عمدة القاري شرح صحيح البخاري

54 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْقُشُ عَلَى نَقْشِ خاتَمِهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره.

5877 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّخَذَ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رسُولُ الله، وَقَالَ: إنِّي اتَّخَذْتُ خَاتمًا مِن

(22/37)


ْ وَرِقٍ ونَقَشتُ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، فَلَا يَنْقُشَنَّ أحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى وَغَيره.
قَوْله: (ونقشت فِيهِ مُحَمَّد رَسُول الله) هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف، وَنقل ابْن التِّين عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد أَنه قيل: فِيهِ زِيَادَة: لَا إل هـ إلاَّ الله، وَقَالَ ابْن سِيرِين: كَانَ فِي خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: باسم الله مُحَمَّد رَسُول الله، وَقد ورد فِي حَدِيث غَرِيب أخرجه أَبُو الشَّيْخ عَن أنس أَنه كَانَ فص خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَبَشِيًّا مَكْتُوب عَلَيْهِ: لَا إل هـ إلاَّ الله مُحَمَّد رَسُول الله، سطر، وَمُحَمّد سطر وَرَسُول الله سطر، وَإِسْنَاده جيد وَلكنه شَاذ لمُخَالفَته الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي زِيَادَة الأولى من كلمتي الشَّهَادَة، وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز نقش بعض الْقُرْآن على الْخَاتم يَعْنِي بعض آيَة من الْقُرْآن، وَقد كره بَعضهم نقش الْآيَة بِتَمَامِهَا على الْخَاتم، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وروى عَن الْحسن جَوَازهَا. فَإِن قلت: نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينقش مثل نقشه خَاص بحياته أَو يعم ذَلِك حَيَاته وَبعدهَا؟ قلت: الظَّاهِر الأول وَيدل عَلَيْهِ لبس الْخُلَفَاء الْخَاتم بعده، ثمَّ جدد عُثْمَان خَاتمًا آخر بعد وُقُوع ذَلِك الْخَاتم فِي بِئْر أريس، وَنقش عَلَيْهِ ذَلِك النقش. فَإِن قلت: نقشه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا كَانَ بِرَأْيهِ أَو بِوَحْي إِلَيْهِ؟ قلت: روى ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يكْتب إِلَى الْعَجم، كتابا فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: وَأمر بِخَاتم يصاغ لَهُ من ورق فَجعله فِي إصبعه فأقره جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينقش عَلَيْهِ: مُحَمَّد رَسُول الله ... الحَدِيث. وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْأَفْرَاد) من حَدِيث سَلمَة بن وهرام عَن عِكْرِمَة عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: أَنا صنعت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا لم يشركني فِيهِ أحد نقش فِيهِ: مُحَمَّد رَسُول الله، وَقَالَ بَعضهم: يُسْتَفَاد مِنْهُ إسم الَّذِي صاغ خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونقشه، قلت: نعم يُسْتَفَاد أَنه صاغه، وَلَكِن لَا يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنه نقشه إِذْ لَو كَانَ هُوَ نقشه، لقَالَ: نقشت فِيهِ فَلَا يفهم مِنْهُ نفس الناقش أصلا وروى الطَّبَرِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: كَانَ فص خَاتم سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام، سماوياً فَألْقى إِلَيْهِ فَأَخذه فَوَضعه فِي خَاتمه وَكَانَ نقشه: أَنا الله لَا إِلَه إلاَّ أَنا، مُحَمَّد عَبدِي ورسولي.

55 - (بابٌ هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الخاتَمِ ثَلاثَةَ أسْطُرٍ)

أَي: هَذَا بَاب يُقَال فِيهِ: هَل يَجْعَل ... إِلَى آخِره، وَلم يذكر الْجَواب الَّذِي هُوَ الحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب، وَلَيْسَ كَون نقش الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر أَو سطرين أفضل من كَونه سطراً وَاحِدًا، وكل ذَلِك مُبَاح.

5878 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الأنْصارِيُّ قَالَ: حَدثنِي أبي عَنْ ثُمامَةَ عَن أنَسٍ أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ، لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ، وَكَانَ نَقْشُ الخاتَمِ ثَلاثَةَ أسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ ورَسُولٌ وَالله سَطْرٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه بَين الحكم الَّذِي لم يبين فِيهَا. وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن عبد الله بن أنس عَم عبد الله بن الْمثنى الرَّاوِي عَنهُ، كلهم بصريون أنصاريون أنسيون.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي اللبَاس أَيْضا عَن مُحَمَّد بن بشار وَغَيره.
قَوْله: (كتب لَهُ) أَي: لأنس أَرَادَ بِهِ مقادير الزكوات. قَوْله: (ثَلَاثَة أسطر) ، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَكُنَّا نبحث قَدِيما هَل الْجَلالَة فَوق وَالرَّسُول فِي الْوسط وَالْبَاقِي أَسْفَل وَبِالْعَكْسِ؟ وَقيل: إِن كِتَابَته كَانَت من أَسْفَل إِلَى فَوق حَتَّى إِن الْجَلالَة فِي أَعلَى الأسطر الثَّلَاثَة وَمُحَمّد فِي أَسْفَلهَا. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: مُحَمَّد سطر والسطر الثَّانِي رَسُول والسطر الثَّالِث الله، وَرَسُول بِالرَّفْع والتنوين على سَبِيل الْحِكَايَة، وَلَفظ الله بِالرَّفْع والجر.

5879 - وزادَ أحْمَدُ حدّثنا الأنْصارِيُّ قَالَ: حدّثني أبي عَنْ ثمامَةَ عَنْ أنَس قَالَ: كانَ خاتَمُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَدِهِ وَفِي يَدِ أبي بَكْر بَعْدَهُ، وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أبي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمانُ جَلَسَ عَلَى بِئْر أَريَس، قَالَ: فأخْرَجَ الخاتَمَ فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ، قَالَ: فاخْتَلَفْنا ثَلاثَةَ أيَّامٍ مَعَ عُثْمانَ فَنَنْزَحُ البِئْرَ فَلَمْ نَجِدْهُ.

(22/38)


وَفِي بعض النّسخ: قَالَ أَبُو عبد الله، وَزَادَنِي أَحْمد، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَأحمد هُوَ ابْن مُحَمَّد بن حَنْبَل الإِمَام، قَالَه الْحَافِظ الْمزي، وَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَقَالَ بَعضهم: هَذِه الزِّيَادَة مَوْصُولَة. قلت: ظَاهره التَّعْلِيق وَالْمرَاد بِالْأَنْصَارِيِّ هُوَ مُحَمَّد ابْن عبد الله. قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان) يَعْنِي فِي الْخلَافَة. قَوْله: (جلس على بِئْر أريس) وَكَانَ ذَلِك فِي السّنة السَّابِعَة من خِلَافَته وَكَانَ الْخَاتم فِي يَده سِتّ سِنِين. قَوْله: (فَجعل يعبث بِهِ) قَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي يحركه ويدخله ويخرجه، وَذَلِكَ صورته صُورَة الْعَبَث وإلاَّ فالشخص إِنَّمَا يعْمل ذَلِك عِنْد تفكره فِي الْأُمُور. قَوْله: (فَسقط) أَي: فِي الْبِئْر. قَوْله: (فاختلفنا ثَلَاثَة أَيَّام) أَي: فِي الصُّدُور والورود والمجيء والذهاب والتفتيش. قَوْله: (فننزح الْبِئْر) من نزحت الْبِئْر إِذا استفيت كلهَا، ويروى: يُنزح، بِدُونِ الْفَاء، ويروى: فنزح، بِالْفِعْلِ الْمَاضِي أَي: نزح عُثْمَان الْبِئْر أَي: بنزحها. قَوْله: (فَلم نجده) بنُون الْمُتَكَلّم، ويروى: فَلم يجده، بِالْيَاءِ عَلامَة الْمُضَارع للْوَاحِد أَي: لم يجده عُثْمَان، قيل: كَانَ فِي خَاتمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سر مِمَّا كَانَ فِي خَاتم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، لما فقد خَاتمه ذهب ملكه وَعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ، لما فقد خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتقض عَلَيْهِ الْأَمر وَخرج عَلَيْهِ الخارجون، وَكَانَ ذَلِك مبدأ الْفِتْنَة الَّتِي أفضت إِلَى قَتله واتصلت إِلَى آخر الزَّمَان.

56 - (بابُ الخاتَمِ لِلنِّساءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْخَاتم للنِّسَاء. وَقَالَ ابْن بطال: الْخَاتم للنِّسَاء من جملَة الْحلِيّ الَّذِي أُبِيح لَهُنَّ.
وَكَانَ عَلى عائِشَةَ خَواتِيمُ ذَهَبٍ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن سعد من طَرِيق عَمْرو بن أبي عَمْرو مولى الْمطلب، قَالَ: سَأَلت الْقَاسِم بن مُحَمَّد، فَقَالَ: لقد رَأَيْت وَالله عَائِشَة تلبس المعصفر وتلبس خَوَاتِيم الذَّهَب.

5880 - حدَّثنا أبُو عاصِمٍ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ أخبرنَا الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ طاوُوس عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله وزادَ ابنُ وَهْبٍ عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ: فأتَى النِّساءَ فأمَرَهُنَّ بالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الفَتَخَ والخَواتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالْخَوَاتِيم) . وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَالْحسن بن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث إِلَى قَوْله: (وَزَاد ابْن وهب) مضى فِي صَلَاة الْعِيد فِي: بَاب الْخطْبَة بعد الْعِيد، وَلَفظه: شهِدت الْعِيد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان، فكلهم كَانُوا يصلونَ قبل الْخطْبَة.
قَوْله: (فصلى قبل الْخطْبَة) وَسقط لفظ: فصلى، فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي وَهِي مُرَادة ثَابِتَة، وَإِنَّمَا قَالَ: قبل الْخطْبَة، لبَيَان أَن الصَّلَاة قبل الْخطْبَة لَا بعْدهَا، تَقْدِيره: شهِدت صَلَاة الْعِيد حَال كَونهَا قبل الْخطْبَة. قَوْله: (وَزَاد ابْن وهب) أَي: عبد الله بن وهب، يَعْنِي: زَاد ابْن وهب عَن ابْن جريج بِهَذَا السَّنَد، وَقد تقدم بِالزِّيَادَةِ مَوْصُولا فِي تَفْسِير سُورَة الممتحنة من رِوَايَة هَارُون بن مَعْرُوف عَن ابْن وهب. قَوْله: (الفتخ) بِفَتْح الْفَاء وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالخاء الْمُعْجَمَة جمع الفتخة بِالتَّحْرِيكِ، وَهِي الْحلقَة من الْفضة لَا فص فِيهَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي أَبْوَاب الْعِيدَيْنِ مُسْتَوفى.

57 - (بابُ القَلائدِ والسِّخابِ لِلنِّساءِ يَعْني قِلادَةً مِنْ طِيبٍ وسُكٍّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر القلائد والسخاب الكائنة للنِّسَاء، والقلائد جمع قلادة، والسخاب بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالخاء الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف مُوَحدَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: السخاب ينظم فِيهِ خرز وتلبسه الصّبيان والجواري، وَقيل: هُوَ قلادة تتَّخذ من قرنفل وَطيب وسك وَنَحْوه وَلَيْسَ فِيهَا من اللُّؤْلُؤ والجواهر شَيْء. قَوْله: يَعْنِي قلادة من طيب وسك، أَرَادَ بِهَذَا تَفْسِير السخاب يَعْنِي السخاب قلادة من طيب يَعْنِي تتَّخذ من طيب وسك بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف وَهُوَ طيب مَعْرُوف يُضَاف إِلَى غَيره من الطّيب وَيسْتَعْمل، وَفِي (التَّوْضِيح) : السك من طيب عَرَبِيّ فَيكون قَوْله على هَذَا: من طيب وسك، وَاحِدًا. قلت: على قَوْله هَذَا يلْزم عطف الشَّيْء على نَفسه إلاَّ إِذا قيل اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ جوز ذَلِك، وَالَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ الصَّحِيح، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ومسك، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين وَتَخْفِيف الْكَاف.

(22/39)


5881 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ عَديِّ بنِ ثابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عباسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: خرج النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ عَيدٍ فَصَلَّى رِكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ثُمَّ أتَى النِّساءَ فأمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ المرْأةُ تُصَدِّقُ بِخُرْصِها وسِخابِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وسخابها) . والْحَدِيث مضى فِي الْعِيدَيْنِ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأبي الْوَلِيد فرقهما، وَفِي الزَّكَاة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْعِيدَيْنِ.
قَوْله: (تصدق) أَصله: تَتَصَدَّق، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ. قَوْله: (بِخرْصِهَا) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة حَلقَة الذَّهَب وَالْفِضَّة تكون فِي الْأذن وَفِي (الصِّحَاح) أَنه بِالضَّمِّ وَالْكَسْر أَيْضا، وَفِي (البارع) هُوَ القرط يكون فِيهِ حَبَّة وَاحِدَة فِي حَلقَة وَاحِدَة، والخرص بِالْفَتْح الْكَذِب قَالَ تَعَالَى: { (6) إِن هم إلاَّ يخرصون} (الْأَنْعَام: 116) وَيُقَال: الْحِرْص، بِالْكَسْرِ إسم الشَّيْء الْمُقدر، وبالفتح إسم للْفِعْل، وَقيل: هما لُغَتَانِ فِي الشَّيْء المخروص.

58 - (بابُ اسْتِعارَةِ القلائِدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعَارَة القلائد.

5882 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا عَبْدَةُ حَدثنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأسْماءِ فَبَعَثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي طلبِها رِجالاً فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ولَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ ولَمْ يَجِدُوا مَاء فَصَلَّوْا وهُمْ عَلَى غَيْرِ وضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ للنبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّمِ.
زَادَ ابنُ نُمَيْر عَنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ: استَعارَتْ مِنْ أسْماءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (استعارت) أَي: القلادة من أَسمَاء وَهِي أُخْت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، من أَبِيهَا أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ.
وَعَبدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سُلَيْمَان.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب التَّيَمُّم فِي: بَاب إِذا لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا. قَوْله: (فَأنْزل الله آيَة التَّيَمُّم) . وَآيَة التَّيَمُّم فِي النِّسَاء وَفِي الْمَائِدَة.
قَوْله: (زَاد ابْن نمير) هُوَ عبد الله بن نمير يَعْنِي: زَاد بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور أَنَّهَا استعارت من أَسمَاء، وَلَفظه عَن عَائِشَة: أَنَّهَا استعارت من أَسمَاء قلادة فَهَلَكت، فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث.

59 - (بابُ القُرْطِ للنِّساءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان القرط الْكَائِن للنِّسَاء، وَهُوَ بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة وَهُوَ مَا يحلى بِهِ الْأذن من ذهب أَو فضَّة صرفا أَو مَعَ لُؤْلُؤ وَيَاقُوت وَنَحْوهمَا، ويعلق غَالِبا فِي شحمة الْأذن.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أمَرَهُنَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالصَّدَقَةِ فَرَأيْتُهُنَّ يُهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وحُلُوقِهِنَّ
هَذَا الْمُعَلق طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي الْعِيدَيْنِ فِي: بَاب الْعلم الَّذِي فِي الْمصلى. قَوْله: (أمرهن) أَي: النِّسَاء. قَوْله: (يهوين بِضَم الْيَاء من الإهواء وَهُوَ الْقَصْد وَالْإِشَارَة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْإِشَارَة إِلَى الآذان بِقصد التَّصَدُّق بالقرط، فلماذا أَشَارَ إِلَى الْحلق قلت: قد يكون لبَعض نسَاء الْعَرَب شَيْء كالقلادة فِي رقبتهن، أَو يُرَاد بهَا نفس القلادة الَّتِي فِي الصَّدْر الْمُجَاورَة للحلق.

5883 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهال حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبرنِي عَديٌّ قَالَ: سمِعْتُ سَعِيداً عَنِ ابنِ عَبّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى يَوْمَ الْعِيد رِكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهما ولاَ بَعْدَهما، ثُمَّ أتَى النِّساءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فأمَرَهُنَّ بالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأةُ تُلْقِي قَرْطَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تلقي قُرْطهَا) . وعدي هُوَ ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي الْعِيدَيْنِ فِي: بَاب موعظة الإِمَام النِّسَاء يَوْم الْعِيد عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر رَضِي الله عَنْهُم.
قَوْله: (تلقي)

(22/40)


من الْإِلْقَاء وَهُوَ الرَّمْي والطرح.

60 - (بابُ السِّخابِ لِلصّبْيانِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السخاب الْكَائِن للصبيان، وَقد مر تَفْسِير السخاب عَن قريب.

5884 - حدَّثني إسْحاقُ بن إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ أخبرنَا يَحْياى بنُ آدَمَ حَدثنَا ورْقاءُ بنُ عُمَرَ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي يَزِيدَ عَنْ نافِع بنِ جُبَيْرٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سُوقٍ مِنْ أسْوَاقِ المَدِينَةِ فانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ: أيْنَ لُكَعُ؟ ثَلاَثاً إدْعُ الحَسَنَ بنَ عَلِيّ فقامَ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخابُ، النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ هاكَذَا، فَقَالَ الحَسَنُ بِيَدِهِ هاكَذَا فالْتَزَمَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ فأحِبَّهُ وأحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ.
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بَعْدَما قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ. (انْظُر الحَدِيث 2122) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَفِي عُنُقه السخاب) . وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْكُوفِي، وورقاء. مؤنث الأوراق ابْن عمر الْخَوَارِزْمِيّ الْمَدَائِنِي، وَعبيد الله بتصغير العَبْد ابْن أبي يزِيد من الزِّيَادَة الْمَكِّيّ، وَنَافِع بن جُبَير بِضَم الْجِيم ابْن مطعم النَّوْفَلِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع فِي: بَاب مَا ذكر فِي الْأَسْوَاق.
قَوْله: (فِي سوق) هُوَ سوق بني قينقاع. قَوْله: (أَيْن لكع؟) بِضَم اللَّام وَفتح الْكَاف وبالعين الْمُهْملَة منصرفاً، وَهُوَ الصَّغِير يَعْنِي بِهِ الْحسن رَضِي الله عَنهُ، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ.

61 - (بابُ المُتَشَبِّهُونَ بالنِّساءِ والمُتَشَبِّهاتُ بالرِّجالِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ الرِّجَال المتشبهين بِالنسَاء وَبَيَان ذمّ النِّسَاء المتشبهات بِالرِّجَالِ، وَيدل على ذَلِك ذكر اللَّعْن فِي حَدِيث الْبَاب وتشبه الرِّجَال بِالنسَاء فِي اللبَاس والزينة الَّتِي تخْتَص بِالنسَاء مثل لبس المقانع والقلائد والمخانق والأسورة والخلاخل والقرط وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ للرِّجَال لبسه، وتشبه النِّسَاء بِالرِّجَالِ مثل لبس النِّعَال الرقَاق وَالْمَشْي بهَا فِي محافل الرِّجَال وَلبس الأردية والطيالسة والعمائم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ لَهُنَّ اسْتِعْمَاله، وَكَذَلِكَ لَا يحل للرِّجَال التَّشَبُّه بِهن فِي الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ مَخْصُوصَة بِهن كالانخناث فِي الْأَجْسَام والتأنيث فِي الْكَلَام وَالْمَشْي، وَأما من كَانَ ذَلِك فِي أصل خلقته فَإِنَّهُ يُؤمر بتكلف تَركه والإدمان على ذَلِك بالتدريج، فَإِن لم يفعل وَتَمَادَى دخله الذَّم وَلَا سِيمَا إِذا بدا مِنْهُ مَا يدل على الرِّضَا، وهيئة اللبَاس قد تخْتَلف باخْتلَاف عَادَة كل بلد فَرُبمَا قوم لَا يفْتَرق زِيّ نِسَائِهِم من رِجَالهمْ، لَكِن تمتاز النِّسَاء بالاحتجاب والاستتار، وصنفان من الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي هَذَا الْبَاب يستحقان من الذَّم والعقوبة أَشد مِمَّا اسْتحق هَؤُلَاءِ المذكورون: أما من الرِّجَال فَهُوَ الَّذِي يُؤْتِي من دبره، وَأما من النِّسَاء فَهِيَ الَّتِي تتعاطى السحق بغَيْرهَا من النِّسَاء، وَقيل: المُرَاد بالتشبه فِي الزي وَبَعض الصِّفَات والحركات لَا التَّشَبُّه فِي أُمُور الْخَيْر، عرف ذَلِك بالأدلة الْأُخْرَى.

5885 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةٌ عَنْ قَتادَةَ عَنْ عِكْرِمَة عَنِ ابنِ عباسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساء والمُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساء بالرِّجالِ. (
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر التَّصْرِيح باسمه.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس أَيْضا عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن أبي بكر بن خَلاد.
تابَعَهُ عَمْروٌ: أخبرنَا شُعْبَةُ
أَي: تَابع غندراً عَمْرو بن مَرْزُوق الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ فِي رِوَايَته عَن شُعْبَة، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة أَبُو نعيم فِي: (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق

(22/41)


يُوسُف القَاضِي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق.

62 - (بابُ إخْرَاجِ المُتَشَبِّهِينَ بالنِّساءِ مِنَ البُيُوت)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب إِخْرَاج الرِّجَال المتشبهين بِالنسَاء من الْبيُوت، وَفِي الرِّوَايَة للنسفي: بَاب إخراجهم، وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي تَمِيم.

5886 - حدَّثنا مُعاذُ بنُ فَضَالَةَ حدَّثنا هِشامٌ عَنْ يَحْياى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجالِ والمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّساءِ، وَقَالَ: أخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فأخْرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فُلاَناً وأخْرَجَ عُمَرُ فُلاَناً. (انْظُر الحَدِيث 5885 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومعاذ بِضَم الْمِيم وبالذال الْمُعْجَمَة ابْن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة أَبُو زيد الْبَصْرِيّ، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير ضد الْقَلِيل.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن الْحسن بن عَليّ الْخلال. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَغَيره.
قَوْله: (المخنثين) ، قَالَ الْكرْمَانِي: المخنثين، بِكَسْر النُّون هُوَ الْقيَاس وَبِفَتْحِهَا هُوَ الْمَشْهُور وَهُوَ مُشْتَقّ من الانخناث وَهُوَ التثني والتكسر، وَالِاسْم الخنث بِالضَّمِّ، قَالَ الْجَوْهَرِي: وَمِنْه سمي المخنث، وتخنث فِي كَلَامه، وَفِي (الْمغرب) : تركيب الخنث يدل على لين وتكسر، وَمِنْه المخنث وتخنث فِي كَلَامه أَي: تكلم بِكَلَام هُوَ الَّذِي يشبه النِّسَاء فِي أَقْوَاله وأفعاله وَتارَة يكون هَذَا خلقياً وَتارَة تكلفياً، وَهَذَا هُوَ المذموم الملعون لَا الأول. انْتهى. قلت: وَأما فِي هَذَا الزَّمَان فالمخنث هُوَ الَّذِي يُؤْتِي ويلاط بِهِ. قَوْله: (والمترجلات) أَي: المتكلفات فِي الرجولية المتشبهات بِالرِّجَالِ فِي حمل السَّيْف وَالرمْح وَمَا كَانَ فَوق ذَلِك فالسحق، قَالَه الدَّاودِيّ. قَوْله: (أخرجوهم) من الْإِخْرَاج وَإِنَّمَا أمرنَا بإخراجهم لِأَنَّهُ قد يُؤَدِّي فعلهم إِلَى مَا يَفْعَله شرار النِّسَاء من السحق وَهُوَ عَظِيم. قَوْله: (فَأخْرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلَانا) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع مثل حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِيه: وَأخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الأنجشة وَهُوَ العَبْد الْأسود الْأَسْقَع الَّذِي كَانَ يَحْدُو بِالنسَاء، كَذَا وَقع فلَانا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: فُلَانَة بالتأنيث. قَوْله: (وَأخرج عمر رَضِي الله عَنهُ) ، فلَانا لم يدر من هُوَ.

5887 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا زُهَيْرٌ حَدثنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ أنَّ عُرْوَةَ أخبَرَهُ أنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبي سَلَمَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أخْبَرَتْها أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كانَ عِنْدَها وَفِي البَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِ عَبْدِ الله أخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ الله إنْ فَتِحَ لَكُمْ غَداً الطَّائِفُ فإِنِّي أدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلاَنَ فإنَّها تُقْبِلُ بأرْبَعِ وتُدْبِرُ بِثَمانٍ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَدْخَلَنَّ هاؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ. (انْظُر الحَدِيث 4324 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لَا يدخلن هَؤُلَاءِ عليكن) ل أَن مَعْنَاهُ أخرجه من الْبَيْت وَمنعه بعد ذَلِك من الدُّخُول عَلَيْهِنَّ هُوَ وَغَيره من المخنثين.
وَزُهَيْر مصغر زهر ابْن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، وَزَيْنَب بنت أبي سَلمَة، وَأَبُو سَلمَة اسْمه عبد الله بن عبد الْأسد، وَزَيْنَب بنته ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أُخْت عمر بن أبي سَلمَة وأمهما أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة. والْحَدِيث مضى فِي أول: بَاب غَزْوَة الطَّائِف، فَإِنَّهُ أخرجه عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن زَيْنَب ... إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي أَوَاخِر كتاب النِّكَاح فِي: بَاب مَا ينْهَى من دُخُول المتشبهين بِالنسَاء عِنْد النَّاس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن عَبدة عَن هِشَام بن عُرْوَة ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (وَفِي الْبَيْت مخنث) ، واسْمه هيت بِكَسْر الْهَاء وَإِسْكَان الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: هنب، بالنُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة.

(22/42)


قَوْله: (ل عبد الله) هُوَ ابْن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة أَخُو أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ، وَأمه عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم، أسلم وَحسن إِسْلَامه وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتح مَكَّة مُسلما وَشهد حنيناً والطائف وَرمي يَوْم الطَّائِف بِسَهْم فَقتل وَمَات يومئذٍ، وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ المخنث الَّذِي قَالَ فِي بَيت أم سَلمَة: يَا عبد الله إِن فتح الله عَلَيْكُم الطَّائِف غَدا فَإِنِّي أدلك على بنت غيلَان ... الحَدِيث. قَوْله: (بنت غيلَان) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وإسمها بادية ضد الْحَاضِرَة وَقيل: بادنة من الْبدن. قَوْله: (تقبل بِأَرْبَع) أَي: بِأَرْبَع عُكَن جمع عكنة وَهِي الطي الَّذِي بالبطن من السّمن، أَي: ل هَا أَربع عُكَن تقبل بِهن من كل نَاحيَة اثْنَتَانِ وَلكُل وَاحِدَة طرفان، فَإِذا أَدْبَرت صَارَت الْأَطْرَاف ثَمَانِيَة، وَإِنَّمَا قَالَ: ثَمَان، مَعَ أَن مميزه هُوَ الْأَطْرَاف مُذَكّر لِأَنَّهُ إِذا لم يكن الْمُمَيز مَذْكُورا جَازَ فِي الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث. قَوْله: (لَا يدخلن هَؤُلَاءِ) قَالَ بَعضهم بِضَم أَوله وَتَشْديد النُّون. قلت: ل يس كَذَلِك، بل بِفَتْح الْيَاء وَالنُّون فِيهِ مُخَفّفَة، ويروى مثقلة: وَهَؤُلَاء، فَاعله. قَوْله: (عليكن) خطاب للنِّسَاء، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: عَلَيْكُم، بِصِيغَة جمع الْمُذكر فَإِن صحت فوجهه أَن يكون هُنَاكَ صبيان وصفان فَجمع جمع الْمُذكر بطرِيق التغليب.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: تُقْبِلُ بأرْبَعِ وتُدْبِرُ، يَعْنِي: أرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِها فَهْيَ تُقْبَلُ بِهِنَّ. وقَوْلَهُ: وتُدْبِرُ بِثَمان، يَعْنِي أطْرَافَ هاذِهِ العُكَنِ الأرْبَعِ لأنَّها مُحِيطَةٌ بالجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحَقَتْ، وإنَّما قَالَ: بِثَمان، وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ وَواحِدُ الأطْرَفٌ طَرَفٌ وَهْوَ ذَكَرٌ ل أنَّهُ لَمْ يَقُلْ: ثَمانِيَةَ أطْرافٍ.

(بَاب قصّ الشَّارِب)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سنية قصّ الشَّارِب، بل وُجُوبه، وَهَذَا الْبَاب وَمَا بعده ... إِلَى آخر كتاب اللبَاس أحد وَأَرْبَعُونَ بَابا ذكر مَا فِي كتاب اللبَاس. قيل: لَا تعلق لَهَا بِكِتَاب اللبَاس، وتعسف بَعضهم بِأَن لَهَا تعلقاً باللباس من جِهَة الِاشْتِرَاك فِي الزِّينَة. قلت: يُطلق اللبَاس لَيْسَ للزِّينَة على مَا لَا يخفى، وَمَعَ هَذَا فِيهِ أَبْوَاب بمعزل عَن الزِّينَة وَهِي: بَاب المتشبهين بِالنسَاء وَالْبَاب الَّذِي بعده، وَبَاب خَاتم الْحَدِيد، وَبَاب الْجُلُوس على الْحَصِير، وَبَاب مَا يدعى لمن لبس ثوبا جَدِيدا، وَبَاب اشْتِمَال الصماء، وَبَاب من لبس جُبَّة ضيقَة الكمين، وَالْبَاب الَّذِي بعده، وَلَكِن ذكرنَا لكل بَاب مِنْهَا مُنَاسبَة لحديثه، وَالْأَحْسَن الْأَوْجه أَن نذْكر مُنَاسبَة لكل من: بَاب قصّ الشَّارِب والأبواب الَّتِي بعده إِن ظفرنا بهَا، وَلَو كَانَت بِشَيْء يسير، وَالْبَاب الَّذِي لَا يُوجد لَهُ مُنَاسبَة مَا نسكت عَنهُ أما مُنَاسبَة ذكر: بَاب قصّ الشَّارِب، فِي كتاب اللبَاس فَيمكن أَن يُقَال: إِن فِي قصّ الشَّارِب زِينَة فَنَاسَبَ الْأَبْوَاب الَّتِي فِيهَا وجود الزِّينَة.
وكانَ ابنُ عُمَرَ يُحْفِي شارِبَهُ حَتَّى ينظَرَ إِلَى بَياضِ الجِلْدِ، ويأخُذُ هاذَيْنِ يَعْنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ واللِّحْيَةِ.

كَذَا وَقع بِلَفْظ ابْن عمر، وَيَعْنِي: عبد الله بن عمر، هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي وَعَلَيْهَا الْعُمْدَة، وَوَقع فِي رِوَايَة البَاقِينَ: وَكَانَ عمر، يَعْنِي: ابْن الْخطاب، وخطؤوا هَذِه الرِّوَايَة. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّحَاوِيّ من خمس طرق. الأول: عَن أبي دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس قَالَ: حَدثنَا عَاصِم بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يحفي شَاربه حَتَّى يرى بَيَاض الْجلد، وَفِي لفظ: يحفى شَاربه، كَأَنَّهُ ينتفه، وَفِي لفظ من حَدِيث عقبَة بن مُسلم قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أَشد إحفاءً لشاربه من ابْن عمر، كَانَ يحفيه حَتَّى إِن الْجلد ليرى قَوْله: (يحفي) من الإحفاء بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء، يُقَال: أحفى شعره إِذا استأصله حَتَّى يصير كالحلق وَلكَون إحفاء الشَّارِب أفضل من قصه عبر الطَّحَاوِيّ بقوله: بَاب حلق الشَّارِب. قَوْله: (وَيَأْخُذ هذَيْن) ويروى: وَيَأْخُذ من هذَيْن، يَعْنِي: بَين الشَّارِب واللحية، وَقَوله: (بَين) كَذَا هُوَ لجَمِيع الروَاة إلاَّ أَن عياضاً

(22/43)


ذكر أَن مُحَمَّد بن أبي صفرَة رَوَاهُ بِلَفْظ: من الَّتِي للتَّبْعِيض، وَالْأول هُوَ الْعُمْدَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: (هذَيْن) يَعْنِي طرفِي الشفتين اللَّذين هما بَين الشَّارِب واللحية وملتقاهما كَمَا هُوَ الْعَادة عِنْد قصّ الشَّارِب فِي أَن ينظف الزاويتان أَيْضا من الشّعْر، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بهما.

5888 - حدَّثنا المَكّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ نافعٍ قَالَ أصْحابُنا: عَنِ المَكِّيِّ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مِنَ الفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ. (انْظُر الحَدِيث 5889 طرفه فِي: 5890) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمكي بن إِبْرَاهِيم بن بشير الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مكي مَنْسُوب إِلَى مَكَّة، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ علم لَهُ فَإِنَّهُ ظن أَنه نِسْبَة، وحَنْظَلَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الظَّاء الْمُعْجَمَة وباللام ابْن أبي سُفْيَان، واسْمه الْأسود بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي الْقرشِي الْمَكِّيّ، وَنَافِع مولى ابْن عمر.
قَوْله: (قَالَ أَصْحَابنَا عَن الْمَكِّيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كَذَا وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : معنى قَوْله: (قَالَ أَصْحَابنَا: عَن الْمَكِّيّ) عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع أَنه رَوَاهُ عَنهُ عَن ابْن عمر مَوْقُوفا على نَافِع وَأَصْحَابه أَي: أَصْحَاب البُخَارِيّ، وصلوه عَنهُ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ البُخَارِيّ: روى أَصْحَابنَا مُنْقَطِعًا قَالُوا: حَدثنَا الْمَكِّيّ عَن ابْن عمر، بطرح الرَّاوِي الَّذِي بَينهمَا. انْتهى. قلت: الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر كَلَام البُخَارِيّ هُوَ مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَرِيب مِنْهُ مَا قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) : وَالْعجب من بَعضهم أَنه نقل كَلَام البُخَارِيّ، وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهر مَا أوردهُ البُخَارِيّ، ثمَّ نقل عَن بعض من عاصره أَنه قَالَ: يحْتَمل أَنه رَوَاهُ مرّة عَن شَيْخه مكي عَن نَافِع مُرْسلا، وَمرَّة عَن أَصْحَابه عَن مكي مَوْصُولا عَن ابْن عمر، وَيحْتَمل أَن بَعضهم نسب الرَّاوِي عَن ابْن عمر إِلَى أَنه الْمَكِّيّ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي جزم بِهِ الْكرْمَانِي، وَهُوَ مَرْدُود. قلت: الَّذِي قَالَه هُوَ الْمَرْدُود عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نسب الرجل إِلَى غير مَا قَالَه، يظْهر ذَلِك لمن يتأمله. قَوْله: (من الْفطْرَة) أَي: من السّنة (قصّ الشَّارِب) والقص من قصصت الشّعْر قطعته، وَمِنْه طير مقصوص الْجنَاح. وَفِي هَذَا الْبَاب خلاف.
فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: ذهب قوم من أهل الْمَدِينَة إِلَى أَن قصّ الشَّارِب هُوَ الْمُخْتَار على الاخفاء. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ سالما وَسَعِيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وجعفر بن الزبير وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وَأَبا بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث فَإِنَّهُم قَالُوا: الْمُسْتَحبّ هُوَ أَن يخْتَار قصّ الشَّارِب على إحفائه، وَإِلَيْهِ ذهب حميد بن هِلَال وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَهُوَ مَذْهَب مَالك أَيْضا، وَقَالَ عِيَاض: ذهب كثير من السّلف إِلَى منع الْحلق والاستئصال فِي الشَّارِب، وَهُوَ مَذْهَب مَالك أَيْضا، وَكَانَ يرى حلقه مثلَة وَيَأْمُر بأدب فَاعله، وَكَانَ يكره أَن يَأْخُذ من أَعْلَاهُ وَالْمُسْتَحب أَن يَأْخُذ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُو الإطار، وَهُوَ طرف الشّفة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ. وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: بل يسْتَحبّ إحفاء الشَّوَارِب ونراه أفضل من قصها. قلت: أَرَادَ بقوله: الْآخرُونَ، جُمْهُور السّلف مِنْهُم: أهل الْكُوفَة وَمَكْحُول وَمُحَمّد بن عجلَان وَنَافِع مولى ابْن عمر وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله، فَإِنَّهُم قَالُوا: الْمُسْتَحبّ إحفاء الشَّارِب وَهُوَ أفضل من قصها، وَرُوِيَ ذَلِك عَن فعل ابْن عمر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَرَافِع بن خديج وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَجَابِر بن عبد الله وَأبي أسيد وَعبد الله بن عمر، وَذكر ذَلِك كُله ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِم. فَإِن قلت: جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه قَالَ فِي الْخَوَارِج: سِيمَاهُمْ التسبيد، وَهُوَ حلق الشَّارِب من أَصله. قلت: قَالَ ابْن الْأَثِير: مَعْنَاهُ الْحلق واستئصال الشّعْر، وَلم يُقيد بالشارب وَهُوَ أَعم مِنْهُ وَمن غَيره، وَقَالَ أَيْضا: قيل: التسبيد هُوَ ترك التدهن وَغسل الرَّأْس. قلت: يدل على صِحَّته حَدِيث آخر وَهُوَ قَوْله: سبماهم التحليق، والتسبيد بعطف التسبيد على التحليق وَهُوَ غَيره، ومادة التسبيد السِّين وَالدَّال المهملتان بَينهمَا الْبَاء الْمُوَحدَة.

5889 - حدَّثنا عَلِيٌّ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدثنَا عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: الفِطْرَةُ خَمْسٌ: أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتانُ. والاسْتِحْدَادُ. ونَتْفُ الإبِطِ. وتَقْلِيمُ الأظفارِ. وقَصُّ الشَّارِبِ. (

(22/44)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وقص الشَّارِب) . وَعلي هُوَ ابْن عبد الله الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ: حَدثنَا عَن سعيد بن الْمسيب) هُوَ من تَقْدِيم الرَّاوِي على الصِّيغَة، وَهُوَ شَائِع ذائع. قَوْله: (رِوَايَة) ، كِنَايَة عَن قَول الرَّاوِي: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو نَحْوهَا. وَقَول الرَّاوِي رِوَايَة أَو: يرويهِ، ويبلغ بِهِ، وَنَحْو ذَلِك مَحْمُول على الرّفْع.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَعمر والناقد وَزُهَيْر بن حَرْب جَمِيعًا عَن سُفْيَان قَالَ أَبُو بكر: حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْفطْرَة خمس أَو خمس من الْفطْرَة إِلَى آخِره ... وَأخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد بن مسرهد قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْفطْرَة خمس أَو خمس من الْفطْرَة ... الحَدِيث. وَأخرجه النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْفطْرَة خمس: الْخِتَان ... إِلَى آخِره. وَأخرجه ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْفطْرَة خمس أَو خمس من الْفطْرَة: الْخِتَان ... الحَدِيث.
قَوْله: (الْفطْرَة خمس) أَي: خَمْسَة أَشْيَاء، وَأَرَادَ بالفطرة السّنة الْقَدِيمَة الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، واتفقت عَلَيْهَا الشَّرَائِع فَكَأَنَّهَا أَمر جلى فطروا عَلَيْهِ. قَوْله: (أَو خمس من الْفطْرَة) شكّ من الرَّاوِي، وَذكر الْخمس لَا يُنَافِي الزَّائِد، وَقد روى مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب، قَالُوا: حَدثنَا وَكِيع عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن مُصعب بن شيبَة عَن طلق بن حبيب عَن عبد الله بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عشر من الْفطْرَة: قصّ الشَّارِب. وإعفاء اللِّحْيَة. والسواك. واستنشاق المَاء. وقص الأظافر. وَغسل البراجم. ونتف الْإِبِط. وَحلق الْعَانَة. وانتقاص المَاء. قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصعب: ونسيت الْعَاشِرَة إلاَّ أَن تكون الْمَضْمَضَة، وَزَاد قُتَيْبَة: قَالَ وَكِيع: انتقاص المَاء يَعْنِي الِاسْتِنْجَاء بِهِ، وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة غير البُخَارِيّ. قلت: الانتقاص انتقاص الْبَوْل بِالْمَاءِ إِذا غسل المذاكير بِهِ، وَقيل: هُوَ الانتضاح بِالْمَاءِ، وَرُوِيَ بِالْفَاءِ، ومادة الانتقاص الْألف وَالنُّون وَالتَّاء وَالْقَاف وَالصَّاد الْمُهْملَة، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عمار بن يَاسر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من الْفطْرَة: الْمَضْمَضَة. وَالِاسْتِنْشَاق. والسواك. وقص الشَّارِب. وتقليم الأظافر. ونتف الْإِبِط. والاستحداد. وَغسل البراجم. والانتضاح. والختان. وَقَالَ البُخَارِيّ: هَذَا حَدِيث مُنْقَطع لِأَن فِي سَنَده سَلمَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر، يروي عَن جده وَهُوَ لم ير جده عماراً وَلَا يعرف لَهُ سَماع مِنْهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَلَفظه: الْفطْرَة عشرَة فَذكر قصّ الشَّارِب. قَوْله: (الْخِتَان) ، قيل: الْخِتَان فرض لِأَنَّهُ شعار الدّين كالكلمة وَبِه يتَمَيَّز الْمُسلم من الْكَافِر وَلَوْلَا أَنه فرض لم يجز كشف الْعَوْرَة لَهُ وَالنَّظَر إِلَيْهَا، وَالْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة سنة، فَمَا وَجه الْجمع بَينهمَا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع قرَان الْوَاجِب مَعَ غَيره كَقَوْلِه عز وَجل: { (6) كلوا من ثمره. . يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) قَوْله: (والاستحداد) هُوَ اسْتِعْمَال الْحَدِيد فِي حلق الْعَانَة. قَوْله: (ونتف الْإِبِط) بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة فَإِن حلقه فقد خَالف السّنة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الآباط، بِالْجمعِ. قَوْله: (وقص الشَّارِب) سَوَاء قصه بِنَفسِهِ أَو بيد غَيره لحُصُول الْمَقْصُود، بِخِلَاف الْإِبِط والعانة فَلَا يوليهما غَيره.

64 - (بابُ تَقْلِيمِ الأظْفارِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سنية تقليم الْأَظْفَار والتقليم تفعيل من الْقَلَم وَهُوَ الْقطع، وَوَقع فِي حَدِيث الْبَاب فِي رِوَايَة: وقص الْأَظْفَار، والأظفار جمع ظفر بِضَم الظَّاء وَالْفَاء وسكونها، وَحكي عَن أبي زيد كسر الظَّاء وَأنْكرهُ ابْن سَيّده، وَقد قيل: إِنَّه قِرَاءَة الْحسن وَعَن أبي السماك أَنه قرىء بِكَسْر أَوله وثانيه، وَيسْتَحب الِاسْتِقْصَاء فِي إِزَالَتهَا بِحَيْثُ لَا يحصل ضَرَر على الإصبع وَلم يثبت فِي تَرْتِيب الْأَصَابِع عِنْد القص شَيْء من الْأَحَادِيث، وَلَكِن ذكر النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) أَنه يسْتَحبّ الْبدَاءَة بمسبحة الْيُمْنَى ثمَّ بالوسطى ثمَّ بالبنصر ثمَّ الْخِنْصر ثمَّ الْإِبْهَام، وَفِي الْيُسْرَى الْبدَاءَة بخنصرها ثمَّ بالبنصر إِلَى الْإِبْهَام، وَيبدأ فِي الرجلَيْن يختصر الْيُمْنَى إِلَى الْإِبْهَام، وَفِي الْيُسْرَى بإبهامها إِلَى الْخِنْصر، وَلم يذكر للاستحباب مُسْتَندا. وَقَالَ فِي: (شرح الْمُهَذّب) بعد أَن نقل

(22/45)


ذَلِك عَن الْغَزالِيّ وَقَالَ: وَأما الحَدِيث الَّذِي ذكره الْغَزالِيّ فَلَا أصل لَهُ ثمَّ، اعْلَم أَن تقليم الْأَظْفَار لَا يتوقت وَالضَّابِط فِي ذَلِك الِاحْتِيَاج فَأَي وَقت يحْتَاج إِلَى تقليمه يقلمه، وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من مُرْسل أبي جَعْفَر الباقر، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَحبّ أَن يَأْخُذ من أَظْفَاره يَوْم الْجُمُعَة، وروى ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قلم أَظْفَاره يَوْم السبت خرج مِنْهُ الدَّاء وَدخل فِيهِ الشفاه، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْأَحَد خرجت مِنْهُ الْفَاقَة وَدخل فِيهِ الْغنى، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْإِثْنَيْنِ خرجت مِنْهُ الْعلَّة وَدخلت فِيهِ الصِّحَّة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الثُّلَاثَاء خرج مِنْهُ البرص وَدخل فِيهِ الْعَافِيَة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْأَرْبَعَاء خرج مِنْهُ الوسواس وَالْخَوْف وَدخل فِيهِ الْأَمْن وَالصِّحَّة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْخَمِيس خرج مِنْهُ الجذام وَدخل فِيهِ الْعَافِيَة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْجُمُعَة دخلت فِيهِ الرَّحْمَة وَخرجت مِنْهُ الذُّنُوب. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من أقبح الموضوعات وأبردها، وَفِي سَنَده مَجْهُولُونَ ومتروكون وضعفاء.

589 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبي رَجَاء: حَدثنَا إسْحاقُ بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَر رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مِنَ الفِطْرَةِ حَلْقُ العانَةِ وتَقْلِيمُ الأظْفَارِ وقَصُّ الشَّارِبِ. (انْظُر الحَدِيث 5888) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وتقليم الْأَظْفَار) . وَأحمد بن أبي رَجَاء بِالْجِيم وللمد واسْمه عبد الله بن أَيُّوب أَبُو الْوَلِيد الْحَنَفِيّ الْهَرَوِيّ مَاتَ بهراة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وقبره مَشْهُور يزار، وَإِسْحَاق بن سُلَيْمَان الرَّاوِي كُوفِي الأَصْل مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ، وحَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان وَقد مر عَن قريب. قَوْله: (من الْفطْرَة) وَنقل النَّوَوِيّ أَنه وَقع بِلَفْظ: من السّنة. قَوْله: (وقص الشَّارِب) وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَأخذ الشَّارِب.

5892 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حَدثنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ عَنْ نافعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خالِفُوا المُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللّحَى وأحْفُوا الشَّوَارِبَ.
وكانَ ابنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ أوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ على لِحْيَتِهِ، فَما فَضَلَ أخَذَهُ.

مَحل هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَلَا يُنَاسب ذكره هُنَا، وَمُحَمّد بن منهال بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون الْبَصْرِيّ الضَّرِير، وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن سهل بن عُثْمَان عَن يزِيد بن زُرَيْع.
قَوْله: (خالفوا الْمُشْركين) أَرَادَ بهم الْمَجُوس، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم: خالفوا الْمَجُوس لأَنهم كَانُوا يقصرون لحاهم، وَمِنْهُم من كَانَ يحلقها. وَقَوله: (وفروا) بتَشْديد الْفَاء، أَمر من التوفير وَهُوَ الْإِبْقَاء أَي: اتركوها موفرة، واللحى بِكَسْر اللَّام وَضمّهَا بِالْقصرِ وَالْمدّ جمع لحية بِالْكَسْرِ فَقَط وَهِي إسم لما نبت على الْخَدين والذقن، قَالَه بَعضهم. قلت: على الْخَدين لَيْسَ بِشَيْء، وَلَو قَالَ: على العارضين لَكَانَ صَوَابا. قَوْله: (واحفوا) أَمر من الإحفاء فِي القص، قد مر عَن قريب. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله: اعْفُوا اللحى؟ وَقد علمت أَن الإعفاء الْإِكْثَار وَأَن من النَّاس من إِذا ترك شعر لحيته اتبَاعا مِنْهُ لظَاهِر قَوْله: اعْفُوا اللحى، فيتفاحش طولا وعرضاً ويسمج حَتَّى يصير للنَّاس حَدِيثا ومثلاً، قيل: قد ثبتَتْ الْحجَّة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على خُصُوص هَذَا الْخَبَر وَأَن اللِّحْيَة مَحْظُور إعفاؤها، وواجب قصها على اخْتِلَاف من السّلف فِي قدر ذَلِك وَحده، فَقَالَ بَعضهم: حد ذَلِك أَن يُزَاد على قدر القبضة طولا، وَأَن ينتشر عرضا فيقبح ذَلِك، وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله

(22/46)


عَنهُ، أَنه رأى رجلا قد ترك لحيته حَتَّى كَبرت فَأخذ يجذيها ثمَّ قَالَ: ائْتُونِي بحلمتين ثمَّ أَمر رجلا فجزما تَحت يَده، ثمَّ قَالَ: إذهب فأسلح شعرك أَو أفْسدهُ، يتْرك أحدكُم نَفسه حَتَّى كَأَنَّهُ سبع من السبَاع، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يقبض على لحيته فَيَأْخُذ مَا فضل، وَعَن ابْن عمر مثله، وَقَالَ آخَرُونَ: يَأْخُذ من طولهَا وعرضها مَا لم يفحش، وَلم يَجدوا فِي ذَلِك حدا غير أَن معنى ذَلِك عِنْدِي مَا لم يخرج من عرف النَّاس، وَقَالَ عَطاء: لَا بَأْس أَن يَأْخُذ من لحيته الشَّيْء الْقَلِيل من طولهَا وعرضها إِذا كَبرت وعلت كَرَاهَة الشُّهْرَة، وَفِيه تَعْرِيض نَفسه لمن يسخر بِهِ، وَاسْتدلَّ بِحَدِيث عمر بن هَارُون عَن أُسَامَة بن زيد عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْخُذ من لحيته من عرضهَا وطولها، أخرجه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَسمعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول: عمر بن هَارُون مقارب الحَدِيث لَا أعرف لَهُ حَدِيثا لَيْسَ لَهُ أصل، أَو قَالَ: ينْفَرد بِهِ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، قَالَ: ورأيته حسن الرَّأْي فِي عمر بن هَارُون، وَسمعت قُتَيْبَة يَقُول: عمر بن هَارُون كَانَ صَاحب حَدِيث وَكَانَ يَقُول: الْإِيمَان قَول وَعمل.
قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر إِذا حج)
إِلَى آخِره مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور إِلَى نَافِع وَقد أخرجه مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع بِلَفْظ: كَانَ ابْن عمر إِذا حلق رَأسه فِي حج أَو عمْرَة أَخذ من لحيته وشاربه. قَوْله: (فَمَا فضل) بِفَتْح الْفَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، وَحكى كسر الصَّاد كعلم وَالْفَتْح أشهر، وَقَالَ الكهرماني: وَمَا فضل أَي: من قَبْضَة الْيَد قطعه تقصيراً وَلَعَلَّ ابْن عمر جمع بَين حلق الرَّأْس وتقصير اللِّحْيَة اتبَاعا لقَوْله تَعَالَى: { (84) مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ} (الْفَتْح: 27) هَذَا هُوَ الْمِقْدَار الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي، وَقد نقل عَنهُ بَعضهم مَا لم يقلهُ ثمَّ طول الْكَلَام بِمَا لَا يسْتَحق سَمَاعه، فَذَلِك تركته، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يَسْتَثْنِي من الْأَمر بإعفاء اللحى مَا لَو نَبتَت للْمَرْأَة لحية فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهَا حلقها، وَكَذَا لَو نبت لَهَا شَارِب أَو عنفقة.

65 - (بابُ إعْفاءِ اللِّحَى)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان إعفاء اللحى، قَالَ بَعضهم: اسْتَعْملهُ من الرباعي وَهُوَ بِمَعْنى التّرْك. قلت: لَا يُسمى هَذَا رباعياً فِي الِاصْطِلَاح، وَإِنَّمَا يُسمى مزِيد الثلاثي.
عَفَوْا: كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أمْوالهُمْ
لَيْسَ هَذَا بموجود فِي بعض النّسخ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: { (7) حَتَّى عفوا وَقَالُوا قد مس آبَاءَنَا الضراء والسراء} (الْأَعْرَاف: 95) وَفسّر قَوْله: (عفوا) بِمَعْنى: كَثُرُوا وَكَثُرت أَمْوَالهم، وَذكر فِي التَّرْجَمَة: الإعفاء وَهُوَ من الْمَزِيد كَمَا قُلْنَا ثمَّ ذكر: عفوا، وَهُوَ من الثلاثي الْمُجَرّد فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هَذِه الْمَادَّة فِي الحَدِيث جَاءَت لمعنيين فعلى الأول: تكون همزَة: إعفوا، همزَة قطع وعَلى الثَّانِي: همزَة وصل، وَقَالَ ابْن التِّين: وبهمزة قطع أَكثر.

5893 - حدَّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عَبْدَةُ أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وأعْفَوا اللِّحَى. (انْظُر الحَدِيث 5892) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَاعْفُوا اللحى) وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَلَفظه: اُحْفُوا الشَّوَارِب واعفو مَأْمُورا بِهِ، فَلم أَخذ ابْن عمر من لحيته وَهُوَ رَاوِي الحَدِيث؟ وَأجِيب بِأَنَّهُ لَعَلَّه خصص بِالْحَجِّ أَو أَن الْمنْهِي هُوَ قصها كَفعل الْأَعَاجِم.

66 - (بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا الَّذِي يذكر فِي أَمر السيب: هَل يتْرك على حَاله أَو يخضب، والشيب بَيَاض الرَّأْس عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الشيب والمشيب وَاحِد، والأشيب المبيض الرَّأْس، وَقد شَاب رَأسه شيباً وَشَيْبَة وَهُوَ أشيب على غير قِيَاس، وَيجمع على: شيب، بِكَسْر الشين. فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الْبَاب هَهُنَا؟ قلت: لأجل الْمُنَاسبَة بَينه وَبَين الْبَاب الَّذِي قبله، وَوجه ذكر الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة الَّتِي قبله هُنَا هُوَ مَا فِيهَا من نوع الزِّينَة فَتدخل فِي كتاب اللبَاس.

5894 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حَدثنَا وُهَيْبَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سيرينَ قَالَ: سألْت أنَسا

(22/47)


ً: أخضَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ إِلَّا قَلِيلاً. (انْظُر الحَدِيث 3550 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَمعلى بِضَم الْمِيم إسم مفعول من التعلية ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَغَيره.
قَوْله: أخضب؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (لم يبلغ الشيب) أَي: لم يبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الشيب وَفِي رِوَايَة مُسلم بِإِسْنَاد البُخَارِيّ، فَقَالَ لَهُ: لم يرَ من الشيب إلاَّ قَلِيلا. وَاخْتلف فِي الْقَلِيل، فَقيل: كَانَ تسع عشرَة شَعْرَة بَيْضَاء، وَقيل: عشرُون، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم فِي: (كتاب الشيب) عَن أنس: خمس عشرَة، وَعند ابْن سعد: سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة، وَفِي حَدِيث الْهَيْثَم بن دهر: ثَلَاثُونَ شَعْرَة عددا وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا كَانَ فِي رَأسه ولحيته من الشيب إلاَّ شَعرَات فِي مفرق رَأسه إِذا ادهن، وأراهن الدّهن وكل اتّفق على أَنه قد كَانَ شيب، وَقَالَ أَبُو بكر وَأَبُو جُحَيْفَة: تراك يَا رَسُول الله قد شبت؟ قَالَ: وَمَالِي لَا أشيب؟ وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَة: أَكْثَرهَا فِي عنفقته، زَاد غَيره: وصدغيه، والعنفقة الشّعْر الَّذِي بَين الشّفة والذقن، وَقَالَ القَاضِي: اخْتلف فِي خضابه فَمَنعه الْأَكْثَرُونَ مِنْهُم أنس، وأثبته بَعضهم لحَدِيث أم سَلمَة وَابْن عمر: أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بالصفرة، وَجمع بَينهمَا بِأَن ذَلِك كَانَ طيبا فَظَنهُ من رَآهُ صبغاً

5895 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ ثابِت قَالَ: سُئِلَ أنَسٌ عَنْ خِضاب النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ لَوْ شِئْتُ أنْ أعُدَّ شمَطاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ. (انْظُر الحَدِيث 3550 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وثابت هُوَ الْبنانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبلغ مَا يخضب، وَكلمَة: مَا مَصْدَرِيَّة أَي: لم يبلغ الخضاب، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسلم عَن ابْن سِيرِين، قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك، هَل كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خضب؟ فَقَالَ: لم يبلغ الخضاب كَانَ فِي لحيته شَعرَات بيض. قَوْله: (لَو شِئْت) جَوَاب: لَو، مَحْذُوف تَقْدِيره: لَو شِئْت أَن أعد شمطاته لعددتها وَذَلِكَ لقلتهَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم أَنه لم يكن رأى من الشيب إلاَّ قَلِيلا. قَوْله: (شمطاته) بالحركات الثَّلَاث، قَالَ فِي (الْمطَالع) : شمطاته أَي: شَيْبه، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا يصحح قَول الْأَصْمَعِي: إِذا رأى الرجل الْبيَاض فِي رَأسه فَهُوَ أشمط، وَفِي (الْمغرب) الشمط بَيَاض شعر الرَّأْس يخالط سوَاده، وَعَن اللَّيْث الشمط فِي الرجل شيب اللِّحْيَة، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُنَاسب حَدِيث الْبَاب وَالْجمع بَين إِثْبَات الشيب ونفيه أَنه كَانَ قَلِيلا فَمن أثْبته اعْتَبرهُ، وَمن نَفَاهُ لم يعتبره بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّة الشّعْر.

5896 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عثْمانَ بنِ عَبْدِ الله بنِ مَوْهَبٍ قَالَ: أرْسَلَنِي أهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَدَحٍ مِنْ ماءٍ، وقَبَضَ إسْرَائِيلُ ثَلاَثَ أصابِعَ مِنْ فِضّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانَ إذَا أصابَ الإنسانَ عَيْنٌ أوْ شَيْءٌ بَعَثَ إلَيْها مِخْضَبَهُ فاطَّلَعْتُ فِي الجُلْجُلِ فَرَأيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْراً.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله (شَعرَات حمر) لِأَنَّهُ يدل على الشيب. وَمَالك بن إِسْمَاعِيل هُوَ ابْن غَسَّان النَّهْدِيّ، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَعُثْمَان بن عبد الله بن موهب بِفَتْح الْمِيم وَالْهَاء الْأَعْرَج التَّيْمِيّ مولى آل طَلْحَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر سبق فِي الْحَج، وَأم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِنْد بنت أبي أُميَّة.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (أَهلِي) يحْتَمل أَن يكون امْرَأَته. قَوْله: (وَقبض إِسْرَائِيل ثَلَاث أَصَابِع) إِسْرَائِيل هُوَ الرَّاوِي الْمَذْكُور، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشَارَة إِلَى صغر الْقدح، قَالَ: وَزعم الْكرْمَانِي أَنه عبارَة عَن عدد إرْسَال عُثْمَان إِلَى أم سَلمَة وَهُوَ بعيد انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل هُوَ الْبعيد، لِأَن الْقدح قدر ثَلَاث أَصَابِع صَغِير جدا، فَمَاذَا يسع فِيهِ من المَاء حَتَّى يُرْسل بِهِ؟ وَالتَّصَرُّف بالأصابع غَالِبا يكون فِي الْعدَد. قَوْله: (من فضَّة) بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد

(22/48)


الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهِي صفة لقدح. قَوْله: (فِيهِ) بتذكير الضَّمِير رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فِيهَا، بالتأنيث، وَوَجهه أَن الْقدح إِذا كَانَ فِيهِ مَائِع يُسمى كاساً، والكأس مؤنث، هَكَذَا قيل وَفِيه تَأمل. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْقدح من الْفضة حرَام على الرِّجَال وَالنِّسَاء؟ قلت: أَي مموه بِالْفِضَّةِ. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا يَنْبَنِي على أَن أم سَلمَة كَانَت لَا تجيز اسْتِعْمَال آنِية الْفضة فِي غير الْأكل وَالشرب، وَمن أَيْن لَهُ ذَلِك؟ وَقد أجَاز جمَاعَة من الْعلمَاء اسْتِعْمَال الْإِنَاء الصَّغِير من الْفضة فِي غير الْأكل. انْتهى. قلت: قُوَّة دين أم سَلمَة وَشدَّة تورعها يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تجيز اسْتِعْمَال الْآنِية من الْفضة مُطلقًا، فَكيف يَقُول: وَمن أَيْن لَهُ ذَلِك؟ أَنَّهَا تجيز اسْتِعْمَال الْإِنَاء من الْفضة؟ وَله أَن يَقُول لَهُ: وَمن أَيْن لَك أَنَّهَا لَا تجيز اسْتِعْمَال الْإِنَاء من الْفضة الْخَالِصَة فِي غير الْأكل؟ وَأما المموه فَحكم الْفضة فِيهِ حكم الْعَدَم إِلَّا إِذا كَانَ يخلص شَيْء من ذَلِك بعد الإذابة. وَقَوله: وَقد أجَاز جمَاعَة ... إِلَى آخِره، لَا يسْتَلْزم تَجْوِيز أم سَلمَة مَا أجَازه هَؤُلَاءِ، وَمن هم هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة المبهمة حَتَّى يكون سنداً لدعواه؟ وَقَالَت الشُّرَّاح: اخْتلف فِي ضبط: فضَّة، هَل هُوَ بفاء مَكْسُورَة وضاد مُعْجمَة أَو بقاف مَضْمُومَة وصاد مُهْملَة؟ وَقَالَ بَعضهم: فَإِن كَانَ بِالْقَافِ والمهملة فَهُوَ من صفة الشّعْر على مَا فِي التَّرْكِيب من قلق، وَلِهَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: عَلَيْك بتوجيهه، وَيظْهر أَن: من، سبية أَي: أَرْسلنِي بقدح من مَاء بِسَبَب قصَّة فِيهَا شعر، انْتهى. قلت: أما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ اعْترف بعجزه على حل هَذَا، وَأما هَذَا الْقَائِل فَإِنَّهُ اعْترف أَن فِي هَذَا التَّرْكِيب قلق ثمَّ فسره بِمَا هُوَ أقلق من ذَاك وَأبْعد من المُرَاد مثل بعد الثرى من الثريا، لِأَن قَوْله: من سبية، غير صَحِيح بل هِيَ بَيَانِيَّة تبين جنس الْقدح الَّذِي أرْسلهُ أهل عُثْمَان بن عبد الله إِلَى أم سَلمَة وَفِيه شعر من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَيَان ذَلِك على التَّحْرِير أَن أم سَلمَة كَانَ عِنْدهَا شَعرَات من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حمر فِي شَيْء مثل الجلجل، وَكَانَ النَّاس عِنْد مرضهم يتبركون بهَا ويستشفون من بركتها وَيَأْخُذُونَ من شعره ويجعلونه فِي قدح من المَاء فيشربون المَاء الَّذِي فِيهِ الشّعْر فَيحصل لَهُم الشِّفَاء، وَكَانَ أهل عُثْمَان أخذُوا مِنْهَا شَيْئا وجعلوه فِي قدح من فضَّة فَشَرِبُوا المَاء الَّذِي فِيهِ فَحصل لَهُم الشِّفَاء، ثمَّ أرْسلُوا عُثْمَان بذلك الْقدح إِلَى أم سَلمَة فَأَخَذته أم سَلمَة وَوَضَعته فِي الجلجل، فَاطلع عُثْمَان فِي الجلجل فَرَأى فِيهِ شَعرَات حمراً. قَوْله: (وَكَانَ إِذا أصَاب الْإِنْسَان)
إِلَى آخِره، كَلَام عُثْمَان بن عبد الله بن موهب أَي: كَانَ أَهلِي، كَذَا فسره الكراني، وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَ، أَي: النَّاس إِذا أصَاب الْإِنْسَان أَي: مِنْهُم، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أصوب يبين بِهِ أَن الْإِنْسَان إِذا أَصَابَهُ عين أَو شَيْء من الْأَمْرَاض بعث أَهله إِلَيْهَا أَي: إِلَى أم سَلمَة مخضبة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة، وَهِي الإجانة وَيجْعَل فِيهَا مَاء وَشَيْء من الشّعْر الْمُبَارك وَيجْلس فِيهَا فَيحصل لَهُ الشِّفَاء، ثمَّ يرد الشّعْر إِلَى الجلجل، وَهُوَ بِضَم الجيمين وَاحِد الجلاجل شَيْء يتَّخذ من الْفضة أَو الصفر أَو النّحاس، وَقيل: يرْوى الجحل بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، وَفسّر بالسقاء الضخم، الظَّاهِر أَنه تَصْحِيف، وَأما الْقِصَّة بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة الَّتِي أشكلت على الشُّرَّاح.

5897 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا سَلاَّمٌ عَنْ عُثْمانَ بنِ عبدِ الله بن مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فأخْرَجَتْ إلَيْنا شَعَراً مِنْ شَعَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْضُوباً.

5898 - وَقَالَ لَنا أبُو نُعَيْم: حَدثنَا نُصَيْرُ ابنُ أبي الأشْعَثِ عَنِ ابنِ مَوْهَبٍ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أرَتْهُ شَعَرَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْمَرَ. (انْظُر الحَدِيث 5896 وطرفه) .

هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث عُثْمَان بن عبد الله الْمَذْكُور أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي عَن سَلام بتَشْديد اللَّام ابْن أبي مُطِيع نَص عَلَيْهِ الْمزي وَابْن السكن، وَقَالَ الكلاباذي: سَلام بن مِسْكين النمري بالنُّون الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَالْأول هُوَ الأصوب، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه أَيْضا: سَلام بن أبي مُطِيع الْخُزَاعِيّ، يكنى أَبَا سعيد الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (مخضوباً) صفة الشّعْر، وَفِي رِوَايَة يُونُس: مخضوباً بِالْحِنَّاءِ والكتم.
قَوْله: (وَقَالَ لنا أَبُو نعيم) كَذَا هُوَ بالوصل عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَالَ أَبُو نعيم، وَهُوَ الْفضل بن دُكَيْن يروي عَن نصير بِضَم النُّون

(22/49)


وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة مصغر نصر بن أبي الْأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة القرادي بِضَم الْقَاف وبالراء وبالدال الْمُهْملَة، وَلَيْسَ لنصير فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْوَضع، وَابْن موهب هُوَ عُثْمَان بن عبد الله بن موهب.
قَوْله: (أرته) من الإراءة.

67 - (بابُ الخِضابِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَغْيِير لون الشيب فِي الرَّأْس واللحية بالخضاب، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الخضاب مَا يختضب بِهِ، وَقد خضبت الشَّيْء أخضبه خضباً واختضبت بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوه، وكف خضيب وَوجه ذكر هَذَا الْبَاب هُنَا لِأَن فِيهِ نوع زِينَة.

5899 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا الزُّهْرِيُّ عنْ أبي سَلَمَةَ وسُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ اليَهُودَ والنَّصارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخالِفُوهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 3462) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فخالفونهم) لِأَن مخالفتهم بالخضاب. والحمدي قد تكَرر ذكره، وَهُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى حميد أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسليمَان بن يسَار ضد الْيَمين.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (فخالفوهم) يَعْنِي بالصبغ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فخالفوا عَلَيْهِم، واصبغوا. قيل: ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُوَافق أهل الْكتاب مَا لم ينزل عَلَيْهِ شَيْء بِخِلَافِهِ، وَلِهَذَا قيل: شرع من قبلنَا يلْزمنَا مَا لم يقْض الله بالإنكار.
وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام ائتلافاً لَهُم وَمُخَالفَة لعبدة الْأَوْثَان، فَلَمَّا أغْنى الله عَن ذَلِك وَأظْهر الْإِسْلَام على الدّين كُله أحب الْمُخَالفَة، وَقَالَ ابْن أبي عَاصِم: قَوْله: (فخالفوهم) إِبَاحَة مِنْهُ أَن يُغير الشيب بِكُل مَا شَاءَ المغير لَهُ، إِذْ لم يتَضَمَّن قَوْله: (فخالفوهم) أَن اصبغوا بِكَذَا وَكَذَا دون كَذَا وَكَذَا، وَرُوِيَ من حَدِيث الْأَجْلَح عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أبي الْأسود الدؤَلِي عَن أبي ذَر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أحسن مَا غيرتم بِهِ الشيب الْحِنَّاء والكتم، وَفِي رِوَايَة: إِنَّه أفضل، وَعَن ابْن عَبَّاس وَأنس وَعبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه مثله، وَمن حَدِيث الضَّحَّاك ابْن حَمْزَة عَن غيلَان بن جَامع وإياد بن لَقِيط عَن أبي رمثة قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَله شعر مخضوب بِالْحِنَّاءِ والكتم، وروى أَحْمد بِسَنَد حسن عَن أبي أُمَامَة قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على مشيخة من الْأَنْصَار بيض لحاهم، فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الْكتاب، وروى ابْن أبي عَاصِم من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غيروا الشيب وَلَا تشبهوا باليهود، وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: اخضبوا فَإِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يخضبون.
وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب على نَوْعَيْنِ.
الأول: فِي تَغْيِير الشيب، وَاخْتلفُوا فِيهِ، فروى شُعْبَة عَن الركين بن الرّبيع قَالَ: سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد يحدث عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يكره تَغْيِير الشيب، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من شَاب شيبَة فِي الْإِسْلَام كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة إلاَّ أَن ينتفها أَو يخضبها، وَعَن ابْن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره خِصَالًا، فَذكر مِنْهَا: تَغْيِير الشيب، وَقد غير جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الشيب، فَروِيَ عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: كَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ، يخرج إِلَيْنَا وَكَانَ لحيته ضرام العرفج من الْحِنَّاء والكتم، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: اختضب أَبُو بكر بِالْحِنَّاءِ والكتم، واختضب عمر رَضِي الله عَنهُ، بِالْحِنَّاءِ بحتاً بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، أَي: صرفا خَالِصا، وَكَانَ الشّعبِيّ وَابْن أبي مليكَة يختضبان بِهِ، وَمِمَّنْ كَانَ يصْبغ بالصفرة عَليّ وَابْن عمر والمغيرة وَجَرِير البَجلِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَطَاء وَأَبُو وَائِل وَالْحسن وطاووس وَسَعِيد بن الْمسيب، وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَاب عندنَا أَن الْآثَار الَّتِي رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بتغييره وَالنَّهْي عَنهُ صِحَاح، وَلَكِن بَعْضهَا عَام وَبَعضهَا خَاص، فَقَوله: خالفوا الْيَهُود وغيروا الشيب، المُرَاد مِنْهُ الْخُصُوص أَي: غيروا الشيب الَّذِي هُوَ نَظِير شيبَة أبي قُحَافَة، وَأما من كَانَ أشمط فَهُوَ الَّذِي أمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن لَا يُغَيِّرهُ. وَقَالَ:

(22/50)


من شَاب شيبَة ... الحَدِيث، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَول متضاد وَلَا نسخ فَتعين الْجمع، فَمن غَيره من الصَّحَابَة فَمَحْمُول على الأول، وَمن لم يُغَيِّرهُ فعلى الثَّانِي، مَعَ أَن تَغْيِيره ندب لَا فرض، أَو كَانَ النَّهْي نهي كَرَاهَة لَا تَحْرِيم لإِجْمَاع سلف الْأمة وَخَلفهَا على ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْأَمر فِيمَا أَمر بِهِ على وَجه النّدب، والطَّحَاوِي، رَحمَه الله مَال إِلَى النّسخ بِحَدِيث الْبَاب، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَإِنَّمَا نهى عَن النتف دون الخضب لِأَن فِيهِ تَغْيِير الْخلقَة من أَصْلهَا، بِخِلَاف الخضب فَإِنَّهُ لَا يُغير الْخلقَة على النَّاظر، وَنقل عَن أَحْمد أَنه يجب، وَعنهُ يجب وَلَو مرّة، وَعنهُ: لَا أحب لأحد أَن يتْرك الخضب ويتشبه بِأَهْل الْكتاب.
النَّوْع الثَّانِي: فِيمَا يصْبغ بِهِ. وَاخْتلف فِيهِ، فالجمهور على أَن الخضاب بالحمرة والصفرة دون السوَاد، لما رُوِيَ فِيهِ من الْأَخْبَار الْمُشْتَملَة على الْوَعيد، فروى عبد الْكَرِيم عَن ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، يرفعهُ يكون فِي آخر الزَّمَان قوم يخضبون بِالسَّوَادِ لَا يَجدونَ ريح الْجنَّة، وروى الْمثنى بن الصَّباح عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من خضب بِالسَّوَادِ لم ينظر الله إِلَيْهِ، وروى الطَّبَرَانِيّ عَن جُنَادَة عَن أبي الدَّرْدَاء يرفعهُ: من خضب بِالسَّوَادِ سوّد الله وَجهه يَوْم الْقِيَامَة، وروى عَن أنس يرفعهُ: غيروا وَلَا تغيرُوا بِالسَّوَادِ، وَذكر ابْن أبي العاصم بأسانيد: إِن حسنا وَحسَيْنا رَضِي الله عَنْهُمَا، كَانَا يختضبان بِهِ، أَي: بِالسَّوَادِ، وَكَذَلِكَ ابْن شهَاب، وَقَالَ: أحبه إِلَيْنَا أحلكه، وَكَذَلِكَ شُرَحْبِيل بن السمط، وَقَالَ عَنْبَسَة بن سعيد: إِنَّمَا شعرك بِمَنْزِلَة ثَوْبك فاصبغه بِأَيّ لون شِئْت، وأحبه إِلَيْنَا أحلكه. وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن أبي عبد الله يخضب بِالسَّوَادِ، وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، أَنه كَانَ يَأْمر بالخضاب بِالسَّوَادِ، وَيَقُول: هُوَ تسكين للزَّوْجَة وأهيب لِلْعَدو، وَعَن ابْن أبي مليكَة: أَن عُثْمَان كَانَ يخضب بِهِ، وَعَن عقبَة بن عَامر وَالْحسن وَالْحُسَيْن أَنهم كَانُوا يختضبون، وَمن التَّابِعين: عَليّ ابْن عبد الله بن عَبَّاس وَعُرْوَة بن الزبير وَابْن سِيرِين وَأَبُو بردة، وروى ابْن وهب عَن مَالك قَالَ: لم أسمع فِي صبغ الشّعْر بِالسَّوَادِ نهيا مَعْلُوما، وَغَيره أحب إليّ، وَعَن أَحْمد فِيهَا رِوَايَتَانِ، وَعَن الشَّافِعِيَّة أَيْضا رِوَايَتَانِ، وَالْمَشْهُور يكره، وَقيل: يحرم ويتأكد الْمَنْع لمن دلّس بِهِ، وَذكر الْكَلْبِيّ أَن أول من صبغ بِالسَّوَادِ عبد الْمطلب بن هَاشم، قلت: هَذَا من الْعَرَب، وَأما أول من صبغ لحيته بِالسَّوَادِ ففرعون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَله حِكَايَة ذَكرنَاهَا فِي (تاريخنا) .

68 - (بابُ: الجَعْدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ صفة للشعر وَهُوَ خلاف السبط، وَجه دُخُول هَذَا الْبَاب فِي كتاب اللبَاس من حَيْثُ إِنَّه تَابع للباب السَّابِق، وَقد مر بَيَان وَجه دُخُوله، فالتابع المطابق للشَّيْء ماطبق لذَلِك الشَّيْء.

5900 - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكُ بنُ أنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بنِ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ أنَسَ بن مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ وَلَا بالقَصِيرِ ولَيْسَ بالأبْيَض الأمْهَقِ، ولَيْسَ بالآدَمِ ولاَ بالجَعْدِ القَطِطِ ولاَ بالسَّبْطِ، بَعَثَهُ الله عَلَى رَأْسِ أرْبَعِينَ سَنَةً، فأقامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وبالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنينَ وتَوَفَّاهُ الله عَلَى رأْسِ سَتِّين سَنَةً وَلَيْسَ فِي رأسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضاءَ. (انْظُر الحَدِيث 3547 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا بالجعد) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث قد مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ابْن بكير عَن اللَّيْث عَن خَالِد عَن سعيد عَن ربيعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
(والبائن) المفرط المتجاوز حَده، والأمهق: هُوَ الَّذِي يضْرب بياضه إِلَى الزرقة، وَقيل: هُوَ الكريه الْبيَاض كلون الجص، يَعْنِي: كَانَ نير الْبيَاض، والجعد: هُوَ المنقبض الشّعْر كَهَيئَةِ الْحَبَش والزنج والقطط: شَدِيد الجعودة، والسبط بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا وسكونها: الَّذِي يسترسل شعره وَلَا ينكسر فِيهِ شَيْء لغلظه كشعر الهنود، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت عَن قريب.

5901 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أبي إسْحاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَراءَ يَقُولُ:

(22/51)


مَا رأيْتُ أحَداً أحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ بَعْضُ أصْحابي عنْ مالِكٍ: إنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيباً مِنْ مَنْكِبَيْهِ، قَالَ أبُو إسْحاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إلاَّ ضَحِكَ. (انْظُر الحَدِيث 3551 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (إِن جمته لتضرب قَرِيبا من مَنْكِبَيْه) لِأَن الجمة شعر فَيتَنَاوَل الْجَعْد والسبط.
وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن عَليّ بن خشرم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار.
قَوْله: (قَالَ بعض أَصْحَابِي) أَي: قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بعض أَصْحَابِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ رِوَايَة عَن الْمَجْهُول، قيل: هُوَ يَعْقُوب بن سُفْيَان فَإِنَّهُ كَذَلِك أخرجه عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل بِهَذَا السَّنَد، وَفِيه الزِّيَادَة. قَوْله: (عَن مَالك) هُوَ شَيْخه مَالك بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور قَوْله: (إِن جمته) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم هِيَ مُجْتَمع شعر الرَّأْس إِذا تدلي إِلَى قريب الْمَنْكِبَيْنِ، وَقَالَ بعده شُعْبَة: يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ، وهما متقاربان لِأَن شحمة الْأذن هِيَ مُعَلّق القرط. وَقَالَ أَيْضا: بَين أُذُنَيْهِ وعاتقه، لَعَلَّه نقص مِنْهَا عِنْدَمَا حلق فِي حج أَو عمْرَة أَو غَيرهمَا، وَقَالَ ابْن فَارس: اللمة بِالْكَسْرِ الشّعْر يُجَاوز شحمة الْأذن فَإِذا بلغ الْمَنْكِبَيْنِ فَهُوَ جمة، قَوْله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاق) هُوَ عَمْرو بن عبد الله الْمَذْكُور، (سمعته) أَي: الْبَراء يحدثه أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور غير مرّة أَي: مرَارًا.
تابَعَهُ شُعْبَةُ شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ
أَي: تَابع أَبَا إِسْحَاق شُعْبَة نقلا عَن أبي إِسْحَاق (شعره يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ) وَقد ذكرنَا الْآن أَنه قريب من قَوْله: ليضْرب قَرِيبا إِلَى مَنْكِبَيْه، وَإِنَّمَا نَقله عَن أبي إِسْحَاق لِأَنَّهُ شَيْخه. قَوْله: (تَابعه) فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي: قَالَ شُعْبَة: شعره يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ، وَوَصله البُخَارِيّ فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

5902 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ فَرَأيْتُ رَجُلاً آدَمَ كأحْسَنِ مَا أنْتَ راءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجال، لَهُ لِمَّة كأحْسَنِ مَا أنْتَ راءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رجَّلَها فَهْيَ تَقْطُرُ مَاء مُتكِئاً عَلَى رَجُلَيْنِ أوْ عَلَى عَواتِقِ رجُلَيْنِ يَطُوفُ بالبَيْتِ، فَسألْتُ: مَنْ هاذَا؟ فَقِيل: المَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ، وإذَا أَنا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطِطٍ أعْوَرِ العَيْنِ اليُمْنَى كأنَّها عِنَبَة طافِيَةٌ، فَسألْتُ: مَنْ هاذَا؟ فَقِيلَ: المَسِيحُ الدَّجَّالُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بِرَجُل جعد) والْحَدِيث قد مضى بِوُجُوه عَن ابْن عمر فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب مَرْيَم، عَلَيْهَا السَّلَام.
قَوْله: (أَرَانِي اللَّيْلَة)
قَوْله: (آدم) من الأدمة وَهِي السمرَة الشَّدِيدَة، وَقيل: هِيَ من أدمة الأَرْض وَهُوَ لَوْنهَا وَبِه سمى آدم عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (لَهُ لمة) بِكَسْر اللاّم: الشّعْر الَّذِي ألم إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ. قَوْله: (قد رجلهَا) من الترجيل بِالْجِيم وَهُوَ أَن يبل الرَّأْس ثمَّ يمشط، وَقَالَ الْكرْمَانِي: رجلهَا أَي سرحها ومشطها. قَوْله: (مُتكئا) نصب على الْحَال وَكَذَا قَوْله: (يطوف بِالْبَيْتِ) حَال. قَوْله: الْمَسِيح ابْن مَرْيَم فَقيل: الْمَسِيح مُعرب مسيخاً بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ بالعبرانية وَمَعْنَاهُ: الْمُبَارك، وَمن قَالَ: إِنَّه عَرَبِيّ مُشْتَقّ سمي بِهِ لِأَنَّهُ يمسح الْمَرِيض بِيَدِهِ كالأكمه والأبرص فَيبرأ، وَقيل: لِأَنَّهُ يمسح الأوزار ويتطهر مِنْهَا، وَقيل: لِأَنَّهُ خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن، وَقد ذكرنَا وُجُوهًا كَثِيرَة فِيهِ وَفِي تَسْمِيَة الدَّجَّال مسيحاً فِي (تاريخنا الْكَبِير) ، وَقد مر تَفْسِير الْجَعْد والقطط. قَوْله: (طافية) ، ضد الراسبة. وَرُوِيَ بِالْهَمْزَةِ وَعدمهَا فالمهموزة هِيَ ذَاهِبَة الضَّوْء، وَغير المهموزة هِيَ الناتئة البارزة المرتفعة، قيل: قد ثَبت أَن الدَّجَّال لَا يدْخل مَكَّة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يدْخل على سَبِيل الْغَلَبَة وَعند ظُهُور شوكته وزمان خُرُوجه، أَو المُرَاد: أَنه لَا يدْخل بعد هَذِه الرُّؤْيَا، مَعَ أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث

(22/52)


التَّصْرِيح بِأَنَّهُ رَآهُ بِمَكَّة.

5903 - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا حيَّانُ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ حَدثنَا أنَسٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كانَ يَضرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 5903 طرفه فِي: 5904) .

5905 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيّ حَدثنَا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ: حدّثني أبي عَنْ قَتادَةَ قَالَ: سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، عَنْ شَعَرِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: كانَ شَعَرُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رجلا لَيْسَ بالسَّبْطِ وَلَا الجَعْدِ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وعاتِقِهِ. (انْظُر الحَدِيث 5905 طرفه فِي: 5906) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ الصَّيْرَفِي عَن وهب بن جرير عَن أَبِيه جرير بن حَازِم الْأَزْدِيّ عَن قَتَادَة. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيبَان بن فروخ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن مُحَمَّد بن بشار عَن وهب بن جرير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن وهب بن جرير. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة، وَأَلْفَاظهمْ مُخْتَلفَة، وَالْمعْنَى مُتَقَارب.
قَوْله: (رجلا) بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْجِيم: وَهُوَ الَّذِي بَين الجعودة والسبوطة. وَقَوله: (لَيْسَ بالسبط)
إِلَى آخِره، كالتفسير لَهُ.

5906 - حدَّثنا مُسْلِمٌ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ضَخْمَ اليَدَيْنِ لَمْ أرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وكانَ شَعَرُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجِلاً لَا جَعْدَ وَلَا سَبِطَ. (انْظُر الحَدِيث 5905) .

هَذَا طَرِيق آخر فِيهِ أخرجه مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ عَن جرير بن حَازِم عَن قَتَادَة عَن أنس.
قَوْله: (ضخم الْيَدَيْنِ) أَي: غليظ الْيَدَيْنِ. قَوْله: (لَا جعد وَلَا سبط) مبنيان على الْفَتْح، وَرُوِيَ: لَا جَعدًا وَلَا سبطاً، بِالتَّنْوِينِ.

5907 - حدَّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا جَرِيرُ بنُ حازِمٍ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَخْمَ اليَدَيْنِ والقَدَمَيْنِ حَسَنَ الوَجْهِ لَمْ بَعْدَهُ ولاَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وكانَ بَسِطَ الكَفَّيْنِ.

هَذَا طَرِيق آخر فِيهِ أخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَيُقَال لَهُ: عَارِم.
قَوْله: (بسط الْكَفَّيْنِ) أَي: مبسوطهما خلقَة وَصُورَة، وَقيل: أَي باسطهما بالعطاء، وَالْأول أنسب بالْمقَام، ويروى: بسيط الْيَدَيْنِ على وزن: فعيل، ويروي: بسط، بِكَسْر الْبَاء، فَقيل: هُوَ بِمَعْنى الْمَبْسُوط كالطحن بِمَعْنى المطحون، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يَد بسط أَي: مُطلقَة، وَفِي قِرَاءَة عبد الله: بل يَدَاهُ بسطان.

5909 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيّ حَدثنَا مُعاذُ بنُ هانِىءٍ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ

(22/53)


أوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَة قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَخمَ القَدَمَيْنِ حَسَنَ الوجهِ لَمْ أر بَعْدَه مِثْلَهُ.
5910 - وَقَالَ هِشامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شَثْن القَدَمَيْنِ والكَفَّيْنِ.
وَقَالَ أبُو هِلاَلٍ: حَدثنَا قَتادَةُ عَنْ أنَسٍ أوْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ضَخْمَ الكَفَّيْنِ والقَدَمَيْنِ لَمْ أرَ بَعْدَهُ شِبْهاً لَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (جعد) . وَابْن أبي عدي واسْمه إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ، وَابْن عون عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي: بَاب التَّلْبِيَة إِذا انحدر فِي الْوَادي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بخلبة) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة: هُوَ الليف وَيجمع على خلب.

69 - (بابُ التَّلْبِيدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التلبيد، وَهُوَ أَن يَجْعَل الْمحرم فِي رَأسه شَيْئا من الصمغ ليصير شعره مثل اللبد لِئَلَّا يَقع فِيهِ الْقمل، وَقيل:

(22/54)


لِئَلَّا يشعث فِي الْإِحْرَام، وَوجه إِيرَاد هَذَا الْبَاب هُنَا من حَيْثُ إِن الْأَبْوَاب السِّتَّة الَّتِي قبل هَذَا الْبَاب كلهَا فِي أَحْوَال الشّعْر وتلبيد الشّعْر أَيْضا من جُمْلَتهَا.

5915 - حدَّثني حِبَّانُ بن مُوسَى وأحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُهلُّ مُلَبِّداً يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَا يَزِيدُ عَلى هاؤلاءِ الكَلِماتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ملبداً) وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَأحمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى السمسار الروزي، وَعبد الله بن الْمُبَارك المروزى، وَيُونُس بن يزِيد.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب التَّلْبِيَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يهل ملبداً) أَي: يرفع صَوته بِالْإِحْرَامِ وبالتلبية حَال كَونه ملبداً.

5916 - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَن نافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله! مَا شأنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رأْسِي وقَلَّدْتُ هَدْيي فَلاَ أحِلُّ حَتَّى أنحَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لبدت راسي) وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس. والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب التَّمَتُّع وَالْقرَان بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن وَفِيه زِيَادَة. وَهِي قَوْله: وَحدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك ... الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

70 - (بابُ الفَرْقِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْفرق بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالقاف أَي: فرق شعر الرَّأْس وَهُوَ قسمته فِي المفرق وَهُوَ وسط الرَّأْس، يُقَال: فرق شعره فرقا بِالسُّكُونِ وَأَصله من الْفرق بَين الشَّيْئَيْنِ، والمفرق مَكَان انقسام الشّعْر من الجبين إِلَى دارة الرَّأْس، وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا.

5917 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أهْلِ الكِتابِ فِيما لَمْ

(22/55)


يُؤْمَرْ فِيهِ، وكانَ أهْلُ الكِتابِ يَسْدِلُونَ أشْعارَهُمْ وكانَ المُشْرِكُونَ يَفْرُقونَ رُؤُوسَهُمْ، فَسَدَلَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناصيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. (انْظُر الحَدِيث 3558 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْهِجْرَة عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله بن الْمُبَارك وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن يحيى بن بكير.
قَوْله: (فِيمَا لم يُؤمر فِيهِ) أَي: فِيمَا لم يُوح إِلَيْهِ بِشَيْء من ذَلِك وَفِيه أَنه كَانَ يتبع شرع مُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهَا السَّلَام، قبل أَن ينزل فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَحي إِلَيْهِ، قيل: قد مر عَن قريب أَنه قَالَ: خالفوهم؟ وَأجِيب بِأَنَّهُ قَالَ: حَيْثُ أَمر بالمخالفة. قَوْله: (يسدلون) بِضَم الدَّال وَكسرهَا من سدل ثَوْبه إِذا أرخاه، وَشعر منسدل ضد متفرق لِأَن السدل يسْتَلْزم عدم الْفرق وَبِالْعَكْسِ، قيل: لم سدل أَولا ثمَّ فرق ثَانِيًا؟ وَأجِيب بِأَنَّهُ كَأَن يحب موافقتهم فِيمَا لم يُؤمر بِهِ فسدل مُوَافقَة لَهُم ثمَّ لما أَمر بِالْفرقِ فرق. قَوْله: (يعْرفُونَ) بِسُكُون الْفَاء وَضم الرَّاء وَقد شددها بَعضهم من التَّفْرِيق، حَكَاهُ عِيَاض، قَالَ: وَالْأول أشهر وَكَذَا فِي قَوْله: (ثمَّ فرق) الْأَشْهر فِيهِ التَّخْفِيف وَالْحكمَة فِي محبَّة موافقتهم أَنهم يتمسكون بالشريعة فِي الْجُمْلَة، فَكَانَ يحب موافقتهم ليتألفهم، ثمَّ لما أَمر بِالْفرقِ اسْتمرّ عَلَيْهِ الْحَال وَادّعى بَعضهم النّسخ وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ لَو كَانَ السدل مَنْسُوخا لصار إِلَيْهِ الصَّحَابَة أَو أَكْثَرهم، وَالْمَنْقُول عَنْهُم أَن مِنْهُم من كَانَ يفرق وَمِنْهُم من كَانَ يسدل وَلم يعب بَعضهم على بعض، وَالصَّحِيح أَنه كَانَت لَهُ لمة فَإِن انفرقت فرقها وإلاَّ تَركهَا، وَالصَّحِيح أَن الْفرق مُسْتَحبّ لَا وَاجِب وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَبِه قَالَ مَالك، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الصَّحِيح جَوَاز السدل وَالْفرق.

5918 - حدَّثنا أبُو الوَلِيد، وعَبْدُ الله بنُ رَجَاء قَالَا: حَدثنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأسْوَد عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى وبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفارِقِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ مُحْرِمٌ.
قَالَ عَبْدُ الله فِي مَفْرقِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد عبد الْملك بن هِشَام الطَّيَالِسِيّ، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَيزِيد بن الْأسود النَّخعِيّ.
قَوْله: (وبيص الطّيب) بإهمال الصَّاد أَي: بريقه ولمعانه وَكَانَ اسْتِعْمَال الطّيب قبل الْإِحْرَام. قَوْله: (فِي مفارق) جمع مفرق وَجمع نظرا إِلَى أَن كل جُزْء مِنْهُ كَأَنَّهُ مفرق، وَهَذِه رِوَايَة أبي الْوَلِيد وَوَافَقَهُ على هَذَا مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر عِنْد مُسلم، وَالْأَعْمَش عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ.
قَوْله: (قَالَ عبد الله) هُوَ ابْن رَجَاء الْمَذْكُور (مفرق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالْإِفْرَادِ، وَوَافَقَهُ على هَذَا آدم عِنْد البُخَارِيّ فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب من تطيب ثمَّ اغْتسل وَبَقِي أثر الطّيب، وَمُحَمّد بن كثير عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَعند مُسلم من رِوَايَة الْحسن بن عبيد الله فِي كتاب الْحَج، وَعِنْده أَيْضا من رِوَايَة الضَّحَّاك بن مخلد.

71 - (بابُ الدَّوائِبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الذوائب وَهُوَ جمع ذؤابة، وَالْأَصْل ذآئب فابدلت الْهمزَة واواً، والذؤابة مَا يُدْلِي من شعر الرَّأْس، وَوجه دُخُوله فِي كتاب اللبَاس من حَيْثُ إِنَّهَا مَجْمُوعَة من الشُّعُور وَبَينهَا وَبَين كتاب اللبَاس نوع مُنَاسبَة وَهِي الِاشْتِرَاك فِي نوع الزِّينَة، كَمَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى.

5919 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا الفَضْلُ بنُ عَنْبَسَةَ أخبرَنا هُشَيْمٌ أخبرنَا أبُو بِشْرٍ.
(ح) وَحدثنَا قتَيْبَةُ حَدثنَا هُشَيْمٌ عَنْ أبي بِشْر عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْر عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: بتُّ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحارِثِ خالَتِي وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْدَها فِي لَيْلَتِها،

(22/56)


قَالَ: فَقَامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي مِنَ مِنَ اللَّيْلِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: فأخَذَ بِذُؤَابتي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأخذ بذؤابتي) وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وَالْفضل بن عَنْبَسَة الْفضل بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وعنبسة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة أَبُو الْحسن الخزاز الوَاسِطِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَفِيه مقَال، لكنه غير قَادِح فَلذَلِك أرْدف رِوَايَته بروايته عَن قُتَيْبَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع.
وَالْحَاصِل أَنه أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: من عَليّ بن عبد الله عَن الْفضل ابْن عَنْبَسَة عَن هشيم عَن بشير كِلَاهُمَا مصغران الوَاسِطِيّ عَن أبي بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر ابْن أبي وحشية إِيَاس الوَاسِطِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: وَالْآخر: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن هشيم ... إِلَى آخِره. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب السمر بِالْعلمِ وَفِي الصَّلَاة فِي: بَاب مَا يقوم عَن يَمِين الإِمَام بحذائه، وَفِي: بَاب إِذا قَامَ الرجل عَن يسَار الإِمَام.
فَإِن قلت: مَا الْفَائِدَة فِي هَذَا الحَدِيث؟ قلت: فِيهِ فَائِدَتَانِ: الأولى: تَقْرِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على اتِّخَاذ الذؤابة. وَالثَّانيَِة: فِيهِ دفع لرِوَايَة من فسر الْفَزع بالذؤابة. قَالَه بَعضهم. قلت: وَفِي التَّوْضِيح: إِنَّمَا يجوز اتِّخَاذ الذؤابة للغلام إِذا كَانَ فِي رَأسه شعر غَيرهَا، وَأما إِذا حلق شعره كُله وَترك لَهُ ذؤابة فَهُوَ القزع الْمنْهِي عَنهُ، وَفِي: (سنَن أبي دَاوُد) من حَدِيث ابْن عمر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن القزع، وَهُوَ أَن يحلق رَأس الصَّبِي وَيتْرك لَهُ ذؤابه.
حدّثني عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هُشَيْمٌ أخبرنَا أبُو بِشْرٍ بِهاذا، وَقَالَ: بِذُؤَبَتي أوْ بِرأسِي.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن مُحَمَّد بن بكير النَّاقِد الْبَغْدَادِيّ شيخ مُسلم أَيْضا، مَاتَ بِبَغْدَاد فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (أَو برأسي) شكّ من الرَّاوِي.

72 - (بابُ القزَعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم القزع بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وبالعين الْمُهْملَة وَهُوَ جمع قزعة وَهِي الْقطعَة من السَّحَاب، وَسمي شعر الرَّأْس إِذا حلق بعضه وَترك بعضه قزعاً تَشْبِيها بِالْحِسَابِ المتفرق.

131 - (حَدثنِي مُحَمَّد قَالَ أَخْبرنِي مخلد قَالَ أَخْبرنِي ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن حَفْص أَن عمر بن نَافِع أخبرهُ عَن نَافِع مولى عبد الله أَنه سمع ابْن عمر رَضِي لله عَنْهُمَا يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَن القزع قَالَ عبيد الله قلت وَمَا القزع فَأَشَارَ لنا عبيد الله قَالَ إِذا حلق الصَّبِي وَترك هَهُنَا شَعْرَة وَهَهُنَا وَهَهُنَا فَأَشَارَ لنا عبيد الله إِلَى ناصيته وجانبي رَأسه قيل لِعبيد الله فالجارية والغلام قَالَ لَا أَدْرِي هَكَذَا قَالَ الصَّبِي قَالَ عبيد الله وعاودته فَقَالَ أما الْقِصَّة والقفا للغلام فَلَا بَأْس بهما وَلَكِن القزع أَن يتْرك بناصيته شعر وَلَيْسَ فِي رَأسه غَيره وَكَذَلِكَ شقّ رَأسه هَذَا وَهَذَا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام ومخلد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام ابْن يزِيد بالزاي الْحَرَّانِي وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ وَعبيد الله بن حَفْص هُوَ عبيد الله بن حَفْص بن عَاصِم ابْن عمر بن الْخطاب نسبه ابْن جريج إِلَى جده وَعمر بن نَافِع روى عَن أَبِيه نَافِع مولى عبد الله بن عمر والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب وَآخَرين وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي التَّرَجُّل عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عمرَان بن يزِيد وَغَيره وَأخرجه ابْن ماجة فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره قَوْله أَن عمر بن نَافِع أخبرهُ عَن نَافِع وَسقط ذكر عمر بن نَافِع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَفِي رِوَايَة ابْن عوَانَة أَيْضا وَقد صرح الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل بِأَن حجاج بن مُحَمَّد وَافق مخلد بن يزِيد على ذكر عمر بن نَافِع وَأخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ على الِاخْتِلَاف

(22/57)


عَلَيْهِ فِي إِسْقَاط عمر بن نَافِع وإثباته وَأخرج مُسلم وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَغَيرهم من طرق مُتعَدِّدَة عَن عبيد الله بن عمر بِإِثْبَات عمر بن نَافِع وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة ومعتمر بن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عبيد عَن عبيد الله بن عمر بإسقاطه والعمدة على من زَاد قَوْله قَالَ عبيد الله هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَهُوَ عبيد الله بن حَفْص الْمَذْكُور قَوْله وَمَا القزع يَعْنِي قَالَ عبيد الله لعمر بن نَافِع الَّذِي روى عَنهُ مَا القزع يَعْنِي مَا كَيْفيَّة القزع فَظَاهر الْكَلَام أَن المسؤل عَنهُ هُوَ عمر بن نَافِع وَقَالَ بَعضهم بَين مُسلم أَن عبيد الله إِنَّمَا سَأَلَ نَافِعًا لِأَنَّهُ أخرجه عَن زُهَيْر بن حَرْب حَدثنَا يحيى يَعْنِي ابْن سعيد عَن عبيد الله أخبرنَا عمر بن نَافِع عَن أَبِيه عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن القزع قلت لنافع وَمَا القزع قَالَ يحلق بعض رَأس الصَّبِي وَيتْرك بَعْضًا قلت نعم هَذَا صَرِيح أَن المسؤل عَنهُ هُوَ نَافِع وَلَكِن رِوَايَة البُخَارِيّ لَا تَصْرِيح فِيهَا بالمسؤل عَنهُ وَلَكِن ظَاهر الْكَلَام أَن المسؤل عَنهُ هُوَ عمر بن نَافِع وَيحْتَمل أَن يكون روى الحَدِيث عَن عمر بن نَافِع وَسَأَلَ عَن نَافِع مَا القزع قَوْله فَأَشَارَ لنا عبيد الله إِذا حلق الصَّبِي إِلَى آخِره فَقَوله إِذا حلق الصَّبِي إِلَى قَوْله فَأَشَارَ لنا عبيد الله إِلَى ناصيته كَلَام عمر بن نَافِع الَّذِي سَأَلَ عَنهُ عبيد الله وَذكر لفظ فَأَشَارَ لنا عبيد الله مرَّتَيْنِ الأول فِيهِ حذف تَقْدِيره فَأَشَارَ لنا عبيد الله نَاقِلا من كَلَام عمر بن نَافِع أَنه قَالَ القزع إِذا حلق الصَّبِي وَترك هَهُنَا شَعْرَة وَهَهُنَا وَهَهُنَا الثَّانِي وَهُوَ قَوْله فَأَشَارَ لنا عبيد الله إِلَى ناصيته وجانبي رَأسه من كَلَام عبيد الله نَفسه وَفِي التَّرْكِيب قلاقة فَلهَذَا قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت مَا حَاصِل هَذَا الْكَلَام قلت حَاصله أَن عبيد الله قَالَ قلت لشيخي عمر بن نَافِع مَا معنى القزع فَقَالَ إِنَّه إِذا حلق رَأس الصَّبِي يتْرك هَهُنَا شعر وَهَهُنَا شعر فَأَشَارَ عبيد الله إِلَى ناصيته وطرفي رَأسه يَعْنِي فسر لفظ هَهُنَا الأول بالناصية ولفظتيه الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة بجانبيها قَوْله قيل لِعبيد الله لم يدر الْقَائِل من هُوَ وَيحْتَمل أَن يكون ابْن جريج الرَّاوِي عَنهُ قَوْله فالجارية والغلام يَعْنِي قيل لِعبيد الله فالجارية والغلام فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ لَا أَدْرِي ذَلِك هَكَذَا قَالَ الصَّبِي يَعْنِي لَكِن الَّذِي قَالَه هُوَ لفظ الصَّبِي قَالَ الْكرْمَانِي وَلَا شكّ أَنه ظَاهر فِي الْغُلَام وَيحْتَمل أَن يُقَال أَنه فعيل يَسْتَوِي فِيهِ المذكرة والمؤنث أَو هُوَ للذات الَّذِي لَهُ الصِّبَا قَوْله وعاودته أَي عمر بن نَافِع فَقَالَ أما الْقِصَّة أَي أما حلق الْقِصَّة وَشعر الْقَفَا للغلام خَاصَّة فَلَا بَأْس بهما وَلَكِن القزع غير ذَلِك وَبَينه بقوله أَن يتْرك بناصيته شعر إِلَى آخِره والقصة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة وَقَالَ ابْن التِّين هِيَ بِفَتْح الْقَاف وَقيل الضَّم هُوَ الصَّوَاب وَالْمرَاد بِهِ هُنَا شعر الصدغين وَالْمرَاد بالقفا شعر الْقَفَا وَهُوَ مَقْصُور يكْتب بِالْألف وَرُبمَا مد فَإِن قلت مَا الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَن القزع قلت تَشْوِيه الْخلقَة وَقيل زِيّ الْيَهُود وَقيل زِيّ أهل الشَّرّ والدعارة وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم أجمع الْعلمَاء على كَرَاهَة القزع إِذا كَانَ فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة إِلَّا أَن يكون لمداواة وَنَحْوهَا وَهِي كَرَاهَة تَنْزِيه وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْأَحْيَاء لَا بَأْس بحلق جَمِيع الرَّأْس لمن أَرَادَ التَّنْظِيف وَلَا بَأْس بِتَرْكِهِ لمن أَرَادَ أَن يدهن ويترجل وَادّعى ابْن عبد الْبر الْإِجْمَاع على إِبَاحَة حلق الْجَمِيع وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وروى عَنهُ أَنه مَكْرُوه لما روى عَنهُ أَنه من وصف الْخَوَارِج -
5921 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ المُثَنَّى بنِ عَبْدِ الله بنِ أنَسِ بنِ مالِكٍ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنِب ابنِ عُمَرَ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عَنِ القَزَعِ. (انْظُر الحَدِيث 5920) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن الْمثنى ضد الْمُفْرد والْحَدِيث من أَفْرَاده.

73 - (بابُ تَطْيِيبِ المَرْأةِ زَوْجَها بِيَدَيْها)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تطييب الْمَرْأَة ... إِلَى آخِره، وَوجه إِيرَاد هَذَا الْبَاب هُنَا لِأَنَّهُ نوع من الزِّينَة الْحَاصِلَة من اللبَاس.

5922 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يحْيَى بنُ سَعِيد أخبرنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ القاسِمِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: طَيَّبْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدَيَّ لِحُرْمِهِ وطَيَّبتُهُ بِمنًى قَبْلَ أنْ يُفِيضَ.

(22/58)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن مُحَمَّد السمسار الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ، عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي اللبَاس عَن الْحُسَيْن بن مَنْصُور وَغَيره.
قَوْله: (بيَدي) ، بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد الْيَاء يَعْنِي: الْيَدَيْنِ الثِّنْتَيْنِ، ويروى: بيَدي، بِكَسْر الدَّال وَتَخْفِيف الْيَاء، وأرادت بِهِ يَدهَا الْوَاحِدَة. قَوْله: (لحرمه) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ الْإِحْرَام، قَالَه ابْن فَارس والجوهري والهروي، وَقَالَ ابْن التِّين: الَّذِي قرأناه لحرمه بِالْكَسْرِ قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : واللغة على الضَّم. قيل: كَيفَ جَازَ ذَلِك وَهُوَ فِي الْإِحْرَام؟ وَأجِيب: بِأَن مرادها قبل طواف الزِّيَادَة أَي: قبل أَن يفِيض إِلَى الطّواف، وَهُوَ عِنْد التَّحَلُّل الأول وَهُوَ بعد الرَّمْي يَوْم النَّحْر وَالْحلق وَتحل بِهِ جَمِيع الْمُحرمَات إلاَّ الْجِمَاع، وَفِيه اسْتِحْبَاب التَّطَيُّب عِنْد إِرَادَة الْإِحْرَام وَعند التَّحَلُّل الأول. قَوْله: (قبل أَن يفِيض) بِضَم الْيَاء من الْإِفَاضَة.

75 - (بابُ الامْتِشاطِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الامتشاط، وَهُوَ على وزن افتعال من الْمشْط بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ تَسْرِيح الشّعْر بالمشط، وَوجه دُخُول هَذَا الْبَاب فِي كتاب اللبَاس ظَاهر، وَهُوَ الِاشْتِرَاك فِي نوع من الزِّينَة.

5924 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبي إياسٍ حَدثنَا ابْن أبي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ: أنَّ رجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دارِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحُكُّ رأسَهُ بالمِدْرَى، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِها فِي عَيْنِكَ، إنَّما جُعلَ الإذْنُ مِنْ قِبَلِ الأبْصارِ. (

(22/59)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ أَن المدري هُوَ الْمشْط عِنْد الْبَعْض على مَا نذكرهُ الْآن وابنُ أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (أَن رجلا) ، قيل هُوَ الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة وَالِد مَرْوَان، وَقيل: سعد، غير مَنْسُوب. قَوْله: (اطلع) ، بتَشْديد الطَّاء. قَوْله: (من جُحر) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء: الثقبة، قَوْله: (وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (بالمدرى) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالراء مَقْصُورا قَالَ ابْن بطال: المدرى بِالْكَسْرِ عِنْد الْعَرَب الْمشْط، قَالَ امرىء الْقَيْس:
(يظل المدارى فِي مثنى ومرسل)

يريدها أُنْثَى من شعرهَا وانعطف وَمَا استرسل، يصف امْرَأَة بِكَثْرَة الشّعْر، وَذكر أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عبيد، وَقَالَ: المداري الأمشاط، وَفِي (شرح ابْن كيسَان) : المدرى الْعود الَّذِي ترجله الْمَرْأَة فِي شعرهَا لتضم بعضه إِلَى بعض، وَمن عَادَة الْعَرَب أَن تكون بِيَدِهِ مدرى يحلل بهَا شعر رَأسه ولحيته أَو يحك بهَا جسده، وَقيل: إِنَّهَا عود لَهَا رَأس محدودب، وَقيل: بل هِيَ حَدِيدَة يسرح بهَا الشّعْر، وَقيل: شبه الْمشْط، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ شَيْء كالمسلة تصلح بهَا الماشطة قُرُون النِّسَاء، وَيُقَال: مدرت الْمَرْأَة أَي: شرحت شعرهَا، وَقَالَ الدَّاودِيّ: المدرى الْمشْط لَهُ الْأَسْنَان الْيَسِيرَة. قَوْله: (لَو علمت أَنَّك تنظر) بِصِيغَة الْخطاب للرجل المطلع، وَهَذَا هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: تنْتَظر، من الِانْتِظَار وَالْأول أولى، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَو علمت أَنَّك تطلع عَليّ. قَوْله: (من قبل الْأَبْصَار) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: من جِهَة الْأَبْصَار، والأبصار بِفَتْح أَوله جمع بصر وبكسره مصدر من أبْصر إبصاراً، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: من أجل الْبَصَر، بِفتْحَتَيْنِ.

76 - (بابُ تَرْجِيلِ الحائِضِ زَوْجَها)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترجيل الْحَائِض أَي: تسريحها شعر زَوجهَا، وَجه ذكره هُنَا مثل مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق.

5925 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رأسَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا حائِضٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي كتاب الْحيض فِي: بَاب غسل الْحَائِض زَوجهَا وترجيله، وَلَيْسَ فِي تكْرَار هَذَا مزِيد فَائِدَة.
حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ يُوسُف أخبرنَا مالِكٌ عَنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ مِثْلَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة مثل الحَدِيث الْمَذْكُور.

77 - (بابُ التَّرْجِيلِ والتَّيَمُّنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الترجيل وَهُوَ تَسْرِيح شعر اللِّحْيَة وَالرَّأْس ودهنه، واستحباب التَّيَمُّن فِي كل شَيْء، وَهُوَ الْأَخْذ بالميامن، وَفِي بعض النّسخ: بَاب التَّرَجُّل من بَاب التفعل وَالْأول من بَاب التفعيل، وَفِي التفعل من الْمُبَالغَة مَا لَيْسَ فِي التفعيل، والترجل لنَفسِهِ والترجيل لغيره، وَوجه ذكر هَذَا الْبَاب هُنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْأَبْوَاب الْمَاضِيَة.

5926 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ أشْعَثَ بنِ سُلَيْمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِي تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ وَأَشْعَث بالثاء الْمُثَلَّثَة يروي عَن أَبِيه سليم بِضَم السِّين ابْن الْأسود الْمحَاربي الْكُوفِي يروي عَن مَسْرُوق بن الأجدع.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب التَّيَمُّن فِي الْوضُوء وَالْغسْل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (ووضوئه) بِضَم الْوَاو.

78 - (بابُ مَا يُذْكَرُ فِي المِسْكِ)

(22/60)


أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر فِي الْمسك، وَوجه ذكر هَذَا الْبَاب هُنَا مثل مَا ذَكرْنَاهُ.

5927 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامٌ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فإنَّهُ لي وَأَنا أجْزِي بِهِ، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ريح الْمسك) وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير الْهَمدَانِي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ يروي عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة بأتم مِنْهُ، وَمن طَرِيق أبي صَالح الزيات عَنهُ بأطول مِنْهُ فِي أَوَائِل الصَّوْم.
قَوْله: (فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ) ، ظَاهر سِيَاقه أَنه من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ من كَلَام الله عز وَجل، وَهُوَ من رِوَايَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ربه عز وَجل، كَذَلِك أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد من رِوَايَة مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يرويهِ عَن ربكُم عز وَجل قَالَ: لكل عمل كَفَّارَة وَالصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ ... الحَدِيث، وَهُوَ من جملَة الْأَحَادِيث القدسية. قيل: كل الْعِبَادَات لله تَعَالَى فَمَا معنى الْإِضَافَة لَهُ؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لم يعبد بِهِ غَيره عز وَجل إِذْ لم يعظم الْكفَّار معبودهم فِي وَقت من الْأَوْقَات بالصيام لَهُ، وَقيل: لِأَنَّهُ عمل سري لَا يدْخل الرِّيَاء فِيهِ، وَقيل: هُوَ الْمجَازِي لكل الْأَعْمَال. وَأجِيب: بِأَن الْغَرَض بَيَان كَثْرَة الثَّوَاب إِذْ عَظمَة الْمُعْطى دَلِيل على عَظمَة الْمُعْطِي. قَوْله (ولخلوف) بِضَم الْخَاء على الْمَشْهُور وَهُوَ تغير رَائِحَة الْفَم. قَوْله: (أطيب) قيل: الأطيبية لَا تتَصَوَّر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله تَعَالَى إِذْ هُوَ منزه عَن أَمْثَاله. وَأجِيب: بِأَن الطّيب مُسْتَلْزم للقبول، أَي: خلوفه أقبل عِنْد الله من قبُول ريح الْمسك عنْدكُمْ، أَو وَهُوَ على سَبِيل الْفَرْض أَي: لَو تصور الطّيب عِنْده لَكَانَ الخلوف أطيب أَو الْمُضَاف مَحْذُوف أَي: عِنْد مَلَائِكَة الله، وَله أجوبة أُخْرَى مضى مِنْهَا شَيْء فِي كتاب الصّيام.

79 - (بابُ مَا يسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يسْتَحبّ اسْتِعْمَاله من الطّيب، أَي: مَا يُوجد من الطّيب وَلَا يسْتَعْمل الْأَدْنَى مَعَ وجود الْأَعْلَى إلاَّ عِنْد الضَّرُورَة.

5928 - حدَّثنا مُوسَى حَدثنَا وُهَيْبٌ حَدثنَا هِشامٌ عَنْ عُثْمانَ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ إحْرَامِهِ بأطْيَبِ مَا أجِد.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بأطيب مَا أجد) . ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل، ووهيب هُوَ ابْن خَالِد، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَخِيه عُثْمَان بن عُرْوَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور وَغَيره.
قَوْله: (بأطيب مَا أجد) أَي: أطيب كل طيب أَجِدهُ من أَي نوع كَانَ، وَلَا شكّ أَن الْمسك أطيب الطّيب، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: بأطيب مَا أقدر عَلَيْهِ قبل أَن يحرم ثمَّ يحرم، وَقد روى مَالك من حَدِيث أبي سعيد رَفعه قَالَ: إِن الْمسك أطيب الطّيب، وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم.

80 - (بابُ منْ لَمْ يَردَّ الطِّيبَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من لم يرد الطّيب، وَكَأَنَّهُ يُرِيد بذلك أَن النَّهْي عَن رده لَيْسَ على التَّحْرِيم.

140 - (حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عزْرَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنِي ثُمَامَة بن عبد الله عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ لَا يرد الطّيب وَزعم أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَا يرد الطّيب) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وعزرة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وبالراء ابْن ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة الْأنْصَارِيّ وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم الأولى ابْن عبد الله بن أنس قَاضِي الْبَصْرَة

(22/61)


يروي عَن جده أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث مضى فِي الْهِبَة عَن أبي معمر عبد الله بن عمر قَوْله وَزعم أَي قَالَ قَوْله وَلَا يرد الطّيب أَي الَّذِي أهْدى إِلَيْهِ وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس مَا عرض على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طيب قطّ فَرده وَإِسْنَاده حسن وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه من عرض عَلَيْهِ طيب فَلَا يردهُ فَإِنَّهُ طيب الرّيح خَفِيف الْمحمل وَأخرجه ابْن حبَان وَصَححهُ وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَلَكِن وَقع عِنْده ريحَان بدل طيب وَالريحَان كل بقلة لَهَا رَائِحَة طيبَة -
81 - (بابُ الذَّرِيرَةِ)

أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الذريرة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء الأولى، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: المسحوقة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ فتات قصب يجاء بِهِ من الْهِنْد، وَقَالَ الدَّاودِيّ: تجمع مفرداته ثمَّ تسحق وتنخل ثمَّ تذر فِي الشّعْر والطوق فَلذَلِك سميت ذريرة، وَقَالَ بَعضهم: وعَلى هَذَا فَكل طيب مركب ذريرة، لَكِن الذريرة السحق وَالنَّخْل. وَقَوله: كل طيب مركب، أَعم من أَن يكون مسحوقاً أَو منخولاً أَو غير مسحوق وَغير منخول.

5930 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ الهَيْثَمِ أوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ أَخْبرنِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ الله بنِ عُرْوَةَ سَمِعَ عُرْوَةَ والقاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: طَيَّبْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِلْحلّ والإحْرَامِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعُثْمَان بن الْهَيْثَم الْمُؤَذّن الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن يحيى الذهلي قَالَه الغساني، وَابْن جريج هُوَ ابْن عبد الْملك وَقد مر عَن قريب، وَعمر بن عبد الله بن عُرْوَة بن الزبير الْمدنِي ذكره ابْن حبَان فِي أَتبَاع التَّابِعين من الثِّقَات وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث، مَاله فِي البُخَارِيّ إلاّ هَذَا الحَدِيث وَعُرْوَة هُوَ ابْن الزبير بن الْعَوام، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعبد بن حميد كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن بكر عَن ابْن جريج ... الخ.
قَوْله: (وَمُحَمّد عَنهُ) أَي: أَو حَدثنِي مُحَمَّد عَن عُثْمَان، قَالَ الْكرْمَانِي: شكّ البُخَارِيّ فِي الرِّوَايَة عَن عُثْمَان أَنه بالواسطة أَو بِدُونِهَا وَلَا انقداح بِهَذَا الشَّك. قلت: لِأَن عُثْمَان شَيْخه أخرج عَنهُ فِي مَوَاضِع بِلَا وَاسِطَة قَوْله: (يخبران) فِي مَحل النصب على الْحَال. قَوْله: (بيَدي) بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (للْحلّ) أَي: حِين تحلل من الْإِحْرَام. قَوْله: و (الْإِحْرَام) أَي: حِين أَرَادَ أَن يحرم بالنسك.

82 - (بابُ المُتَفَلِّجاتِ لِلْحَسْنن)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ النِّسَاء المتفلجات لِلْحسنِ، أَي: لأجل الْحسن، وَهِي جمع متفلجة قَالَ بَعضهم: وَهِي الَّتِي تطلب الفلج أَو تَصنعهُ، والفلج بِالْفَاءِ وَاللَّام وَالْجِيم انفراج مَا بَين الْأَسْنَان. قلت: بَاب التفعل لَيْسَ فِيهِ معنى الطّلب، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّكَلُّف وَالْمُبَالغَة فِيهِ. وَالْمعْنَى هُنَا المتفلجة هِيَ الَّتِي تتكلف بِأَن تفرق بَين الْأَسْنَان لأجل الْحسن وَلَا يَتَيَسَّر ذَلِك إلاَّ بالمبرد وَنَحْوه وَلَا يفعل ذَلِك إلاَّ فِي الثنايا والرباعيات، وَلَقَد لعن الشَّارِع من صنعت ذَلِك من النِّسَاء لِأَن فِيهِ تَغْيِير الْخلقَة الْأَصْلِيَّة.

5931 - حدَّثنا عُثْمانُ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله لَعنَ الله الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلّجاتِ للْحُسنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله تَعَالَى، مَالِي لَا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ فِي كِتابِ الله {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس. وكل هَؤُلَاءِ كوفيون، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْحَشْر عَن مُحَمَّد بن يُوسُف مطولا، وَعلي بن عبد الله.
قَوْله: (لعن الله الْوَاشِمَات) أَي: النِّسَاء الْوَاشِمَات، وَهُوَ جمع

(22/62)


واشمة من الوشم بالشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ غرز الإبرة فِي الْيَد وَنَحْوهَا ثمَّ ذَر النيلة عَلَيْهِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَت الْمَرْأَة تغرز معصمها بإبرة أَو مسلة حَتَّى تدميه ثمَّ تحشوه بالكحل فيخضر، تفعل ذَلِك دارات ونقوشاً يُقَال مِنْهُ: وشمت الْمَرْأَة تشم فَهِيَ واشمة. قَوْله: (وَالْمُسْتَوْشِمَات) جمع مستوشمة. وَهِي الَّتِي تسْأَل وتطلب أَن يفعل ذَلِك بهَا، وَسَيَأْتِي بعد بَابَيْنِ من وَجه آخر عَن مَنْصُور بِلَفْظ: المستوشمات، وَهُوَ بِكَسْر الشين الَّتِي تفعل ذَلِك وَبِفَتْحِهَا الَّتِي تطلب ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق مَنْصُور: والموشومات، وَهِي من يفعل بهَا الوشم، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي (السّنَن) : الواشمة الَّتِي تجْعَل الخيلان فِي وَجههَا بكحل أَو مداد، والمستوشمة الْمَعْمُول بهَا. انْتهى وَذكر الْوَجْه للْغَالِب، وَأكْثر مَا يكون فِي الشّفة. قَوْله: (وَالْمُتَنَمِّصَات) جمع متنمصة من التنمص وَهُوَ نتف الشّعْر من الْوَجْه، وَمِنْه قيل للمنقاص المنماس، والنامصة هِيَ الَّتِي تنتف الشّعْر بالمنماص. قَوْله: (والمتنمصة) هِيَ الَّتِي يفعل ذَلِك بهَا، وَقد مر الْآن تَفْسِير المتفلجات. قَوْله: (لِلْحسنِ) اللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل احْتِرَازًا عَمَّا لَو كَانَ للمعالجة وَمثلهَا، وَهُوَ يتَعَلَّق بالأخير وَيحْتَمل أَن يكون متنازعاً فِيهِ بَين الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة كلهَا. قَوْله: (الْمُغيرَات خلق الله تَعَالَى) كالتعليل لوُجُوب اللَّعْن. قَوْله: (مَالِي) اسْتِفْهَام أَو نفي قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِي قَوْله: أَو نفي، نظر. قَوْله: (هُوَ) أَي: (اللَّعْن فِي كتاب الله) ، أَي: مَوْجُود فِيهِ. وَهُوَ قَوْله عز وَجل: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} (الْحَشْر: 7) فَمَعْنَاه إلعنوا من لَعنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأخرجه مُسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم شَيْخي البُخَارِيّ فِيهِ أتم سياقاً مِنْهُ، فَقَالَ: فَبلغ ذَلِك امْرَأَة من بني أَسد يُقَال لَهَا: أم يَعْقُوب وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن فَأَتَتْهُ يَعْنِي: أَتَت عبد الله بن مَسْعُود، فَقَالَت: مَا حَدِيث بَلغنِي عَنْك أَنَّك لعنت الْوَاشِمَات؟ ... إِلَى آخِره، فَقَالَ عبد الله: وَمَالِي لَا ألعن ... الحَدِيث. وَأم يَعْقُوب لم يدر إسمها، ومراجعتها عبد الله بن مَسْعُود تدل على أَن لَهَا إدراكاً، وَلَكِن لم يذكرهَا أحد فِي الصحابيات.

83 - (بابُ الوَصْلِ فِي الشعَرِ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ وصل الشّعْر، يَعْنِي: الزِّيَادَة فِيهِ بِشعر آخر.

5932 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّهُ سَمِعَ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفْيانَ عَام حجَّ وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَهْوَ يَقُولُ وتَناوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كانَتْ بِيَد حَرَسِيّ: أيْنَ عُلَماؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَنْهاى عَنْ مِثْلِ هاذِهِ، ويَقُولُ: إنَّما هَلَكَتْ بَنُوا إسْرائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هاذِهِ نِساؤُهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حِين اتخذ هَذِه نِسَاؤُهُم) أَرَادَ بِهِ وصل الشّعْر.
وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس.
والْحَدِيث مضى فِي آخر ذكر بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: حَدثنَا آدم حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا عَمْرو بن مرّة سَمِعت سعيد بن الْمسيب قَالَ: قدم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْمَدِينَة آخر قدمة قدمهَا فَخَطب فَأخْرج كبة من شعر، فَقَالَ: مَا كنت أرى أَن أحدا يفعل هَذَا غير الْيَهُود، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ الزُّور، يَعْنِي: الْوِصَال بالشعر. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة غير ابْن مَاجَه، وَقد ذكر فِي كل وَاحِد مِنْهَا مَا لم يذكرهُ فِي الآخر، فَالْحَدِيث وَاحِد والمخرج مُخْتَلف.
قَوْله: (قصَّة من شعر) بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة وَهِي الكبة من الشّعْر كَمَا ذكر فِيهِ. قَوْله: (حرسي) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وبالسين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي الجندي، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الحرس هم الَّذين يَحْرُسُونَ السُّلْطَان وَالْوَاحد حرسي لِأَنَّهُ قد صَار إسم جنس فنسب إِلَيْهِ. قَوْله: (أَيْن عُلَمَاؤُكُمْ؟) السُّؤَال للإنكار عَلَيْهِم بإهمالهم إِنْكَار مثل هَذَا الْمُنكر وغفلتهم عَن تَغْيِيره، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشَارَة إِلَى قلَّة الْعلمَاء يومئذٍ بِالْمَدِينَةِ. قلت: فِيهِ بعد يستبعده من لَهُ اطلَاع فِي التَّارِيخ، وَكَانَت الْمَدِينَة دَار الْعلم ومعدن الشَّرِيعَة وإليها يهرع النَّاس فِي أَمر دينهم. فَإِن قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك كَيفَ لم يُغير أَهلهَا هَذَا الْمُنكر؟ قلت: لَا يَخْلُو زمَان من ارْتِكَاب الْمعاصِي، وَقد كَانَ فِي وَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر وسرق وزنى إلاَّ أَنه كَانَ شاذاً نَادرا فَلَا يحل لمُسلم أَن يَقُول: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُغير الْمُنكر، فَكَذَلِك أَمر الْقِصَّة بِالْمَدِينَةِ كَانَ شاذاً وَلَا يجوز أَن يُقَال إِن أَهلهَا جهلوا النَّهْي عَنْهَا، لِأَن حَدِيث لعن الْوَاصِلَة

(22/63)


حَدِيث مدنِي مَعْرُوف عِنْدهم مستفيض. قَوْله: (عَن مثل هَذِه) وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قصَّة الشّعْر الَّتِي تنَاولهَا من يَد حرسي، وبمثلها كَانَت النِّسَاء يوصلن شعورهن. قَوْله: (إِنَّمَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل)
إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى أَن الْوَصْل كَانَ محرما على بني إِسْرَائِيل فعوقبوا بِاسْتِعْمَالِهِ وهلكوا بِسَبَبِهِ. قَوْله: (حِين اتخذ هَذِه) إِشَارَة أَيْضا إِلَى الْقِصَّة الْمَذْكُورَة، وَأَرَادَ بِهِ الْوَصْل. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الحَدِيث حجَّة لِلْجُمْهُورِ فِي منع وصل الشّعْر بِشَيْء آخر سَوَاء كَانَ شعرًا أَو لَا وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ: زجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تصل الْمَرْأَة بشعرها شَيْئا، أخرجه مُسلم. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه غير مُسْتَقِيم لِأَن الحَدِيث الَّذِي أَشَارَ بِهِ إِلَيْهِ، الَّذِي هُوَ حَدِيث مُعَاوِيَة، لَا يدل على الْمَنْع مُطلقًا لِأَنَّهُ مُقَيّد بوصل الشّعْر بالشعر، فَكيف يَجعله حجَّة لِلْجُمْهُورِ؟ نعم حجَّة الْجُمْهُور حَدِيث جَابر، فَكيف يُؤَيّد الْمُطلق الْمُقَيد؟ وَنقل أَبُو عبيد عَن كثير من الْفُقَهَاء أَن الْمَنْع فِي ذَلِك وصل الشّعْر بالشعر، وَأما إِذا وصلت شعرهَا بِغَيْر الشّعْر من خرقَة وَغَيرهَا فَلَا يدْخل فِي النَّهْي، وَبِه قَالَ اللَّيْث، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوَصْل فِي الشّعْر، فَقَالَ بَعضهم: لَا بَأْس عَلَيْهَا فِي وَصلهَا شعرهَا بِمَا وصلت بِهِ من صوف وخرقة وَغير ذَلِك، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم، وَسَأَلَ ابْن أَشوع عَائِشَة: ألعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَاصِلَة؟ قَالَت: أيا سُبْحَانَ الله! وَمَا بَأْس بِالْمَرْأَةِ الزَّعْرَاء أَن تَأْخُذ شَيْئا من صوف فتصل بِهِ شعرهَا فتتزين بِهِ عِنْد زَوجهَا؟ إِنَّمَا لعن الْمَرْأَة الشَّابَّة تبغي فِي شبيبتها ... .
قَالُوا: هَذَا الحَدِيث بَاطِل وَرُوَاته لَا يعْرفُونَ، وَابْن أَشوع لم يدْرك عَائِشَة، والزعراء بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء ممدوداً وَهِي الَّتِي لَا شعر لَهَا، وَقَالَ قوم: لَا يجوز الْوَصْل مُطلقًا وَلَكِن لَا بَأْس أَن تضع الْمَرْأَة الشّعْر وَغَيره على رَأسهَا وضعا مَا لم تصله، رُوِيَ ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم.

5933 - وَقَالَ ابنُ شَيْبَةَ: حدَّثنا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عَنْ عَطاءِ بنِ يَسار عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَعَنَ الله الوَاصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ والوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ.

ابْن أبي شيبَة هُوَ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان العباسي الْكُوفِي أَخُو عُثْمَان الْكُوفِي، وَالقَاسِم روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وروى هُنَا عَنهُ مُعَلّقا، وَيُونُس بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَدب الْبَغْدَادِيّ، وفليح بِضَم الْفَاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة ابْن سُلَيْمَان، وَكَانَ اسْمه عبد الْملك وفليح لقبه فغلب على اسْمه واشتهر بِهِ، وَزيد بن أسلم أَبُو أُسَامَة مولى عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.
وَوصل هَذَا الْمُعَلق أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق ابْن أبي شيبَة.

5934 - حدَّثني آدَمُ حدّثنا شعْبَةُ عَنْ عَمْروِ بنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بن مُسْلِمِ بنِ يَنَّاق يُحَدِّثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا: أنَّ جارِيَةً مِنَ الأنْصارِ تَزَوَّجتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعرُها، فأرادُوا أنْ يَصِلوها فَسَألُوا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَعَنَ الله الواصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5205) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مُسلم بن يناق بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد النُّون وَآخره قَاف كَأَنَّهُ إسم أعجمي، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون إسم فعال من الأنبق وَهُوَ الشَّيْء الْحسن المعجب، فسهلت همزته يَاء. قلت: فِيهِ بعد عَظِيم وَهَذَا تصرف من لَيْسَ لَهُ يَد فِي علم الصّرْف، وَالْحسن الْمَذْكُور تَابِعِيّ صَغِير من أهل مَكَّة ثِقَة عِنْدهم وَكَانَ كثير الرِّوَايَة عَن طَاوُوس وَمَات قبله، وَصفِيَّة بنت شيبَة بن عُثْمَان الْقرشِي الحجي.
والْحَدِيث قد مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب لَا تطيع الْمَرْأَة

(22/64)


زَوجهَا فِي مَعْصِيّة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَلاد بن يحيى وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فتمعط) أَي: تناثر وتساقط شعرهَا من دَاء وَنَحْوه. قَوْله: (أَن يصلوها) أَي: يصلوا شعرهَا.
تابَعَهُ ابنُ إسْحاقَ عَنْ أبانَ بنِ صالِحٍ عَن الحَسَنِ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عائِشَةَ
ابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَأَبَان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون ابْن صَالح بن عُمَيْر الْقرشِي، وَالْحسن هُوَ ابْن مُسلم الْمَذْكُور، وَصفِيَّة هِيَ بنت شيبَة الْمَذْكُورَة.

5935 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ المِقْدامِ حدّثنا فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا مَنْصورُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ امْرأةً جاءَتْ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ: إنِّي أنْكَحْتُ ابْنَتِي ثُمَّ أصابَها شَكْوَى فَتَمَرَّقَ رَأسُها وزَوْجُها يَسْتَحِثُّنِي بِها، أفأصلُ رَأسَها؟ فَسبَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الواصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن الْمِقْدَام بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة ابْن سُلَيْمَان أَبُو الْأَشْعَث الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ، وفضيل مصغر فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ فِي حفظه شَيْء، لَكِن قد تَابعه وهيب بن خَالِد عَن مَنْصُور عِنْد مُسلم، وَأَبُو معشر الْبَراء عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَمَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ يروي عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة الحجيبة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن زُهَيْر بن حَرْب.
قَوْله: (شكوى) أَي: مرض. قَوْله: (فتمرق) بالراء من المروق وَهُوَ خُرُوج الشّعْر من مَوْضِعه أَو من المرق وَهُوَ نتف الصُّوف، هَكَذَا بالراء فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي: فتمزق بالزاي وَهُوَ رِوَايَة مُسلم أَيْضا، وَقَالَ ابْن التِّين: فانمرق، قَالَ وبالزاي قرأناه، قَالَ: وَرُوِيَ: فامرق، على صِيغَة الْمَجْهُول وَلَا أعرف وَجهه، وَاقْتصر ابْن بطال على الزَّاي. قَوْله: (يستحثني) من أحثه على الشَّيْء واستحثه أَي: حضه عَلَيْهِ. قَوْله: (فسب) بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: لعن، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.

5936 - حدَّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأتِهِ فاطِمَةَ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ قالَتْ: لَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الواصِلَةَ والمُسْتَوْصلَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5935 وطرفه) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أَسمَاء أخرجه عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة عَن هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير عَن امْرَأَته فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير بن الْعَوام الأَسدِية ... إِلَى آخِره.

5937 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلِ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا عُبَيْدُ الله عَنْ نافِع عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَعَنَ الله الواصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ والواشِمَةَ والمَسْتَوْشِمَةَ.
قَالَ نافِعٌ: الوَشْمُ فِي اللِّثَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي اللبَاس أَيْضا عَن سُوَيْد بن نصر، وَقَالَ: حسن صَحِيح.
قَوْله: (فِي اللثة) بِكَسْر اللَّام وَتَخْفِيف الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَهِي مَا حول الْأَسْنَان من اللَّحْم، وَلم يرد نَافِع الْحصْر بل مُرَاده أَنه يَقع فِيهَا.

5938 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنِ المُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعاوِيَةُ المَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قدمهَا، فَخَطَبَنَا فأخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ قَالَ: مَا كُنْتُ أراى أحَداً يَفْعَلُ هذَا غَيْرَ اليهُود، إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ الزُّورَ، يَعْني الواصِلة فِي الشَّعَرِ.

(22/65)


حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا مضى فِي أول الْبَاب وَفِيه من الزِّيَادَة مَا لَيْسَ فِي ذَاك.
قَوْله: (الزُّور) قَالَ ابْن الْأَثِير الزُّور: الْكَذِب وَالْبَاطِل والتهمة، وَمِنْه سمي شَاهد الزُّور، وسمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَصْل زوراً لِأَنَّهُ كذب وتغيير خلق الله تَعَالَى، وَفِي (صَحِيح مُسلم) : نهى عَن الزُّور، وَفِي آخِره إِلَّا وَهَذَا الزُّور، قَالَ قَتَادَة يَعْنِي: مَا تكْثر بِهِ النِّسَاء شعورهن من الْخرق.

84 - (بابُ المُتَنَمِّصاتِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ النِّسَاء المتنمصات، وَهُوَ جمع متنمصة، وَقَالَ بَعضهم: المتنمصة الَّتِي تطلب النماص، قلت: لَيْسَ كَذَلِك بل مَعْنَاهُ الَّتِي تتكلف النماص وَهُوَ إِزَالَة شعر الْوَجْه، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ: المتنمصة، بِتَقْدِيم الْمِيم على النُّون وَهُوَ مقلوب.

5939 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْراهِيمَ أخبرنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْراهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَعَنَ عَبْدُ الله الواشِماتِ والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّراتِ خَلْقَ الله، فقالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ: مَا هاذا؟ قَالَ عَبْدُ الله: وَمَا ليَ لَا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي كِتابِ الله؟ قالَتْ: وَالله لَقَدْ قَرَأتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَما وَجَدْتُهُ، قَالَ: وَالله لَئِن قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيه: { (95) وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} (الْحَشْر: 7) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالْمُتَنَمِّصَات) . وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه وَجَرِير بن عبد الحميد وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس النَّخعِيّ، وَعبد الله بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي أول: بَاب المتفلجات لِلْحسنِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مَعَ بَيَان أم يَعْقُوب.
قَوْله: (مَا بَين اللَّوْحَيْنِ) ، أَي: الدفتين، أَو الَّذِي يُسمى بالرحل وَيُوضَع عَلَيْهِ الْمُصحف، وَهُوَ كِنَايَة عَن الْقُرْآن. قَوْله: (لَئِن قرأتيه) بياء حَاصِلَة من إشباع الكسرة وَمر فِي سُورَة الْحَشْر.

85 - (بابُ المَوْصُولَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ الْمَرْأَة الموصولة.

5940 - حدَّثني مُحَمَّدٌ حدّثنا عَبْدَةُ الله عَنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: لَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الواصِلَةَ والمُسْتَوصِلَةَ والواشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (المستوصلة) ، وَهِي الموصولة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.

5942 - حدَّثني يُوسُفُ بنُ مُوساى حدّثنا الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ حَدثنَا صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَّةَ عَنْ نافِعٍ

(22/66)


عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ قَالَ: النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الواشِمَةُ والمُوتَشِمَةُ والواصِلَةُ والمُسْتَوْصِلَةُ يَعْنِي: لَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالْمسْتَوْصِلَة) لِأَنَّهَا الموصولة. ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الْكُوفِي سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَالْفضل بن دُكَيْن بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: الْفضل بن زُهَيْر، وَفِي راية بعض رُوَاة الْفربرِي: الْفضل بن دُكَيْن أَو الْفضل بن زُهَيْر بالتردد، وَمرَّة جزم بِالْفَضْلِ بن زُهَيْر. قَالَ أَبُو عَليّ الغساني: هُوَ الْفضل بن دُكَيْن بن حَمَّاد بن زُهَيْر، فنسب مرّة إِلَى جد أَبِيه وَهُوَ أَبُو نعيم شيخ البُخَارِيّ، وَقد حدث عَنهُ بالكثير بِغَيْر وَاسِطَة، وَحدث هُنَا وَفِي مَوَاضِع أُخْرَى بالواسطة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع.
قَوْله: (قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قَالَ النَّبِي) شكّ من الرَّاوِي هَل قَالَ عبد الله بن عمر: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (الواشمة) الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة وَبعدهَا مقول القَوْل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد هَذِه الْأَرْبَعَة فِي معرض اللَّعْن وَلم يُصَرح بِهِ، وأوضحه ابْن عمر بقوله: يَعْنِي: لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي بعض الرِّوَايَات قَالَ ابْن عمر: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الواشمة وَمَا بعْدهَا، وعَلى تَقْدِير الرِّوَايَة، قَالَ النَّبِي: لعن الله الواشمة ... إِلَى آخِره. فعلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يحْتَاج إِلَى ذكر شَيْء وَلم يتَعَرَّض أحد من الشُّرَّاح إِلَى حل هَذَا الْموضع غير أَن بَعضهم قَالَ فِي قَوْله: لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَّجه لي هَذَا التَّفْسِير إلاَّ إِن كَانَ المُرَاد: لعن الله على لِسَان نبيه، أَو: لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للعن الله تَعَالَى: قلت: مَا أبعد مَا قَالَه وَلم يتَّجه لَهُ هَذَا كَمَا قَالَه. قَوْله: (وَالْمسْتَوْصِلَة) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: المؤتصلة.

5943 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبَرَنا سُفْيانُ عَنْ مَنْصُور عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: لَعَنَ الله الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ والمتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّراتِ خَلْقَ الله تَعَالَى، مَا لي لَا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ فِي كِتابِ الله.
حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا قد مضى فِي أول الْبَاب غير أَنه هُنَاكَ أخرجه عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم وَهنا عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم، وَفِي الْمَتْن زِيَادَة ونقصان، وَقد مر تَفْسِيره هُنَاكَ.