عمدة القاري شرح صحيح البخاري

{بِسْمِ الله الرحْمان الرَّحيم}

77 - (كتابُ اللِّباسِ)

أَي: هَذَا فِي كتاب بَيَان أَنْوَاع اللبَاس وأحكامها، واللباس مَا يلبس وَكَذَلِكَ الملبس واللبس بِالْكَسْرِ واللبوس أَيْضا مَا يلبس، وَأورد ابْن بطال هَذَا الْكتاب بعد الاسْتِئْذَان، وَلَا وَجه لَهُ.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ} (الْأَعْرَاف: 23) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على اللبَاس، وَهَذَا الْمِقْدَار من الْآيَة الْمَذْكُورَة قد ذكر فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَزَاد أَبُو نعيم: {والطيبات من الرزق} وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ قَالَ الله تَعَالَى: {قل من حرم زِينَة الله} الْآيَة، وَهَذِه الْآيَة عَامَّة فِي كل مُبَاح، وَقيل: أَي من حرم لبس الثِّيَاب فِي الطّواف، وَمن حرم مَا حرمُوا من الْبحيرَة وَغَيرهَا. وَقَالَ الْفراء: كَانَت قبائل الْعَرَب لَا يَأْكُلُون اللَّحْم أَيَّام حجهم ويطوفون عُرَاة، فَأنْزل الله الْآيَة، وَكَذَا رُوِيَ عَن ابراهيم النَّخعِيّ وَالسُّديّ وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَآخَرين: أَنَّهَا نزلت فِي طواف الْمُشْركين بِالْبَيْتِ وهم عُرَاة. قَوْله: (والطيبات) أَي: المستلذات من الطَّعَام، وَقيل: الْحَلَال من الرزق.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُلُوا واشْرَبُوا والْبَسُوا وتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إسْرَاف وَلَا مَخِيلَةٍ.
هَذَا التَّعْلِيق فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي فَقَط، وَلم يذكر فِي رِوَايَة البَاقِينَ، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن هَارُون: أَنا همام عَن قَتَادَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكره. قَوْله: (من غير إِسْرَاف) يتَعَلَّق بالمجموع، والإسراف صرف الشَّيْء زَائِدا على مَا يَنْبَغِي. قَوْله: (وَلَا مخيلة) بِفَتْح الْمِيم الْكبر من الْخُيَلَاء التكبر، وَقَالَ ابْن التِّين: المخيلة على وزن مفعلة من اختال إِذا تكبر، وَقَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ: هَذَا الحَدِيث جَامع لفضائل تَدْبِير الْإِنْسَان نَفسه، وَفِيه تَدْبِير مصَالح النَّفس والجسد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَإِن السَّرف فِي كل شَيْء يضر بالمعيشة فَيُؤَدِّي إِلَى الْإِتْلَاف ويضر بِالنَّفسِ إِذا كَانَت تَابِعَة للجسد فِي أَكثر الْأَحْوَال، والمخيلة تضر بِالنَّفسِ حَيْثُ يكسبها الْعجب، ويضر بِالآخِرَة حَيْثُ تكسب الْإِثْم، وبالدنيا حَيْثُ تكسب المقت من النَّاس.
وَقَالَ ابنُ عبّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ والْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أخْطأتْكَ اثْنتانِ: سَرَفٌ أوْ مَخيلَةٌ.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عُيَيْنَة عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (مَا خطئتك) كَذَا وَقع لجَمِيع الروَاة بِإِثْبَات الْهمزَة بعد الطَّاء، وَأوردهُ ابْن التِّين بحذفها، ثمَّ قَالَ: وَالصَّوَاب إِثْبَاتهَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: خطئت، وَلَا يُقَال: خطيت، وَمَعْنَاهُ. كل مَا شِئْت من الْحَلَال وألبس مَا شِئْت من الْحَلَال مَا دَامَت أَخْطَأتك، أَي: تجاوزتك اثْنَتَانِ: أَي خصلتان. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا أَخْطَأتك أَي: مَا دَامَ تجَاوز عَنْك خصلتان، والإخطاء التجاوز من الصَّوَاب أَو مَا نَافِيَة أَي: لم يوقعك فِي الْخَطَأ اثْنَتَانِ، والخِطء الْإِثْم وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه بعد، وَرِوَايَة معمر ترده حَيْثُ قَالَ: مَا لم يكن سرف أَو مخيلة. قلت: لَا بعد فِيهِ لِأَن مَعْنَاهُ صَحِيح لَا يخفى ذَلِك على من يتأمله، قَوْله: (سرف أَو مخيلة) بَيَان لقَوْله: اثْنَتَانِ، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: سرف ومخيلة، بِالْوَاو وَلَكِن: أَو تَجِيء بِمَعْنى الْوَاو كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفوراً} (الْإِنْسَان: 24) . على تَقْدِير النَّفْي إِذْ انْتِفَاء الْأَمريْنِ لَازم فِيهِ.

5783 - حدّثنا إسْماعيلُ قَالَ: حدّثني مالِك عنْ نافِعٍ وعبْدِ الله بنِ دِينار وزَيْدِ بنِ أسْلمَ

(21/294)


يُخْبِرُونَهُ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَنْظُرُ الله إِلَى منْ جرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي قبله ظَاهِرَة لِأَن فِي ذَاك ذمّ المخيلة، وَفِي هَذَا جر الثَّوْب خُيَلَاء، وَهُوَ أَيْضا من المخيلة. وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا مُطَابق للْحَدِيث الَّذِي قبله من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَهُوَ أَيْضا مُطَابق لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة على مَا لَا يخفى.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس أَيْضا عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَغَيره.
قَوْله: (يخبرونه) أَي: هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة: نَافِع وَعبد الله بن دِينَار وَزيد بن أسلم، يخبرون مَالِكًا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَوْله: (مَن جر ثَوْبه) يدْخل فِيهِ الْإِزَار والرداء والقميص والسراويل والجبة والقباء وَغير ذَلِك مِمَّا يُسمى ثوبا، بل ورد فِي الحَدِيث دُخُول الْعِمَامَة فِي ذَلِك كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من رِوَايَة سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الإسبال فِي الْإِزَار والقميص والعمامة من جر مِنْهَا شَيْئا خُيَلَاء لم ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (لَا ينظر الله) نفي نظر الله تَعَالَى هُنَا كِنَايَة عَن نفي الرَّحْمَة، فَعبر عَن الْمَعْنى الْكَائِن عِنْد النّظر بِالنّظرِ لِأَن من نظر إِلَى متواضع رَحمَه، وَمن نظر إِلَى متكبر متجبر مقته، فالنظر إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالة اقْتضى الرَّحْمَة أَو المقت. قَوْله: (خُيَلَاء) بِالضَّمِّ وَالْكَسْر وَهُوَ الْكبر وَالْعجب، يُقَال: اختال فَهُوَ مختال، وانتصابه على الْحَال بالتأويل.

2 - (بابُ مَنْ جَرَّ إزارَهُ منْ غَيْرِ خُيَلاَءَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من جر إزَاره من غير قصد التخييل، فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ من غير كَرَاهَة، وَكَذَلِكَ يجوز لدفع ضَرَر يحصل لَهُ، كَأَن يكون تَحت كعبيه جراح أَو حكة أَو نَحْو ذَلِك، إِن لم يغطها تؤذيه الْهَوَام كالذباب وَنَحْوه بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا، وَلَا يجد مَا يَسْتُرهَا بِهِ إلاَّ إزَاره أَو رِدَائه أَو قَمِيصه، وَهَذَا كَمَا يجوز كشف الْعَوْرَة للتداوي وَغير ذَلِك من الْأَسْبَاب المبيحة للترخص. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَأما جَوَازه لغير ضَرُورَة لَا لقصد الْخُيَلَاء، فَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه مَكْرُوه وَلَيْسَ بِحرَام، وَحكي عَن نَص الشَّافِعِي، رَضِي الله عَنهُ التَّفْرِقَة بَين وجود الْخُيَلَاء وَعَدَمه، وَهَذِه التَّرْجَمَة سَقَطت لِابْنِ بطال رَحمَه الله.

5784 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: منْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظرِ الله إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ، قَالَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ: يَا رسولَ الله! إنَّ أحَدَ شِقَّيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي، إلاَّ أنْ أتَعاهَدَ ذالِكَ مِنْهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَقَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله عَنهُ) الخ ... وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَزُهَيْر مصغر زهر بن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر، يروي عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (إِن أحد شقي إزَارِي) كَذَا بالتثنية فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا شقّ بِالْإِفْرَادِ، والشق بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة الْجَانِب وَيُطلق أَيْضا على النّصْف. قَوْله: (يسترخي) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَسبب استرخائه كَون أبي بكر رجلا أحنى نحيفاً لَا يسْتَمْسك، فإزاره يسترخي عَن حقْوَيْهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يَصح أحنى بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم، يُقَال: رجل أحنى الظّهْر بِالْمُهْمَلَةِ نَاقِصا أَي فِي ظَهره أحد يداب، وَرجل أجنأ، بِالْجِيم مهموزاً أَي: أحدب الظّهْر، ثمَّ إِن الاسترخاء يحْتَمل أَن يكون من طرف القدام نظرا إِلَى الإحديداب، وَأَن يكون من الْيَمين أَو الشمَال نظرا إِلَى النحافة، إِذْ الْغَالِب أَن النحيف لَا يسْتَمْسك إزَاره على السوء. قَوْله: (إلاَّ أَن أتعاهد ذَلِك مِنْهُ) الِاسْتِثْنَاء من قَوْله (يسترخي) يَعْنِي يسترخي إلاَّ عِنْد التعاهد بذلك، وَحين غفلت عَنهُ يسترخي. قَوْله: (لست مِمَّن يصنعه) أَي: لست أَنْت يَا أَبَا بكر مِمَّن يصنع جر الْإِزَار خُيَلَاء، وَفِي رِوَايَة زيد بن أسلم: لست مِنْهُم، وَفِيه أَنه لَا حرج على من يجر إزَاره بِغَيْر قصد كَمَا ذَكرْنَاهُ. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكره جر الْإِزَار على كل حَال. قلت: قَالَ ابْن بطال: هُوَ من تشديداته وإلاَّ فقد روى هُوَ حَدِيث الْبَاب فَلم يخف عَلَيْهِ الحكم.

(21/295)


ح دّثني مُحَمَّدٌ أخبرَنا عبْدُ الأعْلَى عنْ يُونُسَ عنِ الحَسَنِ عنْ أبي بَكْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ ونَحْنُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً حتَّى أتَى المَسْجِدَ، وثابَ النَّاسُ فَصَلَّى ركْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عنْها، ثُمَّ أقْبَلَ عَليْنَا وَقَالَ: إِن الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتان مِنْ آياتِ الله، فإذَا رأيْتُمْ مِنْها شَيْئاً فَصَلُّوا وادْعُوا الله حتَّى يَكْشِفَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقَامَ يجر ثَوْبه مستعجلاً) وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ ذكر مُجَردا. فَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ ابْن يُوسُف البُخَارِيّ البيكندي لِأَنَّهُ مِمَّن روى عَن عبد الْأَعْلَى. وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْأَعْلَى، فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ أَبَاهُ وَعبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد الْبَصْرِيّ، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بكرَة اسْمه نفيعِ بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول أَبْوَاب الْكُسُوف فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عون عَن خَالِد عَن يُونُس عَن الْحسن عَن أبي بكرَة رَضِي الله عَنهُ ومنضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَقَامَ يجر ثَوْبه مستعجلاً) حالان متداخلان. قَوْله: (يجر) حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: قَامَ، (ومستعجلاً) حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: بَحر، وَفِيه دلَالَة على أَن جر الْإِزَار إِذا لم يكن خُيَلَاء جَازَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَأْس. قَوْله (وثاب النَّاس) بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة يَعْنِي: رجعُوا إِلَى الْمَسْجِد بعد أَن كَانُوا خَرجُوا مِنْهُ. قَوْله: (فَجُليَ) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد اللَّام الْمَكْسُورَة أَي: فكشف عَنْهَا، أَي: عَن الشَّمْس. قَوْله: (حَتَّى يكشفها) أَي: حَتَّى يكْشف الله الشَّمْس.

3 - (بابُ التَّشْمِيرِ فِي الثِّيابِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التشمير فِي الثِّيَاب والتشمير بالشين الْمُعْجَمَة من شمر إزَاره إِذا رَفعه، وشمر فِي أمره أَي: خف. وَقَالَ بَعضهم: بَاب التشمر فِي الثِّيَاب هُوَ بالشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم رفع أَسْفَل الثَّوْب. قلت: جعله من بَاب التفعل وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ من بَاب التفعيل كَمَا ذكرنَا، وَالَّذِي ذكره مُخَالف للنسخ المعمتد عَلَيْهَا وللفظ الحَدِيث أَيْضا فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ مشمراً، وَهُوَ من بَاب التشمير لَا من بَاب التشمر، وَلم يفرق بَين الْبَابَيْنِ.

5786 - حدّثني إسْحاقُ أخبرنَا ابنُ شُمَيْلٍ أخبرنَا عُمَرُ بنُ أبي زَائِدَةَ أخبرنَا عَوْنُ بنُ أبي جُحَيْفَةَ عنْ أبِيِهِ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ: فَرَأيْتُ بِلالاً جاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَها ثُمَّ أقامَ الصَّلاَةَ، فَرَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ فِي حُلَّةٍ مُشَمِّراً، فَصَلَّى ركْعَتَيْنِ إِلَى العَنَزَةِ، ورأيْتُ النَّاسَ والدَّوابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاء العَنَزَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله (خرج فِي حلَّة مشمراً) وَإِسْحَاق شَيْخه، قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا ابْن إِبْرَاهِيم وَإِمَّا ابْن مَنْصُور. قلت: ابْن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَابْن مَنْصُور هُوَ إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور بن كوسج الْمروزِي، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، جزم بذلك أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) قلت: الظَّاهِر أَنه ابْن رَاهَوَيْه، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل. مصغر شَمل. بالشين الْمُعْجَمَة وَعمر بِضَم الْعين ابْن أبي زَائِدَة واسْمه خَالِد، وَهُوَ أَخُو زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء اسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي من صغَار الصَّحَابَة، قيل: مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لم يبلغ الْحلم، نزل الْكُوفَة.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن عون إِلَى آخِره.
قَوْله: (بعنزة) بِفَتْح الْعين وَالنُّون وَالزَّاي وَهُوَ أطول من الْعَصَا وأقصر من الرمْح وَفِيه زج. قَوْله: (فِي حلَّة) وَهِي إِزَار ورداء وَلَا تسمى حلَّة حَتَّى تكون ثَوْبَيْنِ، وَتجمع على حلل وَهِي برود الْيمن.
وَفِيه: أَن التشمير فِي الصَّلَاة مُبَاح وَعند المهنة وَالْحَاجة إِلَيْهِ، وَهُوَ من التَّوَاضُع، وَنفي التكبر وَالْخُيَلَاء.

4 - (بابٌ مَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْن فَهْوَ فِي النَّارِ)

(21/296)


أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مَا أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّار، وَيذكر مَعْنَاهُ فِي الحَدِيث لِأَن قَوْله: مَا أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ، من لفظ الحَدِيث. وَقَوله: فَهُوَ فِي النَّار، لَيْسَ لفظ الحَدِيث هَكَذَا بل هُوَ مَا أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ من الْإِزَار فَفِي النَّار، وَاقْتصر فِي التَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الثَّانِي وأطلقها وَلم يقيدها بِلَفْظ الْإِزَار قصدا للتعميم فِي الْإِزَار والقيمص وَنَحْو ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: بَاب، منون. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن التَّنْوِين عَلامَة الْإِعْرَاب، وَالْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ فِي الْمركب وَكَيف يَقُول: بَاب، بِالتَّنْوِينِ؟ نعم، لَو قَالَ: تَقْدِيره: هَذَا بَاب، مثل مَا قُلْنَا لَكَانَ منوناً.

5787 - حدّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حَدثنَا سَعيدُ بنُ أبي سَعيدٍ المقْبُرِيُّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ منَ الإِِزارِ فَفِي النَّار.

مطابقته للجزء الأول من للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ عينهَا.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة بِهِ. وَفِي (التَّوْضِيح) . وَفِي الحَدِيث تَقْدِيم وَتَأْخِير مَعْنَاهُ: مَا أَسْفَل من الْإِزَار من الْكَعْبَيْنِ فِي النَّار، وَقيل: يَعْنِي: مَا أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ من الرجلَيْن فَأَما الثَّوْب فَلَا ذَنْب لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن عبد الْعَزِيز بن أبي دَاوُد عَن نَافِع أَنه سُئِلَ عَن قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث: مَا أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ، فَفِي النَّار من الثِّيَاب ذَلِك، قَالَ: وَمَا ذَنْب الثِّيَاب؟ بل هُوَ من الْقَدَمَيْنِ، وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد أَن الْموضع الَّذِي يَنَالهُ الْإِزَار من أَسْفَل الْكَعْبَيْنِ من رجله فِي النَّار، كنى بِالثَّوْبِ عَن بدن لابسه، وَقد أولُوا على وَجْهَيْن. إِن مَا دون الْكَعْبَيْنِ من قدم صَاحبه فِي النَّار عُقُوبَة لَهُ، أَو إِن فعله ذَلِك مَحْسُوب فِي جملَة أَفعَال أهل النَّار. وَقَالَ الْكرْمَانِي: كلمة: مَا، مَوْصُولَة وَبَعض صلته مَحْذُوف. وَهُوَ: كَانَ، وأسفل خَبره، وَيجوز أَن يرفع أَسْفَل أَي: مَا هُوَ أَسْفَل، وَهُوَ أفعل وَيحْتَمل أَن يكون فعلا مَاضِيا وَهَذَا مُطلق يجب حمله على الْمُقَيد وَهُوَ مَا كَانَ للخيلاء قَوْله: (فَفِي النَّار) إِنَّمَا دخلت الْفَاء لتضمن كلمة: مَا معنى الشَّرْط، ويروى بِدُونِ الْفَاء، وَهَكَذَا فِي غَالب نسخ البُخَارِيّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِالْفَاءِ.

5 - (بَاب مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ منَ الخُيَلاَءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من جر ثَوْبه لأجل الْخُيَلَاء، وَكلمَة: من، للتَّعْلِيل، وَقد مر تَفْسِيره.

5788 - حدّثنا عبدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّناد عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَنْظُرُ الله يَوْمَ القِيامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزارَهُ بطَراً.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَقد مر تَفْسِير: لَا ينظر الله، عَن قريب.
قَوْله: (من) يتَنَاوَل الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الْوَعيد الْمَذْكُور على هَذَا الْفِعْل الْمَخْصُوص فَلذَلِك سَأَلت أم سَلمَة عِنْد ذَلِك بقولِهَا: فَكيف تصنع النِّسَاء بذيولهن؟ على مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من جر ثَوْبه خُيَلَاء لم ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة، فَقَالَت أم سَلمَة: فَكيف تصنع النِّسَاء بذيولهن؟ فَقَالَ: يرخين شبْرًا. فَقَالَت: إِذا تنكشف أقدامهن؟ قَالَ: فيرخينه ذِرَاعا لَا يزدن عَلَيْهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَفِي الحَدِيث رخصَة للنِّسَاء فِي جر الْإِزَار لِأَنَّهُ يكون أستر لَهُنَّ. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الظَّاهِر أَن المُرَاد بالذراع ذِرَاع الْيَد وَهُوَ شبران، وَهُوَ الذِّرَاع الَّذِي يُقَاس بِهِ الْحصْر الْيَوْم، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة من حَدِيث ابْن عمر فِي ترخيصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمهات الْمُؤمنِينَ فِي إرخائه شبْرًا، ثمَّ استزدنه فزادهن شبْرًا آخر. قَوْله: (بطراً) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون بِفتْحَتَيْنِ وَيكون مصدرا، وَمَعْنَاهُ طغياناً وتكبراً وَالْآخر: أَن يكون بِكَسْر الطَّاء وَيكون مَنْصُوبًا على الْحَال. وَقَالَ الرَّاغِب: البطر دهش يعتري الْمَرْء عِنْد هجوم النِّعْمَة عَن الْقيام بِحَقِّهَا.

5789 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ زِيادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ

(21/297)


النبيُّ أوْ قَالَ أبُو القاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَما رجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خسَفَ الله بِهِ، فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الْمَشْي فِي حلَّة من إعجاب النَّفس معنى جر الثَّوْب خُيَلَاء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي اللبَاس عَن عبيد الله بن معَاذ وَغَيره.
قَوْله: (قَالَ النَّبِي أَو قَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الشَّك من آدم شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: (بَيْنَمَا) قد ذكرنَا غير مرّة أَن أصل: بَيْنَمَا، بَين فزيدت فِيهِ: مَا، ويضاف إِلَى جملَة وَيحْتَاج إِلَى خبر وَخَبره هُنَا. قَوْله: (إِذْ خسف الله بِهِ) قَوْله: (رجل) قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الرجل يحْتَمل أَن يكون من هَذِه الْأمة، وسيقع بعد وَأَن يكون من الْأُمَم السالفة فَيكون إِخْبَارًا عَمَّا وَقع، وَقيل: هُوَ قَارون، وَقَالَ السُّهيْلي: إِن اسْمه هيزن من أَعْرَاب فَارس، وَجزم الكلاباذي والجوهري أَنه قَارون. قَوْله: (يمشي فِي حلَّة) وَفِي رِوَايَة لمُسلم: بَيْنَمَا رجل يمشي قد أَعْجَبته جمته وبرداه إِذْ خسف بِهِ الأَرْض، فَهُوَ يتجلجل فِي الأَرْض حَتَّى تقوم السَّاعَة. وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيْنَمَا رجل يتبختر يمشي فِي برديه قد أَعْجَبته نَفسه ... الحَدِيث، والحلة ثَوْبَان، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (مرجل) من الترجيل بِالْجِيم وَهُوَ تَسْرِيح شعر الرَّأْس. قَوْله: (جمته) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم مُجْتَمع شعر الرَّأْس وَهُوَ أكبر من الوفرة، وَيُقَال: هُوَ الشّعْر الَّذِي يتدلى من الرَّأْس إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِلَى أَكثر من ذَلِك، وَأما الَّذِي لَا يتَجَاوَز الْأُذُنَيْنِ فَهُوَ الوفرة. قَوْله: (يتجلجل) من التجلجل بالجيمين وَهُوَ الْحَرَكَة، وَالْمعْنَى أَنه يَتَحَرَّك وَينزل مضطرباً، وَحكى عِيَاض أَنه روى: يتجلل، بجيم وَاحِدَة وَلَام ثَقيلَة بِمَعْنى يتغطى أَي: تَغْطِيَة الأَرْض، وَحكى أَيْضا: يتخلخل، بخاءين معجمتين واستبعدها.

5790 - حدّثنا سَعيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سالِمِ بنِ عبْدِ الله أنَّ أباهُ حدَّثَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيْنا رجُلٌ يَجُرُّ إزَارَهُ إذْ خُسِفَ بِهِ فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل.
تابَعَهُ يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ ولَمْ يَرْفَعْهُ شعيْبٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ.
أَي: تَابع عبد الرَّحْمَن بن خَالِد يُونُس بن يزِيد فِي رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة فِي أَوَاخِر بَاب مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل: حَدثنَا بشر بن مُحَمَّد أخبرنَا عبد الله أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي سَالم أَن ابْن عمر حَدثهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيْنَمَا رجل يجر إزَاره من الْخُيَلَاء إِذْ خسف بِهِ فَهُوَ يتجلجل فِي الأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (وَلم يرفعهُ) أَي: لم يرفع الحَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي الْيَمَان: حَدثنَا محمدِ بن مُسلم وأنبانا الْقَاسِم حَدثنَا ابْن زَنْجوَيْه قَالَا: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي سَالم أَن عبد الله بن عمر قَالَ: بَينا امرء جر إزَاره الحَدِيث.

ح دّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا وهْبُ بنُ جَريرٍ أخبرنَا أبي عنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سالِمِ بنِ عبْدِ الله بنِ عُمَر عَلى بَاب دارِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْوَهُ. (انْظُر الحَدِيث: 3485) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (نَحوه) أَي: نَحْو حَدِيث ابْن عمر السَّابِق فَيكون لَهُ مُطَابقَة مثل مطابقته.
ووهب بن جرير يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم بن زيد الْأَزْدِيّ عَن عَمه جرير بن زيد أبي سَلمَة الْبَصْرِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن عبيد الله بن عبد الْعَظِيم الْقرشِي عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن وهب بن جرير بن حَازِم نَحوه: بَيْنَمَا رجل مِمَّن قبلكُمْ يمشي فِي حلَّة لَهُ ... فَذكره. وَقَالَ الْمزي: رَوَاهُ الزُّهْرِيّ وَغَيره عَن

(21/298)


سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الْمَحْفُوظ، وَذكر أَبُو الْقَاسِم فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عمر عَن أبي هُرَيْرَة: وَهُوَ وهم لَيْسَ فِيهِ ابْن عمر، إِنَّمَا هُوَ عَن سَالم عَن أبي هُرَيْرَة، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي رِوَايَة أبي الْحسن بن حمويه وَأبي عَليّ السُّيُوطِيّ عَن النَّسَائِيّ على الصَّوَاب، وَقيل: قد خَالف جرير بن زيد الزُّهْرِيّ فَقَالَ: عَن سَالم عَن أبي هُرَيْرَة، وَالزهْرِيّ يَقُول: عَن سَالم عَن أَبِيه، وَلَكِن قوي عِنْد البُخَارِيّ أَنه: عَن سَالم عَن أَبِيه، وَعَن أبي هُرَيْرَة جَمِيعًا، وَالدَّلِيل على صِحَة رِوَايَة جرير بن زيد أَنه قَالَ فِي رِوَايَته: كنت مَعَ سَالم على بَاب دَاره فَقَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة فَهَذِهِ قرينَة قَوِيَّة فِي حفظه عَن سَالم عَن أبي هُرَيْرَة.

5791 - حدّثنا مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حَدثنَا شَبابَةُ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: لَ قِيتُ مُحارِبَ بن دِثارٍ عَلى فرَسٍ وهْوَ يأتِي مَكانَهُ الَّذِي يَقْضي فِيهِ فَسألْتُهُ عنْ هاذَا الحَدِيثِ، فَحَدَّثَني فَقَالَ: سَمِعْتُ عبدَ الله بن عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً لَمْ يَنْظُرِ الله إلَيْهِ يَوْم القِيامَةِ، فَقُلْتُ لِمُحارِبٍ: أذَكَرَ إزَارَهُ؟ قَالَ: مَا خَصَّ إزَاراً وَلَا قَميصاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وشبابة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن سوار الْفَزارِيّ، ومحارب على وزن اسْم الْفَاعِل من حَارب ابْن دثار بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالراء السدُوسِي قَاضِي الْكُوفَة.
والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ.
قَوْله: (مخيلة) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي كبرا وعجباً. قَوْله: (فَقلت لمحارب) أذكر؟ الْقَائِل هُوَ شُعْبَة سَأَلَ عَن محَارب: هَل ذكر عبد الله بن عمر فِي حَدِيثه إزَاره؟ (فَقَالَ: مَا خص إزاراً وَلَا قَمِيصًا) وَحَاصِله أَن التَّعْبِير بِالثَّوْبِ أشمل يتَنَاوَل الْإِزَار وَغَيره.
تابَعَهُ جَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ وزَيْدُ بنُ أسْلَمَ وَزَيْدُ بنُ عبْدِ الله عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: تَابع محَارب بن دثار جبلة بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سحيم بِضَم السِّين وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَتَابعه أَيْضا زيد بن أسلم وَزيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم يَعْنِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة تابعوا مُحَاربًا فِي رِوَايَته عَن ابْن عمر بِلَفْظ الثَّوْب لَا بِلَفْظ الْإِزَار.
أما مُتَابعَة جبلة فأخرجها مُسلم: حَدثنَا ابْن الْمثنى حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن محَارب ابْن دثار وجبلة بن سحيم عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل حَدِيثهمْ، فأحاله على مَا قبله، وَهُوَ حَدِيث نَافِع وَغَيره عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الَّذِي يجر ثَوْبه من الْخُيَلَاء لَا ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة. وَأما مُتَابعَة زيد بن أسلم فأخرجها مُسلم أَيْضا: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار وَزيد بن أسلم، كلهم يُخبرهُ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا ينظر الله إِلَى من جر ثَوْبه خُيَلَاء. وَأما مُتَابعَة زيد بن عبد الله فَلم يظفر بهَا صَرِيحًا، وَلَكِن روى أَبُو عوَانَة من رِوَايَة ابْن وهب عَن عمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله عَن أَبِيه بِلَفْظ: إِن الَّذِي يجر ثَوْبه من الْخُيَلَاء لَا ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ اللَّيْثُ عنْ نافِعَ عنِ ابنِ عُمَرَ مِثْلَهُ.
أَي قَالَ اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن عبد الله بن عمر مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق مُسلم عَن قُتَيْبَة، وَابْن رمح عَن اللَّيْث بن سعد، الحَدِيث أَحَالهُ مُسلم على مَا رُوِيَ قبله، وَلَفظه: لَا ينظر الله إِلَى من يجر ثَوْبه خُيَلَاء ...
وتابَعَهُ مُوساى بنُ عُقْبَةَ وعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وقُدَامَةُ بنُ مُوسَى عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ.
أَي: تَابع نَافِعًا فِي رِوَايَته بِلَفْظ الثَّوْب مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ، وَتَابعه أَيْضا عمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر، وَقُدَامَة بن مُوسَى بن عمر بن قدامَة بن مَظْعُون الجُمَحِي الْمدنِي التَّابِعِيّ الصَّغِير، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ

(21/299)


إِلَّا هَذَا الْموضع.
أما مُتَابعَة مُوسَى بن عقبَة فَذكرهَا البُخَارِيّ مُسْندًا فِي أول أَبْوَاب اللبَاس عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من جر ثَوْبه خُيَلَاء ... الحَدِيث. وَأما مُتَابعَة عمر بن مُحَمَّد فوصلها مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر أخبرنَا عبد الله أخبرنَا عمر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن سَالم بن عبد الله وَنَافِع عَن عبد الله بن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِن الَّذِي يجر ثَوْبه من الْخُيَلَاء ... الحَدِيث. وَأما مُتَابعَة قدامَة بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة ابْن مُوسَى الجُمَحِي فوصلها أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) بِلَفْظ حَدِيث مَالك الْمَذْكُور فِي أول الْبَاب.

6 - (بابُ الإزارِ المُهَدَّبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم لبس الْإِزَار المهدب بِضَم الْمِيم وَفتح الْهَاء وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَهُوَ الْإِزَار الَّذِي لَهُ هدب جمع هدبة وَهِي الخملة، وَمَا على أَطْرَاف الثَّوْب، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ غَيره: المهدب الَّذِي لَهُ هدب وَهِي أَطْرَاف من سدًى بِغَيْر لحْمَة، وَرُبمَا يقْصد بهَا التجمل، وَقد تفتل صِيَانة لَهَا من الْفساد، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ مَا يبْقى من الخيوط من أَطْرَاف الأردية.
ويُذْكَرُ عنِ الزُّهْرِيِّ وَأبي بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ وحْمْزَة بنِ أبي أُسَيْدٍ ومُعاوِيَةَ بنِ عبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ أنَّهُمْ لَبِسُوا ثيابًا مُهَدَّبَةً.
الزُّهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، وَحَمْزَة بن أبي أسيد مصغر أَسد الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، وَمُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب الْمدنِي التَّابِعِيّ، مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع قَالَ ابْن بطال. الثِّيَاب المهدبة من لبس السّلف وَأَنه لَا بَأْس بِهِ وَلَيْسَ ذَلِك من الْخُيَلَاء، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَابر: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محتبٍ بشملة قد وَقع هدبها على قدمه، وَفِيه: وَإِيَّاك وإسبال الْإِزَار فَإِنَّهُ من المخيلة.

5792 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قالَتْ: جاءَتِ امْرَأةُ رِفاعَةَ القُرَظِيِّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا جالِسَةٌ وعِنْدَهُ أبُو بَكْرٍ، فقالَتْ: يَا رسولَ الله {إنِّي كُنْتُ تَحْتَ رفاعَةَ فَطَلَّقَني فَبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الزَّبِيرِ وإنَّهُ وَالله مَا مَعَهُ يَا رَسُول الله إلاَّ مِثْلُ هاذِهِ الهُدْبَةِ، وأخَذَتْ هُدْبةً مِنْ جِلْبابِها، فَسَمِعَ خالِدُ بنُ سَعيدٍ قَوْلَها وهْوَ بِالْبابِ لَمْ يُؤْذَنْ لهُ، قالَت: فَقَالَ خالِدٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ} ألاَ تَنْهِي هاذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلا وَالله مَا يَزيدُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى التَّبَسُّمِ، فَقَالَ لَها رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَعَلَّكِ تُرِيدينَ أنْ تَرْجِعِي إِلَى رفاعَةَ؟ لَا حتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، فَصارَتْ سُنَّةً بَعْدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إلاَّ مثل هَذِه الهدبة) وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّلَاق فِي: بَاب من أجَاز طَلَاق الثَّلَاث، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة ابْن الزبير إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لَا) أَي: لَا يجوزلك أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة (حَتَّى يَذُوق عُسَيْلَتك) والعسيلة كِنَايَة عَن لَذَّة الْجِمَاع، وَالْعَسَل يؤنث فِي بعض اللُّغَات. قَوْله: (فَصَارَت سنة بعد) من كَلَام الزُّهْرِيّ أَي: صَارَت هَذِه الْقَضِيَّة شَرِيعَة بعد ذَلِك، يَعْنِي: أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا تحل للزَّوْج الأول إلاَّ بعد جماع الزَّوْج الثَّانِي. قَوْله: (بعد) بِضَم الدَّال، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بعده، بالضمير.

7 - (بابُ الأرْدِيَةِ)

(21/300)


أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الأردية، وَهُوَ جمع رِدَاء بِالْمدِّ، وَهُوَ مَا يوضع على العاتق أَو بَين الْكَتِفَيْنِ من الثِّيَاب على أَي صفة كَانَ.
وَقَالَ أنَسٌ: جَبَذَ أعْرابِيٌّ رِداءَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث أخرجه فِي بَاب البرود والحبرة على مَا يَجِيء فِي هَذَا بعد تِسْعَة أَبْوَاب. قَوْله: جبذ بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة وَهُوَ بِمَعْنى: جذب.

5793 - حدّثنا عَبْدانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي عَلِيُّ بنُ حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ عَليٍّ أخبرهُ أنَّ عَلِيًّا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فدَعا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرِدائِهِ فارْتَدَى بِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشي واتَّبَعْتُهُ أَنا وزَيْدُ بنُ حارِثَةَ حتَّى جاءَ البَيْتَ الذِي فيهِ حَمْزَةُ، فاسْتَأْذَنَ فأذِنُوا لَهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردائه فارتدى بِهِ) وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي: بَاب فرض الْخمس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه عَن عَبْدَانِ: أخبرنَا عبد الله أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي عَليّ بن الْحُسَيْن أَن الْحُسَيْن بن عَليّ أخبرهُ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ لي شَارف من نَصِيبي من الْمغنم يَوْم بدر إِلَى آخِره.
قَوْله: (فِيهِ حَمْزَة) هُوَ ابْن عبد الْمطلب. قَوْله: (فأذنوا لَهُم) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِصِيغَة الْجمع وَالْمرَاد حَمْزَة وَمن كَانَ مَعَه، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فاذن، بِالْإِفْرَادِ أَي: فَأذن حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ.

8 - (بابُ لُبْسِ القَمِيصِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان لبس الْقَمِيص، أَرَادَ أَن لبسه لَيْسَ بحادث، وَإِن كَانَ الشَّائِع فِي الْعَرَب لبس الْإِزَار والرداء.
وقَوْلِ الله تَعَالَى حِكايَةً عنْ يُوسُفَ {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا} (يُوسُف: 93) .
وَقَول الله، مجرور عطفا على قَوْله: لبس الْقَمِيص، ذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة إِشَارَة إِلَى أَن الْقَمِيص قديم، وَقَالَ ابْن بطال: إِن لبس الْقَمِيص من الْأَمر الْقَدِيم.

5794 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا حَمادٌ عنْ أيوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رسولَ الله {مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّياب؟ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ وَلَا السَّراوِيلَ وَلَا البُرْنسَ وَلَا الخُفَّيْنِ إلاَّ أنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أسْفَلُ مِنَ الكَعْبَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا يلبس الْمحرم الْقَمِيص) وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب من أجَاب السَّائِل بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب مَا ينْهَى عَن الطّيب للْمحرمِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

5795 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرٍ وسَمِعَ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أتَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبْدَ الله بنَ أُبَيٍّ بَعْدَما أُدْخِلَ قَبْرَهُ فأمَرَ بِهِ فأُخْرِجَ وَوُضِعَ عَلى رُكْبَتَيْهِ، ونَفَثَ عليْهِ مِنْ رِيقِهِ وألْبَسَهُ قَمِيصَهُ، وَالله أعْلَمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَألبسهُ قَمِيصه) وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المسندي، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعَمْرو بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب هَل يخرج الْمَيِّت من الْقَبْر؟ وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَعبد الله بن أبي بن سلول الْمُنَافِق، وَالله أعلم بالحكمة فِي هَذَا الْإِحْسَان إِلَيْهِ.
قَوْله: (رُكْبَتَيْهِ) بالتثنية، ويروى: ركبته بِالْإِفْرَادِ.

5796 - حدّثنا صَدَقَةُ أخبرنَا يَحْياى بنُ سَعيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: أَخْبرنِي نافِعٌ عنْ عبْدِ الله قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عبْدُ الله بنُ أُُبَيٍّ جاءَ ابْنُهُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسُولَ الله} أعْطِنِي قَمِيصَكَ

(21/301)


أُكَفِّنْهُ فِيهِ وصَلِّ عَليهِ واسْتغْفِر لَهُ، فأعْطاهُ قَمِيصَهُ، وَقَالَ لهُ: إِذا فَرَغْتَ مِنْهُ فآذِنَّا، فلَمَّا فرَغَ آذَنَهُ بِهِ فَجاءَ لِيُصَلِّيَ عَليْهِ فَجذَبَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: ألَيْسَ قَدْ نَهاكَ الله أنْ تُصَلِّيَ على المُنافِقِينَ؟ فَقَالَ: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم} (التَّوْبَة: 80) . فَنَزَلَتْ: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} (التَّوْبَة: 84) فَتَرَك الصَّلاةَ عَليْهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَعْطِنِي قَمِيصك) وَفِي قَوْله: (فَأعْطَاهُ قَمِيصه) .
وَصدقَة هُوَ ابْن الْفضل، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث مضى فِي سُورَة بَرَاءَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: لم أر للقميص ذكرا صَحِيحا إِلَّا فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة. وقصة ابْن أبي، وَلم أر لَهما ثَالِثا فِيمَا يتَعَلَّق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جَاءَ ذكر الْقَمِيص فِي عدَّة أَحَادِيث أخر. مِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة الَّذِي مضى فِي الْجَنَائِز: كفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة. وَمِنْهَا: حَدِيث أم سَلمَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: (كَانَ أحب الثِّيَاب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَمِيص) وَمِنْهَا: حَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن، قَالَت: (كَانَ كم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الرسغ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لبس قَمِيصًا بَدَأَ بميامنه) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ غير وَاحِد عَن شُعْبَة وَلم يرفعهُ وَإِنَّمَا رَفعه عبد الصَّمد بن عبد الْوَهَّاب عَن شُعْبَة وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسم عِمَامَة أَو قَمِيصًا أَو رِدَاء وَذكر أَبُو دَاوُد أَن حَمَّاد بن سَلمَة وَعبد الْوَهَّاب أَرْسلَاهُ.

9 - (بابُ جَيْبِ القَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وغيْرِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر جيب الْقَمِيص الْكَائِن من عِنْد الصَّدْر، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا وَقع فِي حَدِيث الْبَاب من قَوْله: وَيَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه، فَإِن الظَّاهِر أَنه كَانَ لابس قَمِيص وَكَانَ فِي طوقه فَتْحة إِلَى صَدره، وَعَن هَذَا قَالَ ابْن بطال: كَانَ الجيب فِي ثِيَاب السّلف عِنْد الصَّدْر، وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: كَانَ أَبَا عبد الله أورد الْخَبَر فَيصير مَا يوضع فِيهِ شَيْء فِي الصَّدْر وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الجيب الَّذِي يُحِيط بالعنق جيب فِي الثَّوْب أَي: جعل فِيهِ ثقب وإدخاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إصبعيه من الجيب حَيْثُ يَلِي الصَّدْر. قلت: الجيب بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة، وَهُوَ مَا يقور من الثَّوْب ليخرج مِنْهُ رَأس اللابس، وَيُسمى ذَلِك الْموضع المقور جيباً، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الجيب للقميص، تَقول: جبت الْقَمِيص أجوبة وأجيبه إِذا قورت جيبه، وَذكره فِي بَاب معتل الْعين من الْوَاو، وَفِي (الْمطَالع) : وَقيل: هُوَ من ذَوَات الْيَاء.

5797 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا أبُو عامِرٍ حَدثنَا إبْراهِيمُ بنُ نافِعٍ عنِ الحَسَنِ عنْ طاوُوس عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: ضَرَبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَثَلَ البَخِيلِ والْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَليْهِما جُبَّتانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطَرَّتْ أيْدِيهُما إِلَى ثُدِيِّهِما وتَرَاقِيهِما، فَجَعَلَ المتَصَدِّقُ كُلَّما تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حتَّى تَغْشَى أنامِلَهُ وتعْفُوَ أثَرَهُ، وجَعَلَ البخِيلُ كُلَّما هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ وأخَذَتْ كلُّ حَلْقَةٍ بِمَكانِها، قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنا رأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بإصْبَعِهِ هاكَذَا فِي جَيْبِهِ، فَلوْ رأيْتَهُ يُوَسِّعُها وَلَا تَتَوَسَّعُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَيَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه) وَتَمام الْكَلَام مر آنِفا، وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المنسدي، وَأَبُو عَامر عبد الْملك الْعَقدي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْقَاف، وَإِبْرَاهِيم بن نَافِع المَخْزُومِي، وَالْحسن هُوَ ابْن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث قد مرفى الزَّكَاة فِي: بَاب مثل الْمُتَصَدّق والبخيل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين، وَأخرجه أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل: مثل الْبَخِيل والمتصدق شبههما برجلَيْن أَرَادَ كل مِنْهُمَا أَن يلبس درعاً، فَجعل مثل الْمُنفق مثل من لبسهَا سابغة فاسترسلت عَلَيْهِ

(21/302)


حَتَّى سترت جَمِيع بدنه وَزِيَادَة، وَمثل الْبَخِيل كَرجل يَده مغلولة إِلَى عُنُقه مُلَازمَة لتر قوته، وَصَارَت الدرْع ثقلاً ووبالاً عَلَيْهِ لَا يَتَّسِع بل تنزوي عَلَيْهِ من غير وقاية لَهُ. قَوْله: (عَلَيْهِمَا جبتان) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة تَثْنِيَة جُبَّة. قَوْله: (إِلَى ثديهما) بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة جمع ثدي، والثدي يذكر وَيُؤَنث، وَهُوَ للْمَرْأَة وَالرجل وَالْجمع أثد وثدي على فعول وثدي أَيْضا بِكَسْر الثَّاء لما بعْدهَا من الْكسر. قَوْله: (وتراقيهما) تَثْنِيَة ترقوة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الرَّاء وَضم الْقَاف، وَهِي الْعظم الَّذِي بَين ثغرة النَّحْر والعاتق. قَوْله: (حَتَّى تغشى) أَي: حَتَّى تغطي أنامله، وَهِي رُؤُوس الْأَصَابِع وَاحِدهَا أُنملة، وفيهَا تسع لُغَات بِتَثْلِيث الْهمزَة مَعَ تثليث الْمِيم. قَوْله: (وَتَعْفُو أَثَره) أَي: تمحو آثَار مشْيَة لسبوغها وطولها وإسبال ذيلها. قَوْله: (قلصت) بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة، أَي: تَأَخَّرت وانضمت وانزوت. قَوْله: (كل حَلقَة) بِسُكُون اللَّام وَكَذَا حَلقَة الْبَاب وَالْقَوْم وَجَمعهَا حلق على غير قِيَاس، يَعْنِي: بِفَتْح اللَّام وَحكى عَن أبي عَمْرو: أَن الْوَاحِد حَلقَة بِالتَّحْرِيكِ وَالْجمع حلق بِالْفَتْح، وَقَالَ الشَّيْبَانِيّ: لَيْسَ فِي الْكَلَام حَلقَة بِالتَّحْرِيكِ إلاَّ جمع حالق. قَوْله: (يَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده: جبته، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا تَاء مثناة من فَوق ثمَّ ضمير، وَالْأول أولى لموافقته للتَّرْجَمَة وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَعَلِيهِ اقْتصر الْحميدِي. وَفِيه: دلَالَة على أَن جيبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي صَدره لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي يَده لم تضطر يَدَاهُ إِلَى ثدييه وتراقيه. قَوْله: (فَلَو رَأَيْته) جَوَابه مَحْذُوف نَحْو: لتعجبت مِنْهُ، أَو: هُوَ لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب. قَوْله: (يوسعها) أَي: يُوسع الْبَخِيل الْجُبَّة الَّتِي عَلَيْهِ يَعْنِي: كلما يعالج أَن يوسعها فَلَا تتوسع بل تزداد ضيقا ولزاماً.
تابَعَهُ ابنُ طاوُوس عنْ أبِيهِ وأبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ فِي الجُبَّتَيْنِ. وَقَالَ حَنْظَلَة: سَمِعْتُ طاوُوساً سمِعتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جُبَّتانِ، وَقَالَ جَعْفَرٌ عنِ الأعْرَجِ: جُنَّتانِ.
أَي: تَابع الْحسن بن مُسلم ابْن طَاوُوس يَعْنِي عبد الله عَن أَبِيه طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة فِي رِوَايَته: جبتان، بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة. وَأخرج البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة مُسندَة فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب مثل الْمُتَصَدّق والبخيل، رَوَاهُ عَن مُوسَى عَن وهيب عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة ... الحَدِيث، وَفِيه: جبتان، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة. قَوْله: (وَأَبُو الزِّنَاد) أَي: وَتَابعه أَيْضا أَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة. وَفِيه أَيْضا: جبتان، بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (وَقَالَ حَنْظَلَة) هُوَ ابْن أبي سُفْيَان إِلَى آخِره ... وَفِيه أَيْضا: جبتان، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر فِي الزَّكَاة أَيْضا قَوْله: (وَقَالَ جَعْفَر عَن الْأَعْرَج: جنتان) أَي: قَالَ جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج: جنتان، بالنُّون تَثْنِيَة جنَّة، وَهِي الْوِقَايَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: جَعْفَر بن ربيعَة، وَهُوَ الصَّوَاب، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: جَعْفَر بن حَيَّان، وَكَذَا وَقع عِنْد ابْن بطال، وَهُوَ خطأ وَقد ذكرهَا فِي الزَّكَاة، وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر عَن ابْن هُرْمُز سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جنتان.

10 - (بابُ مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الكُمَّيْنِ فِي السَّفَرِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من لببس جُبَّة، وَقد ترْجم فِي كتاب الصَّلَاة بقوله: الصَّلَاة فِي الْجُبَّة الشامية، وَفِي الْجِهَاد: الْجُبَّة فِي السّفر وَالْحَرب.

5798 - حدّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا الأعْمَشُ، قَالَ: حدّثني أبُو الضُّحَى قَالَ حدّثني مَسْرُوقٌ قَالَ: حدّثني المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ قَالَ: انْطلَقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحاجَتِهِ ثُمَّ أقْبَلَ فَتَلقَّيْتُهُ بِماءٍ فَتَوَضَّأ وعليْهِ جُبَّةٌ شأْمِيَّةٌ، فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ وغَسَلَ وجْهَهُ، فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكانا ضَيِّقَيْنِ، فأخرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الجُبَّةِ فَغَسَلَهُما ومَسَحَ برَأسِهِ وعَلى خُفَّيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقيس بن حَفْص الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ

(21/303)


أَو نَحْوهَا. قَالَه البُخَارِيّ وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو الضُّحَى هُوَ مُسلم بن صبيح.
والْحَدِيث قد مر فِي الْوضُوء فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
قَوْله: (شامية) بتَشْديد الْيَاء وَيجوز تخفيفها. قَوْله: (فَأخْرج يَدَيْهِ من تَحت الْجُبَّة) وَوَقع فِي رِوَايَة على ابْن السكن من تَحت بدنه بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة بعْدهَا نون أَي: جبته، وَالْبدن درع ضيقَة الكمين.

11 - (بابُ لُبْسِ جُبَّةِ الصُّوفِ فِي الغَزْوِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي لبس جُبَّة الصُّوف، وَفِي بعض النّسخ بِلَفْظ: لبس جُبَّة الصُّوف، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: فِي الْغَزْو، وَأَرَادَ بِلَفْظ: الْغَزْو السّفر، وَعَن مَالك: لَا أكره لبس الصُّوف لمن لم يجد غَيره، وأكرهه لمن يجد غَيره، لِأَن غَيره أبعد من الشُّهْرَة مِنْهُ.

5799 - حدّثنا أبُو نعَيْمٍ حدّثنا زَكَرِيَّا عنْ عامِرٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ المُغِيرَةِ عنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: أمَعَكَ ماءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَنزَلَ عنْ راحِلَتِهِ فَمَشَى حتَّى تَوارَى عَنِّي فِي سَوادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جاءَ فأفْرَغْتُ علَيْهِ الإِداوَةَ، فَغَسَلَ وجْهَهُ ويَدَيْهِ، وعَليْهِ جبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُخْرِجَ ذِراعَيْهِ منْها حتَّى أخْرَجَهُما مِنْ أسْفَلِ الْجُبَّة فَغَسلَ ذرَاعَيْهِ ثُمَّ مسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أهْوَيْتُ لإنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُما فإِنِّي أدْخَلْتُهُما طاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَليْهِما.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعَلِيهِ جُبَّة من صوف) وَأَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن وزَكَرِيا هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وَعُرْوَة بن الْمُغيرَة يروي عَن أَبِيه الْمُغيرَة بن شُعْبَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْوضُوء فِي: بَاب إِذا أَدخل رجلَيْهِ وهما طاهرتان. وَأخرجه بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي نعيم إِلَى آخِره، وَلَكِن هَذَا أتم من ذَاك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

12 - (بابُ القَباءِ وفَرُّوجٍ حَرِير وهْوَ القَباءُ. ويُقالُ: هُوَ الَّذِي لهُ شَقٌّ مِنْ خَلْفِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر القباء، بِفَتْح الْقَاف وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد، فَارسي مُعرب، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ مَأْخُوذ من قبوت الشَّيْء إِذا جمعته. . قَوْله: (وفروج) بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء المضمومة وبالجيم. قَوْله: (حَرِير) ، بِالْجَرِّ صفته. قَوْله: (وَهُوَ القباء) أَي: الْفروج هُوَ القباء. قَوْله: (وَيُقَال: هُوَ الَّذِي) أَي: الْفروج هُوَ الَّذِي لَهُ شقّ بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة من خَلفه، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: القباء والفروج كِلَاهُمَا ثوب ضيق الكمين وَالْوسط مشقوق من خَلفه يلبس فِي السّفر وَالْحَرب لِأَنَّهُ أعون على الْحَرَكَة، وَقَالَ ابْن بطال: القباء من لبس الْأَعَاجِم.

5800 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَر بنِ مخْرمَةَ أنَّهُ قَالَ: قَسَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبِيَةً ولَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةً شيْئاً، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ انْطَلِقْ بِنا إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَالَ: ادْخُلْ فادْعُهُ لي، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ وعَليْهِ قَباءٌ مِنْها، فَقَالَ: خَبأْتُ هاذَا لَكَ؟ قَالَ: فَنظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: رضيَ مَخْرَمَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، والمسور بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وبالراء ابْن مخرمَة بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء كِلَاهُمَا صحابيان، ومخرمة بن نَوْفَل الزُّهْرِيّ كَانَ من رُؤَسَاء قُرَيْش وَمن العارفين بِالنّسَبِ وأنصاب الْحرم، وَتَأَخر إِسْلَامه إِلَى الْفَتْح وَشهد حنيناً وَأعْطى من تِلْكَ الْغَنِيمَة مَعَ الْمُؤَلّفَة، وَمَات مخرمَة سنة أَربع وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَخمْس عشرَة سنة، ذكره ابْن سعد.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْهِبَة فِي: بَاب كَيفَ يقبض العَبْد وَالْمَتَاع بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى فِي الشَّهَادَات أَيْضا وَالْخمس.
قَوْله: (ادخل

(21/304)


فَادعه لي) وَفِي رِوَايَة حَاتِم بن وردان: فَقَامَ أبي على الْبَاب فَتكلم، فَعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوته وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد سَماع صَوت مخرمَة صَادف دُخُول الْمسور إِلَيْهِ. قَوْله: (فَخرج) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَعَلِيهِ قبَاء مِنْهَا) أَي من تِلْكَ الأقبية، ظَاهره اسْتِعْمَال الْحَرِير، قيل: وَيجوز أَن يكون قبل النَّهْي، وَيجوز أَن يكون خرج، وَقد نشرها على يَدَيْهِ فَيكون قَوْله: (وَعَلِيهِ) من إِطْلَاق الْكل على الْجُزْء، وَقد وَقع فِي رِوَايَة حَاتِم: فَخرج وَمَعَهُ قبَاء وَهُوَ يرِيه محاسنه. قَوْله: (قَالَ: رَضِي مخرمَة) قَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: من كَلَام مخرمَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ بأبسط من هَذَا.

5801 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عنْ أبي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ ابنِ عامِرٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ، قَالَ: أُُهْدِيَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلبِسَهُ ثُمَّ صَلى فيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَزَعَهُ نَزْعاً شَدِيداً كالْكارِهِ لهُ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَنْبَغِي هاذَا لِلْمُتقِينَ. (انْظُر الحَدِيث: 375) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فروج حَرِير) وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب واسْمه سُوَيْد الْمصْرِيّ، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب من صلى فِي فروج حَرِير ثمَّ نَزعه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث إِلَى آخِره.
قَوْله: (فروج حَرِير) بِالْإِضَافَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: فروج من حَرِير، وَفِي (التَّوْضِيح) : الْفروج بِفَتْح الْفَاء وَضمّهَا وَقَالَ ابْن فَارس: هُوَ قَمِيص صَغِير، قَالَ: وَيُقَال: هُوَ القباء، وَفِي بعض الرِّوَايَات مخفف الرَّاء وَفِي بَعْضهَا بِالتَّشْدِيدِ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِأَن أَحدهمَا غير مُضَاف وَالْآخر مُضَاف كَثوب حَرِير وَبَاب حَدِيد، وَفِي بعض الْكتب ضبط أَحدهمَا بِفَتْح الْفَاء وَالْآخر بضَمهَا وَالْفَتْح أوجه فَافْهَم قَوْله: (نزعاً شَدِيدا) وَزَاد فِي رِوَايَة أَحْمد: عنيفاً، أَي: بِقُوَّة ومبادرة لذَلِك على خلاف عَادَته فِي الرِّفْق، وَيجوز أَن يكون ذَلِك لأجل وُقُوع التَّحْرِيم حينئذٍ. قَوْله: (هَذَا) يجوز أَن يكون إِشَارَة إِلَى اللّبْس وَأَن يكون إِشَارَة للحرير لكَونه حرم حينئذٍ، وَقَالَ ابْن بطال: يُمكن أَن يكون نَزعه لكَونه كَانَ حَرِيرًا صرفا، وَيُمكن أَن يكون نَزعه لِأَنَّهُ من جنس لِبَاس الْأَعَاجِم، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: المُرَاد بالمتقين الْمُؤْمِنُونَ، لأَنهم هم الَّذين خَافُوا الله تَعَالَى واتقوه بإيمَانهمْ وطاعتهم لَهُ.
تابَعَهُ عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ عنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: فَرُّوجٌ حَرِيرٌ
أَي: تَابع قُتَيْبَة بن سعيد فِي رِوَايَته عَن اللَّيْث عبد الله بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ عَن اللَّيْث، وَمر هَذَا مُسْندًا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب من صلى فِي فروج حَرِير، ثمَّ نَزعه؛ حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث عَن يزِيد عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر إِلَى آخِره. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) أَي: غير عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: فروج، يَعْنِي أَن لفظ حَرِير مَرْفُوع صفة لفروج، وَقد روى هَذِه الرِّوَايَة أَحْمد عَن حجاج بن مُحَمَّد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، والْحَارث عَن يُونُس بن مُحَمَّد الْمُؤَدب كلهم عَن اللَّيْث.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُغَايرَة بَين الرِّوَايَتَيْنِ على خَمْسَة أوجه. الأول: التَّنْوِين وَالْإِضَافَة كَمَا تَقول: ثوبُ خَز بِالْإِضَافَة، وثوبٌ خزٌ بِالصّفةِ. الثَّانِي: ضم الْفَاء فِيهِ وَفتحهَا حَكَاهُ ابْن التِّين من حَيْثُ الرِّوَايَة، قَالَ: وَالْفَتْح أوجه، لِأَن فعولًا لم يرد إلاَّ فِي سبوح وقدوس وفروخ فرخ الدَّجَاج، وَحكى عَن أبي الْعَلَاء المغربي جَوَاز الضَّم، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: حُكيَ الضَّم وَالْفَتْح وَالضَّم هُوَ الْمَعْرُوف. الثَّالِث: تَشْدِيد الرَّاء وتخفيفها، حَكَاهُ عِيَاض. الرَّابِع: هَل هُوَ بجيم فِي آخِره أَو بخاء مُعْجمَة؟ حَكَاهُ عِيَاض أَيْضا الْخَامِس: مَا حَكَاهُ الْكرْمَانِي فَقَالَ: الأول فروج من حَرِير بِزِيَادَة: من، وَالثَّانِي: بحذفها، وَقَالَ بَعضهم: وَزِيَادَة: من، لَيْسَ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) قلت: مَا ادّعى الْكرْمَانِي أَنَّهَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ) وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد.

13 - (بابُ البَرانِسِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لبس البرانس وَهُوَ جمع برنس بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَالنُّون وَبَينهمَا رَاء سَاكِنة وبالسين الْمُهْملَة، وَهِي القلنسوة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي الْحَج.

5802 - وَقَالَ لي مُسَدَّدٌ حدّثنا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْت أبي قَالَ: رأيْتُ عَلى أنَسٍ بُرْنُساً أصْفَرَ منْ خَزٍ.

(21/305)


مُسَدّد هُوَ شيخ البُخَارِيّ كَأَنَّهُ أَخذ هَذَا عَنهُ مذاكرة، وَلكنه مَوْصُول لقَوْله: قَالَ لي، وَلم يَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ لفظ. لي، فَيكون مُعَلّقا، وَوَصله ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن علية عَن يحيى بن أبي إِسْحَاق قَالَ: رَأَيْت على أنس بن مَالك برنس خَز. ومعتمر الَّذِي هُوَ أَخ الْحَاج يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان التَّيْمِيّ.
قَوْله: برنساً ذكر عبد الله بن أبي بكر: مَا كَانَ أحد من الْقُرَّاء إلاَّ لَهُ برنس يَغْدُو فِيهِ وخميصة يروح فِيهَا، وَسُئِلَ مَالك عَن لبسهَا: أتكرهها؟ فَإِنَّهُ يشبه لِبَاس النَّصَارَى، قَالَ: لَا بَأْس بهَا، وَقد كَانُوا يلبسونها هُنَا. قَوْله: (من خَز) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الزَّاي وَهُوَ مَا غلظ من الديباج وَأَصله من وبر الأرنب، وَيُقَال لذكر الأرنب: خذر، بِوَزْن: عمر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْخَزّ هُوَ المنسوج من الإبريسم وَالصُّوف، وَفِي (التَّوْضِيح) : هُوَ حَرِير يخلط بوبر وَشبهه، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ مَا أحد نوعيه السدى أَو اللحمة حَرِير وَالْآخر سواهُ، فقد لبسه جمَاعَة من السّلف، وَكَرِهَهُ آخَرُونَ، فَمِمَّنْ لبسه: الصّديق وَابْن عَبَّاس وَأَبُو قَتَادَة وَابْن أبي أوفى وَسعد بن أبي وَقاص وَجَابِر وَأنس وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَابْن الزبير وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وَمن التَّابِعين: ابْن أبي ليلى وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ وَعُرْوَة وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَيَّام إمارته، وَزَاد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَعبيد الله بن عبد الله وَالْحُسَيْن بن عَليّ وَقيس بن أبي حَازِم وشبيل بن عزْرَة وَأَبا عبيد بن عبد الله وَمُحَمّد بن عَليّ بن حُسَيْن وَعلي بن حُسَيْن وَسَعِيد بن الْمسيب وَعلي بن زيد وَابْن عون، وَعَن خَيْثَمَة: أَن ثَلَاثَة عشر من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يلبسُونَ الْخَزّ، وَقَالَ ابْن بطال: رُوِيَ عَن مَالك أَنه قَالَ: لَا يُعجبنِي لبس الْخَزّ وَلَا أحرمهُ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: إِنَّمَا كرهه لأجل السَّرف وَلم يحرمه من أجل من لبسه، وَقد كرهه: ابْن عمر وَسَالم وَالْحسن وَمُحَمّد وَابْن جُبَير، وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن سعيد عَن أَبِيه قَالَ: رَأَيْت رجلا ببخارى على بغلة عَلَيْهِ عِمَامَة خَز سَوْدَاء، فَقَالَ: كسانيها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّسَائِيّ: قَالَ بَعضهم: قيل: إِن هَذَا الرجل عبد الله بن حَازِم السّلمِيّ أَمِير خُرَاسَان، وَلما ذكره البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) قَالَ: مَا أرى أَنه أدْرك سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: ذكره الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) ، وَقَالَ عبد الله بن حَازِم بن أَسمَاء بن الصَّلْت: أَبُو صَالح السّلمِيّ أَمِير خُرَاسَان بَطل مَشْهُور، قَلِيل: لَهُ صُحْبَة، وتمت لَهُ حروب كَثِيرَة أوردناها فِي التَّارِيخ الْكَامِل

5803 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ: أنَّ رجُلاً قَالَ: يَا رسولَ الله! مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَلْبَسُوا القُمُصَ وَلَا العَمائِمَ ولاَ السَّرَاويلاَتِ وَلَا البَرانِسَ وَلَا الخِفافَ إلاَّ أحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِن الثِّيابِ شَيْئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الوَرْسُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا البرانس) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب مَا لَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب، حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن نَافِع إِلَى آخِره، وَأخرجه فِي آخر كتاب الْعلم عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَعَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

14 - (بابُ السَّرَاوِيلِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ السَّرَاوِيل، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: السَّرَاوِيل مَعْرُوف يذكر وَيُؤَنث، وَالْجمع السراويلات، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَرَاوِيل وَاحِدَة هِيَ عجمية عربت فَأَشْبَهت من كَلَامهم مَا لَا ينْصَرف فِي معرفَة وَلَا نكرَة، فَهِيَ مصروفة فِي النكرَة، وَمن النَّحْوِيين من لَا يصرفهُ أَيْضا فِي النكرَة، وَيَزْعُم أَنه جمع سروال وسروالة، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: روينَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَن أول من لبس السروايل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام رَوَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ، وَقيل: هَذَا هُوَ السَّبَب فِي كَون أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة، كَمَا ثَبت فِي (الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، فَلَمَّا كَانَ أول من أَتَّخِذ هَذَا النَّوْع من اللبَاس الَّذِي هُوَ أستر للعورة من سَائِر الملابس جوزي بِأَن يكون أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة.
وَفِيه: اسْتِحْبَاب لبس السَّرَاوِيل، وَقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُوَيْد بن قيس قَالَ: جلبت أَنا ومخرفة الْعَبْدي بزاً من هجر، فجاءنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسادومنا بسراويل ... الحَدِيث، وَرَوَاهُ أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مطولا. وَفِيه: إخْبَاره صلى الله

(21/306)


عَلَيْهِ وَسلم عَن نَفسه أَنه يلبس السَّرَاوِيل، وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم كَلمه ربه كسَاء صوف وكمه صوف وجبة صوف وَسَرَاويل صوف وَكَانَت نعلاه من جلد حمَار ميت، والكمة القلنسوة الصَّغِيرَة.

5804 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وعنْ جابِرِ بنِ زيْدٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ ومَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فليلبس سَرَاوِيل) وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار وَجَابِر بن زيد أَبُو الشعْثَاء الْأَزْدِيّ الجوفي بِالْجِيم نَاحيَة عمان الْبَصْرِيّ، وَمضى الحَدِيث فِي الْحَج فِي: بَاب إِذا لم يجد الْإِزَار فليلبس السَّرَاوِيل.

5805 - حدّثنا مُوسَى بنِ إسماعيلَ حَدثنَا جُوَيْرِيَةُ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قامَ رجُلٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله {مَا تأمُرُنا أنْ نَلْبَسَ إذَا أحْرَمْنا؟ قَالَ: لَا تَلْبَسُوا القَمِيصَ والسَّرَاوِيلَ والعَمائِمَ والبَرانِسَ والخِفافَ إلاَّ أنْ يَكُون رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شيْئاً مِنَ الثِّيابِ مَسَّهُ زَعْفَرانٌ وَلَا وَرْسٌ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر الْمَاضِي فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَذكر الْكَلَام فِيهِ فِي الْحَج مستقصىً.

15 - (بابُ العَمائِمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر العمائم وَهُوَ جمع عِمَامَة، وعممته ألبسته الْعِمَامَة، وعمم الرجل سود لِأَن العمائم تيجان الْعَرَب كَمَا قيل فِي الْعَجم توج واعتم بالعمامة وتعمم بهَا بِمَعْنى، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا من أُمُور الْعِمَامَة، فَكَأَنَّهُ لم يثبت عِنْده على شَرطه فِي الْعِمَامَة شَيْء، وَفِي (كتاب الْجِهَاد) لِابْنِ أبي عَاصِم: حَدثنَا أَبُو مُوسَى حَدثنَا عُثْمَان بن عمر عَن الزبير ابْن جوان عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن} الْعِمَامَة سنة؟ فَقَالَ: نعم، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إذهب فاسدل عَلَيْك ثِيَابك وألبس سِلَاحك، فَفعل ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض مَا سدل بِنَفسِهِ ثمَّ عممه فسدل من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه، وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم عَن رشد عَن ابْن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بعمامة سَوْدَاء من قطن، وَأفضل لَهُ من بَين يَدَيْهِ مثل هَذِه، وَفِي رِوَايَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: عمم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَوْف بعمامة سَوْدَاء كرابيس وأرخاها من خَلفه قدر أَربع أصباع، وَقَالَ: هَكَذَا فاعتم، وَقَالَ مَالك: الْعمة والاحتباء والانتعال من عمل الْعَرَب، وَسُئِلَ مَالك عَن الَّذِي يعتم بالعمامة وَلَا يَجْعَلهَا من تَحت حلقه فأنكرها، وَقَالَ: ذَلِك من عمل النبط، وَلَيْسَت من عمَّة النَّاس إلاَّ أَن تكون قَصِيرَة لَا تبلغ أَو يفعل ذَلِك فِي بَيته أَو فِي مَرضه فَلَا بَأْس بِهِ، قيل لَهُ) فيرخي بَين الْكَتِفَيْنِ؟ قَالَ: لم أر أحدا مِمَّن أردركته يُرْخِي بَين كَتفيهِ إلاَّ عَامر بن عبد الله بن الزبير، وَلَيْسَ ذَلِك بِحرَام، وَلَكِن يرسلها بَين يَدَيْهِ وَهُوَ أكمل وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء قد أرْخى طرفها بَين كَتفيهِ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعتم سدل عمَامَته بَين كَتفيهِ، قَالَ نَافِع: وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله، وَقَالَ عبد الله بن عمر: رَأَيْت الْقَاسِم وسالماً يفْعَلَانِ ذَلِك، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اعتم أرْخى عمَامَته بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه. وَفِيه: الْحجَّاج بن رشد وَهُوَ ضَعِيف، وَفِي حَدِيث أبي عُبَيْدَة الْحِمصِي عَن عبد الله بن بشر قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَوْم خَيْبَر فعممه بعمامة سَوْدَاء أرسلها من وَرَائه وَعَن مَنْكِبه الْيُسْرَى، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: إِذا

(21/307)


وَقع إرخاء العذبة من بَين الْيَدَيْنِ كَمَا يَفْعَله طَائِفَة الصُّوفِيَّة وَجَمَاعَة من أهل الْعلم فَهَل الْمَشْرُوع فِيهِ إرخاؤها من الْجَانِب الْأَيْسَر كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد أَو إرسالها من الْجَانِب الْأَيْمن لشرفه؟ وَلم أر مَا يدل على تعْيين الْجَانِب الْأَيْمن إلاَّ فِي حَدِيث أبي أُمَامَة وَلكنه ضَعِيف، وَحَدِيث أبي أُمَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة جَمِيع بن ثوب عَن أبي سُفْيَان الرعيني عَن أبي أُمَامَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يولي والياً حَتَّى يعممه ويرخي لَهَا من الْجَانِب الْأَيْمن نَحْو الْأذن وَجَمِيع بن ثوب ضَعِيف، وَقَالَ شَيخنَا: وعَلى تَقْدِير ثُبُوته فَلَعَلَّهُ كَانَ يرخيها من الْجَانِب الْأَيْمن ثمَّ يردهَا من الْجَانِب الْأَيْسَر، كَمَا يَفْعَله بَعضهم، إلاَّ أَنه شعار الإمامية، وَقَالَ: مَا المُرَاد بسدل عمَامَته بَين كَتفيهِ؟ هَل المُرَاد سدل الطّرف الْأَسْفَل حَتَّى تكون عذبة؟ أَو المُرَاد سدل الطّرف الْأَعْلَى بِحَيْثُ يغرزها وَيُرْسل مِنْهَا شَيْئا خَلفه؟ يحْتَمل كلا من الْأَمريْنِ، وَلم أر التَّصْرِيح بِكَوْن المرخي من الْعِمَامَة عذبة إلاَّ فِي حَدِيث عبد الْأَعْلَى بن عدي، رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي (معرفَة الصَّحَابَة) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الله بن بشر عَن عبد الرَّحْمَن بن عدي البهراني عَن أَخِيه عبد الْأَعْلَى بن عدي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَوْم غَد يرخم فعممه وأرخى عذبة الْعِمَامَة من خَلفه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا فاعتموا، فَإِن العمائم سيماء الْإِسْلَام، وَهِي الحاجز بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين، وَقَالَ الشَّيْخ: مَعَ أَن العذبة الطّرف كعذبة السَّوْط وكعذبة اللِّسَان أَي: طرفه فالطرف الْأَعْلَى يُسمى عذبة من حَيْثُ اللُّغَة، وَإِن كَانَ مُخَالفا للإصطلاح الْعرفِيّ الْآن، وَفِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر مَا يَقْتَضِي أَن الَّذِي كَانَ يُرْسِلهُ بَين كَتفيهِ من الطّرف الْأَعْلَى رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ وَغَيره من رِوَايَة أبي عبد السَّلَام عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعتم؟ قَالَ: كَانَ يُدِير كور الْعِمَامَة على رَأسه ويغرزها من وَرَائه ويرخي لَهُ ذؤابة بَين كَتفيهِ.

5806 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْد الله حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: أَخْبرنِي سالِمٌ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ وَلَا العِمامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا البُرْنُسَ وَلَا ثَوْباً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ وَلَا الخُفَّيْنِ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فإِنْ لَمْ يَجِدْهُما فَلْيقْطَعْهُما أسفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا الْعِمَامَة) وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم.
والْحَدِيث قد مضى فِيمَا قبل: بَاب السَّرَاوِيل، غير أَنه أخرجه هُنَا من غير الطَّرِيق الَّذِي أخرجه هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

16 - (بابُ التقَنُّعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التقنع بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْقَاف وَضم النُّون الْمُشَدّدَة وبالعين الْمُهْملَة وَهُوَ: تَغْطِيَة الرَّأْس، وَأكْثر الْوَجْه برداء أَو غَيره.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَليْهِ عِصابَةٌ دَسْماءُ
هَذَا طرف من حَدِيث أخرجه مُسْندًا فِي مَوَاضِع مِنْهَا: فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْبَلُوا من محسنهم وتجاوزوا عَن مسيئهم: حَدثنَا أَحْمد بن يَعْقُوب حَدثنَا ابْن الغسيل سَمِعت عِكْرِمَة يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ملحفة متعطفاً بهَا على مَنْكِبَيْه وَعَلِيهِ عِصَابَة دسماء ... الحَدِيث، والدسماء بمهملتين وَالْمدّ ضد النظيفة، قلت: هَذَا تَفْسِير فِيهِ بشاعة، فَلَا يَنْبَغِي أَن يُفَسر عِصَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضد النَّظَافَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ودسماء، قيل: المُرَاد بهَا سَوْدَاء، وَيُقَال: ثوب دسم أَي: وسخ، وَجزم ابْن الْأَثِير أَن دسماء سَوْدَاء. وَفِي (التَّوْضِيح) : والتقنع للرجل عِنْد الْحَاجة مُبَاح، وَقَالَ ابْن وهب: سَأَلت مَالِكًا عَن التقنع بِالثَّوْبِ، فَقَالَ: أما الرجل الَّذِي يجد الْحر وَالْبرد أَو الْأَمر الَّذِي لَهُ فِيهِ عذر فَلَا بَأْس بِهِ، وَأما لغير ذَلِك فَلَا. وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: إِذا تقنع لدفع مضرَّة فمباح وَلغيره فمكروه،

(21/308)


فَإِنَّهُ من فعل أهل الريب، وَيكرهُ أَن يفعل شَيْئا يظنّ بِهِ الرِّيبَة.
وَقَالَ أنَسٌ: عَصَّبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى رَأسِهِ حاشِيَةَ بُرْدٍ.
هَذَا أَيْضا طرف من حَدِيث أخرجه فِي الْبَاب الْمَذْكُور فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار من طَرِيق هِشَام بن زيد بن أنس: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد عصب على رَأسه حَاشِيَة برد. قَوْله: (عصب) بتَشْديد الصَّاد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: حَاشِيَة الْبرد جَانِبه، وَقَالَ الْقَزاز: حَاشِيَة الثَّوْب ناحيتاه اللَّتَان فِي طرفهما المهدب، وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ بِأَن مَا ذكره من الْعِصَابَة لَا يدْخل فِي التقنع لِأَن التقنع تَغْطِيَة الرَّأْس والعصابة شدّ الْخِرْقَة على مَا أحَاط بالعمامة، وَأجَاب بَعضهم بقوله: الْجَامِع بَينهمَا وضع شَيْء زَائِد على الرَّأْس فَوق الْعِمَامَة، قلت: فِي كل من الِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب نظر، أما فِي الِاعْتِرَاض فَلِأَن قَوْله: والعصابة شدّ الْخِرْقَة على مَا أحَاط بالعمامة، لَيْسَ كَذَلِك، بل الْعِصَابَة شدّ الرَّأْس بِخرقَة مُطلقًا، وَأما فِي الْجَواب فَلِأَن قَوْله: زَائِد، لَا فَائِدَة فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله: فَوق الْعِمَامَة لِأَنَّهُ يلْزم من أَنه إِذا كَانَت تَحت الْعِمَامَة لَا تسمى عِصَابَة.

5807 - حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ مُوساى أخبرنَا هِشامٌ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: هاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ رجالٌ مِنَ المُسْلِمِين وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرةٍ مُهاجِراً فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلى رِسْلِكَ! فإِنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لِي. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أوْ تَرْجُوهُ بِأبِي أنْتَ وأُُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أبُو بَكْرٍ: نَفْسَهُ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَصْحَبَهُ، وعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا عِنْدِه ورَقَ السَّمُرِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، قَالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: فَبَيْنا نَحْنُ يَوْماً جُلُوسٌ فِي بَيْتِنا فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ قائِلٌ لأبي بَكْرٍ: هاذا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقْبِلاً مُتَقَنِّعاً فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأتِينا فِيها، قَالَ أبُو بَكْرٍ: فِداً لهُ بِأبي وأُمِّي، وَالله إنْ جاءَ بِهِ فِي هاذِهِ السَّاعَةِ إلاَّ لِأمْرٍ، فَجاءَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَأذَنَ فأذِنَ لِهُ فَدَخَلَ فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لِأبِي بَكْرٍ: أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. قَالَ إنَّما هُمْ أهْلُكَ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله، قَالَ: فإِنِّي قَدْ أذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ. قَالَ: فالصُّحْبةُ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَخُذْ بِأبِي أنْت يَا رسولَ الله إحْدَى راحلَتَيَّ هاتَيْنِ، قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بالثَّمَنِ. قالَتْ: فَجهَّزْناهُما أحَثَّ الجهَازِ ووضَعْنا لَهُما سُفْرَةٍ فِي جِرابٍ. فَقَطَعَتْ أسْماءُ بِنْتُ أبي بَكْرٍ قِطْعَةٍ مِنْ نِطاقِها فأوْكَتْ بِهِ الجِرَابَ ولِذالِكَ كانَتْ تسمَّى: ذاتَ النِّطاقَينِ ثُمَّ لَحقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ بِغارٍ فِي جَبَلٍ يُقالُ لهُ: ثَوْرٌ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلاثَ لَيال يَبِيتُ عِنْدَهُما عبْدُ الله بنُ أبي بَكْرٍ وهْو غُلامٌ شابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِما سَحَراً فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَةَ كبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أمْراً يُكادانِ بِهِ إلاَّ وَعاهُ حتَّى يَأتِيَهُما بِخَبَرِ ذالِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظلامُ، ويَرْعَى عَليْهِما عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلى أبي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُها عَليْهِما حِينَ تَذْهَبُ ساعَةٌ مِنَ العشاءِ فَيَبِيتانِ فِي رِسْلِها حَتَّى يَنْعِقَ بهَا عامرُ بنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذالِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ من تِلْكَ اللَّيالِي الثَّلاثِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقبلا متقنعاً) .
وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف، وَمعمر بن رَاشد.
والْحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد مضى فِي الْإِجَارَة مُخْتَصرا فِي: بَاب اسْتِئْجَار الْمُشْركين عِنْد الضَّرُورَة، وَمضى أَيْضا فِي: بَاب هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطولا جدا أخرجه عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل، قَالَ ابْن شهَاب: فاخبرني عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (هَاجر إِلَى الْحَبَشَة رجال من الْمُسلمين) ، ويروى: هَاجر إِلَى الْحَبَشَة

(21/309)


من الْمُسلمين، قَالَ الْكرْمَانِي: من الْمُسلمين صفة أَي: هَاجر رجال من الْمُسلمين، أَو هُوَ فَاعل بِمَعْنى بعض الْمُسلمين، جوزه بعض النُّحَاة. قَوْله: (على رسلك) بِكَسْر الرَّاء أَي: على هينتك. قَوْله: (أَو ترجوه؟) الِاسْتِفْهَام فِيهِ على سَبِيل الإستخبار أَي: أَو ترجو الْإِذْن؟ يدل عَلَيْهِ قَوْله: (أَن يُؤذن لي) قَوْله: (بِأبي أَنْت) أَي: مفدًى أَنْت بِأبي. قَوْله: (ليصحبه) أَي: لِأَن يَصْحَبهُ، ويروى: لصحبته قَوْله: (راحلتين) تَثْنِيَة رَاحِلَة وَهِي من الْإِبِل الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهَا للْمُبَالَغَة وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله للنجابة وَتَمام الْخلقَة وَحسن المنظر فَإِذا كَانَت فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت. قَوْله: (السمرَة) بِضَم الْمِيم وَهُوَ شجر الطلح. قَوْله: (جُلُوس) أَي: جالسون. قَوْله (فِي نحر الظهيرة) أَي: فِي أول الهاجرة. قَوْله: (مُقبلا) أَي: أقبل أوجاء حَال كَونه مُقبلا، وَالْعَامِل فِيهِ معنى الْإِشَارَة فِي قَوْله هَذَا. قَوْله: (مقنعا) من الْأَحْوَال المترادفة أَو المتداخلة. قَوْله: (فدالة) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره فدالك، وَفِي (التَّوْضِيح) : أَن كسرت الْفَاء مددت وَإِن فتحت قصرت. قَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ الَّذِي قرأناه. قَوْله: (إِن جَاءَ بِهِ) كلمة أَن نَافِيَة هَذَا على رِوَايَة الْكشميهني وَاللَّام فِيهِ مَكْسُورَة للتَّعْلِيل، وَفِي رِوَايَة غَيره: (لأمر) ، بِفَتْح اللَّام وبالرفع وَهِي لَام التَّأْكِيد، وَكلمَة: إِن على هَذِه مُخَفّفَة من المثقلة. قَوْله: (فَأذن لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أخرِج مَن عنْدك) أَمر من الْإِخْرَاج، وَمن عنْدك، فِي مَحل النصب على المفعولية. قَوْله: (فالصحبة) مَنْصُوب تَقْدِيره: أطلب الصُّحْبَة، أَو: أريدها، وَيجوز أَن يكون مَرْفُوعا على تَقْدِير فاختياري أَو مقصودي الصُّحْبَة، والجهاز بِالْفَتْح وَالْكَسْر أَسبَاب السّفر والحث التحضيض والإسراع. قَوْله: (أحث الجهاز) بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِالْبَاء الْمُوَحدَة، قيل: إِنَّه تَصْحِيف. قَوْله: (سفرة) بِالضَّمِّ طَعَام يعْمل للْمُسَافِر وَمِنْه سميت السفرة الَّتِي يُؤْكَل عَلَيْهَا. قَوْله: (فِي جراب) بِكَسْر الْجِيم فِيهِ أفْصح من فَتحه، قَالَ الْجَوْهَرِي: والعامة تفتحه. قَوْله: (من نطاقها) ، قَالَ الْجَوْهَرِي: النطاق شقة تلبسها الْمَرْأَة وتشد وَسطهَا ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل إِلَى الرّكْبَة، والأسفل ينجر على الأَرْض وَلَيْسَ لَهَا حجزة وَلَا نيفق وَلَا ساقان، وَقَالَ الْهَرَوِيّ نَحوه، وَزَاد: (وَبِه سميت أَسمَاء ذَات النطاقين) لِأَنَّهَا كَانَت لَهَا نطاقاً على نطاق. وَقَالَ ابْن التِّين: شقَّتْ نصف نطاقها للسفرة وانتطقت بِنصفِهِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: النطاق المئزر، وَقَالَ ابْن فَارس: هُوَ إِزَار فِيهِ تكة تلبسه النِّسَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: سميت ذَات النطاقين لِأَنَّهَا جعلت قِطْعَة من نطاقها للجراب الَّذِي فِيهِ السفرة، وَقطعَة للسقاء، كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات، أَو لِأَنَّهَا جعلت نطاقين نطاقاً للجراب، وَآخر لنَفسهَا. قَوْله: (فأوكت) أَي: شدت والوكاء هُوَ الَّذِي يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة. قَوْله: (ثَوْر) باسم الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَهُوَ الْغَار الَّذِي بَات فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (لقن) بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف وبالنون، وَهُوَ سريع الْفَهم وَجَاء بِسُكُون الْقَاف. قَوْله: (ثقف) بِكَسْر الْقَاف وسكونها أَي: حاذق فطن. قَوْله: (فيرحل) ويروى: فَيدْخل من الدُّخُول. قَوْله: (كبائت) أَي: كَأَنَّهُ بائت بِمَكَّة. قَوْله: (يكادان بِهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يمكران بِهِ، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَحَاصِله مهما يتَكَلَّم بِهِ قُرَيْش فِي حَقّهمَا من الْأُمُور الَّتِي يُرِيدُونَ فعلهَا يضبطه عبد الله ويحفظه ثمَّ يبلغ بِهِ إِلَيْهِمَا. قَوْله: (وعاه) من الوعي وَهُوَ الْحِفْظ. قَوْله: (ويرعى عَلَيْهِمَا) أَي: على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر. قَوْله: (منحة) بِكَسْر الْمِيم وَهِي الشَّاة الَّتِي تعطيها غَيْرك ليحتلبها ثمَّ يردهَا عَلَيْك. قَوْله: (فيريحها) أَي فيردها إِلَى المراح، هَكَذَا رَوَاهُ الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فيريحه، بتذكير الضَّمِير أَي: يرِيح الَّذِي يرعاه. قَوْله: (فِي رسلها) بِكَسْر الرَّاء: اللَّبن، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني بإفراد الضَّمِير، وَفِي رِوَايَة غَيره: فِي رسلهما، بضمير التَّثْنِيَة، وَكَذَا عِنْد الْكشميهني (حَتَّى ينعق بهَا) بِالْإِفْرَادِ، وَعند غَيره: بهما بالتثنية، يُقَال: نعق الرَّاعِي بغنمه ينعق بِالْكَسْرِ أَي: صَاح بهَا.

17 - (بابُ المِغْفَرِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ المغفر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء وَفِي آخِره رَاء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ زرد ينسج من الدرْع على قدر الرَّأْس يلبس تَحت القلنسوة قلت: هَكَذَا الْمَنْقُول عَن الْأَصْمَعِي، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يعْمل على الرَّأْس والكتفين، وَقَالَ ابْن بطال: المغفر من حَدِيد وَهُوَ من آلَات الْحَرْب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المغفر هُوَ مَا يلْبسهُ الدارع على رَأسه من الزرد وَنَحْوه.

5808 - حدّثنا أبُو الوَليدِ حَدثنَا مالِكٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله

(21/310)


عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ عامَ الفَتْحِ وعَلى رَأسِهِ المِغْفَرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْجِهَاد عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَفِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن قزعة، وَالْكل عَن مَالك.
قَوْله: (دخل) أَي: مَكَّة، وَفِي بعض النّسخ لفظ: مَكَّة، مَذْكُور وَالْوَاو فِي (وعَلى رَأسه) للْحَال فَإِن قلت: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين حَدِيث جَابر: أَنه دخل يومئذٍ وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء؟ قلت: لَا مَانع من لبسهما مَعًا، فقد يكون عَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء وفوقها المغفر أَسْفَل والعمامة فَوْقه، أَو نقُول: إِنَّه كَانَ أَولا دخل وَعَلِيهِ المغفر، ثمَّ نَزعه وَلبس الْعِمَامَة السَّوْدَاء فِي بَقِيَّة دُخُوله، وَيدل عَلَيْهِ: أَنه خطب وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء، وَإِنَّمَا خطب عِنْد بَاب الْكَعْبَة بعد دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ابْن بطال: دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمغفر يَوْم الْفَتْح كَانَ فِي حَال الْقِتَال وَلم يكن محرما، كَمَا قَالَ ابْن شهَاب، وَقد عد هَذَا الحَدِيث فِي أَفْرَاد مَالك عَن الزُّهْرِيّ، وَإِنَّمَا الصَّحِيح أَنه دَخلهَا يَوْم الْفَتْح وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء، كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن أبي الزبير عَن جَابر، ثمَّ قَالَ حسن، وَلم يكن عَلَيْهِ مغفر لَكِن فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ للنسائي أَن الْأَوْزَاعِيّ رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ كَمَا رَوَاهُ مَالك بِذكر المغفر، ثمَّ وفْق بَين الْحَدِيثين بِمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.

18 - (بابُ البُرُودِ والحِبرَةِ والشَّمْلَةِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ البرود، وَهُوَ جمع بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة وَهِي كسَاء أسود مربع فِيهِ صغر تلبسه الْأَعْرَاب، وَقَالَ الدَّاودِيّ: البرود كالأردية والميازر وَبَعضهَا أفضل من بعض، وَقَالَ ابْن بطال: النمرة والبردة سَوَاء قَوْله: (والحبرة) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة على وزن: عنبة، وَهِي الْبرد الْيَمَانِيّ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الخضراء لِأَنَّهَا لِبَاس أهل الْجنَّة، وَلذَلِك يسْتَحبّ فِي الْكَفَن، وسجى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَالْبَيَاض خير مِنْهَا، وَفِيه كفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل: أحد أَكْفَانه حبرَة وَالْأول أَكثر، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الموشية المخططة، وَقَالَ ابْن بطال: البرود هِيَ برود الْيمن تصنع من قطن وَهِي الحبرات يشْتَمل بهَا، وَهِي كَانَت أشرف الثِّيَاب عِنْدهم، أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجى بهَا حِين توفّي، وَلَو كَانَ شَيْء أفضل من البرود لسجي بِهِ. قَوْله: (والشملة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وَهِي كسَاء يشْتَمل بهَا أَي: يلتحف بهَا، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الْبردَة.
وَقَالَ خَبَّابٌ: شَكَوْنا إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ
خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبباءين موحدتين الأولى مِنْهُمَا مُشَدّدَة: ابْن الْأَرَت. قَوْله: (شَكَوْنَا) أَي: من الْكفَّار وإيذائهم لنا. قَوْله: (بردة لَهُ) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بردته، وَهَذَا طرف من حَدِيث مَوْصُول، وَقد مضى فِي المبعث النَّبَوِيّ فِي: بَاب مَا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِمَكَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

5809 - حدّثنا إسْماعيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ إسْحااقَ بنِ عبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَليْهِ بُرْدٌ نَجْرانِيٌّ غَلِيظُ الحاشِيَةِ، أدْرَكَهُ أعْرًّبِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدائِهِ جَبْذَةً شَديدَةً حتَّى نَظَرْتُ إِلَى صفْحَةِ عاتِقِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أثَّرَتْ بِها حاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. مُرْ لِي مِنْ مالِ الله الَّذي عنْدَكَ، فالْتَفَتَ إلَيْه رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطاءٍ. (انْظُر الحَدِيث: 3149 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعَلِيهِ برد نجراني) وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْخمس عَن يحيى بن بكير، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي.
قَوْله: (وَعَلِيهِ برد) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: وَعَلِيهِ رِدَاء. قَوْله: (نجراني) نِسْبَة إِلَى نَجْرَان بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وبالراء وَالنُّون، وَهِي بَلْدَة من الْيمن. قَوْله: (فأدركه

(21/311)


أَعْرَابِي) زَاد همام من أهل الْبَادِيَة. قَوْله: (فجبذه) أَي: فَجَذَبَهُ وهما بِمَعْنى وَاحِد لُغَتَانِ مشهورتان. قَوْله: (فِي صَحْفَة عاتق) وَفِي رِوَايَة مُسلم: عنق، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ، وصفح الشَّيْء وصفحته جِهَته وجانبه. قَوْله: (أثرت بهَا) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: أثرت فِيهَا، وَفِي رِوَايَة همام: حَتَّى انْشَقَّ الْبرد وَذَهَبت حَاشِيَته فِي عُنُقه، وَزَاد: أَن ذَلِك وَقع من الْأَعرَابِي لما وصل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حجرته، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ لقِيه خَارج الْمَسْجِد فأدركه لما كَاد يدْخل، فَكَلمهُ وَأمْسك بِثَوْبِهِ لما دخل الْمَسْجِد، فَلَمَّا كَاد يدْخل الْحُجْرَة خشِي أَن يفوتهُ فجبذه. قَوْله: (مرلي) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: أَعْطِنِي. قَوْله: (ثمَّ ضحك) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: فَتَبَسَّمَ، وَفِي رِوَايَة همام (فَأمر لَهُ بِشَيْء) .
وَفِيه: بَيَان حلمه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَبره على الْأَذَى فِي النَّفس وَالْمَال والتجاوز عَن جفَاء من يُرِيد تألفه على الْإِسْلَام وليتأسى بِهِ الْوُلَاة من بعده فِي خلقه الْجَمِيل من الصفح والإغضاء وَالدَّفْع بِالَّتِي هِيَ أحسن.

5810 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا يَعْقُوبُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: جاءَتِ امْرَأةٌ بِبُرْدَةٍ قَالَ سَهْلٌ: هلْ تَدْري مَا البُرْدَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِي حاشِيَتِها قالَتْ: يَا رسولَ الله {إنِّي نَسَجْتُ هاذِه بيَدِي أكْسُوكَها، فأخَذَها رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحْتاجاً إلَيها، فَخَرَجَ إليْنا وإنَّها لإزارُهُ، فَجَسَّها رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله} اكْسُنِيها، قَالَ: نَعَمْ، فَجَلَسَ مَا شاءَ الله فِي المَجْلِسِ ثمَّ رَجَعَ فَطَواها، ثُمَّ أرْسَلَ بِها إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: مَا أحْسَنْتَ، سألْتَها إيَّاهُ وقَدْ عرَفْتَ أَنه لَا يَرُدُّ سائِلاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالله مَا سألْتُها إلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكانَتْ كَفَنَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله الْقَارِي من القارة، وَهِي حَيّ من الْعَرَب أَصله مدنِي سكن الْإسْكَنْدَريَّة، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب من استعد الْكَفَن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن سَلمَة عَن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (هَل تَدْرِي) ويروى: هَل تَدْرُونَ؟ وَفِي رِوَايَة: أَتَدْرُونَ؟ قَوْله: (منسوج) يَعْنِي: كَانَت لَهَا حَاشِيَة، وَفِي نسجها مُخَالفَة لنسج أَصْلهَا لوناً ودقة ورقة. قَوْله: (مُحْتَاجا إِلَيْهَا) ويروى: مُحْتَاج، بِالرَّفْع فالنصب على الْحَال وَالرَّفْع على تَقْدِير: وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهَا. قَوْله: (فحبسها) بِالْجِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة أَي: مَسهَا، بِيَدِهِ، ويروى: فحسنها، من التحسين بالمهملتين.

5811 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ ألْفاً تُضِيءٌ وُجُوهُهُمْ إضاءَةَ القَمَرِ، فقامَ عُكَاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ الأسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَليْهِ، قَالَ: ادْعُ الله لِي يَا رسولَ الله أنْ يجْعَلَني مِنْهُمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَبَقَكَ عُكاشَةُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يرفع نمرة لَهُ) والنمرة بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم هِيَ الشملة الَّتِي فِيهَا خطوط ملونة كَأَنَّهَا أخذت من جلد النمر لَا شتراكهما فِي التلون
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (إضاءة الْقَمَر) أَي: كإضاءة الْقَمَر. قَوْله: (سَبَقَك عكاشة) يَعْنِي بِالدُّعَاءِ لَهُ قيل قد مر فِي كتاب الطِّبّ أَن عكاشة قَالَ ذَلِك فِي قصَّة الَّذين لَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَأجِيب بِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة فَلَا مُنَافَاة بَينهمَا.

5812 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عاصِمٍ حَدثنَا هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَس، قَالَ: قُلْتُ لهُ: أيُّ الثِّيابِ

(21/312)


أَي كَانَ أحَبَّ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: الحِبَرَةُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْحبرَة) وَقد مر تَفْسِيرهَا عَن قريب. وَعَمْرو بن عَاصِم الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد جَمِيعًا فِي اللبَاس عَن هدبة بن خَالِد، وَإِنَّمَا كَانَت الْحبرَة أحب الثِّيَاب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كثير زِينَة، وَلِأَنَّهَا أَكثر احْتِمَالا للوسخ.

5813 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ أبي الأسْوَدِ حَدثنَا مُعاذ قَالَ: حدّثني أبي عنْ قَتادةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أحَبُّ الثِّيابِ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَلْبَسَها الحِبَرَةَ. (انْظُر الحَدِيث: 5812) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود حميد الْبَصْرِيّ الْحَافِظ عَن معَاذ بن هِشَام الدستوَائي، يروي عَن أَبِيه هِشَام بن أبي عبد الله عَن قَتَادَة إِلَى آخِره.

5814 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبرَني أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخْبرَتْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُردْدٍ حِبَرَةٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَفَاة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي.
قَوْله: (حِين سجي) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْجِيم الْمَكْسُورَة أَي: حِين توفّي غطي بِبرد حبرَة بِالْإِضَافَة وَالصّفة وَمر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
تمّ بعون الله وَحسن توفيقه طبع الْجُزْء الْحَادِي وَالْعِشْرين من (عُمْدَة القارىء) شرح (صَحِيح البُخَارِيّ) ويليه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء الثَّانِي وَالْعشْرُونَ وأوله بَاب الأكسية والخمائص وفقنا الله لتَمام طبعه، وألهم الْمُسلمين لما فِيهِ خَيرهمْ وصلاحهم آمين.

(21/313)


19 - (بابُ الأكْسِيَةِ والخَمائِصِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الأكسية، جمع كسَاء وَأَصله: كسا، وَلِأَنَّهُ من كسوت إِلَّا أَن الْوَاو لما جَاءَت بعد الْألف قلبت همزَة. والخمائص جمع خميصة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة، وَهُوَ كسَاء من صوف أسود أَو خَز مربعة لَهَا أَعْلَام، وَلَا يُسمى الكساء خميصة إلاَّ إِن كَانَ لَهَا علم، وَقيل: الخميصة كسَاء لَهَا علم من حَرِير وَكَانَت من لِبَاس السّلف.

5816 - حدَّثني يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهاب قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أنَّ عائِشَةَ وعَبْدَ الله بن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُم، قَالَا: لما نُزِلَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فإذَا اغْتَمَّ كَشْفَها عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: وَهْوَ كَذالِكَ: لَعْنَة الله عَلَى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَساجِدَ، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يطْرَح خميصة لَهُ) وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (عَن عبيد الله)
إِلَى آخِره، وَوَقع فِي بعض النّسخ: عَن عبيد الله ابْن عبد الله بن عتبَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس، قَالَ الجياني وَقع هَذَا فِي رِوَايَة أبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ عَن أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ، وَقَالَ: هَذَا وهم وَالصَّوَاب بِدُونِ لفظ: أَبِيه.
والْحَدِيث مضى عَن عَائِشَة وَحدهَا بطرِيق آخر فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا يكره من اتِّخَاذ الْمَسَاجِد على الْقُبُور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لما نزل) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمرَاد نزُول الْمَوْت. قَوْله: (طفق) بِكَسْر الْفَاء أَي: جعل الخميصة على وَجهه من الْحمى (فَإِذا اغتم) أَي: احْتبسَ نَفسه كشفها. قَوْله: (وَهُوَ كَذَلِك) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (يحذر) جملَة حَالية لِأَنَّهُ بالتدريج يصير مثل عبَادَة الْأَصْنَام.

34 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ حدَّثنا ابنُ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: صلَّى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي خَمِيصَةٍ لَهُ لَهَا أعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أعْلاَمِها نَظْرَةً، فَلَمَّا سَلّمَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هاذِهِ إِلَى أبي جَهْم. فإنَّها ألْهَتْنِي آنِفاً عَنْ صَلاَتِي وائْتُونِي بأنْبَجانِيَّةِ أبِي جَهْم ابنِ حُذَيْفَةَ بنِ غانِمٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بن كَعْبٍ. (انْظُر الحَدِيث 373 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إذهبوا بخميصتي هَذِه) وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا صلى فِي ثوب لَهُ أَعْلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن إِبْرَاهِيم بن سعد إِلَى آخِره

(22/2)


وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أبي جهم) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْهَاء عَامر بن حُذَيْفَة إِلَى آخِره. قَوْله: (أبي جهم) هُوَ آخر الحَدِيث، والبقية مدرجة من كَلَام ابْن شهَاب، وَقَالَ أَبُو عمر: كَانَ أَبُو جهم من المعمرين عمل فِي الْكَعْبَة مرَّتَيْنِ: مرّة فِي الْجَاهِلِيَّة حِين بناها قُرَيْش وَكَانَ غُلَاما قَوِيا، وَمرَّة فِي الْإِسْلَام حِين بناها ابْن الزبير، وَكَانَ شَيخا فانياً، وَهُوَ أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خميصة شغلته فِي الصَّلَاة فَردهَا عَلَيْهِ، وَقيل: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بخميصتين فَلبس إِحْدَاهمَا وَبعث الْأُخْرَى إِلَى أبي جهم ثمَّ بعد الصَّلَاة بعث إِلَيْهِ الَّتِي لبسهَا وَطلب الْأُخْرَى مِنْهُ، والأنبجانية، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وخفة الْجِيم وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبتخفيفها أَيْضا: وَهُوَ الكساء الغليظ، وَقيل: إِذا كَانَ فِيهِ علم فَهُوَ خميصة، وَإِذا لم يكن فأنبجانية.

5818 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا إسْماعِيلُ حَدثنَا أيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عَنْ أبي بُرْدة قَالَ: أخْرَجَتْ إلَيْنا عائِشَةُ كِساءً وإزَاراً غَلِيظاً، فقالَتْ: قُبِض رُوحُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث 3108) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كسَاء) . وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. والْحَدِيث مضى فِي الْخمس عَن ابْن بشار، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

10 - (بابُ اشْتِمالِ الصَّمَّاءِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ حكم اشْتِمَال الصماء، بِالْمدِّ وَهُوَ أَن يتجلل الرجل بِثَوْبِهِ وَلَا يرفع مِنْهُ جانباً، وَإِنَّمَا قيل لَهَا صماء لِأَنَّهُ يسد على يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ المنافذ كلهَا كالصخرة الصماء الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خرق وَلَا صدع، وَالْفُقَهَاء يَقُولُونَ: هُوَ أَن يتغطى بِثَوْب وَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره ثمَّ يرفعهُ من أحد جانبيه فيضعه على مَنْكِبه فتنكشف عَوْرَته.

5819 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا عَبْدُ الوَهَّابِ حَدثنَا عُبَيْدُ الله عَنْ خُبَيْب عَنْ حَفْصِ ابنِ عاصِمٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن المُلاَمَسَةِ والمُنَابَذَةِ، وعَنْ صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ، وأنْ يَحْتَبِيَ بالثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّماءِ، وأنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَن يشْتَمل الصماء) وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَقَالَ الْمزي فِي: (التَّهْذِيب) : وَقع فِي بعض النّسخ: عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، وَفِيه نظر لِأَن ابْن عَطاء لَا يعرف لَهُ رِوَايَة عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَلَيْسَ لعبد الْوَهَّاب ابْن عَطاء ذكر فِي رجال البُخَارِيّ، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبباء مُوَحدَة أُخْرَى ابْن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة بعد الْفجْر حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

5820 - حدَّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي عامِرُ بنُ سَعْدٍ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ: نَهاى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ وعنْ بَيْعَتَيْنِ: نَهاى عَنِ المُلامَسَةِ والمُنابَذَةِ فِي البَيْعِ، والمُلامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ باللَّيْلِ أوْ بالنَّهارِ وَلاَ يُقَلِّبُهُ إلاَّ بِذَلِكَ، والمُنابَذَةُ أنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ ثَوْبَهُ وَيَكُونَ ذالِكَ بَيْعَهُما عَنْ غَيْرِ نَظرٍ وَلَا تَراضٍ، واللِّبْسَتَيْنِ: اشْتِمالُ الصَّمَّاءِ، والصَّمَّاءُ أنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أحَدِ عاتِقَيْهِ فَيَبْدُوَ أحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، واللِّبْسَةُ الأخْراى احْتِباؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهْوَ جالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.

(22/3)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اشْتِمَال الصماء) وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد. وعامر بن سعد بن أبي وَقاص، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع مُخْتَصرا فِي: بَاب بيع الْمُلَامسَة.
قَوْله: (لبستين) بِكَسْر اللَّام. قَوْله: (وبيعتين) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (وَلَا يقلبه إلاَّ بذلك) أَي: لَا يتَصَرَّف فِيهِ إلاَّ بِهَذَا الْقدر وَهُوَ اللَّمْس، يَعْنِي: لَا ينشره وَلَا ينظر إِلَيْهِ، فَجعل اللَّمْس مقَام النّظر. قَوْله: (وَلَا ترَاض) أَي: لفظ يدل عَلَيْهِ، وَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول وإلاَّ فَلَا شكّ أَنه لَا بُد من التَّرَاضِي إِذْ بيع الْمُكْره بَاطِل اتِّفَاقًا، وَالظَّاهِر أَن تَفْسِير البيعتين بِمَا ذكر فِي الْكتاب إدراج من الزُّهْرِيّ. قَوْله: (فيبدو) أَي: فَيظْهر. قَوْله: (احتباؤه) قَالَ الْجَوْهَرِي: احتبى الرجل إِذا جمع ظَهره وساقيه بعمامته، وَقيل هُوَ أَن يقْعد الْإِنْسَان على إليتيه وَينصب سَاقيه ويحتوي عَلَيْهِمَا بِثَوْب وَنَحْوه، وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ أَن يحتبي الرجل بِالثَّوْبِ وَرجلَاهُ متجافيتان عَن بَطْنه، وَالظَّاهِر أَن تفسيرهما أَيْضا لِلزهْرِيِّ.

21 - (بابُ الاحْتِباءِ فِي ثَوْبِ واحِدٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الاحتباء فِي ثوب وَاحِد، وَقد مر الْآن تَفْسِيره.

5821 - حدَّثنا اسْمااعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَنْ أبي الزِّنادِ عَنْ الأعْرجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وأنْ يَشْتَمِلَ بالثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى أحدِ شِقّيْهِ، وعَنِ المُلاَمَسَةِ والمُنابَذَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره. وَقد مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله: عَن أبي هُرَيْرَة، من وَجه آخر، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

5822 - حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ: أخْبرني مَخْلَدٌ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أخبرَني ابنُ شِهاب عَنْ عُبَيْدِ الله ابنِ عَبْدِ الله عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَى عَنِ اشْتِمالِ الصَّمَّاءِ وأنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ واحِد لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا وبالدال الْمُهْملَة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْحَرَّانِي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالنُّون عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بِضَم الْعين ابْن عبد الله بِفَتْحِهَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَقد مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله: عَن أبي سعيد ... من وَجه آخر، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

22 - (بابُ الخَمِيصَةِ السَّوْدَاءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الخميصة السَّوْدَاء، وَمَا فعل بهَا وَقد مر تَفْسِيرهَا عَن قريب.

5823 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا إسْحاقُ بنُ سَعِيدٍ عَنْ أبِيه سَعِيدِ بنِ فُلاَنٍ هُوَ عَمْرُو بنُ سَعِيدِ ابنِ العاصِ عَنْ أُمِّ خالِدٍ بِنْتِ خالِدٍ قالَتْ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِثياب فِيها خَمِيصَةٌ سوداءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: مَنْ تَرَوْن نَكْسُو هاذِهِ؟ فَسكَتَ القَوْمُ. قَالَ: ائْتُونِي بأُمِّ خالِدٍ، فأتِيَ بِها تُحْمَلُ، فأخَذَ الخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فألْبَسَها، وَقَالَ: أبْلِي وأخْلِقي، وكانَ فِيها عَلَمٌ أخْضَرُ أوْ أصْفرُ، فَقَالَ: يَا أمَّ خالِدٍ هاذَا سَناهْ وسَناهْ، بالحَبَشِيَّةِ: حَسَنٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم بِضَم النّوم الْفضل بن دُكَيْن، وَإِسْحَاق بن سعيد بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَبُو خَالِد

(22/4)


ابْن سعيد الْأمَوِي الْقرشِي يروي عَن أَبِيه عَن أم خَالِد اسْمهَا: أمة، بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ، كنيت بِوَلَدِهَا خَالِد بن الزبير بن الْعَوام، وَكَانَ الزبير تزَوجهَا فَكَانَ الها مِنْهُ خَالِد وَعمر وابنا الزبير، وَذكر ابْن سعد أَنَّهَا ولدت بِأَرْض الْحَبَشَة وقدمت مَعَ أَبِيهَا بعد خَيْبَر وَهِي تعقل، وَأخرج من طَرِيق أبي الْأسود الْمدنِي عَنْهَا قَالَت: كنت مِمَّن أَقرَأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّجَاشِيّ السَّلَام، وأبوها خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ، أسلم قَدِيما ثَالِث ثَلَاثَة أَو رَابِع أَرْبَعَة، وَاسْتشْهدَ بِالشَّام فِي خلَافَة أبي بكر أَو عمر رَضِي الله عَنْهُم.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب من تكلم بِالْفَارِسِيَّةِ، عَن حبَان بن مُوسَى عَن عبد الله عَن خَالِد بن سعيد عَن أَبِيه عَن أم خَالِد ... إِلَى آخِره. وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب هِجْرَة الْحَبَشَة أخرجه عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن إِسْحَاق بن سعيد إِلَى آخِره، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب أَيْضا.
قَوْله: (فَأتي بهَا تحمل) كِلَاهُمَا على صِيغَة الْمَجْهُول، وَتحمل جملَة حَالية وَإِنَّمَا حملت لصِغَر سنّهَا، وَلَكِن لَا يمْنَع أَن تكون مُمَيزَة. قَوْله: وَقَالَ: (أبلي) ويروى. قَالَ بِدُونِ الْوَاو، وأبلي، من أبليت الثَّوْب إِذا جعلته عتيقاً، (وأخلقي) بِمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا جَازَ عطفه عَلَيْهِ بِاعْتِبَار تغاير اللَّفْظَيْنِ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَفِي حَدِيث أم خَالِد قَالَ لَهَا: أبلي وأخلقي، يرْوى بِالْقَافِ وَالْفَاء، فالقاف من إخلاق الثَّوْب تقطيعه وَقد خلق الثَّوْب وأخلق، وَأما الْفَاء فبمعنى الْعِوَض وَالْبدل وَهُوَ الْأَشْبَه. قَوْله: (أَو أصفر) شكّ من الرَّاوِي، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد بأحمر، بدل: أَخْضَر، قَوْله: (سناه وسناه) وَقد تقدّمت رِوَايَة خَالِد بن سعيد فِي الْجِهَاد فَقَالَ: سنه سنه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَإِنَّمَا كَانَ غَرَض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّكَلُّم بِهَذِهِ الْكَلِمَة الحبشية استمالة قَلبهَا لِأَنَّهَا كَانَت ولدت بِأَرْض الْحَبَشَة، قَالَه الْكرْمَانِي.

23 - (بابُ ثِياب الخُضْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر ثِيَاب الْخضر بِإِضَافَة الثِّيَاب إِلَى الْخضر بِضَم الْخَاء وَسُكُون الضَّاد المعجمتين من قبيل: مَسْجِد الْجَامِع، هَذَا هَكَذَا رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَاب الثِّيَاب الْخضر، على الْوَصْف.

(22/5)


42 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا عبد الْوَهَّاب أخبرنَا أَيُّوب عَن عِكْرِمَة أَن رِفَاعَة طلق امْرَأَته فَتَزَوجهَا عبد الرَّحْمَن بن الزبير الْقرظِيّ قَالَت عَائِشَة وَعَلَيْهَا خمار أَخْضَر فشكت إِلَيْهَا وأرتها خضرَة بجلدها فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنِّسَاء ينصر بَعضهنَّ بَعْضًا قَالَت عَائِشَة مَا رَأَيْت مثل مَا يلقى الْمُؤْمِنَات لجلدها أَشد خضرَة من ثوبها قَالَ وَسمع أَنَّهَا قد أَتَت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجَاء وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ من غَيرهَا قَالَت وَالله مَا لي إِلَيْهِ من ذَنْب إِلَّا أَن مَا مَعَه لَيْسَ بأغنى عني من هَذِه وَأخذت هدبة من ثوبها فَقَالَ كذبت وَالله يَا رَسُول الله إِنِّي لأنفضها نفض الْأَدِيم وَلكنهَا ناشز تُرِيدُ رِفَاعَة فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِن كَانَ ذَلِك لم تحلي لَهُ أَو لم تصلحي لَهُ حَتَّى يَذُوق من عُسَيْلَتك قَالَ وَأبْصر مَعَه ابْنَيْنِ فَقَالَ بنوك هَؤُلَاءِ قَالَ نعم قَالَ هَذَا الَّذِي تزعمين مَا تزعمين فوَاللَّه لَهُم أشبه بِهِ من الْغُرَاب بالغراب) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَعَلَيْهَا خمار أَخْضَر وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله إِن رِفَاعَة بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء ابْن شموال الْقرظِيّ من بني قُرَيْظَة قَالَ ابْن عبد الْبر وَيُقَال رِفَاعَة بن رِفَاعَة وَهُوَ أحد الْعشْرَة الَّذين نزلت فيهم {وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل} الْآيَة كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من حَدِيث رِفَاعَة بِإِسْنَاد صَحِيح قلت لم يَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَلَا فِي بَقِيَّة الْكتب السِّتَّة تَسْمِيَة امْرَأَة رِفَاعَة وَقد سَمَّاهَا مَالك فِي رِوَايَته تَمِيمَة بنت وهب وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَلَا أعلم لَهَا غير قصَّتهَا مَعَ رِفَاعَة بن شموال حَدِيث الْعسيلَة من جِهَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ لَهَا ذكر فِي قصَّة رِفَاعَة وَلَا حَدِيث لَهَا وَأما زَوجهَا الثَّانِي فَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن الزبير بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن باطا وَقيل باطيا وَقتل الزبير فِي غَزْوَة بني قُرَيْظَة هَذَا هُوَ الصَّوَاب فَإِن عبد الرَّحْمَن بن الزبير من بني قُرَيْظَة وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله وَأما مَا ذكره ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي كِتَابَيْهِمَا معرفَة الصَّحَابَة من أَنه من الْأَنْصَار من الْأَوْس ونسباه أَنه عبد الرَّحْمَن بن الزبير بن زيد بن أُميَّة بن زيد بن مَالك بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس فَغير جيد قَوْله فشكت إِلَيْهَا أَي إِلَى عَائِشَة وَفِيه الْتِفَات أَو تَجْرِيد قَوْله وأرتها بِفَتْح الْهمزَة من الإراءة أَي أرت امْرَأَة رِفَاعَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا خضرَة بجلدها وَتلك الخضرة إِمَّا كَانَت لهزالها وَإِمَّا لضرب عبد الرَّحْمَن لَهَا قَوْله وَالنِّسَاء ينصر بَعضهنَّ بَعْضًا هَذِه جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين قَوْله قَالَت عَائِشَة وَهِي من كَلَام عِكْرِمَة قَوْله لجلدها اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهِي مَفْتُوحَة قَوْله قَالَ وَسمع أَنَّهَا قد أَتَت أَي قَالَ عِكْرِمَة وَسمع أَنَّهَا أَي أَن امْرَأَة رِفَاعَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قد أَتَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله وَمَعَهُ ابْنَانِ الْوَاو فِيهِ للْحَال وَفِي رِوَايَة وهيب بنُون لَهُ قَوْله إِلَّا أَن مَا مَعَه أَي آلَة الْجِمَاع لَيْسَ بأغنى أَي لَيْسَ دافعا عني شهوتي تُرِيدُ قصوره عَن الْجِمَاع قَوْله من هَذِه أشارت بِهِ إِلَى هدبة وفسرتها بقولِهَا وَأخذت هدبة من ثوبها بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي طرف الثَّوْب الَّذِي لم ينسج شبهوها بهدب الْعين وَهِي شعر الجفن قَوْله فَقَالَ كذبت أَي فَقَالَ رِفَاعَة كذبت يَعْنِي امْرَأَته قَوْله إِنِّي لأنفضها من النفض بالنُّون وَالْفَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ كِنَايَة عَن كَمَال قُوَّة الْمُبَاشرَة قَوْله نفض الْأَدِيم أَي كنفض الْأَدِيم قَوْله ناشز من النُّشُوز وَهُوَ امْتنَاع الْمَرْأَة من زَوجهَا إِنَّمَا قَالَ ناشز وَلم يقل نَاشِزَة لِأَنَّهَا من خَصَائِص النِّسَاء كحائض وطامث فَلَا حَاجَة إِلَى التَّاء الفارقة قَوْله لم تحلي بِكَسْر الْحَاء ويروى لَا تحلين وَوجه هَذِه الرِّوَايَة أَن لم بِمَعْنى لَا وَالْمعْنَى أَيْضا عَلَيْهِ لِأَن لَا للاستقبال وَقَالَ الْأَخْفَش أَن لم تَجِيء بِمَعْنى لَا وَأنْشد
(لَوْلَا فوارس من قيس وأسرتهم ... يَوْم الصليفاء لم يُوفونَ بالجار)

(22/6)


قَوْله والأسرة بِضَم الْهمزَة الرَّهْط قَوْله أَو لم تصلحي لَهُ شكّ من الرَّاوِي أَي لِرفَاعَة قَوْله حَتَّى يَذُوق فَإِن قلت كَيفَ يَذُوق والآلة كالهدبة قلت قد قبل أَنَّهَا كالهدبة فِي رقتها وصغرها بِقَرِينَة الِابْنَيْنِ اللَّذين مَعَه وَلقَوْله أنفضها ولإنكاره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهَا قَوْله عُسَيْلَتك قد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب النِّكَاح وَهُوَ مصغر عسلة لِأَن الْعَسَل فِيهِ لُغَتَانِ التَّأْنِيث والتذكير وَقيل إِنَّمَا أنثه لِأَنَّهُ أَرَادَ النُّطْفَة وَضَعفه النَّوَوِيّ قَالَ لِأَن الْإِنْزَال لَيْسَ بِشَرْط وَإِنَّمَا هِيَ كِنَايَة عَن الْجِمَاع شبه لذته بلذة الْعَسَل وحلاوته وَقد ورد حَدِيث مَرْفُوع من حَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْعسيلَة الْجِمَاع قَوْله " فَقَالَ بنوك " فِيهِ إِطْلَاق اللَّفْظ الدَّال على الْجمع على التَّثْنِيَة وَقد ذكرنَا آنِفا أَن فِي رِوَايَة وهيب بنُون لَهُ قَوْله هَذَا الَّذِي تزعمين مَا تزعمين ويفسره رِوَايَة وهيب هَذَا الَّذِي تزعمين أَنه كَذَا وَكَذَا وَهُوَ كِنَايَة عَمَّا ادَّعَت عَلَيْهِ من الْعنَّة قَوْله فوَاللَّه لَهُم أشبه بِهِ أَي للابنين أشبه بِهِ أَي بِعَبْد الرَّحْمَن من الْغُرَاب بالغراب وَأثبت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ الحكم بِالدَّلِيلِ حَيْثُ اسْتدلَّ بشبههما لَهُ على كذبهَا ودعواها وَفِيه أَن للزَّوْج ضرب زَوجته عِنْد نشوزها عَلَيْهِ وَإِن أثر ضربه فِي جلدهَا وَلَا حرج عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَفِيه أَن للنِّسَاء أَن يطالبن أَزوَاجهنَّ عِنْد الإِمَام بقلة الوطىء وَلَا غَار عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِك وَفِيه أَن للزَّوْج إِذا ادّعى عَلَيْهِ بذلك أَن يخبر بِخِلَافِهِ ويعرب عَن نَفسه أَلا ترى إِلَى قَوْله يَا رَسُول الله وَالله إِنِّي لأنفضها نفض الْأَدِيم وَهَذِه الْكِنَايَة من الفصاحة العجيبة وَهِي أبلغ فِي الْمَعْنى من الْحَقِيقَة وَفِيه دَلِيل على الحكم بالقافة وَالْحَنَفِيَّة منعُوهُ وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَخبر الْوَاحِد لَا يُعَارض نَص الْقُرْآن -
24 - (بابُ الثِّيابِ البِيضِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الثِّيَاب الْبيض، وَهِي من أفضل الثِّيَاب وَهِي لِبَاس الْمَلَائِكَة الَّذين نصروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَغَيره، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبس الْبيَاض ويحض على لِبَاسه، وَيَأْمُر بتكفين الْأَمْوَات فِيهِ، وَقد صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا من خير ثيابكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم أَيْضا.

5826 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشر حَدثنَا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأيْتُ بِشِمالِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويَمِينِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِما ثِيابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ مَا رَأيْتُهُما قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. (انْظُر الحَدِيث 4054) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَمُحَمّد بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْعَبْدي، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالعين الْمُهْملَة وَالرَّاء ابْن كدام الْكُوفِي، وَسعد بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن سعد بن أبي وَقاص.
والْحَدِيث قد مضى فِي غَزْوَة أحد فِي بَاب: { (3) إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم} (آل عمرَان: 122) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن جده عَن سعد بن أبي وَقاص إِلَى آخِره.
قَوْله: (رجلَيْنِ) قَالُوا: هما جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وإسرافيل، وَقَالَ بَعضهم: وَلم يصب زعم أَن أَحدهمَا إسْرَافيل. قلت: هَذَا منع بِالْيَدِ من غير برهَان، وَكَانَ الْملكَانِ تشكلا بشكل رجلَيْنِ يومئذٍ. قَوْله: (قبل) مبْنى على الضَّم، وَكَذَلِكَ: بعد لِأَنَّهُمَا إِذا حذف مِنْهُمَا الْمُضَاف إِلَيْهِ يبنيان على الضَّم تَقْدِيره: قبل ذَلِك، وَلَا بعد ذَلِك.

5827 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عَبْدُ الوارِثِ عَنِ الحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْياى ابنِ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ أنَّ أَبَا الأسْوَدِ الدُّؤُلِي حدَّثَهُ أنَّ أَبَا ذَرّ رَضِي الله عَنهُ، حدَّثَهُ قَالَ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أبْيَضُ وَهْوَ نائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إلاهَ إِلَّا الله، ثُمَّ ماتَ عَلَى ذالِكَ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ. قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَق

(22/7)


قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ. قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَق؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ، عَلَى زَعْمِ أَنْفِ أبي ذَرْ، وَكَانَ أبُوا ذَرْ إِذا حَدَّثَ بِهاذَا قَالَ: وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبي ذَرّ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: هاذا عِنْدَ المَوْتِ أوْ قَبْلَهُ إِذا تابَ ونَدِمَ، وَقَالَ: لَا إلاهَ إِلَّا الله، غُفِرَ لَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ ثوب أَبيض) . وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَالْحُسَيْن هُوَ الْمعلم، وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء القَاضِي بمرو وَيحيى بن يعمر بِلَفْظ مضارع الْعِمَارَة بِفَتْح الْمِيم كَانَ أَيْضا قَاضِيا بهَا، وَأَبُو الْأسود ظَالِم بن عَمْرو الدؤَلِي بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْهمزَة، وَهُوَ أول من تكلم فِي النَّحْو بِإِشَارَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
وَالرِّجَال كلهم بصريون، وَأَبُو ذَر جُنْدُب ابْن جُنَادَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (وَعَلِيهِ ثوب أَبيض) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَفَائِدَته ذكر الثَّوْب وَالنَّوْم والاستيقاظ لتقرير التثبت والاتقان فِيمَا يرويهِ فِي آذان السامعين ليتَمَكَّن فِي قُلُوبهم. قَوْله: (وَإِن زنى) حرف الِاسْتِفْهَام فِيهِ مُقَدّر، والمعاصي نَوْعَانِ: مَا يتَعَلَّق بِحَق الله تَعَالَى كَالزِّنَا، وبحق النَّاس كالسرقة. قَوْله: (على رغم أنف أبي ذَر) من رغم إِذا لصق بالرغام وَهُوَ التُّرَاب، وَيسْتَعْمل مجَازًا بِمَعْنى: كره أَو ذل إطلاقاً لإسم السَّبَب على الْمُسَبّب، وَأما تَكْرِير أبي ذَر فلاستعظام شَأْن الدُّخُول مَعَ مُبَاشرَة الْكَبَائِر وتعجبه مِنْهُ، وَأما تَكْرِير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلإنكار استعظامه وتحجيره وَاسِعًا فَإِن رَحمته وَاسِعَة على خلقه. وَأما حِكَايَة أبي ذَر قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (على رغم أنف أبي ذَر) فللشرف والافتخار.
وَفِيه: أَن الْكَبِيرَة لَا تسلب اسْم الْإِيمَان وَأَنَّهَا لَا تحبط الطَّاعَة وَأَن صَاحبهَا لَا يخلد فِي النَّار وَأَن عاقبته دُخُول الْجنَّة، قَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُوم الشَّرْط أَن من لم يزن لم يدْخل الْجنَّة، وَأجَاب بقوله: هَذَا الشَّرْط للْمُبَالَغَة فالدخول لَهُ بِالطَّرِيقِ الأولى نَحْو: نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (هَذَا) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من عبد قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إلاَّ دخل الْجنَّة، وَأَرَادَ بِهِ تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ أَنه مَحْمُول على أَن من وحّد ربه وَمَات على ذَلِك تَائِبًا من الذُّنُوب الَّتِي أُشير إِلَيْهَا فِي الحَدِيث دخل الْجنَّة. وَقَالَ ابْن التِّين: قَول البُخَارِيّ هَذَا خلاف ظَاهر الحَدِيث، وَلَو كَانَت التَّوْبَة شرطا لم يقل: (وَإِن زنى وَإِن سرق) والْحَدِيث على ظَاهره، وَإِن مَاتَ مُسلما دخل الْجنَّة قبل النَّار أَو بعْدهَا؟ انْتهى. قلت: نعم ظَاهر قَول البُخَارِيّ أَنه لم يُوجب الْمَغْفِرَة إلاَّ لمن تَابَ، فَظَاهر هَذَا يُوهم إِنْفَاذ الْوَعيد لمن لم يتب، وَأَيْضًا يحْتَاج تَفْسِير البُخَارِيّ إِلَى تَفْسِير آخر، وَذَلِكَ أَن التَّوْبَة والندم إِنَّمَا ينفع فِي الذَّنب الَّذِي بَين العَبْد وربه، وَأما مظالم الْعباد فَلَا تسقطها عَنهُ التَّوْبَة إلاَّ بردهَا إِلَيْهِم أَو عفوهم، وَمعنى الحَدِيث: أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة وَإِن ارْتكب الذُّنُوب، وَلَا يخلد فِي النَّار.
وَفِيه: رد على المبتدعة من الْخَوَارِج والمعتزلة الَّذين يدعونَ وجوب خُلُود من مَاتَ من مرتكبي الْكَبَائِر من غير تَوْبَة فِي النَّار.

25 - (بابُ لُبْسِ الحَرِيرِ وافْتِراشِهِ لِلرِّجالِ وقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم لبس الْحَرِير وَفِي بَيَان حكم افتراشه. قَوْله: (للرِّجَال) يتَعَلَّق بالاثنين جَمِيعًا، وَهُوَ قيد يخرج النِّسَاء. قَوْله: (وَقدر) ، أَي فِي بَيَان قدر مَا يجوز اسْتِعْمَاله للرِّجَال. قَوْله: (مِنْهُ) أَي من الْحَرِير، وَلم يذكر فِي: (شرح ابْن بطال) زِيَادَة افتراشه لِأَنَّهُ ترْجم للافتراش مُسْتقِلّا، كَمَا سَيَأْتِي بعد أَبْوَاب، وَالْحَرِير مَعْرُوف وَهُوَ عَرَبِيّ، وَسمي بذلك لخلوصه، يُقَال لكل خَالص: مُحَرر، وحررت الشَّيْء مخلصته من الِاخْتِلَاط بِغَيْرِهِ، وَقيل: هُوَ فَارسي مُعرب.

5828 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةَ حَدثنَا قَتادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ النَّهْدِيَّ قَالَ: أَتَانَا كِتابُ عُمَرَ وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بنِ فَرْقَدٍ بِأذْرَ بِيجانَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهاى عَنِ الحَرِير، إلاَّ هاكَذا ... وأشارَ بإصْبَعَيْهِ اللَّتِيٌ تَلِيانِ الإبْهامَ، قَالَ: فِيما عَلِمْنا أنَّهُ يَعْنِي الأعْلاَمَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء، وَعتبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة

(22/8)


وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن فرقد بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة السّلمِيّ أَبُو عبد الله. قَالَ أَبُو عمر: لَهُ صُحْبَة ورؤية، وَكَانَ أَمِيرا لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، على بعض فتوحات الْعرَاق، وروى شُعْبَة عَن حُصَيْن عَن امْرَأَة عتبَة بن فرقد أَن عتبَة غزا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غزوتين.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أَحْمد بن يُونُس وَعَن مُسَدّد وَعَن الْحسن بن عمر فِي هَذَا الْبَاب عَن كلهم. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي اللبَاس عَن أَحْمد بن يُونُس وَعَن جمَاعَة آخَرين. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد وَفِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وأذربيجان هُوَ الإقليم الْمَعْرُوف، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا وَرَاء الْعرَاق. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل الْعرَاق جنوبيها عِنْد ظهر حلوان وَشَيْء من حُدُود الجزيرة وشماليها جبال العقيق وغربيها حُدُود بِلَاد الرّوم شَيْء. من الجزيرة وشرقيها بِلَاد الجيل وَتَمَامه بِلَاد الديلم وَهِي إسم لبلاد تبريز وتبريز أجل مدنها، وَهِي بِفَتْح الْألف الْمَقْصُورَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْجِيم ثمَّ ألف وَنون. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَأَهْلهَا يَقُولُونَ بِفَتْح الْهمزَة وَالْمدّ وَفتح وَإِسْكَان الرَّاء وَفتح الْمُوَحدَة وبالألف وبالجيم وَالْألف وَالنُّون، وَضَبطه المحدثون بِوَجْهَيْنِ بِفَتْح الْهمزَة بِغَيْر الْمَدّ وَإِسْكَان الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَكسر الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة وبمد الْهمزَة وَفتح الْمُعْجَمَة الْمُعْجَمَة. قلت: الْعُمْدَة فِي ذَلِك على ضبط أَهلهَا.
وَقَالَ النووري: هَذَا الحَدِيث مِمَّا استدركه الدَّارَقُطْنِيّ على البُخَارِيّ، وَقَالَ: لم يسمعهُ أَبُو عُثْمَان من عمر رَضِي الله عَنهُ، بل أخبر عَن كِتَابه وَهَذَا الِاسْتِدْرَاك بَاطِل، فَإِن الصَّحِيح جَوَاز الْعَمَل بِالْكتاب وَرِوَايَته عَنهُ، وَذَلِكَ مَعْدُود عِنْدهم فِي الْمُتَّصِل، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكْتب إِلَى أمرائه وعماله ويفعلون مَا فِيهَا، وَكتب عمر إِلَى عتبَة بن فرقد وَفِي الْجَيْش خلائق من الصَّحَابَة، فَدلَّ على حُصُول الِاتِّفَاق مِنْهُم، وَأَبُو عُثْمَان هَذَا أسلم على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَصدق إِلَيْهِ وَلم يلقه، وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأم سَلمَة رَضِي الله عَنْهُم.
قَوْله: (نهى عَن الْحَرِير) أَي: لبس الْحَرِير. قَوْله: (وَأَشَارَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (اللَّتَيْنِ تليان الْإِبْهَام) يَعْنِي: السبابَة وَالْوُسْطَى، وَصرح بذلك فِي رِوَايَة عَاصِم. قَوْله: (قَالَ: فِيمَا علمنَا) أَي: قَالَ أَبُو عُثْمَان: حصل فِي علمنَا أَنه يُرِيد بالمستثنى الْأَعْلَام بِفَتْح الْهمزَة جمع علم وَهُوَ مَا يجوزه الْفُقَهَاء من التطريف والتطريز وَنَحْوهمَا، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي: قَالَ أَبُو عُثْمَان: فِيمَا عتمنا أَنه يَعْنِي الْأَعْلَام، وعتمنا بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، يُقَال: عتم إِذا أَبْطَأَ وَتَأَخر يَعْنِي: مَا أَبْطَأَ فِي معرفَة أَنه أَرَادَ بِهِ الْأَعْلَام الَّتِي فِي الثِّيَاب.
وَاخْتلفُوا فِي الْحِكْمَة فِي تَحْرِيم الْحَرِير على الرجل فَقيل: السَّرف، وَقيل: الْخُيَلَاء، وَقيل: للتشبه بِالنسَاء. وَحكى ابْن دَقِيق الْعِيد عَن بَعضهم أَن تَعْلِيل التَّحْرِيم التَّشَبُّه بالكفار وَيدل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث: هُوَ لَهُم فِي الدُّنْيَا وَلنَا فِي الْآخِرَة. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَالَّذِي يَصح من ذَلِك مَا هُوَ فِيهِ السَّرف، وَقَالَ شَيخنَا: السَّرف مَنْهِيّ عَنهُ فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَإِنَّمَا هُوَ من زِينَة النِّسَاء، وَقد أذن للنِّسَاء فِي التزين وَنهى الرِّجَال عَن التَّشَبُّه بِهن، وَلعن الشَّارِع الرِّجَال المتشبهين بِالنسَاء، وَهَذَا الحَدِيث حجَّة لِلْجُمْهُورِ بِأَن الْحَرِير حرَام على الرِّجَال. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْإِجْمَاع انْعَقَد على ذَلِك.
وَحكى القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي الْمَسْأَلَة عشرَة أَقْوَال: الأول: أَنه حرَام على الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَهُوَ قَول عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا. الثَّانِي: أَنه حَلَال للْجَمِيع. الثَّالِث: حرَام إلاَّ فِي الْحَرْب. الرَّابِع: أَنه حرَام إلاَّ فِي السّفر. الْخَامِس: أَنه حرَام إلاَّ فِي الْمَرَض. السَّادِس: أَنه حرَام إلاَّ فِي الْغَزْوَة. السَّابِع: أَنه حرَام إلاَّ فِي الْعلم. الثَّامِن: أَنه حرَام فِي الْأَعْلَى دون الْأَسْفَل، أَي: افتراشه. التَّاسِع: أَنه حرَام وَإِن خلط بِغَيْرِهِ. الْعَاشِر: أَنه حرَام إلاَّ فِي الصَّلَاة عِنْد عدم غَيره. وَفِيه: حجَّة على إِبَاحَة قدر لإصبعين فِي الْأَعْلَام، وَلَكِن وَقع عِنْد أبي دَاوُد من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم الْأَحول فِي هَذَا الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن الْحَرِير إلاَّ مَا كَانَ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِصْبَعَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة. وروى مُسلم من حَدِيث سُوَيْد بن غَفلَة بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة

(22/9)


وَالْفَاء وَاللَّام الخفيفتين أَن عمر رَضِي الله عَنهُ، خطب فَقَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن لبس الْحَرِير إلاّ مَوضِع إِصْبَعَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا. وَكلمَة: أَو، هُنَا للتنويع والتخيير، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: إِن الْحَرِير لَا يصلح مِنْهُ إلاَّ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي: إِصْبَعَيْنِ وَثَلَاثًا وأربعاً. وَقَالَ شَيخنَا: فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ، حجَّة لما قَالَه أَصْحَابنَا من أَنه لَا يرخص فِي التطريز وَالْعلم فِي الثَّوْب إِذا زَاد على أَرْبَعَة أَصَابِع، وَأَنه تجوز الْأَرْبَعَة فَمَا دونهَا، وَمِمَّنْ ذكره من أَصْحَابنَا الْبَغَوِيّ فِي (التَّهْذِيب) وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ. انْتهى. وَذكر الزَّاهدِيّ من أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة أَن الْعِمَامَة إِذا كَانَت طرتها قدر أَربع أَصَابِع من إبريسم بأصابع عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وَذَلِكَ قيس شبرنا يرخص فِيهِ. والأصابع لَا مَضْمُومَة كل الضَّم وَلَا منشورة كل النشر. وَقيل: أَربع أَصَابِع كَمَا هِيَ على هيئتها، وَقيل: أَربع أَصَابِع منشورة، وَقيل: التَّحَرُّز عَن مِقْدَار المنشورة أولى، وَالْعلم فِي مَوَاضِع. قَالَ بَعضهم: يجمع، وَقيل: لَا يجمع، وَإِذا كَانَ نظره إِلَى الثَّلج يضرّهُ فَلَا بَأْس أَن يشد على عَيْنَيْهِ خماراً أسود من إبر يسم، قَالَ: وَفِي الْعين الرمدة أولى، وَقيل: لَا يجوز، وَعَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ: لَا بَأْس بِالْعلمِ من الْفضة فِي الْعِمَامَة قدر أَربع أَصَابِع، وَيكرهُ من الذَّهَب، وَقيل: لَا يكره، وَالذَّهَب المنسوج فِي الْعلم كَذَلِك، وَعَن مُحَمَّد لَا يجوز، وَفِي: (جَامع مُخْتَصر) الشَّيْخ أبي مُحَمَّد قيل لمَالِك: ملاحف أعلامها حَرِير قدر إِصْبَعَيْنِ، قَالَ: لَا أحبه، وَمَا أرَاهُ حَرَامًا.

5829 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا زُهَيْرٌ حَدثنَا عاصِمٌ عَنْ أبي عُثْمانَ قَالَ: كَتَبَ إلَيْنا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأذْرَبِيجَانَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهاى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ إلاّ هاكَذَا، وَصَفَّ لنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إصْبَعَيْهِ، وَرَفَعَ زُهَيْرٌ الوُسْطَى والسَّبابَةَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن أَحْمد بن يُونُس وَهُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُوسُف نسب لجده وَهُوَ بذلك أشهر، يروي عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة بن أبي خَيْثَمَة الْجعْفِيّ عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور.
قَوْله: (كتب إِلَيْنَا عمر) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَر، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: كتب إِلَيْهِ، أَي: إِلَى عتبَة بن فرقد، وكلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَة لِأَنَّهُ كتب إِلَى الْأَمِير لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَاطب بِهِ وَكتب إِلَيْهِم أَيْضا بالحكم. قَوْله: (وَرفع زُهَيْر السبابَة وَالْوُسْطَى) ، وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَته: وضمهما.

5830 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى عَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ أبِي عُثْمانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يُلْبَسُ الحَرِيرُ فِي الدُّنْيا إلاَّ لَمْ يُلْبَسْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الآخِرَةِ.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (لَا يلبس) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكَذَلِكَ قَوْله: (لم يلبس) وَهَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وللنسفي فِي الْأَخِيرَة: مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني على صِيغَة بِنَاء الْفَاعِل فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالتَّقْدِير: لَا يلبس الرجل الْحَرِير، ويروى: لَا يلبس أحد الْحَرِير فِي الدُّنْيَا إلاَّ لم يلبس مِنْهُ شَيْئا فِي الْآخِرَة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: لَا يلبس الْحَرِير إلاَّ من لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْء فِي الْآخِرَة، وَقَالَ بَعضهم: وَأوردهُ الْكرْمَانِي بِلَفْظ: إلاَّ من لم يلبس، قَالَ: وَفِي الْأُخْرَى: إلاَّ من لَيْسَ يلبس مِنْهُ. قلت: لفظ الْكرْمَانِي هَكَذَا. قَوْله: إلاّ من لم يلبس، وَفِي بَعْضهَا: إلاَّ لَيْسَ يلبس.
حدَّثنا الحَسَنُ بنُ عُمَر حَدثنَا مُعْتَمِرٌ حَدثنَا أبي حَدثنَا أبُو عُثْمانَ، وأشارَ أبُو عُثْمانَ بِإِصْبَعَيْهِ: المُسَبِّحَةِ والوُسْطَى.

هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن الْحسن بن عمر بن شَقِيق الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء أبي عُثْمَان الْبَلْخِي، هَكَذَا نَص

(22/10)


عَلَيْهِ الكلاباذي وَآخَرُونَ، وَعَن ابْن عدي هُوَ ابْن عَمْرو بن إِبْرَاهِيم الْعَبْدي وَلَيْسَ بِشَيْء، ومعتمر يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَسليمَان عَن أبي عُثْمَان الْمَذْكُور، وَأَبُو عُثْمَان يروي عَن كتاب عمر ضي الله عَنهُ، وَزَاد هَذِه الزِّيَادَة. (المسبحة) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة وَهِي السبابَة وَهِي الَّتِي تلِي الْإِبْهَام، وَسميت بالسبابة لِأَن النَّاس يشيرون بهَا عِنْد السَّبَب، وَسميت بالمسبحة لِأَن الْمُصَلِّي يُشِير بهَا إِلَى التَّوْحِيد وتنزيه الله تَعَالَى عَن الشَّرِيك.

5831 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا شُعْبَة عَنِ الحَكمِ عَنِ ابنِ أبي لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بالمَدايِنِ فاسْتَسْقاى. فأتاهُ دِهْقانٌ بماءٍ فِي إناءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَماهُ بِهِ، وَقَالَ: إنِّي لَمْ أرْمِهِ إلاَّ أنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الذَّهَبُ والفِضّةُ والحَرِيرُ والدِّيباجُ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَفْهُوم مِنْهُ عدم جَوَاز اسْتِعْمَال هَذِه الْأَشْيَاء للرِّجَال، وَقد تمسك بِهِ من منع اسْتِعْمَال النِّسَاء للحرير والديباج، لِأَن حُذَيْفَة اسْتدلَّ بِهِ على تَحْرِيم الشّرْب فِي الْإِنَاء الْفضة وَهُوَ حرَام على النِّسَاء وَالرِّجَال جَمِيعًا، فَيكون الْحَرِير كَذَلِك. وَأجِيب: بِأَن الْخطاب بِلَفْظ الْمُذكر وَدخُول الْمُؤَنَّث فِيهِ مُخْتَلف فِيهِ، قيل: الرَّاجِح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ عدم دخولهن. قلت: هَذَا الْجَواب لَيْسَ بمقنع، بل الأولى أَن يُقَال: قد جَاءَت إِبَاحَة الذَّهَب وَالْحَرِير للنِّسَاء، كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب، وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَاسم أبي ليلى يسَار ضد الْيَمين وَكَانَ عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْكُوفَة، وَحُذَيْفَة هُوَ ابْن الْيَمَان.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَشْرِبَة فِي: بَاب الشّرْب فِي آنِية الذَّهَب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن الحكم ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَاسْتَسْقَى) أَي: طلب سقِِي المَاء، (والمدائن) إسم مَدِينَة كَانَت دَار مملكة الأكاسرة، (والدهقان) بِكَسْر الدَّال على الْمَشْهُور وَبِضَمِّهَا، وَقيل بِفَتْحِهَا وَهُوَ غَرِيب، وَهُوَ زعيم الفلاحين، وَقيل: زعيم الْقرْيَة وَهُوَ عجمي مُعرب، وَقيل، بأصالة النُّون وزيادتها. قَوْله: (وَلَهُم) أَي: وللكفار، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا بَيَان للْوَاقِع لَا تَجْوِيز لَهُم لأَنهم مكلفون بالفروع، وَفِيه خلاف، وَظَاهر الحَدِيث يدل على أَنهم لَيْسُوا بمكلفين بالفروع.

5832 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حَدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: أعَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ شَدِيداً: عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِي الآخِرَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يوضحها لِأَن التَّرْجَمَة لَيْسَ فِيهَا بَيَان الحكم والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: فَقلت) أَي: فَقلت لعبد الْعَزِيز: (أعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) أَي: أسمع أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَوَقع فِي رِوَايَة عَليّ بن الْجَعْد: شُعْبَة سَأَلت عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن الْحَرِير، فَقَالَ: سَمِعت أنسا، فَقلت: عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ (فَقَالَ شَدِيدا) : أَي: قَالَ عبد الْعَزِيز على سَبِيل الْغَضَب الشَّديد فِي سُؤَاله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا السُّؤَال، إِذْ الْقَرِينَة أَو السُّؤَال مشْعر بذلك، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون تقريراً لكَونه مَرْفُوعا، أَي: أحفظه حفظا شَدِيدا، ثمَّ نقل مَا ذَكرْنَاهُ عَن الْكرْمَانِي ثمَّ قَالَ: كَذَا، وَوَجهه غير وجيه. قلت: الَّذِي قَالَه هُوَ غير وجيه، قلت: الَّذِي قَالَه هُوَ غير وجيه، وَالْأَوْجه مَا ذكره الْكرْمَانِي ليتأمله من لَهُ أدنى تامل. قَوْله: (فَلَنْ يلْبسهُ فِي الْآخِرَة) هُوَ على تَقْدِير: إِمَّا ينساه، أَو تزَال شَهْوَته من نَفسه، أَو يكون ذَلِك فِي وَقت دون وَقت.

5833 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بن حَرْبٍ حَدثنَا حَمادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ ثابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ.

(22/11)


[/ نه

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا الْآن وثابت هُوَ الْبنانِيّ وَابْن الزبير هُوَ عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ.
قَوْله: (يخْطب) زَاد النَّسَائِيّ: وَهُوَ على الْمِنْبَر، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن عَفَّان عَن حَمَّاد بِلَفْظ: يَخْطُبنَا. قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هَذَا مُرْسل ابْن الزبير ومراسيل الصَّحَابَة مُحْتَج بهَا عِنْد الْجُمْهُور من الَّذين لَا يحتجون بالمراسيل لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون عِنْد الْوَاحِد مِنْهُم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو عَن صَحَابِيّ آخر، فَإِن قلت: يحْتَمل أَن يكون عَن تَابِعِيّ لوُجُود بعض الرِّوَايَة عَن بعض الصَّحَابَة عَن بعض التَّابِعين؟ قلت: هَذَا نَادِر والنادر كَالْمَعْدُومِ. قَوْله: (لم يلْبسهُ) بِكَلِمَة: لم، وَقَالَ بَعضهم: لن يلْبسهُ فِي الْآخِرَة، كَذَا فِي جَمِيع الطّرق عَن ثَابت، يَعْنِي بِكَلِمَة: لن، وَهُوَ اوضح فِي النَّفْي. قلت: وجدت فِي غَالب النّسخ: لم يلْبسهُ بِكَلِمَة: لم.

5834 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ أخبرنَا شُعْبَةُ عَنْ أبِي ذُبْيانَ خَلِيفَةَ بنِ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ.

وَقَالَ لَنا أبُو مَعْمَرٍ: حَدثنَا عَبْدُ الوَارِثِ عَنْ يَزِيدَ قالَتْ مُعاذَةُ: أخْبَرَتْنِي أُمُّ عَمْرو بنْتُ عَبْدِ الله سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ عُمَرَ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن عَليّ بن الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن عبيد الْجَوْهَرِي الْبَغْدَادِيّ، روى البُخَارِيّ عَنهُ فِي كِتَابه اثْنَي عشر حَدِيثا، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ بِبَغْدَاد آخر رَجَب سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو ذبيان بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف وبالنون واسْمه خَليفَة بن كَعْب التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَوَقع فِي رِوَايَة عَليّ بن السكن عَن الْفربرِي عَن أبي ظبْيَان بِظَاء مُعْجمَة بدل الذَّال، قَالُوا: هُوَ خطأ، وَأَشد خطأ مِنْهُ فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي عَن الْفربرِي عَن أبي دِينَار، بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة وَنون وَبعد الْألف رَاء، وَقد نبه على ذَلِك أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ.
قَوْله: (سَمِعت ابْن الزبير يَقُول: سَمِعت عمر يَقُول) وَقع فِي رِوَايَة النَّضر بن شُمَيْل عَن شُعْبَة: حَدثنَا خَليفَة بن كَعْب سَمِعت عبد الله بن الزبير يَقُول: لَا تلبسوا نساءكم الْحَرِير، فَإِنِّي سَمِعت عمر رَضِي الله عَنهُ ... أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق جَعْفَر بن مَيْمُون عَن خَليفَة بن كَعْب فَلم يذكر عمر فِي إِسْنَاده، وَشعْبَة أحفظ من جَعْفَر بن مَيْمُون. قَوْله: (لم يلْبسهُ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لن يلْبسهُ، وَالْمَحْفُوظ من هَذَا الْوَجْه: لم، وَكَذَا أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ، وَزَاد النَّسَائِيّ فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مَيْمُون فِي آخِره: وَمن لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة لم يدْخل الْجنَّة. قَالَ الله تَعَالَى: { (22) ولباسهم فِيهَا حَرِير} (الْحَج: 23 وفاطر: 33) قيل: هَذِه الزِّيَادَة مدرجة فِي الْخَبَر، وَهِي مَوْقُوفَة على ابْن الزبير، بيَّن ذَلِك النَّسَائِيّ أَيْضا من طَرِيق شُعْبَة، فَذكر مثل سَنَد حَدِيث الْبَاب، وَفِي آخِره: قَالَ ابْن الزبير، فَذكر الزِّيَادَة، وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة، وَلَفظه: فَقَالَ ابْن الزبير من رَأْيه: وَمن لم يلبس الْحَرِير فِي الْآخِرَة لم يدْخل الْجنَّة، وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى: {ولباسهم فِيهَا حَرِير} .
قَوْله: (وَقَالَ لنا أَبُو معمر) هَذَا طَرِيق آخر من رِوَايَة ابْن الزبير عَن عمر رَضِي الله عَنهُ، أخرجه عَن أبي معمر عبد الله بن عمر بن الْحجَّاج أحد شُيُوخه بطرِيق المذاكرة حَيْثُ لم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ عَنهُ.
وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَيزِيد من الزِّيَادَة قَالَ الغساني: هُوَ يزِيد الرشك بِكَسْر الرَّاء وبسكون الشين الْمُعْجَمَة وبالكاف، وَمَعْنَاهُ: القسام كَانَ يقسم الدّور وَيمْسَح بِمَكَّة، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة بِالْبَصْرَةِ، ومعاذة بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة بنت عبد الله العدوية البصرية، وَأم عمر وَبنت عبد الله بن الزبير بن الْعَوام الأَسدِية، سَمِعت أَبَاهَا عبد الله بن الزبير وَابْن الزبير سمع عمر رَضِي الله عَنهُ، وَعمر سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: سَمِعت من عبد الله بن الزبير يَقُول فِي خطبَته: إِنَّه سمع عمر بن الْخطاب. . قَوْله: (نَحوه) ، أَي: نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ: فَإِنَّهُ لَا يكساه فِي الْآخِرَة، وَله من طَرِيق شَيبَان بن فروخ عَن عبد الْوَارِث: فَلَا كَسَاه الله فِي

(22/12)


الْآخِرَة، وروى أَحْمد من حَدِيث جَابر عَن خَالَته أم عُثْمَان عَن جوَيْرِية قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لبس ثوب حَرِير ألبسهُ الله عز وَجل ثوبا من النَّار يَوْم الْقِيَامَة.

5835 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا عَلِيُّ بنُ المُبارَكِ عَنْ يَحْياى بنِ أبِي كَثِيرٍ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حِطَّانَ قَالَ: سألْتُ عائِشَةَ عَن الحَرِيرِ فقالَتِ: ائْتِ ابنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ، قَالَ: فَسألْتُهُ، فَقَالَ: سَلِ ابنَ عُمَرَ، قَالَ: فَسألْتُ ابنَ عُمَرَ فَقَالَ: أخْبرني أبُو حَفْصٍ يَعْنِي: عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيا مَنْ لَا خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: صَدَقَ وَمَا كَذَبَ أبُو حَفْصٍ عَلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ الْعَبْدي، وَعلي بن الْمُبَارك الْهنائِي الْبَصْرِيّ، وَعمْرَان بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة ابْن حطَّان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة وبالنون السدُوسِي، كَانَ رَئِيس الْخَوَارِج وشاعرهم، وَهُوَ الَّذِي مدح ابْن ملجم قَاتل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، بالأبيات الْمَشْهُورَة. فَإِن قلت: كَانَ تَركه من الْوَاجِبَات، وَكَيف يقبل قَول من مدح قَاتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ؟ قلت: قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ على قَاعِدَته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث المبتدع إِذا كَانَ صَادِق اللهجة متديناً انْتهى. قلت: لَيْسَ للْبُخَارِيّ حجَّة فِي تَخْرِيج حَدِيثه، وَمُسلم لم يخرج حَدِيثه، وَمن أَيْن كَانَ لَهُ صدق اللهجة وَقد أفحش فِي الْكَذِب فِي مدحه ابْن ملجم اللعين، والمتدين كَيفَ يفرح بقتل مثل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، حَتَّى يمدح قَاتله؟ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع.
قَوْله: (من لَا خلاق لَهُ) أَي: لَا نصيب لَهُ (فِي الْآخِرَة) وَقيل: لَا حُرْمَة لَهُ. قَوْله: (فَقلت: صدق)
إِلَى آخِره الْقَائِل هُوَ عمرَان بن حطَّان الْمَذْكُور.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ رجاءٍ: حَدثنَا حَرْبٌ عَنْ يَحْيَى حدّثني عِمْرَانُ ... وَقَصَّ الحَدِيثَ
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن رَجَاء بِالْجِيم وَالْمدّ أحد شُيُوخه مذاكرة وَلم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ عَنهُ، وَأَرَادَ بِهَذِهِ الرِّوَايَة تَصْرِيح يحيى بتحديث عمرَان لَهُ بِهَذَا الحَدِيث، وَحرب ضد الصُّلْح قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ صَاحب (الكاشف) : حَرْب هُوَ ابْن مَيْمُون أَبُو الْخطاب، روى عَنهُ ابْن رَجَاء، وَقَالَ بَعضهم: حَرْب هُوَ ابْن شَدَّاد، دورد على الْكرْمَانِي مَا ذكره بقوله: وَهُوَ عَجِيب، فَإِن صَاحب (الكاشف) لم يرقم لِحَرْب بن مَيْمُون عَلامَة البُخَارِيّ وَلَا يلْزم من كَون عبد الله بن رَجَاء روى عَنهُ أَن لَا يروي عَن حَرْب بن شَدَّاد، بل رِوَايَته عَن حَرْب بن شَدَّاد مَوْجُودَة فِي غير هَذَا. قلت: العجيب هُوَ مَا ذكره من وَجْهَيْن.
أَحدهمَا: أَن قَول صَاحب (الكاشف) : لم يرقم لِحَرْب بن مَيْمُون عَلامَة البُخَارِيّ، غير مُسلم، لم لَا يجوز أَن يكون قد رقمه وانمحى وَلم يطلع هُوَ عَلَيْهِ؟ أَو يكون قد نسي الرقم لَهُ؟
الثَّانِي: أَن قَوْله: وَلَا يلْزم ... إِلَى آخِره غير مقنع فِي الْجَواب لِأَن لَهُ أَن يَقُول: وَلَا يلْزم من كَون عبد الله بن رَجَاء روى عَنهُ أَن لَا يروي عَن حَرْب بن مَيْمُون، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير وَعمْرَان وَهُوَ ابْن حطَّان الْمَذْكُور.
قَوْله: (وقص الحَدِيث) أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ مَا سَاقه النَّسَائِيّ مَوْصُولا عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن عبد الله بن رخاء بِلَفْظ: من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا فَلَا خلاق لَهُ فِي الْآخِرَة.

26 - (بابُ مَنْ مَسَّ الحَرِيرَ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من مس الْحَرِير وتعجب مِنْهُ وَلم يلْبسهُ، وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى أَن الْحَرِير ولبسه حرَام فمسه غير حرَام، وَكَذَا بَيْعه وَالِانْتِفَاع بِثمنِهِ.
ويُرْوَى فِيهِ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أنَسٍ عَنِ النَبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(22/13)


أَي: يرْوى فِي مس الْحَرِير من غير لبس عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال نِسْبَة إِلَى زبيد، وَهُوَ مُنَبّه بن صَعب وَهُوَ زبيد الْأَكْبَر وَإِلَيْهِ ترجع قبائل زبيد، والزبيدي هَذَا صَاحب الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيثه فِي (كتاب الْأَفْرَاد والغرائب) : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أهديت لَهُ حلَّة من استبرق، فَجعل نَاس يلمسونها بِأَيْدِيهِم ويتعجبون مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعجبكم هَذِه؟ فوَاللَّه لمناديل سعد فِي الْجنَّة أحسن مِنْهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن الزُّهْرِيّ وَلم يروه غير عبد الله بن سَالم الْحِمصِي.

5836 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أبي إسْحاق عنِ البَرَاءِ رَضِي الله عنهُ، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَوْبُ حَرِير فَجَعَلْنا نَلْمُسُهُ وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتَعْجَبُونَ مِنْ هاذَا؟ قُلْنا: نَعَمْ. قَالَ: مَنادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعاذٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هاذَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَجعلنَا نلمسه ونتعجب مِنْهُ) . وَعبيد الله بن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس ابْن أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي، وَإِسْرَائِيل يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب.
والْحَدِيث مر فِي: بَاب مَنَاقِب سعد ابْن معَاذ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق ... إِلَى آخِره. أما الثَّوْب الْمَذْكُور فقد أهداه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكيدر، صَاحب دومة، وَأما وَجه تَخْصِيص سعد بن معَاذ بِالذكر فلكونه سيد الْأَنْصَار، وَلَعَلَّ اللاَّمسين المتعجبين من الْأَنْصَار أَو كَانَ يحب ذَلِك الْجِنْس من الثَّوْب، وَأما تَخْصِيص المناديل بِالذكر فلكونها تمتهن فَيكون مَا فَوْقهَا أَعلَى مِنْهَا بطرِيق الأولى.

27 - (بابُ افْتِرَاشِ الحَرِيرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم افتراش الْحَرِير: هَل هُوَ حرَام كلبسه أم لَا؟ وَحكمه أَنه حرَام كلبسه، وَفِيه خلاف نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَحَدِيث الْبَاب يُوضح الحكم فِي التَّرْجَمَة.
وَقَالَ عَبِيدَةَ: هُوَ كَلْبْسِهِ
عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين ابْن عَمْرو السَّلمَانِي بِسُكُون اللَّام، ومذهبه أَنه لَا فرق بَين لبس الْحَرِير وافتراشه فَإِنَّهُمَا فِي الْحُرْمَة سَوَاء، وَوصل تَعْلِيقه هَذَا الْحَارِث بن أبي أُسَامَة من طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: قلت لعبيدة: افتراش الْحَرِير كلبسه؟ قَالَ: نعم.

5837 - حدَّثنا عَلِيٌّ حدَّثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حَدثنَا أبي قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ أبي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ عَنِ ابنِ أبي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ نَبهاناٍ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وأنْ نأكُلَ فِيها وعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ والدِّباجِ وأنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَن نجلس عَلَيْهِ) . وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، ووهب بن جرير يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي الْأَزْدِيّ، وَابْن أبي نجيح اسْمه عبد الله، وَأَبُو نجيح بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم اسْمه يسَار ضد الْيَمين وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن وَاسم أبي ليلى يسَار مثل إسم أبي نجيح.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة وَفِي الْأَشْرِبَة فِي موضِعين وَفِي اللبَاس فِي موضِعين وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُله لفظ: (وَأَن نجلس عَلَيْهِ) إلاَّ هَهُنَا.
وَهُوَ من مُفْرَدَات البُخَارِيّ، وَلِهَذَا لم يذكرهُ الْحميدِي، وَاحْتج بِهِ الْجُمْهُور من الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة على تَحْرِيم الْجُلُوس على الْحَرِير، وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ، وَابْن الْمَاجشون وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة وَابْنه عبد الْملك فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ وَكِيع عَن مسعر عَن رَاشد مولى بني تَمِيم قَالَ: رَأَيْت فِي مجْلِس ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، مرفقة حَرِير، وروى ابْن سعد: أخبرنَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء أخبرنَا عَمْرو بن أبي الْمِقْدَام عَن مُؤذن بني ودَاعَة، قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس وَهُوَ متكىء على مرفقة حَرِير وَسَعِيد ابْن جُبَير عِنْد رجلَيْهِ وَهُوَ يُقَال لَهُ: انْظُر كَيفَ تحدث عني فَإنَّك حفظت عني كثيرا، وَأَجَابُوا بِأَن لفظ: نهى، لَيْسَ صَرِيحًا

(22/14)


فِي التَّحْرِيم، وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي ورد عَن مَجْمُوع اللّبْس وَالْجُلُوس لَا عَن الْجُلُوس بمفرده، وَأَيْضًا فَإِن الْجُلُوس لَيْسَ بِلبْس فَإِن قَالُوا: فِي حَدِيث أنس: فَقُمْت إِلَى حَصِير لناقد أسود من طول مَا لبس، قُلْنَا: مَعْنَاهُ من طول مَا اسْتعْمل، لِأَن لبس كل شَيْء بِحَسبِهِ، والمرفقة بِكَسْر الْمِيم: الوسادة.

28 - (بابُ لُبْس القَسِّيِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان لبس الثَّوْب القسي بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة وَتَشْديد الْيَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: القسي، مَنْسُوب إِلَى بلد يُقَال لَهُ: القس، قلت: القس كَانَت بَلْدَة على سَاحل الْبَحْر الْملح بِالْقربِ من دمياط كَانَ ينسج فِيهَا الثِّيَاب من الْحَرِير، وَالْيَوْم خرابة، وَقَالَ أَبُو عبيد: وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: القسي، بِكَسْر الْقَاف، وَأهل مصر يفتحونها، وَقَالَ ابْن سَيّده: القس والقس مَوضِع ينْسب إِلَيْهِ ثِيَاب تجلب من نَحْو مصر، وَذكر الْحسن بن مُحَمَّد المهلبي الْمصْرِيّ: أَن القس لِسَان خَارج من الْبَحْر عِنْده حصن يسكنهُ النَّاس، بَينه وَبَين الفرما عشرَة فراسخ من جِهَة الشَّام. قلت: الفرما كَذَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: إِنَّه القزي بالزاي مَوضِع السِّين من القز الَّذِي هُوَ غليظ الإبر سم ورديئة، وَفِي (التَّوْضِيح) : القس قَرْيَة من تنيس بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد النُّون الْمَكْسُورَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبسين مُهْملَة، بَلْدَة كَانَت فِي جَزِيرَة بساحل بَحر دمياط، وَقد خربَتْ، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) : القس قَرْيَة بالصعيد.
وَقَالَ عاصِمٌ: عنْ أبي بُرْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيّ: مَا الْقَسِّيَّةُ. قَالَ: ثِيابٌ أتَيْنا مِنَ الشَّأْمِ أوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيها حَرِيرٌ وفِيها أمْثالُ الأُتْرُنْجِ والمُيثَرَةُ، كانَتِ النِّساءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلَ القَطائِف يُصَفِّرْنَها.

عَاصِم هُوَ ابْن كُلَيْب الْجرْمِي بِالْجِيم وَالرَّاء مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله مُسلم من طَرِيق عبد الله بن إِدْرِيس: سَمِعت عَاصِم بن كُلَيْب عَن أبي بردة وَهُوَ ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: (نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس القسي وَعَن المياثر) ، قَالَ فَأَما القسي فثياب مضلعة ... الحَدِيث. قَوْله: (أتتنا من الشَّام أَو من مصر) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (من مصر وَالشَّام) . قَوْله: (مضلعة فِيهَا حَرِير) ، أَي: فِيهَا خطوط عريضة كالأضلاع، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وتضليع الثَّوْب جعل وشيه على هَيْئَة الأضلاع غَلِيظَة معوجة. قَوْله: (الأترج) ، بتَشْديد الْجِيم وَيُقَال لَهُ: الأترنج، أَيْضا بتَخْفِيف الْجِيم قبلهَا نون سَاكِنة. قَوْله: (والميثرة) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة من الوثارة وَهِي اللين ووزنها مفعلة، وَأَصلهَا موثرة قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، وَيجمع على: مياثر ومواثر. قَوْله: (كَانَت النِّسَاء تَصنعهُ لبعولتهن) أَي: لِأَزْوَاجِهِنَّ، والبعولة جمع بعل وَهُوَ الزَّوْج، تُوضَع على السُّرُوج يكون من الْحَرِير وَيكون من الصُّوف. قَوْله: (مثل القطائف) ، جمع قطيفة وَهِي الكساء المخمل، وَقيل: هِيَ الدثار. قَوْله: (يصفرنها) ، من التصغير ويروى: يصفونها، أَي: يجعلونها كالصفة من التصفية أَي: صفة السرج، قَالَ أَبُو عبيد: هِيَ كَانَت من مراكب الْأَعَاجِم من ديباج أَو حَرِير، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الميثرة مرفقة تتَّخذ لصفة السرج وَكَانُوا يحمرونها، وَفِي (الْمُحكم) : الميثرة الثَّوْب يُجَلل بهَا الثِّيَاب فتعلوها، وَقيل: هِيَ أغشية السُّرُوج تتَّخذ من الْحَرِير وَيكون من الصُّوف وَغَيره، وَقيل: هِيَ شَيْء كالفراش الصَّغِير يتَّخذ من الْحَرِير ويحشى بِقطن أَو صوف يَجْعَلهَا الرَّاكِب على الْبَعِير تَحْتَهُ فَوق الرحل.
وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ فِي حَدِيثِهِ القَسِّيَّةُ ثِيابٌ مُضَلَّعَة يُجاءُ بِها مِنْ مِصْرَ فِيها الحَرِيرُ، والْميثرَةُ جُلُودُ السِّباعِ. قَالَ أبُو عَبْدِ الله: عاصِمُ أكْثَرُ وأصَحُّ فِي المِيثَرَةِ.

اخْتلف الشُّرَّاح فِي جرير هَذَا، وَفِي شَيْخه فَقَالَ الْكرْمَانِي: جرير هَذَا بِالْجِيم هُوَ ابْن حَازِم الْمَذْكُور آنِفا، يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الَّذِي مضى قبل هَذَا الْبَاب، وَهُوَ قَوْله: حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي، وَأَبوهُ هُوَ جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ جرير بن عبد الحميد، وَأما شَيْخه فضبطه الْحَافِظ الدمياطي رَحمَه الله بِخَط يَده على حَاشِيَة نسخته بِضَم الْبَاء

(22/15)


الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء، وَهُوَ بريد بن عبد الله بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَضَبطه الْحَافِظ الْمزي فِي (تهذيبه) بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَقَالَ: إِنَّه يزِيد بن أبي زِيَاد الْقرشِي، وَذكر أَن البُخَارِيّ روى لَهُ مُعَلّقا، وروى لَهُ فِي رفع الْيَدَيْنِ وَالْأَدب، وروى لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، وَأَن أَحْمد وَابْن معِين ضعفَاهُ، وَأَن الْعجلِيّ قَالَ: هُوَ جَائِز الحَدِيث، وَأَنه كَانَ بِآخِرهِ يلقن وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وبالميم وَالنُّون مولى آل الزبير بن الْعَوام، وَنسب بَعضهم الْوَهم إِلَى الدمياطي فِي ضَبطه: بريد، بِالْبَاء الْمُوَحدَة ورد على الْكرْمَانِي فِي ضَبطه جرير بن حَازِم وَفِي ضبط شَيْخه بِأَنَّهُ يزِيد بن رُومَان، وَادّعى أَن جَرِيرًا هُوَ ابْن عبد الحميد وَأَن شَيْخه هُوَ يزِيد بن أبي زِيَاد، وَاعْتمد فِيمَا قَالَه على حَدِيث وَصله إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي: (غَرِيب الحَدِيث) لَهُ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الحميد عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن الْحسن بن سهل، قَالَ: القسية ثِيَاب مضلعة الحَدِيث. قلت: كل من الحافظين الْمَذْكُورين صَاحب ضبط واتقان فَلَا يظنّ فيهمَا إلاَّ أَنَّهُمَا حررا هَذَا الْموضع كَمَا يَنْبَغِي، وَأما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ أَيْضا لم يقل مَا ذكره من عِنْد رَأْيه، وَلم يكن إلاَّ وقف على نُسْخَة مُعْتَمدَة أَو على كتاب من هَذَا الْفَنّ، وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَال باقٍ فِي الْكل، وَالله أعلم.
قَوْله: (والميثرة جُلُود السبَاع) ، هَذَا لَا يُوجد إلاَّ فِي بعض نسخ البُخَارِيّ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: تَفْسِير الميثرة بالجلود قَول بَاطِل مُخَالف للمشهور الَّذِي أطبق عَلَيْهِ أهل الحَدِيث، وَقَالَ الْكرْمَانِي: جُلُود السبَاع لم تكن منهية، وَأجَاب بقوله: إِمَّا أَن يكون فِيهَا الْحَرِير وَإِمَّا أَن يكون من جِهَة إِسْرَاف فهيا، وَإِمَّا لِأَنَّهَا من زِيّ المترفين وَكَانَ كفار الْعَجم يستعملونها. قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (عَاصِم أَكثر) أَي: رِوَايَة عَاصِم بن كليف الْمَذْكُور أَكثر طرقاً وَأَصَح من رِوَايَة يزِيد الْمَذْكُور، وَهَذَا أَعنِي قَوْله: وَقَالَ أَبُو عبد الله ... إِلَى آخِره، لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.

5838 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلِ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا سُفْيانُ عَنْ أشْعَثَ بنِ أبي الشَّعْثاءِ حَدثنَا مُعاوِيَةُ بنُ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عَنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: نَهانا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنِ المياثِرِ الحُمْر والقَسِّيِّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعَن القسي) وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث طرف من حَدِيث أَوله: أمرنَا بِسبع ونهانا عَن سبع ... وَسَيَأْتِي تَمَامه بعد أَبْوَاب.
قَوْله: (نَهَانَا) فِي رِوَايَة الْكشميهني: نهى. قَوْله: (عَن المياثر الْحمر) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم، ذكره لبَيَان مَا كَانَ هُوَ الْوَاقِع، وَقَالَ أَبُو عبيد: المياثر الْحمر الْمنْهِي عَنْهَا كَانَت من مراكب الْأَعَاجِم من ديباج أَو حَرِير، وَقَالَ ابْن بطال: كَلَامه يدل على أَنَّهَا إِذا لم تكن من حَرِير أَو ديباج وَكَانَت من صوف أَحْمَر فَإِنَّهُ يجوز الرّكُوب عَلَيْهَا، وَلَيْسَ النَّهْي عَنْهَا كالنهي عَنْهَا إِذا كَانَت مِنْهُمَا، وَقَالَ ابْن وهب: سُئِلَ مَالك عَن ميثرة أرجوان يركب عَلَيْهَا؟ قَالَ: مَا أعلم حَرَامًا ثمَّ قَرَأَ: { (7) قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ} (الْأَعْرَاف: 32) والأرجوان صبغ أَحْمَر، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَذكر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أركب الأرجوان، وَقَالَ: الأرجوان الْأَحْمَر، وَأرَاهُ أَرَادَ بِهِ المياثر الْحمر، وَقد تتَّخذ من ديباج وحرير، وَقد ورد فِيهَا النَّهْي لما فِي ذَلِك من السَّفه وَلَيْسَت من لِبَاس الرِّجَال، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث قَتَادَة عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا أركب الأرجواز وَلَا ألبس المعصفر وَلَا ألبس الْقَمِيص المكفف بالحرير، وروى أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي: (مُسْنده) من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن خَوَاتِيم الذَّهَب والقسية والميثرة الْحَمْرَاء المصبغة من العصفر.