَا. قَوْله: (يُسمى حَال) ، وَكَذَا قَوْله: (وَاضِعا)
وَفِيه التَّسْمِيَة وَالتَّكْبِير وَذبح الْأُضْحِية
بِيَدِهِ إِن كَانَ يحسن ذَلِك فالتكبير مَعَ التَّسْمِيَة
مُسْتَحبّ وَكَذَا وضع الرجل على صفحة عنق الْأُضْحِية
الْأَيْمن وَأما التَّسْمِيَة فَهِيَ شَرط وَقد مر بحثها.
10 - (بَابُ: {مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَةَ غَيْرِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من ذبح أضْحِية غَيره يَعْنِي:
بِإِذْنِهِ، وَوضع هَذِه التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى أَن
التَّرْجَمَة الَّتِي قبلهَا للاشتراط.
{وَأعانَ رَجُلٌ ابنَ عُمَرَ فِي بَدَنَتِهِ}
يَعْنِي: أَعَانَهُ عِنْد ذبحه قيل: لَا يُطَابق هَذَا
الْأَثر التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَا يلْزم من إِعَانَة
الرجل إِذا ذبح أضحيته أَن يكون ذابح أضْحِية غَيره لِأَن
حَقِيقَة ذبح الرجل أضْحِية غَيره أَن يكون هُوَ الذَّابِح
بِنَفسِهِ وإلاَّ فَالَّذِي يُعينهُ فِي مسكها وَنَحْوه
لَا يُسمى ذابحا وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ عبد
الرَّزَّاق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار
قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر ينْحَر بَدَنَة بمنى وَهِي باركة
معقولة وَرجل يمسك بِحَبل فِي رَأسهَا وَابْن عمر يطعن،
وَأجِيب بِأَن الِاسْتِعَانَة إِذا كَانَت مَشْرُوعَة
التحقت بهَا الِاسْتِنَابَة. قلت: وَفِيه تَأمل وَنظر.
{وَأمَرَ أبُو مُوسَى بَناتِهِ أنْ يُضَحِّينَ
بِأيْدِيهِنَّ}
لَا مُطَابقَة لهَذِهِ التَّرْجَمَة بل بَينهمَا مباينة.
وَكَانَ مَحَله فِي الْبَاب الَّذِي قبله على مَا لَا
يخفى. وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ وَوصل
هَذَا التَّعْلِيق الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من
طَرِيق الْمسيب بن رَافع أَن أَبَا مُوسَى كَانَ يَأْمر
بَنَاته أَن يذبحن نسائكهن بأيديهن، وَسَنَده صَحِيح
وَفِيه: أَن ذبح النِّسَاء نسائكهن يجوز إِذا كن يحسنَّ
الذّبْح.
5559 - ح دَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ الله عَنْهَا. قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسَرِفَ وَأنا أبْكِي فَقَالَ:
مَالَك {أنَفِسْت؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هاذا أمْرٌ
كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ اقْضِي مَا يَقْضِي
الحَاجُّ غَيْرَ أنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ، وَضَحَّى
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ نِسَائِهِ
بِالبَقَرْ.
لَيْسَ فِيهِ مُطَابقَة تَامَّة للتَّرْجَمَة فَإِن تعسف
فِيهِ فَيُؤْخَذ من قَوْله: (وضحى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن نِسَائِهِ بالبقر) لأَنهم قَالُوا:
إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام، ضحى عَن نِسَائِهِ بإذنهن.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي بَاب: الْأُضْحِية
للْمُسَافِر وَالنِّسَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
مُسَدّد عَن سُفْيَان، وَهنا عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن
سُفْيَان إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (اقضي) ، لَا يُرَاد بِهِ الْقَضَاء الاصطلاحي بل
الْقَضَاء اللّغَوِيّ الَّذِي هُوَ معنى الْأَدَاء.
11 - (بَابُ: {الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلاةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت ذبح الْأُضْحِية بعد
صَلَاة الْعِيد.
5560 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ المِنْهالِ حدَّثنا شُعْبَةُ
قَالَ أخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ
عَنِ البَرَاءِ، رَضِيَ الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَخْطُبُ فَقَالَ:
أوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ يَوْمِنا هاذا أنْ نُصَلِيَ
ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَر فَمَنْ فعلَ هاذا فَقَدْ أصَابَ
سُنَّتَنا، وَمَنْ نَحَرَ فَإنَّما هُوَ لَحْمٌ
يُقَدِّمُهُ لأهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ
فَقَالَ أبُو بُرْدَةَ: يَا رَسُولَ الله} ذَبَحْتُ قَبْلَ
أنْ أُصَلِيّ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ،
فَقَالَ: اجْعَلْها مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْرِي أوْ تُوفِيَ
عَنْ أحَدٍ بَعْدِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَن نصلي ثمَّ
نرْجِع فننحر) وزبيد بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن
الْحَارِث اليامي، وَالشعْبِيّ عَامر والْحَدِيث مضى فِي
أول كتاب الْأُضْحِية وَمضى الْكَلَام. فِيهِ قَوْله: (أَو
توفّي) ، شكّ من الرَّاوِي، من التوفية أَو من الإيقاء
أَي: لن تُعْطِي حق التَّضْحِيَة عَن أحد بعْدك أَو لن
تكمل ثَوَابه.
(21/155)
12 - (بَابُ: {مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ
الصَّلاةِ أعادَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن من ذبح نُسكه قبل صَلَاة
الْعِيد أَعَادَهُ.
5561 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا
إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ
عَنْ أنَسٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصلاةَ فَلْيُعِدْ. فَقَالَ رَجُلٌ:
هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ هَنَةً
مِنْ جِيرَانِهِ فَكأن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
عَذَرَهُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ،
فَرَخَّصَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلا
أدْرِي بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ أمْ لَا، ثُمَّ انْكَفَأَ
إلَى كَبْشَيْنِ، يَعْنِي: فَذَبَحَهُمَا ثُمَّ انْكَفَأَ
النَّاسُ إلَى غُنَيْمَهِ فَذَبَحُوها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْأسود بن قيس
الْعَبْدي، وجندب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح
الدَّال وَضمّهَا ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي الْعِيدَيْنِ فِي: بَاب كَلَام
الإِمَام وَالنَّاس فِي خطْبَة الْعِيد فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُسلم عَن شُعْبَة عِنْد الْأسود عَن جُنْدُب
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَمضى عَن
قريب أَيْضا فِي الذَّبَائِح فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (فليذبح على اسْم الله) فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن أبي عوَانَة عَن الْأسود
عَن جُنْدُب إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَمن لم يذبح) ، أَي: قبل الصَّلَاة (فليذبح) بعد
الصَّلَاة وَاحْتج بِهِ من يرى وجوب الْأُضْحِية.
5563 - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ البَرَاءِ قَالَ
صَلَّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَاتَ يَوْمٍ. فَقَالَ:
مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلا
يَذْبَحْ حَتَّى نَنْصَرِفَ، فَقَامَ أبُو بُرْدَةَ بنُ
نِيارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! فَعَلْتُ. فَقَالَ:
هُوَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ. قَالَ: فَإنَّ عِنْدِي جَذَعَةً
هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُها؟ قَالَ: نَعَمْ،
ثُمَّ لَا نَجْزِي عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ قَالَ عَامِرٌ:
هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَلَا يذبح
حَتَّى ننصرف) وَمن قَوْله: (هِيَ شَيْء عجلته) ، لِأَن
مَعْنَاهُ: لَا يقوم ذَلِك عَن الْأُضْحِية فَلَا بُد من
إِعَادَتهَا.
وَأَبُو عوَانَة الوضاح، وفراس بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف
الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة ابْن يحيى، وعامر هُوَ
الشّعبِيّ ومباحث حَدِيث الْبَراء قد تقدّمت على تكراره.
قَوْله: (من صلى صَلَاتنَا واستقبل قبلتنا) مَعْنَاهُ: من
كَانَ على دين الْإِسْلَام. قَوْله: (حَتَّى ننصرف) أَي:
نَحن أَو ينْصَرف، أَي: هُوَ وَالْمعْنَى إِذا انْصَرف من
الصَّلَاة ذبح بعْدهَا. قَوْله: (فعلت) بِضَم التَّاء أَي:
فعلت الذّبْح
(21/156)
قبل الصَّلَاة. قَوْله: (عجلته) من
التَّعْجِيل أَي: قَدمته لأهْلك. قَوْله: (مُسنَّتَيْنِ)
تَثْنِيَة مُسِنَّة. قَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الَّتِي
أسقطت أسنانها للبدل، قَالَ الْجَوْهَرِي: يكون ذَاك فِي
الظلْف والحافر فِي السّنة الثَّالِثَة وَفِي الْخُف فِي
السَّادِسَة. قَوْله: (آذبحها) همزَة الِاسْتِفْهَام فِيهِ
مقدرَة أَي: أأذبحها؟ قَالَ: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(نعم أذبحها) . قَوْله: (قَالَ عَامر) هُوَ الشّعبِيّ:
(هِيَ خير نسيكته) أَي: الْجَذعَة الموصوفة خير ذَبِيحَة.
قيل: اسْم التَّفْضِيل يَقْتَضِي الشّركَة والذبيحة الأولى
لم تكن نسيكة. (وَأجِيب) أَنه وَإِن وَقعت لحم شَاة لَهُ
فِيهَا ثَوَاب لكَونه قَاصِدا جيران الْجِيرَان، وَهِي
أَيْضا عبَادَة، أَو صورتهَا كَانَت صُورَة النسيكة.
وَفِي الحَدِيث إِن من ذبح قبل الصَّلَاة فَعَلَيهِ
الْإِعَادَة بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ ذبح قبل وقته،
وَاخْتلفُوا فِيمَن ذبح بعد الصَّلَاة وَقبل ذبح الإِمَام
فَذهب أَبُو حنيفَة الثَّوْريّ، وَاللَّيْث إِلَى أَنه
يجوز. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ: لَا
يجوز لأحد أَن يذبح قبل الإِمَام. أَي: مِقْدَار الصَّلَاة
وَالْخطْبَة وَاخْتلفُوا فِي ذبح أهل الْبَادِيَة، فَقَالَ
عَطاء: يذبح أهل الْقرى بعد طُلُوع الشَّمْس، وَقَالَ
الشَّافِعِي: وَقتهَا كَمَا فِي الْحَاضِرَة مِقْدَار
رَكْعَتَيْنِ وخطبتين، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَأَصْحَابه: من ذبح من أهل السوَاد بعد طُلُوع
الْفجْر أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِم صَلَاة
الْعِيد، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَإِسْحَاق.
5563 - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ البَرَاءِ قَالَ
صَلَّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَاتَ يَوْمٍ. فَقَالَ:
مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلا
يَذْبَحْ حَتَّى نَنْصَرِفَ، فَقَامَ أبُو بُرْدَةَ بنُ
نِيارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! فَعَلْتُ. فَقَالَ:
هُوَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ. قَالَ: فَإنَّ عِنْدِي جَذَعَةً
هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُها؟ قَالَ: نَعَمْ،
ثُمَّ لَا نَجْزِي عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ قَالَ عَامِرٌ:
هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَمَا يحرم عَلَيْهِ) ،
إِلَى آخِره أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى. يُقَال لَهُ:
مرْدَوَيْه السمسار الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي
خَالِد.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب تَقْلِيد الْغنم
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأخصر مِنْهُ عَن أبي نعيم عَن
زَكَرِيَّا عَن عَامر عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة وَقد مضى
أَيْضا عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، وَعَن الْقَاسِم عَن
عَائِشَة وَعَن
(21/157)
الْأسود عَن عَائِشَة الْكل فِي الْحَج،
وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا. قو لَهُ: (أَن تقلد)
على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّقْلِيد وَهُوَ أَن يعلق
فِي عُنُقهَا شَيْء ليعلم أَنَّهَا هدي قَوْله: (بدنته)
هِيَ نَاقَة تنحر بِمَكَّة. قَوْله: (قَالَ: فَسمِعت) أَي:
قَالَ مَسْرُوق: فَسمِعت (تصفيقها) أى: تصفيق عَائِشَة
وَهُوَ ضرب إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى ليسمع
لَهَا صَوت، وَإِنَّمَا صفقت عَائِشَة إِمَّا تَعَجبا من
ذَلِك، وَأما تأسفا على وُقُوع ذَلِك.
وَفِي هَذَا الحَدِيث رد على من قَالَ: إِن من بعث بهدية
إِلَى الْحرم لزمَه الْإِحْرَام إِذا قَلّدهُ ويجتنب مَا
يجتنبه الْحَاج حَتَّى ينْحَر هَدْيه، وَرُوِيَ هَذَا عَن
ابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو بِهِ قَالَ عَطاء بن أبي
رَبَاح وأئمة الْفَتْوَى على خِلَافه. وَقَالَ ابْن بطال:
هَذَا الحَدِيث يرد مَا رُوِيَ عَن أم سَلمَة عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: من رأى مِنْكُم
هِلَال ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أَن يُضحي فَلَا يَأْخُذ من
شعره وأظفاره حَتَّى يُضحي رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه)
مَرْفُوعا، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَأحمد
وَإِسْحَاق، وَقَالَ اللَّيْث: قد جَاءَ هَذَا الحَدِيث
وَأكْثر النَّاس على خِلَافه، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ:
حَدِيث عَائِشَة أحسن مجيئا من حَدِيث أم سَلمَة لِأَنَّهُ
قد جَاءَ مجيئا متواترا وَحَدِيث أم سَلمَة قد طعن فِي
إِسْنَاده، فَقيل: إِنَّه مَوْقُوف على أم سَلمَة وَلم
يرفعهُ وَفِي (التَّوْضِيح) ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي
وَأَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، فَمن دخل عَلَيْهِ عشر ذِي
الْحجَّة وَأَرَادَ أَن يُضحي فَلَا يمس من شعره وَلَا من
أَظْفَاره شَيْئا. وَنقل ابْن الْمُنْذر عَن مَالك
وَالشَّافِعِيّ أَنَّهُمَا كَانَا يرخصان فِي أَخذ الشّعْر
والأظفار لمن أَرَادَ أَن يُضحي مَا لم يحرم غير
أَنَّهُمَا يستحبان الْوُقُوف عَن ذَلِك عِنْد دُخُول
الْعشْر إِذا أَرَادَ أَن يُضحي، وَرَأى الشَّافِعِي أَن
أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر
اخْتِيَار.
16 - (بَابُ: {مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الأضَاحِي وَمَا
يُتَزَوَّدُ مِنْها} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز أكله من لُحُوم
الْأَضَاحِي من غير تَقْيِيد بِثلث أَو نصف كَذَا، قَالَه
بَعضهم: قلت: يتَنَاوَل أَيْضا جَوَاز أكلهَا فِي ثَلَاثَة
أَيَّام وَأكْثر، فعلى كل حَال هُوَ مُبْهَم توضح إبهامه
أَحَادِيث الْبَاب، فَحَدِيث جَابر يدل على جَوَاز التزود
مِنْهَا للْمُسَافِر فَيدل على جَوَاز الْأكل فِي أَكثر من
ثَلَاثَة أَيَّام، وَحَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع يدل
أَولا على عدم الْجَوَاز بعد الثَّلَاث وآخرا يدل على
الْجَوَاز أَكثر من ذَلِك لعِلَّة ذكرهَا. وَحَدِيث
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يدل على الرُّخْصَة فِي ذَلِك
أَكثر من ذَلِك وَأثر عَليّ بن أبي طَالب يدل على عدم
الْجَوَاز فِي أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام، وَيَأْتِي
الْجَواب عَنهُ.
قَوْله: (وَمَا يتزود مِنْهَا) أَي: وَفِي بَيَان جَوَاز
مَا يتزود مِنْهَا للسَّفر.
5567 - ح دَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا
سُفْيَانُ قَالَ: عَمْرٌ و: أخْبَرَنِي عَطاءٌ سَمِعَ
جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُما، قَالَ:
كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأضَاحِي عَلَى عَهْدِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلَى المَدِينَةِ.
وَقَالَ غَيْر مَرَّةٍ لُحُومَ الهَدْي.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن
عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي
رَبَاح.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله
أَيْضا.
قَوْله: (على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي:
على زَمَانه، وَقد علم أَن قَول الصَّحَابِيّ: كُنَّا
نَفْعل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حكم
الْمَرْفُوع. قَوْله: (وَقَالَ غير مرّة) أَي: قَالَ
سُفْيَان غير مرّة، وَابْن الْمَدِينِيّ كَانَ يَقُول:
قَالَ سُفْيَان مرّة لُحُوم الْأَضَاحِي، ومرارا يَقُول:
لحم الْهَدْي، وَوَقع هُنَا عَن الْكشميهني وَقَالَ غَيره
يَعْنِي: غير سُفْيَان وَهُوَ غير صَحِيح، وَالصَّحِيح أَن
قَائِله هُوَ سُفْيَان يَحْكِي عَنهُ عَليّ بن عبد الله بن
الْمَدِينِيّ.
5568 - ح دَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني سُلَيْمَانُ
عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنِ القَاسِمِ أنَّ ابنَ
خَبَّابٍ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ
أنَّهُ كَانَ غَائِبا، فَقَدِمَ فَقُدِّمَ إلَيْهِ لَحْمٌ
قَالُوا: هاذا مِنْ لَحْمِ ضَحَايَانا، فَقَالَ: أخْروه
لَا أذُوقُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ فَخَرَجْتُ حَتَّى
آتِيَ أخِي أبَا قَتَادَةَ وَكَانَ أخَاهُ لأُمِّهِ
وَكَانَ بَدْرِيا فَذَكَرْتُ ذالِكَ لَهُ فَقَالَ: إنَّهُ
قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أمْرٌ.
(21/158)
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَسليمَان
هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ
وَالقَاسِم هوابن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَابْن خباب هُوَ عبد الله بن خباب
الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ، وخباب بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن
الأرث الصَّحَابِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد
بن مَالك.
والأسناد كُله مدنيون. وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين على
نسق: يحيى وَالقَاسِم وَشَيْخه، وَفِيه صحابيان أَبُو سعيد
وَقَتَادَة بن النُّعْمَان الظفري بِفَتْح الظَّاء
الْمُعْجَمَة وَالْفَاء.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأحمد
والطَّحَاوِي، وَلَفظه أَن أَبَا سعيد أَتَى أَهله فَوجدَ
عِنْدهم قَصْعَة ثريد وَلحم من لحم الْأَضْحَى، فَأبى أَن
يَأْكُلهُ، فَأتى قَتَادَة بن النُّعْمَان أَخَاهُ فحدثه
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَام الْحَج
قَالَ: (إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ أَن لَا تَأْكُلُوا
لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَإِنِّي أحله
لكم، فَكُلُوا مِنْهُ مَا شِئْتُم) .
قَوْله: (فَقدم) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الدَّال أَي:
فَقدم من سَفَره. قَوْله: (فَقدم) ، بِضَم الْقَاف وَكسر
الدَّال الْمُشَدّدَة من التَّقْدِيم. قَوْله: (حَتَّى
آتِي أخي أَبَا قَتَادَة) ، قَالَ أَبُو عَليّ: كَذَا وَقع
فِي نُسْخَة أبي مُحَمَّد والقابسي من رِوَايَة أبي زيد
وَأبي أَحْمد، وَالصَّوَاب: حَتَّى آتِي أخي قَتَادَة.
وَفِي رِوَايَة اللَّيْث: فَانْطَلق إِلَى أَخِيه لأمه
قَتَادَة بن النُّعْمَان، وَأم أبي سعيد وَقَتَادَة أنيسَة
بنت أبي خَارِجَة عَمْرو بن قيس بن مَالك من بني عدي بن
النجار. قَوْله: (وَكَانَ بَدْرِيًّا) ، أَي: مِمَّن حضر
غَزْوَة بدر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فَقَالَ
أبي قَتَادَة: إِنَّه حدث بعْدك أَمر) ، أَي: أَمر نَاقض
لما كَانُوا ينهون من أكل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاثَة
أَيَّام، وَقد أخرجه أَحْمد من رِوَايَة مُحَمَّد بن
إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي أبي وَمُحَمّد بن عَليّ بن
حُسَيْن عَن عبد الله بن خباب مطولا وَلَفظه: عَن أبي سعيد
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد نَهَانَا
أَن نَأْكُل لُحُوم نسكنا فَوق ثَلَاث قَالَ: فَخرجت فِي
سفر ثمَّ قدمت على أَهلِي، وَذَلِكَ بعد الْأَضْحَى بأيام
فأتتني صَاحِبَتي بسلق قد جعلت فِيهِ قديدا. فَقَالَت:
هَذَا من ضحايانا. فَقلت لَهَا: أَو لم ينهنا؟ قَالَت:
إِنَّه قد رخص للنَّاس بعد ذَلِك، فَلم أصدقهَا حَتَّى
بعثت إِلَى أخي قَتَادَة بن النُّعْمَان فَذكره، وَفِيه:
قد أرخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للْمُسلمين
فِي ذَلِك، وَمثله مَا ذَكرْنَاهُ عَن النَّسَائِيّ
والطَّحَاوِي.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب فَذهب قوم إِلَى
تَحْرِيم لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث، وهم: عبد الله بن
وَاقد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَجَمَاعَة من
الظَّاهِرِيَّة، وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِمَا رَوَاهُ مُسلم
من حَدِيث عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَنه قَالَ: لَا يَأْكُل أحدكُم من لحم أضحيته فَوق
ثَلَاثَة أَيَّام، وبأحاديث أخر وَردت فِيهِ، وَخَالفهُم
فِي ذَلِك آخَرُونَ فَلم يرَوا بأكلها وادخارها بَأْسا وهم
جَمَاهِير الْعلمَاء وفقهاء الْأَمْصَار مِنْهُم
الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وأصحابهم، وَاحْتَجُّوا فِي
ذَلِك بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وبأحاديث أخر، وَقَالَ
ابْن التِّين: اخْتلف فِي النَّهْي الْوَارِد فِيهِ،
فَقيل: على التَّحْرِيم ثمَّ طَرَأَ النّسخ بإباحته،
وَقيل: للكراهة، فَيحْتَمل نسخهَا وَعَدَمه، وَيحْتَمل أَن
يكون الْمَنْع من الإدخار ثَبت لعِلَّة وارتفع لعدمها،
يُوضحهُ قَوْله: وَكَانَ بِالنَّاسِ ذَلِك الْعَام جهد.
5569 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بنِ أبِي
عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَ: قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ
فَلا يُصْبِحنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ
شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ قَالُوا يَا
رَسُولَ الله: نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنا العامَ المَاضِي؟
قَالَ: كُلُوا وَأطْعِمُوا وَادْخِرُوا فَإنَّ ذَلِكَ
العامَ كانَ بالناسِ جَهْدٌ فَأرَدْتُ أنْ تُعِينُوا
فِيها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك
الملقب بالنبيل بِفَتْح النُّون وَكسر الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد.
وَهَذَا هُوَ الثَّامِن عشر من ثلاثيات البُخَارِيّ.
قَوْله: (فَلَا يصبحن من الإصباح) ، قَوْله: (بعد
ثَالِثَة) ، أَي: لَيْلَة ثَالِثَة من وَقت التَّضْحِيَة.
قَوْله: (وَفِي بَيته) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:
(وَادخرُوا) بِالدَّال الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة لِأَن
أَصْلهَا اذتخروا من ذخر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة اجْتمع
مَعَ تَاء الافتعال وقلبت التَّاء دَالا فَصَارَ إِذْ
دخروا. ثمَّ قلبت الذَّال دَالا وأدغمت الدَّال فِي
الذَّال فَصَارَ: ادخروا. قَوْله: (جهد) ، أَي: مُشْتَقَّة
يُقَال: جهد عيشهم أَي: نكد وَاشْتَدَّ وَبلغ غَايَة
الْمَشَقَّة فَفِي الحَدِيث دلَالَة على أَن تَحْرِيم
ادخار لحم الْأَضَاحِي كَانَ لعِلَّة، فَلَمَّا زَالَت
الْعلَّة زَالَ التَّحْرِيم. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن
قلت: فَهَل يجب الْأكل من لَحمهَا لظَاهِر الْأَمر وَهُوَ
قَوْله: كلوا قلت:
(21/159)
ظَاهره حَقِيقَة فِي الْوُجُوب إِذا لم تكن
قرينَة صارفة عَنهُ، وَكَانَ ثمَّة قرينَة على أَنه لرفع
الْحُرْمَة أَي: للْإِبَاحَة ثمَّ إِن الْأُصُولِيِّينَ
اخْتلفُوا فِي الْأَمر الْوَارِد بعد الْحَظْر. أهوَ
للْوُجُوب أم للْإِبَاحَة، وَلَئِن سلمنَا أَنه الْوُجُوب
حَقِيقَة فالإجماع هُنَا مَانع من الْحمل عَلَيْهَا.
قَوْله: (فَأَرَدْت أَن تعينُوا فِيهَا) ، من الْإِعَانَة
وَفِي رِوَايَة مُسلم، فَأَرَدْت أَن تفشوا فيهم، وَفِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَأَرَدْت أَن تقسموا فيهم.
كلوا واطعموا وَادخرُوا. قَالَ عِيَاض الضَّمِير فِي
تعينُوا فِيهَا للْمَشَقَّة المفهومة من الْجهد أَو من
الشدَّة. أَو من السّنة لِأَنَّهَا سَبَب الْجهد وَفِي
تفشوا فيهم أَي: فِي النَّاس المحتاجين إِلَيْهَا قَالَ
فِي (الْمَشَارِق) وَرِوَايَة البُخَارِيّ أوجه وَقَالَ
فِي (شرح مُسلم) رِوَايَة مُسلم أشبه، وَقَالَ بَعضهم: قد
عرفت أَن مخرج الحَدِيث وَاحِد ومداره على أبي عَاصِم،
وَأَنه قَالَ: تَارَة هَذَا وَتارَة قَالَ: هَذَا،
وَالْمعْنَى: فِي الْكل صَحِيح فَلَا وَجه للترجيح. قلت:
لَا وَجه لنفي التَّرْجِيح فَكل من لَهُ أدنى ذوق يفهم أَن
رِوَايَة مُسلم أرجح فَمن دقق النّظر عرف ذَلِك.
5570 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ:
حدَّثني أخِي عَنْ سُلَيْمَان عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ
عَنْ عمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ عَائِشَةَ،
رَضِيَ الله عَنْها قَالَتِ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا
نُمَلِّحُ مِنْهَا فَنَقْدَمُ بِهِ إلَى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بِالمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا
إلاَّ ثَلاثَةَ أيَّامٍ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلاكِنْ
أرَادَ أنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَالله أعْلَمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلَيْسَت
بعريمة) إِلَى آخِره، وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ ابْن
أبي أويس، وَأَبُو أويس اسْمه عبد الله وَأَخُوهُ أَبُو
بكر عبد الحميد، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى بن
سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (الضحية) ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر
الْحَاء. قَوْله: (مِنْهَا) ، رَوَاهُ الْكشميهني، أَي: من
الضحية. وَفِي رِوَايَة غَيره. مِنْهُ أَي: من لحم الضحية.
قَوْله: (فنقدم) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْقَاف من
الْقدوم، وَفِي رِوَايَة: فنقدم، بِضَم النُّون وَفتح
الْقَاف وَتَشْديد الدَّال من التَّقْدِيم، أَي نضع بَين
يَدَيْهِ قيل هَذَا أوجه. قَوْله: (لَا تَأْكُلُوا) أَي:
مِنْهُ، هَذَا صَرِيح فِي النَّهْي عَنهُ. فَإِن قلت: وَقع
فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَابس بن ربيعَة عَن
عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن لُحُوم الْأَضَاحِي؟ فَقَالَت:
لَا وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ مُنَافَاة. قلت: لَا
مُنَافَاة لِأَنَّهَا نفت نهي التَّحْرِيم لَا مُطلق
النَّهْي، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي هَذِه الرِّوَايَة:
(وَلَيْسَت بعزيمة وَلَكِن أَرَادَ أَن نطعم مِنْهُ) بِضَم
النُّون وَسُكُون الطَّاء أَي: نطعم مِنْهُ غَيرنَا وَمعنى
قَوْله: (لَيست بعزيمة) أَي: لَيْسَ النَّهْي للتَّحْرِيم
وَلَا ترك الْأكل بعد الثَّلَاثَة وَاجِبا، بل كَانَ
غَرَضه أَن يصرف مِنْهُ إِلَى النَّاس.
وَاخْتلفُوا فِي هَذَا النَّهْي، فَقَالَ قوم: هُوَ
مَنْسُوخ من بَاب نسخ السّنة بِالسنةِ، وَقَالَ آخَرُونَ
كَانَ النَّهْي للكراهة لَا للتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة
بَاقِيَة إِلَى الْيَوْم، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ
التَّحْرِيم لعِلَّة فَلَمَّا زَالَت تِلْكَ الْعلَّة
زَالَ الحكم وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عبد الله
بن وَاقد. قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَن أكل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث، إِلَى أَن
قَالُوا: نهيت أَن تُؤْكَل لُحُوم الضَّحَايَا بعد ثَلَاث.
فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدأفة الَّتِي دفت
فَكُلُوا وَادخرُوا وتصدقوا. وَقَالَ الْخطابِيّ: الدُّف
بِالدَّال الْمُهْملَة وبالفاء الثَّقِيلَة السّير
السَّرِيع، والدافة من يطْرَأ من المحتاجين. وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: الدافة قوم من الْأَعْرَاب يُرِيدُونَ الْمصر
يُرِيد أَنهم قوم قدمُوا الْمَدِينَة عيد الْأَضْحَى
فنهاهم عَن إدخار لُحُوم الْأَضَاحِي ليفرقوها ويتصدقوا
بهَا فينتفع هَؤُلَاءِ القادمون بهَا. فَإِن قلت: قَوْله،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: كلوا يدل على إِيجَاب
الْأكل مِنْهَا. قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ، رَحمَه الله.
هُوَ أَمر بِمَعْنى الْإِطْلَاق وَالْإِذْن للآكل لَا
بِمَعْنى الايجاب، وَلَا خلاف بَين سلف الْأَئِمَّة
وَخَلفهَا فِي عدم الْحَرج على المضحي بترك الْأكل من
أضحيته، وَلَا إِثْم، فَدلَّ ذَلِك على أَن الْأَمر
بِمَعْنى الْإِذْن وَالْإِطْلَاق، وَقَالَ ابْن التِّين:
لم يخْتَلف الْمَذْهَب أَن الْأكل غير وَاجِب، خلاف مَا
ذكره القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَن بعض النَّاس أَنه
وَاجِب، وَقَالَ ابْن حزم: فرض على كل مضح أَن يَأْكُل من
أضحيته وَلَو لقْمَة فَصَاعِدا.
5571 - حدَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنا عَبْدُ
الله. قَالَ: أخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
حدَّثني
(21/160)
أبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أزْهَرَ:
أنَّهُ شَهِدَ العِيدَ يَوْمَ الأضْحَى مَعَ عُمَرَ بنِ
الخَطَّابَ رَضِيَ الله عَنْهُ فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ
ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ. فَقَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ
{إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَدْ
نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هاذَيْنِ العِيدَيْنِ أمَّا
أحَدْهُما فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأمَّا
الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ نُسُكَكُمْ.
5572 - حدَّثنا قَالَ أبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ
عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذالِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ
فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا
أيُّها النَّاسُ} إنَّ هاذا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ
فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أحَبَّ أنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ
مِنْ أهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْظِرْ وَمَنْ أحَبَّ أنْ
يَرْجِعَ فَقَدْ أذِنْتُ لَهُ. قَالَ أبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ
شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ فَصَلَّى قَبْلَ
الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النًّاسَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَاكُمْ أنْ تَأْكُلُوا
لُحُومَ نُسُكَكُمْ فَوْقَ ثلاثٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فِي آخر الحَدِيث، وَذَلِكَ لِأَن التَّرْجَمَة
قَوْله: بَاب مَا يُؤْكَل من لُحُوم الْأَضَاحِي، وَهُوَ
يَشْمَل مَا يُؤْكَل مِنْهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَمَا
يُؤْكَل فِي أَكثر من ذَلِك وَلَكِن فِي أثر على بَين أَنه
لَا يجوز فَوق ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا ذكرنَا فِي أول
الْبَاب.
وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ
الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي،
وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو عبيد بِضَم الْعين وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه سعد بن عبيد مولى عبد
الرَّحْمَن بن أَزْهَر بن عَوْف بن أخي عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، وينسب أَيْضا إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ
يحيى بن بكير: مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين.
قَوْله: (نسككم) بِضَمَّتَيْنِ. أَي: أُضْحِيَتكُم.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبيد) ، هُوَ مَوْصُول بالسند
الْمَذْكُور. قَوْله: (ثمَّ شهِدت مَعَ عُثْمَان) ، أَي:
ثمَّ شهِدت الْعِيد مَعَ عُثْمَان، وَكَذَا فِي بعض
النّسخ: لفظ الْعِيد مَذْكُور، وَلكنه لم يبين أَي: عيد.
قَالَ بَعضهم: وَالظَّاهِر أَنه عيد الْأَضْحَى الَّذِي
قدمه فِي حَدِيثه عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَتكون اللاَّم فِيهِ للْعهد. قلت: يحْتَمل أحد
الْعِيدَيْنِ وَلَا سِيمَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي لم
يذكر فِيهَا لفظ الْعِيد. قَوْله: (فَكَانَ ذَلِك) ، أَي:
فَكَانَ يَوْم الْعِيد ذَاك يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله:
(فِيهِ عيدَان) ، يَعْنِي: عيد الْجُمُعَة وَيَوْم الْعِيد
حَقِيقَة وسمى يَوْم الْجُمُعَة عيدا لِأَنَّهُ زمَان
اجْتِمَاع الْمُسلمين فِي يَوْم عَظِيم لإِظْهَار شَعَائِر
الشَّرِيعَة كَيَوْم الْعِيد وَالْإِطْلَاق على سَبِيل
التَّشْبِيه. قَوْله: (من أهل العوالي) وَهُوَ جمع
الْعَالِيَة وَهِي قرى بِقرب الْمَدِينَة من جِهَة الشرق،
وأقربها من الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال أَو
ثَلَاثَة، وأبعدها ثَمَانِيَة. قَوْله: (فلينتظر) أَي:
فليتأخر إِلَى أَن يُصَلِّي الْجُمُعَة. قَوْله: (أَن
يرجع) ، أَي: إِلَى منزله (فقد أَذِنت لَهُ) بِالرُّجُوعِ،
وَبِه اسْتدلَّ أَحْمد على سُقُوط الْجُمُعَة على من صلى
الْعِيد إِذا وَافق الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة، وَبِه قَالَ
مَالك مرّة: وَأجِيب بِأَنَّهُم إِنَّمَا كَانُوا يأْتونَ
الْعِيد وَالْجُمُعَة من مَوَاضِع لَا يجب عَلَيْهِم
الْمَجِيء فَأخْبر بِمَا لَهُم فِي ذَلِك.
قَوْله: (ثمَّ شهِدت مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ) أَي: ثمَّ شهِدت الْعِيد مَعَ عَليّ، وَالْمرَاد
بِهِ عيد الْأَضْحَى لدلَالَة السِّيَاق عَلَيْهِ،
وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن
الزُّهْرِيّ عَن أبي عبيد أَنه سمع عليا رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: يَوْم الْأَضْحَى. قَوْله: (فَوق
ثَلَاث) ، زَاد عبد الرَّزَّاق فِي رِوَايَته، فَلَا
تَأْكُلُوهَا بعْدهَا.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف فِي أول الثَّلَاث الَّتِي
كَانَ الإدخار فِيهَا جَائِزا فَقيل: أَولهَا يَوْم
النَّحْر فَمن ضحى فِيهِ جَازَ لَهُ أَن يمسك يَوْمَيْنِ
بعده وَمن ضحى بعده أمسك مَا بَقِي لَهُ من الثَّلَاثَة،
وَقيل: أَولهَا يَوْم يُضحي فِيهِ فَلَو ضحى فِي آخر
أَيَّام النَّحْر جَازَ لَهُ أَن يمسك ثَلَاثًا بعْدهَا
وَيحْتَمل أَن يُؤْخَذ من قَوْله فَوق ثَلَاث أَن لَا
يحْسب الْيَوْم الَّذِي يَقع فِيهِ النَّحْر من الثَّلَاث
وَتعْتَبر اللَّيْلَة الَّتِي تليه وَمَا بعْدهَا.
وَالْجَوَاب عَن أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
أَنه مَحْمُول على أَن السّنة الَّتِي خطب فِيهَا عَليّ
كَانَ بِالنَّاسِ فِيهَا جهد كَمَا وَقع فِي عهد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِذَلِك أجَاب ابْن حزم
فَقَالَ: إِنَّمَا خطب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
بِالْمَدِينَةِ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ عُثْمَان حوصر
فِيهِ وَكَانَ أهل الْبَوَادِي قد ألجأتهم الْفِتْنَة
إِلَى الْمَدِينَة فَأَصَابَهُمْ الْجهد، فَلذَلِك قَالَ
عَليّ مَا قَالَ، وَيُؤَيّد صِحَة هَذَا أَن الطَّحَاوِيّ
أخرج من طَرِيق اللَّيْث
(21/161)
عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَفظه:
صليت مَعَ عَليّ الْعِيد وَعُثْمَان مَحْصُور، وَعَن
الشَّافِعِي: لَعَلَّ عليا لم يبلغهُ النّسخ وَالنَّهْي
عَن إمْسَاك لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث مَنْسُوخ فِي
كل حَال، وَقَالَ أَبُو عمر: لَا خلاف فِيمَا عَلمته بَين
الْعلمَاء فِي إجَازَة أكل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث،
وَإِن النَّهْي عَن ذَلِك مَنْسُوخ.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَحَادِيث النّسخ عَن جمَاعَة من
الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. مِنْهُم: عَليّ
بن أبي طَالب. قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا
أَبُو معمر قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَارِث قَالَ: حَدثنِي
عَليّ ابْن زيد قَالَ: حَدثنِي النَّابِغَة بن مُخَارق بن
سليم قَالَ: حَدثنِي أبي أَن عَليّ بن أبي طَالب. قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنِّي كنت
نَهَيْتُكُمْ عَن لُحُوم الْأَضَاحِي أَن تؤخروها فَوق
ثَلَاثَة أَيَّام فادخروها مَا بدا لكم) . وَأخرجه أَحْمد
فِي (مُسْنده) من حَدِيث ربيعَة بن النَّابِغَة عَن أَبِيه
عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن زِيَارَة الْقُبُور
الحَدِيث، وَفِي آخِره: نَهَيْتُكُمْ عَن لُحُوم
الْأَضَاحِي أَن تحبسوها بعد ثَلَاث فاحبسوا مَا بدا لكم
قَالَ الذَّهَبِيّ: ربيعَة بن النَّابِغَة عَن أَبِيه عَن
عَليّ فِي الْأُضْحِية لم يَصح، وَقَالَ ابْن حبَان:
ربيعَة روى عَن أَبِيه عَن عَليّ، وعداده فِي أهل
الْكُوفَة وَهُوَ ثِقَة، ثمَّ وفْق الطَّحَاوِيّ بَين
الرِّوَايَتَيْنِ المتنافيتين بِمَا ذَكرْنَاهُ الْآن
بقولنَا وَالْجَوَاب عَن أثر عَليّ، رَضِي الله عَنهُ.
{وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبِي عُبَيح 6
نَحْوَهُ}
هَذَا ظَاهره أَنه مَعْطُوف على السَّنَد الْمَذْكُور،
فَيكون من رِوَايَة حبَان بن مُوسَى عَن ابْن الْمُبَارك
عَن معمر بن رَاشد، وَيحْتَمل أَن يكون مُعَلّقا رَوَاهُ
الشَّافِعِي فِي (الْأُم) فَقَالَ: حَدثنَا الثِّقَة عَن
معمر فَذكره. قَوْله: (نَحوه) ، أَي: نَحْو مَا روى عَن
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: نهاكم
أَن تَأْكُلُوا لُحُوم نسككم فَوق ثَلَاث.
5574 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ
أخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ عَنْ
ابنِ أخِي ابنِ شِهابٍ عَنْ عَمِّهِ ابنِ شهابٍ عَنْ
سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله
عَنْهُمَا: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
كُلُوا مِنَ الأضَاحِيِّ ثَلاث. وَكَانَ عَبْدُ الله
يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى مِنْ
أجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا تشمله كَمَا
ذكرنَا فِي أول الْبَاب. وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو
يحيى كَانَ يُقَال لَهُ: صَاعِقَة، وَهُوَ من أَفْرَاده،
وَابْن أخي ابْن شهَاب مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم يروي
عَن عَمه ابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن
عمر رَضِي الله عَنْهُم.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (ثَلَاثًا) ، أَي: ثَلَاثَة أَيَّام. قَوْله:
(وَكَانَ عبد الله يَأْكُل بالزيت) ، أَي: يَأْكُل الْخبز
بالزيت حَتَّى يرجع من منى احْتِرَازًا عَن أكل لُحُوم
الْهدى، قيل: الْهدى أخص من الْأُضْحِية فَلَا يلْزم
مِنْهُ أَنه كَانَ محترزا من لُحُوم الضَّحَايَا. وَأجِيب:
بِأَن ذكر الْهدى لمناسبة النَّفر من منى. قَوْله: (حِين
ينفر) ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده: حَتَّى
ينفر بدل حِين وَهُوَ تَصْحِيف لِأَنَّهُ مُفسد الْمَعْنى
لِأَن ابْن عمر كَانَ لَا يَأْكُل من لحم الْأُضْحِية بعد
ثَلَاثَة. فَكَانَ إِذا انْقَضتْ ثَلَاثَة منى إيتدم
بالزيت وَلَا يَأْكُل اللَّحْم تمسكا بِالْأَمر
الْمَذْكُور، وعَلى رِوَايَة الْكشميهني ينعكس الْأَمر
ويعير الْمَعْنى: كَانَ يَأْكُل الزَّيْت إِلَى أَن ينفر،
فَإِذا نفر أكل الزَّيْت فَيدْخل فِيهِ لحم الْأُضْحِية
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، لم يبلغ النَّهْي
عليا وَلَا عبد الله بن وَاقد وَلَو بلغهما مَا حَدثا
بِالنَّهْي، وَالنَّهْي مَنْسُوخ، بِكُل حَال، وَالله
أعلم. |