عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 29 - (بابُ مَا يُرَخَّصُ لِلرِّجالِ مِنَ
الحَرِيرِ لِلْحِكةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان مَا يرخص للرِّجَال من لبس
الْحَرِير لأجل الحكة، أَي: الجرب.
5839 - حدَّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا وَكِيعٌ أخبرنَا
شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ قَالَ: رخَصَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ
الرَّحْمانِ فِي لُبْسِ الحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِما.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد هُوَ ابْن
سَلام، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة عَليّ بن السكن، وَوَقع
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: مُحَمَّد مُجَردا عَن
(22/16)
نِسْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم
فِي اللبَاس عَن أبي بكر عَن وَكِيع وَعَن غَيره.
قَوْله: (للزبير) وَهُوَ الزبير بن الْعَوام (وَعبد
الرَّحْمَن) هُوَ ابْن عَوْف. قَوْله: (لحكة بهما) أَي:
لأجل حكة حصلت بهما أَي: بأبدانهما، وَوَقع فِي
(الْوَسِيط) للغزالي: أَن الَّذِي رخص لَهُ فِي لبس
الْحَرِير هُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَهُوَ غلط، وَعَن
الشَّافِعِي فِي وَجه: أَن الرُّخْصَة خَاصَّة بالزبير
وَعبد الرَّحْمَن، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَمن الْغَرِيب
حِكَايَة صَاحب (التَّنْبِيه) وَجها أَنه لَا يجوز لبسه
للْحَاجة الْمَذْكُورَة، وَلم يحكه الرَّافِعِيّ وَصَاحب
(الْبَيَان) إلاَّ عَنهُ، وَقد تعلل على بعده باختصاص
الرُّخْصَة للمذكورين، وَفرق بعض أَصْحَابنَا فجوزه فِي
السّفر دون الْحَضَر لرِوَايَة مُسلم: أَن ذَلِك كَانَ فِي
السّفر، وَهَذَا الْوَجْه خصّه فِي (الرَّوْضَة) بالقمل
وَلَيْسَ كَذَلِك، فقد نَقله الرَّافِعِيّ فِي الحكة،
وَالأَصَح جَوَازه سفرا وحضراً، وَأبْعد من قَالَ باختصاصه
بِالسَّفرِ، وَإِن اخْتَارَهُ ابْن الصّلاح لظَاهِر
الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَالْبُخَارِيّ أَنه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أرخص لَهما لما شكيا الْقمل فِي
غزَاة لَهما، وَالله أعلم.
30 - (بابُ الحَرِيرِ لِلنِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال الْحَرِير فِي
اللّبْس للنِّسَاء.
58 - (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا شُعْبَة ح
وحَدثني مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة
عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن زيد بن وهب عَن عَليّ بن أبي
طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ كساني النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حلَّة سيراء فَخرجت فِيهَا
فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه فشققتها بَين نسَائِي)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله فَرَأَيْت
الْغَضَب إِلَى آخِره وَأخرجه من طَرِيقين (الأول) عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة
إِلَى آخِره (وَالثَّانِي) عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر
وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن عبد
الْملك بن ميسرَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف ثمَّ سين مُهْملَة الْهِلَالِي أبي زيد الزراد
بزاي وَرَاء مُشَدّدَة وَزيد بن وهب الْجُهَنِيّ الثِّقَة
الْمَشْهُور من كبار التَّابِعين وَمَا لَهُ فِي
البُخَارِيّ عَن عَليّ سوى هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث مضى
فِي الْهِبَة فِي بَاب مَا يكره لبسه فَإِنَّهُ أخرجه عَن
حجاج بن منهال عَن شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي عبد الْملك بن
ميسرَة قَالَ سَمِعت زيد بن وهب عَن عَليّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ إِلَى آخِره وَمضى أَيْضا فِي النَّفَقَات
فِي بَاب كسْوَة الْمَرْأَة بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ
أخرجه فِيهِ أَيْضا عَن حجاج عَن شُعْبَة إِلَى آخِره
قَوْله عَن زيد بن وهب كَذَا لأكْثر الروَاة وَوَقع فِي
رِوَايَة عَليّ بن السكن وَحده عَن النزال بن سُبْرَة بدل
زيد بن وهب قَالُوا إِنَّه وهم كَأَنَّهُ انْتقل من حَدِيث
إِلَى حَدِيث لِأَن رِوَايَة عبد الْملك بن ميسرَة عَن
النزال بن سُبْرَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
إِنَّمَا هِيَ فِي الشّرْب قَائِما وَقد تقدم فِي
الْأَشْرِبَة قَوْله حلَّة سيراء قد مر غير مرّة أَن
الْحلَّة إِزَار ورداء وَقَالَ ابْن الْأَثِير الْحلَّة
ثَوْبَان إِذا كَانَا من جنس وَاحِد والسيراء بِكَسْر
السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَالرَّاء مَعَ الْمَدّ قَالَ الْخَلِيل لَيْسَ فِي
الْكَلَام فعلاء بِكَسْر أَوله سوى سيراء وحولاء وَهُوَ
المَاء الَّذِي يخرج على رَأس الْوَلَد والعنباء لُغَة فِي
الْعِنَب وَقَالَ مَالك هُوَ الوشي من الْحَرِير والوشي
بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا يَاء
آخر الْحُرُوف وَقَالَ الْأَصْمَعِي ثِيَاب فِيهَا خطوط من
حَرِير أَو قَز وَإِنَّمَا قيل لَهَا سيراء لتسيير الخطوط
فِيهَا وَقَالَ الْخَلِيل ثوب مضلع بالحرير وَقيل مُخْتَلف
الألوان فِيهِ خطوط ممتدة كَأَنَّهَا السيور وَقَالَ
الْجَوْهَرِي برد فِيهِ خطوط صفر وَاخْتلف فِي حلَّة سيراء
هَل هُوَ بِالْإِضَافَة أم لَا فَوَقع عِنْد الْأَكْثَرين
تَنْوِين حلَّة على أَن السيراء عطف بَيَان أَو صفة وَجزم
الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّهُ الرِّوَايَة وَقَالَ الْخطابِيّ
قَالُوا حلَّة سيراء كَمَا قَالُوا نَاقَة عشراء وَنقل
عِيَاض عَن أبي مَرْوَان بن سراج أَنه بِالْإِضَافَة قَالَ
عِيَاض وَكَذَا ضبطناه عَن متقني شُيُوخنَا وَقَالَ
النَّوَوِيّ أَنه قَول الْمُحَقِّقين ومتقني الْعَرَبيَّة
وَأَنه من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى صفته كَمَا قَالُوا ثوب
خَز قَوْله فَخرجت فِيهَا وَفِي رِوَايَة أبي صَالح عَن
عَليّ فلبستها قَوْله " فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه "
أَي فِي وَجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة أبي صَالح فَقَالَ
إِنِّي لم أبعثها إِلَيْك لتلبسها وَإِنَّمَا بعثت بهَا
إِلَيْك لتشققها خمرًا بَين النِّسَاء وَفِي أُخْرَى
شققتها خمرًا بَين الفواطم وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة
المُرَاد بالفواطم فَاطِمَة بنت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفَاطِمَة بنت
(22/17)
أَسد بن هَاشم أم عَليّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَا أعرف الثَّالِثَة وَقد روى
الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا
يَعْقُوب بن حميد قَالَ حَدثنَا عمرَان بن عُيَيْنَة عَن
يزِيد بن أبي زِيَاد عَن أبي فَاخِتَة عَن جعدة عَن عَليّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أهْدى أَمِير أذربيجان
إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
حلَّة مسيرَة بحرير إِمَّا سداها وَإِمَّا لحمتها فَبعث
بهَا إِلَيّ فَأَتَيْته فَقلت يَا رَسُول الله ألبسها
قَالَ لَا أكره لَك مَا أكره لنَفْسي اجْعَلْهَا خمرًا
بَين الفواطم قَالَ فَقطعت مِنْهَا أَربع خمر خمارا لفاطمة
بنت أَسد بن هَاشم أم عَليّ بن أبي طَالب وخمارا لفاطمة
بنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وخمارا لفاطمة بنت حَمْزَة بن عبد الْمطلب وخمارا لفاطمة
أُخْرَى قد نسيتهَا انْتهى وَقَالَ عِيَاض لَعَلَّهَا
فَاطِمَة امْرَأَة عقيل بن أبي طَالب وَهِي بنت شيبَة بن
ربيعَة وَقيل بنت عتبَة بن ربيعَة قَوْله " فشققتها بَين
نسَائِي " أَي قطعتها ففرقتها عَلَيْهِنَّ خمرًا بِضَم
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمِيم جمع خمار بِكَسْر أَوله
وَالتَّخْفِيف وَهُوَ مَا تغطي بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا
وَالْمرَاد بِنِسَائِي مَا فسره فِي رِوَايَة أبي صَالح
حَيْثُ قَالَ بَين الفواطم قَالَه هَكَذَا بَعضهم قلت
المُرَاد بِنِسَائِي النِّسَاء اللَّاتِي يقربن مِنْهُ
وَهِي الفواطم الْمَذْكُورَة وَلِهَذَا ذكره بِالْإِضَافَة
إِلَى نَفسه -
5841 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعَيلَ قَالَ: حدّثني
جُوَيْرِيَّةُ عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ
أنَّ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ، رأى حُلَّةً سِيَراءَ
تُباعُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله لَوِ ابْتَعْتَها
تَلْبَسُها لِلْوَفْدِ إِذا أتَوْكَ، والجُمُعَةِ؟ قَالَ:
إنَّما يَلْبَسُ هاذِهِ مِنْ لَا خَلاَقَ لَهُ. وأنَّ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ بَعْدَ ذالِكَ
إِلَى عُمَرَ حُلَّةِ سَيَراءَ حَرِيراً كَساها إيَّاهُ،
فَقَالَ عُمَرُ: كَسَوْتَنِيها؟ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ
فِيها مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُ إلَيْكَ
لَتَبِيعَها أوْ وتَكْسُوَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَو تكسوها)
لِأَن مَعْنَاهَا: لتعطيها غَيْرك من النِّسَاء بِالْهبةِ
وَنَحْوهَا، فَهَذَا يدل على أَنَّهَا حَلَال للنِّسَاء.
وَجُوَيْرِية مصغر الْجَارِيَة ابْن أَسمَاء الضبعِي بِضَم
الضَّاد الْمُعْجَمَة، والاسمان مشتركان بَين الذُّكُور
وَالْإِنَاث.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجُمُعَة فِي: بَاب يلبس أحسن مَا
يجد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن
مَالك عَن نَافِع إِلَى آخِره بأتم مِنْهُ، وَمضى أَيْضا
فِي أول الْعِيدَيْنِ، أخرجه عَن أبي الْيَمَان عَن
شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله ... إِلَى
آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (للوفد) وَفِي رِوَايَة جرير بن حَازِم: لوفود
الْعَرَب. قَوْله: (وَالْجُمُعَة) وَفِي رِوَايَة سَالم:
للعيد، بدل: الْجُمُعَة، وَجمع ابْن إِسْحَاق عَن نَافِع
مَا تضمنته الرِّوَايَتَانِ أخرجه النَّسَائِيّ بِلَفْظ:
(فتجملت بهَا لوفود الْعَرَب إِذا أتوك وَإِذا خطبت
النَّاس فِي يَوْم عيد أَو غَيره) ، وَتَخْصِيص الْعَرَب
بِالذكر لِكَثْرَة وفودهم. قَوْله: (من لَا خلاق لَهُ)
أَي: من لَا نصيب لَهُ يَوْم الْقِيَامَة، أَو: من لَا حظّ
لَهُ. قَوْله: (كساها إِيَّاه) أَي: كسى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْحلَّة الْمَذْكُورَة (إِيَّاه) أَي:
عمر، هَذَا الْإِطْلَاق بِاعْتِبَار مَا فهم عمر من ذَلِك،
وإلاَّ فقد ظهر من بَقِيَّة للْحَدِيث أَنه لم يبْعَث بهَا
إِلَيْهِ ليلبسها. قَوْله: (أَو تكسوها) قد مر تَفْسِيره
آنِفا، وَزَاد مَالك فِي آخر الحَدِيث: فكساها عمر خَاله
بِمَكَّة مُشْركًا، وَعند النَّسَائِيّ: أَخا لَهُ من أمه.
5842 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّهُ
رأى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ عَلَيْها السَّلاَمُ، بِنْتِ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بُرْدَ حَرِيرٍ
سِيَرَاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم
بن نَافِع.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عمرَان
بن بكار عَن أبي الْيَمَان بِهِ. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من
خمس طرق، وَفِي الطَّرِيق الْخَامِس: رَأَيْت على زَيْنَب
بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردا سيراء من
حَرِير.
وَأم كُلْثُوم بِضَم الْكَاف وَسُكُون اللَّام وبالمثلثة
زوج عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا، مَاتَت فِي حَيَاة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة سبع من
الْهِجْرَة، وَزَيْنَب بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم هِيَ أكبر بَنَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهِي الَّتِي ردهَا على زَوجهَا أبي الْعَاصِ بن الرّبيع
حِين أسلم، قيل: بِنِكَاح جَدِيد، وَقيل: بنكاحها الأول،
مَاتَت ثَمَان من الْهِجْرَة فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: حَدِيث أنس مُضْطَرب؟ قلت: لَا
نسلم لِأَن عَادَة الْأَخَوَات أَن تلبس زياً وَاحِدًا.
فَإِن قلت: كَيفَ تجوز رُؤْيَة أنس بَنَات النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: كَانَ ذَلِك قبل بُلُوغ أنس
مبلغ الرِّجَال، وَكَانَ بُلُوغه فِي حَيَاة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْإِجْمَاع، أَو كَانَ قبل نزُول
الْحجاب. فَإِن قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: إِن
(22/18)
كَانَ أنس رأى ذَلِك فِي زمن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فيعارض حَدِيث عقبَة وَهُوَ الَّذِي
أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَصَححهُ: أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْنَع أَهله الْحَرِير
والحلية، وَإِن كَانَ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ دَلِيلا على نسخ حَدِيث عقبَة. قلت: قد طعن
بَعضهم على الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا الترديد بِمَا ملخصه:
أَنه خَفِي عَلَيْهِ موت أم كُلْثُوم، فَإِنَّهَا مَاتَت
فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا
ذَكرْنَاهُ آنِفا، فدعوى الْمُعَارضَة مَرْدُودَة وَكَذَا
دَعْوَى النّسخ، انْتهى، وَيُمكن أَن يُوَجه كَلَام
الطَّحَاوِيّ بِأَن يُقَال: معنى قَوْله: وَإِن كَانَ بعد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: وَإِن كَانَ
إخْبَاره بذلك بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعلى
هَذَا يَصح دَعْوَى النّسخ، ثمَّ إِن الطاعن الْمَذْكُور
قَالَ: الْجمع بَينهمَا، أَي: بَين حَدِيث أنس وَحَدِيث
عقبَة بن عَامر وَاضح يحمل النَّهْي فِي حَدِيث عقبَة على
التَّنْزِيه. قلت: حَدِيث أنس لَا يُعَارضهُ حَدِيث عقبَة،
لِأَن تَصْحِيح البُخَارِيّ أقوى من تَصْحِيح غَيره
فالمعارضة تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة، وَالله أعلم.
31 - (بابُ مَا كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَتَجَوَّزُ مِنَ اللِّباسِ والبُسْط)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يتجوز من التَّجَوُّز وَهُوَ التَّخْفِيف
وَحَاصِل مَعْنَاهُ: أَنه كَانَ يتوسع فَلَا يضيق
بالاقتصار على صنف وَاحِد من اللبَاس، وَقيل: مَا يطْلب
النفيس والعالي بل يسْتَعْمل مَا تيَسّر، وَوَقع فِي
رِوَايَة الْكشميهني: مَا يتجزى، ضَبطه بَعضهم بجيم وزاي
مَفْتُوحَة مُشَدّدَة بعْدهَا ألف، وَمَا أَظُنهُ صَحِيحا
إلاَّ بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء. قَوْله: (والبسط)
ضَبطه بَعضهم بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة، ثمَّ
قَالَ: وَهُوَ مَا يبسط وَيجْلس عَلَيْهِ. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْبسط جمع الْبسَاط، فحينئذٍ لَا تكون
الْبَاء إلاَّ مَضْمُومَة، وَمَا أَظن الصَّحِيح إلاَّ
هَذَا.
61 - (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد بن زيد
عَن يحيى بن سعيد عَن عبيد بن حنين عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ لَبِثت سنة وَأَنا أُرِيد أَن أسأَل
عمر عَن الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تظاهرتا على النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجعلت أهابه
فَنزل يَوْمًا منزلا فَدخل الْأَرَاك فَلَمَّا خرج سَأَلته
فَقَالَ عَائِشَة وَحَفْصَة ثمَّ قَالَ كُنَّا فِي
الْجَاهِلِيَّة لَا نعد النِّسَاء شَيْئا فَلَمَّا جَاءَ
الْإِسْلَام وذكرهن الله رَأينَا لَهُنَّ بذلك علينا حَقًا
من غير أَن ندخلهن فِي شَيْء من أمورنا وَكَانَ بيني
وَبَين امْرَأَتي كَلَام فأغلظت لي فَقلت لَهَا وَإنَّك
لهناك قَالَت تَقول هَذَا لي وابنتك تؤذي النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأتيت حَفْصَة
فَقلت لَهَا إِنِّي أحذرك أَن تَعْصِي الله وَرَسُوله
وَتَقَدَّمت إِلَيْهَا فِي أَذَاهُ فَأتيت أم سَلمَة فَقلت
لَهَا فَقَالَت أعجب مِنْك يَا عمر قد دخلت فِي أمورنا
فَلم يبْق إِلَّا أَن تدخل بَين رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأزواجه فَرددت وَكَانَ رجل
من الْأَنْصَار إِذا غَابَ عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وشهدته أَتَيْته بِمَا يكون
وَإِذا غبت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَشهد أَتَانِي بِمَا يكون من رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ من حول
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد
استقام لَهُ فَلم يبْق إِلَّا مَالك غَسَّان بالشأم كُنَّا
نَخَاف أَن يأتينا فَمَا شَعرت إِلَّا بِالْأَنْصَارِيِّ
وَهُوَ يَقُول إِنَّه قد حدث أَمر قلت لَهُ وَمَا هُوَ
أجاء الغساني قَالَ أعظم من ذَاك طلق رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نِسَاءَهُ فَجئْت فَإِذا
الْبكاء من حجرهن كلهَا وَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد صعد فِي مشربَة لَهُ وعَلى بَاب
الْمشْربَة وصيف فَأَتَيْته فَقلت اسْتَأْذن لي فَأذن لي
فَدخلت فَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - على حَصِير قد أثر فِي جنبه وَتَحْت رَأسه
مرفقة من أَدَم حشوها لِيف وَإِذا أهب معلقَة وقرظ فَذكرت
الَّذِي قلت لحفصة
(22/19)
وَأم سَلمَة وَالَّذِي ردَّتْ عَليّ أم
سَلمَة فَضَحِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَلبث تسعا وَعشْرين لَيْلَة ثمَّ نزل)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله فَإِذا النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على حَصِير إِلَى
قَوْله لِيف والْحَدِيث مضى مطولا جدا فِي الْمَظَالِم فِي
بَاب الغرفة والعلية وَمضى أَيْضا فِي التَّفْسِير فِي
سُورَة التَّحْرِيم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد
الْعَزِيز بن عبد الله عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى
عَن عبيد بن حنين أَنه سمع ابْن عَبَّاس إِلَى آخِره وَمضى
فِي النِّكَاح أَيْضا وَسَيَجِيءُ أَيْضا فِي خبر
الْوَاحِد وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الْمَظَالِم قَوْله
تظاهرتا أَي تعاضدتا وهما عَائِشَة وَحَفْصَة قَوْله فَدخل
فِي الْأَرَاك بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَهُوَ
الشّجر المالح المرأى دخل بَينهمَا لقَضَاء الْحَاجة
قَوْله فأغلظت لي ويروى على قَوْله وَإنَّك لهناك أَي
إِنَّك فِي هَذَا الْمقَام وَلَك جرْأَة أَن تغلظي عَليّ
قَوْله " أَن تَعْصِي الله " ويروى " أَن تغضبي " من
الإغضاب قَوْله " وَتَقَدَّمت إِلَيْهَا فِي أَذَاهُ " أَي
تقدّمت إِلَيْهَا أَولا قبل الدُّخُول على غَيرهَا فِي
قصَّة أَذَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وشأنه أَو تقدّمت إِلَيْهَا فِي أَذَى شخصها
وإيلام بدنهَا بِالضَّرْبِ وَنَحْوه قَوْله " فَأتيت أم
سَلمَة " وَهِي زوج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَاسْمهَا هِنْد وَإِنَّمَا أَتَاهَا عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لِأَنَّهَا قريبته قيل إِنَّهَا
خَالَته قَوْله أعجب بِلَفْظ الْمُتَكَلّم قَوْله " فَرددت
" من الترديد ويروى فَردَّتْ من الرَّد ويروى فبرزت من
البروز أَي الْخُرُوج قَوْله " وَكَانَ من حول رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي من
الْمُلُوك والحكام وغسان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ
اسْم قَبيلَة قَوْله فَمَا شَعرت إِلَّا بِالْأَنْصَارِيِّ
وَهُوَ يَقُول ويروى فَمَا شَعرت بِالْأَنْصَارِيِّ إِلَّا
وَهُوَ يَقُول وَكِلَاهُمَا مَنْقُول عَن الْكشميهني
وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي جلّ النّسخ أَو فِي كلهَا وَهُوَ
يَقُول بِدُونِ كلمة الِاسْتِثْنَاء وَوَجهه أَن إِلَّا
مقدرَة والقرينة تدل عَلَيْهِ أَو كلمة مَا زَائِدَة أَو
مَصْدَرِيَّة وَيَقُول مُبْتَدأ وَخَبره بِالْأَنْصَارِيِّ
أَي شعوري ملتبس بِالْأَنْصَارِيِّ قَائِلا قَوْله أعظم
انْتهى قلت الْأَحْسَن أَن يُقَال مَا مَصْدَرِيَّة
وَالتَّقْدِير شعوري بِالْأَنْصَارِيِّ حَال كَونه قَائِلا
أعظم من ذَلِك وَقَول الْكرْمَانِي وَيَقُول مُبْتَدأ
فِيهِ نظر لِأَن الْفِعْل لَا يَقع مُبْتَدأ إِلَّا
بالتأويل قَوْله إِنَّه أَي الشَّأْن قَوْله أجاء الغساني
الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار قَوْله
أعظم من ذَلِك أَي من مَجِيء الغساني وَهُوَ أَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طلق نِسَاءَهُ
فَإِن قلت كَيفَ كَانَ الطَّلَاق أعظم من توجه الْعَدو
وَاحْتِمَال تسلطه عَلَيْهِم قلت لِأَن فِيهِ ملالة خاطر
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأما
بِالنِّسْبَةِ إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
فَظَاهر لِأَن مُفَارقَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بنته أعظم الْأُمُور إِلَيْهِ
ولعلمهم بِأَن الله تَعَالَى يعْصم رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من النَّاس {وَلنْ يَجْعَل
الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} فَإِن قلت
كَيفَ قَالَ طلق وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مَا طلق نِسَاءَهُ قلت اعتزل عَنْهُن فَقَالَ
بِالظَّنِّ بِأَن الاعتزال تطليق قَوْله من حجرهن بِضَم
الْحَاء وَفتح الْجِيم جمع حجرَة ويروى من حجره أَي من حجر
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَوْله فِي مشربَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَفتحهَا وبالباء الْمُوَحدَة
وَهِي الغرفة قَوْله وصيف أَي خَادِم وَهُوَ غُلَام دون
الْبلُوغ قَوْله مرفقة بِكَسْر الْمِيم وَهِي الوسادة
قَوْله أهب بِفتْحَتَيْنِ جمع إهَاب وَهُوَ الْجلد مَا لم
يدبغ قَوْله وقرظ بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وبالمعجمة ورق
شجر يدبغ بِهِ -
62 - (حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا هِشَام
أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبَرتنِي هِنْد بنت
الْحَارِث عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت
اسْتَيْقَظَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - من اللَّيْل وَهُوَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
مَاذَا أنزل اللَّيْل من الْفِتْنَة مَاذَا أنزل من
الخزائن من يوقظ صَوَاحِب الحجرات كم من كاسية فِي
الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة: قَالَ الزُّهْرِيّ
وَكَانَت هِنْد لَهَا أزرار فِي كميها بَين أصابعها) وَجه
ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب من حَيْثُ أَنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حذر أَهله وَجَمِيع
الْمُؤْمِنَات من لِبَاس رَقِيق الثِّيَاب الواصفة
لأجسامهن بقوله كم من كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم
الْقِيَامَة وَفهم مِنْهُ أَن عُقُوبَة لابسة ذَلِك أَن
تعرى يَوْم الْقِيَامَة وَفِيمَا حَكَاهُ الزُّهْرِيّ عَن
هِنْد مَا يُؤَيّد ذَلِك على مَا يَجِيء وَعبد الله بن
مُحَمَّد هُوَ المسندي وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف
الصَّنْعَانِيّ وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد
(22/20)
وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم
وَهِنْد بنت الْحَرْث الفراسية وَقيل القرشية كَانَت تَحت
معبد بن الْمِقْدَاد بن الْأسود وَأم سَلمَة زوج النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاسْمهَا هِنْد
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي بَاب الْعلم والعظة
بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن صَدَقَة عَن ابْن
عُيَيْنَة عَن معمر إِلَى آخِره وَمضى فِي صَلَاة اللَّيْل
وَسَيَجِيءُ فِي الْفِتَن أَيْضا قَوْله مَاذَا
اسْتِفْهَام مُتَضَمّن لِمَعْنى التَّعَجُّب والتعظيم أَي
رأى فِي الْمَنَام أَنه ستقع بعده الْفِتَن وَيفتح لَهُم
الخزائن أَو عبر عَن الرَّحْمَة بالخزائن كَقَوْلِه
تَعَالَى {خَزَائِن رَحْمَة رَبك} وَعَن الْعَذَاب بالفتن
لِأَنَّهَا أَسبَاب مؤدية إِلَيْهِ قَوْله الحجرات ويروى
الْحجر بِاعْتِبَار الْجِنْس قَوْله عَارِية بِالْجَرِّ
أَي كم كاسية عَارِية عرفتها وبالرفع أَي اللابسات رَقِيق
الثِّيَاب الَّتِي لَا تمنع من إِدْرَاك لون الْبشرَة
معاقبات فِي الْآخِرَة بفضيحة التعري أَو اللابسات للثياب
النفيسة عاريات من الْحَسَنَات فِي الْآخِرَة فَهُوَ حض
على ترك السَّرف بِأَن يَأْخُذن أقل الْكِفَايَة ويتصدقن
بِمَا سوى ذَلِك قَوْله " قَالَ الزُّهْرِيّ " مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَيْهِ قَوْله " لَهَا أزرار
" جمع الزر كَذَا وَقع للأكثرين وَوَقع فِي رِوَايَة أبي
أَحْمد الْجِرْجَانِيّ إِزَار برَاء وَاحِدَة وَقيل هُوَ
غلط وَالْمعْنَى أَنَّهَا كَانَت تخشى أَن يَبْدُو من
جَسدهَا شَيْء بِسَبَب سَعَة كميها فَكَانَت تزرر ذَلِك
لِئَلَّا يَبْدُو مِنْهُ شَيْء فَتدخل فِي قَوْله كاسية
عَارِية وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا غَرَض الزُّهْرِيّ من
نقل هَذِه الْحَالة ثمَّ أجَاب بقوله لَعَلَّه أَرَادَ
بَيَان ضَبطه وتثبيته وَفِيه بعد -
32 - (بابُ مَا يُدْعاى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يدعى للَّذي يلبس ثوبا
جَدِيدا.
5845 - حدَّثنا أبُو الوَلِيد حَدثنَا إسْحاقُ بنُ سَعِيدِ
بنِ عَمْروِ بنِ سَعِيدِ بنِ العاصِ قَالَ: حدّثني أبي
قَالَ: حَدَّثَتْني أُمُّ خَالِد بِنْتُ خالِدٍ قالَتْ:
أُتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِثيابٍ فِيها
خَمِيصَةٌ سَوْداءُ، قَالَ: مَنْ تَرَوْنَ نَكسُوها هاذِهِ
الخَمِيصَةَ؟ فأُسْكِتَ القَوْمُ، قَالَ: ائْتُونِي
بِأُمِّ خالِدٍ، فأُتِي بِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فألْبَسَها بِيَدِهِ، وَقَالَ: أبْلِي وأخْلِقي،
مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الخَمِيصَةِ
ويُشِيرُ بِيَدِهِ إلَيَّ وَيَقُولُ: أُمَّ خالِدٍ هاذا
سَناه. والسَّنا بِلِسانِ الحَبَشِيَّةِ: الحَسَنُ.
قَالَ إسْحاقُ: حدَّثَتْنِي امْرَأةٌ مِنْ أهْلِي أَنَّهَا
رأتْهُ عَلَى أُمِّ خالِدٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أبلي وأخلقي) . وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَأم
خَالِد بن الزبير بن الْعَوام بنت خَالِد بن سعيد بن
الْعَاصِ.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب الخميصة السَّوْدَاء عَن قريب.
قَوْله: (فأسكت) من الإسكات بِمَعْنى السُّكُوت، وَيُقَال:
تكلم الرجل ثمَّ سكت بِغَيْر ألف وَإِذا انْقَطع كَلَامه
فَلم يتَكَلَّم قلت: اسْكُتْ. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح)
: وأسكت بِضَم الْهمزَة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، قَوْله:
(أبلى) ، من الإبلاء وَهُوَ جعل الثَّوْب عتيقاً. (وأخلقي)
، من الإخلاق والخلوقة وهما بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ
الْكرْمَانِي قَالَ هُنَا، خميصة سَوْدَاء، وَقَالَ فِي
الْجِهَاد: قَمِيص أصفر، ثمَّ قَالَ: لَا يمْتَنع الْجمع
بَينهمَا إِذْ لَا مُنَافَاة فِي وجودهما.
شقوله: (قَالَ إِسْحَاق) ابْن سعيد الْمَذْكُور وَهُوَ
مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (رَأَيْته) أَي
الثَّوْب وأرادت بِهِ الخميصة الْمَذْكُورَة فَهَذَا دلّ
على أَنَّهَا بقيت زَمَانا طَويلا، وروى النَّسَائِيّ
وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: رأى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عمر ثوبا فَقَالَ: إلبس
جَدِيدا وعش حميدا ومت شَهِيدا، وَأعله النَّسَائِيّ
وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ من حَدِيث أبي سعيد: كَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسمه: عِمَامَة
أَو قَمِيصًا أَو رِدَاء، ثمَّ يَقُول: اللَّهم لَك
الْحَمد أَنْت كسوتنيه أَسأَلك من خَيره وَخير مَا صنع
لَهُ، وَأَعُوذ بك من شَره وَشر مَا صنع لَهُ، وَأخرجه
الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ، وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من
حَدِيث عمر رَفعه: من لبس ثوبا جَدِيدا فَقَالَ: الْحَمد
لله الَّذِي كساني مَا أواري بِهِ عورتي وأتجمل بِهِ فِي
حَياتِي، ثمَّ عمد إِلَى الثَّوْب الَّذِي أخلق فَتصدق
بِهِ كَانَ فِي حفظ الله وَفِي كنف الله حَيا وَمَيتًا،
وروى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه من حَدِيث معَاذ بن
أنس رَفعه: من لبس ثوبا فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي
كساني هَذَا ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة، غفر
الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه، وَلم
(22/21)
يرو البُخَارِيّ حَدِيثا مِنْهَا
لِأَنَّهَا لم تثبت على شَرطه.
33 - (بابُ التزَعْفَرِ لِلرِّجالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم التزعفر، أَي: فِي
الْجَسَد للرِّجَال، وَاحْترز بِهِ عَن النِّسَاء
فَإِنَّهُ يجوز لَهَا وَفِي بعض النّسخ: بَاب النَّهْي عَن
التزعفر للرجل، وَهَذَا أوضح وَأحسن.
64 - (حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا عبد الْوَارِث عَن عبد
الْعَزِيز عَن أنس قَالَ نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يتزعفر الرجل) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْوَارِث بن سعيد
الْبَصْرِيّ وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب والْحَدِيث
بِهَذَا السَّنَد من أَفْرَاده قَوْله أَن يتزعفر الرجل
هَكَذَا قَيده بِالرجلِ وَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن
علية وَحَمَّاد بن زيد عِنْد مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن
وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن ابْن علية عِنْد النَّسَائِيّ
مُطلقًا فَقَالَ نهى عَن التزعفر وَكَأَنَّهُ اخْتَصَرَهُ
وَالْمُطلق مَحْمُول على الْمُقَيد وَقَالَ ابْن بطال
وَابْن التِّين هَذَا النَّهْي خَاص بالجسد ومحمول على
الْكَرَاهَة لِأَن تزعفر الْجَسَد من الرَّفَاهِيَة
الَّتِي نهى الشَّارِع عَنْهَا بقوله البذاذة من
الْإِيمَان وَالدَّلِيل على كَون النَّهْي مَحْمُولا على
الْكَرَاهَة دون التَّحْرِيم حَدِيث أنس أَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف قدم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِه أثر صفرَة وروى وضر صفرَة
وَزَاد حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت وَبِه ردع من زعفران
فَقَالَ مَهيم الحَدِيث فَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا أمره بغسلها
فَدلَّ على أَن نَهْيه عَنهُ لمن لم يكن عروسا إِنَّمَا
هُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة فَإِن قلت روى أَبُو دَاوُد
من حَدِيث عمار قَالَ قدمت على أَهلِي لَيْلًا وَقد تشققت
يداي فخلقوني بزعفران فَغَدَوْت على رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد
عَليّ وَلم يرحب بِي فَقَالَ اذْهَبْ فاغسل عَنْك هَذَا
فَذَهَبت فغسلته ثمَّ جِئْت وَقد بَقِي عَليّ مِنْهُ ردع
فَسلمت فَلم يرد عَليّ وَلم يرحب بِي وَقَالَ اذْهَبْ
فاغسل عَنْك هَذَا فَذَهَبت فغسلته ثمَّ جِئْت فَسلمت فَرد
عَليّ ورحب بِي وَقَالَ إِن الْمَلَائِكَة لَا تحضر
جَنَازَة الْكَافِر بِخَير وَلَا المتضمخ بالزعفران وَلَا
الْجنب قلت قيل هُوَ مَعْلُول لِأَن فِي سَنَده مَجْهُولا
قلت أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيقين أَحدهمَا عَن مُوسَى
بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن
يحيى بن يعمر عَن عمار بن يَاسر وَهَذَا صَحِيح وَالْآخر
عَن نصر بن عَليّ الخ وَفِيه الْمَجْهُول وَمَعَ هَذَا
فَالصَّحِيح مِنْهُ لَا يُقَاوم صَحِيح البُخَارِيّ
فَافْهَم -
34 - (بابُ الثوْبِ المُزَعْفَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الثَّوْب المزعفر، أَي:
الْمَصْبُوغ بالزعفران.
5847 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ
عَبْدِ الله بنِ دينارٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا، قَالَ: نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنْ يَلْبَسَ المُحْرِمُ ثَوْباً مَصْبُوغاً بِوَرْسٍ أوْ
بِزَعْفَران.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة. والْحَدِيث مضى فِي
الْحَج مطولا، والورس بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء
وبالسين الْمُهْملَة نبت يكون بِالْيمن، وَالتَّقْيِيد
بالمحرم يدل على جَوَاز لبس الثَّوْب المزعفر للْحَلَال.
وَقَالَ ابْن بطال: أجَاز مَالك وَجَمَاعَة لِبَاس
الثَّوْب المزعفر للْحَلَال، وَقَالُوا: النَّهْي فِي حق
الْمحرم خَاصَّة، وَحمله الشَّافِعِي والكوفيون على
الْمحرم وَغير الْمحرم، وَحَدِيث ابْن عمر الْآتِي فِي
بَاب النِّعَال السبتية، يدل على الْجَوَاز، فَإِن فِيهِ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يصْبغ
بالصفرة وَأخرج الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر،
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلِيهِ ثَوْبَان مصبوغان
بالزعفران، وَفِي سَنَده عبد الله ابْن مُصعب بن الزبير،
وَفِيه ضعف.
35 - (بابُ الثَّوْبِ الأحْمَرِ)
أَي: هَذَا بَاب حكم لبس الثَّوْب الْأَحْمَر وَلم يبين
الحكم فِي التَّرْجَمَة اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث
الْبَاب.
66 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي
إِسْحَق سمع الْبَراء رَضِي الله عَنهُ يَقُول كَانَ
النَّبِي
(22/22)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مربوعا وَقد رَأَيْته فِي حلَّة حَمْرَاء مَا رَأَيْت
شَيْئا أحسن مِنْهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهُوَ
يُوضح الحكم الَّذِي أبهمه فِي التَّرْجَمَة وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك وَأَبُو اسحق عَمْرو بن
عبد الله السبيعِي سمع الْبَراء بن عَازِب حَال كَونه
يَقُول كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - مربوعا أَي بَين الطَّوِيل والقصير يُقَال رجل ربعَة
ومربوع وَجَاء فِي صفته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أطول من المربوع وَمضى الحَدِيث فِي صفة
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
حَفْص بن عمر مطولا وَمضى تَفْسِير الْحلَّة عَن قريب
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن أبي مُوسَى
وَبُنْدَار وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان
وَالْأَدب عَن بنْدَار بِبَعْضِه فِي الشَّمَائِل
بِتَمَامِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عَليّ
بن الْحُسَيْن الدرهمي وَغَيره فَإِن قلت أَكثر أَصْحَاب
أبي اسحق رَوَوْهُ عَن أبي اسحق عَن الْبَراء وَخَالفهُم
أَشْعَث فَقَالَ عَن أبي إِسْحَاق عَن جَابر بن سَمُرَة
أخرجه النَّسَائِيّ وَأعله وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَحسنه
قلت نقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ حَدِيث أبي اسحق عَن
الْبَراء وَعَن جَابر بن سَمُرَة صَحِيحَانِ فَإِن قلت
رويت أَحَادِيث فِي الْمَنْع عَن لبس الْأَحْمَر مِنْهَا
أَن أنسا روى أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ يكره الْحمرَة وَقَالَ الْجنَّة لَيْسَ
فِيهَا حمرَة وَمِنْهَا حَدِيث عباد بن كثير عَن هِشَام
عَن أَبِيه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ يحب الخضرة وَلَا يحب الْحمرَة
وَمِنْهَا حَدِيث خَارِجَة بن مُصعب عَن عبد الله بن سعيد
بن أبي هِنْد عَن أَبِيه مثله (وَمِنْهَا) حَدِيث الْحسن
ابْن أبي الْحسن أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ الْحمرَة زِينَة الشَّيْطَان والشيطان
يحب الْحمرَة قلت هَذَا كُله غير مُسْتَقِيم الْإِسْنَاد
وأكثرها مَرَاسِيل فَإِن قلت أخرج ابْن ماجة من حَدِيث
ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا نهى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن المفدم بِالْفَاءِ
وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ المشبع بالعصفر قلت هَذَا
مَحْمُول على أَنه يصْبغ كُله بلون وَاحِد وَمَعَ هَذَا
لَا يُقَاوم حَدِيث الْبَراء وَاعْلَم أَن فِي لبس
الثَّوْب الْأَحْمَر سَبْعَة أَقْوَال الأول الْجَوَاز
مُطلقًا جَاءَ عَن عَليّ وَطَلْحَة وَعبد الله بن جَعْفَر
والبراء وَغير وَاحِد من الصَّحَابَة وَعَن سعيد بن
الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَأبي قلَابَة وَأبي
وَائِل وَجَمَاعَة من التَّابِعين الثَّانِي الْمَنْع
مُطلقًا للأحاديث الْمَذْكُورَة الثَّالِث يكره لبس
الثَّوْب المشبع بالحمرة دون مَا كَانَ صبغة خَفِيفا
رُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد الرَّابِع يكره
لبس الْأَحْمَر مُطلقًا لقصد الزِّينَة والشهرة وَيجوز فِي
الْبيُوت والمهنة جَاءَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا الْخَامِس يجوز لبس مَا صبغ غزله ثمَّ
نسج وَيمْنَع مَا صبغ بعد النسج وَمَال إِلَيْهِ
الْخطابِيّ السَّادِس اخْتِصَاص النَّهْي بِمَا يصْبغ
بالعصفر لوُرُود النَّهْي عَنهُ وَلَا يمْنَع مَا صبغ
بِغَيْرِهِ من الأصباغ السَّابِع تَخْصِيص الْمَنْع
بِالثَّوْبِ الَّذِي يصْبغ كُله وَأما مَا فِيهِ لون آخر
غير الْأَحْمَر من بَيَاض وَسَوَاد وَغَيرهمَا فَلَا وعَلى
ذَلِك تحمل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْحلَّة
الْحَمْرَاء فَإِن الْحلَل اليمانية غَالِبا تكون ذَات
خطوط حمر وَغَيرهَا -
36 - (بابُ المِيثَرَةِ الحَمْراءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اسْتِعْمَال الميثرة
الْحَمْرَاء، وَقد تقدم تَفْسِيرهَا.
5849 - حدَّثنا قَبِيصَةُ حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ أشْعَثَ
عَنْ مُعاوِيَةَ بنِ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عَن البَراءِ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أمَرَنا النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِسَبْعٍ: عِبادَةِ المَرِيضِ. واتِّباعِ
الجَنائِزِ. وتَشْميتِ العاطِسِ ... ونَهانا: عَنْ لُبْس
الحَرِيرِ والدِّيباجِ والقَسِّيِّ والاسْتَبْرَقِ
ومَياثِرِ الحُمْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ومياثر الْحمر) .
وَقبيصَة هُوَ ابْن عقبَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَأَشْعَث هُوَ ابْن أبي الشعْثَاء.
والْحَدِيث مضى عَن قريب مُخْتَصرا فِي: بَاب لبس القسي،
وَمضى مطولا فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب الْأَمر بِاتِّبَاع
الْجَنَائِز، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وتشميت الْعَاطِس) بإعجام الشين وإهمالها،
وَالْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة هِيَ: إِجَابَة الدَّاعِي.
وإفشاء السَّلَام. وَنصر الْمَظْلُوم. وإبرار الْمقسم.
(والديباج) فَارسي مُعرب وَهُوَ الرَّقِيق من الحري.
(والاستبرق) : الغليظ مِنْهُ، وَلما صَارا جِنْسَيْنِ
مستقلين خصصهما بِالذكر. وَمر الْكَلَام فِي القسي
والميثرة وَإِنَّمَا قيد بالحمر مَعَ أَنَّهَا مَنْهِيّ
عَنْهَا إِذا كَانَت من الْحَرِير سَوَاء كَانَت حَمْرَاء
أَو غَيرهَا لبَيَان الْوَاقِع، فَلَا اعْتِبَار لمفهومه،
والإثنان المكملان للسبع هما: خَوَاتِيم الذَّهَب، وأواني
الْفضة.
(22/23)
37 - (بابُ النِّعالِ السِّبْتِيَّةِ
وغَيْرِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النِّعَال وَهُوَ جمع نعل
وَفِي (الْمُحكم) : النَّعْل والنعلة مَا وقيت بِهِ
الْقدَم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النَّعْل هِيَ الَّتِي
تسمى الْآن: تاسومة. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: النَّعْل
لِبَاس الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَإِنَّمَا
اتخذ النَّاس غَيرهَا لما فِي أَرضهم من الطين، وَقد تطلق
النَّعْل على كل مَا بَقِي الْقدَم قَوْله: (السبتية) صفة
النِّعَال بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى مَا سبت عَنْهَا
الشّعْر أَي: حلق وَقطع، وَقيل: هِيَ المدبوغة بالقرظ،
وَكَانَت عَادَة الْعَرَب لِبَاس النِّعَال بشعرها وَغير
مدبوغة. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة
لَا يلبس النِّعَال المدبوغة إلاَّ أهل السعَة، وَنقل عَن
الْأَصْمَعِي: أَن السبتية المدبوغة، وَعَن أبي عمر
والشيباني: بالقرظ، وَقيل: إِنَّمَا قَالُوا: السبتية،
لِأَنَّهَا تسبتت أَي: لانت. قَوْله: (وَغَيرهَا) أَي:
وَغير النِّعَال السبتية مِمَّا يشابهها.
5850 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْب حَدثنَا حَمَّادٌ
عَنْ سَعِيدٍ أبي مَسْلَمَةَ قَالَ: سألْتُ أنَساً أكانَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ. (انْظُر الحَدِيث 386) [/ ح.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ مِنْهُ، وَحَمَّاد هُوَ ابْن
زيد، وَفِي بعض النّسخ صرح بِهِ، وَسَعِيد هُوَ ابْن يزِيد
بالزاي أَبُو مسلمة الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة فِي
النِّعَال فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة
عَن سعيد أبي سَلمَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
5851 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكِ
عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بنِ جُرَيْجٍ
أنَّهُ قَالَ لِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا: رَأيْتُكَ تَصْنَعُ أرْبَعاً لَمْ أرَ أحَداً
مِنْ أصْحابِكَ يَصْنَعُها، قَالَ: مَا هِيَ يَا ابْنَ
جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الأرْكانِ
إلاَّ اليَمانِيَيْنِ، ورَأيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعال
السِّبْتِيَّةَ، ورَأيْتُكَ تَصْبُغُ بالصُّفْرَةِ،
ورَأيْتُكَ إِذا كُنْتَ بِمَكَّةَ أهَلَّ النَّاسُ إِذا
رَأوا الهِلالَ ولَمْ تُهِلَّ أنْتَ حَتَّى كانَ يَوْمُ
التَّرْوِيَةِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ:
أمَّا الأرْكانُ فإنِّي لَمْ أرَ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَمَسُّ إلاَّ اليَمانِيَيْنِ، وأمَّا
النِّعالُ السِّبْتِيَّةُ فإنِّي رَأيْتُ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَلْبَسُ النِّعالَ الَّتِي لَيْسَ
فِيها شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيها فَأَنا أُحِبُّ أنْ
ألْبَسَها، وأمَّا الصُّفْرَةُ فإنِّي رَأيْتُ رسُولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصْبُغُ بِها فَأَنا أُحِبُّ أنْ
أصْبُغَ بِها، وأمَّا الإهْلالُ فإنِّي لَمْ أرَ رسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ
بِهِ راحِلَتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي
الطَّهَارَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ فِي: بَاب غسل
الرجلَيْن فِي النَّعْلَيْنِ، عَن عبد الله بن يُوسُف عَن
مَالك ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (إلاَّ اليمانيين) بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ الَّذِي
فِيهِ الْحجر الْأسود، وَالَّذِي يَلِيهِ من جِهَة الْيمن،
وَيُقَال لَهما: اليمانيان تَغْلِيبًا. قَوْله: (يصْبغ)
بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْمرَاد بِهِ صبغ الثَّوْب،
وَقيل: الشّعْر. قَوْله: (أهل) أَي: أحرم، والهلال هُوَ
هِلَال ذِي الْحجَّة، وَيَوْم التَّرويَة هُوَ الْيَوْم
الثَّامِن من ذِي الْحجَّة.
5852 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ
عَنْ عَبْدِ الله بنِ دِينار عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا، قَالَ: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أنْ يَلْبَسَ المحْرِمُ ثَوْباً مَصْبُوغاً
بِزَعْفَرَانٍ أوْ وَرْسٍ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ
نَعْلَيْن فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ
مِنَ الكَعْبَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمن لم يجد
نَعْلَيْنِ) . والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي بَاب مَا
لَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب.
(22/24)
5853 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُف
حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ عَمْروِ بنِ دِينارٍ بنْ جابِرِ بنِ
زَيْدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسِ رَضِي الله عنهُما، قَالَ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ إزَارٌ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمن لم يكن لَهُ
نَعْلَانِ) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَجَابِر بن زيد
أَبُو الشعْثَاء الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ الْفَقِيه، وَمضى
الحَدِيث فِي الْحَج عَن حَفْص بن عمر وَأبي الْوَلِيد
وآدَم فرقهم ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة.
38 - (بابٌ يَبْدَأُ بالنَّعْلِ اليُمْنَى)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الرجل إِذا لبس نَعْلَيْه
يلبس أَولا نَعله الْيُمْنَى. قَوْله: (يبْدَأ) ، ضبط على
صِيغَة الْمَجْهُول وَالْأولَى أَن يكون على صِيغَة
الْمَعْلُوم.
5854 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا شُعْبَةُ
قَالَ: أَخْبرنِي أشْعَثُ بنُ سُلَيْمٍ سَمِعْتُ أبي
يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وتَرَجُّلِهِ
وتَنَعُّلِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَأَشْعَث
بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي آخِره يروي عَن أَبِيه سليم بن
الْأَزْدِيّ الْمحَاربي الْكُوفِي، ومسروق بن الأجدع.
والْحَدِيث مضى فِي الْوضُوء فِي: بَاب التَّيَمُّن فِي
الْوضُوء وَالْغسْل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن
عمر عَن شُعْبَة إِلَى آخِره والترجل: تَسْرِيح الشّعْر.
39 - (بابٌ يَنْزِعُ نَعْلَ اليُسْرَى)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الرجل إِذا نزع نَعْلَيْه
ينْزع أَولا نَعله الْيُسْرَى. قَوْله: (ينْزع) ، على
صِيغَة الْمَعْلُوم. قَوْله: (نعل الْيُسْرَى) ، أَي: نعل
الرجل الْيُسْرَى، وَفِي بعض النّسخ: ينْزع نَعله
الْيُسْرَى، وَفِيه الْيُسْرَى صفة للنعل، وَفِي الأول صفة
الرجل الْمقدرَة.
5855 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ
عَنْ أبي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ: إذَا انْتَعَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ
باليَمِينِ، وَإِذا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بالشِّمالِ
لِتَكُنِ اليُمْنَى أوَّلَهُما تُنْعَلُ وآخِرَهُما
تُنْزَعُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي
وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن
هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي اللبَاس عَن
القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة
وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى.
قَوْله: (إِذا انتعل) أَي: إِذا لبس النَّعْل. قَوْله:
(بِالْيَمِينِ) ، أَي: بِيَمِين المنتعل، ويروى: باليمنى،
أَي: بالنعل الْيُمْنَى. قَوْله: (أَولهمَا خبر) الْكَوْن.
وَقَوله: (تنعل) على صِيغَة الْمَجْهُول جملَة حَالية،
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: أَولهمَا، يتَعَلَّق بقوله: تنعل،
وَهُوَ خبر كَانَ، ذكره بِتَأْوِيل الْعُضْو وَهُوَ
مُبْتَدأ وتنعل خَبره وَالْجُمْلَة خبر كَانَ.
وَفِيه: تَفْضِيل الْيَمين على الشمَال.
93 - (بابٌ لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ واحِدٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يمشي الرجل فِي نعل
وَاحِد، وَإِنَّمَا وصف النَّعْل بالمذكر مَعَ أَنَّهَا
مُؤَنّثَة على مَا يَجِيء لِأَن تأنيثها غير حَقِيقِيّ.
5856 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ
عَنْ أبي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ:
أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا
يَمْشِي أحَدُكُمْ فِي نَعْل واحِدَة لِيُحْفِهِما
جَمِيعاً أوْ لِيُنْعِلُهُما جَمِيعاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَعَن إِسْحَاق بن
مُوسَى.
قَوْله: (لَا يمشي أحدكُم فِي نعل وَاحِدَة) قَالَ ابْن
الْأَثِير: النَّعْل مُؤَنّثَة
(22/25)
وَهِي الَّتِي تلبس فِي الْمَشْي. انْتهى،
وتصغيرها: نعيلة، تَقول: نعلت وانتعلت إِذا احتذيت من
الْحذاء بِالْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ النَّعْل، قَالَ
الْخطابِيّ: نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَشْي
فِي النَّعْل الْوَاحِدَة لمَشَقَّة الْمَشْي على مثل
هَذِه الْحَالة، وَلعدم الْأَمْن من العثار مَعَ سماجته
فِي الشكل وقبح منظره فِي الْعُيُون إِذْ كَانَ يتَصَوَّر
ذَلِك عِنْد النَّاس بِصُورَة من إِحْدَى رجلَيْهِ أقصر من
الْأُخْرَى. وَعَن ابْن الْعَرَبِيّ: أَنَّهَا مشْيَة
الشَّيْطَان، وَعَن الْبَيْهَقِيّ لما فِيهِ من الشُّهْرَة
وامتداد الْأَبْصَار إِلَى من يرى ذَلِك مِنْهُ. قَوْله:
(ليحفهما) من الإحفاء بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي:
ليجردهما، يُقَال: حفي يحفي أَي: يمشي بِلَا خف ونعل.
قَوْله: (أَو لينعلهما) ضَبطه النَّوَوِيّ بِضَم أَوله من
أفعل ورد عَلَيْهِ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله، بِأَن
أهل اللُّغَة قَالُوا: نعل، بِفَتْح الْعين وَحكى كسرهَا،
وانتعل أَي: لبس النَّعْل. قلت: قَالَ أهل اللُّغَة أَيْضا
إِذا أنعل رجله أَي: ألبسها نعلا، وأنعل دَابَّته جعل
لَهَا نعلا. وَقَالَ صَاحب (الْمُحكم) : نعل الدَّابَّة
وَالْبَعِير ونعلهما بِالتَّشْدِيدِ وَيدخل فِي هَذَا كل
لِبَاس شفع كالخفين، وأخراج الْيَد الْوَاحِدَة من الْكمّ
دون الْأُخْرَى، والتردي على أحد الْمَنْكِبَيْنِ دون
الْأُخْرَى، قَالَه الْخطابِيّ، وَقَالَ فِي (المعونة) :
يجوز ذَلِك فِي الْمَشْي الْخَفِيف إِذا كَانَ هُنَاكَ
عذر، وَهُوَ أَن يمشي فِي إِحْدَاهمَا متشاغلاً لإِصْلَاح
الْأُخْرَى، وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار أَن يقف إِلَى
الْفَرَاغ مِنْهَا وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِذا انْقَطع شسع أحدكُم يمشي فِي الْأُخْرَى حَتَّى
يصلحها، وَفِي (الجعديات) من حَدِيث ابْن الزبير عَن جَابر
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا انْقَطع
شسع أحدكُم فَلَا يمشي فِي نعل وَاحِد حَتَّى يصلح شسعه،
وَلَا يمشي فِي الْخُف الْوَاحِد. فَإِن قلت: روى ابْن
شاهين فِي ناسخه من حَدِيث جبارَة بن الْمُغلس حَدثنَا
منْدَل يَعْنِي ابْن عَليّ عَن لَيْث عَن نَافِع عَن ابْن
عمر، قَالَ: رُبمَا انْقَطع شسع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَيَمْشِي فِي نعل وَاحِد حَتَّى يصلحها
أَو تصلح لَهُ؟ قلت: هَذَا حَدِيث واهٍ، كَذَا قَالَه
صَاحب (التَّوْضِيح) ، وَلَكِن فِي (علل التِّرْمِذِيّ) من
حَدِيث لَيْث عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه
عَن عَائِشَة، قَالَت: رُبمَا مَشى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي نعل وَاحِدَة، وروى ابْن علية
وَالثَّوْري عَن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَنْهَا
أَنَّهَا مشت فِي خف وَاحِد، قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت
مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: الصَّحِيح عَن
عَائِشَة مَوْقُوف، وروى ابْن أبي شيبَة عَن ابْن إِدْرِيس
عَن لَيْث عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ لَا يرى بَأْسا
أَن يمشي فِي نعل وَاحِدَة إِذا انْقَطع شسعه مَا بَينه
وَبَين أَن تصلح، وَمن حَدِيث رجل من مزينة: رَأَيْت عليا
رَضِي الله عَنهُ، يمشي فِي نعل وَاحِد بِالْمَدَائِنِ،
وَعَن زيد بن مُحَمَّد أَنه رأى سالما يمشي فِي نعل
وَاحِدَة بِالْمَدَائِنِ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم
يَأْخُذ أهل الْعلم بِرَأْي عَائِشَة فِي ذَلِك، وَالَّذِي
روى من هَؤُلَاءِ أَن النَّهْي عِنْدهم نهي تَنْزِيه،
وَيحْتَمل أَن النَّهْي مَا بَلغهُمْ، وَالله أعلم.
41 - (بابُ قِبالانِ فِي نَعْلٍ، ومَنْ رأى قِبالاً
واحِداً واسِعاً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قبالان كائنان فِي نعل وَاحِد
وقبالان تَثْنِيَة قبال بِكَسْر الْقَاف زِمَام النَّعْل،
وَهُوَ السّير الَّذِي يكون بَين الإصبعين الْوُسْطَى
وَالَّتِي تَلِيهَا، يُقَال: أقبل نَعله وقابلها إِذا عمل
لَهَا قبالاً، وَفِي الحَدِيث: قابلوا النِّعَال، أَي:
اعْمَلُوا عَلَيْهَا القبال وَقَالَ الْجَوْهَرِي:
الزِّمَام هُوَ السّير الَّذِي يعْقد فِيهِ الشسع بِكَسْر
الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا عين
مُهْملَة وَهُوَ أحد سيور النَّعْل الَّذِي يدْخل بَين
الإصبعين، وَيدخل طرفه فِي الثقب الَّذِي فِي صدر النَّعْل
المشدود فِي الزِّمَام، وَقَالَ عباض: جمعه شسوع. قَوْله:
(وَمن رأى قبالاً وَاحِدًا وَاسِعًا) يَعْنِي: جَائِزا،
وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن قبالين أَو قبالاً وَاحِدًا
مُبَاح، وَلَيْسَ فِي ذَلِك شَيْء لَا يَجْزِي غَيره.
5857 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا هَمَّامٌ
عَنْ قَتادَةَ حَدثنَا أنَسٌ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ
نَعلَي النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ لَهُما
قِبالانِ. (انْظُر الحَدِيث 3107 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى
العوذي الْبَصْرِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن عَن
الْفربرِي: هِشَام، بدل همام، وَالصَّوَاب هُوَ الأول.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس أَيْضا عَن
مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن
إِسْحَاق ابْن مَنْصُور وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن معمر الْبَصْرِيّ. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي اللبَاس عَن أبي بكر
(22/26)
ابْن أبي شيبَة.
قَوْله: (أَن نَعْلي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
كَذَا بالتثنية فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (لَهما) وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: لَهَا بِالْإِفْرَادِ، وَالَّذِي
ثَبت فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث أنس أَنه كَانَ لنعليه
قبالان لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة على وصفهما بذلك، وَزَاد
ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) : عَن عَفَّان عَن همام من سبت
قَالَ أَي: لَيْسَ عَلَيْهَا شعر، قَالَ: والمسبوت مَا
لَيْسَ عَلَيْهِ شعر، وَإِسْنَاده صَحِيح، وَفِي حَدِيث
ابْن عَبَّاس: كَانَ شراكهما مثنياً، وَهُوَ صَحِيح
الْإِسْنَاد إِلَّا أَنه ورد مُرْسلا من رِوَايَة عبد الله
ابْن الْحَارِث دون ذكر ابْن عَبَّاس، وَفِي حَدِيث عَمْرو
بن حُرَيْث وَأبي ذَر أَنَّهُمَا مخصوفتان، والمخصوفة
المطرقة الَّتِي يطْرق بَعْضهَا على بعض، وَحَدِيث عَمْرو
بن حُرَيْث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل،
وَحَدِيث أبي ذَر رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ من رِوَايَة حميد
بن هِلَال عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر، قَالَ:
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُصَلِّي
فِي نَعْلَيْنِ مخصوفتين من جُلُود الْبَقر، وروى أَبُو
الشَّيْخ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ إِلَى يزِيد بن أبي زِيَاد،
قَالَ: رَأَيْت نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
مخصرة ملسنة لَيْسَ لَهَا عقب خَارج، والمخصرة الَّتِي
لَهَا خصر دَقِيق، قَالَ الْجَوْهَرِي: والملسن من
النِّعَال الَّذِي فِيهِ طول ولطافة على هَيْئَة
اللِّسَان، وَقَالَ صَاحب (النِّهَايَة) : وَقيل: هِيَ
الَّتِي جعل لَهَا لِسَان ولسانها الْهَيْئَة الناتئة فِي
مقدمها.
5858 - حدَّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنا
عِيسَى بنُ طَهْمانَ قَالَ: خَرَجَ إلَيْنا أنَسُ بنُ
مالِكٍ بِنَعْلَيْنِ لَهُما قِبالانِ، فَقَالَ ثابِتٌ
البنانِيُّ: هاذِهِ نَعْلُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 3107 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد هُوَ ابْن
مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك
الْمروزِي، وَعِيسَى بن طهْمَان بِفَتْح الطَّاء
الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء وبالنون البكرى الْكُوفِي.
قَوْله: (خرج) ويروى: أخرج إِلَيْنَا، هَذَا الحَدِيث
صورته صُورَة إرْسَال لِأَن ثَابتا لم يُصَرح بِأَن أنسا
أخبرهُ بذلك، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا مُرْسل.
42 - (بابُ القُبَّةِ الحَمْرَاءِ مِنْ أدَمٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْقبَّة الْحَمْرَاء من أَدَم
بِفتْحَتَيْنِ، وَهُوَ الْجلد المدبوغ وصبغ بحمرة قبل أَن
يتَّخذ مِنْهُ الْقبَّة، وَفِي (الْمغرب) : الْقبَّة
الحزكاهة، وَكَذَا كل بِنَاء مدور وَيجمع على قباب، قلت:
الْقبَّة من الْأدم يستعملها أهل الْبَادِيَة، وَمن
الْبناء يستعملها أهل المدن.
5859 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حدّثني
عُمَرُ بنُ أبي زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ بنِ أبي جُحَيْفَةَ
عَنْ أبِيهِ، قَالَ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أدَمٍ، ورأيْتُ
بِلاَلاً أخَذَ وَضُوءَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
والناسُ يَبْتَدِرُونَ الوَضُوءَ فَمَنْ أصابَ مِنْهُ
شَيْئاً تَمَسَّحَ بِهِ، ومنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئاً
أخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صاحِبِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم
الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالفاء اسْمه وهب ابْن عبد الله السوَائِي.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة
إِلَى العنزة، وَفِي: بَاب الستْرَة بِمَكَّة وَغَيرهَا.
قَوْله: (وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِفَتْح
الْوَاو. قَوْله: (يبتدرون) أَي: يتسارعون.
5860 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ (ح) وَقَالَ
اللَّيْثُ: حدّثني يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهاب قَالَ:
أخبرَنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
أرْسَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الأنْصارِ
فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أدَمِ.
قيل: التَّرْجَمَة الْقبَّة الْحَمْرَاء من أَدَم، وَهنا
قبَّة من أَدَم فَقَط، وَلم يذكر الْحَمْرَاء فَلَا تدل
على أَنَّهَا حَمْرَاء. وَأجِيب: بِأَنَّهُ يدل على
(22/27)
بعض التَّرْجَمَة وَكَثِيرًا يقْصد
البُخَارِيّ ذَلِك، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم:
لَعَلَّه حمل الْمُطلق على الْمُقَيد وَذَلِكَ لقرب
الْعَهْد فَإِن الْقِصَّة الَّتِي ذكرهَا أنس كَانَت فِي
غَزْوَة خَيْبَر وَالَّتِي ذكرهَا أَبُو جُحَيْفَة كَانَت
فِي حجَّة الْوَدَاع وَبَينهمَا نَحْو سنتَيْن،
فَالظَّاهِر أَنَّهَا هِيَ تِلْكَ الْقبَّة لِأَنَّهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ يتأنق فِي مثل ذَلِك حَتَّى
يسْتَبْدل، فَإِذا وصفهَا أَبُو جُحَيْفَة بِأَنَّهَا
حَمْرَاء فِي الْوَقْت الثَّانِي فَلِأَن تكون حمرتها
مَوْجُودَة فِي الْوَقْت الأول أولى. انْتهى. قلت: هَذَا
الَّذِي ذكره غير موجه، وَذَلِكَ أَن قَوْله: حمل الْمُطلق
على الْمُقَيد، لَا يَصح أَن يكون فِي مثل هَذَا الْموضع
على مَا لَا يخفى على المتأمل مَعَ مَا فِيهِ من الْخلاف،
وَبَقِيَّة كَلَامه احْتِمَال بعيد، وَالْأَحْسَن أَن
يُقَال: إِن أنسا رَضِي الله تَعَالَى، عَنهُ اختصر فِيهِ
وَترك ذكر لفظ: الْحَمْرَاء، ثمَّ إِنَّه أخرج حَدِيث أنس
من طَرِيقين. الأول: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع
عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ.
وَالثَّانِي: علقه عَن اللَّيْث عَن يُونُس بن يزِيد عَن
ابْن شهَاب، وَهُوَ الزُّهْرِيّ، وسَاق الحَدِيث على لفظ
اللَّيْث، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق
الرَّمَادِي: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا اللَّيْث
حَدثنِي يُونُس فَذكره، وَطَرِيق شُعَيْب قد مر فِي فرض
الْخمس مطولا، وَفِيه: فَجَمعهُمْ فِي قبَّة من أَدَم ...
الحَدِيث.
43 - (بَاب الجُلُوسِ على الحَصِيرِ ونَحْوِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الْجُلُوس على الْحَصِير،
وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ من سعف النّخل وَغَيره. قَوْله:
وَنَحْوه، إِشَارَة إِلَى الْأَشْيَاء الَّتِي تبسط
وَيجْلس عَلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ قدر.
5861 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْر حَدثنَا
مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ سَعِيدِ بنِ أبِي
سَعِيدٍ عَنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ
عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ النبَّي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَحْتَجِرُ حَصيراً باللَّيْلِ
فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، ويَبْسُطُهُ بالنَّهارِ فَيَجْلِسُ
عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثوبُونَ إِلَى النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُصَلُّونَ بِصلاتِهِ حَتَّى
كَثُرُوا، فأقْبَلَ فَقَالَ: يَا أيُّها النَّاسُ خُذُوا
مِنَ الأعْمالِ مَا تُطِيقُونَ فإنَّ الله لَا يَمَلُّ
حَتَّى تَمَلُّوا وإنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إِلَى مَا دامَ
وإنْ قَلَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فيجلس عَلَيْهِ) أَي:
على الْحَصِير. وَمُحَمّد بن أبي بكر هُوَ الْمقدمِي،
ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر
الْعمريّ، وَسَعِيد هُوَ المَقْبُري، وَأَبُو سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة من
التَّابِعين الْمَدَنِيين.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب صَلَاة الَّيْلِ
عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، وَمضى فِي الْإِيمَان فِي:
بَاب أحب الدّين إِلَى الله من غير هَذَا الْوَجْه.
قَوْله: (يحتجر) أَي: يتَّخذ حجرَة لنَفسِهِ، يُقَال:
احتجر الأَرْض إِذا ضرب عَلَيْهَا مَا يمْنَعهَا بِهِ عَن
غَيره، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يحتجز، بزاي فِي آخِره.
قَوْله: (يثوبون) بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: يَجْتَمعُونَ.
قَالَه الْكرْمَانِي: وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: يرجعُونَ،
لِأَنَّهُ من ثاب إِذا رَجَعَ. قَوْله: (فَأقبل) أَي:
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لَا يمل) من
الملال وَهُوَ كِنَايَة عَن عدم الْقبُول، وَالْمعْنَى:
فَإِن الله يقبل أَعمالكُم حَتَّى تملوا فَإِنَّهُ لَا
يقبل مَا يصدر مِنْكُم على سَبِيل الملالة، وَأطلق الملال
على طَرِيق المشاكلة. وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ كِنَايَة
عَن التّرْك أَي: لَا يتْرك الثَّوَاب مَا لم تتركوا
الْعَمَل، وَهَذَا أحسن من الأول. قَوْله: (مَا دَامَ)
أَي: دواماً عرفياً، إِذْ حَقِيقَة الدَّوَام وَهُوَ
شُمُول جَمِيع الْأَزْمِنَة غير مَقْدُور، وَوَقع فِي
رِوَايَة الكشهميهني: مَا دوَام. فَإِن قلت: يُعَارض
حَدِيث الْبَاب مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق
شُرَيْح بن هانىء أَنه سَأَلَ عَائِشَة: أَكَانَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على الْحَصِير، وَالله
يَقُول: { (71) وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ
حَصِيرا} (الْإِسْرَاء: 8) . فَقَالَت: لم يكن يُصَلِّي
على الْحَصِير. قلت: هَذَا ضَعِيف لَا يُقَاوم مَا فِي
الصَّحِيح، وَأَيْضًا يُمكن، الْجمع بِأَن يحمل النَّفْي
على المداومة، وَقَالَ بَعضهم: لَكِن يخدش فِيهِ مَا ذكره
شُرَيْح من الْآيَة. قلت: لَا خدش فِيهِ أصلا، لِأَن معنى
الْآيَة: حَصِيرا، أَي: محبساً، يُقَال للسجن: محصر وحصير.
44 - (بابُ المُزَرَّرِ بالذَّهَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر لبس الثِّيَاب المزررة
بِالذَّهَب، وَهُوَ المشدود بالأزرار.
5862 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدّثني ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عَنِ
المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ أنَّ أباهُ مَخْرَمَةَ قَالَ
لَهُ: يَا بُنَيَّ!
(22/28)
إنهُ بَلَغَنِي أنَّ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَدِمَتْ عَلَيْهِ أقْبِيَةٌ فَهْوَ
يَقْسِمُها، فاذْهَبْ بِنَا إلَيْهِ. فَذَهَبْنا
فَوَجَدْنا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لي: يَا بُنَيَّ ادْعُ لِي النبِيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعْظَمْتُ ذالِكَ فَقُلْتُ:
أدْعُو لَكَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ،
فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ ديباجٍ
مُزَرَّرٌ بالذَّهَبِ، فَقَالَ: يَا مَخْرَمَةُ {هاذا
خَبَأْناهُ لَكَ، فأعْطاهُ إيَّاهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من ديباج مزرر من ذهب)
وَقد أخرجه عَن اللَّيْث مُعَلّقا لِأَنَّهُ لم يدْرك
عصره، وَقد تقدم مَوْصُولا عَن قريب فِي: بَاب القباء
وفروج حَرِير، عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن اللَّيْث، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يَا بني) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قَالَ
لَهُ. قَوْله: (فأعظمت ذَلِك) ، أَي: قَوْله: ادْع لي
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن مقَامه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لَا يقتضى ذَلِك. قَوْله: (فَقلت: أَدْعُو
لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ ذَلِك
لِأَبِيهِ على وَجه الْإِنْكَار، فَلَمَّا قَالَ مخرمَة:
(إِنَّه) أَي: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لَيْسَ بجبار دَعَاهُ فَخرج، وَالْحَال أَن عَلَيْهِ قبَاء
... إِلَى آخِره، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ.
44 - (بابُ المُزَرَّرِ بالذَّهَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر لبس الثِّيَاب المزررة
بِالذَّهَب، وَهُوَ المشدود بالأزرار.
5862 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدّثني ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عَنِ
المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ أنَّ أباهُ مَخْرَمَةَ قَالَ
لَهُ: يَا بُنَيَّ} إنهُ بَلَغَنِي أنَّ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَدِمَتْ عَلَيْهِ أقْبِيَةٌ فَهْوَ
يَقْسِمُها، فاذْهَبْ بِنَا إلَيْهِ. فَذَهَبْنا
فَوَجَدْنا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لي: يَا بُنَيَّ ادْعُ لِي النبِيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعْظَمْتُ ذالِكَ فَقُلْتُ:
أدْعُو لَكَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ،
فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ ديباجٍ
مُزَرَّرٌ بالذَّهَبِ، فَقَالَ: يَا مَخْرَمَةُ! هاذا
خَبَأْناهُ لَكَ، فأعْطاهُ إيَّاهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من ديباج مزرر من ذهب)
وَقد أخرجه عَن اللَّيْث مُعَلّقا لِأَنَّهُ لم يدْرك
عصره، وَقد تقدم مَوْصُولا عَن قريب فِي: بَاب القباء
وفروج حَرِير، عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن اللَّيْث، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يَا بني) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قَالَ
لَهُ. قَوْله: (فأعظمت ذَلِك) ، أَي: قَوْله: ادْع لي
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن مقَامه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لَا يقتضى ذَلِك. قَوْله: (فَقلت: أَدْعُو
لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ ذَلِك
لِأَبِيهِ على وَجه الْإِنْكَار، فَلَمَّا قَالَ مخرمَة:
(إِنَّه) أَي: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لَيْسَ بجبار دَعَاهُ فَخرج، وَالْحَال أَن عَلَيْهِ قبَاء
... إِلَى آخِره، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ.
45 - (بابُ خَواتِيمِ الذَّهَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم لبس خَوَاتِيم الذَّهَب،
وَهُوَ جمع خَاتم، وَفِيه أَربع لُغَات: خَاتم بِفَتْح
التَّاء وبكسرها، وخيتام، وخاتام وَالْجمع الخواتيم
والخواتم بِلَا يَاء، وخياتيم بياء بدل الْوَاو، وخياتم
بِلَا يَاء أَيْضا، وَذكر بعض أهل اللُّغَة أَن فِيهِ
ثَمَان لُغَات وَهِي: خاتام وَخَاتم وَخَاتم وختام وخايتام
وخيتوم وخيتام.
5863 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا أشْعَثُ
بنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعاوِيَةَ بنَ سُوَيْدِ
بنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: سَمِعْتُ البَراءَ بنَ عازِبٍ رَضِي
الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: نَهانا النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَنْ سَبْعٍ: نَهاى عَنْ خاتَمِ الذَّهَبِ،
أَو قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ وعنِ الحَرير
والاسْتَبْرَقِ والدِّيباجِ والمِيثَرَةِ الحَمْراءِ
والقَسِّيِّ وآنِيَةِ الفِضَّةِ، وأمَرَنا بِسَبْعٍ:
بِعِيادَةِ المَرِيضِ واتِّباعِ الجَنائِزِ وتَشْمِيتِ
العاطِسِ وَرَدِّ السَّلامِ وإجابَةِ الدَّاعي وإبْرارِ
المُقْسِمِ ونَصْرِ المَظْلُومِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَن خَاتم الذَّهَب) .
والْحَدِيث تقدم فِي أول بَاب من أَبْوَاب الْجَنَائِز عَن
أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة ... الخ. وَفِيه تَقْدِيم
الْأَوَامِر على النواهي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
مُسْتَوفى.
5864 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ
حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ عَنِ النَّضْرِ بنِ أنَس
عَنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيكِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
عَنهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّهُ
نَهاى عَنْ خاتَمِ الذَّهَبِ.
وَقَالَ عَمْروٌ: أخبرنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ: سَمِعَ
النَّضْرَ سَمِعَ بَشِيراً، مِثْلَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر لقب مُحَمَّد بن
جَعْفَر، وَفِي بعض النّسخ صرح بِهِ، وَالنضْر بِسُكُون
الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ،
وَبشير ضد النذير ابْن نهيك بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء
السدُوسِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس أَيْضا عَن مُحَمَّد
بن الْمثنى وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة
عَن أَحْمد بن حَفْص وَغَيره.
قَوْله: (وَقَالَ عَمْرو) وَأي: عَمْرو بن رمزوق
الْبَاهِلِيّ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى إِثْبَات سَماع
قَتَادَة عَن النَّضر وَسَمَاع النَّضر عَن بشير، وَهَذَا
التَّعْلِيق وَصله أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) عَن أبي
قلَابَة الرقاشِي عَن عَمْرو بن مَرْزُوق بِهِ. قَوْله:
(مثله) ، أَي: مثل الْمَذْكُور قبله.
5865 - حدَّثنا مُسدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى عَنْ عُبَيْدِ
الله، قَالَ: حدّثني نافِعٌ عَنْ عبدِ الله رَضِي الله
عَنهُ، أنَّ
(22/29)
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
اتخَذَ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي
كَفهُ، فاتَّخَذَهُ النَّاسُ، فَرَمَى بِهِ واتَّخَذَ
خاتَماً مِنْ ورقٍ أوْ فِضَّةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اتخذ خَاتمًا من ذهب)
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن
عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي اللبَاس عَن زُهَيْر بن
حَرْب.
قَوْله: (اتخذ خَاتمًا) يَعْنِي: أَمر بصياغته فصيغ لَهُ
فلبسه أَو وجده مصوغاً فاتخذه. قَوْله: (فصه) ، بِفَتْح
الْفَاء والعامة تَقول بِالْكَسْرِ. قَوْله: (فاتخذه
النَّاس) ، أَي: فَاتخذ النَّاس الْخَاتم من ذهب. قَوْله:
(وَاتخذ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خَاتمًا
من ورق) بِكَسْر الرَّاء وَهُوَ الفصة. قَوْله: (أَو
فضَّة) شكّ من الرَّاوِي.
وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله يدلان على تَحْرِيم خَاتم
الذَّهَب على الرِّجَال، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَأَجْمعُوا
على تَحْرِيمه على الرِّجَال إلاَّ مَا حُكيَ عَن ابْن أبي
بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَإِنَّهُ أَبَاحَهُ، وَعَن
بَعضهم أَنه مَكْرُوه لَا حرَام. قلت: رُوِيَ عَن جمَاعَة
من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنهم لبسوه، فَمن
الصَّحَابَة: أنس بن مَالك والبراء بن عَازِب وَجَابِر بن
سَمُرَة وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَزيد بن أَرقم وَزيد بن
حَارِثَة وَسعد ابْن أبي وَقاص وصهيب بن سِنَان وَطَلْحَة
بن عبيد الله وَعبد الله بن يزِيد وَأَبُو أسيد. وَمن
التَّابِعين: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَأَبُو بكر
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَآخَرُونَ.
وَأجِيب عَن فعل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، بجوابين:
أَحدهمَا: أَنه لَعَلَّهُم لم يبلغهم النَّهْي.
وَالثَّانِي: لَعَلَّهُم حملُوا النَّهْي على التَّنْزِيه
وَإِن طَرحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخَاتم الذَّهَب
للتنزه عَن الدُّنْيَا كَمَا كَانَ ينْهَى أَهله عَن
الْحِلْية مَعَ أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة للنِّسَاء.
فَإِن قلت: أحد من روى النَّهْي فِيهِ الْبَراء بن عَازِب
كَمَا مر حَدِيثه الْآن. قلت: قَالَ شَيخنَا، رَحمَه الله:
الْجَواب عَنهُ أَن هَذَا لَيْسَ عملا للبراء مَحْضا
فإمَّا أَنه كَانَ الْبَراء صَغِيرا حِين الْأذن، وَنحن
نقُول بِجَوَاز اللبَاس لغير الْبَالِغ على الْخلاف
الْمَعْرُوف فِيهِ عندنَا، وَإِمَّا أَن نجعلهما حديثين
متعارضين فَيحْتَمل أَن يكون الْإِذْن مُتَقَدما على
الْمَنْع. فَإِن عرف التَّارِيخ بذلك كَانَ الحكم للنَّهْي
وإلاَّ فَيرجع إِلَى التَّرْجِيح، وَلَا شكّ أَن حَدِيث
النَّهْي أصح لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ فِي
الصَّحِيحَيْنِ، والْحَدِيث الَّذِي يسْتَند إِلَيْهِ
الْبَراء فِي تختمه بِالذَّهَب هُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد
فِي: (مُسْنده) من رِوَايَة مُحَمَّد بن مَالك، وَقَالَ:
رَأَيْت على الْبَراء خَاتمًا من ذهب وَكَانَ النَّاس
يَقُولُونَ: لم تختم بِالذَّهَب وَقد نهى عَنهُ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ الْبَراء: بَينا
نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين
يَدَيْهِ غنيمَة يقسمها سبي وحربي، فَقَالَ: فَقَسمهَا
حَتَّى بَقِي هَذَا الْخَاتم فَرفع طرفه إِلَى أَصْحَابه
ثمَّ خفض، ثمَّ رفع طرفه فَنظر إِلَيْهِم ثمَّ خفض، ثمَّ
رفع طرفه فَنظر إِلَيْهِم ثمَّ قَالَ: أَي برَاء، فَجِئْته
حَتَّى قعدت بَين يَدَيْهِ فَأخذ الْخَاتم ثمَّ قبض على
كرسوعي ثمَّ قَالَ: خُذ إلبس مَا كساك الله وَرَسُوله ...
الحَدِيث، وَقَالَ شَيخنَا مُحَمَّد بن مَالك رَاوِيه عَن
الْبَراء: تفرد بِهِ عَنهُ، وَقد ذكره ابْن حبَان فِي:
(الضُّعَفَاء) وَقَالَ: وَكَانَ يخطىء كثيرا لَا يجوز
الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد وَمَعَ هَذَا فقد ذكره
ابْن حبَان أَيْضا فِي (الثِّقَات) إلاَّ أَنه قَالَ: لم
يسمع من الْبَراء شَيْئا. قَالَ شَيخنَا: لَكِن ظَاهر
هَذَا الحَدِيث يثبت سَمَاعه مِنْهُ، وَحكى ابْن أبي
حَاتِم عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِيهِ: لَا بَأْس بِهِ،
قَالَ: وَلَعَلَّ الْبَراء، فهم التَّخْصِيص بِإِذْنِهِ
لَهُ فِي لبسه، وَمَعَ ذَلِك فَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ
الْجُمْهُور أَن الْعبْرَة بِمَا رَوَاهُ الرَّاوِي لَا
بِمَا رَآهُ انْتهى. قلت: الْعبْرَة عندنَا بِمَا رَآهُ
على مَا عرف فِي مَوْضِعه، وَالله أعلم.
46 - (بابُ خاتمِ الفِضَّةِ)
أَي هَذَا بَاب فِيهِ ذكر خات الْفضة وَجَوَاز
اسْتِعْمَاله وَالْإِضَافَة فِيهِ مثل إِضَافَة ثوب خَز.
5866 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى حدّثنا أبُو أُسامَةَ
حَدثنَا عُبَيْدُ الله عَنْ نافعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي
الله عَنْهُمَا: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، اتَّخَذَ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وجَعَلَ فَصَّهُ
مِمَّا يَلِي باطنَ كَفِّهِ ونَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ
رسولُ الله، فاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَلما رآهُمْ
قَدِ اتَّخَذُوها رَمَى بِهِ، وَقَالَ: لَا ألْبَسُهُ
أبَداً، ثُمَّ اتَّخَذَ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ فاتخَذَ
النَّاسُ خَوَاتِيمَ الفِضَّة.
قَالَ ابنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الخاتَمَ بَعْدَ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ
عُثْمانُ حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمانَ فِي بِئْرِ أرِيسَ.
(22/30)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ
اتخذ خَاتمًا من فضَّة) . ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد
الْقطَّان الْكُوفِي سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة
اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاد
البُخَارِيّ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وَعبيد
الله بن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخَاتم عَن نصير بن
الْفرج بِهِ على مَا نذكرهُ. قَوْله: (فصه) بِفَتْح
الْفَاء وتقوله الْعَامَّة بِكَسْرِهَا. قَوْله: (مِمَّا
يَلِي بَاطِن كَفه) فِي رِوَايَة الكشنيهني، وَفِي
رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: بطن كَفه، وَزَاد
جوَيْرِية عَن نَافِع: إِذا لبس. قَوْله: (مثله) أَي: مثل
مَا اتخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذهب، ويوضحه
مَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد حَيْثُ قَالَ فِي رِوَايَته:
عَن نصير بن الْفرج عَن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله عَن
نَافِع عَن ابْن عمر: اتخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَاتمًا من ذهب وَجعل فصه مِمَّا يَلِي بطن كَفه
وَنقش: مُحَمَّد رَسُول الله، فَاتخذ النَّاس خَوَاتِيم
الذَّهَب، فَلَمَّا رَآهُمْ قد اتَّخَذُوهَا رمى بِهِ ...
الحَدِيث، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد
بالمثلية كَونه من فضَّة وَكَونه على صُورَة النقش
الْمَذْكُورَة، وَيحْتَمل أَن يكون لمُطلق الاتخاذ.
انْتهى. قلت: هَذَا كُله لَا يجدي شَيْئا، فَقَوله: كَونه
من فضَّة، غير مُسْتَقِيم على مَا لَا يخفى، وَكَذَا
قَوْله: وَيحْتَمل أَن يكون لمُطلق الاتخاذ، لِأَن
النَّهْي اتِّخَاذ من ذهب لَا مُطلق الاتخاذ، وَالْمعْنَى
الصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ كَمَا بَينه مَا رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد. قَوْله: (فَلَمَّا رَآهُمْ قد اتَّخَذُوهَا)
الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: رَآهُمْ، يرجع إِلَى النَّاس،
وَالَّذِي فِي اتَّخَذُوهَا يرجع إِلَى الخواتيم الَّتِي
اتَّخَذُوهَا من ذهب، فالقرينة تدل عَلَيْهِ، وَفِي
رِوَايَة أبي دَاوُد قد صرح بِهِ كَمَا ذكرنَا. قَوْله:
(رمى بِهِ) جَوَاب: لما، أَي: رمى بالخاتم الَّذِي اتخذ من
ذهب وَحصل لَهُ مَا حصل من ذَلِك حَتَّى قَالَ: لَا ألبسهُ
أبدا.
قَوْله: (قَالَ ابْن عمر فَلبس الاتم بعد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر) يَعْنِي: فِي أَيَّام
خِلَافَته. (ثمَّ لبسه عمر) فِي أَيَّام خِلَافَته. (ثمَّ
لبسه عُثْمَان حَتَّى وَقع) أَي: إِلَى أَن وَقع (فِي
بِئْر أريس) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون
الْبَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة وَهِي
حديقة بِالْقربِ من مَسْجِد قبا ينْصَرف وَلَا ينْصَرف،
وَالأَصَح الصّرْف وَعند ابْن منجويه الَّذِي وَقع مِنْهُ
الْخَاتم رجل من الْأَنْصَار الَّذِي اتخذ عُثْمَان على
خَاتمه، وَفِي (الْعِلَل) لأبي جَعْفَر: ذهب يَوْم الدَّار
فَلَا يدْرِي أَيْن ذهب، وَعند ابْن منجويه: هلك من يَد
معيقيب الدوسي.
47 - (بابٌ)
هَكَذَا هُوَ مُجَرّد، وَهُوَ كالفصل للباب
الَّذِي قبله.
5867 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ
عَنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَلْبَسُ خاتَماً مِنْ ذَهَب فَنَبذَهُ
فَقَالَ: لَا ألْبَسُهُ أبَداً، فَنَبَذَ النَّاسُ
خَوَاتِيمَهُمْ.
هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده. قَوْله: (عَن مَالك عَن عبد
الله بن دِينَار) كَذَا رَوَاهُ عَن مَالك عَن عبد الله بن
دِينَار، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الله بن
دِينَار وبأتم مِنْهُ، وَسَاقه نَحْو رِوَايَة نَافِع
الَّتِي قبلهَا. قَوْله: (فنبذه) أَي: طَرحه.
5868 - حدَّثني يَحْيَى بنُ بكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عَنْ
يُونُسَ عَنِ ابنِ شِهاب قَالَ: حدّثني أنَسُ ابنُ مالِكٍ
رَضِي الله عنهُ، أنَّهُ رأى فِي يَدِ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، خاتِماً مِنْ وَرق يَوْماً واحِداً، ثُمَّ
إنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ
ولَبِسُوها، فَطَرَحَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خاتَمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
مطابقته لترجمة: بَاب خَاتم الْفضة، ظَاهِرَة وَالْبَاب
الْمُجَرّد لَا عُمْدَة عَلَيْهِ، ورواة هَذَا الحَدِيث
على التَّرْتِيب الْمَذْكُور وَقد مضوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس أَيْضا عَن مُحَمَّد
بن عبد الله بن نمير نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ فِي
الْمَتْن.
قَوْله: (فَطرح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَاتمه) قيل: لم طرح الْخَاتم الَّذِي من ورق وَهُوَ
حَلَال؟ قَالَ النَّوَوِيّ نَاقِلا عَن عِيَاض: قَالَ
جَمِيع أهل الحَدِيث: هَذَا وهم من ابْن شهَاب، لِأَن
الْمَطْرُوح مَا كَانَ إلاَّ خَاتم الذَّهَب، وَمِنْهُم من
تَأَوَّلَه ولفق بَينه وَبَين سَائِر الرِّوَايَات،
وَقَالَ: الضَّمِير رَاجع إِلَى خَاتم الذَّهَب، يَعْنِي
لما أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحْرِيم خَاتم
الذَّهَب اتخذ خَاتم فضَّة فهم أَيْضا اصطنعوا
لأَنْفُسِهِمْ خَوَاتِم فضَّة، فَبعد
(22/31)
ذَلِك طرح خَاتم الذَّهَب واستبدل الْفضة
فطرحوا الذَّهَب واستبدلوا الْفضة، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
لَيْسَ فِي الحَدِيث أَن الْخَتْم الْمَطْرُوح كَانَ من
الْوَرق، بل هُوَ مُطلق فَيحمل على خَاتم من ذهب، وَقد طول
بَعضهم هُنَا وَذكر كلَاما كثيرا، وَفِيمَا ذكرنَا
كِفَايَة، وَالله أعلم.
تابَعَهُ إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ وزِيادٌ وشُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابنُ مُسافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أرَى خاتَماً مِنْ وَرِقٍ.
أَي: تَابع يُونُس إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَكَذَا تَابعه زِيَاد بِكَسْر
الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن سعد
الْخُرَاسَانِي نزيل مَكَّة ثمَّ الْيمن مَاتَ بهَا،
وَكَذَا تَابعه شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي فِي
رِوَايَته عَن مُحَمَّد ابْن مُسلم الزُّهْرِيّ، أما
مُتَابعَة إِبْرَاهِيم فوصلها مُسلم: حَدثنَا أَبُو عمرَان
مُحَمَّد بن جَعْفَر بن زِيَاد أخبرنَا إِبْرَاهِيم
يَعْنِي: ابْن سعد عَن ابْن شهَاب عَن أنس بن مَالك أَنه
أبْصر فِي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَاتمًا من ورق يَوْمًا وَاحِدًا فَصنعَ النَّاس الخواتيم
من ورق فلبسوه، فَطرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَاتمه فَطرح النَّاس خواتيمهم. وَأما مُتَابعَة زِيَاد
فوصلها أَيْضا مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن
نمير حَدثنَا روح حَدثنَا ابْن جريج أَخْبرنِي زِيَاد أَن
ابْن شهَاب أخبرهُ أَن أنس بن مَالك أخبرهُ أَنه رأى فِي
يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا من ورق
يَوْمًا وَاحِدًا ... الحَدِيث نَحْو الْمَذْكُور، غير أَن
فِيهِ: اضْطَرَبُوا، بدل اصطنعوا وَأما مُتَابعَة شُعَيْب
فوصلها الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْفضل بن عبد الله: حَدثنَا
عَمْرو بن عُثْمَان حَدثنَا بشر بن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة
حَدثنِي أبي عَن الزُّهْرِيّ قَوْله: (وَقَالَ ابْن
مُسَافر) هُوَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر أَبُو
خَالِد الفهمي الْمصْرِيّ وإليها مولى اللَّيْث من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَحَدِيثه رَوَاهُ
الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى: أخبرنَا
أَبُو الْأَحْوَص حَدثنَا ابْن عفير حَدثنَا اللَّيْث
عَنهُ، وَلَيْسَ فِيهِ لفظ: أرى، قيل: كَأَنَّهُ من
البُخَارِيّ.
48 - (بابُ فَصِّ الخاتَمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر فص الْخَاتم، قد ذكرنَا أَن
الْفَاء فِيهِ مَفْتُوحَة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وبكسرها
تَقول الْعَامَّة. قيل: وأثبتها غَيره لُغَة، وَزَاد
بَعضهم الضَّم وَعَلِيهِ جرى ابْن مَالك فِي: (المثلث) ،
وَقَالَ ابْن السّكيت: كل ملتقى عظمين فَهُوَ فص، وفص
الْأَمر مفصله.
5869 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا يزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ
أخبرنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خاتَماً؟ قَالَ: أخَّرَ
لَيْلَةً صَلاَةَ العِشاءِ إِلَى شَطْرِ الليْلِ، ثُمَّ
أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ فَكأنِّي أنْظُرُ إِلَى
وبِيصِ خاتَمِهِ. قَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا
ونامُوا وإنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا
انْتَظَرْتَمُوها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (انْظُر إِلَى
وبيص خَاتمه) لِأَن الوبيص لَا يكون إلاَّ من الفص
غَالِبا، سَوَاء كَانَ فصه مِنْهُ أم لَا، وَيَجِيء مزِيد
الْكَلَام فِيهِ.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَيزِيد من
الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر: زرع أَي: حرث، وَحميد هُوَ
ابْن أبي حميد الطَّوِيل.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَقد مضى فِي الصَّلَاة فِي:
بَاب وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (إِلَى شطر اللَّيْل) أَي: إِلَى نصفه. قَوْله:
(إِلَى وبيص) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالصاد الْمُهْملَة،
وَهُوَ البريق واللمعان.
5870 - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ:
سَمِعْتُ حُمَيْداً يُحَدِّثُ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله
عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كانَ
خاتَمُهُ مِنْ فِضَّةِ وكانَ فَصُّهُ مِنْهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه كَذَا فِي بعض الْحَوَاشِي، وَقَالَ الغساني:
لم أَجِدهُ مَنْسُوبا لأحد من الروَاة، وَقد روى مُسلم
فِي: (صَحِيحه) عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن مُعْتَمر،
وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي: بعد أَن علم.
(ح) فِي اللبَاس عَن إِسْحَاق هُوَ
(22/32)
ابْن إِبْرَاهِيم. قلت: فِي مَشَايِخ
البُخَارِيّ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يزِيد السَّامِي.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ
البُخَارِيّ. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن
الْبَغَوِيّ، سكن بَغْدَاد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
الصَّواف الْبَصْرِيّ، وَالَّذِي قَالَه الْمزي يحْتَمل
أَن يكون وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ، وَلَكِن الْغَالِب أَنه
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن أبي بكر
أَحْمد بن عَليّ بن سعيد القَاضِي.
قَوْله: (وَكَأن فصه مِنْهُ) ، أَي: من الْخَاتم الَّذِي
هُوَ من الْفضة. فَإِن قلت: فِي حَدِيث معيقيب عِنْد أبي
دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: (كَانَ خَاتم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من حَدِيد ملوي بِفِضَّة، فَكيف يجمع
بَينه وَبَين حَدِيث الْبَاب مَعَ ذمه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، الْخَاتم الْحَدِيد؟ قلت: أُجِيب عَنهُ بأوجه:
الأول: أَن لَا مَانع أَن يكون لَهُ خَاتم من فضَّة
وَخَاتم من حَدِيد ملوي. الثَّانِي: أَنه يحْتَمل أَن يكون
خَاتم الْحَدِيد الملوي بِفِضَّة كَانَ لَهُ قبل أَن
ينْهَى عَن خَاتم الْحَدِيد. الثَّالِث: أَنه لما كَانَ
خَاتم الْحَدِيد قد لوي على ظَاهره فضَّة صَار لَا يرى
مِنْهُ إلاَّ الظَّاهِر، فَظن أَنه كُله فضَّة.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ أيُّوبَ: حدّثني حُمَيْدٌ سَمِع
أنَساً عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يحيى بن أَيُّوب هُوَ الغافقي الْمصْرِيّ أَبُو
الْعَبَّاس، وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق
بَيَان سَماع حميد عَن أنس.
49 - (بابُ خاتَمِ الحَدِيدِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْخَاتم من حَدِيد، وَلَا
يفهم من هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا من حَدِيث الْبَاب كَيفَ
الحكم فِي الْخَاتم من الْحَدِيد وَاعْتذر بَعضهم عَنهُ
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدِيث على شَرطه، فَلذَلِك لم
يذكر فِيهِ شَيْئا. قلت: لما كَانَ الْأَمر كَذَلِك لم
يبْق فَائِدَة فِي إِيرَاده حَدِيث الْبَاب إلاَّ
التَّنْبِيه على اخْتِلَاف إِسْنَاده وَاخْتِلَاف بعض
الْمَتْن، وَأما الَّذِي ورد فِي منع خَاتم الْحَدِيد
فَمِنْهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من
رِوَايَة عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن رجلا جَاءَ
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلِيهِ خَاتم
من شبه، فَقَالَ: مَالِي أجد مِنْك ريح الْأَصْنَام؟
فطرحه، ثمَّ جَاءَ وَعَلِيهِ خَاتم من حَدِيد، فَقَالَ:
مَالِي أرى عَلَيْك حلية أهل النَّار؟ فطرحه، فَقَالَ: يَا
رَسُول الله! من أَي شَيْء أَتَّخِذ؟ قَالَ: اتخذ من ورق،
وَلَا تَتِمَّة مِثْقَالا. وَفِي سَنَده أَبُو طيبَة
بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة اسْمه عبد الله بن مُسلم
الْمروزِي، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: يكْتب حَدِيثه
وَلَا يحْتَج بِهِ. قلت: أخرج ابْن حبَان حَدِيثه
وَصَححهُ، وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من
حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه لبس خَاتمًا
من ذهب فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَأَنَّهُ كرهه فطرحه، ثمَّ لبس خَاتمًا من حَدِيد
فَقَالَ لَهُ: هَذَا أَخبث وأخبث فطرحه، ثمَّ لبس خَاتمًا
من ورق فَسكت عَنهُ. وَفِي سَنَده عبد الله بن المؤمل
وَهُوَ ضَعِيف، وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا من
حَدِيث عمار بن عمار: أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رأى فِي يَد رجل خَاتمًا من ذهب فَقَالَ: إلقِ ذَا فتختم
بِخَاتم من حَدِيد، فَقَالَ: ذَا شَرّ مِنْهُ، فتختم من
فضَّة فَسكت. قَالَ شَيخنَا: رِوَايَة عمار بن عمار عَن
عمر مُرْسلَة.
5871 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حَدثنَا عَبْدُ
العَزِيزِ بنُ أبي حازِمٍ عَنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ
سَهْلاً يَقُولُ: جاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فقالَتْ: جئْتُ أهَبُ نَفْسي، فقامَتْ
طوِيلاً فَنَظَرَ وَصَوَّبَ، فَلمَّا طالَ مَقامُها
فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنيها إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِها
حاجَةٌ. قَالَ: عِنْدَكَ شَيْءٌ تُصْدِقُها؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: انْظُرْ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَالله
إنْ وجَدْتُ شَيْئاً. قَالَ: إذْهَبْ فالتَمِسْ وَلَوْ
خاتِماً مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، قَالَ: لاَ
وَالله وَلَا خاتَماً مِنْ حَدِيدٍ، وعَلَيْهِ إزارٌ مَا
عَلَيْهِ رِداءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُها إزارِي. فَقَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إزارُكَ إنْ لَبِسَتْهُ
لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وإنْ لَبِسْتَهُ لَمْ
يَكُنْ عَلَيْها مِنْهُ شَيْءٌ، فَتَنَحَّى الرَّجُلُ
فَجَلَسَ، فَرَآهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
مُوَلِّياً فأمَرَ بِهِ فَدُعِي، فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ
القُرْآن؟ قَالَ: سُورَةُ كَذا وكذَا، لِسُوَرٍ عَدَّدَها،
قَالَ: قَدْ مَلَّكْتُكَها بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآن.
(22/33)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَو
خَاتمًا من حَدِيد) وَعبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم
بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي يروي عَن أَبِيه سَلمَة
ابْن دِينَار الْأَعْرَج الْقَاص من عباد أهل الْمَدِينَة
وزهادهم، يروي عَن سهل بن سعد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب عرض الْمَرْأَة
نَفسهَا على الرجل الصَّالح، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
مُسْتَوفى.
قَوْله: (وَصوب) أَي: خفض رَأسه. قَوْله: (مقَامهَا)
بِفَتْح الْمِيم أَي: قِيَامهَا. قَوْله: (إِن وجدت
شَيْئا) أَي: مَا وجدت شَيْئا. قَوْله: (تصدقها) من
الإصداق، وَكَذَلِكَ قَوْله: أصدقهَا.
50 - (بابُ نَقْشِ الخاتَمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نقش الْخَاتم وكيفيته.
5872 - حدَّثنا عَبْدُ الأعْلَى حَدثنَا يَزِيدُ بنُ
زُرَيْعٍ حَدثنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتادَةَ عَن أنَسِ بنِ
مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أوْ
أُناسٍ مِنَ الأعاجِمِ، فَقيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَا
يَقْبَلُونَ كِتاباً عَلَيْهِ خاتَمٌ، فاتَّخَذَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ:
مُحَمَّدٌ رسولُ الله، فَكأنِّي بِوَبيصِ أوْ بِبَصِيصِ
الخاتَمِ فِي إصْبَعِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أوْ فِي كَفِّهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نقشه: مُحَمَّد رَسُول
الله) وَعبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن حَمَّاد، وَسَعِيد هُوَ
ابْن أبي عرُوبَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخَاتم عَن عبد
الرَّحِيم بن مطرف وَغَيره.
قَوْله: (أَو أنَاس) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (من
الْأَعَاجِم) فِي رِوَايَة شُعْبَة عَن قَتَادَة يَأْتِي
بعد بَاب: إِلَى الرّوم. قَوْله: (فَقيل لَهُ) فِي مُرْسل
طَاوُوس عِنْد ابْن سعد: أَن قُريْشًا هم الَّذين قَالُوا
ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يقبلُونَ)
ويروى: لَا يقرأون. قَوْله: (نقشه: مُحَمَّد رَسُول الله)
زَاد ابْن سعد من مُرْسل ابْن سِيرِين: بِسم الله مُحَمَّد
رَسُول الله، وَلم يُتَابع على هَذِه الزِّيَادَة. قَوْله:
(فَكَأَنِّي بوبيص) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء
الْمُوَحدَة يُقَال: وبص الشَّيْء وبيصاً إِذا برق وتلألأ.
قَوْله: (أَو ببصيص) شكّ من الرَّاوِي بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة من بص الشَّيْء
بصيصاً إِذا برق مثل وبص. قَوْله: (أَو فِي كَفه) شكّ من
الرَّاوِي. قَالُوا: إِن الْخَاتم إِنَّمَا اتخذ ليطبع
بِهِ على الْكتب حفظا للأسرار أَن تَنْتَشِر وسياسة
للتدبير أَن لَا ينخرم، وَفِي الحَدِيث أَنه لَا بَأْس على
الْخَاتم ذكر الله، وَقد كره ذَلِك ابْن سِيرِين، وَهَذَا
الْبَاب حجَّة عَلَيْهِ وَقد أجَاز ابْن الْمسيب أَن يلبس
ويستنجى بِهِ، وَقيل لمَالِك: إِن كَانَ فِي الْخَاتم ذكر
الله ويلبس فِي الشمَال أيستنجى بِهِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَن
يكون خَفِيفا، هَذِه رِوَايَة ابْن الْقَاسِم. وَحكى ابْن
حبيب عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون: أَنه لَا يجوز ذَلِك
وليخلعه أَو ليجعله فِي يَمِينه، وَهُوَ قَول ابْن نَافِع
وَأكْثر أَصْحَاب مَالك. قلت: هَذَا قولي أَيْضا، بل
الْأَدَب أَن لَا يستنجى والخاتم الَّذِي عَلَيْهِ ذكر
الله مَعَه.
وَقَالَ مَالك: لَا خير أَن يكون نقش فصه تمثالاً. وَقد
ذكر عبد الرَّزَّاق آثاراً بِجَوَاز اتِّخَاذ التماثيل فِي
الخواتيم وَلَيْسَت بصحيحة، مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عَن معمر
عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عقيل أَنه أخرج خَاتمًا فِيهِ
تِمْثَال أَسد، وَزعم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، كَانَ يتختم بِهِ، وَمَا رَوَاهُ معمر عَن
الْجعْفِيّ: أَن نقش خَاتم ابْن مَسْعُود إِمَّا شَجَرَة
وَإِمَّا شَيْء بَين ذبابتين، وَابْن عقيل تَركه مَالك
والجعفي مَتْرُوك، وروى عَن معمر عَن قَتَادَة عَن أنس
وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه كَانَ نقش خَاتمه
كركياً لَهُ رأسان، فَهَذَا، وَإِن كَانَ صَحِيحا، فَلَا
حجَّة فِيهِ لترك النَّاس الْعَمَل بِهِ ولنهيه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن الصُّور، وَلَا يجوز مُخَالفَة
النَّهْي. وَفِي (التَّوْضِيح) : رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي
الله عَنهُ، أَنه كَانَ لَهُ أَربع خَوَاتِيم يتختم بهَا:
ياقوت لِقَلْبِهِ نقشه: لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك
الْحق الْمُبين، وفيروزج لنصره، ونقشه: الله الْملك،
وَخَاتم من حَدِيد صيني لقُوته نقشه: الْعِزَّة لله
جَمِيعًا، وعقيق لحرزه نقشه: مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة
إلاَّ بِاللَّه. قَالَ: حَدِيث مُخْتَلف رُوَاته مأمونون
سوى أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الرَّازِيّ
فَلَا أعرف عَدَالَته، فَكَأَنَّهُ هُوَ وَاضعه.
5873 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ سلامٍ أخبرنَا عَبْدُ الله
بنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ الله عَن نافِعٍ عَنِ ابنِ
عُمَر
(22/34)
َ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: اتَّخذَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خاتَماً مِنْ وَرِق
وَكَانَ فِي يَدِهِ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أبي
بَكْرٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ ثُمَّ كَانَ
بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمانَ حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئرِ
أرِيسَ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رسولُ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعبد الله بن
نمير مصغر النمر الَّذِي هُوَ الْحَيَوَان الْمَشْهُور،
وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ. والْحَدِيث مضى فِي بَاب
خَاتم الْفضة.
51 - (بابُ الخاتَمِ فِي الخِنْصَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن مَوضِع الْخَاتم عِنْد
التَّخَتُّم فِي الْخِنْصر دون غَيره من السبابَة
وَالْوُسْطَى، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
من طَرِيق أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن عَليّ رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: نهاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن ألبس خَاتمًا فِي هَذِه، وَهَذِه يَعْنِي السبابَة
الْوُسْطَى.
5874 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عَبْدُ الوارِثِ
حَدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ رَضِي
الله عَنهُ، قَالَ: صَنَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، خاتَماً قَالَ: إنّا اتَّخَذْنا خاتَماً ونَقَشْنا
فِيهِ نَقْشاً فَلا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أحَدٌ، قَالَ:
فإِنِّي لأراى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَأَبُو معمر
بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عمر والمنقري المقعد،
وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَهُوَ رَاوِيه.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عمرَان
بن مُوسَى.
قَوْله: (فَلَا ينقش) نفي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
فَلَا ينقشن، بالنُّون الثَّقِيلَة وَسبب النَّهْي فِيهِ
هُوَ أَنه إِنَّمَا اتخذوه وَنقش فِيهِ ليختم بِهِ كتبه
إِلَى الْمُلُوك فَلَو نقش غَيره مثله لحصل الْخلَل ولبطل
الْمَقْصُود. قَوْله: (بريقه) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَكسر الرَّاء أَي: لمعانه. قَوْله: (فِي خِنْصره) وَهُوَ
الْأصْبع الْأَصْغَر، وَالْحكمَة فِي كَونه فِيهِ أَنه
أبعد عَن الامتهان فِيمَا يتعاطى بِالْيَدِ لكَونه طرفا،
وَلِأَنَّهُ لَا يشغل الْيَد عَمَّا تنَاوله من إشغالها
وَلم يبين فِيهِ: هَل هُوَ خنصر الْيَد الْيُمْنَى أَو
الْيُسْرَى، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ، إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
52 - (بابُه اتِّخاذِ الخاتَمِ لِيُخْتَمَ الشّيءُ، أوْ
لِيُكْتَبَ بِهِ إِلَى أهْلِ الكِتاب وغَيْرِهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْخَاتم إِنَّمَا يتَّخذ
لأجل ختم الشَّيْء بِهِ أَو لأجل ختم الْكتاب الَّذِي
يُرْسل إِلَى أهل الْكتاب وَغَيرهم، وَسقط لفظ: بَاب، فِي
رِوَايَة أبي ذَر.
5875 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبي إياسٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ
قَتادَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
لَمَّا أرادَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ
يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَنْ
يَقْرَأوا كِتابَكَ إِذا لَمْ يَكُنْ مَخْتُوماً،
فاتَّخَذَ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ ونَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ
رسولُ الله، فَكأنَّما أنْظُرُ إِلَى بَياضهِ فِي يَدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب نقش الْخَاتم، وَرُبمَا
يحْتَج بِهِ من لَا يرى اسْتِعْمَال الْخَاتم لغير
الْحَاكِم، مِنْهُم أَبُو الْحصين وَأَبُو عَامر وَأحمد
فِي رِوَايَة، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث أبي
رَيْحَانَة أخرجه الطَّحَاوِيّ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن لبس الْخَاتم إلاَّ لذِي سُلْطَان، وَخَالفهُم
آخَرُونَ فأباحوه، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أنس
الْمُتَقَدّم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما
ألْقى خَاتمه ألْقى النَّاس خواتيمهم، فَهَذَا يدل على
أَنه كَانَ يلبس الْخَاتم فِي الْعَهْد من لَيْسَ ذَا
سُلْطَان. قَالَ الطَّحَاوِيّ: ملخصه أَن قَائِلا إِذا
قَالَ: كَيفَ يحْتَج بِهَذَا وَهُوَ مَنْسُوخ؟ يُقَال
لَهُ: الْمَنْسُوخ لبس خَاتم الذَّهَب، ثمَّ رُوِيَ أَن
الْحسن وَالْحُسَيْن كَانَا يتختمان فِي يسارهما، وَكَانَ
فِي خواتيمهما ذكر الله سُبْحَانَهُ، وَأَن خَاتم عمرَان
بن حُصَيْن رجلا مُتَقَلِّدًا بِسيف، وَأَن قيس بن أبي
حَازِم وَعبد الله بن الْأسود
(22/35)
وَقيس بن ثُمَامَة وَالشعْبِيّ تختموا فِي
يسارهم، وَأَن نقش خَاتم إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: نَحن
بِاللَّه وَله قَالَ: فَهَؤُلَاءِ من الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يتختمون وَلَيْسَ لَهُم سُلْطَان،
وَقَالَ بَعضهم وَلم يجب الطَّحَاوِيّ عَن حَدِيث أبي
رَيْحَانَة. قلت: مَاذَا يَقُول وَهُوَ حَدِيث صَحِيح
عِنْده لِأَن رُوَاته ثِقَات، وَالَّذِي يظْهر من سُكُوته
أَن الْعَمَل بِهِ لَا على طَرِيق الْوُجُوب بل على
الْأَوْلَوِيَّة، وَإِن تَركه أولى لغير ذِي سُلْطَان
لِأَنَّهُ نوع من التزين، واللائق بِالرِّجَالِ خِلَافه
وَأَبُو رَيْحَانَة اسْمه شَمْعُون بن زيد الْأَزْدِيّ
حَلِيف الْأَنْصَار وَيُقَال لَهُ: مولى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم.
53 - (بابُ من جَعَلَ فَصَّ الخاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من جعل فص خَاتمه عِنْد لبسه
فِي بطن كَفه، وَسقط. لفظ: بَاب، من رِوَايَة أبي ذَر،
وَقَالَ ابْن بطال: لَيْسَ فِي كَون فص الْخَاتم فِي بطن
الْكَفّ وَلَا ظهرهَا أَمر وَنهي، وكل ذَلِك مُبَاح،
وَيُقَال: إِن السِّرّ فِيهِ أَن جعل الفص فِي بَاطِن
الْكَفّ أبعد من أَن يظنّ أَن فعله للتزين، والتزين لَا
يَلِيق للرِّجَال، وَقد روى أَبُو دَاوُد عَن ابْن
إِسْحَاق قَالَ: رَأَيْت على الصَّلْت بن عبد الله بن
نَوْفَل بن عبد الْمطلب خَاتمًا فِي خِنْصره الْيُمْنَى،
فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت ابْن عَبَّاس يلبس
خَاتمه هَكَذَا، وَجعل فصه على ظهرهَا، قَالَ: وَلَا أخال
إلاَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يلبس خَاتمه كَذَلِك، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ
البُخَارِيّ: حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن الصَّلْت حسن.
5876 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعيل حَدثنَا جُوَيْرِيَّةُ
عَنْ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله حدَّثَهُ: أنَّ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اصْطَنَعَ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ
وجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذا لَبِسَهُ،
فاصْطَنَعَ النَّاسُ خَواتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقِيَ
المِنْبَرَ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي
كُنْتُ اصطَنَعْتُهُ وإنِّي لَا ألْبَسُهُ فَنَبَذَهُ
فَنَبَذَ النَّاسُ، قَالَ جُوَيْرِيَّةُ: وَلَا أحْسِبُهُ
إلاَّ قَالَ: فِي يَدِهِ اليُمْنَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَجعل فصه فِي بَاطِن
كَفه) وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة ابْن أَسمَاء،
وَكِلَاهُمَا مشتركان فِي الْمُذكر والمؤنث. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: (وَجعل فصه) كَذَا للأكثرين جعل بِلَفْظ
الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي:
وَيجْعَل، بِلَفْظ الْمُضَارع، وَمضى شرح الحَدِيث فِي:
بَاب خَاتم الذَّهَب. قَوْله: (فنبذه) أَي: فطرحه. قَوْله:
(قَالَ جوَيْرِية) ، مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور،
وَقَالَ أَبُو ذَر فِي رِوَايَته: لم يَقع فِي البُخَارِيّ
مَوضِع الْخَتْم من أَي الْيَدَيْنِ إلاَّ فِي هَذَا.
وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي التَّخَتُّم فِي
الْيُمْنَى: مِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس: رَأَيْت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتختم فِي يَمِينه، رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر
قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتختم فِي
يَمِينه، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَأَبُو دَاوُد
وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) .
وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي
يَمِينه، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَزَّار وَأَبُو
الشَّيْخ. وَمِنْهَا: حَدِيث أنس: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه
النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل: وَمِنْهَا:
حَدِيث أبي أُمَامَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي:
(الْكَبِير) وَأَبُو الشَّيْخ فِي: (كتاب الْأَخْلَاق) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يتختم فِي يَمِينه حَتَّى قَبضه
الله إِلَيْهِ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي (غرائب مَالك)
.
ووردت أَحَادِيث أُخْرَى فِي التَّخَتُّم فِي الْيَسَار.
مِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يلبس خَاتمه فِي يسَاره،
وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ وَإِسْنَاده ضَعِيف. وَمِنْهَا:
حَدِيث ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ يتختم فِي يسَاره وَكَانَ فصه فِي بَاطِن كَفه،
أخرجه أَبُو دَاوُد، وَهَذَا يُخَالف حَدِيث الْبَاب.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَعْفَر
بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ الْحسن وَالْحُسَيْن
يتختمان فِي يسارهما، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَقد
جَاءَ فِي بعض طرقه: عَن الْحسن وَالْحُسَيْن رفع ذَلِك
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر
وَعَمْرو وَعلي رَضِي الله عَنْهُم، رَوَاهُ أَبُو
الشَّيْخ فِي (كتاب أَخْلَاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْأَدَب) من رِوَايَة
سُلَيْمَان بن بِلَال عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه،
قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(22/36)
وَأَبُو بكر وَعَمْرو وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي
الله عَنْهُم، يتختمون فِي الْيَسَار.
وَقد اخْتلف الروَاة عَن أنس: هَل كَانَ يتختم فِي يَمِينه
أَو يسَاره؟ وَقد، رَوَاهُ عَنهُ ثَابت الْبنانِيّ، وثمامة
بن عبد الله، وَحميد الطَّوِيل، وَشريك بن بَيَان على
الشَّك فِيهِ، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَقَتَادَة،
وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. فَأَما ثُمَامَة وَحميد
وَشريك بن بَيَان وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب فَلَيْسَ فِي
رواياتهم تعرض لذكر الْيَمين أَو الْيَسَار. وَأما
رِوَايَة ثَابت وَقَتَادَة وَالزهْرِيّ فَفِيهَا
التَّعَرُّض لذَلِك. فَأَما رِوَايَة ثَابت فأخرجها مُسلم
من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ:
كَانَ خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذِه،
وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصر من يَده الْيُسْرَى. وَأما
رِوَايَة قَتَادَة فَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهَا، فَقَالَ سعيد
بن أبي عرُوبَة عَنهُ عَن أنس: كَانَ يتختم فِي يَمِينه،
وَقَالَ شُعْبَة وَعَمْرو بن عَامر عَن قَتَادَة، عَنهُ:
كَانَ يتختم فِي يسَاره، وَأما رِوَايَة الزُّهْرِيّ
فرواها طَلْحَة وَيحيى الزرقي وَسليمَان بن بِلَال عَن
يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لبس خَاتم فضَّة فِي يَمِينه، وَرَوَاهُ
ابْن وهب ومعتمر ابْن سُلَيْمَان عَن يُونُس عَن
الزُّهْرِيّ عَن أنس من غير تعرض لذكر لبسه لَهُ فِي
يَمِينه.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن
اخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي ذَلِك، فَقَالَ: لَا يثبت
هَذَا وَلَا هَذَا، وَلَكِن فِي يَمِينه أَكثر، وَرجح
الشَّافِعِيَّة الْيَمين وَهُوَ الْأَشْهر عِنْدهم،
وَقَالَ شَيخنَا فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : فِي
الْأَحَادِيث اسْتِحْبَاب التَّخَتُّم فِي الْيَمين،
وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي: أَن
التَّخَتُّم فِي الْيَمين أفضل مِنْهُ فِي الْيَسَار،
وَذهب مَالك إِلَى اسْتِحْبَاب التَّخَتُّم فِي الْيَسَار،
وَكره التَّخَتُّم فِي الْيَمين وَقَالَ: إِنَّمَا يَأْكُل
وَيشْرب وَيعْمل بِيَمِينِهِ فَكيف يُرِيد أَن يَأْخُذ
باليسار ثمَّ يعْمل؟ قيل لَهُ: أفيجعل الْخَاتم فِي
الْيَمين للْحَاجة يذكرهَا؟ قَالَ: لَا بَأْس بذلك، وَأما
مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فقد ذكر فِي الْأَجْنَاس
وَيَنْبَغِي أَن يلبس خَاتمه فِي خِنْصره الْيُسْرَى وَلَا
يلْبسهُ فِي الْيَمين وَلَا فِي غير خنصر الْيُسْرَى من
أَصَابِعه، وَسوى الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي (شرح
الْجَامِع الصَّغِير) بَين الْيَمين واليسار، وَقَالَ بعض
أَصْحَابنَا: هُوَ الْحق لاخْتِلَاف الرِّوَايَات،
وَيُقَال: جَاءَت أَحَادِيث صَحِيحَة فِي الْيَمين،
وَلَكِن اسْتَقر الْأَمر على الْيَسَار. قلت: يدل على
ذَلِك مَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) : إِنَّه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تختم أَولا فِي يَمِينه ثمَّ تختم
فِي يسَاره، وَكَانَ ذَلِك آخر الْأَمريْنِ. وَقَالَ
بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف
الْقَصْد، فَإِن كَانَ الْقَصْد للتزين بِهِ فاليمين أفضل،
وَإِن كَانَ للتختم بِهِ فاليسار أفضل، انْتهى. قلت: إخفاء
هَذَا كَانَ أولى من ظُهُوره، وَمن أَيْن هَذَا
التَّفْصِيل وَالْحَال أَن التَّخَتُّم للزِّينَة مَكْرُوه
لَا يَلِيق للرِّجَال؟ بل تَركه أولى مُطلقًا إلاَّ لذِي
حكم، كَمَا ذَكرْنَاهُ. فَإِن قلت: إِذا تختم فِي غير
خِنْصره مَا يكون حكمه؟ قلت: يكره أَشد الْكَرَاهَة،
وَفِيه مُخَالفَة للسّنة. حكى صَاحب (الكافى) من
الشَّافِعِيَّة وَجْهَيْن فِي جَوَاز لبسه فِي غير
خِنْصره، وَذكر الرَّافِعِيّ أَن الْمَرْأَة قد تتختم فِي
غير الْخِنْصر. فَإِن قلت: إِذا كَانَ التَّخَتُّم بِغَيْر
الْفضة مَاذَا يكون حكمه؟ قلت: أما من الذَّهَب فَحَرَام
على الرِّجَال، وَأما من الْحَدِيد والرصاص والنحاس
وَنَحْوهَا فَكَذَلِك حرَام مُطلقًا، وَأما العقيق فَلَا
بَأْس بالتختم بِهِ، وروى أَصْحَابنَا أثرا فِيهِ، وَهُوَ
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم بالعقيق،
وَقَالَ: تختموا بِهِ فَإِنَّهُ مبارك. قلت: فِيهِ نظر،
وَلَكِن ابْن منجويه روى عَن إِبْرَاهِيم أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من تختم بالياقوت الْأَصْفَر لن
يفْتَقر، والزمرد يَنْفِي الْفقر) . وَقَالَ: من لَيْسَ
العقيق لم يقْض لَهُ إلاَّ بِالَّذِي هُوَ أسعد فَإِنَّهُ
مبارك، وَصَلَاة فِي خَاتم عقيق بِثَمَانِينَ صَلَاة.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَا أصل لذَلِك، وروى عَن
عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: من تختم بالعقيق وَنقش عَلَيْهِ:
وَمَا توفيقي إلاَّ بِاللَّه، وَفقه الله لكل خير وأحبه
الْملكَانِ الموكلان بِهِ، ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي
(الموضوعات) . |