عمدة القاري شرح صحيح البخاري

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

76 - (كِتابُ الطِّبِّ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الطِّبّ وأنواعه والطب علم يعرف بِهِ أَحْوَال بدن الْإِنْسَان من جِهَة مَا يَصح وَيَزُول عَنهُ الصِّحَّة لتحفظ الصِّحَّة حَاصله وتسترد زائله، والطب على قسمَيْنِ. أَحدهمَا: الْعلم. وَالثَّانِي: الْعَمَل.
وَالْعلم هُوَ معرفَة حَقِيقَة الْغَرَض الْمَقْصُود وَهُوَ مَوْضُوع فِي الْفِكر الَّذِي يكون بِهِ التَّدْبِير، وَالْعَمَل: هُوَ خُرُوج ذَلِك الْمَوْضُوع فِي الْفِكر إِلَى الْمُبَاشرَة بالحس وَالْعَمَل بِالْيَدِ.
وَالْعلم يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام. أَحدهَا: الْعلم بالأمور الطبيعية. وَالثَّانِي: الْعلم بالأمور الَّتِي لَيست بطبيعية. وَالثَّالِث: الْعلم بالأمور الْخَارِجَة عَن الْأَمر الطبيعي، وَالْمَرَض هُوَ خُرُوج الْجِسْم عَن المجرى الطبيعي والمداواة رده إِلَيْهِ، وَحفظ الصِّحَّة بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَذكر ابْن السَّيِّد فِي مثله: أَن الطِّبّ مثلث الطَّاء اسْم الْفِعْل، وَأما الطِّبّ بِفَتْح الطَّاء فَهُوَ الرجل الْعَالم بالأمور، وَكَذَلِكَ الطَّبِيب، وَامْرَأَة طبة، والطب بِالْكَسْرِ السحر، والطب الدَّاء من الإضداد، والطب الشَّهْوَة، هَذِه كلهَا مَكْسُورَة وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: والطب الحذق بالشَّيْء والرفق، وكل حاذق عِنْد الْعَرَب طَبِيب، وَإِنَّمَا خصوا بِهِ المعالج دون غَيره من الْعلمَاء تَخْصِيصًا وتشريفاً، وَجمع الْقلَّة: أطبة، وَالْكَثْرَة: أطباء، والطب طرائق ترى فِي شُعَاع الشَّمْس إِذا طلعت، وَأما الطِّبّ الَّذِي كَانَ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير إِلَيْهِ يَنْقَسِم إِلَى مَا عرفه من طَرِيق الْوَحْي وَإِلَى مَا عرفه من عادات الْعَرَب، وَإِلَى مَا يُرَاد بِهِ التَّبَرُّك كالاستشفاء بِالْقُرْآنِ.

1 - (بابٌ مَا أنْزَلَ الله دَاءٌ إِلَّا أنْزَلَ لَهُ شِفاءً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا أنزل الله دَاء أَي: مَا أصَاب الله أحدا بداءٍ إلاَّ قدر لَهُ دواءِ وَالْمرَاد بإنزاله إِنْزَال الْمَلَائِكَة الموكلين بِمُبَاشَرَة

(21/229)


مخلوقات الأَرْض من الدّاء والداواء. قيل: إِنَّا نجد كثيرا من المرضى يداوون وَلَا يبرؤن. وَأجِيب: إِنَّمَا جَاءَ ذَلِك من الْجَهْل بِحَقِيقَة المداواة، أَو بتشخيص الدَّاء لَا لفقد الدَّوَاء.

5678 - حدّثنا محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا أبُو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدثنَا عَمْرُو بنُ سَعِيدِ بنِ أبي حُسَيْنٍ قَالَ: حدّثني عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أنْزَلَ الله دَاءً إلاَّ أنْزَلَ لهُ شِفاءً.

الحَدِيث عين التَّرْجَمَة. وَأَبُو أَحْمد هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الزبيرِي مَنْسُوبا إِلَى مصغر الزبر بالزاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء، وَهُوَ جده، وَعمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْقرشِي الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن نصر بن عَليّ وَمُحَمّد بن الْمثنى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَإِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي.
قَوْله: (دَوَاء) بِفَتْح الدَّال وَالْمدّ، والدواء فتح داله أفْصح من كسرهَا، قَالَه الْقُرْطُبِيّ: والشفاء مَمْدُود. والْحَدِيث لَيْسَ على عُمُومه، وَاسْتثنى مِنْهُ الْهَرم وَالْمَوْت وَفِيه إِبَاحَة التَّدَاوِي وَجَوَاز الطِّبّ، وَهُوَ رد على الصُّوفِيَّة أَن الْولَايَة لَا تتمّ إلاَّ إِذا رَضِي بِجَمِيعِ مَا نزل بِهِ من الْبلَاء، وَلَا يجوز لَهُ مداواته، وَهُوَ خلاف مَا أَبَاحَهُ الشَّارِع.

2 - (بابٌ هَلْ يُدَاوِي الرَّجُلُ المَرْأةَ والمَرْأةُ الرَّجُلَ؟)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ يُقَال: هَل يداوي الرجل الْمَرْأَة؟ اسفهم على سَبِيل الاستخبار، وَلم يجْزم بالحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب على عَادَته فِي غَالب التراجم. قَوْله: (وَالْمَرْأَة الرجل؟) أَي: وَهل تداوي الْمَرْأَة الرجل؟ فالرجل فِي الأول مَرْفُوع وَالْمَرْأَة مَنْصُوبَة، وَفِي الثَّانِي بِالْعَكْسِ.

5679 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ عنْ خالِدِ بنِ ذَكْوَانَ عنْ رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْرَاءَ قالَتْ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَسْقِي القَوْمَ ونَخْذُمُهُمْ ونَرُدُّ القَتْلَى والجَرْحَى إِلَى المَدِينَةِ. (انْظُر الحَدِيث 2882 وطرفه) .
مطابقته الْجُزْء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والجزء الأول يعلم بِالْقِيَاسِ. وَبشر بِكَسْر الْبَاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن الْمفضل على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّفْضِيل بالضاد الْمُعْجَمَة، وخَالِد بن ذكْوَان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة الْمدنِي، وربيع، بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة وبالعين الْمُهْملَة: بنت معوذ على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التعويذ بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة بن عفراء بِالْمدِّ تَأْنِيث الأعفر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالرَّاء، وَهِي من الصحابيات المبايعات تَحت الشَّجَرَة، وأبوها معوذ بن الْحَارِث بن رِفَاعَة، وعفراء أمه وَهُوَ الَّذِي قتل أَبَا جهل يَوْم بدر، ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل يومئذٍ ببدر شَهِيدا، قَتله أَبُو مسافع.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مداواة النِّسَاء الْجَرْحى فِي الْغَزْو.

3 - (بابٌ الشِّفاءُ فِي ثَلاَثٍ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الشِّفَاء فِي ثَلَاث قَوْله: الشِّفَاء، مُبْتَدأ وَفِي ثَلَاث، خَبره أَي: الشِّفَاء كَائِن فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء، وَلم تقع التَّرْجَمَة فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَكَذَا لم يَقع لفظ: بَاب، للسرخسي.

5680 - حدّثني الحُسَيْنُ حَدثنَا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حَدثنَا مَرْوَانُ بنُ شُجاعٍ حَدثنَا سالِمٌ الأفْطَسُ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: الشِّفاء فِي ثَلاَثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ وشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وكَيَّةِ نارٍ، وأنْهَى أُمَّتي عنِ الكَيِّ، رَفَعَ الحَديثَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحُسَيْن، كَذَا وَقع غير مَنْسُوب فِي رِوَايَة الْكل، وَجزم جمَاعَة أَنه الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن زِيَاد النَّيْسَابُورِي الْمَعْرُوف بالقباني، وَقَالَ الكلاباذي: كَانَ يلازم البُخَارِيّ لما كَانَ بنيسابور، وعاش بعد البُخَارِيّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة، وَكَانَ من أَقْرَان مُسلم، وَرِوَايَة البُخَارِيّ عَنهُ من رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَقَالَ الْحَاكِم: هُوَ ابْن يحيى بن جَعْفَر

(21/230)


البيكندي، وَأحمد بن منبع بِفَتْح الْمِيم وَكسر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبعين مُهْملَة الْبَغَوِيّ، وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَله أَربع وَثَمَانُونَ سنة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، ومروان ابْن شُجَاع الْجَزرِي، وَسَالم هُوَ ابْن عجلَان الْأَفْطَس الْجَزرِي.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه عَن أَحْمد بن منيع بِهِ، وَهَذَا الحَدِيث أَوله مَوْقُوف لَكِن آخِره يشْعر بِأَنَّهُ مَرْفُوع أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (رفع الحَدِيث) أَي: رفع ابْن عَبَّاس هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: (الشِّفَاء فِي ثَلَاث) لم يرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْحصْر فِي الثَّلَاثَة فَإِن الشِّفَاء قد يكون فِي غَيرهَا، وَإِنَّمَا نبه بِهَذِهِ الثَّلَاثَة على أصُول العلاج، لِأَن الْمَرَض إِمَّا دموي أَو صفراوي أَو سوداوي أَو بلغمي، فالدموي بِإِخْرَاج الدَّم وَذَلِكَ بالحجامة وَإِنَّمَا خصت بِالذكر لِكَثْرَة اسْتِعْمَال الْعَرَب وإلفهم لَهَا، بِخِلَاف الفصد فَإِنَّهُ، وَإِن كَانَ فِي معنى الحجم، لكنه لم يكن معهوداً، على أَن قَوْله: (وشرطة محجم) يتَنَاوَل الفصد، وَوضع العلق أَيْضا وَغَيرهمَا فِي مَعْنَاهُمَا، والحجم فِي الْبِلَاد الحارة أنجح من الفصد، والفصد فِي الْبِلَاد الَّتِي لَيست بحارة أنجح من الحجم، وَبَقِيَّة الْأَمْرَاض بالدواء المسهل اللَّائِق بِكُل خلط مِنْهَا. وَنبهَ عَلَيْهِ بِذكر الْعَسَل، وَأما الكي فَإِنَّهُ يَقع آخرا لإِخْرَاج مَا يتعسر إِخْرَاجه من الفضلات. فَإِن قلت: كَيفَ نهى عَنهُ مَعَ إثْبَاته الشِّفَاء فِيهِ؟ قلت: هَذَا لكَوْنهم كَانُوا يرَوْنَ أَنه يحسم الدَّاء بطبعه، فكرهه لذَلِك، وَأما إِثْبَات الشِّفَاء فِيهِ عِنْد تَعْيِينه بِالطَّرِيقِ الْموصل إِلَيْهِ فَمَعَ الِاعْتِقَاد بِأَن الله تَعَالَى هُوَ الشافي، وَيُؤْخَذ من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يتْرك مُطلقًا وَلَا يسْتَعْمل مُطلقًا، بل يسْتَعْمل بِالْوَجْهِ الَّذِي ذكرنَا، وَكَيف وَقد كوى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سعد بن معَاذ وَغَيره، واكتوى غير وَاحِد من الصَّحَابَة؟ قَوْله: (محجم) ، بِكَسْر الْمِيم الْآلَة الَّتِي يجْتَمع فِيهَا دم الْحجامَة عِنْد المص وَيُرَاد بِهِ هَهُنَا الحديدة الَّتِي يشرط بهَا مَوضِع الْحجامَة، يُقَال: شَرط الحاجم إِذا ضرب على مَوضِع الْحجامَة لإِخْرَاج الدَّم.
وَروَاهُ القُمِّيُّ عنْ لَيْثٍ عنْ مُجاهِدٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي العَسَلِ والحَجْمِ.
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور الفمي بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْمِيم. قَالَ الجياني: هُوَ يَعْقُوب بن عبد الله بن سعد، ذكره البُخَارِيّ هَاهُنَا اسْتِشْهَادًا. وَفِي (التَّلْوِيح) ، وَوَقع فِي بعض النّسخ الشّعبِيّ، وَالصَّوَاب الأول. قلت: سعد بن مَالك بن هانىء بن عَامر بن أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ، فلجده أبي عَامر صُحْبَة، وكنية يَعْقُوب أَبُو الْحسن وَهُوَ من أهل قُم، وَهِي مَدِينَة عَظِيمَة حَصِينَة وَعَلَيْهَا سور، وَأَهْلهَا شيعَة، وَهِي من بِلَاد الجيل، وَهِي عراق الْعَجم، وَمن الرّيّ إِلَى قُم أحد وَعِشْرُونَ فرسخاً، والقمي هَذَا نزل الرّيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقواهُ النَّسَائِيّ، وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَلَيْث شَيْخه هُوَ ابْن أبي سليم الْكُوفِي سيء الْحِفْظ، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْبَزَّار من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن الْخطاب عَنهُ. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَتَبعهُ صَاحب (التَّوْضِيح) وَقَالَ أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي (كتاب الطِّبّ) : حَدثنَا عمر بن أَحْمد بن الْحسن أَنا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن يُوسُف وجبارة بن الْمُغلس قَالَا: حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الله القمي عَن لَيْث عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. احتجموا لَا يتبيغ بكم الدَّم فيقتلكم، وَقَالَ بَعضهم: وَقصر بعض الشُّرَّاح فنسبه إِلَى تَخْرِيج أبي نعيم فِي الطِّبّ، وَالَّذِي فِي الطِّبّ عِنْد أبي نعيم حَدِيث آخر فِي الْحجامَة فَذكره. قلت: رمى بِهَذَا التَّقْصِير صَاحِبي (التَّلْوِيح) و (التَّوْضِيح) مَعَ أَن صَاحب (التَّوْضِيح) أحد مشايخه على زَعمه، وَلَيْسَ الَّذِي ذكره بموجه لِأَنَّهُمَا لم يَقُولَا: إِن هَذَا التَّعْلِيق ذكره أَبُو نعيم، ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَإِنَّمَا صَاحب (التَّلْوِيح) ذكره من غير تعرض إِلَى ذكر شَيْء، وَإِنَّمَا ذكره لزِيَادَة فَائِدَة نعم شَيْخه. قَالَ: وأسنده أَبُو نعيم، ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَلَكِن قَالَ بِلَفْظ: احتجموا، وَلم يَقع مِنْهُ التَّقْصِير إلاَّ فِي قَوْله: وأسنده، أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهَذَا الحَدِيث غير مَذْكُور، وَالله أعلم. قَوْله: (فِي الْعَسَل والحجم) ويروى: والحجامة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَلم يَقع ذكر الكي فِي هَذِه الرِّوَايَة، فَلذَلِك ذكره بقوله: (وَرَوَاهُ القمي) إِشَارَة إِلَيْهِ.

5681 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أخبرنَا سُرَيْجُ بنُ يُونُسَ أبُو الحارِثِ حدَّثنا مَرْوانُ بنُ شُجاعٍ عنْ سالِمٍ الأفْطَسِ عنْ سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:

(21/231)


الشِّفاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَو شرْبَةِ عَسَلٍ، أَو كَيَّةٍ بِنار، وأنْهَى أمَّتِي عَنِ الكَيِّ. (انْظُر الحَدِيث: 5680) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى يُقَال لَهُ صَاعِقَة، وسريج بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالجيم مصغر سرج ابْن يُونُس أَبُو الْحَارِث الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. والْحَدِيث قد مر الْآن.

4 - (بابُ الدَّواءِ بالعَسَلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدَّوَاء بالعسل، وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث، وأسماؤه تزيد على الْمِائَة، وَله مَنَافِع كَثِيرَة. يجلي الأوساخ الَّتِي فِي الْعُرُوق والأمعاء، وَيدْفَع الفضلات، وَيغسل خمل الْمعدة ويسخنها تسخيناً معتدلاً، وَيفتح أَفْوَاه الْعُرُوق، ويشد الْمعدة والكبد والكلى والمثانة، وَفِيه تَحْلِيل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية،. وَفِيه حفظ للمعجونات وإذهاب لكيفية الْأَدْوِيَة المستكرهة، وتنقية للكبد والصدر وإدرار الْبَوْل والطمث، ونفع للسعال الْكَائِن من البلغم، ونفع لأَصْحَاب البلاغم والأمزجة الْبَارِدَة، وَإِذا أضيف إِلَيْهِ الْخلّ نفع أَصْحَاب الصَّفْرَاء، ثمَّ هُوَ غذَاء من الأغذية ودواء من الْأَدْوِيَة وشراب من الْأَشْرِبَة وحلوى من الحلاوات وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات، وَمن مَنَافِعه أَنه: إِذا شرب حاراً بدهن الْورْد نفع من نهش الْحَيَوَان، وَإِذا شرب بِمَاء نفع من عضة الْكَلْب الْكَلْب، وَإِذا جعل فِيهِ اللَّحْم الطري حفظ طراوته ثَلَاثَة أشهر، وَكَذَا الْخِيَار والقرع والباذنجان والليمون وَنَحْو ذَلِك من الْفَوَاكِه، وَإِذا لطخ بِهِ الْبدن للقمل قتل الْقمل والصيبان، وَطول الشّعْر وَحسنه ونعمه، وَإِن اكتحل بِهِ جلا ظلمَة الْبَصَر، وَإِن اسْتنَّ بِهِ صقل الْأَسْنَان وَحفظ صِحَّتهَا، وَهُوَ عَجِيب فِي حفظ جثة الْمَوْتَى فَلَا يسْرع إِلَيْهَا الْبلَاء وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَأْمُون الغائلة قَلِيل الْمضرَّة، وَلم يكن معول قدماء الْأَطِبَّاء فِي الْأَدْوِيَة المركبة إلاَّ عَلَيْهِ، وَلَا ذكر للسكر فِي أَكثر كتبهمْ أصلا، وَهُوَ فِي أَكثر الْأَمْرَاض وَالْأَحْوَال أَنْفَع من السكر لِأَنَّهُ مليح ويجلو ويدر ويحلل وَيغسل، وَهَذِه الْأَفْعَال فِي السكر ضَعِيفَة، وَفِي السكر إرخاء الْمعدة وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْعَسَل، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب كل يَوْم قدح عسل ممزوجاً بِمَاء على الرِّيق، وَهِي حِكْمَة عَجِيبَة فِي حفظ الصِّحَّة، وَلَا يَعْقِلهَا إلاَّ الْعَالمُونَ، وَكَانَ بعد ذَلِك يتغدى بخبزالشعير مَعَ الْملح أَو الْخلّ وَنَحْوه، ويصابر شطف الْعَيْش وَلَا يضرّهُ لما سبق من شربه الْعَسَل.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} (النَّحْل: 69) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: الدَّوَاء بالعسل، إِنَّمَا ذكر قَوْله {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} (النَّحْل: 69) لينبه بِهِ على فَضِيلَة الْعَسَل على سَائِر مَا يشرب من المشروبات، وَكَيف وَقد أخبر الله بِأَنَّهُ شِفَاء؟ وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا خرجت بِهِ قرحَة أَو شَيْء لطخ الْموضع بالعسل، وَيقْرَأ {يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه فِيهِ شِفَاء للنَّاس} (النَّحْل: 69) وَكَانَ يَقُول: عَلَيْكُم بِالشِّفَاءَيْنِ: الْقُرْآن وَالْعَسَل، وَقَالَ شَقِيق: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المبطون شَهِيد ودواء المبطون الْعَسَل، فَإِن قلت: الرجل الَّذِي جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أخي يشتكي بَطْنه! فَقَالَ: اسْقِهِ عسلاً، فَسَقَاهُ فَلم يفده، حَتَّى أَتَى الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، فَكَذَلِك حَتَّى قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق الله وَكذب بطن أَخِيك ... الحَدِيث على مَا يَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب. قلت: قد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غيب أطلعه الله عَلَيْهِ وأعلمه بِالْوَحْي أَن شفاءه بالعسل، فكرر عَلَيْهِ الْأَمر يسْقِي الْعَسَل ليظْهر مَا وعد بِهِ، وَأَيْضًا قد علم أَن ذَلِك النَّوْع من الْمَرَض يشفيه الْعَسَل. وَقَالَ النَّوَوِيّ: اعْترض بعض الْمَلَاحِدَة فَقَالَ: الْعَسَل مسهل فَكيف يشفي صَاحب الإسهال؟ وَهَذَا جهل من الْمُعْتَرض، وَهُوَ كَمَا قَالَ بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ، فَإِن الإسهال يحصل من أَنْوَاع كَثِيرَة، وَمِنْهَا الإسهال الْحَادِث من الهيضة، وَقد أجمع الْأَطِبَّاء على أَن علاجه بِأَن تتْرك الطبيعة وفعلها، وَإِن احْتَاجَت إِلَى معِين على الإسهال أعينت، فَيحْتَمل أَن يكون إسهاله من الهيضة، وَأمره بِشرب الْعَسَل معاونة إِلَى أَن فنيت الْمَادَّة فَوقف الإسهال، وَقد يكون ذَلِك من بَاب التَّبَرُّك، وَمن دُعَائِهِ وَحسن أَثَره وَلَا يكون ذَلِك حكما عَاما لكل النَّاس، وَقد يكون ذَلِك خارقاً للْعَادَة من جملَة المعجزات، وَقيل: الْمَعْنى: فِيهِ شِفَاء لبَعض النَّاس، وَأولُوا الْآيَة وَحَدِيث أبي سعيد الَّذِي يَأْتِي على الْخُصُوص، وَقَالُوا: الْحجامَة وَشرب الْعَسَل والكي إِنَّمَا هِيَ شِفَاء لبَعض الْأَمْرَاض دون بعض، أَلا ترى قَوْله: أَو لذعة بِنَار، توَافق الدَّاء؟ فَشرط صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موافقتها للداء، فَدلَّ هَذَا على أَنَّهَا إِذا لم توَافق الدَّاء فَلَا دَوَاء فِيهَا، وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن مَا لَفظه لفظ الْعُمُوم. وَالْمرَاد بِهِ الْخُصُوص، كَقَوْلِه

(21/232)


تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إلاَّ ليعبدون} يُرِيد الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ فِي بلقيس: وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلم تؤت ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كثير، وَاخْتلف أهل التَّأْوِيل فِيمَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاء فِي قَوْله {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} فَقَالَ بَعضهم: على الْقُرْآن وَهُوَ قَول مُجَاهِد، وَقَالَ آخَرُونَ. على الْعَسَل، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول الْحسن وَقَتَادَة وَهُوَ أولى بِدَلِيل حَدِيثي الْبَاب.

5682 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا أبُو أُُسامَةَ قَالَ: أَخْبرنِي هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُعْجِبُهُ الحَلْواءُ والعَسَلُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله (يُعجبهُ) لِأَن الْإِعْجَاب أَعم من أَن يكون على سَبِيل الدَّوَاء أَو الْغذَاء.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب شرب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.

5683 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا عبدُ الرَّحْمانِ بنُ الغَسِيل عنْ عاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بنِ عبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: إنْ كانَ فِي شَيءٍ مِنْ أدْوِيَتِكُمْ أوْ: يَكُونُ فِي شيءٍ مِنْ أدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أوْ لَذْعَةٍ بِنار تُوافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أنْ أكْتَوِيَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله (أَو شربة عسل) وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَعبد الرَّحْمَن بن الغسيل، وَاسم الغسيل: حَنْظَلَة بن أبي عَامر الأوسي الْأنْصَارِيّ، اسْتشْهد بِأحد وَهُوَ جنب فغسلته الْمَلَائِكَة، فَقيل لَهُ الغسيل، وَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول، وَهُوَ جد عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن حَنْظَلَة، وَعبد الرَّحْمَن مَعْدُود فِي صغَار التَّابِعين لِأَنَّهُ رأى أنسا وَسَهل بن سعد، وَجل رِوَايَته عَن التَّابِعين وَهُوَ ثِقَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَاخْتلف فِيهِ قَول النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يخطىء كثيرا وَكَانَ قد عمر فجاوز الْمِائَة فَلَعَلَّهُ تغير حفظه فِي الآخر، وَقد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة بن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ الأوسي يكنى أَبَا عمر مَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَآخر تقدم فِي: بَاب من بنى مَسْجِدا، فِي أَوَائِل الصَّلَاة، وَهُوَ تَابِعِيّ ثِقَة عِنْدهم، وَقَالَ عبد الْحق فِي (الْأَحْكَام) : وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة وَضَعفه غَيرهمَا، ورد ذَلِك أَبُو الْحسن بن الْقطَّان على عبد الْحق، وَقَالَ: لَا أعرف أحدا ضعفه وَلَا ذكره فِي الضُّعَفَاء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطِّبّ عَن هَارُون بن مَعْرُوف وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن وهب بن بَيَان.
قَوْله: (أَو يكون فِي شَيْء) كَذَا وَقع بِالشَّكِّ، وَسَيَأْتِي بعد أَبْوَاب بِاللَّفْظِ الأول بِغَيْر شكّ، وَكَذَا لمُسلم، وَقَالَ ابْن التِّين: الصَّوَاب: أَو يكن لِأَنَّهُ مَعْطُوف على مجزوم فَيكون مَجْزُومًا، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أَحْمد: إِن كَانَ، أَو: إِن يكن، قيل: لَعَلَّ الرَّاوِي أشْبع الضمة فَظن السَّامع أَن فِيهَا واواً فأثبتها، وَفِيه تَأمل. قَوْله: (أَو لذعة) بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة، واللذع الْخَفِيف من حرق النَّار، وَأما اللدغ بِالدَّال الْمُهْملَة وبالغين الْمُعْجَمَة فَهُوَ عض ذَات السم. قَوْله: (توَافق الدَّاء) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الكي إِنَّمَا يشرع مِنْهُ مَا يتَعَيَّن أَنه يَزُول الدَّاء بِهِ، وَأَنه لَا يَنْبَغِي التجربة لذَلِك وَلَا اسْتِعْمَاله إلاَّ بعد التحقق. قَوْله: (وَمَا أحب أَن أكتوي) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه يُؤَخر العلاج بِهِ حَتَّى لَا يُوجد الشِّفَاء إلاَّ فِيهِ لما فِيهِ من اسْتِعْمَال الْأَلَم الشَّديد فِي دفع ألم قد يكون أَضْعَف من ألم الكي.

5684 - حدّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدَّثنا عبْدُ الأعْلى حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتادَةَ عنْ أبي المُتَوَكِّلِ عنْ أبي سَعِيدٍ: أنَّ رَجُلاً أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أخي يَشْتَكي بَطْنَهُ. فَقَالَ: إسْقِهِ عَسَلاً، ثمَّ أتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: إسْقِهِ عَسَلاً، ثُمَّ أتاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إسْقِهِ عَسَلاً، ثُمَّ أتَاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ، فَقَالَ: صَدَقَ الله

(21/233)


وكَذَبَ بَطْنُ أخيكَ، إسْقِهِ عَسَلاً، فَسَقاهُ فَبَرَأ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد النَّرْسِي بالنُّون وَالرَّاء الساكنة وبالسين الْمُهْملَة، وَعبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى، وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة، وَأَبُو المتَوَكل هُوَ عَليّ الْبَاجِيّ بالنُّون وَالْجِيم وَالْيَاء الْمُشَدّدَة، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك، والأسناد كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن بنْدَار عَن غنْدر. وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي الْوَلِيمَة أَيْضا عَنهُ بِهِ.
قَوْله: (ثمَّ أَتَى الثَّانِيَة) أَي: الْمرة الثَّانِيَة، أَي: فَقَالَ: إِنِّي سقيته فَلم يزده إلاَّ اسْتِطْلَاقًا. قَوْله: (ثمَّ أَتَاهُ) أَي: الْمرة الثَّالِثَة: (فَقَالَ: فعلت) أَي: سقيته فَلم يزده إلاَّ اسْتِطْلَاقًا، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صدق الله) أَي: فِي قَوْله: {يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه فِيهِ شِفَاء للنَّاس} قَوْله. (وَكذب بطن أَخِيك) إِسْنَاد الْكَذِب إِلَى الْبَطن مجَاز، لِأَن الْكَذِب يخْتَص بالأقوال فَجعل، بطن أَخِيه حَيْثُ لم ينجع فِيهِ الْعَسَل كذبا لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} . وَيُقَال: الْعَرَب تسْتَعْمل الْكَذِب بِمَعْنى الْخَطَأ وَالْفساد، فَتَقول: كذب سَمْعِي، أَي: زل وَلم يدْرك مَا سَمعه، فكذب بَطْنه حَيْثُ مَا صلح للشفاء فزل عَن ذَلِك. قَوْله: (اسْقِهِ عسلاً) هَذَا بعد الرَّابِعَة (فَسَقَاهُ فبرأ) وأوضح هَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم حَيْثُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِن أخي اسْتطْلقَ بَطْنه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إسقه عسلاً فَسَقَاهُ، ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: إِنِّي سقيته فَلم يزده إلاَّ اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ لَهُ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ جَاءَ الرَّابِعَة فَقَالَ: إسقه عسلاً، فَقَالَ: لقد سقيته فَلم يزده إلاَّ اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق الله وَكذب بطن أَخِيك، فَسَقَاهُ فبرأ. يُقَال أَبْرَأ من الْمَرَض برءاً بِالْفَتْح فَأَنا بارىء، وأبرأني من الْمَرَض، وَغير أهل الْحجاز يَقُولُونَ: بَرِئت، بِالْكَسْرِ برءاً بِالضَّمِّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يَقُول: بَرِئت مِنْك وَمن الدُّيُون والعيوب بَرَاءَة، وبرئت من الْمَرَض برءاً بِالضَّمِّ، وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ: برأت من الْمَرَض برءاً بِالْفَتْح، وَأصْبح فلَان بارئاً من الْمَرَض، وأبرأه الله من الْمَرَض، وبرأ الله الْخلق برأَ أَيْضا، يَعْنِي بِالْفَتْح، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت عَن قريب.

5 - (بابُ الدَّواءِ بألْبانِ الإبِلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدَّوَاء بألبان الْإِبِل فِي الْمَرَض الملائم لَهُ.

5685 - حدّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهيمَ حدَّثنا سلاَّمُ بنُ مِسْكين حدَّثنا ثابِتٌ عنْ أنَسٍ أنَّ ناسَاً كانَ بِهِم سَقَمٌ قَالُوا: يَا رسولَ الله! آوِنا وأطْعِمْنا، فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: إنَّ المَدِينَةَ وَخِمَةٌ، فأنْزَلَهُم الحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لهُ، فَقَالَ: اشْرَبُوا مِنْ ألْبانَها، فَلَمَّا صَحُّوا قَتلُوا رَاعِيَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسْتاقوا ذَوْدَهُ، فبَعَثَ فِي آثارِهِمْ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ وسَمَرَ أعْيُنَهُمْ، فَرَأيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدُمُ الأرْضَ بِلِسانِهِ حتَّى يَمُوتَ.
قَالَ سَلاَّمٌ فَبَلَغَني أنَّ الحجَّاج قَالَ لأنَسٍ: حَدِّثْني بِأشَدِّ عُقُوبَةٍ عاقَبَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدَّثهُ بهاذَا، فَبَلَغَ الحَسَنَ فَقَالَ: وَدِدْتُ أنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهذَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله (اشربوا من أَلْبَانهَا) وَسَلام بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام بن مِسْكين الْأَزْدِيّ النمري، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر سَيَأْتِي فِي الْأَدَب، قيل: وَقع فِي اللبَاس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل: حَدثنَا سَلام عَن عُثْمَان بن عبد الله، فَزعم الكلاباذي أَنه سَلام بن مِسْكين، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ سَلام بن أبي مُطِيع، وثابت ضد الزائل الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ.
وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم بصريون.
وَهَذَا (حَدِيث العرنيين) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب أَبْوَال الْإِبِل وَالدَّوَاب.
قَوْله: (إِن نَاسا) زَاد بهز فِي رِوَايَته: من أهل الْحجاز. قَوْله: (كَانَ بهم سقم) بِفَتْح السِّين وَضمّهَا مثل حزن وحزن بِفتْحَتَيْنِ أَيْضا. قَوْله: (آونا) بِالْهَمْزَةِ الممدودة وَكسر الْوَاو، أَي: أنزلنَا فِي مأوى وَهُوَ الْمنزل، من آوى يؤوي وثلاثيه: أَوَى يأوي، يُقَال: أويت إِلَى الْمنزل، وآويت غَيْرِي، وأويته بِالْقصرِ أَيْضا أنكرهُ بَعضهم. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: هِيَ لُغَة فصيحة. قَوْله: (فَلَمَّا صحوا) فِيهِ حذف تَقْدِيره: فآواهم وأطعمهم فَلَمَّا صحوا قَالُوا: إِن الْمَدِينَة وخمة، بِفَتْح الْوَاو وَكسر

(21/234)


الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: غير مُوَافقَة لساكنها. قَوْله (فأنزلهم الْحرَّة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود. قَوْله: (فِي ذود) أَي: بَين ذود، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ من الْإِبِل مَا بَين ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَذكر ابْن سعد: كَانَ عدد الذود خمس عشرَة. قَوْله من أَلْبَانهَا وَتقدم فِي رِوَايَة أبي قلَابَة من أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا. قَوْله: (فَلَمَّا صحوا) فِيهِ حذف أَيْضا تَقْدِيره: فَخَرجُوا فَشَرِبُوا فَلَمَّا صحوا قتلوا الرَّاعِي إِلَى آخِره. قَوْله: (وَسمر أَعينهم) كَذَا بالراء فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وسمل، بِاللَّامِ مَوضِع الرَّاء، وَمعنى: سمر كحلها بالمسامير المحماة، يُقَال: سمرت بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، وَمعنى: سمل أَعينهم، أَي: فقاها بحديدة محماة أَو غَيرهَا، وَقيل: هُوَ فقؤها بالشوك، وَإِنَّمَا فعل بهم ذَلِك لأَنهم فعلوا بالراعي كَذَلِك، فجازاهم على صنعهم، وَقيل: إِن هَذَا كَانَ قبل أَن ينزل الْحُدُود، فَلَمَّا نزلت نهى عَن الْمثلَة. قَوْله: (يكدم الأَرْض) بِضَم الدَّال وَكسرهَا من الكدم وَهُوَ العض بِأَدْنَى الْفَم كالحمار، وَزَاد بهز فِي رِوَايَته: مِمَّا يجد من الْغم والوجع. قَوْله: (قَالَ سَلام) أَي: سَلام بن مِسْكين، هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (إِن الْحجَّاج) هُوَ ابْن يُوسُف الثَّقَفِيّ حَاكم الْعرَاق الْمَشْهُور. قَوْله: (عَافِيَة) كَذَا بالتذكير بِاعْتِبَار الْعقَاب، وَفِي رِوَايَة بهز: عاقبها، على ظَاهر اللَّفْظ. قَوْله: (فَبلغ الْحسن) أَي: الْبَصْرِيّ، وَإِنَّمَا قَالَ: وددت، لِأَن الْحجَّاج كَانَ ظَالِما يتَمَسَّك فِي الظُّلم بِأَدْنَى شَيْء، وَفِي رِوَايَة بهز: فوَاللَّه مَا انْتهى الْحجَّاج حَتَّى قَامَ بهَا على الْمِنْبَر، فَقَالَ: حَدثنَا أنس فَذكره، وَقَالَ: قطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَيْدِي والأرجل وَسمر الْأَعْين فِي مَعْصِيّة الله، أَفلا نَفْعل نَحْو ذَلِك فِي مَعْصِيّة الله وسَاق الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر عَن ثَابت: حَدثنِي أنس قَالَ: مَا نَدِمت على شَيْء مَا نَدِمت على حَدِيث حدثت بِهِ الْحجَّاج، فَذكره.

6 - (بابُ الدَّواءِ بِأبْوَالِ الإِِبِلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّدَاوِي بأبوال الْإِبِل.

5686 - حدّثنا مُوسَى بنُ اسْماعِيلَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسِ رَضِي الله عَنهُ أنَّ نَاسا اجْتَوَوْا فِي المَدِينَةِ فأمَرَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ يَلْحَقُوا بِراعِيهِ يَعْني: الإبِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ ألْبانِها وَأبْوالِها، فَلَحِقُوا براعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ ألْبانِها وأبْوالِها حتَّى صَلَحَتْ أبْدانُهُمْ، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإِبِلَ، فَبَلَغَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَبَعَث فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وأرْجُلُهمْ وسَمّرَ أعْيُنَهُمْ.
قَالَ قَتادَةُ: فَحَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ أنَّ ذَلِكَ كانَ قَبْلَ أنْ تَنْزِلَ الحُدُودُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَبُو الها) وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن هدبة.
قَوْله: (اجتووا فِي الْمَدِينَة) كَذَا هُوَ بِإِثْبَات: فِي، وَهِي ظرفية أَي: حصل لَهُم الجوى بِالْجِيم وهم فِي الْمَدِينَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي قلَابَة عَن أنس: اجتووا الْمَدِينَة، بِدُونِ كلمة: فِي، أَي كَرهُوا الْإِقَامَة بهَا. قَالَ الْجَوْهَرِي: اجتويت الْبَلدة إِذا كرهتها، والجوى الْمَرَض وداء الْجوف إِذا تطاول. قَوْله: (براعيه يَعْنِي: الْإِبِل) كَذَا فِي الأَصْل، وَفِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الْوَجْه: أَن يلْحقُوا براعي الْإِبِل. قَوْله: (حَتَّى صلحت) بِفَتْح اللَّام، قَالَ الْجَوْهَرِي: يَقُول: صلح الشَّيْء يصلح صلوحاً، وَحكى الْفراء الضَّم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى صحت.
قَوْله: (قَالَ قَتَادَة) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (إِن ذَلِك) إِشَارَة إِلَى قَوْله: (وَسمر أَعينهم) وَيُعَكر على قَول قَتَادَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رِوَايَة مُسلم من طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَإِنَّمَا سملهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَنهم سملوا أعين الرُّعَاة.

7 - (بابُ الحَبَّةِ السَّوْداءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحبَّة السَّوْدَاء، وَذكر مَنَافِعهَا، وَقد فَسرهَا الزُّهْرِيّ بِأَنَّهَا الشونيز، على مَا يجيءْ فِي آخر الْبَاب قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الشونيز قَيده بعض مَشَايِخنَا بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الشينيز، كَذَا تَقول الْعَرَب، وَقَالَ غَيره الشونيز، بِالضَّمِّ وَهِي الْحبَّة الخضراء، وَالْعرب تسمي الْأَخْضَر أسود وَالْأسود أَخْضَر. وَقَالَ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بالمطجن: هُوَ الكمون الْأسود، وَيُسمى: الكمون الْهِنْدِيّ، وَمن مَنَافِعه أَنه يجلو وَيقطع ويحلل ويشفي من الزُّكَام

(21/235)


إِذا قلي واشتم، وَيقتل الدُّود إِذا أكل على الرِّيق، وَإِذا وضع فِي الْبَطن من خَارج لطوخاً ودهنه ينفع من دَاء الْحَيَّة، وَمن الثآليل والخيلان، وَإِذا شرب مِنْهُ مِثْقَال نفع من البهر وضيق النَّفس ويحدر الطمث المحتبس، والضماد بِهِ ينفع الصداع الْبَارِدَة، وَإِذ نقع مِنْهُ سبع حبات بِالْعدَدِ فِي لبن امْرَأَة سَاعَة وسعط بِهِ صَاحب اليرقان نفع نفعا بليغاً، وَإِذا طبخ بخلٍّ وخشب الصنوبر نفع من وجع الْأَسْنَان من برد مضمضة، ويدر الطمث وَالْبَوْل وَاللَّبن، وَإِذا شرب بنطرون شفى من عسر النَّفس وينفع من شَرّ الرتيلاء، ودخنته تطرد الْهَوَام، وخاصيته تذْهب الجشاء الحامض الْكَائِن من البلغم والسوداء، وَإِذا تضمد بِهِ مَعَ الْخلّ نفع البثور والجرب المنقرح وحلل الأورام البلغمية المزمنة والأورام الصلبة، وَإِذا خلط ببول عَتيق وَوضع على الثآليل المسمارية قلعهَا، وَإِذا ضمدت بِهِ السن أخرج الدُّود الطّواف، وَإِذا نقع بخل واستعط بِهِ نفع من الأوجاع المزمنة فِي الرَّأْس وَمن اللقوة، وينفع من البهق والبرص طلاء بالخل، ويسقى بِالْمَاءِ الْحَار وَالْعَسَل للحصاة فِي المثانة والكلى، وَإِن عجن بِمَاء الشيح أخرج الْحَيَّات من الْبَطن، وَإِذا حرق وخلط بشمع مذاب ودهن سوسن وطلي على الرَّأْس نفع من تناثر الشّعْر، وَإِذا سحق مَعَ دم الأفاعي أَو دم الخطاطيف وطلي بِهِ الرضخ جبره، وَإِذا استعط بدهنه نفع من الفالج والكززاز وَقطع البلة وَالْبرد الَّذِي يجْتَمع فَيصير مِنْهُ الفالج، وَإِذا سحق ونخل واستف مِنْهُ كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ نفع من عضة الْكَلْب الْكَلْب، وَإِذا سحق وَشرب بسكنجبين نفع من حميات الرّبع المتقادمة، وَإِذا عجن بِسمن وَعسل نفع من أوجاع النُّفَسَاء عِنْد امتساك دم النّفاس، وينفع أَيْضا لوجع الْأَرْحَام، وَإِذا نثر على مقدم الرَّأْس سخنه ونفع من توالي النزلات، وَإِذا خلط فِي الأكحال جفف المَاء النَّازِل فِي الْعين، وَإِذا عجن بخل ودهنِ وردٍ نفع من أَنْوَاع الجرب، وَإِذا ضمد بِهِ أوجاع المفاصل نَفعهَا، وَيخرج الأجنة أَحيَاء وموتى والمشيمة.

5687 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ أبي شَيْبَةَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله حدَّثنا إسْرائِيلُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ خالِدِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: خَرَجْنا ومَعَنا غالِبُ بنُ أبْجَر فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ، فقَدِمْنا المَدِينَةَ وَهْوَ مَرِيضٌ، فَعادَهُ ابنُ أبي عَتِيقٍ فَقَالَ لنا: عَلَيْكُمْ بِهاذِهِ الحُبَيْبَةِ السَّوَيْداءِ فَخُذُوا مِنْها خَمْساً أوْ سبْعاً فاسْحَقُوها ثُمَّ اقْطُرُوها فِي أنْفِهِ بِقَطَراتِ زَيْتٍ فِي هاذَا الجانِبِ وَفي هَذَا الجانِبِ، فإِنَّ عائِشةَ رَضِي الله عَنْهَا حدَّثَتْني أنَّها سَمعَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: إنَّ هاذِهِ الحَبَّةَ السَّوْداءَ شِفاءٌ مِنْ كُلِّ داءٍ إِلَّا مِنَ السَّامِ. قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: المَوْتُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن فِي هَذِه الْحبَّة السَّوْدَاء) وَعبد الله بن أبي شيبَة كَذَا سَمَّاهُ وَنسبه لجده وَهُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة، واسْمه إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْعَبْسِي الْكُوفِي، وكنيته أَبُو بكر وشهرته بكنيته أَكثر من اسْمه، مَاتَ فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَعبيد الله هُوَ ابْن مُوسَى الْكُوفِي، وَهُوَ من كبار مَشَايِخ البُخَارِيّ، وروى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وخَالِد بن سعد مولى أبي مَسْعُود البدري الْأنْصَارِيّ، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وغالب بن أبجر بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم وبالراء، هُوَ الصَّحَابِيّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَحَدِيثه عِنْد أبي دَاوُد، وَابْن أبي عَتيق هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه ابْن ماجة أَيْضا عَن عبد الله بن أبي شيبَة شيخ البُخَارِيّ، وَهَذَا حَدِيث عَزِيز.
قَوْله: (بِهَذِهِ الحبيبة السويداء) وَكَذَا وَقع بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: السَّوْدَاء. قَوْله: (فَإِن عَائِشَة حَدَّثتنِي: أَن فِي هَذِه الْحبَّة السَّوْدَاء شِفَاء) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن فِي هَذِه الْحبَّة شِفَاء، وَفِي رِوَايَة: هَذِه الْحبَّة السَّوْدَاء الَّتِي تكون فِي الْملح، يُرِيد بِهِ الكمون، وَكَانَت عَادَتهم جرت أَن يخلط بالملح. قَوْله: (من كل دَاء) بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل الِانْتِفَاع بالحبة السَّوْدَاء فِي كل دَاء غير الْمَوْت، وأوله الْمُوفق الْبَغْدَادِيّ بأكبر الأدواء، وَعدد جملَة من مَنَافِعهَا، وَكَذَا قَالَ

(21/236)


الْخطابِيّ: هُوَ من الْعُمُوم الَّذِي أُرِيد بِهِ الْخُصُوص وَلَيْسَ بجتمع فِي شَيْء من النَّبَات جَمِيع القوى الَّتِي تقَابل الطبائع كلهَا فِي معالجة الْأَدْوِيَة، وَإِنَّمَا أَرَادَ: شِفَاء كل دَاء يحدث من الرُّطُوبَة والبلغم لِأَنَّهُ حَار يَابِس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل إِرَادَة الْعُمُوم مِنْهُ بِأَن يكون شِفَاء للْكُلّ لَكِن بِشَرْط تركيبه مَعَ الْغَيْر، وَلَا مَحْذُور فِيهِ، بل تجب إِرَادَة الْعُمُوم لِأَن جَوَاز الِاسْتِثْنَاء معيار وُقُوع الْعُمُوم، فَهُوَ أَمر مُمكن. وَقد أخبر الصَّادِق عَنهُ، اللَّفْظ عَام بِدَلِيل الِاسْتِثْنَاء أفيجب القَوْل بِهِ؟ وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الْعَسَل عِنْد الْأَطِبَّاء أقرب إِلَى أَن يكون دَوَاء لكل دَاء من الْحبَّة السَّوْدَاء، وَمَعَ ذَلِك فَإِن من الْأَمْرَاض مَا لَو شرب صَاحبه الْعَسَل لتأذى بِهِ، وَإِذا كَانَ المُرَاد بقوله: فِي الْعَسَل {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} (النَّحْل: 69) الْأَكْثَر الْأَغْلَب، فَحمل الْحبَّة السَّوْدَاء على ذَلِك أولى، وَقَالَ غَيره: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصف الدَّوَاء بِحَسب مَا يُشَاهِدهُ من حَال الْمَرِيض، فَلَعَلَّ قَوْله: (فِي الْحبَّة السَّوْدَاء) وَافق مرض من مزاجه بَارِد فَيكون معنى قَوْله: (شِفَاء من كل دَاء) أَي: من هَذَا الْجِنْس الَّذِي وَقع فِيهِ القَوْل، والتخصيص بالحيثية كثير شَائِع. وَقَالَ ابْن أبي حَمْزَة، رَحمَه الله: تكلم نَاس فِي هَذَا الحَدِيث وخصوا عُمُومه وردوه إِلَى قَول أهل الطِّبّ والتجربة، ولإخفاء بغلط قَائِل ذَلِك، وَذَلِكَ لأَنا إِذا صدقنا أهل الطِّبّ ومدار علمهمْ غَالِبا إِنَّا هُوَ على التجربة الَّتِي بناؤها على ظن غَالب فتصديق من لَا ينْطق عَن الْهوى أولى بِالْقبُولِ من كَلَامهم. قَوْله: (إِلَّا من السَّام) بتَخْفِيف الْمِيم. قَوْله: (قلت: وَمَا السام؟ قَالَ: الْمَوْت) لم يدر السَّائِل وَلَا المجبب، وَقيل بِالظَّنِّ: إِن السَّائِل خَالِد بن سعد، والمجيب ابْن أبي عَتيق.

5688 - حدّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرِ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ، قالَ: أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَة وسَعيدُ بنُ المسَيِّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُما، أنَّهُ سمِعَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: فِي الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفاءٌ مِنْ كُلِّ داءٍ إلاَّ السَّامَ.
قَالَ ابنُ شهابٍ: والسامُ: المَوْتُ، والحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل بِضَم الْعين بن خَالِد، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رمح. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح وَعَمْرو بن الْحَارِث.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ الرَّاوِي: (السام الْمَوْت) وَأَنه فسر السام بِالْمَوْتِ والحبة السَّوْدَاء بالشونيز، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْبَاب، وَقد قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي (غَرِيب الحَدِيث) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: إِن الْحبَّة السَّوْدَاء الْخَرْدَل، وَحكى أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ فِي (الغريبين) : أَنَّهَا ثَمَرَة البطم، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَاسم شَجَرهَا الضرو، بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء. قلت: البطم كثيرا مَا ينْبت فِي الْبِلَاد الشمالية، وَهُوَ حب أَخْضَر يُقَارب الحمص يَأْكُلهُ أهل الْبِلَاد كثيرا، ويجعلونه فِي الأقراص يستخرجون مِنْهُ الدّهن ويأكولنه وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: تَفْسِير الْحبَّة السَّوْدَاء بالشونيز أولى من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَنه قَول الْأَكْثَر. وَالثَّانِي: كَون مَنَافِعهَا أَكثر، بِخِلَاف الْخَرْدَل والبطم.

8 - (بابُ التَّلْبِينةِ لِلْمَرِيضِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر التلبينة وصنعها للْمَرِيض، وَقد مر فِي كتاب الْأَطْعِمَة: بَاب التلبينة، وَزَاد هُنَا لفظ: للْمَرِيض، وَهِي بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وبالهاء، وَقد يُقَال: بِلَا هَاء، وَقد مر تَفْسِيرهَا هُنَاكَ.

5689 - حدّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخبرنَا عبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا كانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيض ولِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهالِكِ وكانَتْ تَقُولُ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقولُ: إنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ المَرِيضِ وتَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ. (انْظُر الحَدِيث 5417 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْأَطْعِمَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وللمحزون على الْهَالِك) أَي: الْمُصَاب، أَي: أهل الْمَيِّت.

(21/237)


قَوْله: (تجم) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم الْجِيم، ويروى بِضَم أَوله وَكسر ثَانِيه، وهما بِمَعْنى أَي: تريح، والجمام الرَّاحَة ومادته جِيم وَمِيم، وَقيل: مَعْنَاهُ تجمع وتكمل صَلَاحه ونشاطه، وَقَالَ ابْن بطال: ويروى: تخم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: تنقي، والمخمة المكنة. قَوْله: (وَتذهب) من الإذهاب.
وَفِيه: أَن الْجُوع يزِيد الْحزن وَأَن التلبينة تذْهب الْجُوع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يُؤْخَذ الْعَجِين غير خمير فَيخرج مَاؤُهُ وَيجْعَل حسواً، وَهُوَ كثير النَّفْع على قلَّته لِأَنَّهُ لباب لَا يخالطه شَيْء.

5690 - حدّثنا فَرْوَةُ بنُ أبي المَغْراءِ حدَّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ: أنَّها كانَتْ تَأْمُرُ بالتَّلْبِينَةِ، وتَقُولُ: هُوَ البَغِيضُ النَّافِعُ. (انْظُر الحَدِيث 5417 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وفروة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالواو، وَابْن أبي المغراء بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وَالْمدّ الْكِنْدِيّ بالنُّون وَالدَّال الْمُهْملَة، وَعلي بن مسْهر على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإسهار بِالسِّين الْمُهْملَة، قَاضِي الْموصل، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: (هُوَ البغيض) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالمعجمتين على وزن عَظِيم من البغض، يَعْنِي: يبغضه الْمَرِيض مَعَ كَونه يَنْفَعهُ كَسَائِر الْأَدْوِيَة، وَحكى عِيَاض أَنه وَقع فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي بالنُّون بدل الْمُوَحدَة، قَالَ: وَلَا معنى لَهُ هَهُنَا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِي رِوَايَة الشَّيْخ أبي الْحسن: النغيض، بالنُّون وَلَا أعلم لَهُ وَجها. قلت: إِذا كَانَ بالنُّون والغين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة لَهُ وَجه يكون من تنغص الْعَيْش وَهُوَ تكدره.

9 - (بابُ السَّعُوطِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السعوط، وَهُوَ بِفَتْح السِّين: الدَّوَاء يصب فِي الْأنف، وَفِي (تَهْذِيب الْأَزْهَرِي) : السعوط والنشوق والنسوع فِي الْأنف، ولخيته ولخوته وألخيته إِذا سعطته، وَيُقَال: أسعطته وَكَذَلِكَ: وجرته وأجرته، لُغَتَانِ وَأما النشوق فَيُقَال: أنشقته إنشاقاً وَهُوَ طيب السعوط والسعاط والإسعاط وَفِي (الْمُحكم) : سعطه الدَّوَاء يسعطه ويسعطه وَالضَّم أَعلَى وَالصَّاد فِي كل ذَلِك لُغَة عَن اللحياني، وأسعطه أدخلهُ فِي أَنفه، والسعوط اسْم الدَّوَاء والسعيط المسعط، والسعيط دهن الْخَرْدَل والسعيط دهن البان وَفِي (الصِّحَاح) : اسعطته، واستعط هُوَ بِنَفسِهِ، وَفِي (الْجَامِع) : المسعوط والمسعط والسعيط: الرجل الَّذِي يفعل بِهِ ذَلِك، والسعطة الْمرة الْوَاحِدَة من الْفِعْل، والإسعاطة مثلهَا. وَقَالَ أَبُو الْفرج: الإسعاط تَحْصِيل الدّهن أَو غَيره فِي أقْصَى الْأنف سَوَاء كَانَ يجذب النَّفس أَو بالتفريغ فِيهِ.

5691 - حدّثني مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حدَّثنا وهَيْبٌ عَن ابنِ طاُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: احْتَجَمَ وأعْطى الحَجَّامَ أجْرَهُ واستَعَطَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (واستعط) ووهيب هُوَ ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله بن طَاوس.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْإِجَارَة فِي: بَاب خراج الْحجام، عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (واستعط) أَي: اسْتعْمل السعوط، وَهُوَ أَن يستلقي على ظَهره وَيجْعَل بَين كَتفيهِ مَا يرفعهما لينحدر رَأسه ويقطر فِي أَنفه مَاء أَو دهن فِيهِ دَوَاء مُفْرد أَو مركب ليتَمَكَّن بذلك من الْوُصُول إِلَى دماغه لاستخراج مَا فِيهِ من الدَّاء بالعطاس.

10 - (بابُ السَّعُوطِ بالقُسْطِ الهِنْدِيِّ والبَحْرِيِّ وهْوَ الكُسْتُ. مِثْلُ الكافُورِ والقافُورِ مِثْلُ كُشِطَتْ وقُشِطَتْ نُزِعَتْ. وقَرَأ عبْد الله قُشِطَتْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السعوط بِالْقِسْطِ، بِضَم الْقَاف قَالَ الْجَوْهَرِي: عقاقير الْبَحْر، وَقَالَ ابْن السّكيت: الْقَاف بدل من الْكَاف، وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: الكست والكسط والقسط، ثَلَاث لُغَات وَهُوَ جزر الْبَحْر، وَفِي (الْجَامِع) لِابْنِ البيطار: أجوده مَا كَانَ من بِلَاد الْمغرب وَكَانَ أَبيض خَفِيفا، وَهُوَ البحري، وَبعده الَّذِي من بِلَاد الْهِنْد وَهُوَ غليظ أسود خَفِيف مثل الغشاء، وَبعده الَّذِي من بِلَاد سوريا وَهُوَ ثقيل ولونه لون البقس ورائحته ساطعة، وأجودها مَا كَانَ حَدِيثا أَبيض ممتلئاً غير متآكل وَلَا زهم يلْدغ

(21/238)


اللِّسَان وقوته مسخنة مَدَرَة للبول والطمث وينفع من أوجاع الْأَرْحَام إِذا اسْتعْمل، وَذكر لَهُ مَنَافِع كَثِيرَة. قَوْله: (الْهِنْدِيّ والبحري) قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الْقسْط نَوْعَانِ: هندي وَهُوَ أسود، وبحري وَهُوَ أَبيض، والهندي أشدهما حرارة. قَوْله: (وَهُوَ الكست) أَي: الْقسْط بِالْقَافِ هُوَ الكست بِالْكَاف، أَرَادَ أَنه يُقَال بِالْقَافِ وبالكاف لقرب مخرج الْقَاف من مخرج الْكَاف. قَوْله: (مثل الكافور والقافور) . كَمَا يُقَال: الكافور بِالْكَاف وَيُقَال بِالْقَافِ، وَقد مر هَذَا فِي: بَاب الْقسْط للحادة، قَوْله: (مثل كشطت وقشطت) بِمَعْنى كَمَا يُقَال أَيْضا فيهمَا بِالْكَاف وَالْقَاف، كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (نزعت) زَاده النَّسَفِيّ فِي رِوَايَته، وَأَرَادَ بِهِ أَن معنى كشطت نزعت، يُقَال: كشطت الْبَعِير كشطاً نزعت جلده، وَلَا يُقَال: سلخت، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: كشطت الجل عَن ظهر الْفرس أَو الغطاء عَن الشَّيْء إِذا كشفته عَنهُ، والقسط لُغَة فِيهِ، وَفِي قِرَاءَة عبد الله: وَإِذا السَّمَاء قشطت، وَهُوَ معنى قَوْله: قَرَأَ عبد الله: قشطت، أَي عبد الله بن مَسْعُود، وَلم تشتهر هَذِه الْقِرَاءَة.

5692 - حدّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَن عُبَيْد الله عنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ محْصَنٍ، قالَتْ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: عَلَيْكُم بِهاذَا العُودِ الهِنْدِيِّ فإنَّ فِيهِ سبْعَة أشْفِيَةٍ: يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ العُذْرَةِ وَيُلَدُّ بِهِ مِن ذاتِ الجَنْبِ. ودَخَلْتُ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بابْنٍ لِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعامَ فبَالَ علَيْهِ فَدَعَا بِماءٍ فَرَشَّ عَلَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 223) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة، وَأم قيس بنت مُحصن الأَسدِية أَسد خُزَيْمَة كَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول اللَّاتِي بايعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي أُخْت عكاشة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب وَعَن مُحَمَّد بن عتاب. وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَآخَرين. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَغَيره.
قَوْله: (عَلَيْكُم) أَي: إفعلوه، وَهُوَ اسْم للْفِعْل بِمَعْنى: خُذُوا، وَيسْتَعْمل بِالْبَاء وبغيرها، يُقَال: عَلَيْك بزيد، وَعَلَيْك زيدا. قَوْله: (الْعود الْهِنْدِيّ) خشب يُؤْتى بِهِ من بِلَاد الْهِنْد طيب الرَّائِحَة قَابض فِيهِ مرَارَة يسيرَة، وقشره كَأَنَّهُ جلد موشى وَيصْلح إِذا مضغ أَو يمضمض بطبيخه لطيب النكهة، وَإِذا شرب مِنْهُ قدر مِثْقَال نفع من لزوجة الْمعدة وضعفها وَسُكُون لهيبها وَإِذا شرب بِالْمَاءِ نفع من وجع الكبد ووجع الْجنب وقرحة الأمعاء والمغص، وأجود الْعود المندلي ثمَّ الْهِنْدِيّ. قَالَ الشَّافِعِي: الْهِنْدِيّ يفضل على المندلى بِأَنَّهُ لَا يُولد الْقمل. وَالْعود على أَنْوَاع: الْهِنْدِيّ أفضل من الْكل، فَلذَلِك خصّه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالذكر. قَوْله: (سَبْعَة أشفية) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: جمع شِفَاء كأدوية جمع دَوَاء. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: ذكر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَبْعَة أشفية فِي الْقسْط فَسمى مِنْهَا اثْنَيْنِ ووكل بَاقِيهَا إِلَى طلب الْمعرفَة أَو الشُّهْرَة فِيهَا، وَقد عدد الْأَطِبَّاء فِيهَا عدَّة مَنَافِع. فَإِن قلت: إِذا كَانَ فِيهِ كَثْرَة الْمَنَافِع فَمَا وَجه تخصيصها بِسبع؟ قلت: تعْيين السَّبْعَة لما أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمهَا بِالْوَحْي وتحققها وَأما غَيرهَا من الْمَنَافِع فقد علمت بالتجربة، فَذكر مَا علمه بِالْوَحْي دون غَيره، أَو نقُول: إِنَّمَا فصل مِنْهَا مَا دعت الْحَاجة إِلَيْهِ وَسكت عَن غَيره، كَأَنَّهُ لم يبْعَث لبَيَان تفاصيل الطِّبّ وَلَا ليعلم صَنعته، وَقد ذكر الْأَطِبَّاء من مَنَافِع الْقسْط: أَنه يدر الطمث وَالْبَوْل، وَيقتل ديدان الأمعاء، وَيدْفَع السم وَحمى الرّبع والورد، ويسخن الْمعدة، ويحرك شَهْوَة الْجِمَاع، وَيذْهب الكلف طلاء. قَوْله: (من الْعذرَة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسكن الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهُوَ وجع فِي الْحلق يهيج من الدَّم، وَقيل: هِيَ قرحَة تخرج بَين الْأنف وَالْحلق تعرض للصبيان عِنْد طُلُوع الْعذرَة، وَهِي خمس كواكب تَحت الشعرى العبور، ويطلع وسط الْحر، وَفِي (الْمُحكم) : الْعذرَة نجم إِذا طلع اشْتَدَّ الْحر، والعذرة والعاذور دَاء فِي الْحلق، وَرجل مَعْذُور أَصَابَهُ ذَلِك، وَقَالَ ابْن التِّين: هُوَ وجع فِي الْحلق من الدَّم، وَذَلِكَ الْموضع يُسمى: عذرة، وَهُوَ قريب من اللهاة، واللهاة هِيَ اللحمة الْحَمْرَاء الَّتِي فِي آخر الْفَم وَأول الْحلق، وَعَادَة النِّسَاء فِي علاجها أَن تَأْخُذ الْمَرْأَة خرقَة فتفتلها فَتلا شَدِيدا وَتدْخلهَا فِي أنف الصَّبِي وتطعن ذَلِك الْموضع

(21/239)


فينفجر مِنْهُ دم أسود، وَرُبمَا أقرحته، وَذَلِكَ الطعْن يُسمى دغراً. وَمعنى قَوْله فِي الحَدِيث: (تدغرن أَوْلَادكُنَّ) أَنَّهَا تغمز حلق الصَّبِي بإصبعها فَترفع ذَلِك الْموضع وتكبسه. قَوْله: (ويلد بِهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: بِالْقِسْطِ، يُقَال: لدا لرجل فَهُوَ ملدود، واللدود بِفَتْح اللَّام مَا يصب فِي أحد جَانِبي الْفَم. قَوْله: (من ذَات الْجنب) هُوَ ورم فِي الغشاء المستبطن للأضلاع. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: ذَات الْجنب بِالضَّمِّ. قَوْله: (السل) وَفِي (البارع) : هُوَ الَّذِي يطول مَرضه، وَعَن النَّضر: هُوَ الدُّبَيْلَة وَهِي قرحَة تثقب الْبَطن، وَقيل: هِيَ الشوصة، وَفِي (الْمُنْتَهى) : الجناب بِالضَّمِّ دَاء فِي الْجنب.
قَوْله: (وَدخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره، قد مر فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب بَوْل الصّبيان: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن أم قيس بنت مُحصن أَنَّهَا أَتَت بِابْن لَهَا صَغِير لم يَأْكُل الطَّعَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأجلسه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجره فَبَال على ثَوْبه، فَدَعَا بِمَاء فنضحه وَلم يغسلهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

11 - (بابٌ أيَّ ساعَةٍ يَحْتَجِمُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَي، سَاعَة يحتجم فِيهَا، وَالْمرَاد بالساعة مُطلق الزَّمَان لَا السَّاعَة المتعارفة. قَوْله: (أَي) ، بِدُونِ التَّاء رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَيَّة سَاعَة يحتجم، وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن {بِأَيّ أَرض تَمُوت} (لُقْمَان: 34) وَلم تقل: بأية أَرض، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: شبه سِيبَوَيْهٍ تَأْنِيث أَي بتأنيث كل فِي قَوْلهم: كلنهن، وَقَالَ الْكرْمَانِي: غَرَض البُخَارِيّ يَعْنِي: من هَذِه التَّرْجَمَة أَنه لَا كَرَاهَة فِي بعض الْأَيَّام أَو السَّاعَات. قلت: وَقت الْحجامَة فِي أَيَّام الشَّهْر لم يَصح فِيهِ شَيْء عِنْده، فَلذَلِك لم يذكر حَدِيثا وَاحِدًا من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تعْيين الْوَقْت. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من احْتجم لسبع عشرَة وتسع عشرَة وَإِحْدَى وَعشْرين كَانَ شِفَاء من كل دَاء، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحتجم فِي الأخدعين والكاهل، وَكَانَ يحتجم التِّرْمِذِيّ عشرَة وتسع عشرَة وَإِحْدَى وَعشْرين، وَقَالَ: حَدِيث حسن، وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم العَبْد الْحجام يذهب بِالدَّمِ ويخف الصلب ويجلو عَن الْبَصَر، وَإِن خير مَا تحتجمون فِيهِ يَوْم سَبْعَة عشرَة وَيَوْم تِسْعَة عشر وَيَوْم إِحْدَى وَعشْرين، وروى أَبُو نعيم الْحَافِظ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: الْحجامَة فِي الرَّأْس شِفَاء من سبع: الْجُنُون والجذام والبرص وَالنُّعَاس ووجع الأضراس والصداع والظلمة يجدهَا فِي عينه، وَمن حَدِيث بن عمر بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ يرفعهُ: الْحجامَة تزيد فِي الْحِفْظ وَفِي الْعقل وتزيد الْحَافِظ حفظا، فعلى اسْم الله يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم السبت وَيَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الثُّلَاثَاء، وَلَا تحتجموا يَوْم الْأَرْبَعَاء، فَمَا ينزل من جُنُون وَلَا جذام وَلَا برص إلاَّ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث سلمى، خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا كَانَ أحد يشتكي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجعاً فِي رَأسه إلاَّ قَالَ: احْتجم، وَلَا وجعاً فِي رجلَيْهِ إلاَّ قَالَ: اخضبهما.
{واحْتَجَمَ أبُو مُوسَى لَيْلاً} .
أَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه، وَذكره البُخَارِيّ ليدل على أَن الْحجامَة لَا تتَعَيَّن بِوَقْت من النَّهَار أَو اللَّيْل بل يجوز فِي أَي سَاعَة شَاءَ من اللَّيْل أَو النَّهَار.

5694 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عبْدُ الوَارِث حَدثنَا أيُّوبُ عنْ عِكْرمَةَ عَن ابْن عبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ صائِمٌ.
لما ذكر احتجام أبي مُوسَى لَيْلًا ذكر أَيْضا احتجام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَارا، لِأَنَّهُ قَالَ: (احْتجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَائِم) يدل على أَنه كَانَ نَهَارا، وَلم يعين النَّهَار صَرِيحًا، فَدلَّ هَذَا وَالَّذِي قبله أَن الْحجامَة لَا تتَعَيَّن بِوَقْت معِين.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث قد تقدم فِي الصّيام فِي: بَاب الْحجامَة والقيء للصَّائِم، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد وَعين الْمَتْن الْمَذْكُور.

12 - (بابُ الحَجْمِ فِي السَّفَرِ والإحْرَامِ)

(21/240)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحجامَة فِي السّفر وَحَالَة الْإِحْرَام لِلْحَجِّ.
قالهُ ابنُ بُحَيْنَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: قَالَ بالحجم فِي السّفر وَالْإِحْرَام عبد الله بن بُحَيْنَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون، وبحنية اسْم أمه، وَهُوَ عبد الله بن مَالك بن القشب الْأَزْدِيّ من أزدشنوءة، مَاتَ فِي عمل مَرْوَان الآخر على الْمَدِينَة أَيَّام مُعَاوِيَة، وبحينة بنت الْحَارِث بن الْمطلب بن عبد منَاف، وَسَيَجِيءُ حَدِيثه مَوْصُولا عَن قريب.

5695 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْرو عنْ طاوُس وعَطاءِ عَن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُحْرِمٌ.
مطابقته الْجُزْء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، والْحَدِيث قد تقدم فِي الْحَج فِي: بَاب الْحجامَة للْمحرمِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

13 - (بابُ الحِجامَةِ منَ الدَّاءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحجامَة من أجل الدَّاء، وَكلمَة: من تعليلية، وَذكره ابْن بطال: من الدَّوَاء.

5696 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عبدُ الله أخبرنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ سُئِلَ عنْ أجْرِ الحَجَّامِ فَقَالَ: احْتَجَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَجَمَهُ أبُو طَيْبَةَ وأعْطاهُ صاعَيْنِ مِنْ طَعامٍ وكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَفُوا عنهُ. وَقَالَ: إنَّ أمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الحِجامَةُ والقُسْطُ البَحْرِيُّ. وَقَالَ: لاَ تُعَذِّبُوا صبيْانَكُمْ بالْغَمْزِ مِنَ العُذْرَةِ وعلَيْكُمْ بالْقُسْطِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (عَن أجر الْحجام) أَي: عَن أجرته. قَوْله: (أَبُو طيبَة) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة واسْمه نَافِع على الْأَكْثَر، كَانَ مولى لبني بياضة. قَوْله: (من طَعَام) أَي: من قَمح. قَوْله: (فخففوا عَنهُ) أَي: خففوا ضريبته يَعْنِي: خراجه الَّذِي عينوه عَلَيْهِ. قَوْله: (وَقَالَ: إِن أمثل) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَمعنى: إِن أمثل، أَي: إِن أفضل. قَوْله: (الْقسْط) بِضَم الْقَاف وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب. قَوْله: (بالغمز) أَي: بالعصر بالأصابع، كَانَت النِّسَاء يغمزن لهاة الصَّبِي لأجل الْعذرَة، وَقد مر تَفْسِيرهَا أَيْضا. وَالْخطاب فِي (لَا تعذبوا) لأهل الْحجاز، وَمن كَانَ فِي معناهم من أهل الْبِلَاد الحارة لِأَن دِمَاءَهُمْ رقيقَة وتميل إِلَى ظَاهر الْأَبدَان لجذب الْحَرَارَة الْخَارِجَة من أبدانهم إِلَى سطح الْبدن، وَيُؤْخَذ من هَذَا أَيْضا أَن الْخطاب لغير الشُّيُوخ لقلَّة الْحَرَارَة فِي أبدانهم.
وَقد أخرج الطَّبَرِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن سِيرِين قَالَ: إِذا بلغ الرجل أَرْبَعِينَ سنة لم يحتجم، قَالَ بَعضهم: وَهَذَا مَحْمُول على من لم تتَعَيَّن حَاجته إِلَيْهِ، وعَلى من لم يعْتد بِهِ. قلت: هَذَا أَيْضا يتمشى فِيمَن لَا تتَعَيَّن حَاجته إِلَيْهِ من الشبَّان مِمَّن كَانُوا قبل الْأَرْبَعين، وفيمن لَا يعْتد بِهِ مِنْهُم، وَقيل: الْأَطِبَّاء على خلاف مَا قَالَه ابْن سِيرِين، وَقَالَ ابْن سينا فِي أرجوزته المطولة فِي الفصادة.
(وَمن يكن تعود الفصاده ... فَلَا يكن يقطع تِلْكَ الْعَادة)

(لَكِن من قد بلغ الستينا ... وَكَانَ ذَا ضخامة مُبينًا)

(فافصده فِي سنة مرَّتَيْنِ ... وَلَا تحد فِيهِ عَن الْفَصْلَيْنِ)

(إِن بلغ السّبْعين فافصد مره ... وَلَا تزد فِيهِ على ذِي الكره)

(وَإِن يزدْ خمْسا فَفِي العامين ... فِي الباسليق افصده مرَّتَيْنِ)

(وأمنعه بعد ذَاك كل فصد ... فَإِن ذَاك بالشيوخ مردي)

5697 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ تَليدٍ قَالَ: حدّثني ابنُ وهْبِ قَالَ: أخبْرنِي عَمْروٌ وغَيْرُهُ أنَّ بُكَيْرا

(21/241)


ً حدَّثَهُ أنَّ عاصِمَ بنَ عُمَرَ بنِ قَتادَةَ حدَّثَهُ أنَّ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا عادَ المقَنَّعَ ثُمَّ قَالَ: لَا أبْرَحُ حتَّى تَحْتَجِمَ، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: إنَّ فِيهِ شِفاءً.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِن فِيهِ شِفَاء) على مَا لَا يخفى، وَسَعِيد بن تليد. بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ سعيد بن عِيسَى بن تليد نسب إِلَى جده، وَهُوَ مصري، وَثَّقَهُ ابْن يُونُس. قَالَ: وَكَانَ فَقِيها ثبتاً فِي الحَدِيث وَكَانَ يكْتب للقضاة، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعَمْرو هُوَ ابْن الْحَارِث الْمصْرِيّ وَغَيره، قيل: يحْتَمل أَن يكون عبد الله بن لَهِيعَة الْمصْرِيّ، وَبُكَيْر مصغر بكر بن عبد الله بن الْأَشَج.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن أبي نعيم وَإِسْمَاعِيل بن أبان وَأبي الْوَلِيد. وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن هَارُون بن مَعْرُوف وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن وهب بن بَيَان.
قَوْله: (عَاد الْمقنع) بقاف وَنون ثَقيلَة مَفْتُوحَة هُوَ ابْن سِنَان التَّابِعِيّ يَعْنِي: زَارَهُ فِي مَرضه، ثمَّ قَالَ: لَا أَبْرَح، أَي: لَا أخرج من عنْدك حَتَّى تحتجم. قَوْله: إِن فِيهِ شِفَاء، الضَّمِير يرجع إِلَى الحجم الَّذِي يدل عَلَيْهِ. قَوْله: حَتَّى تحتجم.

14 - (بابُ الحِجامَةِ عَلى الرَّأْسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحجامَة على الرَّأْس.

5698 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثنيسُليْمانُ عنْ عَلْقَمَةَ أنَّهُ سَمعَ عَبْدَ الرَّحْمانِ الأعْرَجَ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدِ الله بنَ بُحَيْنَةَ يِحَدِّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احتجَمَ بِلَحْيَيْ جمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَة وهْوَ مُحْرِمٌ فِي وسَطِ رأْسِهِ.

5699 - وَقَالَ الأنْصارِيُّ: أخبرَنا هِشامُ بنُ حَسَّانَ حَدثنَا عِكْرِمَةُ عَن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وعلقمة بن أبي عَلْقَمَة مولى عَائِشَة، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَعبد الله بن بُحَيْنَة مر عَن قريب.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب الْحجامَة للْمحرمِ.
قَوْله: (بِلحي جمل) كَذَا وَقع: بحلي جمل، بالتثنية وَقد ضمى فِي الْحَج بِلحي جمل بِالْإِفْرَادِ بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، والجمل بِفَتْح الْجِيم وَالْمِيم وَهُوَ اسْم مَوضِع، وَقَالَ ابْن وضاح: هِيَ بقْعَة مَعْرُوفَة وَهِي عقبَة الْجحْفَة على سَبْعَة أَمْيَال من السقيا، وَزعم بَعضهم أَنَّهَا الْآلَة الَّتِي احجتم بهَا أَي: احْتجم بِعظم جمل. قلت: الْمُعْتَمد الأول، وَالْبَاء فِيهِ بِمَعْنى: فِي أَي: فِي لحيي جمل، وعَلى الثَّانِي الْبَاء للاستعانة. قَوْله: وَهُوَ محرم جملَة حَالية، قَوْله: وسط رَأسه بِفَتْح السِّين وَيجوز تسكينها وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْحَج. قَوْله: (وَقَالَ الْأنْصَارِيّ) وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس بن مَالك.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي حَاتِم الرَّازِيّ: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ بِلَفْظ: احْتجم وَهُوَ محرم من صداع كَانَ بِهِ أَو دَاء، وَاحْتَجَمَ فِي مَوضِع يُقَال لَهُ: لحي جمل.

15 - (بابُ مَنِ احْتَجَمَ مِنَ الشَّقِيقَةِ والصُّدَاعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من احْتجم من الشَّقِيقَة، وَهِي وجع فِي أحد شقي الرَّأْس، والصداع ألم فِي أَعْضَاء الرَّأْس، وَهُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص، وَقد سَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة من رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَألْحق حَدِيثهمَا فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَهُوَ الْأَوْجه.

5700 - حدّثني مُحَمِّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا ابنُ أبي عَدِيٍّ عنْ هِشامٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَم النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي رأْسِهِ وهْوَ مُحْرِمٌ مِنْ وجَعٍ كانَ بِهِ بِماءٍ يُقالُ لهُ لَحْيَيْ جَمَلٍ. (انْظُر الحَدِيث 1835) .

5701 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَواء: أخبرنَا هِشامٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتَجَمَ وهْوَ مُحْرِمٌ فِي رأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كانَتْ بِهِ.

(21/242)


مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن بشار، بفح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة، وَابْن أبي عدي مُحَمَّد وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ، وَهِشَام هُوَ ابْن حسان.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن عُثْمَان وَلَفظه: احْتجم وَهُوَ محرم فِي رَأسه من دَاء كَانَ بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن أبي دَاوُد.
قَوْله: (من وجع كَانَ بِهِ) والوجع هُوَ الْمُفَسّر فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَهُوَ قَوْله: (من شَقِيقَة كَانَت بِهِ) . قَوْله: (بِمَاء) أَي: فِي مَاء، أَي: فِي منزل فِيهِ مَاء يُقَال لَهُ لحي جمل.
قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد بن سَوَاء) بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْمدّ ابْن عنبر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة السدُوسِي الْبَصْرِيّ وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى حَدِيث مَوْصُول مضى فِي المناقب، وَآخر يَأْتِي فِي الْأَدَب، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو يعلى حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عبد الله الْأَزْدِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَوَاء فَذكره سَوَاء، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يحتجم فِي أَمَاكِن مُخْتَلفَة لاخْتِلَاف أَسبَاب الْحَاجة إِلَيْهَا، وَرُوِيَ أَن حجمه فِي هامته كَانَ لوجع أَصَابَهُ فِي رَأسه من أكله الطَّعَام المسموم بِخَيْبَر. قَوْله: (من شَقِيقَة) على وزن عَظِيمَة قد ذكرنَا مَعْنَاهَا، وَذكر أهل الطِّبّ أَنَّهَا من الْأَمْرَاض المزمنة وسببها أبخرة مُرْتَفعَة أَو أخلاط حارة أَو بَارِدَة ترْتَفع إِلَى الدِّمَاغ، فَإِن لم يجد منفذاً أحدث الصداع، فَإِن مَال إِلَى أحد شقي الرَّأْس أحدث الشَّقِيقَة، وَإِن ملك قمة الرَّأْس أحدث دَاء الْبَيْضَة، وَقد أخرج أَحْمد من حَدِيث بُرَيْدَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ رُبمَا أَخَذته الشَّقِيقَة فيمكث الْيَوْم واليومين وَلَا يخرج.

5702 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ أبانَ حدَّثنا ابنُ الغَسِيل قَالَ: حدّثني عاصمُ بنُ عُمَرَ عنْ جابِرِ بنِ عبْدِ الله قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ: إنْ كانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةَ عَسَلٍ أوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَو لَذْعَةٍ مِنْ نارٍ، وَمَا أُحِبُّ أنْ أكْتَوِيَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَو شرطة محجم) لِأَنَّهُ يتَنَاوَل الاحتجام من الشَّقِيقَة وَغَيرهَا.
وَإِسْمَاعِيل بن أبان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون الْوراق الْكُوفِي، وَابْن الغسيل هُوَ عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان إِلَى آخِره.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب الدَّوَاء بالعسل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

16 - (بابُ الحَلْقِ مِنَ الأذَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حلق الرَّأْس أَو غَيره بِسَبَب الْأَذَى الْحَاصِل.

5703 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجاهِداً عنِ ابنِ أبي لَيْلَى عنْ كَعْبٍ هُوَ ابنُ عُجْرَةَ، قَالَ: أتَى عليَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ وَأَنا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ والقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عنْ راسِي، فَقَالَ: أيُؤْذِيكَ هَوَ امُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَم. قَالَ: فاحْلِقْ وصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّام، أوْ أطعِمْ سِتَّةُ، أَو انْسُكْ نُسِيْكَه.
قَالَ أيُّوبُ: لَا أدْرِي بأيَّتِهِنَّ بَدأ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَاحْلِقْ) وَوجه أيراده فِي بَاب الطِّبّ من حَيْثُ إِن كل مَا يتَأَذَّى بِهِ الْمُؤمن وَإِن ضعف أَذَاهُ يُبَاح لَهُ إِزَالَته وَإِن كَانَ محرما. وَفِيه: معنى التطبب لِأَنَّهُ إِزَالَة الْأَذَى الَّذِي يشابه الْمَرَض، لِأَن كل مرض أَذَى، وتسلط الْقمل على الرَّأْس أَذَى، وكل أَذَى يُبَاح إِزَالَته فالقمل يُبَاح إِزَالَته.
وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن. والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب النّسك شَاة.

17 - (بابُ مَنِ اكْتَوَى أوْ كَوَى غَيْرَهُ وفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اكتوى لنَفسِهِ، أَو كوى غَيره. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْفرق بَينهمَا أَن الأول لنَفسِهِ وَالثَّانِي أَعم مِنْهُ نَحْو اكْتسب لنَفسِهِ وَكسب لَهُ وَلغيره، وَنَحْو اشتوى إِذا اتخذ الشواء لنَفسِهِ، وشوى لَهُ وَلغيره. وللترجمة ثَلَاثَة أَجزَاء فَأَشَارَ بالجزءين الْأَوَّلين إِلَى إِبَاحَة الكي عِنْد الْحَاجة، وَأَشَارَ بالجزء الثَّالِث إِلَى أَن تَرِكَة أفضل عِنْد عدم الْحَاجة إِلَيْهِ.

(21/243)


5704 - حدّثنا أبُو الولِيدِ هِشامُ بنُ عبْدِ المَلِكِ حدَّثنا عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمانَ بنِ الغَسيلِ حَدثنَا عاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جابِراً عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنْ كانَ فِي شَيءٍ مِنْ أدْوِيَتِكُمْ شِفاءٌ فَفِي شَرْطةِ مِحْجَمٍ أوْ لَذْعَةٍ بِنارٍ. وَمَا أُحُبُّ أنْ أكْتَوِيَ.
مُطَابقَة الْجُزْء الثَّالِث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب الدَّوَاء بالعسل، لَكِن هُنَا اقْتصر على شَيْئَيْنِ وَحذف الثَّالِث وَهُوَ الْعَسَل، وَهُنَاكَ ذكر الثَّلَاثَة وَمر الْكَلَام فِيهِ.

5705 - حدّثنا عِمْرانُ بنُ مَيْسَرَةَ حدَّثنا ابنُ فُضَيْلٍ حدَّثنا حُصَيْنٌ عنْ عامِرٍ عنْ عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إلاَّ مِنْ عَيْنٍ أوْ حُمَةٍ، فَذَكَرْتُهُ لسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حدَّثنا ابنُ عَبَّاسٍ، قَالَ، رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُُمَمُ فَجَعَلَ النبيُّ والنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، والنبيُّ لَيْسَ مَعَهُ أحَدٌ حَتَّي رُفِعَ لِي سَوادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ أُُمَّتي هاذِهِ؟ قِيل: هاذَا مُوسَى وقَوْمُهُ. قيلَ: انظُرْ إِلَى الأُُفُقِ، فَإِذا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: أُنْظُرْ هاهُنا وهاهُنا فِي آفاقِ السَّماءِ، فإِِذا سَوَادٌ قَدْ مَلأ الأُُفُقَ، قِيلَ: هاذِهِ أُُمَّتُكَ، ويَدْخُلُ الجَنَّةَ من هاؤلاَءِ سَبْعُونَ ألْفاً بِغَيْرِ حِسابٍ، ثُمَّ دَخَلَ ولَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فأفاضَ القَوْمُ وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّه واتَّبَعْنا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ، أوْ أوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلدُوا فِي الإِسْلاَمِ، فإِِنَّا وُلِدْنَا فِي الجاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَرَج فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ولاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ، وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَالَ عُكَاشَةُ بنُ مِحْصَن: أمِنْهُمْ أَنا يَا رسولَ الله؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقامَ آخَرُ فَقَالَ: أمنْهُمْ أنَا؟ قَالَ: سبَقَكَ بِها عُكَاشَةُ.
مُطَابقَة الْجُزْء الثَّالِث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعمْرَان بن ميسرَة ضد الميمنة وَابْن فُضَيْل هُوَ مُحَمَّد بن فُضَيْل مصغر الْفضل بالضاد الْمُعْجَمَة الضَّبِّيّ، وحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ، وعامر هُوَ ابْن شرَاحِيل الشّعبِيّ.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب وَفَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأخرجه أَيْضا فِي الرقَاق عَن أَسد بن زيد وَعَن إِسْحَاق عَن روح. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن سعيد بن مَنْصُور وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أبي حُصَيْن وَلَفظه: لما أسرِي بِالنَّبِيِّ جعل يمر بِالنَّبِيِّ والنبيين وَمَعَهُمْ الْقَوْم، وَالنَّبِيّ والنبيين وَمَعَهُمْ الرَّهْط، فَذكره بِطُولِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن أبي حُصَيْن بِهِ.
وَفِي (التَّلْوِيح) فِي هَذَا عِلَّتَانِ.
(الأولى) انْقِطَاع مَا بَين عَامر الشّعبِيّ وَعمْرَان، قَالَ البُخَارِيّ فِي بعض نسخ كِتَابه: استفدنا من هَذَا أَن حَدِيث عمرَان مُرْسل، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس مُسْند.
الثَّانِيَة: هُوَ مَعَ إرْسَاله مَوْقُوف، وَالْوَقْف عِلّة عِنْد جمَاعَة من الْعلمَاء وَإِن كَانَ أَبُو دَاوُد لما رَوَاهُ عَن مُسَدّد حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد عَن مَالك بن مغول عَن حُصَيْن عَن الشّعبِيّ عَن عمرَان رَفعه، فَقَالَ. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا رقية إلاَّ من عين أَو حمة، فَكَأَنَّهُ غفل عَن الْعلَّة فِيهِ، وَتَبعهُ فِيمَا أرى التِّرْمِذِيّ لما رَوَاهُ من طَرِيق سُفْيَان عَن حُصَيْن، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن حُصَيْن عَن الشّعبِيّ عَن بُرَيْدَة بِهِ مَرْفُوعا. وَأما مُسلم فَإِنَّهُ لما رَوَاهُ من حَدِيث هشيم عَن حُصَيْن وَقفه، وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث أنس بن مَالك مَرْفُوعا أَنه رخص فِي الرّقية من الْعين والحمة والنملة، وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث سهل بن حنيف مَرْفُوعا: لَا رقية إلاّ من نفس أَو حمة أَو لدغة. انْتهى.
قَوْله: (لَا رقية) بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْقَاف وَهِي العوذة الَّتِي يرقى بهَا صَاحب الآفة كالحمى والصرع وَغير ذَلِك من الْآفَات. قَوْله: (إلاَّ من عين) هُوَ إِصَابَة العائن غَيره بِعَيْنِه، وهوأن يتعجب الشَّخْص من الشَّيْء حِين يرَاهُ فيتضرر ذَلِك الشَّيْء مِنْهُ. قَوْله: (أَو حمة) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم المخففة وَهُوَ السم، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: حمة الْعَقْرَب سمها وضرها. وَقَالَ ابْن سَيّده: هِيَ الإبرة

(21/244)


الَّتِي تضرب بهَا الْعَقْرَب والزنبور، وأصل حمة حمو أَو حمى، وَالْهَاء عوض عَن الْوَاو أَو الْيَاء وَجَمعهَا: حمون وحمات، كَمَا قَالُوا برة وبرون وبرأت، قَالَه كرَاع. وَقَالَ: كَأَنَّهَا مَأْخُوذَة من حميت النَّار تحمى إِذا اشتدت حَرَارَتهَا، وَفِي (كتاب اليواقيت) للمطرزي: حمة بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ الجاحظ: من سمى إبرة الْعَقْرَب حمة فقد أَخطَأ، وَإِنَّمَا الْحمة سموم ذَوَات الشّعْر: كالدبر وَذَوَات الأنياب والأسنان كالأفاعي وَسَائِر الْحَيَّات، وكسموم ذَوَات الإبر من العقارب، وَمعنى قَول سهل بن حنيف: إلاَّ من نفس، هُوَ الْعين يُقَال: أَصَابَت فلَانا نفس أَي: عين، والنملة فِي حَدِيث أنس قُرُوح تخرج فِي الْجنب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث جَوَاز الرّقية، وَفِي بَعْضهَا النَّهْي. وَالْأَحَادِيث فِي الْقسمَيْنِ كَثِيرَة، وَوجه الْجمع بَينهمَا أَن الرقى يكره مِنْهَا مَا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَبِغير أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته وَكَلَامه فِي كتبه الْمنزلَة، وَأَن يعْتَقد أَن الرقيا نافعة لَا محَالة فيتكل عَلَيْهَا، وَإِيَّاهَا أَرَادَ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا توكل من استرقى، وَلَا يكره مِنْهَا مَا كَانَ بِخِلَاف ذَلِك كالتعوذ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاء الله والرقى المروية، وَقَالَ أَيْضا: معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا رقية إلاَّ من عين أَو حمة، لَا رقية أولى وأنفع، وَهَذَا كَمَا قيل: لَا فَتى إِلَّا عَليّ، وَقد أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير وَاحِد من الصَّحَابَة بالرقية، وَسمع بِجَمَاعَة يرقون فَلم يُنكر عَلَيْهِم. وَقَالَ الْخطابِيّ: لم يرد بِهِ حصر الرّقية الْجَائِزَة فيهمَا، وَإِنَّمَا المُرَاد: لَا رقية أَحَق وَأولى من رقية الْعين والحمة لشدَّة الضَّرَر فيهمَا. قَوْله: (فَذَكرته لسَعِيد بن جُبَير) الْقَائِل بذلك هُوَ حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (وَمَعَهُمْ الرَّهْط) وَهُوَ من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة. وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين، وَلَا يكون فيهم امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على أرهط وأرهاط، وأراهط جمع الْجمع. قَوْله: (وَالنَّبِيّ لَيْسَ مَعَه أحد) قيل: النَّبِي هُوَ الْمخبر عَن الله لِلْخلقِ فَأَيْنَ الَّذين أخْبرهُم؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ رُبمَا أخبروا لم يُؤمن بِهِ أحد وَلَا يكون مَعَه إلاَّ الْمُؤمن. قَوْله: (حَتَّى رفع لي سَواد) هَذَا رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى رفع، بالراء وَالْفَاء وبلفظ لي، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَتَّى وَقع فِي سَواد، بواو وقاف وبلفظ: فِي قَوْله: (بِغَيْر حِسَاب) قيل: هَل يدْخلُونَ وَإِن كَانُوا أَصْحَاب معاصي ومظالم؟ وَأجِيب: بِأَن الَّذين كَانُوا بِهَذِهِ الْأَوْصَاف الْأَرْبَعَة لَا يكونُونَ إلاَّ عُدُولًا مطهرين من الذُّنُوب، أَو ببركة هَذِه الصِّفَات يغْفر الله لَهُم وَيَعْفُو عَنْهُم. قَوْله: (ثمَّ دخل) أَي: الْحُجْرَة وَلم يبين للصحابة من السبعون. قَوْله: (فَأَفَاضَ الْقَوْم) وَيُقَال: أَفَاضَ الْقَوْم فِي الحَدِيث إِذا انْدَفَعُوا فِيهِ وناظروا عَلَيْهِ. قَوْله: (هم الَّذين لَا يسْتَرقونَ) قَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: يُرِيد بالاسترقاء الَّذِي كَانُوا يسْتَرقونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة، غ وَأما الاسترقاء بِكِتَاب الله فقد فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر بِهِ وَلَيْسَ بمخرج عَن التَّوَكُّل. قَوْله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أَي: لَا يتشاءمون بالطيور وَنَحْوهَا كَمَا كَانَت عَادَتهم قبل الْإِسْلَام، والطيرة مَا يكون فِي الشَّرّ والفأل مَا يكون فِي الْخَيْر، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الفأل. قَوْله: (وَلَا يَكْتَوُونَ) يَعْنِي: لَا يَعْتَقِدُونَ أَن الشِّفَاء من الكي كَمَا كَانَ عَلَيْهِ اعْتِقَاد أهل الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ) والتوكل تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى فِي تَرْتِيب المسببات على الْأَسْبَاب. قَوْله: (أَمنهم أَنا؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على وَجه الاستخبار والاستعلام. قَوْله: (فَقَامَ آخر) قَالَ الْخَطِيب: هَذَا الرجل سعد بن عبَادَة، وَقيل: إِن الرجل الثَّانِي كَانَ منافقاً فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التسر لَهُ والإبقاء عَلَيْهِ لَعَلَّه أَن يَتُوب فَرده ردا جميلاً. قَالَ الْكرْمَانِي: لَو صَحَّ هَذَا بَطل قَول الْخَطِيب، وَالله أعلم. قَوْله: (سَبَقَك بهَا عكاشة) أَي: فِي الْفضل إِلَى منزلَة أَصْحَاب هَذِه الْأَوْصَاف الْأَرْبَعَة. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون سَبَقَك عكاشة بِوَحْي أَنه يُجَاب فِيهِ. وَلم يحصل ذَلِك للْآخر.

18 - (بابُ الإِثْمِدِ: والكُحْلِ مِنَ الرَّمَد)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الإثمد، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْمِيم وبالدال المهلمة، وَحكي ضم الْهمزَة وَهُوَ حجر يكتحل بِهِ. وَفِي (الْمُحكم) : هُوَ حجر يتَّخذ مِنْهُ الْكحل، وَقيل: هُوَ نفس الْكحل وَقد عطف البُخَارِيّ الْكحل على الإثمد فَدلَّ على أَن الْكحل غير الإثمد، والإثمد هُوَ حجر مَعْرُوف يكتحل بِهِ بعد صحنه كَمَا يَنْبَغِي، والكحل أَعم من الإثمد وَمن غَيره، فعلى هَذَا يكون من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص. قَوْله: (من الرمد) أَي: من عِلّة الرمد وَكلمَة من تعليلية والرمد بِفتْحَتَيْنِ: ورم حَار يعرض فِي الطَّبَقَة الملتحمة من الْعين وَهُوَ بياضها الظَّاهِر وَسَببه انصباب أحد الأخلاط أَو أبخرة

(21/245)


تصعد من الْمعدة إِلَى الدِّمَاغ، فَإِن انْدفع إِلَى الخياشيم أحدث الزُّكَام أَو إِلَى الْعين أحدث الرمد أَو إِلَى اللهات والمنخزين أحدث الخنان، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالنُّون أَو إِلَى الصَّدْر أحدث النزلة أَو إِلَى الْقلب أحدث الشوصة وَإِن لم ينحدر وَطلب نفاذاً وَلم يجد أحدث الصداع.
فِيه أُُمُّ عَطِيَّةَ.
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أم عَطِيَّة، وَاسْمهَا نسيبة بنت كَعْب، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى حَدِيثهَا الَّذِي أخرجه فِي كتاب الطَّلَاق فِي: بَاب الْقسْط للحادة، أخرجه عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة، قَالَت: كُنَّا ننهى أَن نحد على ميت فَوق ثَلَاث إلاَّ على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَلَا نكتحل الحَدِيث وَأخرج أَيْضا بعضه من حَدِيثهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد فَوق ثَلَاث إلاَّ على زوج وَلَا تكتحل الحَدِيث. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث أم عَطِيَّة بِطرقِهِ ذكر للإثمد! قلت: كَأَن البُخَارِيّ اعْتمد على أَن الإثمد يدْخل فِي غَالب الأكحال لاسيما أكحال الْعَرَب، وَأما ذكره والتنصيص عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لم يَصح على شَرطه، وَقد ذكر ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِن خير أكحالكم الإثمد يجلو الْبَصَر وينبت الشّعْر، وَعند التِّرْمِذِيّ محسناً: اكتحلوا بالإثمد فَإِنَّهُ يجلو الْبَصَر وينبت الشّعْر، وَكَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكحلة يكتحل مِنْهَا كل لَيْلَة ثَلَاثَة فِي هَذِه وَثَلَاثَة فِي هَذِه، وَفِي رِوَايَة: وثنتين فِي الْيُسْرَى، وَفِي (الْعِلَل الْكَبِير) : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ حَدِيث مَحْفُوظ.

5706 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْياى عنْ شُعْبَةَ قَالَ: حدّثني حُميْدُ بنُ نافِعٍ عنْ زَيْنَبَ عنْ أُُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله عَنْهَا أنَّ امْرَأةً تُوُفِّيَ زَوْجُها فَاشْتَكَتْ عَيْنَها، فَذَكَرُوها لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذَكَرُوا لهُ الكُحْلَ وَأنَّهُ يُخافُ عَلى عَيْنِها، فَقَالَ: لَقَدْ كانَتْ إحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي بَيْتِها فِي شَرِّ أحْلاَسِها، أوْ: فِي أحْلاَسِها فِي شَرِّ بَيْتِها فَإِذا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بَعْرَةً فَلا أرْبعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً. (انْظُر الحَدِيث: 5336 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَذكروا لَهُ الْكحل) وَلَيْسَ فِيهِ ذكر للإثمد، كَمَا ذكرنَا الْآن.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَزَيْنَب هِيَ بنت أم سَلمَة وأبوها أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي، وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب، سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمعت أمهَا أم سَلمَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الطَّلَاق فِي: بَاب الْكحل للحادة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة عَن حميد عَن نَافِع عَن زَيْنَب ابْنة أم سَلمَة عَن أمهَا: أَن امْرَأَة ... الحَدِيث.
قَوْله: (فاشتكت عينهَا) بِالرَّفْع وَالنّصب. وَقَوله: (فِي شَرّ أحلاسها) جمع حلْس بِالْكَسْرِ وَهُوَ كسَاء للبعير يكون تَحت البردعة، وَالْمرَاد هُنَا من شَرّ أحلاسها مَا يبسط تَحت الثِّيَاب، قَالَه الْجَوْهَرِي وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الثِّيَاب الَّتِي تلبس، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة اعْتِدَاد الْمَرْأَة هُوَ أَن تمكث فِي بَيتهَا فِي شَرّ ثِيَابهَا سنة، فَإِذا مر كلب بعد ذَلِك رمت ببعرة إِلَيْهِ يَعْنِي: أَن مكثها هَذِه السّنة أَهْون عِنْدهَا من هَذِه البعرة ورميها. قَوْله: (فَلَا) تكتحل حَتَّى تمْضِي أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَتَكون: لَا هَذِه لنفي الْجِنْس نَحْو: لَا غُلَام رجل، والاستفهام الإنكاري مُقَدّر، فَافْهَم.

19 - (بابُ الجُذَامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الجذام، وَأَنه مِمَّا يفر من الَّذِي بِهِ الجذام، وَهُوَ بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة: عِلّة يحمر بهَا اللَّحْم ثمَّ يَنْقَطِع ويتناثر، وَقيل: هُوَ عِلّة تحدث من انتشار السَّوْدَاء فِي الْبدن كُله بِحَيْثُ يفْسد مزاج الْأَعْضَاء وهيآتها، وَقَالَ ابْن سيدة: سمي بذلك لتجذم الْأَصَابِع وتقطعها.

5707 - وَقَالَ عَفَّانُ: حدّثنا سَلِيمُ بنُ حَيَّانَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ ميناءَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هامَةَ وَلَا صَفَرَ، وفِرَّ مِنَ المَجْذومِ كَما تَفِرُّ مِنَ الأسَد. .

(21/246)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فر من المجذوم) وَعَفَّان هُوَ ابْن مُسلم الصفار وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ، وَلَكِن أَكثر مَا يخرج عَنهُ بِوَاسِطَة، وَهَذَا تَعْلِيق صَحِيح وَقد جزم أَبُو نعيم أَنه أخرجه عَنهُ بِلَا رِوَايَة، وعَلى طَريقَة ابْن الصّلاح يكون مَوْصُولا، وَوَصله أَبُو نعيم من طَرِيق أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو قُتَيْبَة مُسلم بن قُتَيْبَة كِلَاهُمَا عَن سليم بن حَيَّان شيخ عَفَّان فِيهِ، وسليم بِفَتْح السِّين المهلمة وَكسر اللَّام ابْن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَسَعِيد بن ميناء بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون بِالْمدِّ وَالْقصر.
والْحَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان بِزِيَادَة: وَلَا نوء، وروى أَبُو نعيم من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اتَّقوا المجذوم كَمَا يَتَّقِي الْأسد، وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي أوفى: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كلم المجذوم وَبَيْنك وَبَينه قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ) . فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بيد مجذوم فَأدْخلهُ مَعَه فِي الْقَصعَة، ثمَّ قَالَ: (كل بِسم الله، وثقة بِاللَّه، وتوكلاً عَلَيْهِ) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: غَرِيب، فَكيف وَجه الْجمع بَين هَذَا وَبَين حَدِيث الْبَاب؟ قلت: أُجِيب بأجوبة: مِنْهَا: أَن هَذَا الحَدِيث لَا يُقَاوم حَدِيث الْبَاب، والمعارضة لَا تكون إلاَّ مَعَ التَّسَاوِي. الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْكُل مَعَه، وَإِنَّمَا أذن لَهُ بِالْأَكْلِ، ذكره الكلاباذي. وَالثَّالِث: على تَقْدِير أكله مَعَه أَن هَذِه الْأَمْرَاض لَا تعدِي بطبعها، وَلَكِن الله تَعَالَى جعل مُخَالطَة الْمَرِيض بهَا للصحيح سَببا لإعدائه مَرضه، ثمَّ قد يتَخَلَّف ذَلِك عَن سَببه كَمَا فِي سَائِر الْأَسْبَاب. فَفِي الحَدِيث الأول نفي مَا كَانَ يَعْتَقِدهُ الجاهلي من أَن ذَلِك يعدي بطبعه، وَلِهَذَا قَالَ: فَمن أعدى الأول؟ وَفِي قَوْله: (فر من المجذوم) أعلم أَن الله تَعَالَى جعل ذَلِك سَببا، فحذَّر من الضَّرَر الَّذِي يغلب وجوده عِنْد وجوده بِفعل الله عز وَجل. الرَّابِع: مَا قَالَه عِيَاض: اخْتلفت الْآثَار فِي المجذوم، فجَاء عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل مَعَ مجذوم، وَقَالَ: ثِقَة بِاللَّه وتوكلاً عَلَيْهِ، قَالَ: فَذهب عمر رَضِي الله عَنهُ وَجَمَاعَة من السّلف إِلَى الْأكل مَعَه، وَرَأَوا أَن الْأَمر باجتنابه مَنْسُوخ، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك عِيسَى بن دِينَار من الْمَالِكِيَّة. (الْخَامِس) مَا قَالَه الطَّبَرِيّ: اخْتلف السّلف فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث، فَأنْكر بَعضهم أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بالبعد من ذِي عاهة جذاماً كَانَ أَو غَيره، قَالُوا: قد أكل مَعَ مجذوم وَأَقْعَدَهُ مَعَه، وَفعله أَصْحَابه المهديون، وَكَانَ ابْن عمر وسلمان يصنعان الطَّعَام للمجذومين ويأكلان مَعَهم، وَعَن عَائِشَة: أَن امْرَأَة سَأَلتهَا أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (فر من المجذوم فرارك من الْأسد؟ فَقَالَت عَائِشَة: كلا وَالله، وَلكنه قَالَ: لَا عدوى، وَقَالَ: فَمن أعدى الأول؟ وَكَانَ مولى لنا أَصَابَهُ ذَلِك الدَّاء فَكَانَ يَأْكُل فِي صحافي وَيشْرب فِي أقداحي وينام على فِرَاشِي) . قَالُوا: وَقد أبطل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَدْوى (السَّادِس) مَا قَالَه بَعضهم: إِن الْخَبَر صَحِيح، وَأمره بالفرار مِنْهُ لنَهْيه عَن النّظر إِلَيْهِ.
قَوْله: (لَا عدوى) هُوَ اسْم من الإعداء كالرعوى والبقوي من الإرعاء والإبقاء، يُقَال: أعداه الدَّاء يعديه إعداء وَهُوَ أَن يُصِيبهُ مثل مَا يصاحب الدَّاء، وَكَانُوا يظنون أَن الْمَرَض بِنَفسِهِ يعدي فأعلمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْأَمر لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الله عز وَجل هُوَ الَّذِي يمرض وَينزل الدَّاء، وَلِهَذَا قَالَ: فَمن أعدى الأول؟ أَي: من أَيْن صَار فِيهِ الجرب. قَوْله: (وَلَا طيرة) بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْيَاء وَقد تسكن هِيَ التشاؤم بالشَّيْء، وَهُوَ مصدر تطير يُقَال: تطير طيرة وتحير حيرة، وَلم يَجِيء من المصادر هَكَذَا غَيرهمَا، وَأَصله فِيمَا يُقَال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وَغَيرهمَا، وَكَانَ ذَلِك يصدهم عَن مقاصدهم، فنفاه الشَّرْع وأبطله وَنهى عَنهُ، وَأخْبر أَنه لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي جلب نفع أَو دفع ضرّ. قَوْله: (وَلَا هَامة) الهامة الرَّأْس وَاسم طَائِر وَهُوَ المُرَاد فِي الحَدِيث، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يتشاءمون بهَا وَهِي من طير اللَّيْل، وَقيل: هِيَ البومة، وَقيل: كَانَت الْعَرَب تزْعم أَن روح الْقَتِيل الَّذِي لَا يدْرك بثأره يصير هَامة فَيَقُول: اسقوني اسقوني، فَإِذا أدْرك بثأره طارت، وَقيل: كَانُوا يَزْعمُونَ أَن عِظَام الْمَيِّت وَقيل: روحه تصير هَامة فتطير ويسمونه: الصدى، فنفاه الْإِسْلَام ونهاهم عَنهُ، وَذكره الْهَرَوِيّ فِي الْهَاء وَالْوَاو، وَذكره الْجَوْهَرِي فِي الْهَاء وَالْيَاء. قَوْله: (وَلَا صفر) كَانَت الْعَرَب تزْعم أَن فِي الْبَطن حَيَّة يُقَال لَهَا: الصفر، تصيب الْإِنْسَان إِذا جَاع وتؤذيه، وَإِنَّهَا تعدِي فَأبْطل الْإِسْلَام ذَلِك، وَقيل: أَرَادَ بِهِ النسيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ تَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر ويجعلون صفر هُوَ الشَّهْر الْحَرَام، فأبطله الْإِسْلَام. قَوْله: (فر) من فر يفر من بَاب ضرب يضْرب، وَيجوز فِيهِ فتح الرَّاء وَكسرهَا، وَيجوز الفك أَيْضا على مَا عرف فِي علم الصّرْف. قَوْله: (كَمَا تَفِر) كلمة مَا مَصْدَرِيَّة أَي: كفرارك من الْأسد.

20 - (بابٌ المنُّ شِفاءٌ لِلْعَيْنِ)

(21/247)


أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: الْمَنّ شِفَاء للعين، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة االأكثرين بِاللَّامِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: شِفَاء من الْعين، وَوَجهه أَن الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره: الْمَنّ شِفَاء من دَاء الْعين مثل: {واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: 82) أَي: أهل الْقرْيَة، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْلهم: الْمَنّ الْمصدر الَّذِي هُوَ الامتنان، بل المُرَاد بِهِ هُوَ الْعَسَل الحلو الَّذِي ينزل من السَّمَاء على شجر فَيُؤْخَذ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ ينزل من السَّمَاء على بني إِسْرَائِيل، وَوجه كَونه شِفَاء للعين أَنه يُربي بِهِ الْكحل والتوتيا وَنَحْوهمَا مِمَّا يكتحل بِهِ فينتفع بذلك، وَلَيْسَ بِأَن يكتحل بِهِ وَحده لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْعين ويقذيها.

5708 - حدّثنا مُحمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ المَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرو بنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعيدَ بنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: الكَمْأةُ مِنَ المَنِّ وماؤها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث: 4478 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الكمأة لما كَانَت من الْمَنّ وَأَن ماءها شِفَاء للعين كَانَ الْمَنّ أَيْضا شِفَاء للعين لِأَنَّهُ الَّذِي ثَبت للفرع فثبوته للْأَصْل بِالطَّرِيقِ الأولى. وَأما معنى كَون الكمأة من الْمَنّ فَهُوَ أَن الْمَنّ ينزل من السَّمَاء عفوا بِلَا علاج، وَكَذَلِكَ الكمأة لَا مُؤنَة فِيهَا ببذر وَلَا سقِِي، وَيُقَال: المُرَاد بِالْعينِ الَّتِي هِيَ النظرة للشَّيْء يتعجب مِنْهُ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة من روى: شِفَاء من الْعين.
وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا هُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر وَقد صرح بِهِ أَحْمد فِي رِوَايَته عَن غنْدر، وَعَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي الصَّحَابِيّ، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل الْعَدوي أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَقد مر الحَدِيث فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ من أَن الكمأة جمع وَاحِدهَا (كمء) على غير قِيَاس، وَهُوَ من النَّوَادِر.
قَالَ شُعْبَةُ وَأَخْبرنِي الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ عنِ الحَسَنِ العُرَنِيِّ عنْ عَمْرو بنِ حُرَيْث عنْ سَعيدِ بنِ زَيْدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حدَّثني بِهِ الحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المَلِك.
قَوْله: (قَالَ شُعْبَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَالَ شُعْبَة، بواو الْعَطف وَصورته صُورَة التَّعْلِيق.
وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب، وَالْحسن العرني بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالنون هُوَ ابْن عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالْعجلِي وَابْن سعد، وَقَالَ يحيى بن معِين: صَدُوق وَمَاله فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع.
قَوْله: (لم أنكرهُ من حَدِيث عبد الْملك) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن عبد الْملك لما كبر وَتغَير حفظه توقف شُعْبَة فِي حَدِيثه، فَلَمَّا تَابعه الحكم فِي رِوَايَته ثَبت عِنْد شُعْبَة فَلم يُنكره، وانتفى عَنهُ التَّوَقُّف. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم أنكرهُ، أَي: مَا أنْكرت على الحكم من جِهَة مَا حَدثنِي بِهِ عبد الْملك، وَذَلِكَ لِأَن الحكم روى مُعَنْعنًا وَعبد الْملك بِلَفْظ: سَمِعت أوَ لِأَن الحكم مُدَلّس، فَلَمَّا تقوى بِرِوَايَة عبد الْملك لم يبْق مَحل للإنكار، أَو مَعْنَاهُ: لم يكن الحَدِيث منكوراً أَي: مَجْهُولا لي من جِهَة أَنِّي كنت حفظته من عبد الْملك، فعلى الأول الضَّمِير للْحكم، وَهُوَ بِمَعْنى الْإِنْكَار، وعَلى الثَّانِي للْحَدِيث، وَهُوَ من النكرَة ضد الْمعرفَة، وَيحْتَمل الْعَكْس بِأَن يُرَاد: لم أنكر شَيْئا من حَدِيث عبد الْملك.

21 - (بابُ اللدُودِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اللدود، بِفَتْح اللَّام وبدالين مهملتين الأولى مضومة وَهُوَ الَّذِي يصب من أحد جَانِبي فَم الْمَرِيض، يُقَال: لددت الْمَرِيض لداً ألقيت الدَّوَاء فِي شقّ فِيهِ، وَهُوَ التحنيك بالإصبع كَمَا قَالَ سُفْيَان.

5709 - 5710 5711 ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا يَحْياى بنُ سَعيدٍ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ: حدّثني مُوسَى بنُ أبي عائِشةَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ عبْدِ الله عنِ ابنِ عبَّاسٍ وعائِشَةَ أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ قَبَّلَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مَيِّتٌ. 5709 (انْظُر الحَدِيث: 4456) ، 571
5712 - قَالَ: وقالَتْ عائِشَةُ: لَدَدْناهُ فِي مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشيرُ إلَيْنا أنْ لَا تَلُدُّونِي. فَقُلْنا: كَراهِيَةُ المَرِيضِ

(21/248)


لِلدَّواءِ فَلمَّا أفاقَ قَالَ: ألَمْ أنهَكُمْ أنْ تَلُدُّونِي؟ قلْنا: كَراهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّواءِ. فَقَالَ: لاَ يَبْقاى فِي البَيْتِ أحَدٌ إلاَّ لُدَّ وَأَنا أنْظُرُ إلاَّ العَبَّاسَ فإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، ويحيىِ بن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، ومُوسَى بن أبي عَائِشَة الْكُوفِي، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووفاته، عَن عَليّ عَن يحيى، وَمر الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (لَا تلدوني) بِضَم اللَّام وَكسرهَا. قَوْله: (كَرَاهِيَة الْمَرِيض) بِالنّصب وبالرفع. قَوْله: (وَأَنا أنظر) جملَة حَالية أَي: لَا يبْقى أحد فِي الْبَيْت إلاَّ يلد فِي حضوري، وَحَال نَظَرِي إِلَيْهِم مُكَافَأَة لفعلهم، أَو عُقُوبَة لَهُم حَيْثُ خالفوا إِشَارَته فِي اللد بِنَحْوِ مَا فَعَلُوهُ بِهِ. قَوْله: (لم يشهدكم) أَي: لم يحضركم حَالَة الْأَمر.

5713 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنِ الزُّهْرِيِّ أخْبرِني عَبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله عنْ أُُمِّ قَيْسٍ، قالَتْ: دَخَلْتُ بابْنٍ لِي عَلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ أعْلقْتُ عَليهِ مِنَ العُذْرَةِ، فقالَ: عَلَى مَا تدْغَرْنَ أوْلادَكُنَّ بِهاذا العلاَقِ؟ عَليْكُنَّ بِهاذَا العُودِ الهِندِيِّ فإِنَّ فِيهِ سبْعَةَ أشْفِيَةٍ مِنْها ذاتُ الجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ العُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذاتِ الجَنْبِ، فَسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنا اثْنَيْنِ ولَمْ يُبَيِّنْ لَنا خَمْسَةً. قُلْتُ لِسُفْيانَ: فإِنَّ مَعْمَراً يَقُولُ: أعْلَقْتُ عَلَيْهِ. قَالَ: لَمْ يَحْفَظْ، إِنَّمَا قَالَ: أعْلَقْتُ عَنْهُ حَفِظتُهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ، وَوَصَفَ سُفْيانُ الغُلامَ يُحَنَّكُ بالإِصْبَعِ. وأدْخَلَ سُفْيانُ فِي حَنَكِهِ إنَّما يَعْني رَفْعَ حَنَكِهِ بإِصْبَعِهِ ولَمْ يَقُلْ: اعْلِقُوا عَنْهُ شَيْئاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ويلد من ذَات الْجنب) وَحَدِيث أم قيس قد مر عَن قريب فِي: بَاب السعوط بِالْقِسْطِ الْهِنْدِيّ، وَلَكِن هُنَا أتم مِنْهُ.
قَوْله: (أعلقت عَلَيْهِ) من الإعلاق بِالْعينِ الْمُهْملَة وَهُوَ معالجة عذرة الصَّبِي ورفعها بالإصبع، والعذرة بِضَم الْعين المهلمة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء وجع الْحلق، وَذَلِكَ الْموضع أَيْضا يُسمى عذرة، يُقَال: أعلقت عَنهُ أمه إِذا فعلت ذَلِك بِهِ وغمزت ذَلِك الْمَكَان بإصبعها. قَوْله: (تدغرن) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة من الدغر بِالدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء، وَهُوَ رفع لهاة الْمَعْذُور، وأصل الدغر الرّفْع. قَوْله: (العلاق) بِكَسْر الْعين وَفتحهَا، ويروى: بِهَذَا الإعلاق، مصدر وَمَعْنَاهُ: إِزَالَة الْعلُوق وَهِي الداهية والآفة. قَوْله: (ويسعط من الْعذرَة) يُقَال: سعطته وأسعطته فاستعط، وَالِاسْم: السعوط، بِالْفَتْح وَهُوَ مَا يَجْعَل من الدَّوَاء فِي الْأنف: ويسعط، على بِنَاء الْمَجْهُول، وَكَذَلِكَ قَوْله: (ويلد) قَوْله: (من ذَات الْجنب) قد مر تَفْسِيره. قَوْله: (فَسمِعت الزُّهْرِيّ) الْقَائِل سُفْيَان. قَوْله: (بَين لنا) أَي: بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَيْنِ وهما اللدود والسعوط، وَلم يبين الْخَمْسَة الْبَاقِيَة من السَّبْعَة، وَقَالَ التَّيْمِيّ: قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: قَالَ سُفْيَان: بيّن لنا الزُّهْرِيّ اثْنَيْنِ. قَوْله: (قلت لِسُفْيَان) الْقَائِل هُوَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ. قَوْله: (معمراً) بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد يَقُول: أعلقت عَلَيْهِ. قَوْله: (قَالَ: لم يحفظ) أعلقت عَلَيْهِ أَي: قَالَ سُفْيَان: لم يحفظ أعلقت عَلَيْهِ بل أعلقت عَنهُ حفظته من فِي الزُّهْرِيّ، أَي: من فَمه، وَقَالَ الْخطابِيّ: صَوَابه مَا حفظه سُفْيَان، وَقد يَجِيء: على، بِمَعْنى: عَن. قَالَ تَعَالَى: {إِذا اكتالوا على النَّاس} (المطففين: 2) . أَي: عَنْهُم، وَقَالَ ابْن بطال: الصَّحِيح أعلقت عَنهُ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: أعلقت عَنهُ وَعَلِيهِ لُغَتَانِ. قَوْله: (وَوصف سُفْيَان) غَرَضه من هَذَا الْكَلَام التَّنْبِيه على أَن الأعلاق هُوَ رفع الحنك لَا تَعْلِيق شَيْء مِنْهُ على مَا هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن، وَنعم التَّنْبِيه.

22 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع: بَاب، مُجَردا عَن التَّرْجَمَة، وَلم يذكر ابْن بطال لفظ: بَاب، وَأدْخل الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله.

5714 - حدّثنا بشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا مَعْمَرٌ ويُونُسُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أَن عائِشةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قالَتْ: لما ثَقُلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واشْتَدَّ بِهِ وجَعُهُ اسْتأذَنَ أزْوَاجَهُ فِي أنْ يُمَرِّضَ فِي بَيْتِي، فأذِنَّ لَهُ

(21/249)


فَخرَجَ بَيْنَ رجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وآخَرَ، فأخْبَرْتُ ابنَ عبَّاسٍ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عائِشةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. قالَتْ عائشَةُ: فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعْدَما دخَلَ بَيتُهَا واشْتَدَّ بِهِ وجَعُهُ: هَريقُوا عَليَّ مِنْ سَبْعِ قِرَب لَمْ تُحْلَلْ أوْ كيَتُهُنَّ لَعَلِّي أعْهَدُ إِلَى النَّاسِ، قالَتْ: فأجْلَسْناهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ طفِقْنا نصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ القِرَبِ حتَّى جَعَلَ يُشِيرُ إلَيْنا أنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ. قالتْ: وخَرَجَ إِلَى النَّاس فَصَلَّى لَهُمْ وخَطَبَهُمْ.
قيل: لَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذكر اللدود، وَلَا للباب الْمُجَرّد تَرْجَمَة حَتَّى يطْلب بَينهمَا الْمُطَابقَة. وَأجِيب بِجَوَاب فِيهِ تعسف، وَهُوَ أَنه: يحْتَمل أَن يكون بَينه وَبَين الحَدِيث السَّابِق نوع تضَاد، لِأَن فِي الأول. فعلوا مَا لم يَأْمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحصل عَلَيْهِم الْإِنْكَار واللوم بذلك، وَفِي هَذَا فعلوا مَا أَمر بِهِ وَهُوَ ضد ذَاك فِي الْمَعْنى، والأشياء تتبين بضدها.
وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث مضى فِي مَوَاضِع بِطُولِهِ أَولهَا فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب الْغسْل وَالْوُضُوء فِي المخضب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ الخ ... وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَن يمرض) على صِيغَة الْمَجْهُول من التمريض وَهُوَ الْقيام على الْمَرِيض وتعاهده. قَوْله. (فَأذن) بنُون الْجمع الْمُشَدّدَة. قَوْله: (هريقوا) ويروى: (أريقوا وأهريقوا) ، أَي: صبوا. قَوْله: (أوكيتهن) جع الوكاء وَهُوَ مَا يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة، وَإِنَّمَا اشْترط هَذَا لِأَن الْأَيْدِي لم تخالطه، وَأول المَاء أطهره وأصفاه. قَوْله: (لعَلي أَعهد) أَي: أوصِي. قَوْله: (فِي مخضب) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُعْجَمَة الأولى وَهِي الإجانة الَّتِي تغسل فِيهَا الثِّيَاب. قَوْله: (طفقنا) أَي: شرعنا نصب المَاء عَلَيْهِ. قَوْله: (أَن قد فعلتن) ويروى: أَن قد فَعلْتُمْ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح بِاعْتِبَار الْأَنْفس والأشخاص، أَو بِاعْتِبَار التغليب، وَهَذَا كثير.

23 - (بابُ العُذْرَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْعذرَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء، وَهُوَ وجع الْحلق وَهُوَ الَّذِي يُسمى: سُقُوط اللهاة، بِفَتْح اللَّام وَهِي اللحمة الَّتِي تكون فِي أقْصَى الْحلق.

5715 - حدّثنا أبُو اليَمان أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ أُُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ الأسَديَّةَ أسَدَ خُزَيْمةَ وكانَتْ منَ المُهاجِرَاتِ الأَُوَلِ اللاتِي بايَعْنَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْيَ أُخْتُ عُكاشَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّها أتَتْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بابنٍ لَهَا قَدْ أعْلَقَتْ عليْهِ مِنَ العُذْرَةِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلى مَا تَدْغَرْنَ أوْلادَكُنَّ بِهَذَا العِلاَقِ؟ عَليْكُمْ بِهَذَا العُودِ الْهِنْدِيِّ فإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أشْفِيَةٍ مِنْها ذَاتُ الجَنْبِ.
يُرِيدُ الكُسْتَ وهْوَ العُودُ الْهِنْدِيُّ.
وَقَالَ يُونُسُ وإسْحاقُ بنُ رَاشِدٍ عنِ نالزُّهْرِيِّ: عَلَّقَتْ علَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب اللدود عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن حَمْزَة، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة.
قَوْله: (وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات) يحْتَمل أَن يكون من كَلَام الزُّهْرِيّ فَيكون مدرجاً، وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام شَيْخه فَيكون مَوْصُولا. قَوْله: (أَسد خُزَيْمَة) إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه من أَسد بن عبد الْعُزَّى، أَو من أَسد بن ربيعَة، أَو من أَسد بن سُوَيْد بِضَم السِّين. قَوْله: (قد أعلقت عَلَيْهِ) أَي: قد عالجته بِرَفْع الحنك بإصبعها، قَوْله: (تدغرن) بِالْمُهْمَلَةِ والمعجمة وَالرَّاء خطاب للنسوة، قَوْله: (بِهَذَا العلاق) بالحركات الثَّلَاث وَمر عَن قريب. قَوْله: (عَلَيْكُم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (عليكن) .
قَوْله: (وَقَالَ يُونُس) تَعْلِيق هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَإِسْحَاق بن رَاشد الْجَزرِي بِالْجِيم وَالزَّاي

(21/250)


وَالرَّاء أَرَادَ أَنَّهُمَا رويا عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ: أعلقت عَلَيْهِ وَحَدِيث يُونُس أخرجه مُسلم أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة، وَحَدِيث إِسْحَاق يَأْتِي عَن قريب فِي: بَاب ذَات الْجنب.

24 - (بابُ دَوَاءِ المَبْطُونِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دَوَاء المبطون، وَهُوَ الَّذِي يشتكي بَطْنه لإسهال مفرط، وَأَسْبَاب ذَلِك كَثِيرَة.

5716 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ قَتادَةَ عنْ أبي المُتَوَكِّلِ عنْ أبي سَعِيدٍ قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إنَّ أخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ: إسْقِهِ عَسَلاً فسقَاهُ، فَقَالَ: إنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلاَّ اسْتِطلاْقاً، فَقَالَ: صَدَقَ الله وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَغَيره.
قَوْله: (لَا عدوى وَلَا صفر وَلَا هَامة) مر تَفْسِيرهَا عَن قريب فِي بَاب الجذام. قَوْله: (فَمن أعدى الأول) أَي: الْبَعِير الَّذِي جرب أَولا، وَلَو كَانَ الجرب بالعدوى بالطبع لم يجرب بِالْأولِ لعدم المعدي، فَإِذا جَازَ فِي الأول جَازَ فِي غَيره لَا سِيمَا وَالدَّلِيل قَائِم على أَن لَا مُؤثر فِي الْوُجُود إلاَّ الله تَعَالَى. قَوْله: (وَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسنَان بن أبي سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى فِي اللَّفْظَيْنِ الدؤَلِي الْمدنِي، وَاسم أبي سِنَان يزِيد بن أُميَّة، يَعْنِي: كِلَاهُمَا رويا عَن أبي هُرَيْرَة، وَتَأْتِي راية كل مِنْهُمَا مفصلة فِي: بَاب لَا عدوى.

26 - (بابُ ذَاتِ الجَنْبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذَات الْجنب، وَهُوَ ورم حَار يعرض الغشاء المستبطن للأضلاع وَقد يُطلق على مَا يعرض فِي نواحي الْجنب من ريَاح غَلِيظَة تحبس بَين الصفافات والعضل الَّتِي فِي الصَّدْر والأضلاع فَتحدث وجعاً، وَالْأول هُوَ ذَات الْجنب الْحَقِيقِيّ الَّذِي تكلم عَلَيْهِ الْأَطِبَّاء، وَالْمرَاد بِذَات الْجنب فِي حَدِيثي الْبَاب الثَّانِي، لِأَن الْقسْط، وَهُوَ الْعود الْهِنْدِيّ، هُوَ الَّذِي يداوي بِهِ الرّيح الغليظة.

5718 - حدّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عَتَّابُ بنُ بَشِير عنْ إسْحاقَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ أمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ وكانتْ مِنَ المُهاجِراتِ الأُوَلِ الَّلاتِي بايَعْنَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهْيَ أُخْتَ عُكاشَة بنِ مِحْصَنٍ أخْبَرَتْهُ أنَّها أتَتْ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(21/251)


بابنٍ لَهَا قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُذْرَةِ، فَقَالَ: اتَّقُوا الله! عَلى مَا تَدْغرُونَ أوْلاَدَكُمْ بِهاذِهِ الأعْلاقِ؟ عَلَيْكُمْ بِهذَا العُود الهنْديِّ فإنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ، يُرِيدُ الكُسْت، يَعْني: القُسْطَ، قَالَ: وهْي لُغَة.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مِنْهَا ذَات الْجنب) وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الْهُذلِيّ يَعْنِي: مُحَمَّد بن يحيى الْهُذلِيّ النَّيْسَابُورِي. قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي هُوَ الصَّوَاب لِأَن صَاحب (رجال الصَّحِيحَيْنِ) قَالَ فِي تَرْجَمَة عتاب بن بشير: روى عَنهُ مُحَمَّد غير مَنْسُوب، قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي: هُوَ ابْن سَلام، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الطِّبّ والاعتصام، وعتاب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعد الْألف مُوَحدَة ابْن بكير بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة الْحَرَّانِي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وبالنون، مَاتَ سنة تسعين وَمِائَة، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاشد الْجَزرِي.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب اللدود.
قَوْله: (على مَا تدغرون) بخطاب جمع الْمُذكر، ويروى: علام تدغرن، بخطاب جمع الْمُؤَنَّث وبإسقاط الْألف من كلمة: مَا، وَقد ذكرنَا أَنه من الدغر بِالدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَهُوَ غمز الْحلق بالإصبع، وَذَلِكَ أَن الصَّبِي تَأْخُذهُ الْعذرَة، وَهِي وجع يهيج فِي الْحلق من الدَّم، فَتدخل الْمَرْأَة إصبعها فتدفع بهَا ذَلِك الْموضع وتكبسه. قَوْله: (بِهَذِهِ الأعلاق) بِفَتْح الْهمزَة جمع العلق، قَالَ الْكرْمَانِي: نَحْو الوطب والأوطاب وَهِي الدَّوَاهِي والآفات، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: ويروى: بِهَذِهِ العلاق، وَفِي أُخْرَى: بِهَذِهِ العلق، وَالْمَعْرُوف: الأعلاق، بِكَسْر الْهمزَة مصدر أعلقت، والعلق بِضَم الْعين وَفتح اللَّام جمع علوق وَهِي الداهية، وأعلقت عَنهُ أزلت عَنهُ الْعلُوق أَي: مَا عَذبته بِهِ من دغرها. قَوْله: (يُرِيد الكست) بِضَم الْكَاف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، يَعْنِي: يُرِيد من الْقسْط الكست. قَوْله: (قَالَ: وَهِي لُغَة) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: الكست لُغَة فِي الْقسْط.

5719 - حدّثنا عارِمٌ حَدثنَا حَمَّادٌ قَالَ: قُرِىءَ علَى أيُّوبَ مِنْ كُتبِ أبِي قِلاَبَةَ مِنْهُ مَا حَدَّثَ بِهِ ومِنهُ مَا قُرِىءَ عَلَيْهِ وكانَ هاذَا فِي الكتابِ عَن أنَسٍ: أنَّ أَبَا طَلْحَةَ وأنَسَ بنَ النَّضْرِ كَوَياهُ وكَوَاهُ أبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ.

5720 - وَقَالَ عبَّادُ بنُ مَنْصُور: عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قِلاَبَةَ عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ، قَالَ: أذِنَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأهْلِ بَيْتٍ مِن الأنْصارِ أنْ يرْقُوا منَ الحُمَةِ وَالْأُذن.

5721 - ق ال أنَسٌ: كوِيتُ مِنْ ذَاتِ الجَنْبِ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَي، وشَهِدَنِي أبُو طَلْحَةَ وأنَسُ بنُ النَّضْرِ وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ، وأبُو طَلْحَةَ كَوَانِي. (الحَدِيث 5719 طرفَة فِي: 5721) (انْظُر الحَدِيث 5719) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من ذَات الْجنب) . وعارم بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء لقب مُحَمَّد بن الْفضل أَبُو النُّعْمَان السدُوسِي، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
قَوْله: (قرىء على أَيُّوب) قيل: كَيفَ جَازَ الرِّوَايَة بِمَا قرىء فِي الْكتاب؟ وَأجِيب: بِأَن الْكتاب كَانَ مسموعاً لأيوب، وَمَعَ هَذَا مرتبته دون مرتبَة الرِّوَايَة عَن الْحِفْظ، نعم، لَو لم يكن مسموعاً لجَاز الرِّوَايَة عَن الْكتاب الموثوق بِهِ عِنْد الْمُحَقِّقين، ويسم هَذَا بالوجادة، وَفِي الْمَسْأَلَة مبَاحث واختلافات. قَوْله: (وَكَانَ هَذَا فِي الْكتاب) أَي: فِي كتاب أبي قلَابَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الكشمهني: قَرَأَ الْكتاب بدل قَوْله: فِي الْكتاب، قيل: هُوَ تَصْحِيف. قَوْله: (عَن أنس) هُوَ ابْن مَالك. قَوْله: (أَن أَبَا طَلْحَة) هُوَ زيد بن سهل زوج وَالِدَة أنس أم سليم. قَوْله: (وَأنس بن النَّضر) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة عَم أنس بن مَالك بن النَّضر. قَوْله: (كوياه) ، أَي: كويا أنس بن مَالك، أسْند الكي إِلَيْهِمَا ثمَّ أسْندهُ إِلَى أبي طَلْحَة لِأَنَّهُ بَاشرهُ بِيَدِهِ وَأما إِسْنَاده إِلَى أبي طَلْحَة وَأنس بن النَّضر فلرضاهما بِهِ.
قَوْله: (وَقَالَ عباد بن مَنْصُور)
إِلَى آخِره، تَعْلِيق نذكرهُ الْآن، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مَنْصُور النَّاجِي بالنُّون وبالجيم وكنيته أَبُو سَلمَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع الْمُعَلق، وَهُوَ من كبار أَتبَاع التَّابِعين، وَفِيه مقَال من وُجُوه. الأول: أَنه رمي بِالْقدرِ لكنه لم يكن دَاعِيَة. الثَّانِي: أَنه كَانَ مدلساً. الثَّالِث: أَنه كَانَ قد

(21/252)


تغير حفظه. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه وَوصل أَبُو يعلى هَذَا التَّعْلِيق عَن إِبْرَاهِيم بن سعد الْجَوْهَرِي عَن ريحَان بن سعيد عَن عباد بِطُولِهِ، وَفَائِدَة هَذَا التَّعْلِيق شَيْئَانِ: أَحدهمَا: من جِهَة الْإِسْنَاد وَهُوَ أَنه بيّن أَن حَمَّاد بن زيد بَين فِي رِوَايَته صُورَة أَخذ أَيُّوب هَذَا الحَدِيث عَن أبي قلَابَة وَأَنه كَانَ قَرَأَهُ عَلَيْهِ من كِتَابه، وَأطلق عباد بن مَنْصُور وَرِوَايَته بالعنعنة. وَالْآخر: من جِهَة الْمَتْن، وَهِي الزِّيَادَة الَّتِي فِيهِ، وَهِي أَن الكي الْمَذْكُور كَانَ بِسَبَب ذَات الْجنب، وَأَن ذَلِك كَانَ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن زيد بن ثَابت كَانَ فِيمَن حضر ذَلِك، وَفِي رِوَايَة عباد بن مَنْصُور زِيَادَة أُخْرَى فِي أَوله، أفردها بَعضهم وَهِي حَدِيث أذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل بَيت من الْأَنْصَار أَن يرقوا من الْحمة وَالْأُذن، وَقَالَ ابْن بطال: أَي، وجع الْأذن أَي: رخص فِي رقية الْأذن إِذا كَانَ بهَا وجع. فَإِن قلت: قد مر أَن لَا رقية إلاَّ من عين أَو حمة، فَكيف الْجمع بَينهمَا؟ قلت: يجوز أَن يكون رخص فِيهِ بعد أَن منع مِنْهُ أَو يكون الْمَعْنى: لَا رقية أَنْفَع من رقية الْعين والحمة، وَلم يرد نفي الرقى عَن غَيرهمَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ ابْن بطال: الأدر جمع الأدر، أَقُول: يَعْنِي نَحْو الْحمر والأحمر من الأدرة وَهِي نفخة الخصيتين وَهُوَ غَرِيب شَاذ، وَقَالَ بَعضهم: وَحكى الْكرْمَانِي عَن ابْن بطال أَن ضبط الأدر بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا رَاء، وَأَنه جمع أدرة وَهِي نفخة الخصية. قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي ذكرته، فَانْظُر: هَل قَالَ: إِن الأدر جمع أدرة وَلم يقل إلاَّ جمع آدر وَلِهَذَا مثل بقوله: نَحْو الْحمر والأحمر. وَقَوله: وَلم أر ذَلِك فِي كتاب ابْن بطال، لَا يسْتَلْزم نفي رُؤْيَة غَيره، وَمن الْبعد أَن يرى الْكرْمَانِي هَذَا فِي مَوضِع ثمَّ ينْسبهُ إِلَى ابْن بطال. قَوْله: (لأهل بَيت من الْأَنْصَار) هم آل عَمْرو بن حزم، وَوَقع ذَلِك عِنْد مُسلم فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (أَن يرقوا) ، أَصله بِأَن يرقوا فَإِن مَصْدَرِيَّة أَي: بالرقية، وأصل يرقوا يرقووا استثقلت الضمة على الْوَاو فحذفت فَصَارَ يرقوا. قَوْله: (من الْحمة) ، قد مر ضَبطه وَتَفْسِيره عَن قريب وَكَذَلِكَ مر الْآن تَفْسِير الْأذن.
قَوْله: (كويت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (من ذَات الْجنب) ، أَي: بِسَبَب ذَات الْجنب، وَكلمَة: من، تعليلية وَقد مر تَفْسِيره الْآن، وروى الْحَاكِم على شَرط مُسلم: ذَات الْجنب من الشَّيْطَان، وَمَا كَانَ الله ليسلطه عَليّ. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَات الْجنب. قلت: قَالُوا: إِن هَذَا خبر واه.

27 - (بابُ حَرْقِ الحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حرق الْحَصِير ليؤخذ رماده ويسد بِهِ الدَّم، أَي: يقطع بِهِ الدَّم النَّازِل من الْجرْح، وَهُوَ بِالسِّين الْمُهْملَة وَقَالَ بَعضهم: أَي مجاري الدَّم. قلت: الْمَقْصُود سد الدَّم لَا سد مجاريه، فَرُبمَا سد مجاريه يضر لانحباس الدَّم الْمُنْفَصِل من الْبدن فِيهَا فيتضرر الْمَجْرُوح من ذَلِك، فَمن طبع الرماد أَنه يقطع الدَّم وينشف مجْرَاه، وَقَالَ بَعضهم أَيْضا: الْقيَاس إحراق الْحَصِير لِأَنَّهُ من أحرق، وَقَالَ ابْن التِّين، أَو يُقَال: تحريق الْحَصِير. قلت: يُقَال: حرقت الشَّيْء، وَأما أحرقت وَحرقت بِالتَّشْدِيدِ فَلَا يُقَال إلاَّ إِذا أُرِيد بِهِ الْمُبَالغَة، وَأطلق الْحَصِير ليشْمل أَنْوَاع الْحَصِير كلهَا. قَالَ أهل الطِّبّ: الْحَصِير كلهَا إِذا أحرقت تبطل زِيَادَة الدَّم، والرماد كُله كَذَلِك.

6722 - حدّثني سعَيدُ بنُ عُفَيْرٍ حَدثنَا يَعْقُوبُ بنُ عبْدِ الرحْمانِ القارِيُّ عنْ أبي حارِمٍ عنْ سَهْل بنِ سعْدٍ السَّاعِدِي قَالَ: لمَّا كُسِرَتْ علَى رأسِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البَيْضَةُ وَأُدْمِيَ وجْهُهُ وكُسِرَتْ رَباعِيَتُهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بالماءِ فِي المِجَنِّ، وجاءَتْ فاطِمَةُ تَغْسِلُ عنْ وجْهِهِ الدَّمَ، فَلَمَّا رأتْ فاطِمَةُ، علَيْها السَّلاَمُ، الدَّمَ يَزِيدُ عَلى الماءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِير فأحْرَقَتْها وألْصَقَتْها علَى جُرْحِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَقأ الدَّمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير مصغر عفر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالرَّاء وَهُوَ سعيد بن كثير بن عفير الْمصْرِيّ، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث قد مضى فِي غَزْوَة أحد فِي: بَاب مَا أصَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجراح يَوْم أحد وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (الْبَيْضَة) مَا يتَّخذ من الْحَدِيد كالقلنسوة: قَوْله: (رباعيته) ، بِفَتْح الرَّاء

(21/253)


وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف مثل الثَّمَانِية الأضراس، وأولها من مقدم الْفَم الثنايا ثمَّ الرباعيات ثمَّ الأنياب ثمَّ الضواحك ثمَّ الأرحاء وَكلهَا رباع إثنان من فَوق وَاثْنَانِ من أَسْفَل. قَوْله: (يخْتَلف) أَي: يَجِيء وَيذْهب. قَوْله: (فِي الْمِجَن) ، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الترس. قَوْله: (فأحرقتها) أَي: الْحَصِير، وَإِنَّمَا ذكرهَا بالتأنيث باعتار الْقطعَة مِنْهُ. قَوْله: (فرقأ) مَهْمُوز أَي: سكن.
وَقَالَ الْمُهلب فِيهِ: إِن قطع الدَّم بالرماد من الْمَعْلُوم الْقَدِيم الْمَعْمُول بِهِ لَا سِيمَا إِذا كَانَ الْحَصِير من ديس السعد فَهِيَ مَعْلُومَة بِالْقَبْضِ وَطيب الرَّائِحَة، فالقبض يسد أَفْوَاه الْجرْح وَطيب الرَّائِحَة يذهب بزهم الدَّم، وَأما غسل الدَّم أَولا فَيَنْبَغِي أَن يكون إِذا كَانَ الْجرْح غير غائر، أما إِذا كَانَ غائراً فَلَا يُؤمن ضَرَر المَاء إِذا صب فِيهِ. قلت: بعد الإحراق هَل يبْقى طيب الرَّائِحَة؟

28 - (بابٌ الحمَّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْحمى من فيح جَهَنَّم، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبحاء مُهْملَة، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث رَافع آخر الْبَاب من فوح بِالْوَاو، وَتقدم فِي صفة النَّار بِلَفْظ فَور بالراء بدل الْحَاء وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الفيح والفوح لُغَتَانِ، يُقَال: فاحت رَائِحَة الْمسك تفيح وتفوح فيحاً وفوحاً وفووحاً، وَلَا يُقَال: فاحت ريح خبيثة. وَيجوز أَن يكون قَوْله: (من فيح جَهَنَّم) حَقِيقَة، وَيكون اللهب الْحَاصِل فِي جسم المحموم قِطْعَة من جَهَنَّم، وَقدر الله ظُهُورهَا بِأَسْبَاب تقتضيها لتعتبر الْعباد بذلك، كَمَا أَن أَنْوَاع الْفَرح وللذة من نعيم الْجنَّة أظهرها الله فِي هَذِه الدَّار عِبْرَة وَدلَالَة، وَيجوز أَن يكون من بَاب التَّشْبِيه على معنى أَن حر الْحمى شَبيه بَحر جَهَنَّم تَنْبِيها للنفوس على شدَّة حر النَّار. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ وَهُوَ شيخ شَيْخي: من، لَيست بَيَانِيَّة حَتَّى يكون تَشْبِيها، وَهِي إِمَّا ابتدائية أَي: الْحمى نشأت وحصلت من فيح جَهَنَّم، أَو تبعيضية أَي: بعض مِنْهَا، وَيدل على هَذَا مَا ورد فِي (الصَّحِيح) : اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا، فَقَالَت: رب أكل بَعْضِي بَعْضًا، فَأذن لَهَا بنفسين: نفس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف ... الحَدِيث، فَكَمَا أَن حرارة الصَّيف أثر من فيحها كَذَلِك الْحمى.

5723 - حدّثني يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ حدّثني ابنُ وهبٍ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الحَمَّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّمَ فأطْفِئُوها بالماءِ.
قَالَ نافِعٌ: وكانَ عبْدُ الله يَقُولُ: اكْشِفْ عنَّا الرِّجْزَ. (انْظُر الحَدِيث 3264) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر وروى عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحَارِث بن مِسْكين.
قَوْله: (فأطفئوها) بِهَمْزَة قطع من الإطفاء وَلما كَانَ الْحمى من فيح جَهَنَّم وَهُوَ سطوع حرهَا ووهجه، وَالنَّار تطفأ بِالْمَاءِ كَذَلِك حرارة الْحمى تزَال بِالْمَاءِ، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الإطفاء والإبراد تحقن الْحَرَارَة فِي الْبَاطِن فتزيد الْحمى وَرُبمَا تهْلك الْجَواب أَن أَصْحَاب الصِّنَاعَة الطبية يسلمُونَ أَن الْحمى الصفراوية صَاحبهَا يسْقِي المَاء الْبَارِد وَيغسل أَطْرَافه بِهِ.
قَوْله: (قَالَ نَافِع وَكَانَ عبد الله) أَي: ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا مَوْصُول بالسند الَّذِي قبله. قَوْله: (اكشف عَنَّا الرجز) أَي: الْعَذَاب، وَلَا شكّ أَن الْحمى نوع مِنْهُ.

5724 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ هِشام عنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ أنَّ أَسْماءَ بِنْتَ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، كانَتْ إذَا أُتِيَتْ بالمْرأةِ قَدْحُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أخَذَتِ الماءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَها وبَيْنَ جَيْبِها. قالَتْ: وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمُرُنا أنْ نَبْرُدَها بالماءِ.

مطابقته للْحَدِيث السَّابِق فِي قَوْله: (فاطفئوها بِالْمَاءِ) والمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة، وَفَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير، وَهِي بنت عَمه وَزَوجته، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر جدتيهما لأبويهما مَعًا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هَارُون بن إِسْحَاق. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة

(21/254)


وَغَيره. وأخره ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (إِذا أتيت) على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله: (حمت) وَهِي فِي مَوضِع الْحَال. قَوْله: (تَدْعُو لَهَا) فِي مَوضِع النصب على الْحَال أَيْضا. قَوْله: (أخذت المَاء) خبر كَانَ. قَوْله: (جيبها) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ مَا يكون مفرجاً من الثَّوْب كالطوق والكم. قَوْله: (أَن نبردها بِالْمَاءِ) ، بِفَتْح النُّون وَضم الرَّاء المخففة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أَن نبردها، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء وَتَشْديد الرَّاء من التبريد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: نبردها من التبريد، والإبراد يَعْنِي إِمَّا من بَاء التفعيل نبردها بِالتَّشْدِيدِ، وَإِمَّا من بَاب الإفعال نبردها بِضَم النُّون وَسُكُون الْبَاء، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: لَا يُقَال: أبردته يَعْنِي من بَاب الإفعال إلاَّ فِي لُغَة رَدِيئَة، واللغة الفصيحة هِيَ الَّتِي ضبطناها أَولا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: برد الشَّيْء بِالضَّمِّ وبردته أَنا فَهُوَ مبرود وبردته تبريداً.

5725 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثنَّى حَدثنَا يَحْيى احدثنا هِشامٌ أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمِ فأبْرُدُوها بالماءِ. (انْظُر الحَدِيث 3263) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يرْوى عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث ابْن نمير عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة إِلَى آخِره نَحوه.
قَوْله: (فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ) وَعَن ابْن الْأَنْبَارِي: أَن معنى: فابردوها بِالْمَاءِ، تصدقوا بِالْمَاءِ أَي: عَن الْمَرِيض يشفه الله عز وَجل لما رُوِيَ: أَن أفضل الصَّدَقَة سقِِي المَاء.

5726 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا أَبُو الأحْوَصِ حَدثنَا سَعيدُ بنُ مَسْرُوق عنْ عَبَايَة بنِ رِفاعَةَ عنْ جَدِّهِ رافِعِ بنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: الحُمَّى مِنْ فوْحِ جَهنَّمَ فأبْردُوها بالماءِ. (انْظُر الحَدِيث 3262) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بتَشْديد اللَّام ابْن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، وَسَعِيد بن مَسْرُوق أَبُو سُفْيَان الثَّوْريّ، وعباية بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن رِفَاعَة بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء، وخديج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم.
وَلِلْحَدِيثِ مضى فِي صفة النَّار عَن عَمْرو بن الْعَبَّاس.
قَوْله: (من فوح جَهَنَّم) ، هَكَذَا هُوَ رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: من فيح جَهَنَّم، وَقد ذكرنَا أَن الفيح والفوح والفور بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ) قَالَ ابْن بطال: قد تخْتَلف أَحْوَال المحمومين، فَمنهمْ من يصلح بصب المَاء عَلَيْهِ وَهِي الْحمى الَّتِي يكون أَصْلهَا من الْحر، فَالْحَدِيث يُرَاد بِهِ الْخُصُوص.