عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 86 - (بابُ الواشِمَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ الْمَرْأَة الواشمة، وَهِي
الَّتِي تشِمُ.
5944 - حدَّثني يَحْياى حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
العَيْنُ حَقٌّ، ونَهاى عَنِ الوَشْمِ. (انْظُر الحَدِيث
5740) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (عَن الوشم)
لِأَن الوشم لَا يحصل إلاَّ بالواشمة. وَيحيى إِمَّا ابْن
يُونُس، وَإِمَّا ابْن جَعْفَر، وَمعمر بِفَتْح الميمين
ابْن رَاشد، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن
مُنَبّه.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن إِسْحَاق بن نصر.
قَوْله: (الْعين حق) أَي: الْإِصَابَة بِالْعينِ حق لَهَا
تَأْثِير.
حدّثني ابنُ بَشارٍ حَدثنَا ابنُ مَهْدِيّ حَدثنَا
سُفْيانُ قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبد الرَّحْمان بنِ عابِسٍ
حدِيث مَنْصُور عَن ابْراهِيمَ عَنْ عَلْقمَةَ عَنْ عَبْدِ
الله فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ أُمّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ
الله مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُور.
قد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب المتنمصات وَابْن بشار
هُوَ مُحَمَّد بن بشار، بتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة،
وَابْن مهْدي هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَابس، قد ذكر عَن
قريب، وَالْبَاقِي ظَاهر.
(22/67)
5945 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ
حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بنِ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ:
رأيْتُ أبِي فَقَالَ: إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نَهاى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وثَمَنِ الكَلْبِ وآكلِ
الرِّبا ومُوكِلِهِ والواشِمةِ والمُسْتَوْشِمَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَاسم أبي جُحَيْفَة وهب
بن عبد الله السوَائِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي
الطَّلَاق عَن آدم.
قَوْله: (عَن ثمن الدَّم) لِأَنَّهُ نجس أَو هُوَ مَحْمُول
على أُجْرَة الْحجام (وَثمن الْكَلْب) سَوَاء كَانَ معلما
أَو لَا، جَازَ اقتناؤه أم لَا؟ قَالَه الْكرْمَانِي: قلت:
فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الْبيُوع. قَوْله: (وموكله)
أَي: الْمُعْطِي لِأَنَّهُ شريك فِي الْإِثْم كَمَا أَنه
شريك فِي الْفِعْل.
87 - (بَاب المُسْتَوْشِمَة)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ الْمَرْأَة المستوشمة.
أَي: طالبة الوشم.
5946 - حدَّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنْ
عُمارَةَ عَنْ أبي زُرْعَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:
أتِيَ عُمَرُ بامْرَأةٍ تَشِمُ، فقامَ فَقَالَ:
أنْشُدُكُمْ بِاللَّه مَنْ سَمِعَ مِنَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الوَشْمِ؟ فَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ:
فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! أَنا
سَمِعْتُ. قَالَ: مَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: لَا تَشِمْنَ وَلَا
تَسْتَوْشِمْنَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلَا تستوشمن)
. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَعمارَة بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن الْقَعْقَاع ابْن
شبْرمَة، وَأَبُو زرْعَة هرم بن عَمْرو بن جرير.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم عَن جرير.
قَوْله: (تشم) من وشم وشماً وَهُوَ غرز الإبرة فِي الْيَد
وَنَحْوهَا وذر الْكحل وَنَحْوه فِيهَا. قَوْله:
(أنْشدكُمْ) بِفَتْح الْهمزَة وَضم الشين، تَقول: أنشدتك
أَي: سَأَلتك بِاللَّه كَأَنَّك ذكرته إِيَّاه. قَوْله:
(لَا تشمن) بِفَتْح أَوله وَكسر الشين الْمُعْجَمَة
وَسُكُون الْمِيم وبنون الْخطاب للْجمع الْمُؤَنَّث.
قَوْله: (وَلَا تستوشمن) أَي: لَا تَطْلُبن الوشم.
وَفَائِدَة ذكر أبي هُرَيْرَة قصَّة عمر رَضِي الله عَنهُ،
إِظْهَار ضَبطه وَأَنه كَانَ عمر يستثبته فِي الْأَحَادِيث
مَعَ تشدد عمر رَضِي الله عَنهُ، وَلَو أنكر عَلَيْهِ عمر
ذَلِك لنقل.
5947 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيدٍ عَنْ
عُبَيْدِ الله أَخْبرنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ:
لَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الوَاصِلَةَ
والمُسْتَوْصِلَةَ والواشِمَة والمُسْتَوْشِمَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَيحيى بن سعيد
الْقطَّان وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ. والْحَدِيث قد
تقدم.
5948 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا عَبْدُ
الرَّحْمانِ عَنْ سُفْيانَ عَنْ مَنْصُور عَنْ إبْرَاهِيم
عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ،
قَالَ: لَعَنَ الله الوَاشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ
والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ
المُغيِّرَاتِ خَلْقَ الله تَعَالَى، لاَ ألْعَنُ مَنْ
لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ فِي
كِتاب الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (المستوشمات) . وَعبد
الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
والبقية قد ذكرت عَن قريب، والْحَدِيث أَيْضا قد تقدم.
88 - (بابُ التصاويرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم التصاوير من جِهَة
اسْتِعْمَالهَا واتخاذها، وَهُوَ جمع تَصْوِير بِمَعْنى
الصُّورَة، وَصُورَة الشَّيْء حَقِيقَته وهيئته، وَوجه ذكر
هَذَا الْبَاب والأبواب التِّسْعَة الَّتِي بعده فِي كتاب
اللبَاس هُوَ أَن الْغَرَض من اللبَاس الزِّينَة. قَالَ
تَعَالَى: {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} (الْأَعْرَاف:
31) أَي: عِنْد كل صَلَاة، وَالصُّورَة تتَّخذ للزِّينَة
لَا سِيمَا إِذا كَانَت فِي اللبَاس، والأبواب التِّسْعَة
الَّتِي بعده كلهَا من تعلقات الصُّورَة.
5949 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ: حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْب عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ الله بن عبدِ الله بنِ
(22/68)
عَتْبَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ عَنْ أبي
طَلْحَةَ رَضِي الله عَنْهُم، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَدْخلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً
فِيهِ كَلْبٌ ولاَ تَصاوِيرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا تصاوير) وآدَم
هُوَ ابْن أبي إِيَاس يروي عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب بِكَسْر الذَّال
الْمُعْجَمَة واسْمه هِشَام بن سعيد، وَأَبُو طَلْحَة زيد
بن سهل الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن
الصَّحَابِيّ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِيمَا مضى فِي بَدْء الْخلق
عَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَفِي الْمَغَازِي عَن إِبْرَاهِيم
بن مُوسَى وَغَيره. وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن
يحيى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (الْمَلَائِكَة) ظَاهره الْعُمُوم وَلَكِن
اسْتثْنى الْحفظَة لأَنهم لَا يفارقون الشَّخْص بِكُل
حَال، وَبِذَلِك جزم ابْن وضاح والخطابي والداودي
وَآخَرُونَ، وَقَالُوا: المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ فِي
هَذَا الحَدِيث مَلَائِكَة الْوَحْي مثل جِبْرِيل
وإسرافيل، وَأما الْحفظَة فَإِنَّهُم يدْخلُونَ كل بَيت
وَلَا يفارقون الْإِنْسَان أصلا إلاَّ عِنْد الْخَلَاء
وَالْجِمَاع، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث فِيهِ ضعف، وَقيل:
المُرَاد مَلَائِكَة يطوفون بِالرَّحْمَةِ
وَالِاسْتِغْفَار. قَوْله: (بَيْتا) المُرَاد بِهِ
الْمَكَان الَّذِي يسْتَقرّ بِهِ الشَّخْص سَوَاء كَانَ
بَيْتا أَو خيمة أَو غير ذَلِك. قَوْله: (فِيهِ كلب)
الظَّاهِر فِيهِ الْعُمُوم وَمَال إِلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ
وَالنَّوَوِيّ، وَقَالَ الْخطابِيّ: يسْتَثْنى مِنْهُ
الْكلاب الَّتِي أذن فِي اتخاذها نَحْو كلاب الصَّيْد
والماشية وَالزَّرْع، وَاخْتلفُوا فِي وَجه امْتنَاع
الْمَلَائِكَة من دُخُول الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْكَلْب.
فَقيل: لكَونه بخس الْعين، وَقيل: لكَونه من الشَّيَاطِين،
وَقيل: لأجل النَّجَاسَة الَّتِي تتَعَلَّق بِهِ فَإِنَّهُ
يكثر أكل النَّجَاسَة وتتلطخ بِهِ. قلت: كل هَذَا لَا يجدي
لِأَن الْخِنْزِير أَشد نَجَاسَة مِنْهُ للنَّص الْوَارِد
فِيهِ وَلَا يَخْلُو بَيت من الشَّيَاطِين، والسنور أَيْضا
يكثر أكل النَّجَاسَة وَمَعَ هَذَا لم يرد امْتنَاع
الْمَلَائِكَة من الدُّخُول فِي الْبَيْت الَّذِي فِيهِ
هرة وَلَا خِنْزِير وَغَيرهمَا إلاَّ فِي الْبَيْت الَّذِي
فِيهِ الْكَلْب خَاصَّة من دون سَائِر الْحَيَوَانَات
النَّجِسَة. قَوْله: (وَلَا تصاوير) وَفِي الرِّوَايَة
الَّتِي تقدّمت فِي بَدْء الْخلق: وَلَا صُورَة،
بِالْإِفْرَادِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: المُرَاد من الصُّور
الَّتِي فِيهَا الرّوح مِمَّا لم يقطع رَأسه أَو لم يمتهن
بِالْوَطْءِ، وَأغْرب ابْن حبَان فَادّعى أَن هَذَا الحكم
خَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: وَهُوَ
نَظِير الحَدِيث الآخر: لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة
فِيهَا جرس، قَالَ: فَإِنَّهُ مَحْمُول على رفْقَة فِيهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ إِذْ محَال أَن يخرج
الْحَاج أَو الْمُعْتَمِر لقصد بَيت الله على رواحل لَا
تصحبها الْمَلَائِكَة وهم وَفد الله عز وَجل. فَإِن قلت:
قَالَ الله تَعَالَى عِنْد ذكر سُلَيْمَان، (يعْملُونَ
لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل قَالَ مُجَاهِد: كَانَت
صوراً من نُحَاس، أخرجه الطَّبَرَانِيّ، وَقَالَ قَتَادَة:
كَانَت من خشب وَمن زجاج، أخرجه عبد الرَّزَّاق. قلت:
كَانَ ذَلِك جَائِزا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة، وَكَانُوا
يعْملُونَ أشكال الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ مِنْهُم
على هيئتهم فِي عِبَادَتهم ليتعبدوا كعبادتهم، ثمَّ جَاءَ
شرعنا بِالنَّهْي عَن ذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني يُونُسُ عَنِ شِهاب أخْبَرَني
عُبَيْدُ الله سَمِع ابنَ عبَّاس سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ
سَمعْتَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج)
من طَرِيق أبي صَالح كَاتب اللَّيْث، وَفَائِدَة هَذَا
التَّعْلِيق الْإِشَارَة إِلَى تَصْرِيح ابْن شهَاب وَهُوَ
الزُّهْرِيّ، وتصريح شَيْخه بِالتَّحْدِيثِ، وتصريح
بِالسَّمَاعِ عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس، وَسَمَاع ابْن
عَبَّاس عَن ابْن أبي طَلْحَة، وَسَمَاع أبي طَلْحَة من
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
89 - (بابُ عَذَابِ المُصَوِّرِين يَوْمَ القِيامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عَذَاب المصورين أَي: الَّذين
يصنعون الصُّور يَوْم الْقِيَامَة.
161 - (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا
الْأَعْمَش عَن مُسلم قَالَ كُنَّا مَعَ مَسْرُوق فِي دَار
يسَار بن نمير فَرَأى فِي صفته تماثيل فَقَالَ سَمِعت عبد
الله قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول إِن أَشد النَّاس عذَابا عِنْد الله
يَوْم الْقِيَامَة المصورون)
(22/69)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحميدِي
مر عَن قريب وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالْأَعْمَش
هُوَ سُلَيْمَان وَمُسلم هُوَ ابْن الصبيح أَبُو الضُّحَى
وَقَالَ بَعضهم وَجوز الْكرْمَانِي أَن يكون مُسلم بن
عمرَان البطين ثمَّ قَالَ أَنه الظَّاهِر وَهُوَ مَرْدُود
فقد وَقع فِي رِوَايَة مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث من طَرِيق
وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى قلت لم يقل
الْكرْمَانِي هَذَا بل قَالَ مُسلم يحْتَمل أَن يكون أَبَا
الضُّحَى وَأَن يكون البطين لِأَنَّهُمَا يرويان عَن
مَسْرُوق وَالْأَعْمَش يروي عَنْهُمَا وَالظَّاهِر هُوَ
الثَّانِي وَلَا قدح بِهَذَا الِاشْتِبَاه لِأَن كلا
مِنْهُمَا بِشَرْط البُخَارِيّ وَالْعجب من هَذَا
الْقَائِل أَنه ينْقل غير صَحِيح ثمَّ يسْتَدلّ على صِحَة
قَوْله بِمَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم وَهُوَ اسْتِدْلَال
مَرْدُود لِأَن رِوَايَة مُسلم عَن أبي الضُّحَى لَا
تَسْتَلْزِم رِوَايَة البُخَارِيّ عَنهُ لوُجُود
الِاحْتِمَال الْمَذْكُور ومسروق هُوَ ابْن الأجدع ويسار
ضد الْيَمين ابْن نمير بالنُّون الَّذِي سكن الْكُوفَة
وَكَانَ مولى عمر وخازنه وَله رِوَايَة عَن عمر وَغَيره
وروى عَنهُ أَبُو وَائِل وَهُوَ من أقرانه وَأَبُو إِسْحَق
السبيعِي وَهُوَ ثِقَة وَلَا يظْهر لَهُ فِي البُخَارِيّ
غير هَذَا الْموضع والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن
ابْن عمر وَآخَرين وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن
أَحْمد بن حَرْب وَغَيره قَوْله فِي صفته صفة الدَّار
مَشْهُورَة قَوْله " تماثيل " جمع تِمْثَال بِكَسْر
التَّاء وَهُوَ اسْم من الْمِثَال يُقَال مثلت
بِالتَّخْفِيفِ والتثقيل إِذا صورت مِثَالا وَقيل لَا فرق
بَين الصُّورَة والتمثال وَالصَّحِيح أَن بَينهمَا فرقا
وَهُوَ أَن الصُّورَة تكون فِي الْحَيَوَان والتمثال يكون
فِيهِ وَفِي غَيره وَقيل التمثال مَا لَهُ جرم وشخص
وَالصُّورَة مَا كَانَ رقما أَو تزويقا فِي ثوب أَو حَائِط
قَوْله إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة
المصورون هَكَذَا وَقع فِي مُسْند الْحميدِي عَن سُفْيَان
يَوْم الْقِيَامَة وروى أَن أَشد النَّاس عذَابا عِنْد
الله وَيحْتَمل أَن الْحميدِي حدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ
وَالَّذِي حدث بِهِ الْحميدِي فِي مُسْنده هُوَ المطابق
للتَّرْجَمَة وَمعنى قَوْله عِنْد الله أَي فِي حكم الله
تَعَالَى وَوَقع لمُسلم فِي رِوَايَة من طَرِيق أبي
مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش أَن من أَشد أهل النَّار يَوْم
الْقِيَامَة عذَابا المصورون كَذَا وَقع عِنْد بعض الروَاة
وَعند الْأَكْثَرين المصورين وَوجه بِأَن من زَائِدَة
وَاسم أَن أَشد ووجهها ابْن مَالك على حذف ضمير الشَّأْن
وَالتَّقْدِير أَنه من أَشد النَّاس الخ فَإِن قلت هُنَا
أشكال وَهُوَ كَون المصور أَشد النَّاس عذَابا مَعَ قَوْله
تَعَالَى {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} فَإِنَّهُ
يَقْتَضِي أَن يكون المصور أَشد عذَابا من آل فِرْعَوْن
قلت أجَاب الطَّبَرِيّ بِأَن المُرَاد هُنَا من يصور مَا
يعبد من دون الله تَعَالَى وَهُوَ عَارِف بذلك قَاصد لَهُ
فَإِنَّهُ يكفر بذلك فَلَا يبعد أَن يدْخل مدْخل آل
فِرْعَوْن وَأما من لَا يقْصد ذَلِك فَإِنَّهُ يكون
عَاصِيا بتصويره فَقَط وَفِيه نظر وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ
أَن النَّاس الَّذِي أضيف إِلَيْهِم أَشد لَا يُرَاد بهم
كل النَّاس بل بَعضهم وهم الَّذين شاركوا فِي الْمَعْنى
المتوعد عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ ففرعون أَشد النَّاس
الَّذين ادعوا الآلهية عذَابا وَمن يَقْتَدِي بِهِ فِي
ضَلَالَة كفره أَشد عذَابا مِمَّن يَقْتَدِي بِهِ فِي
ضَلَالَة فسقه وَمن صور صُورَة ذَات روح لِلْعِبَادَةِ
أَشد عذَابا مِمَّن يصورها لَا لِلْعِبَادَةِ وَقيل
الرِّوَايَة ثَابِتَة بِإِثْبَات من وبحذفها مَحْمُولَة
عَلَيْهَا وَإِذا كَانَ من يفعل التَّصْوِير من أَشد
النَّاس عذَابا كَانَ مُشْتَركا مَعَ غَيره وَلَيْسَ فِي
الْآيَة مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاص آل فِرْعَوْن بأشد
الْعَذَاب بل هم فِي الْعَذَاب الأشد فَكَذَلِك غَيرهم
يجوز أَن يكون فِي الْعَذَاب الأشد وَقيل الْوَعيد
بِهَذِهِ الصِّيغَة أَن ورد فِي حق كَافِر فَلَا إِشْكَال
فِيهِ لِأَنَّهُ يكون مُشْتَركا فِي ذَلِك مَعَ آل
فِرْعَوْن وَيكون فِيهِ دلَالَة على عظم كفر الْمَذْكُور
وَإِن كَانَ ورد فِي حق عَاص فَيكون أَشد عذَابا من غَيره
من العصاة وَيكون ذَلِك دَالا على عظم الْمعْصِيَة
الْمَذْكُورَة وَفِي التَّوْضِيح قَالَ أَصْحَابنَا
وَغَيرهم تَصْوِير صُورَة الْحَيَوَان حرَام أَشد
التَّحْرِيم وَهُوَ من الْكَبَائِر وَسَوَاء صنعه لما
يمتهن أَو لغيره فَحَرَام بِكُل حَال لِأَن فِيهِ مضاهاة
لخلق الله وَسَوَاء كَانَ فِي ثوب أَو بِسَاط أَو دِينَار
أَو دِرْهَم أَو فلس أَو إِنَاء أَو حَائِط وَأما مَا
لَيْسَ فِيهِ صُورَة حَيَوَان كالشجر وَنَحْوه فَلَيْسَ
بِحرَام وَسَوَاء كَانَ فِي هَذَا كُله مَا لَهُ ظلّ وَمَا
لَا ظلّ لَهُ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جمَاعَة الْعلمَاء مَالك
وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَغَيرهم وَقَالَ القَاضِي
إِلَّا مَا ورد فِي لعب الْبَنَات وَكَانَ مَالك يكره
شِرَاء ذَلِك -
5951 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حَدثنَا أنَسُ
بنُ عِياضٍ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ
الله ابنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أخْبَرَهُ أنَّ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ الَّذِينَ
يَصْنَعُونَ هاذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ
(22/70)
يَوْمَ القِيامَةِ، يُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا
مَا خَلَقْتُمْ. (انْظُر الحَدِيث 5951 طرفه فِي: 7558) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن عمر
الْعمريّ. والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَغَيره.
قَوْله: (أحيوا مَا خلقْتُمْ) أَي: اجعلوه حَيَوَانا ذَا
روح، وَهَذَا الْأَمر يُسمى أَمر تعجيز وَمعنى: خلقْتُمْ،
قدرتم وصورتم.
90 - (بابُ نَقْضِ الصُّوَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نقض الصُّور، والنقض بِفَتْح
النُّون وَسُكُون الْقَاف وبالضاد الْمُعْجَمَة من نقض
الشَّيْء وَهُوَ تَغْيِير هَيئته بِكَسْر وَنَحْوه.
5952 - حدَّثنا مُعاذُ بنُ فَضالَةَ حدّثنا هِشامٌ عَنْ
يَحْياى عَنْ عِمْرَانَ بنِ حطَّانَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي
الله عَنْهَا حدَّثَتْهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً فِيهِ
تَصالِيبُ إلاَّ نَقَضَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومعاذ بِضَم الْمِيم
وبالعين الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة ابْن فضَالة
بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهِشَام
هُوَ ابْن أبي عبد الله الدستوَائي، وَيحيى هُوَ ابْن أبي
كثير، وَعمْرَان بن حطَّان بِكَسْر الْمُهْملَة الأولى
وَشدَّة الثَّانِيَة وبالنون السدُوسِي.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن
إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود الجحدري.
قَوْله: (يتْرك) بِالرَّفْع وبالجزم بَدَلا مِمَّا قبله.
قَوْله: (فِيهِ تصاليب) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي التصاوير
كالصليب، يُقَال: ثوب مصلب أَي: عَلَيْهِ نقش كالصليب
الَّذِي لِلنَّصَارَى، وَقَالَ بَعضهم: التصاليب جمع
صَلِيب كَأَنَّهُمْ سموا مَا كَانَت فِيهِ صُورَة
الصَّلِيب تصليباً تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ. قلت: على مَا
ذكره يكون التصاليب جمع تصليب لَا جمع صَلِيب، وَوَقع فِي
رِوَايَة الْكشميهني: تصاوير بدل تصاليب. قَوْله: (نقضه)
أَي: كَسره وأبطله وَغير صورته، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبان: الْأَقْضِيَة
بِالْقَافِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة
المفتوحات، ورجحها بعض شرَّاح (المصابيح) ورده
الطَّيِّبِيّ وَقَالَ: رُوَاة البُخَارِيّ أضبط والاعتماد
عَلَيْهِم أولى.
5953 - حدَّثنا مُوسَى عَبْدُ الوَاحِدِ حَدثنَا عُمارَةُ
حَدثنَا أبُو زُرْعَة قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أبي هُرَيْرَةَ
دَارا بالمَدِينَةِ فَرَأى أعْلاَها مُصَوِّراً يُصَوِّرُ،
قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يَقُولُ: ومنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي
فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً ثُمَّ دَعا
بِتَوْرٍ مِنْ ماءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ
إبْطَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. أشَيْءٌ مِنْ
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: مُنْتَهى
الحِلْيَةِ. (انْظُر الحَدِيث الحَدِيث 5953 طرفه فِي:
7559) .
لَيْسَ فِيهِ تعرض إِلَى النَّقْض وَلم تبْق الْمُطَابقَة
إلاَّ فِي لفظ: الصُّور، فَقَط. ومُوسَى هُوَ ابْن
إِسْمَاعِيل، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَعمارَة
بِالضَّمِّ هُوَ ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة هوا بن
عَمْرو بن جرير.
قَوْله: (دَارا بِالْمَدِينَةِ) هِيَ لمروان بن الحكم،
وَقع ذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم لَهُ: دَارا تبنى لسَعِيد
أَو لمروان بِالشَّكِّ، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْعَاصِ بن
سعيد الْأمَوِي، وَكَانَ هُوَ ومروان بن الحكم يتعاقبان
إمرة الْمَدِينَة لمعاوية بن أبي سُفْيَان، وَالرِّوَايَة
الجازمة أولى. قَوْله: (مصوراً) أَي: شخصا مصوراً، وَهُوَ
إسم فَاعل من التَّصْوِير وانتصابه على أَنه مفعول رأى.
قَوْله: (أَعْلَاهَا) أَي: أَعلَى الدَّار، أَرَادَ سقفها.
قَوْله: (يصور) على صِيغَة الْمَعْلُوم من الْمُضَارع فِي
مَحل النصب على الْحَال، مَعْنَاهُ: يصنع الصُّور. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: مصوراً بِلَفْظ الْمَفْعُول، وبصور بِلَفْظ
الْجَار وَالْمَجْرُور. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بعيد. قلت:
لم يبين وَجه بعده فَلَا بعد أصلا بل هُوَ أقرب على مَا
لَا يخفى. قَوْله: (وَمن أظلم مِمَّن ذهب يخلق) أَي: وَلَا
أحد أظلم مِمَّن قصد حَال كَونه يخلق أَي: يصنع وَيقدر
كخلقي، وَفِيه حذف تَقْدِيره: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تَعَالَى: {وَمن أظلم} ...
إِلَى آخِره، وَنَحْوه فِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل. فَإِن
قلت: كَيفَ التَّشْبِيه فِي قَوْله: كخلقي؟ قلت:
التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ، يَعْنِي: كخلقي فِي فعل
الصُّورَة لَا من كل الْوُجُوه، قيل: الْكَافِر أظلم
مِنْهُ. وَأجِيب: بِأَن الَّذِي يصور الصَّنَم
لِلْعِبَادَةِ هُوَ كَافِر، فَهُوَ هُوَ أَو يزِيد
(22/71)
عَذَابه على سَائِر الْكفَّار لزِيَادَة
قبح كفره. قَوْله (حَبَّة) أَي: حَبَّة فِيهَا طعم يُؤْكَل
وَينْتَفع بهَا كالحنطة والذرة بِفَتْح الذَّال
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء النملة الصَّغِيرَة،
وَالْغَرَض تعجيزهم تَارَة بِخلق الجماد، وَأُخْرَى بِخلق
الْحَيَوَان. قَوْله: (ثمَّ دَعَا) ، أَي: أَبُو
هُرَيْرَة. قَوْله: (بتور بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَهُوَ إِنَاء كالطست. قَوْله: (من مَاء) قَالَ
بَعضهم: أَي: فِيهِ مَاء. قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح بل
الصَّحِيح أَن كلمة: من، هُنَا بِمَعْنى: الْبَاء، أَي:
دَعَا بتور بِمَاء، وَكلمَة: من تَجِيء بِمَعْنى الْبَاء
كَمَا كَانَ فِي قَوْله تَعَالَى: (ينظرُونَ من طرف خَفِي)
(الشورى: 45) . قَوْله: (فَغسل يَدَيْهِ) غسل الْيَد
كِنَايَة عَن الْوضُوء لِأَن الْوضُوء مُسْتَلْزم لَهُ.
قَوْله: (إبطية) ويروى (ابطه) بِالْإِفْرَادِ قَوْله:
(فَقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَة) الْقَائِل أَبُو زرْعَة
الرَّاوِي. قَوْله: (أَشَيْء مسمعته؟) أَي: تَبْلِيغ
المَاء إِلَى الْإِبِط شَيْء مسمعته من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم؟ (فَقَالَ: مُنْتَهى الْحِلْية) ، أَي:
التَّبْلِيغ إِلَى الْإِبِط مُنْتَهى حلية الْمُؤمن فِي
الْجنَّة. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي
الله عَنهُ، تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ
الْوضُوء، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ضمن يبلغ معنى يتَمَكَّن
وعدى بِمن أَي: يتَمَكَّن من الْمُؤمن الْحِلْية مبلغا
بتمكنه الْوضُوء مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو عبيد: الْحِلْية
هُنَا التحجيل يَوْم الْقِيَامَة من أثر الْوضُوء، وَقَالَ
غَيره: هُوَ من قَوْله تَعَالَى: { (81) يحلونَ فِيهَا من
أساور} (الْكَهْف: 31 وَالْحج: 23، وفاطر: 33) .
91 - (بابُ مَا وُطىءَ منَ التصاوِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا وطىء على صِيغَة
الْمَجْهُول أَي: ديس بالأقدام وامتهن من التصاوير.
5954 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سفْيانُ
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ القاسِمِ وَمَا
بالمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أفْضَلُ مِنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
أبي قَالَ: سمعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا: قَدِمَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْ سَفَر وقَدْ
سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لي عَلَى سَهْوَةٍ لي فِيهَا
تَماثِيلُ، فَلَمَّا رآهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، هَتَكَهُ وَقَالَ: أشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ
القِيامَةِ الَّذِينَ يُضاهُونَ بِخَلْقِ الله. قالَتْ:
فَجَعَلْناهُ وِسادَةً أوْ سادَتَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وسَادَة)
لِأَنَّهُ يرتفق بهَا ويمتهن، وَتقدم فِي: بَاب
الْمَظَالِم، قَالَت: فاتخذت مِنْهُ نمرقتين، النمرقة
الوسادة الَّتِي يتكىء عَلَيْهَا.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم يروي عَن
أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي
الله عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب هَل تكسر
الدنان؟ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (من سفر) روى الْبَيْهَقِيّ أَنه كَانَ غَزْوَة
تَبُوك، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: غَزْوَة تَبُوك
أَو خَيْبَر، على الشَّك. قَوْله: (بقرام) بِكَسْر الْقَاف
وبالراء هُوَ ستر فِيهِ رقم ونقوش، وَقيل: السّتْر
الرَّقِيق، وَقيل: ثوب من صوف ملون يفرش فِي الهودج أَو
يغطى بِهِ. قَوْله: (سهوة) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْهَاء وبالواو وَهِي الصّفة تكون بَين يَدي
الْبيُوت، وَقيل: الكوة، وَقيل: الرف والطاق، وَقيل: هُوَ
بَيت صَغِير منحدر فِي الأَرْض شَبيه بالخزانة
الصَّغِيرَة، وَقيل: أَرْبَعَة أَعْوَاد أَو ثَلَاثَة
تعَارض بِبَعْض يوضع عَلَيْهَا شَيْء من الْأَمْتِعَة،
وَقيل: إِنَّه يبْنى من حَائِط الْبَيْت حَائِط صَغِير
وَيجْعَل السّقف على الْجَمِيع، فَمَا كَانَ وسط الْبَيْت
فَهُوَ السهوة، وَمَا كَانَ دَاخله فَهُوَ مخدع، وَقيل:
دخلة فِي نَاحيَة الْبَيْت. قَوْله: (هتكه) أَي: قطعه
ونزعه، وَفِي رِوَايَة تاتي: فَأمرنِي أَن أنزعه فنزعته.
قَوْله: (يضاهون) أَي: يشابهون بِخلق الله. قَوْله:
(وسَادَة) أَي: مخدة.
5955 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا عبدُ الله بنُ داوُدَ
عنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قَدِمَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، منْ سَفَرٍ وعَلقْتُ
دُرْنُوكاً فِيهِ تَماثِيلُ فأمَرَني أنْ أنْزِعَهُ
فَنَزَعْتُهُ.
وكُنْتُ أغُتَسِلُ أَنا والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مِنْ إناءٍ واحدٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عَن مُسَدّد
عَن عبد الله بن دَاوُد الْهَمدَانِي الْكُوفِي ثمَّ
الْبَصْرِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير.
قَوْله: (درنوكا) بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون
الرَّاء وَضم النُّون وبالكاف، وَيُقَال: درموك، بِالْمِيم
بدل النُّون وَهُوَ ضرب من الستور لَهُ خمل، وَقيل: نوع من
الْبسط، وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ ثوب غليظ لَهُ خمل إِذا
فرش فَهُوَ بِسَاط، وَإِذا
(22/72)
علق فَهُوَ ستر.
قَوْله: (وَكنت أَغْتَسِل)
إِلَى آخِره أورد هَذَا عقيب حَدِيث التَّصْوِير، وَهُوَ
حَدِيث مُسْتَقل قد أفرده فِي كتاب الطَّهَارَة، وَوجه
ذكره عقيب حَدِيث التَّصْوِير هُوَ كَأَنَّهُ سَمعه على
هَذَا الْوَجْه فأورد مثل مَا سَمعه، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: لَعَلَّ الدرنوك كَانَ مُعَلّقا بِبَاب
المغتسل، أَو بِحَسب سُؤال أَو غير ذَلِك.
92 - (بابُ مَنْ كَرِهَ القُعُودَ عَلَى الصُّوَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من كره الْقعُود على شَيْء
عَلَيْهِ صُورَة، وَلَو كَانَ يداس ويمتهن.
5957 - حدَّثني حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حدَّثنا
جُوَيْرِيَّةُ عَنْ نافِعٍ عَنِ القاسِمِ عَنْ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا، أنَّها اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيها
تَصاوِيرُ، فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بالبابِ فَلَمْ يَدْخُلْ. فَقُلْتُ: أتُوبُ إِلَى الله
مِمَّا أذْنَبْتُ {قَالَ: مَا هاذِهِ النُّمرُقَةُ؟
قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْها وتَوَسَّدَها، قَالَ: إِن
أصْحابَ هاذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيامَةِ،
يُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وإنَّ
المَلاَئِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ الصُّورَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أنكر على عَائِشَة حِين قَالَت: (لتجلس عَلَيْهَا
وتوسدها) ، فَدلَّ ذَلِك على كَرَاهَة الْقعُود على
الصُّور، وَرُوِيَ ذَلِك عَن اللَّيْث بن سعد وَالْحسن بن
حييّ وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: ذهب
ذاهبون إِلَى كَرَاهَة اتِّخَاذ مَا فِيهِ الصُّور من
الثِّيَاب وَمَا كَانَ يتوطأ من ذَلِك ويمتهن وَمَا كَانَ
ملبوساً، وكرهوا كَونه فِي الْبيُوت، وَاحْتَجُّوا فِي
ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث وَبِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي
مضى فِي الْبَاب السَّابِق.
وَجُوَيْرِية فِي حَدِيث الْبَاب مصغر الْجَارِيَة
بِالْجِيم ابْن أَسمَاء بن عبيد وَهُوَ من الْأَسْمَاء
الْمُشْتَركَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَكَذَلِكَ
أَسمَاء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ:
قَرَأت على مَالك عَن نَافِع عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، أَنَّهَا اشترت نمرقة
فِيهَا تصاوير، فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَامَ على الْبَاب فَلم يدْخل، فَعرفت فِي
وَجهه الْكَرَاهِيَة فَقَالَت: يَا رَسُول الله} أَتُوب
إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله، فَمَاذَا أذنبت؟ فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَا بَال هَذِه
النمرقة؟ قَالَت اشْتَرَيْتهَا لَك تقعد عَلَيْهَا وتوسدها
... الحَدِيث، وَفِي لفظ لَهُ. قَالَت: فَأَخَذته
فَجَعَلته مرفقتين فَكَانَ يرتفق بهما فِي الْبَيْت.
قَوْله: (النمرقة) بِضَم النُّون وَالرَّاء وبكسرهما وبضم
النُّون وَفتح الرَّاء ثَلَاث لُغَات: الوسادة
الصَّغِيرَة. قَوْله: (وتوسدها) أَصله تتوسدها، فحذفت
إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وتوسدها من
التوسيد، ويروى من التوسد، وَقد دلّ حَدِيث الْبَاب على
أَنه لَا فرق فِي تَحْرِيم التَّصْوِير بَين أَن تكون
الصُّورَة لَهَا ظلّ أَو لَا، وَلَا بَين أَن تكون مدهونة
أَو منقوشة أَو منقورة أَو منسوجة، خلافًا لمن اسْتثْنى
النسج، وَادّعى أَنه لَيْسَ بتصوير، وَقَالَ بَعضهم:
وَظَاهر حَدِيثي عَائِشَة هَذَا وَالَّذِي قبله
التَّعَارُض، لِأَن الَّذِي قبله يدل على أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، اسْتعْمل السّتْر الَّذِي فِيهِ الصُّورَة
بعد أَن قطع وعملت مِنْهُ الوسادة، وَهَذَا يدل على أَنه
لم يَسْتَعْمِلهُ أصلا. قلت: لَا تعَارض بَينهمَا أصلا
لِأَن هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث
عَائِشَة كَمَا ذكرنَا الْآن وَفِيه: فَجَعَلته مرفقتين
فَكَانَ يرتفق بهما فِي الْبَيْت، فَهَذَا يدل على أَنه
اسْتعْمل مَا عملت مِنْهَا وهما المرفقتان، غَايَة مَا فِي
الْبَاب أَن البُخَارِيّ لم يرو هَذِه الزِّيَادَة،
والْحَدِيث حَدِيث وَاحِد، وَقد ذهل هَذَا الْقَائِل عَن
رِوَايَة مُسلم فَلذَلِك قَالَ بالتعارض، وَادّعى
الدَّاودِيّ أَن هَذَا الحَدِيث نَاسخ لجَمِيع
الْأَحَادِيث الدَّالَّة على الرُّخْصَة، وَاحْتج
بِأَنَّهُ خبر وَالْخَبَر لَا يدْخلهُ النّسخ فَيكون هُوَ
النَّاسِخ، ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين بِأَن الْخَبَر إِذا
قارنه الْأَمر جَازَ دُخُول النّسخ فِيهِ.
5958 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا الَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ
عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ عَنْ أبي
طَلْحَةَ صاحِبِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إنَّ الملائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ الصُّورَةُ،
قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْناهُ فَإِذا
عَلَى بابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ
الله رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ألَمْ يُخْبِرْنا زَيْدٌ عَنِ الصُّورِ
يَوْمَ الأوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ الله:
(22/73)
ألَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إلاَّ
رَقْماً فِي ثَوْب؟
هَذَا الحَدِيث لَيْسَ فِيهِ تعرض إِلَى مَا فِي
التَّرْجَمَة، وَبُكَيْر مصغر بكر بن عبد الله بن الْأَشَج
بالمعجمتين، وَبسر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
السِّين الْمُهْملَة وبالراء ابْن سعيد الْمدنِي، وَزيد بن
خَالِد الْجُهَنِيّ الصَّحَابِيّ، وَأَبُو طَلْحَة زيد بن
سهل الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور.
وَفِي السَّنَد تابعيان فِي نسق وصحابيان فِي نسق وَكلهمْ
مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي بَدْء الْخلق عَن أَحْمد
عَن ابْن وهب فِي: بَاب ذكر الْمَلَائِكَة. وَأخرجه مُسلم
وَأَبُو دَاوُد كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (فِيهِ صُورَة) كَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة
وَغَيرهَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن مشايخه إلاَّ
الْمُسْتَمْلِي: فِيهِ صور، بِصِيغَة الْجمع. قَوْله:
(قلت) الْقَائِل هُوَ بسر بن سعيد يَقُول لِعبيد الله هُوَ
ابْن الْأسود، وَيُقَال ابْن أَسد، وَيُقَال لَهُ: ربيب
مَيْمُونَة، لِأَنَّهَا كَانَت ربته وَكَانَ من مواليها
وَلم يكن ابْن زَوجهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى
هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر تقدم فِي الصَّلَاة من
رِوَايَته عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (يَوْم
الأول؟) من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته وَالْمرَاد
بِهِ الْوَقْت الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
يَوْم أول. قَوْله: (حِين قَالَ) أَي: زيد بن خَالِد
(إِلَّا رقماً) بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْقَاف وَفتحهَا
النقش وَالْكِتَابَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: المصور هُوَ
الَّذِي يصور اشكال الْحَيَوَان، والنقاش الَّذِي ينقش
أشكال الشّجر وَنَحْوهَا فَإِنِّي أَرْجُو أَن لَا يدْخل
فِي هَذَا الْوَعيد وَإِن كَانَ جملَة هَذَا الْبَاب
مَكْرُوها وداخلاً فِيمَا يشغل الْقلب بِمَا لَا يَعْنِي،
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل قَوْله: (إِلَّا رقماً فِي
ثوب) إِنَّه أَرَادَ رقماً يُوطأ ويمتهن كالبسط والوسائد.
انْتهى. وَقَالُوا: كره رَسُول الله مَا كَانَ سترا وَلم
يكره مَا يداس عَلَيْهِ ويوطأ، وَبِهَذَا قَالَ سعد بن أبي
وَقاص وَسَالم وَعُرْوَة وَابْن سِيرِين وَعَطَاء
وَعِكْرِمَة، وَقَالَ عِكْرِمَة: فِيمَا يُوطأ من الصُّور
هوان لَهَا، وَهَذَا أَوسط الْمذَاهب، وَبِه قَالَ مَالك
وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَإِنَّمَا
نهي الشَّارِع أَولا عَن الصُّور كلهَا وَإِن كَانَت رقماً
لأَنهم كَانُوا حَدِيثي عهد بِعبَادة الصُّور، فَنهى عَن
ذَلِك جملَة ثمَّ لما تقرر نَهْيه عَن ذَلِك أَبَاحَ مَا
كَانَ رقماً فِي ثوب للضَّرُورَة إِلَى إِيجَاد الثِّيَاب،
فأباح مَا يمتهن لِأَنَّهُ يُؤمن على الْجَاهِل تَعْظِيم
مَا يمتهن، وَبَقِي النَّهْي فِيمَا لَا يمتهن.
وَقَالَ ابنُ وَهْبٍ: أخبرنَا عَمْروٌ وهُوَ ابنُ الحارِثِ
حدَّثهُ بُكَيْرٌ حدَّثَهُ بُسْرٌ حدّثَهُ زَيْدٌ حدّثَهُ
أبُو طَلْحَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ...
أَي: قَالَ عبد الله حَدثنَا ابْن وهب إِلَى آخِره، فَذكره
هُنَا مُعَلّقا، وَوَصله فِي بَدْء الْخلق.
93 - (بابُ كَراهِيَّةِ الصَّلاةِ فِي التصاوِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهِيَة الصَّلَاة فِي
الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا
التصاوير، فَإِذا كرهت فِي مث هَذَا فكراهتها وَهُوَ
لَابسهَا أقوى وَأَشد.
1959 - حدَّثنا عِمْرَانُ بن مَيْسَرَةً حَدثنَا عَبْدُ
الوارِثِ حَدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْب عَنْ أنَسٍ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كانَ قِرامٌ لِعائِشَة سَتَرَتْ
بِهِ جانِبَ بَيْتِها، فَقَالَ لَها النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أمِيطِي عَنِّي فإنهُ لَا تَزالُ
تَصاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلاتِي. (انْظُر الحَدِيث
374) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مَا ذَكرْنَاهُ الْآن،
وَإِذا قُلْنَا: إِن كلمة: فِي التَّرْجَمَة بِمَعْنى:
إِلَى، تكون الْمُطَابقَة حَاصِلَة كَمَا يَنْبَغِي.
وَعمْرَان ابْن ميسرَة ضد الميمنة وَعبد الْوَارِث هُوَ
ابْن سعيد.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن أبي معمر.
قَوْله: (قرام) بِكَسْر الْقَاف هُوَ السّتْر وَقد مر عَن
قريب. قَوْله: (أميطي) من الإماطة وَهِي الْإِزَالَة.
فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أقره وَصلى، وَحَدِيث عَائِشَة فِي النمرقة يدل على
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدْخل الْبَيْت الَّذِي
فِيهِ السّتْر المصور أصلا حَتَّى نَزعه. قلت: الْجمع
بَينهمَا بِأَن هَذَا كَانَت فِيهِ تصاوير من ذَوَات
الْأَرْوَاح، وَحَدِيث أنس كَانَت تصاويره من غير
الْحَيَوَان.
وَفِيه من الْفِقْه: يَنْبَغِي الْتِزَام الْخُشُوع فِي
الصَّلَاة وتفريغ البال لله تَعَالَى وَترك التَّعَرُّض
لما يشْتَغل الْمُصَلِّي عَن الْخُشُوع، وَفِيه أَيْضا:
أَن مَا يعرض للشَّخْص فِي صلَاته من الفكرة فِي أُمُور
(22/74)
الدُّنْيَا لَا يقطع صلَاته.
94 - (بابٌ لَا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ
صُورَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا تدخل إِلَى آخِره.
5960 - حدَّثنا يَحْياى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: حدّثني ابنُ
وَهْبٍ قَالَ: حدّثني عُمَرُ هُوَ ابنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
سالِمٍ عَنْ أبِيهِ قَالَ: وَعَدَ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، جِبْرِيلُ فَراثَ عَلَيْهِ حَتَّى
اشْتَدَّ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَخَرَجَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ فَشَكا
إلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: إنَّا لَا نَدْخُلُ
بَيْتاً فِيهِ صُورَة وَلَا كلْبٌ. (انْظُر الحَدِيث 3227)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد
بن عبد الله بن عمر، وَسَالم شَيْخه هُوَ عَم أَبِيه
وَهُوَ ابْن عبد الله بن عمر.
والْحَدِيث مضى فِي بَدْء الْخلق فِي: بَاب إِذا قَالَ
أحدكُم: آمين، فَإِنَّهُ أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان
أَيْضا إِلَى آخِره.
قَوْله: (جِبْرِيل) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: وعد قَوْله:
(فَرَاثَ عَلَيْهِ) أَي: أَبْطَأَ عَلَيْهِ، وَفِي
رِوَايَة مُسلم زَادَت عَائِشَة: فِي سَاعَة يَأْتِيهِ
فِيهَا. قَوْله: (فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: من الْبَيْت فَلَقِيَهُ، أَي: فلقي جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام، خَارج الْبَيْت. قَوْله: (فَشَكا إِلَيْهِ)
أَي: فَشَكا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (مَا وجد) أَي: من
انْتِظَاره ومكانة مُفَارقَته، وَكَانَ تَحت سَرِير
عَائِشَة جرو كلب، وَقيل: تَحت فسطاط لرَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم.
95 - (بابُ منْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من لم يدْخل بَيْتا فِيهِ
صُورَة.
5961 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ
عَنْ نافِعٍ عَنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا، زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنَّها أخْبَرَتْهُ أنَّها اشتَرَتْ نُمْرِقَةً
فِيها تَصاوِيرُ، فَلَمَّا رَآها رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عَلَى البابِ فَلَمْ يَدْخُلْ،
فَعَرَفَتْ فِي وجْهِهِ الكراهِيَّةَ، قالَتْ: يَا رسولَ
الله {أتُوبُ إِلَى الله وَإِلَى رسُولِهِ} مَاذَا
أذْنَبْتُ؟ قَالَ: مَا بالُ هاذِهِ النَّمْرُقَةِ؟
فقالَتْ: اشْتَرَيْتُها لِتَقْعُد عَلَيْها وتَوَسّدَها.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ أصْحابَ
هاذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القيامَةِ، ويُقالُ
لَهُمْ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. وَقَالَ: إنَّ البَيْتَ
الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ المَلائِكَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث
فِي الْبيُوع فِي: بَاب التِّجَارَة فِيمَا يكره لبسه
للرِّجَال، وَمضى أَيْضا فِي أول: بَاب من كره الْقعُود
على الصُّورَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَفَائِدَة التّكْرَار فِيهِ وَفِي أَمْثَاله وضع التراجم
وَاخْتِلَاف الروَاة.
96 - (بابُ مَنْ لَعَنَ المُصَوِّرَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من لعن الَّذِي يصنع
الصُّورَة.
5962 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ: حدّثني
غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بنِ أبي جحَيْفَةَ
عَنْ أبِيهِ أنَّهُ اشْتَرَى غُلاَماً حَجَّاماً، فَقَالَ:
إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهاى عَنْ ثَمنِ
الدَّمِ وثمَنِ الكلْبِ وكَسْبِ البَغِيِّ وَلَعَنَ آكِلَ
الرِّبا ومُوكِلَهُ والواشِمَة والمُسْتَوْشمَةَ
والمُصَوِّرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وغندر هُوَ
مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَفِي بعض النّسخ صرح باسمه، وَأَبُو
جُحَيْفَة وهب.
وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب ثمن
الْكَلْب. وَمضى أَيْضا فِي: بَاب الواشمة، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (وَالْبَغي) : الزَّانِيَة.
97 - (بابٌ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ القيامَةِ
أنْ يَنْفُخَ فِيها الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنافِخٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ من صور ... إِلَى آخِره.
وَترْجم بِلَفْظ الحَدِيث وَوَقع عِنْد النَّسَفِيّ: بَاب،
بِلَا تَرْجَمَة وَثبتت التَّرْجَمَة عِنْد الْأَكْثَرين،
وَسقط الْبَاب.
(22/75)
5963 - حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ
حدّثنا عَبْدُ الْأَعْلَى حدّثنا سَعِيدٌ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّضْرَ بنَ أنَسِ ابنِ مالكٍ يُحَدِّثُ قَتادَةَ،
قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابنِ عَبَّاسٍ وهُمْ يَسْألُونَهُ
وَلَا يَذْكُرُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى
سُئِلَ فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُولُ: مَنْ صوَّرَ صُورَة فِي الدُّنْيا كلِّفَ
يَوْمَ القِيامَةِ أنْ يَنْفُخَ فِيها الرُّوحَ وأَيْسَ
بِنافِخٍ. (انْظُر الحَدِيث 2225 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين
الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد الرقام، وَعبد الْأَعْلَى بن
عبد الْأَعْلَى، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَالنضْر
بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة الساكنة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة فِي:
بَاب من صور صُورَة فِي الدُّنْيَا، وَلَفظه عَن النَّضر
بن أنس بن مَالك، قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد ابْن عَبَّاس
فَجعل يُفْتِي وَلَا يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى سَأَلَهُ رجل فَقَالَ: إِنِّي رجل
أصور هَذِه الصُّورَة، فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: أدنه،
فَدَنَا الرجل فَقَالَ ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من صور صُورَة ...
الحَدِيث.
قَوْله: (وَلَيْسَ بنافخ) أَي: لَا يقدر على النفخ فيعذب
بتكليف مَا لَا يُطَاق، وَفِي رِوَايَة سعيد بن أبي
الْحسن: فَإِن الله يعذبه حَتَّى ينْفخ الرّوح وَلَيْسَ
بنافخ فِيهَا أبدا، وَاسْتِعْمَال: حَتَّى، هُنَا نَظِير
اسْتِعْمَالهَا فِي قَوْله تَعَالَى: { (7) حَتَّى يلج
الْجمل فِي سم الْخياط} (الْأَعْرَاف: 40) وَقَالَ شَيخنَا
زين الدّين رَحمَه الله: فِيهِ دلَالَة على أَن المصور لَا
يَنْقَطِع تعذيبه لِأَنَّهُ كلف أَن ينْفخ فِي تِلْكَ
الصُّورَة الرّوح وَجعل غَايَة عَذَابه إِلَى أَن ينْفخ
فِي تِلْكَ الصُّورَة الرّوح، وَأخْبر أَنه لَيْسَ بنافخ
فِيهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي تخليده فِي النَّار كَقَوْل
الْمُعْتَزلَة، ثمَّ أجَاب بِأَن هَذَا مَحْمُول على من
يكفر بالتصوير كَالَّذي يصور الْأَصْنَام لتعبد من دون
الله، فَإِنَّهُ كفر، وَقَالَ أَيْضا: مَا المُرَاد بقوله:
أَن ينْفخ فِيهَا الرّوح؟ هَل المُرَاد بِهِ وجود
الْحَيَاة الْمُطلقَة حَتَّى تصير تِلْكَ الصُّورَة
حَيَوَانا أَو حَتَّى يصير حَيَوَانا تَاما ناطقاً؟
الظَّاهِر هُوَ الأول. فَإِن قلت: ورد التَّصْرِيح
بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من
حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا ...
الحَدِيث، وَفِيه: فَلَا يزالون يُعَذبُونَ حَتَّى تنطق
الصُّورَة وَلَا تنطق. قلت: هَذَا لَا يَصح فَإِنَّهُ من
رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي الزعير عَنهُ عَن عَطاء بن أبي
رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس، وَذكره ابْن حبَان فِي
(الضُّعَفَاء) وَقَالَ فِيهِ: دجال من الدجاجلة، وروى لَهُ
حَدِيثا مَوْضُوعا.
98 - (بابُ الإرْتِدافِ عَلَى الدَّابَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الارتداف وَهُوَ إركاب
رَاكب الدَّابَّة خَلفه غَيره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا
وَجه مُنَاسبَة الْبَاب بِالْكتاب؟ يَعْنِي: مُنَاسبَة
هَذَا الْبَاب بِكِتَاب اللبَاس، ثمَّ أجَاب بقوله:
الْغَرَض مِنْهُ الْجُلُوس على لِبَاس الدَّابَّة وَإِن
تعدد أشخاص الراكبين عَلَيْهَا، وَالتَّصْرِيح بِلَفْظ
القطيفة فِي الحَدِيث مشْعر بذلك، وَقَالَ بَعضهم، بعد أَن
طول مَا لَا فَائِدَة فِيهِ: إِن الَّذِي يرتدف لَا
يَأْمَن السُّقُوط فينكشف فيتحفظ المرتدف من السُّقُوط،
وَإِذا سقط فيبادر إِلَى السّتْر. قلت: هَذَا جَوَاب فِي
غَايَة السُّقُوط، وَمَا معنى تَخْصِيص المرتدف بِعَدَمِ
الْأَمْن من السُّقُوط وكل مِنْهُمَا مُشْتَرك فِي هَذَا
الْمَعْنى؟ بل الرَّاكِب وَحده أَيْضا لَا يَأْمَن من
السُّقُوط غَالِبا، وَمَا قَالَه الْكرْمَانِي أوجه وَإِن
كَانَ لَا يَخْلُو عَن تعسف مَا.
174 - (حَدثنِي قُتَيْبَة حَدثنَا أَبُو صَفْوَان عَن
يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن أُسَامَة
بن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ركب على حمَار على إكاف
عَلَيْهِ قطيفة فَدَكِيَّة وَأَرْدَفَ أُسَامَة وَرَاءه)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو صَفْوَان عبد الله
بن سعيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْأمَوِي والْحَدِيث
طرف من حَدِيث طَوِيل مضى فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة
وَفِي الطِّبّ عَن يحيى بن بكير وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب
والاستئذان وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله " قطيفة " وَهِي
الدثار المخمل والفدكية صفتهَا نِسْبَة إِلَى فدك بِفَتْح
الْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة وَهِي قَرْيَة بِخَيْبَر
(22/76)
وَفِيه مَشْرُوعِيَّة الارتداف -
99 - (بابُ الثَّلاثَةِ عَلَى الدَّابَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ركُوب الْأَنْفس الثَّلَاثَة
على دَابَّة وَاحِدَة، أَي: فِي مشروعيته. فَإِن قلت: روى
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) عَن جَابر: نهى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يركب ثَلَاثَة على
دَابَّة، وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن أبي سعيد رَفعه: لَا يركب
الدَّابَّة فَوق اثْنَيْنِ، وَأخرج ابْن أبي شيبَة من
مُرْسل زَاذَان أَنه رأى ثَلَاثَة على بغل، فَقَالَ: لينزل
أحدكُم، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن
الثَّالِث، وَمن طَرِيق أبي بردة عَن أَبِيه نَحوه، وَمن
طَرِيق الْمُهَاجِرين فنفذ ...
أَنه لعن فَاعل ذَلِك، وَقَالَ: إِنَّا قد نهينَا أَن نركب
الثَّلَاثَة على الدَّابَّة. وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ ثَلَاثَة على
دَابَّة فارجموهم حَتَّى ينزل أحدهم. قلت: حَدِيث جَابر
ضَعِيف، وَحَدِيث أبي سعيد فِي إِسْنَاده ليّن، وَحَدِيث
زادان مُرْسل لَا يُعَارض الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل،
وَحَدِيث أبي بردة غير مَرْفُوع، وَحَدِيث المُهَاجر
ضَعِيف، وَحَدِيث عَليّ مَوْقُوف.
وَرُوِيَ مَا يُخَالف ذَلِك، فَأخْرج الطَّبَرِيّ بِسَنَد
جيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانُوا يَوْم بدر ثَلَاثَة
على بعير، وأرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن أبي شيبَة من
طَرِيق الشّعبِيّ عَن ابْن عمر، قَالَ: مَا أُبَالِي أَن
أكون عَاشر عشرَة على دَابَّة إِذا طاقت، وَقد جمعُوا بَين
مُخْتَلف الحَدِيث فِي ذَلِك أَن النَّهْي مَحْمُول على
أَن الدَّابَّة إِذا عجزت عَن ذَلِك كالحمار، وَإِن
الْجَوَاز مَحْمُول على أَن الدَّابَّة إِذا أطاقت ذَلِك
كالناقة وَالْبَغْلَة، قلت: مُخْتَصر الْجَواب أَن كل مَا
جَاءَ من أَخْبَار النَّهْي عَن ركُوب الثَّلَاثَة مرتدفين
لَا يُقَاوم حَدِيث الْبَاب وَأَمْثَاله.
5965 - حدَّثنا مُسدَّدٌ حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ
حدّثنا خالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي
الله عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي
عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَحَمَلَ واحِداً بَيْنَ يَدَيْهِ
والآخَرَ خَلْفَهُ. (انْظُر الحَدِيث 1798 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان
الْحذاء.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب اسْتِقْبَال الْحَاج
القادمين، عَن مُعلى بن أَسد حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع
حَدثنَا خَالِد عَن عِكْرِمَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَكَّة) يَعْنِي: فِي الْفَتْح. قَوْله: (أغيلمة) مصغر
أغلمة جمع غُلَام، وَهُوَ شَاذ وَالْقِيَاس غليمة، وَقَالَ
ابْن التِّين: كَأَنَّهُمْ صغروا أغلمة على الْقيَاس وَإِن
كَانُوا لم ينطقوا بأغلمة، قَالَ: وَنَظِيره: أصيبة.
قَوْله: (بني عبد الْمطلب) إِنَّمَا أضافهم إِلَى عبد
الْمطلب لكَوْنهم من ذُريَّته، وَيَأْتِي فِي الحَدِيث
الَّذِي بعده تَفْسِير الْإِثْنَيْنِ الْمَذْكُورين.
100 - (بابُ حَمْلِ صاحِبِ الدَّابَةِ غَيْرَهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حمل صَاحب الدَّابَّة غَيره
بَين يَدَيْهِ، يَعْنِي: أركبه قدامه.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صاحِبُ الدَّابَةِ أحَقُّ بِصَدْرِ
الدَّابَّةِ إلاَّ أنْ يأذَنَ لَهُ
هَذَا التَّعْلِيق ثَبت للنسفي وَهُوَ لأبي ذَر عَن
الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَالْبَعْض الْمُبْهم هُوَ عَامر
الشّعبِيّ أخرجه ابْن أبي شيبَة عَنهُ، وَقد جَاءَ ذَلِك
مَرْفُوعا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث حُسَيْن بن عَليّ
بن وَاقد: حَدثنِي أبي حَدثنَا عبد الله بن بُرَيْدَة:
بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يمشي إِذْ
جَاءَ رجل وَمَعَهُ حمَار، فَقَالَ: يَا رَسُول الله!
إركب، وَتَأَخر الرجل فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لأَنْت أَحَق بصدر دابتك إلاَّ أَن تَجْعَلهُ لي. فَقَالَ:
قد جعلته لَك، فَركب، ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب، وَأخرجه
أَبُو دَاوُد أَيْضا، وَأحمد فِي (مُسْنده) وَابْن حبَان
وَصَححهُ، وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا، وَهَذَا الرجل هُوَ
معَاذ بن جبل، بَينه حبيب بن الشَّهِيد فِي رِوَايَته عَن
عبد الله بن بُرَيْدَة، لكنه أرْسلهُ، أخرجه ابْن أبي
شيبَة. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : كَأَن البُخَارِيّ
لم يرض بِحَدِيث ابْن بُرَيْدَة، وَذكر حَدِيث ابْن
عَبَّاس ليدل على مَعْنَاهُ. قلت: الظَّاهِر أَنه مَا وقف
على حَدِيث ابْن بُرَيْدَة، وَكَيف لَا يرضى بِهِ وَقد
أخرجه هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْكِبَار أَصْحَاب الشَّأْن؟
.
(22/77)
5966 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار
حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ حَدثنَا أيُّوبُ قَالَ: ذُكِرَ
الأشَرُّ الثَّلاثَةِ عِنْد عِكْرِمَةَ فَقَالَ: قَالَ
ابنُ عبَّاسٍ: أتَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ والفَضْلَ خَلْفَهُ
أوْ قُثَمَ خَلْفَهُ والفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ فأيُّهُمْ
شَرٌّ أوْ أيُّهُمْ خَيْرٌ. (انْظُر الحَدِيث 1798 وطرفه)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَقد حمل قثم بَين
يَدَيْهِ) ، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (ذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (إِلَّا
أشر الثَّلَاثَة) ، أَي: على الدَّابَّة، هَكَذَا بِالْألف
وَاللَّام فِي الأشر رِوَايَة الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي: شَرّ الثَّلَاثَة، بِدُونِ الْألف
وَاللَّام، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: اشر، بِزِيَادَة
ألف فِي أَوله، وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا ملخصه: إِن فِيهِ
ثَلَاثَة أَشْيَاء غَرِيبَة الأول: أَن الْمَشْهُور من
اسْتِعْمَال هَذِه الْكَلِمَة أَن يُقَال: شَرّ وَخير،
وَلَا يُقَال: أشر وأخير. الثَّانِي: فِيهِ الْإِضَافَة
مَعَ لَام التَّعْرِيف على خلاف الأَصْل. وَالثَّالِث: أَن
أَفعَال التَّفْضِيل لَا يسْتَعْمل إلاَّ بِأحد الْوُجُود
الثَّلَاثَة وَلَا يجوز جمع إثنين مِنْهَا، وَقد جمع
هَهُنَا بَينهمَا. الْجَواب عَن الأول: أَن الأشر والأخير
أَيْضا لُغَة فصيحة، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث عبد الله بن
سَلام: أخيرنا وَابْن أخيرنا. وَعَن الثَّانِي: أَن
التَّعْرِيف فِيهِ كالتعريف فِي الْحسن الْوَجْه والضارب
الرجل والواهب الْمِائَة. وَعَن الثَّالِث: أَن الأشر فِي
حكم الشَّرّ، وَرُوِيَ: الأشر الثَّلَاثَة، برفعهما على
الِابْتِدَاء وَالْخَبَر أَي: أشر الركْبَان هَؤُلَاءِ
الثَّلَاثَة، وحينئذٍ فَمَعْنَى: أَيهمْ؟ أَي: الركْبَان
أشر، أَو: أَيهمْ أخير. قَوْله: (قثم) بِضَم الْقَاف وَفتح
الثَّاء الْمُثَلَّثَة المخففة ابْن الْعَبَّاس
الْهَاشِمِي كَانَ آخر النَّاس عهدا برَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ولي مَكَّة من قبل عَليّ بن أبي طَالب
رَضِي الله عَنهُ، ثمَّ سَار أَيَّام مُعَاوِيَة إِلَى
سَمَرْقَنْد وَاسْتشْهدَ بهَا، وقبره بهَا. وَقيل: بمرو،
وَالْأول أصح، وَوَقع فِي (الْكَمَال) للمقدسي ذكره لَهُ
فِي غير الصَّحَابَة، وَأَن البُخَارِيّ روى لَهُ وَلَيْسَ
كَمَا ذكره، وَإِنَّمَا وَقع ذكره فِيهِ، وَقثم على وزن
عمر معدول عَن قاثم، وَهُوَ الْمُعْطِي، غير منصرف للعدل
والعلمية. قَوْله: (وَالْفضل) هُوَ ابْن الْعَبَّاس ثَبت
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم حنين
حِين انهزم النَّاس، مَاتَ بِالشَّام سنة ثَمَان عشرَة على
الصَّحِيح. قَوْله: (أَو قثم خَلفه) شكّ م الرَّاوِي.
قَوْله: (فَأَيهمْ شَرّ أَو أَيهمْ خير) هَذَا كَلَام
عِكْرِمَة يرد بِهِ على من ذكر لَهُ شَرّ الثَّلَاثَة،
وَحَاصِل هَذِه المذاكرة أَنهم ذكرُوا عِنْد عِكْرِمَة أَن
ركُوب الثَّلَاثَة على دَابَّة شَرّ وظلم، وَأَن الْمُقدم
أشر أَو الْمُؤخر؟ فَأنْكر عِكْرِمَة ذَلِك، وَاسْتدلَّ
بِفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ لَا يجوز
نِسْبَة الظُّلم إِلَى أحد مِنْهُم لِأَنَّهُمَا ركبا
بِحمْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُمَا.
101 - (بابُ إرْدافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز إرداف الرجل خلف الرجل
على الدَّابَّة، وَوَقع فِي كتاب ابْن بطال: بَاب بِلَا
تَرْجَمَة، وَمحل حَدِيث الْبَاب الإرداف، فَلَو ذكره
فِيهِ مَعَ حَدِيث أُسَامَة كَانَ أولى.
5967 - حدَّثنا هُدْبَةُ بن خالِدٍ حَدثنَا هَمامٌ حَدثنَا
قَتادةُ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عَنْ مُعاذِ ابنِ جَبَلٍ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَيْنا أَنا رَدِيفُ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَهُ إلاَّ
آخِرَهُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعاذ {قُلْتُ: لَبَّيْكَ
رسولَ الله وسَعْدَيْكَ} ثُمَّ سارَ ساعَةً، ثُمَّ قَالَ:
يَا مُعاذُ {قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ}
ثُمَّ سارَ ساعَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعاذُ {قُلْتُ:
لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ} قَالَ: هَلْ تَدْرِي
مَا حَقُّ الله عَلَى عِبادِهِ؟ قُلْتُ: الله ورسولهُ
أعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الله عَلَى عِبادِهِ أنْ يَعْبدُوهُ
وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، ثُمَّ سارَ ساعَةً ثُمَّ
قَالَ: يَا مُعاذُ بنَ جبَلٍ {قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ
الله وسَعْدَيْكَ} فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ
العِبادِ عَلَى الله إذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: الله
ورسولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: حَقُّ العِبادِ عَلَى الله أنْ
لَا يُعَذِّبَهُمْ.
(22/78)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَنا
رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَهَمَّام
بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن يحيى الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الرقَاق عَن هدبة، وَفِي
الاسْتِئْذَان عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم
فِي الْإِيمَان عَن هداب ابْن خَالِد وَهُوَ هدبة. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن
عَليّ.
قَوْله: (بَينا) قد ذكرنَا غير مرّة أَن أَصله: بَين،
فزيدت فِيهِ الْألف، وَرُبمَا تزاد الْمِيم أَيْضا وَهُوَ
مُضَاف إِلَى جملَة وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب. قَوْله:
(رَدِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا فِي
الْأُصُول، وَجَاء: ردف، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الدَّال
والردف والرديف هُوَ الرَّاكِب خلف الرَّاكِب، واصله من
ركُوبه على الردف وَهُوَ الْعَجز، وَقَالَ ابْن سَيّده:
وَخص بِهِ بَعضهم عجيزة الْمَرْأَة، وردف كل شَيْء مؤخره،
والردف مَا تبع الشَّيْء وَالْجمع من كل ذَلِك أرداف،
وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: الردف الَّذِي يركب وَرَاءَك
وَهُوَ ردفك ورديفك، وَأنكر بَعضهم الرديف، وَقَالَ:
إِنَّمَا هُوَ الردف وكل شَيْء جَاءَ بعْدك فقد ردفك،
وَتقول فِي الْقَوْم نزل بهم أَمر: قد ردف لَهُم أَمر أعظم
مِنْهُ، والردف مَوضِع مركب الرديف، وَهَذَا يرذون لَا
يردف وَلَا يرادف، وَأنكر بَعضهم بردف، وَقَالَ: إِنَّمَا
يُقَال: لَا يرادف، وأردفته إِذا ركبت وَرَاءه، وَإِذا
جِئْت بعده، وَمِنْه. قَوْله عز وَجل: {مُردفِينَ}
قَالُوا: وَالْعرب تَقول: جِئْت مردفاً لفُلَان، أَي:
جِئْت بعده وَجَاء الْقَوْم مرادفين، والرداف جمع رَدِيف،
وَجَاء الْقَوْم ردافاً أَي: بَعضهم فِي إِثْر بعض، وأرداف
الْمُلُوك فِي الْجَاهِلِيَّة هم الَّذين كَانُوا يخلفون
الْمُلُوك، وترادفت الْأَشْيَاء إِذا تَتَابَعَت. وَفِي
(كتاب الأرداف) لِابْنِ مَنْدَه: أرْدف رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، جمَاعَة كَثِيرَة انْتهى بهم نَحْو
الثَّلَاثِينَ، مِنْهُم: أَوْلَاد الْعَبَّاس وَعبد الله
بن جَعْفَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَقيس بن سعد بن عبَادَة
وَصفِيَّة وَأم حبيب الجهنية. قَوْله: (لَيْسَ بيني
وَبَينه إِلَّا آخِرَة الرحل) المُرَاد بِهِ الْمُبَالغَة
فِي شدَّة قربه إِلَيْهِ ليَكُون أوقع فِي نفس السَّامع
فيضبط. قَوْله: (وآخرة) بِوَزْن: فاعلة، وَهِي العودة
الَّتِي يسْتَند إِلَيْهَا الرَّاكِب من خَلفه، (والرحل)
بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة الكور هُنَا
وَهُوَ للناقة كالسرج للْفرس. قَوْله: (لبيْك) ، قد مر
تَفْسِيره فِي الْحَج. قَوْله: (وَسَعْديك) ، أَي: ساعدت
طَاعَتك مساعدة بعد مساعدة. وتكرير قَوْله: (يَا معَاذ)
لتأكيد الاهتمام بِمَا يخبر بِهِ. قَوْله: (مَا حق الله؟)
الْحق الشَّيْء الثَّابِت، وَيَأْتِي بِمَعْنى: خلاف
الْبَاطِل، وَيسْتَعْمل بِمَعْنى الْوَاجِب والجدير.
قَوْله: (إِذا فَعَلُوهُ) ، أَي: إِذا أَدّوا حق الله
تَعَالَى. قَوْله: (مَا حق الْعباد على الله؟) يحْتَمل
وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون أَرَادَ حَقًا شَرْعِيًّا
لَا وَاجِبا بِالْعقلِ، كَمَا تَقول الْمُعْتَزلَة،
وَكَأَنَّهُ لما وعد بِهِ ووعده الصدْق صَار حَقًا من
هَذِه الْجِهَة. وَالثَّانِي: أَن يكون هَذَا من بَاب
المشاكلة، وَهُوَ نوع من أَنْوَاع البديع الَّذِي يحسن
بِهِ الْكَلَام.
102 - (بابُ إرْدَافِ المَرْأةِ خَلْفَ الرَّجُلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إرداف الرأة خلف الرجل على
الدَّابَّة، هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا هِيَ فِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: إرداف
الْمَرْأَة خلف الرجل ذَا محرم، أَي: حَال كَون الرجل ذَا
محرم من الْمَرْأَة، وروى بعض، ذِي محرم، على أَنه صفة
للرجل.
5968 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ
حَدثنَا يَحْياى بنُ عبَّادٍ حَدثنَا شُعْبَةُ أَخْبرنِي
يَحْياى بنُ أبي إسْحاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أقْبَلْنا مَع رسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ خَيْبَرَ وإنِّي لَرَدِيفُ أبي
طَلْحَةَ وَهْوَ يَسِيرُ، وبَعْضُ نِساءِ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رَدِيفُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، إذْ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَقُلْتُ: المَرْأةَ،
فَنَزَلْتُ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إنَّها أُمُّكُمْ، فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ ورَكِبَ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا دَنأوْ: رَأى
المَدِينَةِ قَالَ: آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ،
لِرَبِّنا حامِدُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والصباح بتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة الْبَغْدَادِيّ، وَيحيى بن عباد بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَيحيى
بن أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد عَن أبي معمر، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (رَدِيف أبي طَلْحَة) ، وَهُوَ زيد بن سهل
الْأنْصَارِيّ زوج أم أنس. قَوْله: (فَقلت: الْمَرْأَة) ،
بِالنّصب أَي: إحفظها، وبالرفع: جَاءَ، أَي: قلت وَقعت
الْمَرْأَة، وَهِي صَفِيَّة بنت حَيّ أم الْمُؤمنِينَ.
قَوْله: (فَنزلت) ، بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، قَوْله:
(إِنَّهَا أمكُم) ، إِنَّمَا
(22/79)
قَالَ ذَلِك ليذكرهم أَنَّهَا وَاجِبَة التَّعْظِيم.
قَوْله: (فشددت الرحل) قَائِله أنس، وَهُوَ الَّذِي نزل
وَشد الرحل، وَفِي أَوَاخِر الْجِهَاد من وَجه آخر عَن
يحيى بن أبي إِسْحَاق، وَفِيه: أَن الَّذِي فعل ذَلِك
أَبُو طَلْحَة، وَأَن الَّذِي قَالَ: الْمَرْأَة، رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالِاخْتِلَاف فِيهِ على
يحيى بن أبي إِسْحَاق رَاوِيه عَن أنس، قَالَ شُعْبَة:
عَنهُ، مَا فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ عبد الْوَارِث
وَبشر بن الْمفضل كِلَاهُمَا عَنهُ: مَا ذكره فِي
الْجِهَاد وَهُوَ الْمُعْتَمد، فَإِن الْقِصَّة وَاحِدَة
ومخرج الحَدِيث وَاحِد وَلَا سِيمَا أَن أنسا كَانَ إِذْ
ذَاك صَغِيرا يعجز عَن تعَاطِي هَذَا الْأَمر، وَلَكِن لَا
يمْتَنع أَن يساعد أَبَا طَلْحَة زوج أمه على شَيْء من
ذَلِك، فَبِهَذَا يرْتَفع الْإِشْكَال.
103 - (بابُ الإسْتِلْقاءِ وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى
الأُخْراى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان استلقاء الرجل على قَفاهُ
وَوضع إِحْدَى رجلَيْهِ على الرجل الْأُخْرَى، وَجه ذكر
هَذِه التَّرْجَمَة فِي كتاب اللبَاس، وَبِه خَتمه، وَهُوَ
أَنه لَوْلَا اللبَاس لانكشفت عَوْرَته عِنْد استلقائه،
أَو: من جِهَة مماسة الظّهْر للباس أَو للبساط.
5969 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ
سَعْدٍ حدّثنا ابنُ شِهابٍ عَنْ عَبَّادِ بنِ تَميمٍ عَنْ
عَمِّهِ أنهُ أبْصرَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَضْطَجِعُ فِي المسْجِدِ رافِعاً إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى
الأُخْرَى. (انْظُر الحَدِيث 475 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن يُونُس هُوَ
أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْكُوفِي نسب إِلَى جده،
وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَابْن شهَاب هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعباد بتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ
الْمدنِي، يروي عَن عَمه عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الاستلقاء
فِي الْمَسْجِد، أخرجه عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك
عَن ابْن شهَاب عَن عباد بن تَمِيم ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث جمَاعَة
مِنْهُم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن
الْمسيب وَأَبُو مجَاز وَمُحَمّد ابْن الْحَنَفِيَّة،
وَخَالفهُم آخَرُونَ فَقَالُوا: يكره ذَلِك، مِنْهُم:
مُحَمَّد بن سِيرِين وَمُجاهد وطاووس وَإِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ فَإِنَّهُم احْتَجُّوا فِيهِ بِمَا رَوَاهُ
مُسلم من حَدِيث جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، (نهى عَن اشْتِمَال الصماء والاحتباء فِي ثوب
وَاحِد وَأَن يرفع الرجل إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى
وَهُوَ مستلقٍ على ظَهره) ، وَأَجَابُوا عَنهُ بِأَنَّهُ
مَنْسُوخ بِفِعْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ
الَّذِي يدل عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب، وَفعله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، على وَجه الرَّاحَة، وَكَذَا فعله الصّديق
والفاروق وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم، وَلَا يجوز أَن
يخفى عَلَيْهِم النّسخ فِي ذَلِك. |