عمدة القاري شرح
صحيح البخاري {بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
75 - (كتابُ المَرْضَى)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْوَال المرضى، وَهُوَ جمع
مَرِيض، وَالْمَرَض خُرُوج الْجِسْم عَن المجرى الطبيعي،
ويعبر عَنهُ بِأَنَّهُ حَالَة أَو ملكة تصدر بهَا
الْأَفْعَال عَن الْمَوْضُوع لَهَا غير سليمَة، وَقدم ابْن
بطال عَلَيْهِ: كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَذكره بعد
كتاب الْأَدَب.
1 - (بابُ مَا جاءَ فِي كَفَّارةِ المَرَض)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي
كَفَّارَة الْمَرَض، وَالْكَفَّارَة صِيغَة الْمُبَالغَة
من الْكفْر، وَهُوَ التغطية قيل: الْمَرَض لَيْسَ لَهُ
كَفَّارَة بل هُوَ كَفَّارَة للْغَيْر. وَأجِيب بِأَن
الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، نَحْو: شجر الْأَرَاك، أَي:
كَفَّارَة هِيَ مرض أَو الْإِضَافَة بِمَعْنى: فِي،
فَكَانَ
(21/207)
الْمَرَض ظرف لِلْكَفَّارَةِ، أَو هُوَ من
بَاب إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف، ثمَّ إعلم
بِأَنَّهُ قد جرت الْعَادة بَين المؤلفين على أَنهم إِذا
ذكرُوا لفظ: الْكتاب، فِي أَي شَيْء كَانَ يذكرُونَ
عَقِيبه لفظ: الْبَاب بَابا بعد بَاب إِلَى أَن تَنْتَهِي
الْإِشَارَة بالأبواب إِلَى الْأَنْوَاع الَّتِي
تَتَضَمَّن الْكتاب وَالْبَاب بِمَعْنى النَّوْع، يَأْتِي:
وَهَكَذَا وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة عقيب التَّرْجَمَة
بِكِتَاب المرضى عِنْد الْأَكْثَرين وَخَالفهُم
النَّسَفِيّ فَلم يفرد كتاب المرضى من كتاب الطِّبّ، بل
صدر بِكِتَاب الطِّبّ ثمَّ ذكر التَّسْمِيَة، ثمَّ قَالَ:
مَا جَاءَ. . إِلَى آخِره، وَلِهَذَا وَقع فِي بعض النّسخ
هُنَا مَوضِع كتاب المرضى كتاب الطِّبّ.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يجز بِهِ}
(النِّسَاء: 123) .
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَا جَاءَ،
لِأَنَّهُ مجرور محلا بِالْإِضَافَة. قَالَ الْكرْمَانِي:
وَجه مُنَاسبَة الْآيَة بِالْكتاب هُوَ أَن الْآيَة أَعم
من يَوْم الْقِيَامَة، فَيتَنَاوَل الْجَزَاء فِي
الدُّنْيَا بِأَن يكون مَرضه عُقُوبَة لتِلْك الْمعْصِيَة،
فَيغْفر لَهُ بِسَبَب ذَلِك الْمَرَض. وَقيل: الْحَاصِل
أَن الْمَرَض كَمَا جَازَ أَن يكون مكفراً للخطايا كَذَلِك
يكون جُزْءا لَهَا. وَقَالَ ابْن بطال: ذهب أَكثر أهل
التَّأْوِيل إِلَى أَن معنى الْآيَة أَن الْمُسلم يجازى
على خطاياه فِي الدُّنْيَا بالمصائب الَّتِي تقع لَهُ
فِيهَا، فَتكون كَفَّارَة لَهَا. وَقَالَ اللَّيْث: عَن
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لما نزل قَوْله
تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يُجز بِهِ} خرج علينا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لقد أنزلت عَليّ
آيَة هِيَ خير لأمتي من الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا، ثمَّ
قَرَأَهَا، ثمَّ قَالَ: إِن العَبْد إِذا أذْنب ذَنبا
فتصيبه شدَّة أَو بلَاء فِي الدُّنْيَا فَإِن الله
تَعَالَى أكْرم من أَن يعذبه ثَانِيًا.
5640 - حدّثنا أبُو اليَمانِ الحَكَمُ بنُ نافِعٍ أخبرَنا
شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ
الزُّبَيْر أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوُجَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ: قَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ
المسْلِمَ إلاَّ كَفَّرَ الله بِها عنْهُ حتَّى
الشَّوْكَةُ يُشاكُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَا
جَاءَ فِي كَفَّارَة الْمَرَض. وَحَدِيث عَائِشَة مِمَّا
جَاءَ فِي ذَلِك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم من طَرِيق مَالك بن أنس وَيُونُس
بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن
عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
مَا من مُصِيبَة يصاب بهَا الْمُسلم إلاَّ كفر بهَا عَنهُ،
حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها ... وَأخرج التِّرْمِذِيّ من
حَدِيث الْأسود عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يُصِيب الْمُؤمن شَوْكَة
فَمَا فَوْقهَا إلاَّ رَفعه الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ
بهَا خَطِيئَة.
قَوْله: (مَا من مُصِيبَة) أصل الْمُصِيبَة الرَّمية
بِالسَّهْمِ ثمَّ اسْتعْملت فِي كل نازلة، وَقَالَ
الرَّاغِب: أصَاب يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر، قَالَ
الله عز وَجل: {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبك
مُصِيبَة} (التَّوْبَة: 50)
الْآيَة قَالَ: وَقيل: الْإِصَابَة فِي الْخَيْر
مَأْخُوذَة من الصوب، وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي ينزل بِقدر
الْحَاجة من غير ضَرَر، وَفِي الشَّرّ مَأْخُوذَة من أصابة
السهْم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمُصِيبَة فِي اللُّغَة
مَا ينزل بالإنسان مُطلقًا، وَفِي الْعرف: مَا نزل بِهِ من
مَكْرُوه خَاصَّة، وَهُوَ المُرَاد هُنَا. قَوْله: (حَتَّى
الشَّوْكَة يشاكها) قَالَ الطَّيِّبِيّ: الشَّوْكَة
مُبْتَدأ، أَو يشاكها خَبره، وَرِوَايَة الْجَرّ ظَاهِرَة،
وَالضَّمِير فِي: يشاكها، مَفْعُوله الثَّانِي،
وَالْمَفْعُول الأول مُضْمر. أَي: يشاك الْمُسلم تِلْكَ
الشَّوْكَة. قيل: وَيجوز النصب بِتَقْدِير عَامل أَي:
حَتَّى وجد الشَّوْكَة يشاكها. قَوْله: (يشاكها)
بِالضَّمِّ، قَالَ الْكسَائي: شكت الرجل الشَّوْكَة أَي:
أدخلت فِي جسده شَوْكَة، وشيك، هُوَ مَا لم يسم فَاعله،
يشاك شوكاً، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: شاكتني الشَّوْكَة إِذا
دخلت فِي جَسَدِي، وَيُقَال: أشكت فلَانا أَي: آذيته
بِالشَّوْكَةِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ متعدٍ إِلَى
مفعول وَاحِد، فَمَا هَذَا الضَّمِير؟ قلت: هُوَ من بَاب
وصل الْفِعْل أَي: يشاك بهَا، فَحذف الْجَار وأوصل
الْفِعْل. وَقَالَ ابْن التِّين: حَقِيقَة قَوْله:
(يشاكها) أَي: يدخلهَا غَيره. قلت: يردهُ مَا رَوَاهُ
مُسلم من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة لَا يُصِيب الْمُؤمن
شَوْكَة، بِإِضَافَة الْفِعْل إِلَيْهَا، وَهُوَ
الْحَقِيقَة، وَلَكِن لَا يمْنَع: إِرَادَة الْمَعْنى
الْأَعَمّ، وَهُوَ أَن تدخل هِيَ بِغَيْر فعل أحد، أَو
تدخل بِفعل أحد. فَإِن قلت: على هَذَا يلْزم الْجمع بَين
الْحَقِيقَة وَالْمجَاز. قلت: هَذَا لَا يمْنَع عِنْد من
يجوز الْجمع بَين إِرَادَة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَأما
عِنْد من يمْنَع ذَلِك فَيكون من بَاب عُمُوم الْمجَاز.
5641 - حدّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا عبْدُ
المَلِكِ بنُ عَمرٍ وَحدثنَا زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَة عنْ عطاءِ بنِ يَسار
عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. وعنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(21/208)
قَالَ: مَا يُ صِيبُ المُسْلمَ مِنْ نَصَبٍ
وَلَا وَصَبٍ ولاَ هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذَى ولاَ
غَمٍّ حتَّى الشوْكَةِ يُشاكها، إلاَّ كَفَّرَ الله بِها
مِنْ خَطَاياهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد
الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الْملك بن عَمْرو هُوَ أَبُو
عَامر الْعَقدي مَشْهُور بكنيته أَكثر من اسْمه، وَزُهَيْر
مصغر الزهر هُوَ ابْن مُحَمَّد أَبُو الْمُنْذر
التَّمِيمِي، وَتَكَلَّمُوا فِي حفظه لَكِن قَالَ
البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) : مَا روى عَنهُ
أهل الشَّام فَإِنَّهُ مَنَاكِير، وَمَا روى عَنهُ أهل
الْبَصْرَة فَإِنَّهُ صَحِيح. وَقَالَ فِي (رجال
الصَّحِيحَيْنِ) : زُهَيْر بن مُحَمَّد التَّمِيمِي
الْعَنْبَري الْخُرَاسَانِي الْمروزِي روى عَنهُ أَبُو
عَامر الْعَقدي عِنْد البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع، وَقيل:
لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث
وَحَدِيث آخر فِي الاسْتِئْذَان وَمُحَمّد بن عَمْرو بن
حلحلة بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون اللَّام
الأولى وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين وَأَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي بكر وَأبي
كريب، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز عَن سُفْيَان
بن وَكِيع.
قَوْله: (من نصب) أَي: من تَعب وَزنه وَمَعْنَاهُ. قَوْله:
(وَلَا وصب) وَهُوَ الْمَرَض وَزنه وَمَعْنَاهُ. قَوْله:
(وَلَا هم) وَهُوَ الْمَكْرُوه يلْحق الْإِنْسَان بِحَسب
مَا يَقْصِدهُ، والحزن مَا يلْحقهُ بِسَبَب حُصُول
مَكْرُوه فِي الْمَاضِي وهما من أمراض الْبَاطِن، والأذى
مَا يلْحقهُ من تعدِي الْغَيْر عَلَيْهِ، وَالْغَم بالغين
الْمُعْجَمَة مَا يضيق على الْقلب، وَقيل: فِي هَذِه
الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة، وَهِي الْهم وَالْغَم والحزن:
إِن الْهم ينشأ عَن الْفِكر فِيمَا يتَوَقَّع حُصُوله
مِمَّا يتَأَذَّى بِهِ، وَالْغَم كرب يحدث للقلب بِسَبَب
مَا حصل، والحزن يحدث لفقد مَا يشق على الْمَرْء فَقده،
وَقيل: الْغم والحزن بِمَعْنى وَاحِد، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْغم يَشْمَل جَمِيع المكروهات لِأَنَّهُ
إِمَّا بِسَبَب مَا يعرض للبدن أَو للنَّفس، وَالْأول
إِمَّا بِحَيْثُ يخرج عَن المجرى الطبيعي أَو لَا،
وَالثَّانِي إِمَّا أَن يُلَاحظ فِيهِ الْغَيْر أَو لَا
ثمَّ ذَلِك إِمَّا أَن يظْهر فِيهِ الانقباض والاغتمام أَو
لَا ثمَّ ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى الْمَاضِي أَو لَا.
5643 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيى عنْ سُفْيانَ عنْ
سَعْدٍ عنْ عبْدِ الله بنِ كَعْبٍ عنْ أبِيهِ عَنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَثَل المُؤْمِنِ
كالخامةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفيِّئُها الرِّيحُ مَرَّةً
وتعْدِلُها مَرَّةً، ومَثَلُ المُنافق كالأرْزَةِ لَا
تَزَالُ حتَّى يَكُونَ انْجِعافُها مَرَّةً واحِدَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مثل الْمُؤمن
كالخامة من الزَّرْع) لِأَن المُرَاد من تَشْبِيه الْمُؤمن
بالخامة فِي كَونه تَارَة يَصح وَتارَة يضعف، كالخامة تحمر
ثمَّ تصفر فَلَا تبقى على حَالَة وَاحِدَة.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبد
الله بن كَعْب يروي عَن أَبِيه كَعْب بن مَالك أَبُو عبد
الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين
تيب عَلَيْهِم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن
مُحَمَّد بن بشار بِهِ.
قَوْله: (كالخامة) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
الْمِيم هِيَ الْفضة الرّطبَة من النَّبَات أول مَا ينب،
وَفِي (الْمُحكم) هِيَ أول مَا ينْبت على سَاق وَاحِد،
وَقيل: هِيَ الطَّاعَة الغضة مِنْهُ. وَقيل: هِيَ
الشَّجَرَة الغضة الرّطبَة، وَقَالَ الْقَزاز، وَرُوِيَ
الخافة بِالْفَاءِ وَهِي الطَّاقَة، وَقَالَ الْخَلِيل:
الخامة الزَّرْع أول مَا ينْبت على سَاق وَاحِد، وَالْألف
فِيهَا منقلبة عَن وَاو، وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) فِي
حَدِيث جَابر: مثل الْمُؤمن مثل السنبلة تستقيم مرّة وتخر
مرّة، وَله فِي حَدِيث أبي بن كَعْب: مثل الْمُؤمن مثل
الخامة تحمر مرّة وَتَصْفَر أُخْرَى. قَوْله: (تفيئها
الرّيح) أَي: تميلها، وَعَن أبي عبد الْملك أَي: ترقدها،
ومادته: فَاء وياء وهمزة، وَأَصله من فَاء إِذا رَجَعَ،
وأفاءه غَيره إِذا رجعه. وَقَالَ ابْن قرقول: وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: تفيأها، بِفَتْح التَّاء وَالْفَاء.
قَوْله: (وتعدلها أُخْرَى) بِفَتْح التَّاء وَكسر الدَّال،
أَي: ترفعها، ويروى بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه
وَالتَّشْدِيد، وَفِي رِوَايَة مُسلم: تفيئها الرّيح
تصرعها مرّة وتعدلها أُخْرَى، وَمثل الْمُنَافِق كالأرزة
... وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور بعده: وَمثل
الْفَاجِر، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَمثل الْكَافِر.
قَوْله: (كالأرزة) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء
وبالزاي، قَالَ ابْن قرقول: كَذَا الرِّوَايَة، وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا هُوَ الآرزة على وزن فاعلة
وَمَعْنَاهَا الثَّابِتَة فِي الأَرْض، وَأنكر هَذَا أَبُو
عبيد بِأَن الروَاة اتَّفقُوا على عدم الْمَدّ وَإِنَّمَا
اخْتلفُوا فِي سُكُون الرَّاء وتحريكه وَالْأَكْثَر
(21/209)
على السّكُون وَقَالَ أَبُو حنيفَة: راؤه
سَاكِنة وَلَيْسَ هُوَ نَبَات أَرض الْعَرَب وَلَا السباخ
بل يطول طولا شَدِيدا ويغلظ. قلت: شاهدته فِي بِلَاد
الرّوم فِي أَرَاضِي بَين جبال طرسوس والأرندة وتكيده، أما
طوله فَإِن شَجَرَة مِنْهُ قلعهَا هبوب الرِّيَاح
الشَّدِيدَة من جبل وَوصل طرفه إِلَى جبل آخر وَبَينهمَا
وَاد عَظِيم فَصَارَ كالجسر من جبل إِلَى جبل، وَأما غلظه
فَإِن عشْرين نفسا وَأكْثر مسك بَعضهم بأيادي بعض وَلم
يقدروا على أَن يحضنوها. قيل: وَلَا يحمل شَيْئا
وَإِنَّمَا يسْتَخْرج من أغصانه الزفت، وَقَالَ قوم:
الأرزة على وزن فعلة محركة الْعين أَي الرَّاء، قَالُوا:
هُوَ ضرب من الشّجر يُقَال لَهُ: الأرزن، لَهُ صلابة.
وَقَالُوا: الْأرز مَعْرُوف واحدته أرزة وَهُوَ الَّذِي
يُقَال لَهُ: الصنوبر، وَإِنَّمَا الصنوبر ثَمَر الْأرز.
وَقَالَ الْخطابِيّ: الأرزة مَفْتُوحَة الرَّاء الصنوبر،
وَقَالَ ابْن فَارس: هِيَ شَجَرَة بالعراق تسمى الصنوبر.
قَوْله: (انجعافها) أَي: انقلاعها، قَالَه ابْن سَيّده،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد كسرهَا من وَسطهَا، ومادته
جِيم وَعين مُهْملَة وَفَاء، يُقَال: جعفته فانجعف مثل
قلعته فانقلع، وَقَالَ الْمُهلب: معنى هَذَا الحَدِيث أَن
الْمُؤمن من حَيْثُ جَاءَهُ أَمر الله انطاع لَهُ ولان
لَهُ وَرَضي بِهِ، وَإِن جَاءَ مَكْرُوه رجا فِيهِ
الْخَيْر، وَإِذا سكن الْبلَاء اعتدل قَائِما بالشكر لرَبه
على الْبلَاء، بِخِلَاف الْكَافِر فَإِن الله عز وَجل لَا
يتفقده باختبار بل يعافيه فِي دُنْيَاهُ وييسر عَلَيْهِ
أُمُوره ليعسر عَلَيْهِ فِي معاده حَتَّى إِذا أَرَادَ
الله إهلاكه قصمه قَصم الأرزة الصماء ليَكُون مَوته أَشد
عذَابا عَلَيْهِ وألماً.
{وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ: حدّثني سَعْدٌ حَدثنَا ابنُ كَعْب
عنْ أبِيهِ كَعْبٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم}
.
زَكَرِيَّاء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وَسعد هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور، وَابْن كَعْب هُوَ عبد الله بن
كَعْب بن مَالك، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم من
طَرِيق عبيد الله بن نمير وَمُحَمّد بن بشر كِلَاهُمَا
عَنهُ، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى
شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: فِيهِ اسْم ابْن كَعْب مُبْهَم،
وَالْآخر: تصريحه بِالتَّحْدِيثِ عَن سعد.
5644 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ: حدّثني
مُحَمَّدُ بنُ فُليْحٍ قَالَ: حَدثنِي أبي عنْ هِلاَلِ بنِ
عَلِيٍّ منْ بَنِي عامِرِ بنِ لَؤَيٍّ عنْ عَطاءٍ بنِ
يَسار عنْ أبي هُرَيْرَةَ رضيَ الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَثَلُ المُؤْمِن
كَمَثَلِ الْخامَةِ مِنَ الزَّرْعِ منْ حَيْثُ أتَتْها
الرِّيحُ كَفَأتْها، فَإِذا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ
بالبَلاءِ، والفاجِرُ كالأرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدَلَةً
حَتَّى يَقْصِمَها الله إذَا شاءَ (الحَدِيث 5644 طرفه
فِي: 7466) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث
السَّابِق وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد الله أَبُو
إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن فليح مصغر
الفلح بِالْفَاءِ وَاللَّام والحاء الْمُهْملَة، يروي عَن
أَبِيه فليح بن سُلَيْمَان، وهلال بن عَليّ من بني عَامر
بن لؤَي بِضَم اللَّام وَفتح الْوَاو والهمزة على
الْقَوْلَيْنِ فِيهِ وَتَشْديد الْيَاء، وَلَيْسَ هِلَال
هَذَا من أنفسهم وَإِنَّمَا هُوَ من مواليهم، وَاسم جده
أُسَامَة، وَقد ينتسب إِلَى جده وَيُقَال لَهُ أَيْضا:
هِلَال بن أبي مَيْمُونَة، وهلال بن أبي هِلَال تَابِعِيّ
صَغِير مدنِي موثق، وَفِي الروَاة: هِلَال بن أبي هِلَال
الفِهري تَابِعِيّ مدنِي أَيْضا يروي عَن ابْن عمر، روى
عَنهُ أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ وَحده، وَوهم من خلط
فيهمَا، وَفِيهِمْ أَيْضا: هِلَال بن أبي هِلَال، مذحجي
تَابِعِيّ أَيْضا يروي عَن أبي هُرَيْرَة، وهلال بن أبي
هِلَال أَبُو ظلال بَصرِي تَابِعِيّ أَيْضا يَأْتِي ذكره
قَرِيبا فِي: بَاب من ذهب بَصَره، وهلال بن أبي هِلَال شيخ
يروي عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَطَاء بن
يسَار بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة
المخففة وبالراء. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (كفأتها) بِفَتْح الْكَاف وَالْفَاء والهمزة أَي:
أمالتها، وَنقل ابْن التِّين أَن مِنْهُم من رَوَاهُ
بِغَيْر همزَة كَأَنَّهُ سهلها. قَوْله: (فَإِذا اعتدلت
تكفأ بالبلاء) قَالَ عِيَاض: وَصَوَابه فَإِذا انقلبت،
ثمَّ يكون قَوْله: (تكفأ) رُجُوعا إِلَى وصف الْمُسلم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْبلَاء إِنَّمَا يسْتَعْمل فِيمَا
يتَعَلَّق بِالْمُؤمنِ، فَالْمُنَاسِب أَن يُقَال
بِالرِّيحِ، وَأجَاب بِأَن الرّيح أَيْضا بلَاء
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الخامة أَو أَرَادَ بالبلاء مَا يضر
بالخامة، أَو لما شبه الْمُؤمن بالخامة أثبت للمشبه بِهِ
مَا هُوَ من خَواص الْمُشبه. قَوْله: (صماء) أَي: الصلبة
المكتنزة الشَّدِيدَة لَيست بجوفاء وَلَا خوارة ضَعِيفَة.
قَوْله: (حَتَّى يقصمها الله) من القصم بِالْقَافِ
وَالصَّاد الْمُهْملَة، وَهُوَ الْكسر عَن إبانة بِخِلَاف
القصم بِالْفَاءِ.
(21/210)
5645 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ
أخبرَنا مالِكٌ عنْ مُحَمَّد بن عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ
الرَّحْمانِ بنِ أبي صَعْصَعَةَ أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ
سَعِيدَ بنَ يَسارٍ أَبَا الحُبابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ يُرِدِ الله بهِ خَيْراً يُصِبْ
مِنْهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (يصب مِنْهُ)
وَأَبُو الْحباب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن سعيد بن
نصر وَغَيره.
قَوْله: (يصب مِنْهُ) بِضَم الْيَاء وَكسر الصَّاد
وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الله عز وَجل،
وَفِي: مِنْهُ، يرجع إِلَى: من كَذَا، هُوَ فِي راوية
الْأَكْثَرين مَعْنَاهُ: يَبْتَلِيه بالمصائب، قَالَه محيى
السّنة، وَقَالَ المطهري: يوصله الله إِلَى مُصِيبَة
ليطهره من الذُّنُوب، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: أَكثر
الْمُحدثين يرويهِ بِكَسْر الصَّاد، وَسمعت ابْن الخشاب
بِفَتْح الصَّاد وَهُوَ أحسن وأليق. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ:
الْفَتْح أحسن للأدب كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا
مَرضت فَهُوَ يشفين} (الشُّعَرَاء: 80) وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: أَي نيل مِنْهُ بالمصائب فعلى الْفَتْح
يكون يصب على صِيغَة الْمَجْهُول مفعول مَا لم يسم فَاعله.
2 - (بابُ شِدَّةِ المَرَضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا فِي شدَّة الْمَرَض من
الْفضل.
5646 - حدّثنا قَبِيصَةُ حَدثنَا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ،
وحدّثني بشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا
شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ
عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا رأيْتُ أحَداً
أشَدَّ عَلَيْهِ الوَجَعُ مِنْ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأخرج هَذَا الحَدِيث من
طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل
شَقِيق بن سَلمَة عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن عَائِشَة.
وَالْآخر: عَن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الشين الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد
السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك
الْمروزِي عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سُلَيْمَان
الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن عُثْمَان بن أبي
شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ وَفِي
الْوَفَاة عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن عبد
الله بن نمير بِهِ.
قَوْله: (الوجع) أَي: الْمَرَض، وَالْعرب تسمي كل وجع
مَرضا، وَقد خص الله تَعَالَى أنبياءه بِشدَّة الأوجاع
والأوصاب لما خصهم بِهِ من قُوَّة الْيَقِين وَشدَّة
الصَّبْر والاحتساب ليكمل لَهُم الثَّوَاب ويعم لَهُم
الْخَيْر.
5647 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيَانُ
عنِ الأعْمَشِ عَن إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عنِ الحارِثِ
بنِ سُوَيْدٍ عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرَضِهِ
وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، وقُلْتُ: إنَّكَ
لَتُوعَكُ وعْكاً شَديداً {قُلْتُ: إنَّ ذَاكَ بِأنَّ لَكَ
أجْرَيْنِ؟ قَالَ: أجَلْ مَا مِنْ مُسْلِم يُصِيبُهُ أَذَى
إلاَّ حاتَّ الله عنهُ خَطاياهُ كَما تحاتُّ ورَقُ
الشَّجَرِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَهُوَ يوعك وعكاً
شَدِيدا) لِأَن الوعك الَّذِي هُوَ الْحمى مرض شَدِيد.
وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ هُوَ إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك
التَّيْمِيّ تيم الربَاب الْكُوفِي، والْحَارث ابْن
سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة مصغر السود الْكُوفِي،
وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن عُثْمَان بن أبي
شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن أبي
كريب وَغَيره.
قَوْله: (وَهُوَ يوعك) جملَة حَالية بِفَتْح الْعين،
يُقَال: وعك} الرجل يوعك فَهُوَ موعوك، والوعك بِسُكُون
الْعين وَفتحهَا الْحمى، وَقيل: ألمها وتعبها. وَقَالَ
صَاحب (الْمطَالع) : الوعك
(21/211)
قيل: هُوَ إرعاد الْحمى وتحريكه إِيَّاه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الوعك شدَّة الْحر فَكَأَنَّهُ
أَرَادَ حر الْحمى وشدتها، وَفِي (الْمُحكم) : الوعك
الْأَلَم يجده الْإِنْسَان من شدَّة التَّعَب. قَوْله:
(إِن ذَاك) لفظ: ذَاك، إِشَارَة إِلَى تضَاعف الْحمى.
قَوْله: (أجل) أَي: نعم. قَوْله: (حات الله) بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف تَاء مثناة مُشَدّدَة
وَهُوَ من بَاب المفاعلة، وَأَصله حاتت فأدغمت التَّاء فِي
التَّاء أَي: نثر الله عَنهُ خطاياه، يُقَال: تحات
الشَّيْء أَي: تناثر. قَوْله: (كَمَا تحات) أَي: كَمَا
يسْقط ورق الشّجر، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: حاتت عَنهُ
ذنُوبه أَي: تساقطت، وَقَالَ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت:
هَذَا يدل على مَا صدقه بقوله: أجل، إِذْ ذَاك يدل على أَن
فِي الْمَرَض زِيَادَة الْحَسَنَات، وَهَذَا يدل على أَنه
يحط الخطيئات؟ قلت: أجل تَصْدِيق لذَلِك الْخَبَر فَصدقهُ
أَو لأثم اسْتَأْنف الْكَلَام وَزَاد عَلَيْهِ شَيْئا آخر
وَهُوَ حط السَّيِّئَات، فَكَأَنَّهُ قَالَ: نعم يزِيد
الدَّرَجَات ويحط الخطيئات أَيْضا.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَقَالَ أَكْثَرهم: فِيهِ رفع
الدرجَة وَحط الْخَطِيئَة، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه يكفر
الْخَطِيئَة فَقَط.
3 - (بابٌ أشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِياءُ ثُمَّ
الأوَّلُ فالأوَّل)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء، وَلَفظ
الحَدِيث مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة
حَدثنَا شريك عَن عَاصِم بن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه
قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله؟ أَي النَّاس أَشد بلَاء؟
قَالَ: الْأَنْبِيَاء ثمَّ الأمثل فالأمثل. . الحَدِيث.
وَأخرجه ابْن ماجة أَيْضا وَابْن بطال ذكر التَّرْجَمَة
بِلَفْظ الحَدِيث، وَهُوَ أولى قَوْله: (ثمَّ الأول
فَالْأول) هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين: ثمَّ الأمثل فالأمثل، مثل مَا فِي
الحَدِيث، وَالْمُسْتَمْلِي جَمعهمَا فِي رِوَايَته،
وَيُمكن أَن قَوْله: (ثمَّ الأول فَالْأول) إِشَارَة إِلَى
مَا أخرجه النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث
فَاطِمَة بنت الْيَمَان أُخْت حُذَيْفَة قَالَت: أتيت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسَاء نعوده، فَإِذا
سقاء يقطر عَلَيْهِ من شدَّة الْحمى، فَقَالَ: إِن من أَشد
النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ،
وَإِنَّمَا قَالَ أَولا: ثمَّ الأمثل بِلَفْظ: ثمَّ
وَقَالَ ثَانِيًا: فالأمثل، بِالْفَاءِ للإعلام بالبعد
والتراخي فِي الْمرتبَة بَين الْأَنْبِيَاء وَغَيرهم،
وَعدم ذَلِك بَين غير الْأَنْبِيَاء إِذْ لَا شكّ أَن
الْبعد بَين النَّبِي وَالْوَلِيّ أَكثر من الْبعد بَين
ولي وَولي، إِذْ مَرَاتِب الْأَوْلِيَاء بَعْضهَا قريبَة
من الْبَعْض، وَلَفظ الأول تَفْسِير للأمثل. إِذْ معنى
الأول الْمُقدم فِي الْفضل، وَلذَا لم يعْطف عَلَيْهِ بثم،
والأمثل الْأَفْضَل.
5648 - حدّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمزَةَ عنِ الأعمَشِ عنْ
إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَن الحارثِ بنِ سُوَيْدٍ عنْ
عَبْدِ الله، قَالَ: دَخَلْتُ على رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُوعكُ، فَقُلتُ: يَا رَسُول الله!
إنَّكَ تُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، قَالَ: أجَلْ إنِّي
أُوعكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ. قُلْتُ: ذالِكَ
أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قَالَ: أجَلْ ذالِكَ كَذالِكَ، مَا
مِنْ مُسْلِمٍ يصِيبُهُ أَذَى، شَوْكَةٌ فَما فَوْقَها،
إلاَّ كَفَّرَ الله بِها سَيِّئاتِهِ كَمَا تَحُطُّ
الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من جِهَة قِيَاس الْأَنْبِيَاء على
نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وإلحاق الْأَوْلِيَاء
بهم لقربهم مِنْهُم، وَإِن كَانَت درجتهم منحطة عَنْهُم،
والسر فِيهِ أَن الْبلَاء فِي مُقَابلَة النِّعْمَة، فَمن
كَانَت نعْمَة الله عَلَيْهِ أَكثر كَانَ بلاؤه أَشد، وَمن
ثمَّة ضوعف حدا الْحر على العَبْد، قَالَه الْكرْمَانِي.
وَهَذَا الحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبَاء، غير أَنه من
طَرِيق آخر وَبَينهمَا بعض زِيَادَة ونقصان أخرجه عَن
عَبْدَانِ وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان عَن أبي
حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي مُحَمَّد بن
مَيْمُون السكرِي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن
إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَعْنَاهُ قد مر هُنَاكَ.
قَوْله: (أَذَى) التنكير للتقليل لَا للْجِنْس ليَصِح
ترَتّب مَا فَوْقهَا وَمَا دونهَا فِي الْعظم والحقارة
عَلَيْهِ بِالْفَاءِ، وَهُوَ يحْتَمل وَجْهَيْن: فَوْقهَا
فِي الْعظم، ودونها فِي الحقارة. وَعكس ذَلِك. قَوْله:
(شَوْكَة) ، بِالرَّفْع بدل من أَذَى، أَو بَيَان قَوْله:
(سيئاته) جمع مُضَاف فَيُفِيد الْعُمُوم فَيلْزم مِنْهُ
تَكْفِير جَمِيع الذُّنُوب صَغِيرَة وكبيرة، نرجو ذَلِك
مِنْك يَا أكْرم الأكرمين وَيَا أرْحم الرَّاحِمِينَ.
قَوْله: (كَمَا تحط) بِفَتْح التَّاء وَضم الْحَاء
وَتَشْديد الطَّاء المهلة أَي: تلقيه منتثراً. وَحَاصِل
الْمَعْنى: أَن الْمَرَض إِذا اشْتَدَّ ضاعف الْأجر ثمَّ
زَاد عَلَيْهِ بعد ذَلِك أَن المضاعفة تَنْتَهِي إِلَى أَن
تحط السَّيِّئَات كلهَا، وَقد روى أَحْمد وَابْن أبي شيبَة
من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: لَا يزَال الْبلَاء
بِالْمُؤمنِ حَتَّى يلقى الله، وَلَيْسَ عَلَيْهِ
خَطِيئَة.
4 - (بابُ وُجوبِ عِيادَةِ المَرِيضِ)
(21/212)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب عِيَادَة
الْمَرِيض، يُقَال: عدت الْمَرِيض أعوده عِيَادَة إِذا
زرته، وَسَأَلت عَن حَاله. وأصل عِيَادَة عوادة قلبت
الْوَاو يَاء لكسر مَا قبلهَا، وأصل الْعود الرُّجُوع،
يُقَال: عَاد إِلَى فلَان يعود عوداً وعودة: إِذا رَجَعَ،
وَهَذَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وبحرف الْجَرّ بإلى وعَلى
وَفِي وباللام، وَأطلق الْوُجُوب على عِيَادَة الْمَرِيض
لظَاهِر الحَدِيث فَيحْتَمل أَن يكون من فروض الْكِفَايَة،
وَيحْتَمل أَن يكون ندبا، ويتأكد فِي حق بعض النَّاس.
وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ فرض يحملهُ بعض النَّاس عَن
بعض.
5649 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا أبُو
عَوانَةَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ أبي وائِل عنْ أبي موساى
قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أطْعِمُوا الْجائِعَ وَعُودُوا المَرِيض وفُكُّوا
الْعانِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وعودوا
الْمَرِيض) وَأَبُو عوَانَة الوضاح، وَمَنْصُور بن
الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو
مُوسَى عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث قد مر فِي أول كتاب الْأَطْعِمَة، وَفِي
النِّكَاح أَيْضا.
قَوْله: (وفكوا العاني) أَي: الْأَسير وفكه تخليصه
بِالْفِدَاءِ، وَاسْتدلَّ بِعُمُوم قَوْله: (وعودوا
الْمَرِيض) على مشروعيته العيادة فِي كل مرض وَاسْتثنى
بَعضهم الأرمد، وَيرد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
من حَدِيث زيد بن الأرقم، قَالَ: عادني رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، من زوج كَانَ بعيني. فَإِن قلت: روى
الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا: ثَلَاثَة
لَيْسَ لَهُم عِيَادَة: الْعين والدمل والضرس. قلت: صَحِيح
الْبَيْهَقِيّ أَنه مَوْقُوف على يحيى بن أبي كثير، ويستدل
بِعُمُوم الحَدِيث أَيْضا على عدم التَّقْيِيد بِزَمَان
يمْضِي من ابْتِدَاء مَرضه، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور،
وَجزم الْغَزالِيّ فِي (الْإِحْيَاء) بِأَنَّهُ لَا يُعَاد
إلاَّ بعد ثَلَاث، وَأسْندَ إِلَى حَدِيث أخرجه ابْن
مَاجَه عَن أنس: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لَا يعود مَرِيضا إلاَّ بعد ثَلَاث. قلت: هَذَا ضَعِيف جدا
تفرد بِهِ مسلمة بن عَليّ وَهُوَ مَتْرُوك، وَقد سُئِلَ
عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: هُوَ حَدِيث بَاطِل. فَإِن
قلت: لحَدِيث أنس هَذَا شَاهد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) . قلت: فِيهِ
راوٍ مَتْرُوك أَيْضا، ويستدل بِإِطْلَاق الحَدِيث أَيْضا
على أَن العيادة لَا تقيد بِوَقْت دون وَقت، لَكِن جرت
الْعَادة بهَا فِي طرفِي النَّهَار، وَترْجم البُخَارِيّ
فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) : العيادة فِي اللَّيْل.
5650 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ:
أَخْبرنِي أشْعَثُ بنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعاويَةَ
ابنَ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عنِ البرَاءِ بنِ عازِب،
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أمَرَنا رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِسَبْعٍ ونَهانا عنْ سَبْعٍ، نَهانا عنْ
خاتَمِ الذهَبِ ولُبْسِ الحرِيرِ والدِّيباجِ
والإسْتَبْرَقِ وعنِ القَسِّيِّ والميثَرَةِ، وأمرَنا أنْ
نَتْبَعَ الجَنائِزِ ونَعُودَ المَرِيضَ ونُفْشِيَ
السَّلاَمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث قد مضى عَن
قريب فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب آنِية الْفضة، وَمر
أَيْضا فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب الْأَمر بِاتِّبَاع
الْجَنَائِز، وَاقْتصر هُنَا فِي النَّهْي على خَمْسَة،
وَفِي الْأَمر على ثَلَاثَة، وَلم يذكر إبرار الْمقسم
وَإجَابَة الدعْوَة وَنصر الْمَظْلُوم وتشميت الْعَاطِس.
5 - (بابُ عيادَةِ المُغْمَى عَليهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عِيَادَة الْمغمى عَلَيْهِ،
من: أُغمي، بِضَم الْهمزَة من الْإِغْمَاء وَهُوَ الغشي،
وَهُوَ تعطل جلّ القوى المحركة والحساسة: كضعف الْقلب
واجتماع الرّوح كُله إِلَيْهِ واستفراغه وتخلله، وَقيل:
فَائِدَة هَذِه التَّرْجَمَة أَن لَا يعْتَقد أَن عِيَادَة
الْمغمى عَلَيْهِ سَاقِطَة الْفَائِدَة لكَونه لَا يعلم
بعائده.
5651 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا سُفْيَانُ
عنِ ابنِ المُنْكَدِرِ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله،
رَضِي الله عنهُما، يَقُولُ: مرضِتُ مَرَضاً فَأَتَانِي
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُنِي وأبُو بكْرٍ
وهُما ماشِيانِ، فَوَجَدَاني أُغْمِيَ عَليَّ، فَتَوَضَّأَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ
عَليَّ فَأفَقْتُ، فإذَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله!
(21/213)
كَيْفَ أصْنَعُ فِي مَالِي؟ كَيْفَ أقْضِى
فِي مالِي؟ فَلمْ يُجِبْنِي بِشَيءٍ حتَّى نَزَلَتْ آيَةُ
المِيرَاثِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (فَوجدَ أَنِّي
أُغمي عَليّ) وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف
بالمسندي، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَابْن الْمُنْكَدر
هُوَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بن عبد الله الْمدنِي.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّهَارَة فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ فِي: بَاب صب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وضوءه على الْمغمى عَلَيْهِ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة
عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر.
قَوْله: (نزلت آيَة الْمِيرَاث) وَهُنَاكَ: حَتَّى نزلت
آيَة الْفَرَائِض، وَمر الحَدِيث أَيْضا فِي تَفْسِير
سُورَة النِّسَاء، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله
فِي أَوْلَادكُم} (النِّسَاء: 11) الْآيَة.
6 - (بابُ فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنَ الرِّيحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من يصرع من الرّيح، كلمة:
من، تعليلية أَي: فضل من يحصل لَهُ صرع بِسَبَب الرّيح،
أَي: الرّيح الَّتِي تحتبس فِي مناقد الدِّمَاغ وتمنع
الْأَعْضَاء الرئيسية عَن انفعالها منعا غير تَامّ، أَو
بخار يرْتَفع إِلَيْهِ من بعض الْأَعْضَاء، وَالرِّيح هُوَ
مَا يكون منشأ للصرع وَسَببه: شدَّة تعرض فِي بطُون
الدِّمَاغ، وَفِي مجاري الأعصاب المحركة، وَسبب الزّبد غلظ
الرُّطُوبَة وَالرِّيح وَقد يكون الصرع من الْجِنّ وَلَا
يَقع إلاَّ من النُّفُوس الخبيثة مِنْهُم، وَقَالَ
الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس: صرع الْجِنّ للإنس قد يكون عَن
شَهْوَة وَهوى وعشق، كَمَا يتَّفق للإنس مَعَ الْإِنْس،
وَقد يتناكح الْإِنْس وَالْجِنّ ويولد بَينهمَا ولد، وَقد
يكون عَن بغض ومجازاة مثل أَن يؤذيهم بعض النَّاس أَو
يَبُول على بَعضهم أَو يصب مَاء حاراً وَيقتل بَعضهم،
وَإِن كَانَ الْإِنْس لَا يعرف ذَلِك، وَأنكر طَائِفَة من
الْمُعْتَزلَة كالجبائي وَأبي بكر الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن
زَكَرِيَّاء الطَّبِيب وَآخَرُونَ دُخُول الْجِنّ فِي بدن
المصروع، وأحالوا وجود روحين فِي جَسَد مَعَ إقرارهم
بِوُجُود الْجِنّ، وَهَذَا خطأ، وَذكر أَبُو الْحسن
الْأَشْعَرِيّ فِي (مقالات أهل السّنة وَالْجَمَاعَة)
أَنهم يَقُولُونَ: إِن الْجِنّ يدْخل فِي بدن المصروع
كَمَا قَالَ لله عز وَجل: {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا
أَلا يقومُونَ إلاَّ كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه
الشَّيْطَان من الْمس} (الْبَقَرَة: 275) وَقَالَ عبد الله
بن أَحْمد بن حَنْبَل: قلت لأبي: إِن قوما يَقُولُونَ: إِن
الْجِنّ لَا تدخل فِي بدن الْإِنْس، فَقَالَ: يَا بني!
يكذبُون، هُوَ ذَا يتَكَلَّم على لِسَانه، وَفِي حَدِيث أم
أبان الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره قَول رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخرج عَدو الله، وَكَذَا
فِي حَدِيث أُسَامَة بن زيد: أخرج يَا عَدو الله فَإِنِّي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ القَاضِي
عبد الْجَبَّار: أجسامهم كالهواء فَلَا يمْتَنع دُخُولهمْ
فِي أبدان الْإِنْس كَمَا يدْخل الرّيح وَالنَّفس المتردد،
وَالله أعلم.
5652 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى اعنْ عِمْرانَ
أبي بَكْرٍ قَالَ: حدّثني عَطاءٌ بنُ أبي رباحٍ قَالَ:
قَالَ لِي ابنُ عبَّاسٍ: ألاَ أُرِيكَ امْرأةً منْ أهْلِ
الجَنَّةِ؟ قُلْتُ بَلى. قَالَ: هاذِه المَرْأةُ
السَّوْدَاءُ أتَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فقالتْ: إنِّي أُصْرِعُ وإنِّي أتَكَشَّفُ فادْعُ الله
لِي. قَالَ: إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلكِ الجَنَّةُ، وإنْ
شِئْتِ دَعَوْتُ الله أنْ يُعافِيَكِ. فقالَتْ: أصْبِرُ.
فقالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ فادْعُ الله أنْ لَا أتكَشَّفَ،
فَدَعا لَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنِّي أصرع) وَقَالَ
صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ فِيهِ ذكر
الرّيح الَّذِي ترْجم لَهُ. قلت: التَّرْجَمَة معقودة فِي
فضل من يصرع، فَالْحَدِيث يدل عَلَيْهِ. وَقَوله: (من
الرّيح) بَيَان سَبَب الصرع كَمَا قُلْنَا، وَلَا يلْزم
أَن يكون لَهُ شَيْء.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعمْرَان هُوَ ابْن
مُسلم بَصرِي تَابِعِيّ صَغِير وكنيته أَبُو بكر، فَلذَلِك
قَالَ: عَن عمرَان أبي بكر وَهُوَ مَعْرُوف بالقصير.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن القواريري.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (ألاَ) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام
للعرض. قَوْله: (هَذِه الْمَرْأَة السَّوْدَاء) روى أَبُو
مُوسَى فِي (الذيل) من رِوَايَة عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن
عَطاء بن أبي رَبَاح فِي هَذَا الحَدِيث: فَأرَانِي حبشية
صفراء عَظِيمَة، فَقَالَ: هَذِه سعيرة الأَسدِية، وسعيرة
بِضَم السِّين وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء، وَيُقَال: شقيرة بِضَم
الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْقَاف، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي
بَاب الشين الْمُعْجَمَة: شقيرة الأَسدِية مولاتهم حبشية،
قيل: هِيَ سعيرة الَّتِي كَانَت تصرع، وَفِي رِوَايَة
المستغفري: سكيرة بِالْكَاف قَوْله: (إِنِّي أصرع) على
صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أتكشف) بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة من
التكشف
(21/214)
من بَاب التفعل ويروى: انْكَشَفَ، بالنُّون
من الانكشاف من بَاب الانفعال، أَرَادَت أَنَّهَا تخشى أَن
تظهر عورتها وَهِي لَا تشعر. قَوْله: (إِن شِئْت صبرت)
إِلَى الخ، خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَين أَن تصبر على هَذِه الْهَيْئَة وَلها الْجنَّة،
وَبَين أَن يَدْعُو الله تَعَالَى فيعافيها، فَاخْتَارَتْ
الصَّبْر، ثمَّ قَالَت: أخْشَى من كشف الْعَوْرَة، فَدَعَا
لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْقَطع
عَنْهَا التكشف. قَوْله: (فَادع الله أَن لَا أتكشف)
بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، ويروى: فَادع الله أَن
لَا أنكشف، بالنُّون وَبِزِيَادَة كلمة لي، وَفِيه
فَضِيلَة مَا يَتَرَتَّب على الصَّبْر على الصرع، وَأَن
اخْتِيَار الْبلَاء وَالصَّبْر عَلَيْهِ يُورث الْجنَّة،
وَأَن الْأَخْذ بالشدة أفضل من الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ لمن
علم من نَفسه أَنه يُطيق التَّمَادِي على الشدَّة، وَلَا
يضعف عَن التزامها.
ح دّثنا مُحَمَّدٌ أخبرَنا مَخْلَدٌ عنِ ابنِ جُرَيحٍّ
أخْبرنِي عطاءٌ أنَّهُ رأى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأةٌ
طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ علَى سِتْرِ الكَعْبَةِ.
الَّذِي: يفهم من هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي رَوَاهَا
البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن مخلد بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة ابْن يزِيد عَن عبد
الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح:
أَن أم زفر هِيَ الْمَرْأَة السَّوْدَاء الْمَذْكُورَة،
وَبِهَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: أم زفر، بِضَم الزَّاي
وَفتح الْفَاء وبالراء، كنية تِلْكَ الْمَرْأَة المصروعة،
وَلَكِن الَّذِي يفهم من كَلَام الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد
الصَّحَابَة) أَن أم زفر غير السَّوْدَاء الْمَذْكُورَة
لِأَنَّهُ ذكر كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي بَاب، وَكَذَلِكَ
يفهم من كَلَام ابْن الْأَثِير: إِن أم زفر غَيرهَا،
حَيْثُ قَالَ: أم زفر ماشطة خَدِيجَة كَانَت عجوزاً
سَوْدَاء يَغْشَاهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زمَان
خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَذكر الذَّهَبِيّ
أَن أم زفر ثِنْتَانِ حَيْثُ قَالَ فِي بَاب الكنى: أم زفر
كَانَ بهَا جُنُون، ذكرت فِي حَدِيث مُرْسل، وَقَالَ
أَيْضا: أم زفر ماشطة خَدِيجَة فِيمَا قيل، فعلَّم على
الأولى عَلامَة البُخَارِيّ وَلم يعلّم على الثَّانِيَة،
وَعَن هَذَا قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : ذكرت فِي
الصحابيات أم زفر ثِنْتَانِ، ثمَّ طول الْكَلَام من غير
تَحْرِير، وَقَول الذَّهَبِيّ: ذكرت فِي حَدِيث مُرْسل،
هُوَ مَا ذكره أَبُو عمر فِي (الِاسْتِيعَاب) فَقَالَ: أم
زفر الَّتِي كَانَ بهَا مس من الْجِنّ. ذكر حجاج وَغَيره
عَن ابْن جريج عَن الْحسن بن مُسلم أَنه أخبرهُ أَنه سمع
طاووساً يَقُول: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يُؤْتى بالمجانين فَيضْرب صدر أحدهم وَيبرأ، فَأتي بمجنونة
يُقَال لَهَا: أم زفر، فَضرب صدرها فَلم تَبرأ وَلم يخرج
شيطانها، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
هُوَ مَعهَا فِي الدُّنْيَا وَلها فِي الْآخِرَة خير.
قَوْله: (تِلْكَ امْرَأَة) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: تِلْكَ الْمَرْأَة قَوْله: (على ستر
الْكَعْبَة) بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة، أَي: جالسة على
ستر الْكَعْبَة أَو مُعْتَمدَة عَلَيْهِ، وعَلى يتَعَلَّق
بقوله: رأى، وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ ابْن جريج:
أَخْبرنِي عَطاء أَنه رأى أم زفر تِلْكَ الْمَرْأَة
سَوْدَاء طَوِيلَة على سلم الْكَعْبَة، وروى الْبَزَّار من
حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
أَنَّهَا قَالَت: إِنِّي أَخَاف الْخَبيث أَن يجردني،
فَدَعَا لَهَا، فَكَانَت إِذا خشيت أَن يَأْتِيهَا تَأتي
أَسْتَار الْكَعْبَة فتتعلق بهَا.
7 - (بابُ فَضلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من ذهب بَصَره، قيل:
سَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة وحديثها من رِوَايَة
النَّسَفِيّ، وَقد جَاءَ بِلَفْظ التَّرْجَمَة حَدِيث
أخرجه الْبَزَّار عَن زيد بن أَرقم بِلَفْظ: مَا ابْتُلِيَ
عبد بعد ذهَاب دينه بأشد من ذهَاب بَصَره، وَمن ابْتُلِيَ
ببصره فَصَبر حَتَّى يلقى الله لَقِي الله تَعَالَى وَلَا
حِسَاب عَلَيْهِ.
5653 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا الليْثُ
قَالَ: حدّثني ابنُ الْهادِ عنْ عَمْروٍ مَوْلى
المُطَّلِبِ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، رضيَ الله عنهُ، قَالَ:
سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إنَّ
الله تَعَالَى قَالَ: إذَا ابْتَليْتُ عَبْدِي
بِحَبِيبتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُما الجَنَّةَ
يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد
بن عبد الله بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ عَن عَمْرو بِفَتْح
الْعين ابْن أبي عَمْرو وميسرة مولى الْمطلب بن عبد الله
بن حنْطَب عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد من أَفْرَاده.
قَوْله: (بحبيبتيه) قد فسرهما فِي آخر الحَدِيث بقوله:
(يُرِيد: عَيْنَيْهِ) وحبيبتيه بِمَعْنى محبوبتيه
لِأَنَّهَا أحب أَعْضَاء الْإِنْسَان إِلَيْهِ، وَلَا يخفى
ذَلِك على أحد. قَوْله:
(21/215)
(فَصَبر) . ويروى: ثمَّ صَبر، وَزَاد
التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته: واحتسب، وَمَعْنَاهُ صَبر
مستحضراً مَا وعد الله بِهِ للصابرين من الثَّوَاب، لَا
أَن يصبر مُجَردا عَن ذَلِك، لِأَن الْأَعْمَال
بِالنِّيَّاتِ، هَذَا الَّذِي ذَكرُوهُ، وَالظَّاهِر أَن
المُرَاد بصبره أَن لَا يشتكي وَلَا يقلق وَلَا يظْهر عدم
الرِّضَا بِهِ. قَوْله: (يُرِيد عَيْنَيْهِ) من كَلَام
أنس، أَي: يُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله:
(حبيبته عَيْنَيْهِ) .
{تابعَهُ أشْعَثُ بنُ جابِرٍ، وأبُو ظِلاَل عنْ أنسٍ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} .
أَي: تَابع عمرا فِي رِوَايَته عَن أنس أَشْعَث بن جَابر
وَهُوَ أَشْعَث بن عبد الله بن جَابر نسب إِلَى جده،
وَهُوَ أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ الْأَعْمَى الْحدانِي
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة
وبالنون نِسْبَة إِلَى جدان، بطن من الأزد، وَلِهَذَا
يُقَال لَهُ: الْأَزْدِيّ أَيْضا. وَاخْتلف فِيهِ، فَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: يعْتَبر بِهِ، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع
تَعْلِيقا ومتابعة أخرجهَا أَحْمد بِلَفْظ: قَالَ، ربكُم:
من أذهبت كريمتيه ثمَّ صَبر واحتسب كَانَ ثَوَابه
الْجنَّة. قَوْله: وَأَبُو ظلال أَي: وَتَابعه أَيْضا
أَبُو ظلال، بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
اللَّام واسْمه هِلَال بن هِلَال وَهُوَ أَيْضا أعمى
وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع إلاَّ أَن البُخَارِيّ
قَالَ: وَهُوَ مقارب الحَدِيث وَلَيْسَ لَهُ فِي (صَحِيحه)
غير هَذِه الْمُتَابَعَة أخرجهَا التِّرْمِذِيّ عَن عبد
الله بن مُعَاوِيَة الجُمَحِي حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن
مُسلم حَدثنَا أَبُو ظلال عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(إِن الله يَقُول: إِذا أخذت كَرِيمَتي عَبدِي فِي
الدُّنْيَا لم يكن لَهُ جَزَاء عِنْدِي إِلَّا الْجنَّة) .
8 - (بابُ عِيادَةِ النَّساءِ لِلرِّجالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم عِيَادَة النِّسَاء
للرِّجَال: وَلَو كَانُوا أجانب بِشَرْطِهِ الْمُعْتَبر.
وعادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رجُلاً مِنْ أهْلِ المَسْجِدِ
مِنَ الأنْصارِ
أم الدَّرْدَاء هَذِه زَوْجَة أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر،
وَالْمَسْجِد مَسْجِد الْمَدِينَة. فَإِن قلت: أَبُو
الدَّرْدَاء لَهُ زوجتان كل مِنْهُمَا تسمى أم الدَّرْدَاء
إِحْدَاهمَا: أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى اسْمهَا خيرة بنت
أبي حَدْرَد اسْمه عبد الله الْأَسْلَمِيّ كَانَت صحابية
من فضلاء النِّسَاء وعقلائهن، مَاتَت بِالشَّام فِي
خلَافَة عُثْمَان قبل أبي الدَّرْدَاء بِسنتَيْنِ،
وَالْأُخْرَى: أم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى اسْمهَا هجيمة
بنت حييّ الوصابية، وَقَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهَا
خَبرا يدل على صُحْبَة أَو رُؤْيَة، وَمن خَبَرهَا أَن
مُعَاوِيَة خطبهَا بعد أبي الدَّرْدَاء فَأَبت أَن تتزوجه،
فأيتهما الَّتِي عَادَتْ رجلا من أهل الْمَسْجِد من
الْأَنْصَار؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن
المرادة هَهُنَا الْكُبْرَى، وَقيل: لَيْسَ كَذَلِك بل
هِيَ الصُّغْرَى، لِأَن الْأَثر الْمَذْكُور أخرجه
البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) من طَرِيق الْحَارِث
بن عبيد وَهُوَ شَامي تَابِعِيّ صَغِير لم يلْحق أم
الدَّرْدَاء الْكُبْرَى فَإِنَّهَا مَاتَت قبل موت أبي
الدَّرْدَاء فِي خلَافَة عُثْمَان، كَمَا قُلْنَا. قَالَ:
رَأَيْت أم الدَّرْدَاء على رَاحِلَة أَعْوَاد لَيْسَ
لَهَا غشاء تعود رجلا من الْأَنْصَار فِي الْمَسْجِد،
وَالصُّغْرَى عاشت إِلَى أَوَاخِر خلَافَة عبد الْملك بن
مَرْوَان، وَمَاتَتْ فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بعد
الْكُبْرَى بِنَحْوِ خمسين سنة، فَإِن قلت: قد جعل ابْن
مَنْدَه وَأَبُو نعيم وَأَبُو مسْهر، خيرة وهجمية
وَاحِدَة. قلت: قَالُوا: هَذَا وهم وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا
ثِنْتَانِ كَمَا ذكرنَا، ولي فِيهِ تَأمل لَا يخفى.
5654 - حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ هِشامِ بنِ
عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عَن عائِشَةَ أنَّها قالَتْ: لمَّا
قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ
وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وبِلالٌ، رَضِي الله عَنْهُمَا،
قالَتْ: فَدَخَلْتُ عَليْهِما، قُلْتُ: يَا أبَتِ {كَيْفَ
تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ} كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قالَتْ: وكانَ
أبُو بَكْرٍ إذَا أخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
(كلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ ... والمَوْتُ
أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ)
وكانَ بِلالٌ إذَا أقْلَعَتْ عنْهُ يَقُولُ:
(أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوادٍ
وحَوْلِي إذْ خِرٌ وجَلِيلُ)
(وهَلْ أرِدَنْ يَوْماً مِياهَ مِجَنَّةٍ ... وهَلْ
يَبْدُوَنْ لِي شامَة وطفِيل)
(21/216)
قالَتْ عائِشَةُ: فَجِئْتُ إِلَى رسولِ
الله فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا
المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ اللَّهُمَّ
وصَحِّحْها وباركْ لَنا فِي مُدِّها وصاعِها. وانْقُلْ
حُمَّاها فاجْعَلْها بالجُحْفَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدخلت
عَلَيْهِمَا) لِأَن دُخُول عَائِشَة عَليّ أبي بكر وبلال
كَانَ لعيادتهما، وهما متوعكان.
والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب مقدم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَهنا عَن
قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك، وَمر الْكَلَام فِيهِ
مَبْسُوطا، تركنَا أَكْثَره هُنَا خوفًا من التّكْرَار.
قَوْله: (كَيفَ تجدك؟) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق،
أَي: كَيفَ تَجِد نَفسك. قَوْله: (أدنى) أَي: أقرب،
والشراك بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة أحد سيور النَّعْل
الَّتِي تكون على وَجهه. قَوْله: (بوادٍ) بالتنكير أَي:
وَادي مَكَّة، والإذخر والجليل نباتان، ومجنة بِفَتْح
الْمِيم وَالْجِيم وَتَشْديد النُّون اسْم مَوضِع على
أَمْيَال من مَكَّة، وَكَانَ سوقاً فِي الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: (يبدون) بالنُّون الْخَفِيفَة أَي: هَل يظْهر،
وشامة وطفيل جبلان بِمَكَّة، والجحفة بِضَم الْجِيم
وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء مَوضِع بَين مَكَّة
وَالْمَدينَة، وَهِي مِيقَات أهل الشَّام، وَكَانَ
اسْمهَا: مهيعة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْعين الْمُهْملَة فأجحف
السَّيْل بِأَهْلِهَا فسميت جحفة، وَجوز طَائِفَة نقل
الْحمى مَعَ أَنَّهَا عرض. وَالْمعْنَى الصَّحِيح أَن تعدم
من الْمَدِينَة وَتظهر فِي الْجحْفَة وَكَانَ أَهلهَا يهود
شَدِيد الْإِيذَاء والعداوة للْمُؤْمِنين، فَلذَلِك دَعَا
عَلَيْهِم وَأَرَادَ الْخَيْر لأهل الْإِسْلَام.
9 - (بابُ عِيادَةِ الصِّبْيان)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عِيَادَة الصّبيان، وعيادة
مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى فِيهِ ذكر الْفَاعِل،
وَالتَّقْدِير: بَاب عِيَادَة الرِّجَال الصّبيان.
5655 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا شُعْبَةُ
قَالَ: أخبرنِي عاصمٌ قَالَ: سمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ عنْ
أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ ابْنَةَ
للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَتْ إليهِ وهْوَ
مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسَعْدٌ وأبَيُّ
بنُ كَعْبٍ يَحْسِبُ أنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ،
فأشْهَدْنا فأرْسَلَ إلَيْها السَّلامَ ويَقُولُ: إنَّ لله
مَا أخَذَ وَمَا أعْطَى، وكُلُّ شْيءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى
فَلْتَحْتَسِبْ ولْتَصِبْر، فأرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ،
فَقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقُمْنا فَرُفِعَ
الصَّبيُّ فِي حَجْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ونَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفاضَتْ عَيْنا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رسولَ
الله؟ قَالَ: هاذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَها الله فِي قُلُوبِ
مَنْ شاءَ منْ عِبادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ الله منْ عِبادِهِ
إلاَّ الرُّحمَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم جَاءَ إِلَى ابْنَته فَأخذ ابْنهَا فَوَضعه فِي
حجره، وَهَذَا عِيَادَة بِلَا شكّ.
وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَأَبُو عُثْمَان عبد
الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون.
وَمضى الحَدِيث فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب قَول النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يعذب الْمَيِّت ببكاء أَهله
عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ
وَمُحَمّد كِلَاهُمَا عَن عبد الله عَن عَاصِم عَن أبي
عُثْمَان. قَالَ: حَدثنِي أُسَامَة بن زيد إِلَى آخِره،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (إِن ابْنة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن بِنْتا للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) . وبنته
الَّتِي أرْسلت إِلَيْهِ تَدعُوهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هِيَ زَيْنَب، وَابْنهَا اسْمه عَليّ، كَذَا بِخَط شَيخنَا
أبي مُحَمَّد الدمياطي، وَقَالَ ابْن بطال: إِن هَذَا
الحَدِيث لم يضبطه الرَّاوِي فَمرَّة قَالَ: قَالَت:
ابْنَتي قد احتضرت، وَمرَّة قَالَ: فَرفع الصَّبِي وَنَفسه
تقَعْقع، فَأخْبر مرّة عَن صبي ورمة عَن صبية. قَوْله:
(وَهُوَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي:
وَالْحَال أَن أُسَامَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (وَسعد) أَي: ابْن عبَادَة وَأبي بن كَعْب قَوْله:
(نحسب) أَي: يظنّ الرَّاوِي أَن أَبَيَا كَانَ مَعَه،
وَلَا يجْزم بِكَوْن أبي مَعَه فِي ذَلِك الْوَقْت، وَيدل
على هَذَا مَا سيجىء فِي كتاب النذور حَيْثُ قَالَ: وَمَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة وَسعد أَو
أبي، على الشَّك. قَوْله: (قد حضرت) على صِيغَة بِنَاء
الْمَجْهُول، ويروى: احتضرت، أَي: حضرها الْمَوْت. قَوْله:
(فاشهدنا) أَي احضر إِلَيْنَا قَوْله: (وكل شَيْء مُسَمّى)
ويروى: مُسَمّى إِلَى أجل. قَوْله: (فلتحتسب) أَي: لتطلب
الْأجر من عِنْد الله، ولتجعل الْوَلَد فِي حِسَابهَا الله
تَعَالَى راضية بِقَضَائِهِ. قَوْله: (فِي حجر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِفَتْح
(21/217)
الْحَاء وَكسرهَا. قَوْله: (وَنَفسه)
بِسُكُون الْفَاء. قَوْله: (تقَعْقع) أَي: تضطرب وَيسمع
لَهَا صَوت. قَوْله: (فَقَالَ سعد: مَا هَذَا؟) إِنَّمَا
قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ اسْتغْرب ذَلِك مِنْهُ لِأَنَّهُ
مُخَالف مَا عَهده مِنْهُ من مقاومة الْمُصِيبَة بِالصبرِ.
قَوْله: (هَذِه رَحْمَة) ويروى: هَذِه الرَّحْمَة أَي: أثر
رَحْمَة جعلهَا الله فِي قُلُوب الرُّحَمَاء، وَلَيْسَ من
بَاب الْجزع وَقلة الصَّبْر، وَقد صَحَّ أَن لله مائَة
رَحْمَة أنزل مِنْهَا رَحْمَة وَاحِدَة بَين الْجِنّ
وَالْإِنْس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون، وفيهَا
يتراحمون وَبهَا يعْطف الْوَحْش على وَلَده، وأخرَّ تسعا
وَتِسْعين رَحْمَة يرحم بهَا عباده يَوْم الْقِيَامَة،
أخرجه مُسلم، وروى البُخَارِيّ نَحوه.
10 - (بابُ عِيادَةِ الأعْرَابِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عِيَادَة الْأَعْرَاب، بِفَتْح
الْهمزَة، وهم: سكانو الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا
يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَهَا إلاَّ
لحَاجَة، وَالْعرب اسْم لهَذَا الجيل من النَّاس وَلَا
وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَسَوَاء أَقَامَ بالبادية أَو
المدن وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا أَعْرَابِي وعربي.
11 - (بابُ عِيادَةِ المشْرِكِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عِيَادَة الْمُشرك، قَالَ ابْن
بطال: إِنَّمَا يُعَاد لِمُشْرِكٍ ليدعى إِلَى الْإِسْلَام
إِذا رجى إجَابَته وإلاَّ فَلَا. قلت: الظَّاهِر أَن هَذَا
يخْتَلف باخْتلَاف الْمَقَاصِد، فقد تقع لعيادته مصلحَة
أُخْرَى، وَلَا يخفى ذَلِك.
5657 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْب حَدثنَا حَمادُ بنُ
زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ
غُلاماً لِيَهُودَ كانَ يَخْدُمُ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَمَرِضَ فأتاهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَعُودُهُ فَقَالَ: أسلِمْ، فأسْلَمَ. (انْظُر
الحَدِيث 1356) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مر فِي
الْجَنَائِز بأتم مِنْهُ فِي: بَاب إِذا أسلم الصَّبِي
فَمَاتَ.
{وَقَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ عنْ أبِيهِ لَمَّا
حُضِرَ أبُو طَالِبٍ جاءَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم} .
هَذَا التَّعْلِيق قد مر موصلاً فِي تَفْسِير سُورَة
الْقَصَص، وَفِي الْجَنَائِز أَيْضا، وَأَبُو سعيد هُوَ
الْمسيب بن حزن صَحَابِيّ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة.
وَأَبُو طَالب عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اسْمه: عبد منَاف.
(21/218)
12 - (بابٌ إِذا عادَ مَريضاً فَحَضَرَتِ
الصلاةُ فَصَلى بِهِمْ جَماعَة)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا عَاد نَاس مَرِيضا. قَوْله:
(فحصرت الصَّلَاة فصلى) أَي: الْمَرِيض. بهم أَي بِمن
عَاده من النَّاس.
5658 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا يَحْياى
حَدثنَا هِشامٌ قَالَ: أخبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي
الله عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخلَ
عَلَيْهِ ناسٌ يَعُودُونَهُ فِي مَرَضِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ
جالِساً فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ قِياماً، فأشارَ إليْهِمْ
أَن اجْلِسُوا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إنَّ الإمامَ
لِيُؤْتمَّ بهِ، فإِذا ركَعَ فارْكعُوا، وَإِذا رَفَعَ
فارْفَعُوا، وإنْ صَلَّى جالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد
الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب إِنَّمَا جعل
الإِمَام ليؤتم بِهِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قيَاما) الْقيام جمع قَائِم أَو هُوَ مصدر
بِمَعْنى: قَائِمين. قَوْله: (ليؤتم بِهِ) على صِيغَة
بِنَاء الْمَجْهُول وَهُوَ بِكَسْر اللَّام أبي: لِأَن
يؤتم بِهِ وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَبِفَتْحِهَا أَيْضا،
قلت: إِن صحت الرِّوَايَة بذلك فَتكون اللَّازِم
للتَّأْكِيد ويؤتم يكون مَرْفُوعا. قَوْله: (وَإِذا رفع)
أَي: رَأسه فارفعوا أَي: رؤوسكم وَإِن صلى جَالِسا أَي:
وَإِن صلى الإِمَام حَال كَونه جَالِسا لعذر فصلوا
جُلُوسًا أَي: جالسين.
{قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ الحُمَيْدِيُّ: هَذَا
الحَدِيثُ مَنْسُوخٌ لأنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، آخِرَ مَا صَلَّى صَلى قاعِداً والنَّاسُ خلفَهُ
قِيامٌ} .
أبوعبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. والْحميدِي قد مر غير
مرّة، وَهُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى بن عبد الله بن
الزبير بن عبد الله بن حميد، والْحميدِي نِسْبَة إِلَى بطن
من قُرَيْش يُقَال لَهُ: حميد بن زُهَيْر، وَوجه النّسخ
وَبَاقِي الْمَسْأَلَة من الْخلاف قد ذَكرْنَاهُ فِي: بَاب
إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، وَبِالَّذِي قَالَه
الْحميدِي. قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، والمنسوخ
مِنْهُ قعودهم مَعَه فَقَط، وَأخذ أَحْمد وَإِسْحَاق
بِظَاهِرِهِ وَأَن الإِمَام إِذا صلى جَالِسا تابعوه
فِيهِ، وَحمل ابْن الْقَاسِم حَدِيث الْبَاب على أَنه
كَانَ نَافِلَة وَهُوَ غلط.
13 - (بابُ وَضْعِ اليَدِ عَلى المَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وضع عَائِد الْمَرِيض يَده
عَلَيْهِ للتأنيس لَهُ ولمعرفة مَرضه، وَيَدْعُو لَهُ على
حسب مَا يَبْدُو مِنْهُ، وَرُبمَا يرقيه بِيَدِهِ وَيمْسَح
على ألمه فينتفع بِهِ العليل خُصُوصا إِذا كَانَ الْعَائِد
صَالحا يتبرك بِيَدِهِ ودعائه، كَمَا كَانَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله، وَذَلِكَ من حسن الْأَدَب واللطف
بالعليل، وَقد يكون وَاضع يَده عَارِفًا بالعلاج فيصف لَهُ
بِمَا يُنَاسِبه.
5659 - حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرااهِيمَ أخبرنَا
الجُعَيْدُ عنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْد أنَّ أَبَاهَا
قَالَ: تَشَكَّيْتُ بمَكَّةَ شَكْواى شَدِيدَةً، فَجاءَني
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا
نبيِّ الله إنِّي أتْرُكُ مَالا وإنِّي لمْ أتْرُكْ إلاَّ
ابْنَةً واحِدَةً، فأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي وأتْرُكُ
الثُّلُثَ؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: فأُوصِي بالنِّصْفِ
وأتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فأُوصِي
بالثُّلُثِ واتْرُكُ لهَا الثُّلُثَيْن؟ قَالَ: الثُّلُثُ
والثُّلُثُ كَثِيرٌ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى جَبْهَتِهِ،
ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلى وجْهِي وبَطْنِي ثمَّ قَالَ:
أللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً وأتْمِمْ لهُ هِجْرَتَهُ،
فَمازِلْتُ أجِدُ بَرْدهُ علَى كَبِدِي فِيما يُخالُ
إلَيَّ حتَّى السَّاعَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (ثمَّ وضع يَده
على جَبهته ثمَّ مسح يَده على وَجْهي وبطني) .
والمكي بن إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد البرجمي
التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، مَاتَ سنة خمس عشرَة
وَمِائَتَيْنِ، والجعيد بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال
المهلمة ابْن عبد الرَّحْمَن الْكِنْدِيّ، وَيُقَال:
الْجَعْد، مكبراً، أَو عَائِشَة بنت سعد بن أبي وَقاص
رَضِي الله
(21/219)
عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب أَن
تتْرك وَرثتك أَغْنِيَاء، من رِوَايَة عَامر بن سعد عَن
أَبِيه سعد. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة من هَذَا
الْوَجْه. وَأما من رِوَايَة عَائِشَة بنت سعد فَأخْرجهُ
أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن هَارُون بن عبد الله عَن
مكي بن إِبْرَاهِيم بِهِ مُخْتَصرا، وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الْفَرَائِض عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَغَيره.
قَوْله: (تشكيت) من بَاب التفعل الَّذِي يدل على
الْمُبَالغَة. قَوْله: (شكوى) بِالتَّنْوِينِ
وَبِغَيْرِهِ: الشكوى والشكو والشكاة والشكاية: الْمَرَض.
قَوْله: (شَدِيدَة) فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: شَدِيدا
بالتذكير على إِرَادَة الْمَرَض. قَوْله: (كثير) بالثاء
الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة. قَوْله: (ثمَّ وضع
يَده على جَبهته) من بَاب التَّجْرِيد وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: على جبهتي، على الأَصْل. قَوْله: (واتمم لَهُ
هجرته) إِنَّمَا دَعَا لَهُ بإتمام الْهِجْرَة لِأَنَّهُ
كَانَ مَرِيضا وَخَافَ أَن يَمُوت فِي مَوضِع هَاجر
مِنْهُ، فَاسْتَجَاب الله عز وَجل دُعَاء رَسُوله وشفاه،
وَمَات بعد ذَلِك بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (بردة)
الضَّمِير عَائِد إِلَى الْمسْح أَو إِلَى الْيَد
بِاعْتِبَار الْعُضْو. قَوْله: (فِيمَا يخال) أَي: فِيمَا
يتخيل وَيتَصَوَّر، وَقَالَ ابْن التِّين: صَوَابه: فِيمَا
يتخيل إِلَيّ، بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ من التخيل، قَالَ
الله تَعَالَى {يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى}
(طه: 66) . قلت: جَاءَ يخال ويتخيل بِمَعْنى وَاحِد، وَفِي
(الْمُحكم) : خَال الشَّيْء يخاله يَظُنّهُ وتخيله ظَنّه.
قَوْله: (حَتَّى السَّاعَة) حَتَّى هُنَا بِمَعْنى إِلَيّ
فَلذَلِك جرت السَّاعَة.
5660 - حدّثنا قُتَيْبةُ حَدثنَا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ
عنْ إبْراهيمَ التَّيْميِّ عنِ الحارِثِ بنِ سُوَيْدٍ،
قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ: دَخَلتُ علَى
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُوعَكُ وعْكاً
شَديداً، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله
{أنَّكَ تُوعَكُ وعْكاً شَدِيداً. فَقَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَما يُوعَكُ
رَجُلانِ مِنْكُمْ. فَقُلْتُ: ذالِكَ أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجَلْ. ثمَّ
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْ
مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَى مَرَضٌ فَما سِواهُ إِلاَّ حَطَّ
الله لهُ سَيئاتِهِ كمَا يَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فمسسته بيَدي)
والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب أَشد النَّاس بلَاء
الْأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن
أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره. وَهنا أخرجه عَن
قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن سُلَيْمَان
الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَذَى) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَوْله: (مرض)
بَيَان لَهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يرْوى: أدنى مرض،
فَمَا سواهُ أَي: أقل مرض فَمَا فَوْقه، ثمَّ قَالَ: ويروى
أَذَى بإعجام الذَّال.
14 - (بابُ مَا يُقالُ لِلْمَرِيضِ وَمَا يجِيبُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يُقَال للْمَرِيض عِنْد
العيادة، وَفِي بَيَان مَا يجِيبه الْمَرِيض.
5661 - حدّثنا قَبِيصَةُ حَدثنَا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ
عنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عنِ الحارِثِ بنِ سُوَيْدٍ
عنْ عبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتَيْتُ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرَضِهِ فَمَسسْتُهُ وهْوَ
يُوعَكُ وعْكاً شَدِيداً فَقُلْتُ: إنَّكَ لَتُوعَكُ
وعْكاً شدِيداً، وذالِكَ أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ. قَالَ:
أجَلْ، وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَى إلاَّ حاتَّتْ
عَنْهُ خَطاياهُ كَما تَحاتُّ ورَقُ الشَّجَرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَول ابْن مَسْعُود للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَوَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَهُ. وَقبيصَة بن عقبَة وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث قد مر الْآن فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
5662 - حدّثنا إسْحاقُ حَدثنَا خالِدُ بنُ عبْدِ الله عنْ
خالِدٍ عنْ عِكْرمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله
عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
دَخَلَ عَلى رجُلٍ يَعُودُهُ فَقَالَ: لَا بأسَ} طَهُورٌ
إنْ شاءَ الله، فَقَالَ: كَلاَّ، بَلْ حُمَّى تَفُورُ عَلى
شَيْخٍ كَبِيرٍ كَيْما تُزِيرَهُ القُبُورَ، قَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَنَعَمْ إِذا. (انْظُر
الحَدِيث: 3616) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (لَا بَأْس طهُور) وَجَوَاب الْمَرِيض لَهُ: كلا
إِلَى آخِره.
(21/220)
وَإِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين الوَاسِطِيّ،
وخَالِد الأول هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَالثَّانِي
خَالِد الْحذاء. والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب
عِيَادَة الْأَعْرَاب، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
15 - (بابُ عِيادَةِ المَرِيضِ راكِباً وماشِياً ورِدْفاً
عَلى الحمارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عِيَادَة الْمَرِيض حَال كَونه
رَاكِبًا. وَحَال كَونه مَاشِيا، وَحَال كَونه ردفاً أَي:
مرتدفاً بِغَيْرِهِ على حِمَاره.
5663 - حدّثني يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنِ
عَقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ أنَّ أُُسامَةَ بنَ
زَيْدٍ أخْبَرَهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رَكِبَ عَلى حِمارٍ عَلى إكافٍ عَلى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ
وأرْدَفَ أُسامَةَ ورَاءهُ يَعُودُ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ
قَبْلَ وقْعةِ بَدْرٍ، فَسارَ حتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ
فِيهِ عبْدُ الله بنُ أُبَيٍّ بنُ سَلُولَ وذلِكَ قَبْلَ
أنْ يُسْلِمَ عبدُ الله، وَفِي المَجْلسِ أخْلاَطٌ مِنَ
المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأوْثانِ
واليهُودِ، وَفِي المَجْلِسِ عبْدُ الله بنُ رَوَاحَةَ،
فَلمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ
عبْدُ الله بنُ أُُبَيِّ أنْفَهُ بِرِدَائِهِ، قَالَ: لَا
تُغَبِّرُوا عَليْنا، فَسَلَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَوقَفَ ونَزَلَ، فَدَعاهُمْ إِلَى الله فقَرأ
عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ لهُ عبْدُ الله بنُ
أُبَيٍّ: يَا أيُّها المَرْءُ {إنَّهُ لَا أحْسَنَ مِمَّا
تَقُولُ إنْ كانَ حَقّاً، فَلاَ تُؤْذِنا بِهِ فِي
مَجْلِسِنا وارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جاءَكَ مِنَّا
فاقْصُصْ عَليْهِ قَالَ ابنُ رَواحَةَ: بَلى يَا رسولَ
الله فاغشَنا بِهِ فِي مَجالِسِنا فَإنَّا نُحِبُّ ذالِكَ،
فاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ والمشْرِكُونَ واليَهُودُ حَتَّى
كادُوا يتَثَاورُونَ، فَلَمْ يزَلِ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، حتَّى سَكَتُوا فَرَكبَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم دابَّتَهُ حتَّى دَخلَ عَلى سَعْدِ بنِ
عُبادَةَ، فَقَالَ لهُ: أيْ سعْدُ} ألَمْ تَسْمَعْ مَا
قَالَ أبُو حُباب؟ يُرِيدُ عبدَ الله بنَ أُُبَيٍّ. قَالَ
سَعْدٌ: يَا رسولَ الله! اعْفُ عنهُ واصْفَحْ، فَلَقَدْ
أعْطاكَ الله مَا أعْطاكَ، ولَقَدِ اجْتَمَعَ أهْلُ هاذِهِ
البَحْرَةِ أنْ يُتوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ، فَلمَّا رُدَّ
ذَلِكَ بالْحَقِّ الَّذِي أعْطاكَ شَرِقَ بِذالِكَ،
فَذَلِكَ الّذِي فَعَلَ بِهِ مَا رَأيْتَ. (انْظُر
الحَدِيث: 2987) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَركب على حمَار)
وَقَوله: (وَأَرْدَفَ أُسَامَة وَرَاءه يعود سعد بن
عبَادَة) .
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث قد مر فِي آخر
تَفْسِير سُورَة آل عمرَان فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة:
أَن أُسَامَة بن زيد أخبرهُ الخ ... وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (على إكاف) بدل من قَوْله (على حمَار) وَقَوله:
(على قطيفة) بدل من قَوْله: (على إكاف) وكلا الْبَدَلَيْنِ
فِي حكم الطرح، والقطيفة الدثار الْمُهَذّب. قَوْله:
(فَدَكِيَّة) نِسْبَة إِلَى فدك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال
الْمُهْملَة وَهِي قَرْيَة بِخَيْبَر كَأَن القطيفة صنعت
فِيهَا. قَوْله: (سعد بن عبَادَة) بِضَم الْعين المهلمة
وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، سيد الْخَزْرَج. قَوْله:
(عبد الله بن أبي) بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وسلول
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم اللَّام اسْم أم عبد
الله، فَلَا بُد أَن يقْرَأ ابْن سلول بِالرَّفْع
لِأَنَّهُ صفة لعبد الله لَا صفة لأبي. قَوْله:
(وَالْيَهُود) عطف على: (الْمُشْركين) وَيجوز أَن يكون
عطفا على (عَبدة الْأَوْثَان) لأَنهم أَيْضا مشركون حَيْثُ
قَالُوا: عُزَيْر ابْن الله، تَعَالَى وتعظم عَن ذَلِك.
قَوْله: (عجاجة الدَّابَّة) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْجِيم الأولى، وَهِي الْغُبَار. قَوْله:
(خمر) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم أَي غطى
قَوْله: (لَا أحسن مِمَّا تَقول) لفظ: أحسن، أفعل
التَّفْضِيل، وَمن، فِي مِمَّا زَائِدَة. قَالَ
التَّيْمِيّ: أَي لَيْسَ أحسن مِمَّا تَقول أَي: إِنَّمَا
تَقول حسن جدا، قَالَ ذَلِك استهزاء، ويروى: لَا أحسن،
بِلَفْظ فعل الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع، وَمَا تَقول
مَفْعُوله قَوْله: (إِن كَانَ حَقًا) يَصح تعلقه بِمَا
قبله وَبِمَا بعده. قَوْله: (إِلَى رحلك) بِفَتْح الرَّاء
وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة أَي: إِلَى مَنْزِلك،
وَيُقَال: الرجل مسكن الرجل وَمَا يستصحبه من الأثاث.
قَوْله: (يتثاورون) أَي: يتثاوبون ويتهايجون غَضبا.
قَوْله: (حَتَّى سكنوا) بالنُّون من السّكُون، ويروى:
سكتوا، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق من السُّكُوت.
قَوْله: (أَبُو حباب) بِضَم الْحَاء المهلمة وَتَخْفِيف
الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى كنية عبد الله بن أبي
(21/221)
قَوْله: (البحرة) بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: الْبَلدة،
يُقَال: هَذِه بحرتنا أَي: بَلْدَتنَا. قَوْله: (أَن
يُتَوِّجُوهُ) أَي: يجْعَلُوا التَّاج على رَأسه وَهُوَ
كِنَايَة عَن الْملك أَي: يجعلونه ملكا ويشدون عِصَابَة
السِّيَادَة على رَأسه، وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون على
سَبِيل الْحَقِيقَة وعَلى الْمجَاز. قَوْله: (فَلَمَّا رد)
بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الدَّال. قَوْله: (شَرق) بِفَتْح
الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء أَي: غص بِهِ والشرق:
الشجي والغصة.
5664 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عبَّاسٍ حَدثنَا عبْدُ
الرحْمانِ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابنُ
المُنْكَدِرِ عنْ جابِرٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جاءَني
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُني لَيْسَ
بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلَا بِرْذَوْنٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لَيْسَ بِرَاكِب
بغل وَلَا برذون) أَرَادَ أَنه كَانَ مَاشِيا.
وَعَمْرو بن عَبَّاس أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ، وَعبد
الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي الْعَنْبَري، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، صرح بِهِ الْحَافِظ الْمزي فِي
(الْأَطْرَاف) [/ ح.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفَرَائِض
وَفِي الِاعْتِصَام. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَرَائِض عَن
عمر والناقد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن
حَنْبَل. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْفضل بن
الصَّباح وَفِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد عَن يحيى بن
آدم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة وَفِي
الْفَرَائِض وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور
وَفِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن ماجة فِي
الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَفِي
الْفَرَائِض عَن هِشَام.
قَوْله: (والبرذون) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح
الذَّال الْمُعْجَمَة الدَّابَّة لُغَة لَكِن الْعرف خصصه
بِنَوْع من الْخَيل، قَالَه الْكرْمَانِي.
16 - (بابُ قَوْلِ المَرِيضِ: إنِّي وجِعٌ، أوْ:
وَارَأْساه، أوِ: اشْتَدَّ بِي الوَجَعُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الْمَرِيض: إِنِّي وجع،
وَفِي بعض النّسخ: بَاب مَا رخص للْمَرِيض أَن يَقُول:
إِنِّي وجع، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْجِيم، قَالَ
الْجَوْهَرِي: يُقَال: وجع فلَان يوجع وييجع وياجع فَهُوَ
وجع، وَقوم وجعون ووجعي ووجعات وَقَالَ: الوجع الْمَرَض،
وَالْجمع أوجاع ووجاع. قَوْله: أَو وارأساه، أَي: أَو قَول
الْمَرِيض: وارأساه، وَهُوَ تفجع على الرَّأْس من شدَّة
صداعه، وَهُوَ مَذْكُور صَرِيحًا فِي حَدِيث الْبَاب.
قَوْله: أَو اشْتَدَّ بِي الوجع، أَي: أَو قَول الْمَرِيض:
اشْتَدَّ بِي الوجع، بِفَتْح الْجِيم وَفِي بعض النّسخ
هَذَا غير مَذْكُور.
وقَوْل أيُّوبُ عَلَيْهِ الصَّلاَة والسَّلاَمُ: {أَنِّي
مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} (الْأَنْبِيَاء:
83) .
وَقَول، مجرور عطفا على قَول الْمَرِيض الْمَجْرُور
بِالْإِضَافَة، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَول أَيُّوب
عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام: إِنِّي مسني الضّر، لَيْسَ
مِمَّا يشاكل تبويبه، لِأَن أَيُّوب عَلَيْهِ الصَّلَاة
السَّلَام إِنَّمَا قَالَ ذَلِك دَاعيا وَلم يذكرهُ
للمخلوقين، وَقد ذكر أَنه كَانَ إِذا سَقَطت دودة من بعض
جراحه ردهَا مَكَانهَا. قلت: هَذَا نَقله ابْن التِّين
فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي ذكر هَذَا، وَلَكِن أُجِيب عَن
هَذَا بِأَن مُطلق الشكوى لَا يمْنَع، وَلَعَلَّه أَشَارَ
بِهَذَا إِلَى الرَّد على من زعم من الصُّوفِيَّة أَن
الدُّعَاء لكشف الْبلَاء يقْدَح فِي الرضى وَالتَّسْلِيم.
قلت: المذموم هُوَ الشكوى إِلَى الْخلق، أما إِلَى
الْخَالِق فَلَا، وَلَقَد شكى الْأَلَم والوجع النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة مِمَّن
يقْتَدى بهم، رُوِيَ أَن الْحسن الْبَصْرِيّ دخل عَلَيْهِ
أَصْحَابه وَهُوَ يشكو ضرسه، فَقَالَ: رب مسني الضّر
وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ، وَلَا أحد من بني آدم إلاَّ
وَهُوَ يألم من الوجع ويشتكي من الْمَرَض إلاَّ أَن
المذموم من ذَلِك ذكره للنَّاس تضجراً وتسخطاً، وَأما من
أخبر بِهِ إخوانه ليدعوا لَهُ بالشفاء والعافية وَأَن
أنينه وتأوهه استراحة فَلَيْسَ ذَلِك بشكوى، وَجزم أَبُو
الطّيب وَابْن الصّباغ وَجَمَاعَة من الشَّافِعِيَّة أَن
أَنِين الْمَرِيض وتأوهه مَكْرُوه، وَقَالَ النَّوَوِيّ:
هَذَا ضَعِيف أَو بَاطِل، فَإِن الْمَكْرُوه مَا ثَبت
فِيهِ نهي مَقْصُود، وَهَذَا لم يثبت فِيهِ ذَلِك، وَاحْتج
بِحَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب.
5665 - حدّثنا قَبِيصَةُ حَدثنَا سُفْيانُ عنِ ابنِ أبي
نَجِيحٍ وأيُّوبَ عنْ مُجاهِدٍ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ
أبي لَيْلَى عنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: مَرَّ بِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا
أوقِدِ تَحْتَ القِدْرِ، فَقَالَ: أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ
رأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعا الحلاَّقَ فَحَلقَهُ،
ثُمَّ أمَرَني بالْفِدَاءِ.
(21/222)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:
(أَيُؤْذِيك هُوَ أم رَأسك؟ قلت: نعم) فَإِن كَعْبًا أخبر
أَن هوَام رَأسه تؤذيه، وَهَذَا لَيْسَ بشكوى مِنْهُ، بل
إِنَّمَا أخبرهُ بِهِ لبَيَان الْوَاقِع.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد
الله، وَأَبُو نجيح اسْمه يسَار، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب قَول الله عز
وَجل: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من
رَأسه} (الْبَقَرَة: 196) وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
5666 - حدّثنا يَحْيَى بنُ يَحْياى أبُو زَكَرِيَّاءَ
أخبرنَا سُلَيْمانُ بنُ بلالٍ عنْ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ
قَالَ: سَمِعْتُ القاسمِ بنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قالَتْ
عائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا: وارَأْساهْ. فَقَالَ رسولُ
الله: ذَاكِ لَوْ كانَ وَأَنا حَيٌّ فأسْتَغْفِرُ لَكِ
وأدْعُو لكِ، فقالَتْ عائِشَةُ: واثُكْلِياهْ! وَالله
إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، ولَوْ كانَ ذَاكِ
لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّساً بِبَعضِ أزْوَاجِكَ،
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَلْ أَنا
وارأْساهْ لَقدْ هَمَمْتُ أوْ أرَدْتُ أنْ أُرْسِلَ إِلَى
أبي بَكْر وابْنِهِ وأعْهَدَ أنْ يَقُولَ القائِلُون أوْ
يَتَمَنَّى المُتمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يأْبَى الله
ويَدفَعُ المُؤْمِنُونَ، أوْ: يَدْفَعُ الله ويأْبَى
المُؤْمِنُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وارأساه) وَيحيى بن
يحيى بن بكر بن عبد الرَّحْمَن أَبُو زَكَرِيَّا
التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي النَّيْسَابُورِي، وَهُوَ شيخ
مُسلم أَيْضا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ
مَوَاضِع يسيرَة فِي الزَّكَاة وَالْوكَالَة وَالتَّفْسِير
وَالْأَحْكَام، وَأكْثر عَنهُ مُسلم، وَيُقَال: إِنَّه
تفرد بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ الدمياطي: وَكَانَ من
الْعباد الزهاد الْفُضَلَاء، وَقَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ
يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخ صفر سنة سِتّ وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ،
وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله
عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام.
قَوْله: (ذَاك) بِكَسْر الْكَاف إِشَارَة إِلَى مَا
يسْتَلْزم الْمَرَض من الْمَوْت، أَي: لَو مت وَأَنا حَيّ
وَأَنا أسْتَغْفر لَك، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن عتبَة:
لَو مت قبلي فكفنتك ثمَّ صليت عَلَيْك ودفنتك. قَوْله:
(واثكلياه) مَنْدُوب، وَقَالَ بَعضهم: واثكلياه بِضَم
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْكَاف وَفتح اللَّام
وبالياء الْخَفِيفَة وَبعد الْألف هَاء ندبة قلت: لَيْسَ
كَذَلِك لِأَن ثكلياه لَا يخلوا إِمَّا أَن يكون مصدرا أَو
صفة للْمَرْأَة الَّتِي فقدت وَلَدهَا، فَإِن كَانَ مصدرا
فالثاء مَضْمُومَة وَاللَّام مَكْسُورَة، وَإِن كَانَ
اسْما فالثاء مَفْتُوحَة وَاللَّام كَذَلِك يُقَال: ثكلته
أمه ثكلاً بِالضَّمِّ، والثكل فقدان الْمَرْأَة وَلَدهَا،
وَكَذَلِكَ الثكل بِفتْحَتَيْنِ، وَامْرَأَة ثاكل وثكلى،
وأثكله الله أمه، وَهَذَا لَا يُرَاد بِهِ حَقِيقَته بل
هُوَ كَلَام كَانَ يجْرِي على لسانهم عِنْد إِصَابَة
مُصِيبَة أَو خوف مَكْرُوه وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (إِنِّي
لأظنك تحب موتى) كَأَنَّهَا أخذت ذَلِك من قَوْله (لَهَا:
لَو مت قبلي) قَوْله: (وَلَو كَانَ ذَاك) هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني بِغَيْر اللَّام، وَفِي رِوَايَة غَيره: ذَلِك،
بِاللَّامِ وَهُوَ إِشَارَة إِلَى مَوتهَا. قَوْله:
(لظللت) بِكَسْر اللَّازِم قَوْله: (معرساً) بِضَم الْمِيم
وَسُكُون الْعين وَكسر الرَّاء من أعرس بأَهْله إِذا بنى
بهَا، وَكَذَلِكَ إِذا غشيها، ويروى بتَشْديد الرَّاء من
التَّعْرِيس يُقَال: أعرس وعرس بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله:
(بل أَنا وارأساه) أَتَى بِكَلِمَة إضراب لِأَن مَعْنَاهُ
دعِي ذكر مَا تجدينه من وجع رَأسك واشتغلي بِي إِذْ لَا
بَأْس بك وَأَنت تعيشين بعدِي، عرف صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، ذَلِك بِالْوَحْي. قَوْله: (أَو أَرَادَت) شكّ من
الرَّاوِي. قَوْله: (إِلَى أبي بكر وَابْنه) كَذَا فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين بعطف لفظ الابْن عَلَيْهِ، وَوَقع
فِي رِوَايَة مُسلم: أَو ابْنه، بِكَلِمَة: أَو الَّتِي
هِيَ للشَّكّ أَو للتَّخْيِير، ويروى: إِلَى أبي بكر أَو
آتيه، من الْإِتْيَان بِمَعْنى الْمَجِيء، وَنقل عِيَاض
عَن بعض الْمُحدثين تصويبها وَخَطأَهُ، وَقَالَ: ويوضح
الصَّوَاب قَوْلهَا فِي الحَدِيث الآخر عِنْد مُسلم: ادّعى
لي أباكِ وأخاكِ، وَأَيْضًا فَإِن مَجِيئه إِلَى أبي بكر
كَانَ متعسراً لِأَنَّهُ عجز عَن حُضُور الصَّلَاة مَعَ
قرب مَكَانهَا من بَيته. قَوْله: (واعهد) أَي أوصى
بالخلافة لَهُ، يُقَال عهِدت إِلَيْهِ أَي: أوصته. قيل:
مَا فَائِدَة ذكر الابْن إِذْ لم يكن لَهُ دخل فِي
الْخلَافَة؟ وَأجِيب: بِأَن الْمقَام مقَام استمالة قلب
عَائِشَة، يَعْنِي أَن الْأَمر مفوض إِلَى والدك كَذَلِك
الايتمار فِي ذَلِك بِحُضُور أَخِيك وأقاربك هم أهل
أَمْرِي وَأهل مشورتي، أَو لما أَرَادَ تَفْوِيض الْأَمر
إِلَيْهِ بحضورها أَرَادَ إِحْضَار بعض مَحَارمه حَتَّى
لَو احْتَاجَ إِلَى رِسَالَة إِلَى أحد أَو قَضَاء حَاجَة
لتصدي لذَلِك، وَالله أعلم. قَوْله: (أَن يَقُول
الْقَائِلُونَ) أَي: كَرَاهَة أَي: يَقُول الْقَائِلُونَ:
الْخلَافَة لفُلَان أَو
(21/223)
لفُلَان أَو وَاحِد مِنْهُم، يَقُول
الْخلَافَة لي، وَكلمَة أَن، مَصْدَرِيَّة، وَيَقُول
الْقَائِلُونَ مَحْذُوف. قَوْله: (أَو يتَمَنَّى المتمنون)
أَي: الْخلَافَة عينه قطعا للنزاع. وَقَالَ صَاحب
(التَّوْضِيح) ، نَاقِلا عَن ابْن التِّين: ضبط فِي غير
كتاب بِفَتْح النُّون يَعْنِي النُّون الَّتِي فِي
المتمنون، وَإِنَّمَا هُوَ بضَمهَا لِأَن أَصله المتمنيون
على زنة المتطهرون، فاستثقلت الضمة على الْيَاء فحذفت
فَاجْتمع ساكنان الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء كَذَلِك
وضمت النُّون لأجل الْوَاو إِذْ لَا يَصح وًّو قبلهَا
كسرة، وَتبع هَذَا الْكَلَام بَعضهم فِي شَرحه. قلت: ضبط
النُّون بِالْفَتْح هُوَ الصَّوَاب وَهُوَ الأَصْل كَمَا
فِي قَوْلك: المسمون إِذْ لَا يُقَال فِيهِ بِضَم الْمِيم،
وتشبيه الْقَائِل الْمَذْكُور المتمنون بقوله: المتطهرون،
غير مُسْتَقِيم لِأَن هَذَا صَحِيح وَذَاكَ معتل اللَّام،
وكل هَذَا عجز وقصور عَن قَوَاعِد علم الصّرْف. قَوْله:
(يَأْبَى الله) لغير أبي بكر (وَيدْفَع الْمُؤْمِنُونَ)
غَيره. قَوْله: (وَيدْفَع) إِلَى آخِره، شكّ من الرَّاوِي
فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.
5667 - حدّثنا مُوسَى حَدثنَا عبْدُ العَزِيزِ بنُ
مُسْلِمٍ حَدثنَا سُلَيْمانُ عنْ إبْرَاهيمَ التَّيْمِيِّ
عنِ الحارثِ بنِ سُوَيْدٍ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: دخَلْتُ علَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وهْوَ يُوعَكُ فَمَسَسْتُهُ فَقُلْتُ: إنَّكَ
لَتُوعَكُ وعْكاً شَدِيداً. قَالَ: أجَلْ كَمَا يُوعَكُ
رجُلاَنِ مِنْكُمْ، قَالَ: لَكَ أجْرَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ
مَا منْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذَى مَرَضٌ فَما سِوَاهُ
إلاَّ حَطَّ الله سَيئاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشّجَرَةُ
وَرَقَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. ومُوسَى
هُوَ ابْن اسماعيل الْمنْقري، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش،
وَقد مر الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب شدَّة الْمَرَض،
وَفِي: بَاب أَشد النَّاس بلَاء، وَفِي: بَاب وضع الْيَد
على الْمَرِيض، وَفِي: بَاب مَا يُقَال للْمَرِيض.
5668 - حدّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا عبْدُ
العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله بنِ أبي سلَمَةَ أخبرنَا
الزُّهْرِيُّ عنْ عامِرٍ بنِ سَعْدٍ عنْ أبيهِ قَالَ:
جاءَنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُنِي
مِنْ وجَعٍ اشْتَدَّ بِي زَمَنَ حَجَّةِ الوَدَاعِ
فَقُلْتُ: بَلَغ بِي مِنَ الوجَعِ مَا تَرَى، وَأَنا ذُو
مالٍ وَلَا يَرِثُني إلاَّ ابْنَةٌ لي، أفأتَصَدَّقُ
بِثُلُثَيْ مالِي؟ قَالَ: لَا قُلْتُ: بالشَّطْرِ؟ قَالَ:
لَا قُلْتُ: الثُّلُث؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَثيرٌ، أنْ تَدعَ
ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرهُم عَالَةً
يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، ولَنْ تُنْفِقَ نَفَقَة
تَبْتَغِي بِها وَجْهَ الله إلاَّ أُجِرْتَ عَليْها حتَّى
مَا تَجْعَلُ فِي امرَأتِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يعودنِي من وجع
اشْتَدَّ بِي) وعامر بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن أبي
وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ.
والْحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي بَاب وضع الْيَد على
الْمَرِيض، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب
أَن تتْرك وَرثتك أَغْنِيَاء، وَفِي: بَاب الْوَصِيَّة
بِالثُّلثِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مكرراً.
قَوْله: (زمن حجَّة الْوَدَاع) وَقد تقدم عَن ابْن
عُيَيْنَة: زمن الْفَتْح، وَالْأول أصح. قَوْله: (أَن تدع)
أَي: لِأَن تدع. قَوْله: (حَتَّى مَا تجْعَل) كلمة مَا
مَوْصُولَة بِمَعْنى: الَّذِي.
17 - (بابُ قَوْلِ المَرِيِض قُومُوا عَنِّي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الْمَرِيض للعواد: قومُوا
عني، إِذا وَقع مِنْهُم مَا يَسْتَدْعِي ذَلِك.
5669 - حدّثنا إِبْراهِيمُ بنُ مُوساى حَدثنَا هِشامٌ عنْ
مَعْمَر.
(ح) وحدّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ
عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عَن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي
الله عَنْهُمَا، قَالَ: لما حُضِرَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَفِي البَيْتِ رِجالٌ فِيهمْ عُمَرُ بنُ
الخَطّابِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: هَلُمَّ أكْتُبْ لَكُمْ كِتاباً لَا
تَضِلُّوا بَعْدَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: أنَّ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ
وعِنْدَكُمُ القُرآنُ حَسْبُنا كِتابُ الله. فاخْتَلَفَ
أهْلُ البَيْتِ فاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:
قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كِتاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، ومِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلمَّا أكْثَرُوا اللَّغْوَ
والإِخْتِلافَ
(21/224)
عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُومُوا.
قَالَ عُبَيْدُ الله: فكانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إنَّ
الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرزيَّةِ مَا حالَ بَيْنَ رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبَيْنَ أنْ يَكْتُبَ لَهُمْ
ذالِكَ الكَتابَ منِ اخْتِلافِهِمْ ولَغَطِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قومُوا) وَلم يقل فِي
هَذِه الرِّوَايَة: عني، وَوَقع فِي رِوَايَة كتاب الْعلم:
قومُوا عني، وَهُوَ المطابق للتَّرْجَمَة:
وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر هُوَ
ابْن رَاشد، وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المسندي، وَعبيد
الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة
الْعلم وَفِي الْمَغَازِي.
قَوْله: (حَدثنَا ابراهيم) ويروى: حَدثنِي إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (حَدثنَا هِشَام) ويروى: أخبرنَا هِشَام. قَوْله:
(لما حضر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (هَلُمَّ) قيل:
كَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول: هلموا. وَأجِيب: بِأَن عِنْد
الْحِجَازِيِّينَ يَسْتَوِي فِي: هَلُمَّ الْوَاحِد
وَالْجمع. قَوْله: (أكتب لكم) بِالْجَزْمِ وَالرَّفْع.
قَوْله: (لن تضلوا) ويروى: لَا تضلوا، بِالنَّفْيِ حذف
مِنْهُ النُّون لِأَنَّهُ جَوَاب ثَان لِلْأَمْرِ، أَو بدل
عَن الْجَواب الأول.
قَوْله: (إِن الرزية) مدغماً وَغير مدغم: الْمُصِيبَة.
قَوْله: (ولغطهم) اللَّغط بِفَتْح اللَّام وَفتح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة: الصَّوْت الْمُخْتَلط.
18 - (بابُ مَنْ ذَهَبَ بالصَّبيِّ المَرِيض لِيُدْعاى
لهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من ذهب بِالصَّبِيِّ الْمَرِيض
إِلَى الصَّالِحين وَأهل الْفضل ليدعى لَهُ لينْتَفع ببركة
الدُّعَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ليدعو لَهُ، أَي:
ليدعو لَهُ من أُتِي بِهِ إِلَيْهِ.
19 - (بابُ تَمَنِّي المَرِيضِ المَوْتَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان منع تمني الْمَرِيض الْمَوْت
لِشِدَّتِهِ.
5671 - حدّثني آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا ثابِتٌ
البُنَانِيُّ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ،
قالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لاَ يَتَمَنَّيَنْ
أحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لَا
بُدَّ فاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيني مَا كانَتِ
الحَياةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كانَتِ الوَفَاةُ
خَيْراً لِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الضَّرْب الَّذِي
يُصِيب أَعم من أَن يكون من الْمَرَض وَغَيره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن مُحَمَّد بن
أَحْمد بن أبي خلف.
قَوْله: (لَا يتمنين) بالنُّون الْخَفِيفَة. قَوْله:
(أحدكُم) الْخطاب للصحابة وَالْمرَاد هم وَمن بعدهمْ من
الْمُسلمين. قَوْله: (من ضرّ) أَي: لأجل ضرّ أَصَابَهُ،
وَهُوَ يَشْمَل الْمَرَض وَغَيره من أَنْوَاع الضَّرَر.
قَوْله: (فَاعِلا) أَي: متمنياً، وَفِي رِوَايَة
الدَّعْوَات: فَإِن كَانَ لَا بُد متمنياً للْمَوْت.
قَوْله: (مَا كَانَت الْحَيَاة) أَي: مُدَّة كَون
الْحَيَاة خيرا.
وَفِيه: النَّهْي عَن تمني الْمَوْت
(21/225)
عِنْد نزُول البلاءِ. قيل: أَنه مَنْسُوخ
بقول يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام. {توفني مُسلما} (يُوسُف:
101) وَبقول سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: {وأدخلني
بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين} (الْإِسْرَاء: 80)
وَحَدِيث الْبَاب: وألحقني بالرفيق الْأَعْلَى، ودعا عمر
بن الْخطاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز بِالْمَوْتِ، وردَّ
بِأَن هَؤُلَاءِ إِنَّمَا سَأَلُوا مَا قَارن الْمَوْت،
فَالْمُرَاد بذلك ألحقنا بدرجاتهم، وَحَدِيث عمر رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ معمر عَن عَليّ بن زيد،
وَهُوَ ضَعِيف.
5672 - حدّثني آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةَ عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ
أبي خالِدٍ عنْ قَيْسِ بنِ أبِي حازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنا
علَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ وقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كيَّاتٍ،
فقالَ: إنَّ أصْحابَنا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا ولَمْ
تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيا، وَإنَّا أصَبْنا مَا لاَ نَجِدُ
لهُ مَوْضِعاً إلاَّ التُّرابَ، ولَوْلاَ أنَّ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَانَا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ
لَدَعَوْتُ بِهِ، ثُمَّ أتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْراى وَهُوَ
يَبني حائِطاً لَهُ، فَقَالَ: إنَّ المُسْلِمَ يُؤْجَرُ
فِي كُلِّ شيءٍ يُنْفِقُهُ إلاَّ فِي شيءٍ يَجْعلُهُ فِي
هاذا التُّرابِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَوْلَا أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَانَا أَن نَدْعُو
بِالْمَوْتِ لَدَعَوْت بِهِ) .
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد
البَجلِيّ وَاسم أبي خَالِد سعد، وَقيل: هُرْمُز، وَقيل:
كثير، وَقيس بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالزَّاي، وخباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد
الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْأَرَت بِفَتْح
الْهمزَة وَالرَّاء وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات
وَفِي الرقَاق. وَأخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن أبي بكر
بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (نعوده) جملَة حَالية، وَكَذَا قَوْله: (وَقد
اكتوى) أَي: فِي بَطْنه، وَالنَّهْي الَّذِي جَاءَ عَن
الكي هُوَ لمن يعْتَقد أَن الشِّفَاء من الكي، أما من
اعْتقد أَن الله عز وَجل هُوَ الشافي فَلَا بَأْس بِهِ،
أَو ذَلِك للقادر على مداواة أُخْرَى وَقد استعجل وَلم
يَجعله آخر الدَّوَاء. قَوْله: (إِن أَصْحَابنَا الَّذين
سلفوا) كَأَنَّهُ عَنى بهؤلاء الَّذين مَاتُوا فِي حَيَاة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (مضوا وَلم
تنقصهم الدُّنْيَا) لأَنهم كَانُوا فِي قلَّة وضيق عَيْش،
وَأما الَّذين من بعدهمْ فقد اتسعت لَهُم الدُّنْيَا
بِسَبَب الفتوحات وَمَا زَاد من الدُّنْيَا فقد نقص من
الْآخِرَة. قَوْله: (وَإِنَّا أصبْنَا) قَول خباب،
يَعْنِي: إِنَّا أصبْنَا من الدُّنْيَا مَا لَا نجد لَهُ
موضعا يَعْنِي: مصرفاً نصرفه فِيهِ إلاَّ التُّرَاب
يَعْنِي: الْبُنيان، فَعلم من هَذَا أَن صرف المَال فِي
الْبُنيان مَذْمُوم، لَكِن المذمة فِيمَن بنى مَا يفضل
عَنهُ وَلَا يضْطَر إِلَيْهِ، فَذَلِك الَّذِي لَا يُؤجر
فِيهِ لِأَنَّهُ من التكاثر الْمنْهِي عَنهُ لَا من بني
مَا يكنه، وَلَا غنى بِهِ عَنهُ. قَوْله: (لَدَعَوْت بِهِ)
أَي: بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ لشدَّة مَا بِهِ من ألم
الْمَرَض. قَوْله: (ثمَّ أتيناه مرّة أُخْرَى) هُوَ كَلَام
قيس بن أبي حَازِم، أَي: ثمَّ أَتَيْنَا خباباً مرّة
ثَانِيَة، وَالْحَال أَن يبْنى حَائِطا لَهُ. قَوْله:
(فَقَالَ: إِن الْمُسلم يُؤجر) . . إِلَى آخِره، مَوْقُوف
على خباب، وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا من طَرِيق
عمر بن إِسْمَاعِيل بن مجَالد: حَدثنَا أبي عَن بَيَان بن
بشر وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد جَمِيعًا عَن قيس بن أبي
حَازِم قَالَ: دخلت على خباب نعوده ... فَذكر الحَدِيث
وَفِيه: وَهُوَ يعالج حَائِطا لَهُ، فَقَالَ: إِن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمُسلم يُؤجر فِي
نَفَقَته كلهَا إلاَّ مَا يَجعله فِي التُّرَاب، وَعمر
الْمَذْكُور كذبه يحيى بن معِين.
5673 - حدّثنا أبُو اليمَانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى
عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يقُولُ: لَنْ يُدْخِلَ أحَداً عَمَلُهُ الجَنَّةَ. قالُوا:
وَلَا أنْتَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: وَلَا أَنا، إلاَّ أنْ
يَتَغَمَّدَنِي الله بِفَضْلِ مِنْهُ ورَحْمَةٍ،
فَسَدِّدُوا وقاربُوا وَلَا يَتَمَنَّيَنْ أحَدُكُمُ
المَوْتَ إمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدَاد
خَيْراً، وإمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتبَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا يتمنين) وَأَبُو
الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف الحكم بن نَافِع
وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم،
وَأَبُو عبيد مصغر العَبْد هُوَ مولى ابْن أَزْهَر واسْمه
سعد بن عبيد، وَابْن أَزْهَر هُوَ الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ
عبد الرَّحْمَن
(21/226)
بن أَزْهَر بن عَوْف وَهُوَ ابْن أخي عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم إِلَى قَوْله: (فسددوا) بطرق
مُخْتَلفَة: مِنْهَا: عَن بشر بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ: لن يُنجي أحدا مِنْكُم عمله،
قَالَ رجل: وَلَا إياك يَا رَسُول الله؟ وَلَا إيَّايَ،
إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته، وَلَكِن سددوا.
وَمِنْهَا: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من أحد
يدْخلهُ عمله الْجنَّة، فَقيل: وَلَا أَنْت يَا رَسُول
الله؟ قَالَ: وَلَا أَنا إلاَّ أَن يتغمدني رَبِّي برحمة.
وَمِنْهَا: عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ
أحد ينجيه عمله، قَالُوا: وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله؟
قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتداركني الله مِنْهُ برحمة.
وَمِنْهَا: عَن أبي عبيد مولى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن
أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره، نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ.
وَمِنْهَا: عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قاربوا وسددوا
وَاعْلَمُوا أَنه لن ينجو أحد مِنْكُم بِعَمَلِهِ. .
الحَدِيث.
قَوْله: (لن يدْخل) بِضَم الْيَاء مضارع مَعْلُوم وفاعله
قَوْله: (عمله) و (أحدا) بِالنّصب مَفْعُوله وَالْجنَّة
نصبت أَيْضا بِتَقْدِير فِي الْجنَّة. قَوْله: (إِلَّا أَن
يتغمدني الله) بالغين الْمُعْجَمَة، يُقَال: تغمده الله
برحمته أَي: غمره بهَا وستره بهَا وَألبسهُ رَحمته، وَإِذا
اشْتَمَلت على شَيْء فغطيته فقد تغمدته أَي: صرت لَهُ
كالغمد للسيف، وَأما الِاسْتِثْنَاء فَهُوَ مُنْقَطع.
فَإِن قلت: كل الْمُؤمنِينَ لَا يدْخلُونَ الْجنَّة إلاَّ
أَن يتغمدهم الله بفضله فَمَا وَجه تَخْصِيص الذّكر
برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: تغمد الله
لَهُ بِعَيْنِه مَقْطُوع بِهِ، أَو إِذا كَانَ لَهُ بِفضل
الله فلغيره بِالطَّرِيقِ الأولى أَن يكون بفضله لَا
بِعَمَلِهِ. فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى: {وَتلك
الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}
(الزخرف: 72) قلت الْبَاء لَيست للسَّبَبِيَّة بل للإلصاق
أَو المصاحبة أَي: أورثتموها مصاحبة أَو مُلَابسَة لثواب
أَعمالكُم.
(وَمذهب أهل السّنة) أَنه لَا يثبت بِالْعقلِ ثَوَاب وَلَا
عِقَاب بل ثبوتهما بالشريعة، حَتَّى لَو عذب الله تَعَالَى
جَمِيع الْمُؤمنِينَ كَانَ عدلا، وَلكنه أخبر بِأَنَّهُ
لَا يفعل بل يغْفر للْمُؤْمِنين ويعذب الْكَافرين.
(والمعتزلة) يثبتون بِالْعقلِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب
ويجعلون الطَّاعَة سَببا للثَّواب مُوجبَة لَهُ،
وَالْمَعْصِيَة سَببا للعقاب مُوجبَة لَهُ. والْحَدِيث يرد
عَلَيْهِم.
قَوْله: (فسددوا) أَي أطلبوا السداد أَي الصَّوَاب وَهُوَ
مَا بَين الإفراط والتفريط أَي: فَلَا تغلوا وَلَا تقصرُوا
وَاعْمَلُوا بِهِ فَإِن عجزتم عَنهُ فقاربوا أَي: أقربوا
مِنْهُ، ويروى: فقربوا أَي: قربوا غَيْركُمْ إِلَيْهِ،
وَقيل: سددوا مَعْنَاهُ اجعلوا أَعمالكُم مُسْتَقِيمَة
وقاربوا أَي: اطْلُبُوا قربَة الله عز وَجل. قَوْله:
(وَلَا يتمنين) بنُون التَّأْكِيد الْخَفِيفَة فِي
رِوَايَة غير الْكشميهني لَفظه نفي بِمَعْنى النَّهْي،
وَفِي رِوَايَته: وَلَا يتمن، بِحَذْف التَّحْتِيَّة
وَالنُّون بِلَفْظ النَّهْي. قَوْله: (إِمَّا محسناً)
تَقْدِيره: إِمَّا أَن يكون محسناً، ويروى إِمَّا محسن،
على تَقْدِير: إِمَّا هُوَ محسن قَوْله: (إِمَّا مسيئاً)
فعلى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين. قَوْله: (أَن يستعتب)
من الاستعتاب وَهُوَ طلب زَوَال العتب، وَهُوَ استفعال من
الإعتاب الَّذِي الْهمزَة فِيهِ للسلب لَا من العتب وَهُوَ
من الغرائب، أَو من العتبى وَهُوَ الرِّضَا، يُقَال:
استعتبته فأعتبني أَي: استرضيته فأرضاني. قَالَ الله عز
وَجل: {وَإِن يستعتبوا فَمَا هم من المعتبين} (فصلت: 24)
وَالْمَقْصُود يطْلب رضَا الله بِالتَّوْبَةِ ورد
الْمَظَالِم.
5674 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا أبُو
أسامَةَ عنْ هِشامٍ عنْ عَبَّادِ بنِ عبْدِ الله بن
الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالتْ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وهْوَ مُسْتَنِدٌ إليَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِي وارْحَمَنِي وألْحِقْنِي بالرَّفِيقِ. (انْظُر
الحَدِيث: 4440) .
قيل: لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَن فِيهِ التَّمَنِّي
للْمَوْت إِذْ لَا يُمكن الْإِلْحَاق بالرفيق، وهم
أَصْحَاب الْمَلأ الْأَعْلَى، إلاَّ بِالْمَوْتِ. وَأجِيب:
بِأَنَّهُ لَيْسَ بتمنٍ للْمَوْت، غَايَته أَنه مُسْتَلْزم
لذَلِك، والمنهي مَا يكون هُوَ الْمَقْصُود لذاته، أَو
الْمنْهِي هُوَ الْمُقَيد وَهُوَ مَا يكون من ضرٍ
أَصَابَهُ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ بل للإشتياق إِلَيْهِم،
وَيُقَال: إِنَّه قَالَ ذَلِك بعد أَن علم أَنه ميت فِي
يَوْمه ذَلِك، وَرَأى الْمَلَائِكَة المبشرين لَهُ عَن ربه
بالسرور الْكَامِل، وَلِهَذَا قَالَ لفاطمة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا: لَا كرب على أَبِيك بعد الْيَوْم،
وَكَانَت نَفسه مفرغة فِي اللحاق بكرامة الله لَهُ وسعادة
الْأَبَد، فَكَانَ ذَلِك خيرا لَهُ من كَونه فِي
الدُّنْيَا، وَبِهَذَا أَمر أمته حَيْثُ قَالَ: فَلْيقل:
اللَّهُمَّ توفني مَا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي.
وَعبد الله بن أبي شيبَة هُوَ أَبُو بكر صَاحب (المُصَنّف)
(والمسند) وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام
هُوَ ابْن عُرْوَة، وَعباد بِفَتْح الْعين وَتَشْديد
الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن الزبير بن الْعَوام،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب مرض النَّبِي
(21/227)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُعلى بن أَسد عَن عبد الْعَزِيز بن مُخْتَار:
حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن عباد بن عبد الله بن الزبير
... إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ، والرفيق هم
الْمَلَائِكَة أَصْحَاب الْمَلأ الْأَعْلَى.
20 - (بابُ دعاءِ العائِدِ لِلْمَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة دُعَاء الْعَائِد
للْمَرِيض عِنْد دُخُوله عَلَيْهِ.
وقالَتْ عائِشةُ بِنْتُ سَعْدٍ عنْ أبِيها: اللَّهُمَّ
اشْفِ سَعْداً، قالهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
سعد هُوَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَهُوَ طرف من حَدِيثه الطَّوِيل بِالْوَصِيَّةِ
بِالثُّلثِ، وَقد مضى مَوْصُولا عَن قريب فِي: بَاب وضع
الْيَد على الْمَرِيض.
5675 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنَا أبُو
عَوانَةَ عنْ مَنْصُور عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ
عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كانَ إِذا أتَى مَرِيضاً. أوْ أُتِيَ بِهِ.
قَالَ: أذْهِبِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وأنْتَ
الشَّافي لَا شِفَاءَ إلاَّ شِفاؤُكَ شِفاءً لَا يُغادِرُ
سَقَماً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة الوضاح،
وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ
النَّخعِيّ، ومسروق بن الأجدع.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن أبي
شيبَة وَعَمْرو بن عَليّ فرقهما كِلَاهُمَا عَن يحيى بن
سعيد. وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن شَيبَان بن فروخ
وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْيَوْم
وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن قدامَة وَغَيره.
قَوْله: (أَو أَتَى بِهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول شكّ من
الرَّاوِي. قَوْله: (أذهب) بِفَتْح الْهمزَة من الإذهاب.
والبأس بِالنّصب، مَفْعُوله وَهُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة
الشدَّة وَالْعَذَاب والحزن. قَوْله: (رب النَّاس) أَي:
يَا رب النَّاس، وحرف النداء مَحْذُوف. قَوْله: (لَا
شِفَاء إلاَّ شفاؤك) حصر لتأكيد قَوْله: (أَنْت الشافي)
لِأَن خبر الْمُبْتَدَأ إِذا كَانَ مُعَرفا بِاللَّامِ
أَفَادَ الْحصْر، لِأَن الدَّوَاء لَا ينفع إِذا لم يخلق
الله فِيهِ الشِّفَاء. قَوْله: (شِفَاء لَا يُغَادر سقماً)
مكمل لقَوْله: (اشف) ، والجملتان معترضتان بَين الْفِعْل
وَالْمَفْعُول الْمُطلق، والتنكير فِي: سقماً، للتقليل،
وَمعنى: لَا يُغَادر: لَا يتْرك، من المغادرة وَهُوَ
التّرْك، والسقم بِفتْحَتَيْنِ وبضم السِّين وَسُكُون
الْقَاف.
{وَقَالَ عَمْرُو بنُ أبي قَيْسٍ وإبْرَاهِيمُ بنُ
طَهْمَانَ: عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ وَأبى الضُّحَى:
إذَا أُتِيَ بالمَريض، وَقَالَ جَرِيرٌ عنْ منْصُورٍ عنْ
أبي الضُّحَى وحْدَهُ، وَقَالَ: إذَا أتَى مَرِيضاً} .
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قَوْله: (إِذا
أَتَى مَرِيضا) أَو: (أَتَى بِهِ) فَقَالَ عَمْرو بن أبي
قيس الرَّازِيّ: وَأَصله من الْكُوفَة وَلَا يعرف اسْم
أَبِيه وَهُوَ صَدُوق وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ إلاَّ
تَعْلِيقا، وَرِوَايَته: إِذا أَتَى بالمريض، على صِيغَة
الْمَجْهُول، وَكَذَلِكَ رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان
كِلَاهُمَا عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ، وَأبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح، وَوصل تَعْلِيق
إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الإسماعلي عَن الْقَاسِم قَالَ:
أَنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصَّنْعَانِيّ حَدثنَا يحيى بن
مُعلى الرَّازِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق حَدثنَا
إِبْرَاهِيم بِهِ.
قَوْله: (وَقَالَ جرير) أَي: ابْن عبد الحميد عَن مَنْصُور
عَن أبي الضُّحَى وَحده أَي: بِدُونِ رِوَايَة إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ: (إِذا أَتَى) على صِيغَة بِنَاء الْمَعْلُوم،
وَهَذَا وَصله ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن
جرير: إِذا أَتَى الْمَرِيض فَدَعَا لَهُ، وَالله أعلم.
21 - (بابُ وُضُوءِ العائِدِ لِلْمَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وضوء الْعَائِد عِنْد دُخُوله
على الْمَرِيض.
5676 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ
حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ، قَالَ:
سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عبْدِ الله، رَضِي الله عَنْهُمَا،
قَالَ: دَخَلَ علَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَأَنا مرِيضٌ، فَتَوَضَّأ فَصَبَّ عَلَيَّ، أوْ قَالَ:
صُبُّوا عَليه فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله {لَا
يَرِثُنِي إلاَّ كَلاَلَةٌ} فَكَيْفَ المِيرَاثُ؟
فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ.
(21/228)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَتَوَضَّأ وصب عَليّ)
وغندر لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر. والْحَدِيث قد مضى عَن
قريب فِي: بَاب عِيَادَة الْمغمى عَلَيْهِ، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
22 - (بابُ مَنْ دَعا بِرَفْعِ الوَباءِ والحُمَّى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من دَعَا بِرَفْع الوباء
بِالْقصرِ وَالْمدّ، وَهُوَ الطَّاعُون وَالْمَرَض
الْعَام، وَقد وبئت الأَرْض فَهِيَ وبئة ووبيئة، ووبئت
أَيْضا فَهِيَ موبوءة، والحمى على وزن فعلى اسْم لمَرض
مَخْصُوص، وَمِنْه حمَّ الرجل.
5677 - حدّثنا إسْماعِيلُ حدّثني مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ
عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عنْها،
أنَّها قالَتْ: لما قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وبِلاَلٌ، قالَتْ: فَدَخَلْتُ
عَلَيْهما فَقُلْتُ: يَا أبَتِ {كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا
بِلاَلُ} كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وكانَ أبُو بَكْر إِذا
أخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
(كلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ ... والمَوْتُ
أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ)
وكانَ بِلاَلٌ إِذا أُقْلِعَ عنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرتَهُ،
فَيَقُولُ:
(أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ
وحَوْلي إذْ خِرٌ وجَليلُ)
(وهَلْ أرِدَنْ يَوْماً مِياهَ مِجَنَّةٍ ... وهَلْ
يبْدُوَنْ لِي شامةٌ وطَفِيلُ)
قَالَ: قالَتْ عائِشَةُ: فَجِئْتُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أللَّهُمَّ حَبِّبْ
إلَيْنا المَدِينَة كَحُبِّنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ،
وصَحِّحْها وبارِكْ لَنا فِي صاعِها ومُدِّها، وانْقُلْ
حُمَّاها فاجْعَلْها بالجُحْفَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي أويس. والْحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي: بَاب عِيَادَة
النِّسَاء للرِّجَال. وَمضى الْكَلَام فِي مُسْتَوفى.
وَقَالَ ابْن بطال: وضوء الْعَائِد للْمَرِيض إِذا أَتَى
فِي الْخَبَر يتبرك بِهِ، وصب المَاء عَلَيْهِ مِمَّا
يُرْجَى نَفعه، وَيحْتَمل أَن يكون مرض جَابر الْحمى
الَّتِي أمرنَا بإبرادها بِالْمَاءِ، وَيكون صفة
الْإِيرَاد هَكَذَا: يتَوَضَّأ الرجل الْفَاضِل وَيصب فضل
وضوئِهِ. |