ابْن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس عَن يحيى بن بكير وَفِي
اللبَاس عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس.
قَوْله: (برد) الْبرد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة نوع
من الثِّيَاب مَعْرُوف. قَوْله: (نجراني) بِفَتْح
النُّون وَسُكُون الْجِيم نِسْبَة إِلَى نَجْرَان
بَلْدَة مَعْرُوفَة بَين الْحجاز واليمن. قَوْله:
(فأدركه أَعْرَابِي) زَاد همام: (من أهل الْبَادِيَة)
. قَوْله: (فجبذ) ، وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ:
(فجذب) . قَوْله: (جبذة شَدِيدَة) وَفِي رِوَايَة
عِكْرِمَة: (حَتَّى رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي نحر الْأَعرَابِي) . قَوْله: (إِلَى صفحة
عاتق) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (إِلَى صفحة عنق) .
قَوْله: (أثرت بهَا) هِيَ فِي رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: (فِيهَا) ، وَفِي رِوَايَة
همام: (حَتَّى انْشَقَّ الْبرد وَذَهَبت حَاشِيَته فِي
عُنُقه) ، وَزَاد: (أَن ذَلِك وَقع من الْأَعرَابِي
لما وصل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى
حجرته) . قَوْله: (مر لي) ، وَفِي رِوَايَة
الْأَوْزَاعِيّ: (أعطنا) . قَوْله: (فَضَحِك) وَفِي
رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: (فَتَبَسَّمَ ثمَّ قَالَ:
مرواله) ، وَفِي رِوَايَة همام: (مرواله بِشَيْء) .
وَفِيه: دلَالَة على قُوَّة حلمه وَشدَّة صبره على
الأوذى فِي النَّفس وَالْمَال، والتجاوز عَن جفَاء من
يُرِيد تألفه على الْإِسْلَام، وليتأسى بِهِ الْوُلَاة
بعده فِي خلقه الْجَمِيل من الصفح والإغضاء وَالدَّفْع
بِالَّتِي هِيَ أحسن.
6091 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا
يَحْيَى عَنْ هِشامٍ قَالَ: أَخْبرنِي أبي عَنْ
زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
أنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قالَتْ: يَا رسُولَ الله {إنَّ
الله لَا يَسْتَحيِي مِنَ الحقِّ} هَلْ عَلَى المَرْأة
غُسْلٌ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا رَأَتْ
الماءَ فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فقالَتْ:
أتَحْتَلِمُ المَرْأةُ؟ فَقَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: فَبِمَ شبه الوَلَدِ؟ .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَضَحكت أم سَلمَة)
وَقد وَقع ذَلِك بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَلم يُنكر عَلَيْهَا ضحكها، وَإِنَّمَا أنكر
عَلَيْهَا إنكارها احْتِلَام الْمَرْأَة.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه
عُرْوَة عَن زَيْنَب بنت أم سَلمَة عَن أم سَلمَة زوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأم سليم بِضَم
السِّين أم أنس وَاسْمهَا الرميصاء مصغر مؤنث الأرمص
بِالْمُهْمَلَةِ زوج أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي أَبْوَاب
الْغسْل فِي: بَاب إِذا احْتَلَمت الْمَرْأَة.
قَوْله: (إِذا رَأَتْ المَاء) أَي: الْمَنِيّ، أَي:
يجب الْغسْل إِذا احْتَلَمت وأنزلت. قَوْله: (فَبِمَ
شبه الْوَلَد) . فَبِأَي شء وصل شبه الْوَلَد
بِالْأُمِّ، أَو يشبه الْأُم؟ ويروى: فيمَ، بِكَسْر
الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، أَي: فِي أَي
شَيْء المشابهة بَينهمَا لَوْلَا أَن لَهَا مَاء
ينْعَقد مِنْهُ؟ قَالُوا: فِي مَاء الرجل قُوَّة
عاقدة، وَفِي مَاء الْمَرْأَة قُوَّة منعقدة.
6092 - حدَّثنا يَحْياى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: حدّثني
ابنُ وهْبٍ أخبرنَا عَمْرو أنَّ أَبَا النَّضْرِ
حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ عَنْ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا رأيْتُ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، مُسْتَجْمعاً قَطُّ ضاحِكاً
حَتَّى أرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إنَّما كانَ
يَتَبَسَّمُ. (انْظُر الحَدِيث 4828) .
(22/151)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:
(إِنَّمَا كَانَ يتبسم) وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو
سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي نزيل مصر، يروي عَن عبد
الله بن وهب عَن أبي عَمْرو بن الْحَارِث عَن النَّضر
بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة عَن
سُلَيْمَان بن يسَار ضد الْيَمين.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (مستجمعاً) أَي: مجتمعاً وَهُوَ لَازم،
وضاحكاً تَمْيِيز أَي: مُجْتَمع من جِهَة الضحك،
يَعْنِي: مَا رَأَيْته يضْحك تَمامًا لم يتْرك مِنْهُ
شَيْئا. قَوْله: (لهواته) جمع لهاة وَهِي الهنة
المطبقة فِي أقْصَى سقف الْفَم، وَقيل: هِيَ اللحمة
الَّتِي فِيهَا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: اللهوات جمع
اللهاو يجمع على لهيات أَيْضا، وَقَالَ الدَّاودِيّ:
هِيَ مَا دون الحنك إِلَى مَا يَلِي الْحلق، وَمَا
فَوق الأضراس من اللَّحْم.
6093 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوبٍ حَدثنَا أبُو
عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ.
وَقَالَ لي خلِيفَةُ: حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ
حَدثنَا سَعيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله
عَنهُ: أنَّ رجلا جاءَ إِلَى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ
بالمَدِينَةِ، فَقَالَ: قَحَطَ المَطَرُ فاسْتَسْقِ
رَبَّكَ. فَنَظَرَ إِلَى السَّماءِ وَمَا تَرَى مِنْ
سَحابٍ، فاسْتَسْقَى فَنَشَأ السَّحابُ بَعْضُهُ إِلَى
بَعْضٍ، ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سالَتْ مَثاعِبَ
المَدِينَةِ، فَما زالَتْ إلَى الجُمُعَةِ
المُقْبِلَةِ مَا تُقْلَعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ
الرَّجُلُ أوْ غَيْرُهُ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يَخْطُبُ فَقَالَ: غَرِقْنا فادْع ربكَ
يَحْسِهبْا عَنَّا، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: أللَّهُمَّ
حَوَالَيْنا وَلَا عَلَيْنا، مَرَّتَيْنِ أوْ
ثَلاَثاً، فَجَعَلَ السَّحابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ
المَدِينَةِ يَمِيناً وشِمالاً يمطر مَا حوالينا وَلَا
يُمْطَرُ مِنْها شَيْءٌ، يُرِيهُمُ الله كَرامَةَ
نَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإجابَةَ
دَعْوَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَضَحِك) .
وَمُحَمّد بن مَحْبُوب أَبُو عبد الله الْبنانِيّ
الْبَصْرِيّ، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَمُحَمّد
بن مَحْبُوب هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن الْحسن ولقب
الْحسن مَحْبُوب بن هِلَال أَبُو جَعْفَر، وَقيل:
أَبُو عبد الله الْقرشِي الْبنانِيّ الْبَصْرِيّ روى
عَنهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ بَعضهم: مُحَمَّد بن
مَحْبُوب شيخ البُخَارِيّ غير مُحَمَّد بن الْحسن
الَّذِي لقبه مَحْبُوب، وَوهم من وَحدهمَا كشيخنا ابْن
الملقن فَإِنَّهُ جزم بذلك، وَزعم أَن البُخَارِيّ روى
عَنهُ هُنَا وروى عَن رجل عَنهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل
هما إثنان أَحدهمَا فِي عداد شُيُوخ الآخر، وَشَيخ
البُخَارِيّ اسْمه مُحَمَّد وَاسم أَبِيه مَحْبُوب،
وَالْآخر اسْمه مُحَمَّد وَاسم أَبِيه الْحسن، ومحبوب
لقب مُحَمَّد لَا لقب الْحسن، وَقد أخرج لَهُ
البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَحْكَام حَدِيثا وَاحِدًا
قَالَ فِيهِ: حَدثنَا مَحْبُوب بن الْحسن، وَسبب
الْوَهم أَنه وَقع فِي بعض الْأَسَانِيد: حَدثنَا
مُحَمَّد بن الْحسن مَحْبُوب، فظنوا أَنه لقب الْحسن،
وَلَيْسَ كَذَلِك. قلت: أَرَادَ بشيخه ابْن الملقن
سراج الدّين عمر بن نور الدّين عَليّ الْأنْصَارِيّ
الشَّافِعِي الَّذِي شرح البُخَارِيّ شرحاً مطولا
وسماء (التَّوْضِيح لشرح الْجَامِع الصَّحِيح) ،
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْوَاو واسْمه الوضاح بن عبد الله
الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي: بَاب
الاسْتِسْقَاء على الْمِنْبَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة ... إِلَى آخِره، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
69 - بَاب قَوْلِ الله تَعَالَى: { (9) يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا معع
الصَّادِقين} (التَّوْبَة: 119) وَمَا يُنْهاى عَنِ
الكَذِبِ
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا} ... الْآيَة، قَوْله:
{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} أَي: مثلهم أَو مِنْهُم،
والصادقون هم الَّذين يصدقون فِي قَوْلهم وعملهم،
وَقيل: فِي أَيْمَانهم يُوفونَ بِمَا عَاهَدُوا.
قَوْله: (وَمَا ينْهَى) أَي: الْبَاب أَيْضا فِي بَاب
مَا ينْهَى عَن الْكَذِب.
(22/152)
6094 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَة
حَدثنَا جَرِيرُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ
عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى
البرِّ وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ وإنَّ
الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً، وإنَّ
الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ وإنَّ الفُجُورَ
يَهْدِي إِلَى النَّار وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ
حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً.
وَجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين الْآيَة الْمَذْكُورَة
ظَاهر، وَهُوَ أَن الصدْق يهدي إِلَى الْجنَّة
وَالْآيَة فِيهَا أَيْضا الْأَمر بالكون مَعَ
الصَّادِقين والكون مَعَهم أَيْضا يهدي إِلَى
الْجنَّة.
وَعُثْمَان بن أبي شيبَة أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة،
وَاسم أبي شيبَة إِبْرَاهِيم وَهُوَ جد عُثْمَان
لِأَنَّهُ ابْن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، وَجَرِير
هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن
الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة وَعبد
الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب أَيْضا عَن
عُثْمَان وَعَن أَخِيه أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (يهدي) من الْهِدَايَة وَهِي الدّلَالَة
الموصلة إِلَى البغية. قَوْله: (إِلَى الْبر) بِكَسْر
الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ
الْعَمَل الصَّالح الْخَالِص من كل مَذْمُوم وَهُوَ
إسم جَامع لِلْخَيْرَاتِ كلهَا. قَوْله: (صديقا)
بِكَسْر الصَّاد وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ صِيغَة
الْمُبَالغَة. قَوْله: (إِلَى الْفُجُور) وَهُوَ
الْميل إِلَى الْفساد، وَقيل: الانبعاث فِي الْمعاصِي
وَهُوَ جَامع للشرور وهما متقابلان، قَالَ الله عز
وَجل: {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم. . لفي جحيم}
(الانفطار: 13 14) . قَوْله: (حَتَّى يكْتب) ، أَي:
يحكم لَهُ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى يكون،
وَالْمرَاد الْإِظْهَار للمخلوقين إِمَّا للملأ
الْأَعْلَى وَإِمَّا أَن يلقى ذَلِك فِي قُلُوب
النَّاس وألسنتهم، وإلاَّ فَحكم الله أزلي،
وَالْغَرَض: أَنه يسْتَحق وصف الصديقين وثوابهم وَصفَة
الْكَذَّابين وعقابهم، وَكَيف لَا وَإنَّهُ من
عَلَامَات النِّفَاق، وَلَعَلَّه لم يقل فِي الصّديق
بِلَفْظ يكْتب إِشَارَة إِلَى أَن الصّديق من جملَة
الَّذين قَالَ الله فيهم: {الَّذين أنعم الله
عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين} (النِّسَاء: 69)
. فَإِن قلت: حَدِيث عبد الله هَذَا يُعَارضهُ حَدِيث
صَفْوَان بن سليم الَّذِي رَوَاهُ مَالك عَنهُ أَنه
قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيكُون
الْمُؤمن كذابا؟ قَالَ: لَا. وَحَدِيث: يطبع الْمُؤمن
على كل شَيْء لَيْسَ الْخِيَانَة وَالْكذب. قلت:
المُرَاد بِالْمُؤمنِ فِي حَدِيث صَفْوَان الْمُؤمن
الْكَامِل أَي: لَا يكون الْمُؤمن المستكمل لأعلى
دَرَجَات الْإِيمَان كذابا حَتَّى يغلبه الْكَذِب،
لِأَن كذابا وَزنه فعال وَهُوَ من أبنية الْمُبَالغَة
لمن يكثر الْكَذِب مِنْهُ ويتكرر حَتَّى يعرف بِهِ،
وَكَذَلِكَ لكذوب، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي الحَدِيث
الآخر.
6095 - حدَّثنا ابنُ سَلاَمٍ حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ
جَعْفَر عَنْ أبي سُهَيْلٍ نافِعِ بنِ مالِكِ بنِ أبي
عامِرٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: آيَةُ
المُنافِقِ ثَلاَثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا
وَعَدَ أخْلَفَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خانَ.
مطابقته لقَوْله: (وَمَا ينْهَى عَن الْكَذِب) الَّذِي
هُوَ جُزْء التَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَعْنَاهُ
يسْتَلْزم النَّهْي عَن الْكَذِب على مَا لَا يخفى.
وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، وَإِسْمَاعِيل
بن جَعْفَر أَبُو إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، كَانَ
بِبَغْدَاد مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، وَسُهيْل
بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْهَاء مصغر سهل
واسْمه نَافِع يروي عَن أَبِيه مَالك بن أبي عَامر
الأصبحي جد مَالك بن أنس.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب
عَلَامَات الْمُنَافِق، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (آيَة الْمُنَافِق أَي: علامته. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن الْمُسلم
لَا يحكم بنفاقه الْمُوجب لكَونه فِي الدَّرك
الْأَسْفَل من النَّار بِوَاسِطَة الْكَذِب. وأخويه،
وَأجَاب بِأَن المُرَاد بِهِ أَنه يشابه الْمُنَافِق،
أَو إِذا كَانَ مُعْتَادا بذلك أَو للتغليظ أَو
الَّذين كَانُوا فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من الْمُنَافِقين، أَو كَانَ منافقاً خَاصّا،
أَو لَا يُرِيد بِهِ النِّفَاق الإيماني بل النِّفَاق
الْعرفِيّ.
6096 - ح دَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا
جَرِيرٌ حَدثنَا أبُو رجاءٍ عَن سَمُرَةَ بن جُنْدبٍ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجلَين أتَياني
قَالَا: الَّذِي رأيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ
يَكْذِبُ
(22/153)
بالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى
تَبْلُغَ الآفاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ
القِيامَةِ.
وَجه الْمُطَابقَة مثل الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي
الحَدِيث السَّابِق. وَجَرِير هُوَ ابْن حَازِم،
وَأَبُو رَجَاء بِالْجِيم اسْمه عمرَان العطاردي.
وَهَذَا طرف من حَدِيث مطول رَوَاهُ مقطعاً فِي
الصَّلَاة وَفِي الْجَنَائِز وَفِي الْبيُوع وَفِي
الْجِهَاد وَفِي بَدْء الْخلق وَفِي صَلَاة اللَّيْل
وَهنا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء وَفِي التَّفْسِير وَفِي التَّعْبِير
عَن مُؤَمل بن هِشَام.
قَوْله: (رَأَيْت) ، أَي: فِي الْمَنَام وَلَيْسَ فِي
كثير من النّسخ لَفظه: قَوْله: (الَّذِي رَأَيْته يشق
شدقه) وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رأى رجلا
جَالِسا ورجلاً قَائِما بِيَدِهِ كَلوب من حَدِيد
يدْخلهُ فِي شدقه حَتَّى يبلغ قَفاهُ ثمَّ يفعل بشدقه
الآخر مثل ذَلِك ويلتئم شدقه هَذَا فيصنع مثله، قلت:
مَا هَذَا؟ فَقَالَا: الَّذِي رَأَيْته يشق شدقه فكذاب
يصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (فكذاب)
فَإِن قيل: شَرط الْمَوْصُول الَّذِي يدْخل فِي خَبره
الْفَاء أَن يكون مُبْهما بل عَاما، قيل لَهُ: جعل
الْمعِين كالعام حَتَّى جَازَ دُخُول الْفَاء فِي
الْخَبَر، وَإِنَّمَا جعل عَذَابه فِي مَوضِع
الْمعْصِيَة وَهُوَ فَمه الَّذِي كَانَ يكذب بِهِ.
70 - (بابٌ فِي الهَدْيِ الصَّالِحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْهَدْي الصَّالح،
وَالْهَدْي بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال
الْمُهْملَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْهَدْي
السِّيرَة والهيئة والطريقة، وَفِي الحَدِيث: واهد
وَالْهَدْي عمار، أَي: رَأْي: سِيرُوا بسيرته وتهيئوا
بهيئته، يُقَال: هدى هدي فلَان إِذا سَار بسيرته،
وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ
فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) من طَرِيق قَابُوس بن أبي
ظبْيَان عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: الْهَدْي
الصَّالح والسمت الصَّالح والاقتصاد جُزْء من خَمْسَة
وَعشْرين جُزْءا من النُّبُوَّة وَأخرجه أَبُو دَاوُد
وَأحمد أَيْضا.
6097 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ
ل أبِي أُسامَةَ: حدَّثَكُمُ الأعْمَشُ سَمِعْتُ
شَقِيقاً قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إنَّ
أشْبَهَ النَّاس دَلاًّ وسَمْتاً وهَدْياً بِرَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لابنُ أُمِّ عَبْدِ مِنْ
حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أنْ يَرْجَعَ
إلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أهْلِهِ إذَا
خَلاَ. (انْظُر الحَدِيث 3762) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهدياً) وَإِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، قَالَه
بَعضهم. قلت: يحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق ابْن
إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ
البُخَارِيّ، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا قد روى عَن أبي
أُسَامَة، فالجزم بِأَنَّهُ ابْن رَاهَوَيْه من أَيْن؟
ويروي عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع فِي كِتَابه،
مرّة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر،
وَمرَّة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق ابْن نصر، فينسبه
إِلَى جده، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة،
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وشقيق أَبُو وَائِل،
وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: (حَدثكُمْ) ويروى: أحدثكُم؟ بِهَمْزَة
الِاسْتِفْهَام وَالسُّكُوت عَن الْجَواب قَائِم مقَام
التَّصْدِيق وَالتَّسْلِيم عِنْد الْقَرَائِن. قَوْله:
(دلاً) بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد
اللَّام، قَالَ الْكرْمَانِي: الدل قريب الْمَعْنى من
الْهَدْي وهما من السكينَة وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة
والمنظر وَالشَّمَائِل، وَالْهَدْي هُوَ السِّيرَة
والسمت بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَإِسْكَان
الْمِيم الطَّرِيق والمقصد وهيئة أهل الْخَيْر.
قَوْله: (لِابْنِ أم عبد) بِفَتْح اللَّام
للتَّأْكِيد، وَابْن أم عبد الله بن مَسْعُود، وَأمه
أم عبد بنت عبدود وَلها صُحْبَة وَكَانَ أَصْحَابه
يدْخلُونَ عَلَيْهِ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ قولا
وفعلاً حَرَكَة وسكوناً حَالا وملكة وَغَيرهَا،
فيتشبهون بِهِ رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (من حِين
يخرج من بَيته)
إِلَى آخِره أَرَادَ بذلك أَنه يُشَاهد مَا قَالَه عَن
عبد الله بن مَسْعُود من حِين يخرج من بَيته إِلَى أَن
يرجع إِلَيْهِ أَي: إِلَى بَيته، ثمَّ قَالَ: (لَا
نَدْرِي مَا يصنع فِي أَهله إِذا خلا بهم) لِأَنَّهُ
رُبمَا ينبسط بهم وَلم يرد بذلك إِثْبَات نقص فِي حق
عبد الله فَافْهَم.
وَفِيه من الْفِقْه: أَنه يَنْبَغِي للنَّاس
الِاقْتِدَاء بِأَهْل الْفضل وَالصَّلَاح فِي جَمِيع
أَحْوَالهم، فِي هيئتهم وتواضعهم لِلْخلقِ ورحمتهم
وإنصافهم من أنفسهم، وَفِي مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ
واقتصادهم فِي أُمُورهم تبركاً بذلك.
6098 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ
مُخارِقٍ قَالَ: سَمِعْتُ طارِقاً قَالَ: قَالَ عَبْدُ
الله: إنَّ أحسَنَ الحَدِيثِ كِتابُ الله، وأحْسَنَ
الْهَدْيُ هدي مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(22/154)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، ومخارق بِضَم الْمِيم
وبالخاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء ابْن عبد الله
وَقيل: ابْن عبد الرَّحْمَن، وَقيل: ابْن خَليفَة بن
جَابر. أَبُو سعيد الأحمسي بالمهملتين، وَهُوَ من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، وطارق بِكَسْر الرَّاء ابْن
شهَاب الأحمسي، رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَقَالَ أَبُو عمر: طَارق بن شهَاب بن عبد شمس أَبُو
عبد الله أدْرك الْجَاهِلِيَّة، وروى بِإِسْنَادِهِ
عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب، قَالَ: رَأَيْت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغزوت فِي
خلَافَة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا، ثَلَاثًا
وَأَرْبَعين بَين غَزْوَة وسرية. والْحَدِيث من
أَفْرَاده وَمر تَفْسِير الْهَدْي وَهُوَ بِفَتْح
الْهَاء كَمَا ذكرنَا، ويروى بضَمهَا ضد الضلال.
71 - (بابُ الصَّبْرِ عَلَى الأذَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فَضِيلَة الصَّبْر على
الْأَذَى أَي: أَذَى النَّاس وَالصَّبْر حبس النَّفس
على الْمَطْلُوب حَتَّى يدْرك وأصل الصَّبْر الْحَبْس
وَمِنْه سمي الصَّوْم صبرا لما فِيهِ من حبس النَّفس
عَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّكَاح، وَمِنْه نهى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من صَبر
الْبَهَائِم، يَعْنِي: من حَبسهَا للتمثيل بهَا ورميها
كَمَا ترمي الْأَغْرَاض، وَالصَّبْر على الْأَذَى من
بَاب جِهَاد النَّفس وقمعها عَن شهوتها ومنعها عَن
تطاولها، وَهُوَ من أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء
وَالصَّالِحِينَ، وَإِن كَانَ الله قد جعل النُّفُوس
مجبولة على تألمها من الْأَذَى ومشقته.
وقوْل الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ
أجرهم بِغَيْر حِسَاب} (الزمر: 10)
وَقَول الله مجرور عطفا على الصَّبْر على الْأَذَى،
أَرَادَ بالصابرين الَّذين صَبَرُوا على البلايا،
وَقيل: الَّذين صَبَرُوا على مُفَارقَة أوطانهم
وعشائرهم فِي مَكَّة وَهَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة،
وَقيل: نزلت فِي جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه
حِين لم يتْركُوا دينهم. قَوْله: (بِغَيْر حِسَاب)
يَعْنِي: لَا يهتدى إِلَيْهِ عقل وَلَا يُوصف.
6099 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى بنُ سَعِيد
عَنْ سُفْيانَ قَالَ: حدّثني الأعْمَشُ عَنْ سَعِيدِ
بنِ جُبَيْرٍ عَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ
السُّلَمِيِّ عَنْ أبي مُوسى رَضِي الله عَنهُ، عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ أحَدٌ
أوْ لَيْسَ شَيْءٌ أصْبَرَ عَلَى أَذَى سَمعهُ مِنَ
الله، إنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَداً، وإنَّهُ
لَيُعافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 6099
طرفه فِي: 7378) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسَ شَيْء
أَصْبِر على أَذَى) وَإِطْلَاق الصَّبْر على الله
بِمَعْنى الْحلم يَعْنِي حبس الْعقُوبَة عَن مستحقها
إِلَى زمن آخر وتأخيرها.
وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ
النوري، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو عبد
الرَّحْمَن عبد الله ابْن حبيب السّلمِيّ بِضَم
السِّين وَفتح اللَّام، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن
قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد
عَن عَبْدَانِ. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي
بكر وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي البعوت عَن
عَمْرو بن عَليّ وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن
عبد الله.
قَوْله: (أَو لَيْسَ شَيْء) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله:
(لَيْسَ شَيْء أَصْبِر) فسروا الصَّبْر فِي حق الله
بالحلم، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: (من الله) ،
كلمة: من صلَة لقَوْله: أَصْبِر. قَوْله: (ليدعون
لَهُ) . أَي لله وَاللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة
للتَّأْكِيد، يَعْنِي: ينسبون إِلَيْهِ مَا هُوَ منزه
عَنهُ وَهُوَ يحسن إِلَيْهِم بِمَا يتَعَلَّق
بِأَنْفسِهِم، وَهُوَ المعافاة، وبأموالهم وَهُوَ
الرزق.
6100 - حدَّثني عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا
الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقاً يَقُولُ: قَالَ
عَبْدُ الله: قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ
مِنَ الأنْصارِ: وَالله إنَّها لَقِسْمَةُ مَا أُرِيدَ
بِها وَجْهُ الله! قُلْتُ: أمَّا لأقُولَنَّ للنبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأتيْتُهُ وَهْوَ فِي
أصْحابِهِ فَسَارَرْتُهُ، فَشَقَّ ذالِكَ عَلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتَغَيَّرَ
وَجْهُهُ وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ
أخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أُوذِيَ مُوساى
بِأكثَرَ مِنْ ذالِكَ فَصَبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعمر بن حَفْص يروي
عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش
عَن شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود
رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء
عَلَيْهِم السَّلَام، عَن أبي الْوَلِيد، وَيَأْتِي
فِي الدَّعْوَات عَن حَفْص
(22/155)
ابْن عمر الحوضي. وَأخرجه مُسلم فِي
الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (قسم) يَعْنِي: يَوْم حنين، وَأعْطى نَاسا من
أَشْرَاف الْعَرَب وَلم يُعْط الْأَنْصَار. قَوْله:
(فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار) زعم بَعضهم أَنه حرقوص
بن زُهَيْر، ورد عَلَيْهِ، وَقد مر بَيَانه فِي
غَزْوَة حنين، قَوْله: (أما أَنا) بِالتَّخْفِيفِ حرف
التَّنْبِيه، وَوَقع فِي بعض الرِّوَايَات بتَشْديد
الْمِيم وَلَيْسَ ببين. قَوْله: (فِي أَصْحَابه) أَي:
بَين أَصْحَابه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { (98)
فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: 29) أَي: بَين عبَادي.
قَوْله: (لم أكن) ويروى: لم أك، بِحَذْف النُّون.
قَوْله: (بِأَكْثَرَ من ذَلِك) أَي: من الَّذِي قَالَه
الْأنْصَارِيّ الَّذِي تأذى بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكرنَا عَن قريب من جملَة مَا
أوذي بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
72 - (بابُ مَنْ لَمْ يُواجِهِ النَّاسَ بالْعِتابِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من لم يواجه النَّاس
بالعتاب حَيَاء مِنْهُم.
6101 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْص حدّثنا أبي حدّثنا
الأعْمَشُ حَدثنَا مُسْلمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ، قالَتْ
عائِشَةُ: صَنَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَيْئاً فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ
فَبَلَغَ ذالِكَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَخَطَبَ فَحَمِدَ الله ثُمَّ قَالَ: مَا بالُ أقْوامٍ
يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أصْنَعُهُ؟ فوَاللَّه
إنِّي لأعْلَمُهُمْ بِاللَّه وأشَدُّهُمْ لَهُ
خَشْيَةً. (انْظُر الحَدِيث 6101 طرفه فِي: 7301) .
وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة هِيَ أَن
التَّرْجَمَة فِي عدم مُوَاجهَة النَّاس بالعتاب،
وَكَذَلِكَ الحَدِيث فِي عتاب قوم من غير مواجهتهم.
وَقَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا كَانَ لَا يواجه النَّاس
بالعتاب إِذا كَانَ فِي خَاصَّة نَفسه: كالصبر على جهل
الْجُهَّال وجفاء الْأَعْرَاب، أَلا يُرى أَنه ترك
الَّذِي جبذ الْبردَة من عُنُقه حَتَّى أثرت جبذته
فِيهِ؟ وَأما إِذا انتهكت من الدّين حُرْمَة فَإِنَّهُ
لَا يتْرك العتاب عَلَيْهَا والتقريع فِيهَا، ويصدع
بِالْحَقِّ فِيمَا يجب على منتهكها ويقتص مِنْهُ.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَمُسلم على صِيغَة إسم
الْفَاعِل من أسلم قَالَ بَعضهم: هُوَ ابْن صبيح أَبُو
الضُّحَى، وَوهم من زعم أَنه ابْن عمرَان البطين. قلت:
غمز بذلك على الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ لم يجْزم
بِأَنَّهُ مُسلم بن عمرَان البطين، بل قَالَ: مُسلم،
إِمَّا مُسلم بن عمرَان البطين، وَإِمَّا مُسلم بن
صبيح مصغر صبح وَكِلَاهُمَا بِشَرْط البُخَارِيّ
يرويان عَن مَسْرُوق وَالْأَعْمَش يروي عَنْهُمَا،
وَابْن عمرَان يُقَال لَهُ ابْن أبي عمرَان وَابْن أبي
عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام
عَن عمر بن حَفْص. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَآخَرين. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن بنْدَار.
قَوْله: (صنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَيْئا) لم يعلم مَا هُوَ. قَوْله: (فَرخص فِيهِ) من
الترخيص وَهُوَ خلاف التَّشْدِيد يَعْنِي: سهّل فِيهِ
من غير منع. قَوْله: (فتنزه عَنهُ قوم) يَعْنِي:
احترزوا عَنهُ وَلم يقربُوا إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: فكأنهم كرهوه وتنزهوا عَنهُ. قَوْله: (فَبلغ
ذَلِك) أَي تنزههم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَالَ: مَا بَال قوم يتنزهون؟ أَي: يحترزون، وَفِي
رِوَايَة مُسلم: فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَغَضب حَتَّى بَان الْغَضَب فِي
وَجهه. قَوْله: عَن الشَّيْء أصنعه، وَفِي رِوَايَة
جرير: بَلغهُمْ عني أَمر ترخصت فِيهِ فكرهوه وتنزهوا
عَنهُ، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة يرغبون عَمَّا
رخصت فِيهِ. قَوْله: إِنِّي لأعلمهم إِشَارَة إِلَى
الْقُوَّة العلمية. قَوْله: وأشدهم لَهُ خشيَة
إِشَارَة إِلَى الْقُوَّة العملية.
وَفِيه: الْحَث على الِاقْتِدَاء بِهِ وَالنَّهْي عَن
التعمق وذم التَّنَزُّه عَن الْمُبَاح.
6102 - حدَّثنا عَبْدانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا
شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ سَمِعْتُ عَبْد الله هُوَ ابنُ
أبي عُتْبَةَ مَوْلَى أنَسٍ عَنْ أبي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أشَدَّ حَياءٍ مِنَ العذْراءِ فِي خِدْرِها،
فَإِذا رأى شَيْئاً يَكْرَهُهُ عَرَفْناهُ فِي
وَجْهِهِ. (انْظُر الحَدِيث 3562 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لشدَّة خيائه
لَا يُعَاقب أحدا فِي وَجهه، وَإِذا رأى شَيْئا يكرههُ
يعرف فِي وَجهه، وَإِذا عَاتب
(22/156)
لَا يعين أحدا مِمَّن فعله بل كَانَ عتابه
بِالْعُمُومِ، وَهُوَ من بَاب الرِّفْق لأمته والستر
عَلَيْهِم.
وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي،
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَعبد الله بن أبي
عتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق مولى أنس ين مَالك الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سعيد
اسْمه سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن مُسَدّد وَغَيره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (من الْعَذْرَاء) ، هِيَ: الْبكر لِأَن عذرتها
بافية، وَهِي جلدَة الْبكارَة والخدر ستر يَجْعَل
للبكر فِي جنب الْبَيْت.
وَفِيه: أَن للشَّخْص أَن يحكم بِالدَّلِيلِ، لأَنهم
عرفُوا كَرَاهَته للشَّيْء بِتَغَيُّر وَجهه كَمَا
كَانُوا يعْرفُونَ قِرَاءَته فِي الصَّلَاة السّريَّة
باضطراب لحيته.
73 - (بابُ مَنْ كُفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ
فَهْوَ كَمَا قَالَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من كفر أَخَاهُ أَي: دعاة
كَافِرًا أَو نسبه إِلَى الْكفْر. قَوْله: (بِغَيْر
تَأْوِيل) يَعْنِي فِي تكفيره، قيد بِهِ لِأَنَّهُ
إِذا تَأَول فِي تكفيره يكون مَعْذُورًا غير آثم،
وَلذَلِك عذر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر
رَضِي الله عَنهُ، فِي نِسْبَة النِّفَاق إِلَى حَاطِب
بن بلتعة لتأويله، وَذَلِكَ أَن عمر بن الْخطاب ظن
أَنه صَار منافقاً بِسَبَب أَنه كَاتب الْمُشْركين
كتابا فِيهِ بَيَان أَحْوَال عَسْكَر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: فَهُوَ كَمَا قَالَ:
جَوَاب كلمة: من المتضمنة معنى الشَّرْط، يَعْنِي: أَن
الَّذِي قَالَه يرجع إِلَيْهِ وَكفر نَفسه لِأَن
الَّذِي كفره صَحِيح الْإِيمَان، وَلم يتَأَوَّل فِيهِ
بِشَيْء يُخرجهُ من الْإِيمَان، فَظهر أَنه أَرَادَ
برميه لَهُ بالْكفْر فقد كفر نَفسه، فَافْهَم.
6103 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ وأحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ
قَالَا: حدّثنا عُثْمان بنُ عُمَرَ أخبرنَا عَلِيُّ
بنُ المبارَك عَنْ يَحْياى بنِ أبي كَثيرٍ عَنْ أبي
سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أَن
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذْ
قَالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ: يَا كافِرٌ، فَقَدْ باءَ
بِهِ أحَدُهُما.
6104 - حدَّثنا إسماعيلُ قَالَ: حدَّثَني مالكٌ عَن
عبد الله بن دِينارٍ، عَن عبد الله بن عُمَر رَضِي
الله عَنْهُمَا، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: (أَيّمَا رجلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا
كَافِر فقد باءَ بهَا أحدُهما) : وَعند الرُّجُوع لفتح
الْبَارِي 10 / 514. وصحيح البُخَارِيّ (النُّسْخَة
اليونينية} / 32. (وَالنُّسْخَة الأميرية} / 26 وجدنَا
هَذَا الحَدِيث مثبتاً، فأثبتناه.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
وَمُحَمّد هُوَ إِمَّا ابْن بشار بالشين الْمُعْجَمَة
الْمُشَدّدَة، وَإِمَّا ابْن الْمثنى ضد الْمُفْرد
كَذَا نَقله الْكرْمَانِي عَن الغساني، وَقَالَ
بَعضهم: مُحَمَّد هُوَ ابْن يحيى الذهلي. قلت: إِن
صَحَّ مَا قَالَه هَذَا الْقَائِل فالسبب فِي ذكره
مُجَردا أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ
مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ
كَانَ قد سمع مِنْهُ فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ
وَلم يُصَرح باسم أَبِيه بل فِي بعض الْمَوَاضِع
يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى
جده، وَأحمد بن سعيد بن صَخْر بن سُلَيْمَان أَبُو
جَعْفَر الدَّارمِيّ الْمروزِي، وَعُثْمَان بن عمر بن
فَارس الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (لِأَخِيهِ) المُرَاد بالأخوة أخوة
الْإِسْلَام. قَوْله: (فقد بَاء بِهِ) أَحدهمَا أَي:
رَجَعَ بِهِ أَحدهمَا لِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِقا فِي
نفس الْأَمر فالمقول لَهُ كَافِر، وَإِن كَانَ
كَاذِبًا فالقائل كَافِر لِأَنَّهُ حكم بِكَوْن
الْمُؤمن كَافِرًا أَو الْإِيمَان كفر، قيل: لَا يكفر
الْمُسلم بالمعصية فَكَذَا بِهَذَا القَوْل. وَأجِيب
بِأَنَّهُم حملوه على المستحل لذَلِك، وَقيل:
مَعْنَاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ التَّكْفِير إِذْ كَأَنَّهُ
كفر نَفسه لِأَنَّهُ كفر من هُوَ مثله، وَقَالَ
الْخطابِيّ: بَاء بِهِ الْقَائِل إِذا لم يكن لَهُ
تَأْوِيل وَقَالَ ابْن بطال يَعْنِي: بَاء بإثم رميه
لِأَخِيهِ بالْكفْر، أَي: رَجَعَ وزر ذَلِك عَلَيْهِ
إِن كَانَ كَاذِبًا، وَقيل: يرجع عَلَيْهِ إِثْم
الْكفْر لِأَنَّهُ إِذا لم يكن كَافِرًا فَهُوَ مثله
فِي الدّين فَيلْزم من تكفيره تَكْفِير نَفسه
لِأَنَّهُ مساويه فِي الْإِيمَان، فَإِن كَانَ مَا
هُوَ فِيهِ كفرا فَهُوَ أَيْضا فِيهِ ذَلِك، وَإِن
كَانَ اسْتحق المرمي بِهِ بذلك كفرا فَيسْتَحق
الرَّامِي أَيْضا، وَقيل: مَعْنَاهُ أَنه يؤول بِهِ
إِلَى الْكفْر لِأَن الْمعاصِي تزيد الْكفْر وَيخَاف
على المكثر مِنْهَا أَن تكون عَاقِبَة شؤمها الْمصير
إِلَيْهِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْياى عَنْ
عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ: سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مثله.
عِكْرِمَة بن عمار بتَشْديد الْمِيم الْحَنَفِيّ
اليمامي كَانَ مجاب الدعْوَة، وَيحيى هُوَ ابْن كثير،
وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة مولى الْأسود بن
سُفْيَان المَخْزُومِي وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ
سوى هَذَا الحَدِيث الْمُعَلق وَحَدِيث آخر مَوْصُول
مضى
(22/157)
فِي التَّفْسِير، وَقد وصل هَذَا الْمُعَلق
الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَأَبُو نعيم فِي (مستخرجه)
من طَرِيقه عَن النَّضر بن مُحَمَّد اليمامي عَن
عِكْرِمَة بن عمار بِهِ.
6105 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ
حدّثنا أيُّوبُ عَنْ أبي قِلاَبَةَ عَنْ ثابِتِ بن
الضَّحَّاكِ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلامِ
كاذِباً فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ
المؤمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مؤْمِناً بِكُفْر
فَهْوَ كَقَتْلِهِ.
هَذَا أَيْضا فِي الْمُطَابقَة مثل الحَدِيث
السَّابِق. وهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد
الله بن زيد الْجرْمِي، وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة
ابْن الضَّحَّاك بن خَليفَة بن ثَعْلَبَة
الْأنْصَارِيّ، قَالَ أَبُو عمر: ولد سنة ثَلَاث من
الْهِجْرَة، يكنى أَبَا يزِيد سكن الشَّام وانتقل
إِلَى الْبَصْرَة وَمَات بهَا سنة خمس وَأَرْبَعين،
روى عَنهُ من أهل الْبَصْرَة أَبُو قلَابَة وَعبد الله
بن مُغفل.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن مُسَدّد، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَأخرجه بَقِيَّة
الْجَمَاعَة.
قَوْله: (من حلف بِملَّة غير الْإِسْلَام) قَالَ ابْن
بطال: هُوَ مثل أَن يَقُول: إِن فعلت كَذَا فَأَنا
يَهُودِيّ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، أَي: كَاذِب لَا
كَافِر، لِأَنَّهُ مَا تعمد بِالْكَذِبِ الَّذِي حلف
عَلَيْهِ الْتِزَام الْملَّة الَّتِي حلف بهَا، بل
كَانَ ذَلِك على سَبِيل الخديعة للمحلوف لَهُ فَهُوَ
وَعِيد، وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: ظَاهره أَنه
يخْتل بِهَذَا الْحلف إِسْلَامه وَيصير يَهُودِيّا،
كَمَا قَالَ، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ التهديد
وَالْمُبَالغَة فِي الْوَعيد، كَأَنَّهُ قَالَ: فَهُوَ
مُسْتَحقّ لمثل عَذَاب مَا قَالَه. قَوْله: (عذب بِهِ)
إِشَارَة إِلَى أَن عَذَابه من جنس عمله. قَوْله:
(وَلعن الْمُؤمن كقتله) أَي: ف يالتحريم أَو فِي
التأثم أَو فِي الإبعاد، فَإِن اللَّعْن تبعيد من
رَحْمَة الله تَعَالَى، وَالْقَتْل تبعيد من
الْحَيَاة. قَوْله: (وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر) مثل
قَوْله: (يَا كَافِر. قَوْله: (فَهُوَ)) أَي: الرَّمْي
الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: رمى كقتله وَجه المشابهة
هُنَا أظهر لِأَن النِّسْبَة إِلَى الْكفْر الْمُوجب
للْقَتْل كَالْقَتْلِ فِي أَن المتسبب للشَّيْء
كفاعله، نسْأَل الله الْعِصْمَة.
74 - (بابُ مَنْ لَمْ يَرَ إكْفارَ مَنْ قَالَ ذالِكَ
مُتَأوِّلاً أوْ جاهِلاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من لم ير إكفار، بِكَسْر
الْهمزَة من قَالَ ذَلِك إِشَارَة إِلَى قَوْله فِي
التَّرْجَمَة السَّابِقَة: من كفر أَخَاهُ بِغَيْر
تَأْوِيل يَعْنِي من قَالَ ذَلِك القَوْل حَال كَونه
متأولاً بِأَن ظَنّه كَذَا، أَو قَالَه حَال كَونه
جَاهِلا بِحكم مَا قَالَه، أَو بِحَال الْمَقُول
فِيهِ.
وَقَالَ عُمَرُ لِحاطِب: إنَّهُ مُنافِقٌ، فَقَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا يُدْرِكَ؟
لَعَلَّ الله قَدْ اطَّلَعَ إِلَى أهْلِ بَدْرٍ،
فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ
مطابقته هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَذَلِكَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ، إِنَّمَا قَالَ
لحاطب: إِنَّه مُنَافِق، لِأَنَّهُ ظن أَنه صَار
منافقاً بِسَبَب كِتَابه إِلَى الْمُشْركين، كَمَا
ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من
حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ، فِي قصَّة حَاطِب قد
تقدم مَوْصُولا فِي تَفْسِير سُورَة الممتحنة. قَوْله:
إِنَّه مُنَافِق، رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين: إِنَّه نَافق، بِصِيغَة الْفِعْل
الْمَاضِي. قَوْله: (وَمَا يدْريك؟) أَي: شَيْء جعلك
دارياً بِحَال حَاطِب؟
6106 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبادةَ أخبرنَا يَزِيدُ
أخبرنَا سَلِيمٌ حَدثنَا عَمْرُو بنُ دِينارٍ حَدثنَا
جابِرُ ابنُ عَبْدِ الله أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رَضِي
الله عَنهُ، كانَ يُصَلِّي مَعَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي
بِهِمُ الصَّلاَةَ، فَقَرَأ بِهِمُ البَقَرَةَ، قَالَ:
فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً
فَبَلَغَ ذالِكَ مُعاذاً، فَقَالَ: إنَّهُ مُنافِقٌ،
فَبَلَغَ ذالِكَ الرَّجُلَ فأبَى النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله! إنَّا قَوْم
نَعْمَلُ بأيْدِينا وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنا، وإنَّ
مُعاذاً صَلَّى بِنا البارِحَةَ فَقَرَأ البَقَرَةَ
فَتَجوزْتُ، فَزَعَمَ أنّي مُنافِقٌ، فَقَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا مُعاذُ أفَتَّانٌ
(22/158)
أنْتَ؟ ثَلاَثاً، اقْرَأ والشَّمْسِ
وضُحاها، وسَبّحِ اسْم رَبّكَ الأعْلَى، وَنَحْوَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عذر معَاذًا فِي قَوْله: (إِنَّه
مُنَافِق) لِأَنَّهُ كَانَ متأولاً وظناً أَن التارك
للْجَمَاعَة مُنَافِق.
وَمُحَمّد بن عبَادَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الوَاسِطِيّ، وَيزِيد
هُوَ ابْن هَارُون، وسليم بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَكسر اللَّام ابْن حَيَّان من الْحَيَاة أَو من
الْحِين منصرفاً وَغير منصرف.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا طول
الإِمَام. وَكَانَ للرجل حَاجَة، وَفِي: بَاب من شكا
إِمَامه إِذا طول مطولا، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَيصَلي بِهِ الصَّلَاة) ويروى: صَلَاة،
وَكَانَت هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْعشَاء، وَلأبي
دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: أَنَّهَا كَانَت الْمغرب،
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رِوَايَات الْعشَاء أصح.
قَوْله: (فَتجوز) ، بِالْجِيم أَي: خفف وَقَالَ ابْن
التِّين: يحْتَمل أَن يكون بِالْحَاء أَي: انحاز وَصلى
وَحده، وَيُؤَيّد هَذَا رِوَايَة مُسلم: (فانحرف رجل
فَسلم ثمَّ صلى وَحده ثمَّ انْصَرف) ، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيّ: قَوْله: فَسلم، لَا أَدْرِي هَل حفظت
أم لَا لِكَثْرَة من رَوَاهُ عَن سُفْيَان بِدُونِهَا،
وَانْفَرَدَ بهَا مُحَمَّد بن عبَادَة عَن سُفْيَان.
قَوْله: (بنواضحنا) جمع نَاضِح وَهُوَ الْبَعِير
الَّذِي يستقى عَلَيْهِ. قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي:
(فَقَالَ أفتان يَا معَاذ؟) ثَلَاث مَرَّات.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : صَلَاة معَاذ بقَوْمه
فِيهِ دلَالَة على صِحَة صَلَاة المفترض خلف المتنفل،
وانتصر ابْن التِّين لمذهبه فَقَالَ: يحْتَمل أَن يكون
جعل صلَاته مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
نَافِلَة وَيحْتَمل أَن يكون لم يعلم الشَّارِع بذلك،
وَمَا أبعدها؟ وَكَيف يظنّ بمعاذ أَن يُؤَخر الْفَرْض
ليصليها بقَوْمه ويؤثر النَّفْل خَلفه؟ وَكَيف يَدعِي
أَن الشَّارِع لم يعلم بذلك مَعَ أَنه اشْتَكَى
إِلَيْهِ؟ وَقَالَ: أفتان أَنْت يَا معَاذ. انْتهى.
قلت: هَذَا الْكَلَام غير موجه لِأَنَّهُ الْتبس بفوت
الْفَضِيلَة مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَائِر
أَئِمَّة مَسَاجِد الْمَدِينَة، وفضيلة النَّافِلَة
خَلفه مَعَ أَن أَدَاء الْفَرْض مَعَ قومه يقوم مقَام
أَدَاء الْفَرِيضَة خَلفه، وامتثال أَمر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي إِمَامَة قومه زِيَادَة
طَاعَة.
والْحَدِيث الْمَذْكُور مَنْسُوخ، قَالَ الطَّحَاوِيّ:
يحْتَمل أَن يكون ذَلِك وَقت كَانَت الْفَرِيضَة تصلي
مرَّتَيْنِ، فَإِن ذَلِك كَانَ يفعل فِي أول
الْإِسْلَام، ثمَّ ذكر حَدِيث ابْن عمر: لَا يُصَلِّي
صَلَاة فِي يَوْم مرَّتَيْنِ، قيل: لَا يثبت النّسخ
بِالِاحْتِمَالِ. وَأجِيب بِأَنَّهُ إِذا كَانَ ناشئاً
عَن دَلِيل يعْمل بِهِ، وَقد ذكر الطَّحَاوِيّ
بِإِسْنَادِهِ أَنهم كَانُوا يصلونَ الْفَرِيضَة
الْوَاحِدَة فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ حَتَّى نهوا عَن
ذَلِك، وَهَكَذَا ذكره الْمُهلب، وَالنَّهْي لَا يكون
إلاَّ بعد الْإِبَاحَة.
6107 - حدَّثني إسْحاقُ أخبرنَا أبُو المُغِيرَةِ
حدّثنا الأوْزاعِيُّ حَدثنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ
حُمَيْدٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ
فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بالَّلاتِ والعُزَّى فَلْيَقُلْ:
لَا إلهَ إلاَّ الله، وَمَنْ قَالَ لِصاحِبِهِ: تعالَ
أُقامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ.
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة، وَهُوَ
قَوْله: (جَاهِلا) ظَاهره. وَقَالَ ابْن بطال: عذر صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، من حلف من أَصْحَابه بِاللات
والعزي لقرب عَهدهم بجري ذَلِك على ألسنتهم فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَرُوِيَ عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي
الله عَنهُ، أَنه حلف بذلك، فَأتى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: يَا رَسُول الله! إِن
الْعَهْد كَانَ قَرِيبا، فَحَلَفت باللاَّت والعزى،
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قل لَا إِلَه إلاَّ
الله، فعلمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن من
نسي أَو جهل فَحلف بذلك فكفارته أَن يشْهد بِشَهَادَة
التَّوْحِيد.
إِسْحَاق جزم بَعضهم بِأَنَّهُ ابْن رَاهَوَيْه
فَكَأَنَّهُ أَخذه من ابْن السكن، فَإِنَّهُ قَالَ:
إِسْحَاق هَذَا ابْن رَاهَوَيْه، وَقَالَ الكلاباذي:
هُوَ ابْن مَنْصُور، وَأَبُو الْمُغيرَة بِضَم الْمِيم
وَكسرهَا هُوَ عبد القدوس بن الْحجَّاج الْخَولَانِيّ
الْحِمصِي وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ، وروى عَنهُ
هُنَا بالواسطة، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن،
وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَحميد مصغر حمد ابْن
عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة النَّجْم عَن عبد
الله بن مُحَمَّد، وَأخرجه فِي النذور كَذَلِك وَفِي
الاسْتِئْذَان أَيْضا عَن يحيى بن بكير. وَأخرجه
بَقِيَّة الْجَمَاعَة.
قَوْله: (فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله) لِأَنَّهُ
تعاطى تَعْظِيم صُورَة الْأَصْنَام حِين حلف بهَا
فَأمر أَن يتداركه بِكَلِمَة التَّوْحِيد. قَوْله:
(وَمن قَالَ لصَاحبه)
إِلَى آخِره إِنَّمَا قرن الْقمَار بِذكر الصَّنَم
تأسياً بقوله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر
والأنصاب} أَي: فكفارة الْحلف بالصنم تَجْدِيد كلمة
الشَّهَادَة، وَكَفَّارَة الدعْوَة إِلَى المقامرة
التَّصَدُّق بِمَا تيَسّر مِمَّا
(22/159)
ينْطَلق عَلَيْهِ إسم الصَّدَقَة، وَقيل:
بِمِقْدَار مَا أَمر أَن يقامر بِهِ، وَقيل: لما
أَرَادَ الدَّاعِي إِلَى الْقمَار إِخْرَاج المَال
بِالْبَاطِلِ أَمر بِإِخْرَاجِهِ فِي الْحق. قَوْله:
(تعال) أَمر و (أقامرك) مجزوم. قَوْله: (فليتصدق) ،
جَوَاب: من، المتضمنة لِمَعْنى الشَّرْط، وَلِهَذَا
دخلت الْفَاء فِيهِ.
6108 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عَنْ
نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّهُ
أدْرَكَ عُمَرَ ابنَ الخَطّابِ فِي رَكْبٍ وَهْوَ
يَحْلِفُ بأبِيهِ، فَنادَاهُمْ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَلا إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ
تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ، فَمَنْ كانَ حالِفاً
فَلْيَحْلِفْ بِاللَّه، وإلاَّ فَلْيَصْمُتْ.
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله:
متأولاً، ظَاهِرَة وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عذر عمر رَضِي الله عَنهُ، فِي حلفه
بِأَبِيهِ لتأويله بِالْحَقِّ الَّذِي للآباء.
وقتيبة هُوَ ابْن سعيد، وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النذور عَن قُتَيْبَة
وَمُحَمّد ابْن رمح.
قَوْله: (وَهُوَ يحلف) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: (أَلا) كلمة تَنْبِيه فتدل على تحقق مَا
بعْدهَا وَهِي بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام.
قَوْله: (أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ) فَإِن قلت: ثَبت
فِي الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
قَالَ: (أَفْلح وَأَبِيهِ) ، وَالْجَوَاب أَن هَذَا من
جملَة مَا يُزَاد فِي الْكَلَام للتقرير وَنَحْوه
وَلَا يُرَاد بِهِ الْقسم، وَالْحكمَة فِي النَّهْي
أَن الْحلف يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ
وَحَقِيقَة العظمة مُخْتَصَّة بِاللَّه وَحده فَلَا
يضاهى بِهِ غَيره، فَإِن قيل: قد أقسم الله تَعَالَى
بمخلوقاته؟ وَأجِيب بِأَن لَهُ تَعَالَى أَن يقسم
بِمَا شَاءَ تَنْبِيها على شرفه.
75 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الغَضَبِ والشِّدَّةِ
لأمْرِ الله، وَقَالَ الله تَعَالَى: { (9) جَاهد
الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم}
(التَّوْبَة: 73، وَالتَّحْرِيم: 9)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْغَضَب والشدة
لأجل أَمر الله، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن صَبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْأَذَى
إِنَّمَا كَانَ فِي حق نَفسه، وَأما إِذا كَانَ لله
تَعَالَى فَإِنَّهُ كَانَ يمتثل فِيهِ أَمر الله
تَعَالَى، وَقد قَالَ تَعَالَى: {جَاهد الْكفَّار} ...
الْآيَة. قَوْله: {جَاهد الْكفَّار} أَي: السَّيْف،
وجاهد الْمُنَافِقين بالاحتجاج، وَعَن قَتَادَة:
مجاهدة الْمُنَافِقين بِإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم،
وَعَن مُجَاهِد: بالوعيد. قَوْله: {وَاغْلُظْ
عَلَيْهِم} أَي: اسْتعْمل الغلظة والخشونة على
الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا تجاهدهما بِهِ من الْقِتَال
والاحتجاج.
6109 - حدَّثنا يَسَرَةُ بنُ صَفْوانَ حَدثنَا
إبْرَاهِيمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ القاسِمِ عَنْ
عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي البَيْتِ
قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ
تَناوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَه، وقالَتْ: قَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِنْ أشَدِّ النَّاسِ
عَذَاباً يَوْمَ القِيامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ
هاذِهِ الصُّوَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَتَلَوَّنَ
وَجهه) فَإِن ذَلِك كَانَ من غَضَبه لله تَعَالَى.
ويسرة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين
الْمُهْملَة وَالرَّاء ابْن صَفْوَان اللَّخْمِيّ،
بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة،
وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن ابْن عَوْف، يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصّديق عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر اللبَاس فِي: بَاب مَا
وطىء من التصاوير، وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم فِي اللبَاس
عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم عَن إِبْرَاهِيم ابْن سعد
بِهِ وَعَن غَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة
عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (قرام) بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف الرَّاء
وَهُوَ السّتْر. قَوْله: (صور) جمع صُورَة. قَوْله:
(ثمَّ تنَاول السّتْر) وَهُوَ القرام الْمَذْكُور.
قَوْله: (فهتكه) أَي: خرقه. قَوْله: (من أَشد النَّاس)
ويروى: إِن من أَشد النَّاس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
فِي كتاب اللبَاس فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
6110 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى عَنْ
إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ حدّثنا قَيْسُ بنُ أبي
حازِمٍ عَنْ أبي مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
أَتَى رَجُلٌ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَالَ: إنِّي لأَتَأخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الغَداة مِنْ
أجْلِ فُلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنا، قَالَ: فَما
رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَطُّ
أشَدَّ غَضَباً فِي مَوْعِظَةٍ
(22/160)
مِنْهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: فَقَالَ: يَا
أيُّها النَّاسُ {إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ
فأيُّكُمْ مَا صَلى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فإنَّ
فِيهِمُ المَرِيضَ والكَبِيرَ وذَا الحاجَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَمَا
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ أَشد
غَضبا فِي موعظة مِنْهُ يومئذٍ) .
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَأَبُو مَسْعُود هُوَ عقبَة
بن عَامر البدري.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب تَخْفيف
الإِمَام فِي الْقيام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس
إِلَى آخِره ... وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (مِنْهُ) أَي: من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ مفضل بِاعْتِبَار ومفضل عَلَيْهِ
بِاعْتِبَار آخر. قَوْله: (فَأَيكُمْ مَا صلى) ، كلمة:
مَا زَائِدَة للتَّأْكِيد. قَوْله: (فليتجوز) أَي:
فليخفف. قَوْله: (الْكَبِير) أَي: الشَّيْخ الْهَرم.
6111 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا
جُوَيْرِيَّةُ عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ
عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَا النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي رَأى فِي قِبْلَةِ
المَسْجِدِ نُخامَةً فَحَكَّها بِيَدِهِ فَتَغَيَّظَ،
ثُمَّ قَالَ: إنَّ أحَدَكُمْ إِذا كَانَ فِي الصَّلَاة
فإنَّ الله حِيالَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَّنَخَّمَنَّ
حِيالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فتغيظ) .
وَجُوَيْرِية هُوَ ابْن أَسمَاء وَهَذَانِ العلمان
مِمَّا يشْتَرك فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب حك
البزاق بِالْيَدِ من الْمَسْجِد.
قَوْله: (بَينا) أَصله: بَين، فأشبعت فَتْحة النُّون
فَصَارَت ألفا وَهُوَ ظرف مُضَاف إِلَى جملَة، وَهِي
هُنَا قَوْله: (النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
يصلى وَهِي جملَة إسمية. قَوْله: (نخامة) بِضَم
النُّون وَهِي النخاعة. قَوْله: (حِيَال وَجهه)
بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف أَي: مُقَابل وَجهه، وَفِي كتاب الصَّلَاة:
فَإِن الله قَبِل وَجهه، وَفِي (التَّوْضِيح) : حِيَال
وَجهه أَي يرَاهُ، وَأَصله الْوَاو فقلبت يَاء لانكسار
مَا قبلهَا، ويروى: قبل وَجهه ويروى: قبلته، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الله منزه عَن الْجِهَة وَالْمَكَان
وَمَعْنَاهُ التَّشْبِيه على سَبِيل التَّنْزِيه أَي:
كَانَ الله تَعَالَى فِي مُقَابل وَجهه، وَقَالَ
الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَن توجهه إِلَى الْقبْلَة مفضٍ
بِالْقَصْدِ مِنْهُ إِلَى ربه فَصَارَ فِي التَّقْدِير
كَأَن مَقْصُوده بَينه وَبَين الْقبْلَة.
6112 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ حَدثنَا اسْماعِيلُ بنُ
جَعْفَرٍ أخبرنَا رَبِيعَةُ بنُ أبي عَبْدِ
الرَّحْمانِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ عَنْ
زَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ أنَّ رَجُلاً سألَ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنِ اللُّقَطَةِ
فَقَالَ: عَرِّفْها سَنَةً ثُمَّ أعْرِفْ وكاءَها
وعِفاصَها، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِها، فإنْ جاءَ رَبُّها
فأدِّها إلَيْهِ قَالَ: يَا رسولَ الله} فَضالّةُ
الْغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْها فإنَّما هِيَ لَكَ أوْ
لأخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: يَا رسولَ الله!
فَضالَّةُ الإبِلِ؟ قَالَ: فَغَضبَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَتّى احْمَرَّتْ وَجْنَتاهُ أَو
احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ ولَها؟
مَعَها حِذاؤها وسِقاؤُها حَتَّى يَلْقاها رَبُّها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَغَضب رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن
سَلام، وَهَؤُلَاء كلهم مدنيون إلاَّ ابْن سَلام.
والْحَدِيث مضى فِي اللّقطَة عَن عبد الله بن يُوسُف،
وَفِي الشّرْب عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله كِلَاهُمَا
عَن مَالك، وَفِي اللّقطَة أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَعَن
مُحَمَّد بن يُوسُف وَعَن عَمْرو بن الْعَبَّاس، وَفِي
الْعلم عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَمضى الْكَلَام
فِيهَا.
قَوْله: (وكائها) بِكَسْر الْوَاو وبالمد مَا يسد بِهِ
رَأس الْكيس، والعفاص بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْفَاء وبالصاد الْمُهْملَة وَهُوَ مَا
يكون فِيهِ النَّفَقَة. قَوْله: (ثمَّ استنفق) ، أَي:
تمتّع بهَا وَتصرف فِيهَا. قَوْله: (فضَالة الْغنم) من
إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف أَي: مَا حكمهَا؟
قَوْله: (وجنتاه) تَثْنِيَة وجنة وَهِي مَا ارْتَفع من
الخد. قَوْله: (أَو أَحْمَر وَجهه) شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: (مَا لَك وَلها؟) أَي: لم تأخذها؟ فَإِنَّهَا
مُسْتَقلَّة بمعيشتها وَمَعَهَا أَسبَابهَا. قَوْله:
(حذاؤها) بِكَسْر الْحَاء وبالمد وَهُوَ مَا وطىء
عَلَيْهِ الْبَعِير من خفه. قَوْله: (وسقاؤها)
بِالْكَسْرِ وَالْمدّ وَهُوَ ظرف اللَّبن وَالْمَاء
كالقربة.
(وَقَالَ الْمَكِّيّ حَدثنَا عبد الله بن سعيد ح
حَدثنِي مُحَمَّد بن زِيَاد حَدثنَا مُحَمَّد بن
جَعْفَر حَدثنَا
(22/161)
عبد الله بن سعيد قَالَ حَدثنِي سَالم
أَبُو النَّضر مولى عمر بن عبيد الله عَن بسر بن سعيد
عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ احتجر رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حجيرة
مخصفة أَو حَصِيرا فَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِيهَا فتتبع إِلَيْهِ
رجال وجاؤا يصلونَ بِصَلَاتِهِ ثمَّ جاؤا لَيْلَة
فَحَضَرُوا وَأَبْطَأ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يخرج إِلَيْهِم فَرفعُوا
أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب فَخرج إِلَيْهِم مغضبا
فَقَالَ لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت
أَنه سيكتب عَلَيْكُم فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي
بُيُوتكُمْ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته
إِلَّا الْمَكْتُوبَة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي
قَوْله فَخرج إِلَيْهِم مغضبا وَالْغَضَب فِي أَمر
الله وَاجِب لِأَنَّهُ من بَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن
ذَلِك فرض على الْأَئِمَّة أَن يقومُوا بِهِ ويأخذوا
على أَيدي الظَّالِمين وينصفوا المظلومين ويحفظوا
أُمُور الشَّرِيعَة حَتَّى لَا تَتَغَيَّر وَلَا تنتهك
والمكي هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم قَالَ الْكرْمَانِي
الْمَكِّيّ مَنْسُوب إِلَى مَكَّة المشرفة قلت هَذَا
اسْمه وَلَيْسَ بِنِسْبَة وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث من
طَرِيقين أَولهمَا مُعَلّق عَن مكي بن إِبْرَاهِيم عَن
عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد الْفَزارِيّ وَقد وَصله
أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما عَن الْمَكِّيّ بن
إِبْرَاهِيم بِتَمَامِهِ وَالْآخر مُسْند أخرجه عَن
مُحَمَّد بن زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف
الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبيد الله بن الرّبيع بن
زِيَاد الزيَادي الْبَصْرِيّ وَقَالَ ابْن عَسَاكِر
روى عَنهُ البُخَارِيّ كالمقرون بِغَيْرِهِ وروى عَنهُ
ابْن مَاجَه مَاتَ سنة اثْنَيْنِ وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ كَذَا بِخَط الدمياطي وَفِي التَّهْذِيب
فِي حُدُود سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَمَا لَهُ فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَمُحَمّد بن جَعْفَر
هُوَ غنْدر وَعبد الله بن سعيد قَالَ حَدثنِي سَالم
أَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَبسر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالراء الْمَدِينِيّ
يروي عَن زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن عبد الْأَعْلَى بن
حَمَّاد وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله وحَدثني
مُحَمَّد بن زِيَاد فِيهِ التحديث بِصِيغَة
الْإِفْرَاد وَمَا قبله حرف (ح) إِشَارَة إِلَى
التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر وَقَالَ
الْكرْمَانِي أَو إِشَارَة إِلَى الحَدِيث أَو إِلَى
صَحَّ أَو إِلَى الْحَائِل قَوْله احتجر بِالْحَاء
الْمُهْملَة وبالجيم وَالرَّاء أَي اتخذ لنَفسِهِ
حجرَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير يُقَال حجرت الأَرْض
واحتجرتها إِذا ضربت عَلَيْهَا منارا تمنعها بِهِ عَن
غَيْرك قَوْله حجيرة تَصْغِير حجرَة وَهُوَ الْموضع
الْمُنْفَرد ويروى حجيرة بِفَتْح الْحَاء وَكسر
الْجِيم قَوْله مخصفة بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة
الْمَفْتُوحَة وبالفاء وَهِي المعمولة بالخصفة وَهِي
مَا يَجْعَل بِهِ جلال التَّمْر من السعف وَنَحْوه
ويروى بخصفة بِحرف الْجَرّ الدَّاخِل على الخصفة
وَقَالَ النَّوَوِيّ الخصفة والحصير بِمَعْنى وَاحِد
وَالْمعْنَى احتجر حجرَة أَي حوط موضعا من الْمَسْجِد
بحصير يستره ليُصَلِّي فِيهِ وَلَا يمر عَلَيْهِ أحد
ويتوفر عَلَيْهِ فرَاغ الْقلب وَقَالَ ابْن بطال حجيرة
مخصفة يَعْنِي ثوبا أَو حَصِيرا اقتطع بِهِ مَكَانا من
الْمَسْجِد واستتر بِهِ وَأرَاهُ يُقَال خصفت على
نَفسِي ثوبا أَي جمعت بَين طَرفَيْهِ بِعُود أَو خيط
قَوْله أَو حَصِيرا شكّ من الرَّاوِي قَوْله " فتتبع
إِلَيْهِ " أَي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من التتبع وَهُوَ الطّلب
وَمَعْنَاهُ طلبُوا مَوْضِعه واجتمعوا إِلَيْهِ قَوْله
ثمَّ جاؤا لَيْلَة أَي لَيْلَة ليصلوا مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يخرج
إِلَيْهِم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب أَي
رَمَوْهُ بالحصباء وَهِي الْحَصَى الصَّغِيرَة قَوْله
فَخرج أَي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَيْهِم حَال كَونه مغضبا وَسبب غَضَبه
أَنهم اجْتَمعُوا بِغَيْر أمره وَلم يكتفوا
بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ لكَونه لم يخرج إِلَيْهِم
وبالغوا حَتَّى حصبوا بَابه وَقيل كَانَ غَضَبه لكَونه
تَأَخّر إشفاقا عَلَيْهِم لِئَلَّا يفْرض عَلَيْهِم
وهم يظنون غير ذَلِك وَقَالَ الْكرْمَانِي إِنَّمَا
غضب عَلَيْهِم لأَنهم صلوا فِي مَسْجده الْخَاص
بِغَيْر إِذْنه وَقَالَ
(22/162)
بَعضهم وَأبْعد من قَالَ صلوا فِي مَسْجده
بِغَيْر إِذْنه قلت غمز بِهِ على الْكرْمَانِي وَلَا
بعد فِيهِ أصلا بل الْأَقْرَب هَذَا على مَا لَا يخفى
قَوْله " مازال بكم " أَي ملتبسا بكم صنيعكم أَي
مصنوعكم وَالْمرَاد بِهِ صلَاتهم قَوْله حَتَّى
ظَنَنْت أَي حَتَّى خفت من الظَّن بِمَعْنى الْخَوْف
هُنَا قَوْله " سيكتب عَلَيْكُم " أَي سيفرض عَلَيْكُم
فَلَا تقوموا بِحقِّهِ فتعاقبوا عَلَيْهِ قَوْله "
إِلَّا الْمَكْتُوبَة " أَي الْفَرِيضَة وَفِيه أَن
أفضل النَّافِلَة مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْبيُوت
وَعند السّتْر عَن أعين النَّاس إِلَّا مَا كَانَ من
شعار الشَّرِيعَة كالعيد وَحكى ابْن التِّين عَن قوم
أَنه يسْتَحبّ أَن يَجْعَل فِي بَيته من فَرِيضَة
والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ فَإِن قلت ورد قَوْله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجعلوا من
صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا قلت
هُوَ مَحْمُول على النَّافِلَة
76 - (بابُ الحَذَرِ مِنَ الغَضَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الحذر من أجل الْغَضَب،
وَهُوَ غليان دم الْقلب لإِرَادَة الانتقام.
لِقَوْلِ الله تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ
كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا
غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشورى: 37) وَقَوله:
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل
عمرَان: 134) [/ ح.
احْتج للحذر من الْغَضَب بالآيتين الكريمتين، كَذَا
سوق الْآيَتَيْنِ فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر سَاق إِلَى قَوْله: {والكاظمين
الغيظ} ثمَّ قَالَ: الْآيَة، وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ
فِي الْآيَتَيْنِ دلَالَة على التحذر من الْغَضَب
إلاَّ أَنه لما ضم من يَكْظِم غيظه إِلَى من يجْتَنب
الْفَوَاحِش كَانَ فِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى
الْمَقْصُود. قلت: لَيْسَ كَمَا قَالَ، بل فِي كل
مِنْهُمَا دلَالَة على التحذر من الْغَضَب أما الْآيَة
الأولى فَفِي مدح الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم،
قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الشّرك وَالْفَوَاحِش، قَالَ
السّديّ: يَعْنِي الزِّنَا. وَقَالَ مقَاتل: يَعْنِي
مُوجبَات الْحُدُود {وَإِذا مَا غضبوا هم يغفرون}
بِمَعْنى: يتجاوزون ويحلمون، وَقد قيل: إِن هَذِه
وَمَا قبلهَا نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله
عَنهُ، فَإِذا كَانَ مَا ذكر فِيهَا مدحاً يكون ضِدّه
أَن لَا يتَجَاوَز الشَّخْص إِذا غضب، فَدلَّ ذَلِك
بِالضَّرُورَةِ على التحذر من الْغَضَب المذموم، وَأما
الْآيَة الْأُخْرَى فَفِي مدح الْمُتَّقِينَ الَّذين
وَصفهم الله بِهَذِهِ الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة
فِيهَا، فَيدل ضد هَذِه الْأَوْصَاف على الذَّم، وَمن
الذَّم: عدم كظم الغيظ، وَعدم الْعَفو عَن النَّاس،
وَعدم كظم الغيظ هُوَ عين الْغَضَب، فَدلَّ ذَلِك
أَيْضا على التحذر من الْغَضَب، فَافْهَم، وَالله
أعلم.
6114 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا
مالِكٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَيْسَ
الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ؟ إنَّما الشَّدِيدُ الَّذِي
يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الإغراء على
الحذر من الْغَضَب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن يحيى بن
يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة
عَن الْحَارِث بن مِسْكين.
قَوْله: (بالصرعة) بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح
الرَّاء الَّذِي يصرع الرِّجَال مكثراً فِيهِ وَهُوَ
بِنَاء الْمُبَالغَة كالحفظة بِمَعْنى كثيرا الْحِفْظ،
وَقَالَ ابْن التِّين: ضبطناه بِفَتْح الرَّاء وقرأه
بَعضهم بسكونها وَلَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ عكس
الْمَطْلُوب، قَالَ: وَضبط أَيْضا فِي بعض الْكتب
بِفَتْح الصَّاد وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ عكس
الْمَطْلُوب، لِأَن الصرعة بِسُكُون الرَّاء: من يصرعه
غَيره كثيرا، وَهَذَا غير مَقْصُود هَهُنَا.
6115 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا
جَرِيرٌ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ عَديِّ بنِ ثابِت حدّثنا
سُلَيْمانُ بنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجلانِ عِنْدَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ
جُلُوسٌ، وأحَدُهُما يَسُبُّ صاحِبَهُ مُغْضَباً قَدِ
احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ
عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أعُوذُ بِاللَّه مِنَ
الشَّيْطان الرَّجِيمِ، فقالُوا لِلرَّجُلِ: ألاَ
تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم؟ قَالَ: إنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. (انْظُر
الحَدِيث 3282 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنِّي
لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ مَا يجد) فَإِن
من قَالَ هَذِه الْكَلِمَة لحذر عَن الْغَضَب
(22/163)
وَسكن غَضَبه.
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش
سُلَيْمَان.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب صفة إِبْلِيس وَجُنُوده،
وَفِي: بَاب السباب واللعن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (إِنِّي لست بمجنون) أما هَذَا فَكَانَ
منافقاً أَو أنف من كَلَام أَصْحَابه دون كَلَام
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
6116 - حدَّثني يَحْياى بنُ يُوسُفَ أخبرنَا أبُو
بَكْرٍ هُوَ ابنُ عَيَّاش عَنْ أبي حَصِين عَنْ أبي
صالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ
رَجُلاً قَالَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أوْصِنِي. قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِراراً
قَالَ: لَا تَغْضَبْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، حذره من الْغَضَب بقوله: (لَا تغْضب)
.
وَيحيى بن يُوسُف الزمي بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد
الْمِيم وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ عَن أبي
بكر بن عَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة الْقَارِي
الْكُوفِي، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة واسْمه
عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي، وَأَبُو صَالح
ذكْوَان الزيات السمات.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن أبي
كريب بأتم مِنْهُ.
قَوْله: (أَن رجلا) قيل: إِنَّه جَارِيَة بِالْجِيم
ابْن قدامَة، أخرجه أَحْمد وَابْن حبَان
وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيثه مُبْهما ومفسراً
وَيحْتَمل غَيره. قَوْله: (لَا تغْضب) إِنَّمَا قَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تغْضب، لِأَنَّهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مكاشفاً بأوضاع الْخلق
فيأمرهم بِمَا هُوَ الأولى بهم، وَلَعَلَّ الرجل كَانَ
غضوباً فوصاه بِتَرْكِهِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ:
لَعَلَّه لما رأى أَن جَمِيع الْمَفَاسِد الَّتِي تعرض
للْإنْسَان إِنَّمَا هِيَ من شَهْوَته وغضبه، والشهوة
مَكْسُورَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ
الْغَضَب، فَلَمَّا سَأَلَهُ الرجل الْإِرْشَاد إِلَى
مَا يتوسل بِهِ إِلَى التَّحَرُّز عَن القبائح وَعَن
الْغَضَب الَّذِي هُوَ أعظم ضَرَرا وَأكْثر وزراً،
وَأَنه إِذا ملكهَا كَانَ قهر أقوى أعدائه أمره بهَا،
وَقَالَ الْخطابِيّ: معنى: لَا تغْضب، لَا تتعرض
لأسباب الْغَضَب وللأمور الَّتِي تجلب الْغَضَب إِذْ
نفس الْغَضَب مطبوع فِي الْإِنْسَان لَا يُمكن
إِخْرَاجه من جبلته، أَو مَعْنَاهُ: لَا تفعل مَا
يَأْمُرك بِهِ الْغَضَب ويخملك عَلَيْهِ من
الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال.
77 - (بابُ الحَياءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْحيَاء، وَهُوَ
بِالْمدِّ فسروه بِأَنَّهُ تغير وانكسار يعتري
الْإِنْسَان من خوف مَا يعاب بِهِ ويذم.
6117 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ
عَنْ أبي السَّوَّارِ العدَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ
عِمْرَان بنَ حُصَيْنِ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الحَياءُ لَا يَأْتِي إلاَّ بِخَيْرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو السوار
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو
وبالراء حسان بن حُرَيْث مصغر الْحَرْث الزَّرْع على
الصَّحِيح، وَقيل: حُجَيْر بن الرّبيع، وَقيل غير
ذَلِك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن ابْن
الْمثنى وَابْن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن
شُعْبَة.
قَوْله: (الْحيَاء لَا يَأْتِي إلاَّ بِخَير)
مَعْنَاهُ أَن من اسْتَحى من النَّاس أَن يروه يَأْتِي
بِالْفُجُورِ وارتكاب الْمَحَارِم فَذَلِك داعيه إِلَى
أَن يكون أَشد حَيَاء من الله تَعَالَى، وَمن اسْتَحى
من ربه فَإِن حياءه زاجر لَهُ عَن تَضْييع فَرَائِضه
وركوب مَعَاصيه، وَالْحيَاء يمْنَع من الْفَوَاحِش
وَيحمل على الْبر وَالْخَيْر كَمَا يمْنَع الْإِيمَان
صَاحبه من الْفُجُور ويبعده عَن الْمعاصِي ويحمله على
الطَّاعَات، فَصَارَ الْحيَاء كالإيمان لمساواته لَهُ
فِي ذَلِك، وَإِن كَانَ الْحيَاء غريزة وَالْإِيمَان
فعل الْمُؤمن، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: الْحيَاء من الْإِيمَان أَي: من أَسبَابه
وأخلاق أَهله. وَقَالَ الْكرْمَانِي: صَاحب الْحيَاء
قد يستحي أَن يواجه بِالْحَقِّ من يعظمه أَو يحملهُ
الْحيَاء على الْإِخْلَال بِبَعْض الْحُقُوق، ثمَّ
أجَاب بِأَن هَذَا عجز، وروى أَحْمد من رِوَايَة
خَالِد بن رَبَاح عَن أبي السوار عَن عمرَان بن
حُصَيْن: الْحيَاء خير كُله، وروى الطَّبَرَانِيّ من
رِوَايَة قُرَّة بن إِيَاس، قيل: يَا رَسُول الله!
الْحيَاء من الدّين؟ قَالَ: بل هُوَ الدّين كُله.
فَقَالَ بُشَيْرُ بنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي
الحِكْمَةِ: إنَّ مِنَ الحَياءِ وقاراً، وإنَّ مِنَ
الحَياءِ سَكِينَةً. فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ:
أُحَدِّثُكَ عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ؟
(22/164)
بشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح
الشين الْمُعْجَمَة ابْن كَعْب الْعَدوي الْبَصْرِيّ
التَّابِعِيّ الْجَلِيل.
قَوْله: (فِي الْحِكْمَة) وَهِي الْعلم الَّذِي يبْحَث
فِيهِ عَن أَحْوَال حقائق الموجودات، وَقيل: الْعلم
المتقن الوافي. قَوْله: (وقاراً) الْوَقار بِفَتْح
الْوَاو الْحلم والرزانة. قَوْله: (سكينَة) وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: السكينَة، بِالْألف وَاللَّام
وَهِي الدعة والسكون. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ عمرَان)
أَي: فَقَالَ لبشير الْمَذْكُور وَعمْرَان بن حُصَيْن:
أحَدثك من التحديث، وَإِنَّمَا قَالَ عمرَان ذَلِك
مغضباً لِأَن الْحجَّة إِنَّمَا هِيَ فِي سنة رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا فِيمَا يروي عَن كتب
الْحِكْمَة، لِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا فِي حَقِيقَتهَا
وَلَا يعرف صدقهَا. فَإِن قلت: لم غضب عمرَان وَلَيْسَ
فِي ذكر الْوَقار والسكينة مَا يُنَافِي كَونه خيرا؟
قلت: كَانَ غَضَبه لزِيَادَة فِي الَّذِي ذكره بشير،
وَهِي فِي رِوَايَة أبي قَتَادَة الْعَدوي أَن مِنْهُ
سكينَة ووقار الله وَمِنْه ضعف، وَقيل: يحْتَمل أَن
يكون غَضَبه من قَوْله: (مِنْهُ) لِأَن التَّبْعِيض
يفهم مِنْهُ أَن مِنْهُ مَا يضاد ذَلِك، وَهُوَ قد روى
أَنه خير كُله.
6118 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا عَبْدُ
العَزِيزِ بنُ أبي سَلَمَةَ حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عَنْ
سالِمٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا، قَالَ: مَرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعاتَبُ فِي الحَياءِ
يَقُولُ: إنَّكَ لَتَسْتَحي حَتَّى كأنَّهُ يَقُولُ
قَدْ أضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: دَعْهُ فإنَّ الحَياءَ مِنَ الإيمانِ.
(انْظُر الحَدِيث 24 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن يُونُس هُوَ
أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي،
وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة بِفتْحَتَيْنِ
الْمَاجشون وَهُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي
سَلمَة واسْمه دِينَار. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يُعَاتب) بِضَم الْيَاء على صِيغَة
الْمَجْهُول يَعْنِي: يلام ويذم ويوعظ. قَوْله:
(لتستحي) بباء وَاحِدَة وبياءين فَإِذا جزم يجوز أَن
يبْقى بِدُونِهَا وَقَالَ ابْن التِّين: هُوَ من استحي
بياء وَاحِدَة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أصل استحيت
استحييت فاعلوا الْيَاء الأولى تقلب ألفا لتحركها،
وَقَالَ الْمَازِني: لم تحذف لالتقاء الساكنين
لِأَنَّهَا لَو حذفت لذَلِك لما ردوهَا إِذا قَالُوا:
هُوَ يستحي، ولقالوا: هُوَ يستح، وَقَالَ الْأَخْفَش:
اسْتَحى بياء وَاحِدَة لُغَة تَمِيم وبباءين لُغَة أهل
الْحجاز. قَوْله: (دَعه) أَي: اتركه وَهُوَ أَمر من
يدع. قَوْله: (فَإِن الْحيَاء من الْإِيمَان) أَي: من
كَمَال الْإِيمَان، قَالَه أَبُو عبد الْملك، وَقَالَ
الْهَرَوِيّ: جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة من الْإِيمَان
وَهُوَ الِاكْتِسَاب لِأَن المستحي يَنْقَطِع بحيائه
عَن الْمعاصِي، وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَصَارَ
كالإيمان الْقَاطِع بَينه وَبَينهَا.
6119 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ أخبيرنا شُعْبَةُ
عَنْ قَتادَةَ عَنْ مَوْلَى أنَسٍ قَالَ أبُو عَبْدِ
الله: اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ عُتْبَةَ: سَمِعْتُ
أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: كانَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أشَدَّ مِنَ العَذْراءِ فِي خُدْرِها.
(انْظُر الحَدِيث 3562 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى عَن
قريب فِي: بَاب من لم يواجه النَّاس بالعتاب فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله ... إِلَى
آخِره.
قَوْله: قَالَ أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه،
وَعتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة
من فَوق، وَفسّر البُخَارِيّ مولى أنس بقوله: اسْمه
عبد الله، وَقيل عبيد الله، وَقيل: عبد الرَّحْمَن،
وَالصَّحِيح أَنه عبد الله مكبراً، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
78 - (بابٌ إذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت،
وَقد أوقع هَذِه التَّرْجَمَة عين الحَدِيث.
6120 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا زُهَيْرٌ
حَدثنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيّ بنِ حِرَاش حدّثنا
أبُو مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن
كَلامِ النُّبُوَّةِ الأولَى: إِذا لَمْ تَسْتَبح
فاصْنَعْ مَا شِئْتَ. (انْظُر الحَدِيث 3483 وطرفه) .
قد ذكرنَا أَن التَّرْجَمَة لفظ الحَدِيث. وَزُهَيْر
الْيَرْبُوعي هُوَ ابْن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة،
وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، ورِبْعِي بِكَسْر
الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن
حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الرَّاء
(22/165)
وبالشين الْمُعْجَمَة الْغَطَفَانِي
الْأَعْوَر، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَامر البدري.
والْحَدِيث قد مضى فِي بَاب مُجَرّد بعد حَدِيث
الْغَار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا
الْإِسْنَاد والمتن غير أَنه لَيْسَ فِيهِ لفظ الأولى،
وَفِيه: فافعل مَا شِئْت.
قَوْله: (النَّاس) مَرْفُوع والعائد إِلَى: مَا،
مَحْذُوف أَي: مَا أدْركهُ النَّاس، وَيجوز النصب
والعائد ضمير الْفَاعِل، وَأدْركَ بِمَعْنى: بلغ،
(وَإِذا لم تستح) إسم للكلمة المشبهة بِتَأْوِيل هَذَا
القَوْل، أَي: إِن الْحيَاء لم يزل مستحسناً فِي شرائع
الْأَنْبِيَاء السالفة، وَإنَّهُ باقٍ لم ينْسَخ
فالأولون وَالْآخرُونَ فِيهِ أَي فِي استحسانه على
منهاج وَاحِد. قَوْله: (فَاصْنَعْ مَا شِئْت) قَالَ
الْخطابِيّ: الْأَمر فِيهِ للتهديد نَحْو: اعْمَلُوا
مَا شِئْتُم فَإِن الله يجزيكم، أَو أَرَادَ بِهِ:
إفعل مَا شِئْت مِمَّا لَا يستحي مِنْهُ وَلَا تفعل
مَا تَسْتَحي مِنْهُ، أَو الْأَمر بِمَعْنى الْخَبَر
أَي: إِذا لم يكن لَك حَيَاء يمنعك من الْقَبِيح صنعت
مَا شِئْت. قلت: الْمَعْنى الثَّانِي أَشَارَ إِلَيْهِ
النَّوَوِيّ حَيْثُ قَالَ فِي (الْأَرْبَعين) :
الْأَمر فِيهِ للْإِبَاحَة، وَهُوَ ظَاهر مِنْهُ.
79 - (بابُ مَا لَا يُسْتَحْيا مِنَ الحَقِّ
لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا لَا يستحي وَهُوَ على
صِيغَة الْمَجْهُول حَاصِل معنى هَذِه التَّرْجَمَة
أَن الْحيَاء لَا يجوز فِي السُّؤَال عَن أَمر الدّين،
وَجَمِيع الْحَقَائِق الَّتِي تعبد الله عباده بهَا
وَإِن الْحيَاء فِي ذَلِك مَذْمُوم، وَأَشَارَ
بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الْحيَاء خير كُله، عَام مَخْصُوص.
6121 - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حَدثنِي مالِكٌ عَنْ
هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ
ابْنَةِ أبي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: جاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ: يَا رسولَ
الله! إنَّ الله لَا يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ
عَلَى المَرْأةِ غُسْلٌ إِذا احْتَلَمَتْ؟ فقالَ:
نَعَمْ إِذا رَأتِ المَاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث،
وَذَلِكَ أَن أم سليم مَا استحيت فِي سؤالها
الْمَذْكُور لِأَنَّهُ كَانَ لأجل الدّين.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْحيَاء
فِي الْعلم من وَجه آخر، وَمضى أَيْضا فِي كتاب
الْغسْل فِي: بَاب إِذا احْتَلَمت الْمَرْأَة،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن
مَالك، وَأخرجه هُنَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن
مَالك، وَأَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد، وَأم
سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَاسْمهَا: هِنْد بنت أبي أُميَّة، وَأم سليم بِضَم
السِّين أم أنس بن مَالك اخْتلف فِي اسْمهَا، وَقد
ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْغسْل.
6122 - حدَّثنا آدمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا
مُحارِبُ بنُ دِثار قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ
يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مثلُ
المُؤْمِنِ كَمَثَل شَجَرَةٍ خَضْراءَ لَا يَسْقُطُ
ورَقُها وَلَا يَتَحاتُّ، فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ
شَجَرَةُ كَذا، هِيَ شَجَرَةُ كَذا، فأرَدْتُ أنْ
أقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ وَأَنا غُلامٌ شابٌّ
فاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ: هيَ النَّخْلَةُ.
وعنْ شُعْبَةَ حَدثنَا خُبَيْبُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمانِ عَنْ حَفْص بنِ عاصِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ
مِثْلَهُ، وزادَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ:
لَوْ كُنْتَ قُلْتَها لَكانَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ كَذا
وكَذا.
قيل: لَا مُطَابقَة هُنَا بَين الحَدِيث والترجمة
لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَا لَا يستحي، وَفِي الحَدِيث:
اسْتَحى، يَعْنِي عبد الله. قلت: تفهم الْمُطَابقَة من
كَلَام عمر لِأَن عبد الله كَانَ صَغِيرا فاستحى أَن
يتَكَلَّم عِنْد الأكابر، وَقَول عمر رَضِي الله
عَنهُ، يدل على أَن سُكُوته غير حسن لِأَنَّهُ لَو
كَانَ حسنا لقَالَ لَهُ: أصبت، فبالنظر إِلَى كَلَام
عمر يدْخل فِي بَاب مَا لَا يستحي، فَافْهَم.
ومحارب بِكَسْر الرَّاء ابْن دثار بِكَسْر الدَّال
وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن خبيب أَبُو
الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَحَفْص بن عَاصِم
بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ.
وَمضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْعلم من وُجُوه
كَثِيرَة، وَمضى شَرحه مستقصًى.
قَوْله: (وَعَن شُعْبَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إِلَى
قَوْله: (فَحدثت بِهِ عمر) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (لَكَانَ أحب إليّ من كَذَا وَكَذَا) أَي: من
حمر النعم، كَمَا تقدم صَرِيحًا، وَوجه الشّبَه فِي
قَوْله: كَمثل شَجَرَة خضراء كَثْرَة خَيرهَا
(22/166)
ومنافعها من الْجِهَات، وَقيل: إِذا قطع
رَأسهَا أَو غرقت مَاتَت وَلَا تحمل حَتَّى تلقح
ولطلعها رَائِحَة الْمَنِيّ وتعشق كالإنسان.
6123 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا مَرْحُومٌ سَمِعْتُ
ثابِتاً أنَّهُ سَمِعَ أنَساً رَضِي الله عَنهُ،
يَقُولُ: جاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَها، فقالَتْ
هَلْ لَكَ حاجَةٌ فِيَّ؟ فقالَتِ ابْنَتُهُ: مَا
أقَلَّ حَياءَها، فَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكَ،
عَرَضَتْ عَلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَفْسَها. (انْظُر الحَدِيث 5120) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَرْأَة
الْمَذْكُورَة لم تَسْتَحي فِيمَا سَأَلته لِأَن
سؤالها كَانَ للتقرب إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَتصير من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ
المتضمنة لسعادات الدَّاريْنِ.
ومرحوم بالراء والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد
الْعَزِيز الْعَطَّار الْبَصْرِيّ، وثابت بالثاء
الْمُثَلَّثَة هُوَ الْبنانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب عرض
الْمَرْأَة نَفسهَا على الرجل الصَّالح، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن مَرْحُوم ...
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (تعرض عَلَيْهِ نَفسهَا) أَي: ليتزوجها رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فِي) بِكَسْر
الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء أَي: فِي نِكَاحي. قَوْله:
(ابْنَته) أَي: ابْنة أنس: مَا أقل حَيَاء هَذِه
الْمَرْأَة، فَقَالَ أنس: هِيَ خير مِنْك حَيْثُ رغبت
فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتصير من
أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ.
80 - (بابُ قَوْل النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وكانَ يُحِبُّ
التخْفِيفَ واليُسْرَ عَلَى النَّاسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَهَذَا
يَأْتِي مَوْصُولا فِي الْبَاب. قَوْله: وَكَانَ ...
إِلَى آخِره، أخرجه مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن
الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، فَذكر حَدِيثا
فِي صَلَاة الضُّحَى، وَفِيه: وَكَانَ يحب مَا خف على
النَّاس.
6124 - حدَّثني إسْحاقُ حَدثنَا النَّضْرُ أخبرنَا
شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، ومُعاذَ بنَ جَبَلٍ قَالَ
لَهُما: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وبَشِّرَا وَلَا
تُنَفِّرا وَتَطاوَعا قَالَ أبُو مُوساى: يَا رَسولَ
الله! إنَّا بِأرْض يُصْنَعُ فِيها شَرَابٌ مِنَ
العَسَلِ يُقالُ لَهُ اليْنْعُ، وشَرابٌ مِنَ
الشَّعِيرِ يقالُ لَهُ المِزْرُ، فَقَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يسرا وَلَا تعسرا)
. وَإِسْحَاق قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا ابْن
إِبْرَاهِيم، وَإِمَّا ابْن مَنْصُور. قلت: هُوَ قَول
الكلاباذي، وَقَالَ أَبُو نعيم: هُوَ إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل مصغر الشمل
وَسَعِيد بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة واسْمه عَامر بن
أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَسَعِيد
هَذَا يروي عَن أَبِيه عَامر، وعامر يروي عَن أَبِيه
أبي مُوسَى الْمَذْكُور، وَلَا شكّ أَنه عَن أَبِيه
عَن جده.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْمَغَازِي فِي بعث
أبي مُوسَى ومعاذ بن جبل إِلَى الْيمن قبل حجَّة
الْوَدَاع.
قَوْله: (وتطاوعا) أَي: توافقا فِي الْأُمُور. قَوْله:
(بِأَرْض) يُرِيد بهَا أَرض الْيمن. قَوْله: (البتع)
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة. قَوْله:
(المزر) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الزَّاي وبالراء.
6125 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ أبي
التَّيَّاح قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي
الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وسَكِّنُوا وَلَا
تُنَفِّرُوا. (انْظُر الحَدِيث 69 وطرفه) .
التَّرْجَمَة مَأْخُوذَة من هَذَا الحَدِيث. وآدَم
هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَأَبُو التياح بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة يزِيد بن حميد الضبعِي
الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْعلم فِي: بَاب مَا كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَخَوَّلنَا
بِالْمَوْعِظَةِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد
بن بشار عَن يحيى بن سعيد عَن شُعْبَة ... إِلَى
آخِره.
قَوْله: (يسروا) أَمر بالتيسير لينشطوا. قَوْله:
(وَلَا تُعَسِّرُوا) ، نهى عَن التعسير وَهُوَ
التَّشْدِيد فِي الْأُمُور لِئَلَّا ينفروا. قَوْله:
(وَسَكنُوا) أَمر بالتسكين وَهُوَ فِي اللُّغَة خلاف
التحريك، وَلَكِن المُرَاد هُنَا عدم تنفيرهم. قَوْله:
(وَلَا تنفرُوا) كالتفسير لَهُ أَي لسابقه ومبنى كل
ذَلِك
(22/167)
إِن هَذَا الدّين مَبْنِيّ على الْيُسْر
لَا على الْعسر، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (لم أبْعث بالرهبانية وَإِن خير الدّين عِنْد
الله الْحَنَفِيَّة السمحة وَإِن أهل الْكتاب هَلَكُوا
بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم) .
6126 - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ
عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي
الله عَنْهَا، أنَّها قالَتْ: مَا خُيِّرَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ
إلاَّ أخَذَ أيْسَرَهُما مَا لَمْ يَكُنْ إثْماً، فإنْ
كَانَ إثْماً كَانَ أبْعَد النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا
انْتَقَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِنَفْسِهِ فِي شَيْء قَطُّ إِلَّا أنْ تُنْتَهَكَ
حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ بِها لله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إلاَّ أَخذ
أيسرهما) والْحَدِيث مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (مَا خيّر بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار
أيسرهما) يُرِيد فِي أَمر دُنْيَاهُ لقَوْله: (مَا لم
يكن إِثْمًا) ، وَالْإِثْم لَا يكون إلاّ فِي أَمر
الْآخِرَة. قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ خير رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين أَمريْن أَحدهمَا
إِثْم؟ ثمَّ أجَاب بقوله: التَّخْيِير إِن كَانَ من
الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله تَعَالَى أَو
من الْمُسلمين فَمَعْنَاه مَا لم يؤد إِلَى إِثْم،
كالتخيير بَين المجاهدة فِي الْعِبَادَة والإقتصاد
فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ تنجر إِلَى الْهَلَاك
غير حائزة. وَقَالَ عِيَاض: يحْتَمل أَن يخيره الله
تَعَالَى فِيمَا فِيهِ عقوبتان وَنَحْوه، وَأما
قَوْلهَا: (مَا لم يكن إِثْمًا) فيتصور إِذا خَيره
الْكفَّار. قَوْله: (إلاَّ أَن تنتهك حُرْمَة الله)
يَعْنِي: انتهاك مَا حرمه، وَهُوَ اسْتثِْنَاء
مُنْقَطع، يَعْنِي: إِذا انتهكت حُرْمَة الله انتصر
لله تَعَالَى وانتقم مِمَّن ارْتكب ذَلِك.
6127 - حدَّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عَنِ الأزرَقِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا عَلَى
شاطِىءِ نَهرٍ بالأهْوازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الماءُ،
فَجاءَ أبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ
فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فانْطَلَقَتِ الفَرَسُ
فَتَرَكَ صَلاَتَهُ وتَبعَها حَتَّى أدْرَكَها،
فأخَذَها ثُمَّ جاءَ فَقَضَى صَلاتَهُ، وَفِيمَا
رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فأقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إلَى
هاذا الشَّيْخِ! تَرَكَ صَلاتَهُ مِنْ أجْلِ فَرَسٍ،
فأقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أحَدٌ مُنْذُ
فارَقْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَقَالَ: إنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ
وَتَرَكْتُ لَمْ آتِ أهْلِي إِلَيّ اللَّيْلِ،
وَذَكَرَ أنَّهُ صَحِبَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَرَأى مِنْ تَيْسيرِهِ. (انْظُر الحَدِيث
1211) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَمن
قَوْله: (فَرَأى من تيسيره) أَي: رأى من التسهيل مَا
حمله على ذَلِك إِذْ لَا يجوز لَهُ أَن يَفْعَله من
تِلْقَاء نَفسه دون أَن يُشَاهد مثله من النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي
الَّذِي يُقَال لَهُ عَارِم، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ، والأزرق بن قيس الْحَارِثِيّ
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بَرزَة بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالزاي نَضْلَة بِفَتْح
النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن عبيد بن
الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام،
سكن الْبَصْرَة وَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب
إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الْأَزْرَق بن قيس
... إِلَى آخِره. وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (بالأهواز) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون
الْهَاء وبالواو وبالزاي مَوضِع بخورستان بَين
الْعرَاق وَفَارِس. قَوْله: (نضب) ، بِفَتْح النُّون
وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة أَي:
غَابَ وَذهب فِي الأَرْض. قَوْله: (وتبعها) ، ويروى:
(واتبعها) . قَوْله: (فَقضى صلَاته) أَي: أَدَّاهَا،
والفضاء، يَأْتِي بِمَعْنى الْأَدَاء كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: 10)
أَي: فَإِذا أدّيت. قَوْله: (وَفينَا رجل) ، كَانَ
هَذَا الرجل يرى رَأْي الْخَوَارِج. قَوْله: (متراخ)
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: متباعد. قَوْله:
(وَتركت) ، أَي: الْفرس، ويروى: (وتركتها) ، وَالْفرس
يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى لَكِن لَفظه مؤنث
سَمَاعي. قَوْله: (فَرَأى من تيسيره) ، أَي: من تيسير
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر تَفْسِيره
عَن قريب.
152 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ ح وَقَالَ اللَّيْث حَدثنِي يُونُس عَن
ابْن
(22/168)
شهَاب أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ أَن أَعْرَابِيًا
بَال فِي الْمَسْجِد فثار إِلَيْهِ النَّاس ليقعوا
بِهِ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعوه وأهريقوا على بَوْله
ذنوبا من مَاء أَو سجلا من مَاء فَإِنَّمَا بعثتم
ميسرين وَلم تبعثوا معسرين) مطابقته للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة وَأخرجه من طَرِيقين الأول عَن أبي الْيَمَان
الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ (وَالْآخر) عَن
اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب
وَهُوَ الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره والْحَدِيث مضى فِي
كتاب الطَّهَارَة فِي بَاب صب المَاء على الْبَوْل فِي
الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان
عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد
الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ قَوْله فثار إِلَيْهِ من الثوران وَهُوَ
الهيجان قَوْله ليقعوا بِهِ أَي ليؤذوه قَوْله دَعوه
أَي اتركوه إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لمصلحتين وَهِي أَنه
لَو قطع عَلَيْهِ بَوْله لتضرر وَإِن التنجس قد حصل
فِي جُزْء يسير فَلَو أقاموه فِي أَثْنَائِهِ لتنجست
ثِيَابه وبدنه ومواضع كَثِيرَة من الْمَسْجِد قَوْله
وأهريقوا أَي صبوا ويروى " هريقوا " وَأَصله أريقوا من
الإراقة فأبدلت الْهَاء من الْهمزَة قَوْله " ذنوبا "
بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَضم النُّون وَهُوَ
الدَّلْو الملآن قَوْله أَو سجلا شكّ من الرَّاوِي
والسجل بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم
الدَّلْو فِيهِ المَاء قل أَو كثر
81 - (بابُ الإنْبِساطِ إِلَى الناسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الانبساط إِلَى
النَّاس وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَعَ النَّاس،
وَالْمرَاد بِهِ أَن يتلَقَّى النَّاس بِوَجْه بشوش
وينبسط مَعَهم بِمَا لَيْسَ فِيهِ مَا يُنكره الشَّرْع
وَمَا يرتكب فِيهِ الْإِثْم، وَكَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أحسن الْأمة أَخْلَاقًا وأبسطهم
وَجها، وَقد وَصفه الله عز وَجل بذلك بقوله: {وَإنَّك
لعلى خلق عَظِيم} فَكَانَ ينبسط إِلَى النِّسَاء
وَالصبيان ويداعبهم ويمازحهم، وَقد قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأمزح وَلَا أَقُول إلاَّ
حَقًا، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ الِاقْتِدَاء بِحسن
أخلاقه وطلاقة وَجهه.
وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ: خالِطِ
النَّاسَ ودِينَكَ لَا نَكْلِمَنَّهُ
ذكر هَذَا التَّعْلِيق عَن عبد الله بن مَسْعُود
إِشَارَة إِلَى أَن الانبساط مَعَ النَّاس والمخالطة
بهم مَشْرُوع، وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يحصل فِي دينه
خلل وَيبقى صَحِيحا، وَهُوَ معنى قَوْله: وَدينك لَا
تكلمنه، من الْكَلم بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون اللَّام
وَهُوَ الْجرْح، وَيجوز فِي دينك الرّفْع وَالنّصب،
أما الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ، وَلَا تكلمنه خَبره،
وَأما النصب فعلى شريطة التَّفْسِير وَالتَّقْدِير:
لَا تكلمن دينك، وَفسّر الْمَذْكُور الْمُقدر
فَافْهَم، وَقد وصل التَّعْلِيق الْمَذْكُور
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من طَرِيق عبد الله بن
بَابا، بباءين موحدتين عَن ابْن مَسْعُود: خالطوا
النَّاس وصافوهم بِمَا يشتهون ودينكم فَلَا تكلمنه.
والدُّعابَةِ مَعَ الأهْلِ
والدعابة بِالْجَرِّ عطفا على: الانبساط، وَهِي من
بَقِيَّة التَّرْجَمَة، وَهِي بِضَم الدَّال
وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَبعد الْألف بَاء
مُوَحدَة وَهِي الملاطفة فِي القَوْل بالمزاح، من دعب
يدعب فَهُوَ دعاب. قَالَ الْجَوْهَرِي: أَي لعاب،
والمداعبة الممازحة، وَأما المزاح فَهُوَ بِضَم
الْمِيم وَقد مزح يمزح وَالِاسْم المزاح بِالضَّمِّ
والمزاحة أَيْضا، وَأما المزح بِكَسْر الْمِيم فَهُوَ
مصدر، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله! إِنَّك تلاعبنا؟
إِنِّي لَا أَقُول إلاَّ حَقًا، وَحسنه التِّرْمِذِيّ.
فَإِن قلت: قد أخرج من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه: لَا
تمارِ أَخَاك، أَي: لَا تخاصمه وَلَا تمازحه ...
الحَدِيث. قلت: يجمع بَينهمَا بِأَن الْمنْهِي عَنهُ
فِيهِ إفراط أَو مداومة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تؤول
إِلَى الْإِيذَاء والمخاصمة وَسُقُوط المهابة
وَالْوَقار، وَالَّذِي يسلم من ذَلِك هُوَ الْمُبَاح،
فَافْهَم.
6129 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا أبُو
التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بن مالِكٍ رَضِي
الله عَنهُ،
(22/169)
يَقُولُ: إنْ كانَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُخالِطُنا حَتَّى يَقُولَ لأخٍ لِي
صَغِيرٍ: يَا با عُمَيْرٍ {مَا فَعَلَ النُّعَيْرُ؟ .
(انْظُر الحَدِيث 6129 طرفه فِي: 6203) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو التياح مضى
عَن قريب فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يسروا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة وَفِي
الاسْتِئْذَان وَفِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي الْبر عَن هناد عَن
وَكِيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم
وَاللَّيْلَة عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَغَيره.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن عَليّ بن
مُحَمَّد الطنافسي.
قَوْله: (يخالطنا) أَي يلاطفنا بطلاقة الْوَجْه
والمزح. قَوْله: (يابا عُمَيْر) أَصله: يَا أَبَا
عُمَيْر، حذفت الْألف للتَّخْفِيف وَعُمَيْر تَصْغِير
عَمْرو هُوَ ابْن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ واسْمه
زيد بن سهل وَهُوَ أَخُو أنس بن مَالك لأمه وأمهما أم
سليم مَاتَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكَانَ يداعب مَعَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَيَقُول: (يَا با عُمَيْر} مَا فعل النغير؟)
بِضَم النُّون وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة مصغر نغر
بِضَم النُّون وَفتح الْغَيْن وَهُوَ جمع نغرة، طير
كالعصفور محمر المنقار وبتصغيره جَاءَ الحَدِيث
وَالْجمع نغران كصرد وصردان، وَمعنى: مَا فعل النغير؟
أَي: مَا شَأْنه وحاله. وَقَالَ الرَّاغِب: الْفِعْل
التَّأْثِير من جِهَة مُؤثرَة وَالْعَمَل كل فعل يكون
من الْحَيَوَان بِقصد وَهُوَ أخص من الْفِعْل لِأَن
الْفِعْل قد ينْسب إِلَى الْحَيَوَانَات الَّتِي يَقع
مِنْهَا فعل بِغَيْر قصد، وَقد ينْسب إِلَى الجمادات.
6130 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا أبُو مُعاوِيَةَ
حَدثنَا هِشامٌ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: كُنْتُ ألْعَبُ بالبنَاتِ عِنْدَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وكانَ لِي صَوَاحِبُ
يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكانَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَخَلَ يَنْقَمِعْنَ مِنْهُ
فَيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينبسط إِلَى عَائِشَة
حَيْثُ يرضى بلعبها بالبنات وَيُرْسل إِلَيْهَا
صواحبها حَتَّى يلعبن مَعهَا، وَكَانَت عَائِشَة
حينئذٍ غير بَالِغَة، فَلذَلِك رخص لَهَا.
وَالْكَرَاهَة فِيهَا قَائِمَة للبوالغ.
وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَجوز الْكرْمَانِي أَن
يكون مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأَبُو مُعَاوِيَة
مُحَمَّد بن خازم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة
بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله
عَنْهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي كريب
عَن أبي مُعَاوِيَة.
قَوْله: (بالبنات) ، وَهِي التماثيل الَّتِي تسمى لعب
الْبَنَات، وَهِي مَشْهُورَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ:
يحْتَمل أَن يكون الْبَاء بِمَعْنى: مَعَ، وَالْبَنَات
الْجَوَارِي. قَوْله: (صَوَاحِب) ، جمع صَاحِبَة وَهِي
الْجَوَارِي من أقرانها. قَوْله: (إِذا دخل) ، أَي:
الْبَيْت. قَوْله: (ينقمعن مِنْهُ) ، أَي: يذْهبن
ويستترن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ
من الانقماع من بَاب الانفعال وَهُوَ رِوَايَة
الْكشميهني، وَعند غَيره: يتقمعن من التقمع من بَاب
التفعل ومادته قَاف وَمِيم وَعين مُهْملَة، وَقَالَ
أَبُو عبيد: يتقمعن يَعْنِي يدخلن الْبَيْت ويغبن،
وَيُقَال: الْإِنْسَان قد انقمع وتقمع إِذا دخل فِي
الشَّيْء، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: وَمِنْه سمي القمع
الَّذِي يصب فِيهِ الدّهن وَغَيره لدُخُوله فِي
الْإِنَاء. قَوْله: (فيسرِّبهن) بِالسِّين الْمُهْملَة
أَي: يرسلهن، من التسريب وَهُوَ الْإِرْسَال والتسريح،
والسارب الذَّاهِب، يُقَال: سرب عَلَيْهِ الْخَيل
وَهُوَ أَن يبْعَث عَلَيْهِ الْخَيل قِطْعَة بعد
قِطْعَة. قَوْله: (إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء
الْمَفْتُوحَة، وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على
جَوَاز اتِّخَاذ صور اللّعب من أجل لعب الْبَنَات
بِهن، وَخص ذَلِك من عُمُوم النَّهْي عَن اتِّخَاذ
الصُّور، وَبِه جزم عِيَاض وَنَقله عَن الْجُمْهُور،
وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بيع اللّعب للبنات لتدربهن من
صغرهن على أَمر بُيُوتهنَّ وأولادهن، قَالَ: ذهب
بَعضهم إِلَى أَنه مَنْسُوخ وَإِلَيْهِ مَال ابْن
بطال، وَقد ترْجم لَهُ ابْن حبَان: الْإِبَاحَة لصغار
النِّسَاء اللّعب باللعب، وَترْجم لَهُ النَّسَائِيّ:
إِبَاحَة الرجل لزوجته اللّعب بالبنات، وَلم يُقيد
بالصغر وَفِيه نظر، وَجزم ابْن الْجَوْزِيّ بِأَن
الرُّخْصَة لعَائِشَة فِي ذَلِك كَانَ قبل
التَّحْرِيم، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِن كَانَت
اللّعب كالصورة فَهُوَ قبل التَّحْرِيم وإلاَّ فقد
يُسمى مَا لَيْسَ بِصُورَة لعبة، وَقَالَ الْخطابِيّ،
فِي هَذَا الحَدِيث: إِن اللّعب بالبنات لَيْسَ
كالتلهي بِسَائِر الصُّور الَّتِي جَاءَ فِيهَا
الْوَعيد، وَإِنَّمَا أرخص لعَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا، فِيهَا لِأَنَّهَا إِذْ ذَاك كَانَت غير
بَالغ.
82 - (بَاب المُدَاراةِ مَعَ النَّاسِ)
(22/170)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مندوبية
المداراة وَهِي لين الْكَلِمَة وَترك الإغلاظ لَهُم
فِي القَوْل، وَهِي من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ،
والمداهنة مُحرمَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن المداهنة
هِيَ أَن يلقى الْفَاسِق الْمُعْلن بِفِسْقِهِ فيؤالفه
وَلَا يُنكر عَلَيْهِ وَلَو بِقَلْبِه، والمداراة هِيَ
الرِّفْق بالجاهل الَّذِي يسْتَتر بِالْمَعَاصِي
واللطف بِهِ حَتَّى يردهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ،
وَقَالَ بَعضهم: المداراة مَعَ النَّاس بِغَيْر همز،
وَأَصله الْهَمْز لِأَنَّهُ من المدافعة وَالْمرَاد
بِهِ الدّفع بالرفق. قلت: قَوْله: لِأَنَّهُ من
المدافعة، غير صَحِيح بل يُقَال من الدرء وَهُوَ
الدّفع، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المداراة فِي حسن
الْخلق والصحبة غير مَهْمُوز، وَقد يهمز.
ويُذْكَرُ عَنْ أبي الدَّرْداءِ إنَّا لَنَكْشِرُ فِي
وُجُوهِ أقْوَامٍ وإنَّ قُلُوبَنا لَتَلْعَنُهُمْ
ذكر هَذَا عَن أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن مَالك
بِصِيغَة التمريض. قَوْله: لَنكشر، بِسُكُون الْكَاف
وَكسر الشين الْمُعْجَمَة من الكشر وَهُوَ ظُهُور
الْأَسْنَان، وَأكْثر مَا يُطلق عِنْد الضحك والإسم
الكشرة كالعشرة، وَفِي (التَّوْضِيح) : الكشر ظُهُور
الْأَسْنَان عِنْد الضحك، وكاشره إِذا ضحك فِي وَجهه
وانبسط إِلَيْهِ، وَعبارَة ابْن السّكيت: الكشر التبسم
قَوْله: (لَتَلْعَنهُمْ) اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة
للتَّأْكِيد وَهُوَ من اللَّعْن، كَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
لَتَقْلِيهِمْ أَي: لتبغضهم من القلى بِكَسْر الْقَاف
مَقْصُورا، وَهُوَ البغض يُقَال: قلاه يقليه قلاو
وقلا، قَالَ ابْن فَارس: وَقد قَالُوا: قليته أقلاه،
وَفِي (الصِّحَاح) : يقلاه لُغَة طَيء وَهِي من
النَّوَادِر، لِأَن فعل يفعل بِالْفَتْح فيهمَا
بِغَيْر حرف حلق نَادِر، وَهَذَا الْأَثر أخرجه
مَوْصُولا ابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق أبي
الزَّاهِرِيَّة عَن جُبَير بن نغير عَن أبي
الدَّرْدَاء، فَذكر مثله.
6131 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا
سُفْيانُ عَنِ ابنِ المُنْكَدِرِ حدَّثَهُ عَنْ
عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ أخبرَتْهُ
أنَّهُ اسْتأذَنَ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، رَجُلٌ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابنُ
العَشِيرَةِ أوْ بِئْسَ أخُوا العَشِيرَةِ فَلَمَّا
دَخَلَ ألانَ لَهُ الكَلاَمَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا
رسولَ الله {قُلْتَ مَا قُلْتَ، ثُمَّ ألَنْتَ لَهُ
فِي القَولِ، فَقَالَ: أيْ عائِشَةُ} إنَّ شَرَّ
النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله مَنْ تَرَكَهُ أوْ
وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ فحْشِهِ. (انْظُر الحَدِيث
6032 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة يروي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن
عُرْوَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن صَدَقَة ابْن الْفضل
فِي: بَاب مَا يجوز من اغتياب أهل الْفساد، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَعَن عَمْرو بن عِيسَى
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن عَمْرو بن مُحَمَّد
وَآخَرين عَن سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن رَافع وَعبد
بن حميد كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن
مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ
عَن مُسَدّد عَن سُفْيَان بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
فِي الْبر عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان.
قَوْله: (رجل) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عُيَيْنَة بن
حفصن. قَوْله: (فبئس ابْن الْعَشِيرَة) أَي: بئس هَذَا
الرجل من الْقَبِيلَة. قَوْله: (أَي عَائِشَة) أَي:
يَا عَائِشَة. قَوْله: (أَو ودعه) شكّ من الرَّاوِي
أَي: تَركه، وَهَذَا يرد قَول أهل الصّرْف، وأماتوا
ماضي يدع ويذر. قَوْله: (اتقاء فحشه) أَي: للتجنب عَن
فحشه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْكَافِر أشر منزلَة
مِنْهُ، وَأجَاب بِأَن المُرَاد من النَّاس
الْمُسلمُونَ، وَهُوَ للتغليظ.
وَفِيه: جَوَاز غيبَة الْفَاسِق الْمُعْلن وَلمن
يحْتَاج النَّاس إِلَى التحذير مِنْهُ، وَكَانَ الرجل
الْمَذْكُور كَمَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِأَنَّهُ كَانَ ضَعِيف الْإِيمَان فِي حَيَاته صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَارْتَد بعْدهَا، وَقَالَ ابْن
بطال: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَأْمُورا بِأَن
لَا يُعَامل النَّاس إلاَّ بِمَا ظهر مِنْهُم دون
غَيره، وَكَانَ يظْهر الْإِسْلَام، فَقَالَ قبل
الدُّخُول مَا كَانَ يُعلمهُ وَبعده كَانَ ظَاهرا
مِنْهُ عِنْد النَّاس.
6132 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ
أخبرنَا ابنُ عُلَيَّةَ أخبرنَا أيُّوبُ عَنْ عَبْدِ
الله بنِ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أُهْدِيَتْ لَهُ أقْبِيَةٌ مِنْ ديباجٍ
مُزَرَّرةٌ بالذَّهَبِ، فَقَسَمَها فِي ناسٍ مِنْ
أصْحابِهِ وَعَزَلَ مِنْها واحِداً لِمَخْرَمَةَ،
فَلما جاءَ قَالَ: خَبأْتُ هاذَا لَكَ. قَالَ أيُّوبُ
بِثَوْبِهِ، أنَّهُ يُرِيدِ إيَّاهُ، وكانَ فِي
خُلُقِهِ شَيْءٌ.
(22/171)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:
(وَكَانَ فِي خلقه شَيْء) أَي: فِي خلق مخرمَة شَيْء
أَي نوع من الشكاسة.
وَابْن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ إِسْمَاعِيل
بن إِبْرَاهِيم، وَعليَّة إسم أمه، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي
مليكَة بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام واسْمه زُهَيْر
الْقرشِي، وَعبد الله هَذَا تَابِعِيّ، وَحَدِيثه
مُرْسل، ومخرمة بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَالِد الْمسور بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
السِّين الْمُهْملَة وَكِلَاهُمَا صَحَابِيّ، وَقد مر
حَدِيثهمَا فِي كتاب اللبَاس فِي: بَاب القباء وفروج
حَرِير.
قَوْله: (أقبية) جمع قبَاء من ديباج وَهُوَ الثَّوْب
الْمُتَّخذ من الإبر يسم وَهُوَ فَارسي مُعرب. قَوْله:
(مزررة) من التزرير وَهُوَ جعلك للثياب أزراراً.
قَوْله: (بِالذَّهَب) يتَعَلَّق بالمزررة. قَوْله:
(فَقَسمهَا فِي نَاس) أَي: قسم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، الأقبية الْمَذْكُورَة بَين نَاس،
وَكلمَة: فِي، بِمَعْنى بَين، كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: { (98) فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: 29)
أَي: بَين عبَادي. قَوْله: (وَاحِدًا) أَي: ثوبا
وَاحِدًا من الأقبية لأجل مخرمَة، وَكَانَ غَائِبا.
قَوْله: (فَلَمَّا جَاءَ) أَي: مخرمَة، قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: خبأت هَذَا لَك، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: قد خبأت. قَوْله: (قَالَ أَيُّوب)
مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور، وَقَالَ، هُنَا
بِمَعْنى: أَشَارَ، لِأَن لفظ القَوْل يُطلق وَيُرَاد
بِهِ الْفِعْل أَي: أَشَارَ أَيُّوب إِلَى ثَوْبه
ليستحضر فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَائِلا: إِنَّه أَي: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يرِيه إِيَّاه أَي: يري مخرمَة الثَّوْب
الَّذِي خباه لَهُ يطيب قلبه بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ
فِي خلقه شَيْء كَمَا ذكرنَا، ويروى: وَأَنه يرِيه
إِيَّاه، بِالْوَاو.
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ. وَقَالَ
حاتِمُ بنُ وَرْدَانَ: حَدثنَا أيُّوبُ عَنِ ابنِ أبي
مُلَيْكَةَ عَنِ المِسْوَرِ: قَدِمَتْ عَلَى النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبِيَةٌ.
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور حَمَّاد بن زيد عَن
أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ
مَوْصُولا فِي: بَاب قسْمَة الإِمَام مَا يقدم
عَلَيْهِ، أخرجه عبد الله بن عبد الْوَهَّاب عَن
حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عبد الله بن أبي
مليكَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أهديت
لَهُ أقبية ... الحَدِيث. قَوْله: وَقَالَ حَاتِم،
بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن وردان الْبَصْرِيّ ...
إِلَى آخِره وَقد تقدم فِي: بَاب قسْمَة الإِمَام مَا
يقدم عَلَيْهِ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصُورَة رِوَايَة
حَمَّاد إرْسَال، وَلَكِن الحَدِيث فِي الأَصْل
مَوْصُول وَتَعْلِيق حَاتِم وَصله البُخَارِيّ فِي
الشَّهَادَات فِي: بَاب شَهَادَة الْأَعْمَى، وَأمره
ونكاحه عَن زِيَاد بن يحيى حَدثنَا حَاتِم بن وردان
حَدثنَا أَيُّوب عَن عبد الله عَن ابْن أبي مليكَة عَن
الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: قدمت على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أقبية الديباج ... الحَدِيث.
83 - (بابٌ لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْر
مَرَّتَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر
مرَّتَيْنِ، غير أَن فِي الحَدِيث من: جُحر وَاحِد،
واللدغ بِالدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة مَا
يكون من ذَوَات السمُوم، واللذع بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة مَا يكون من
النَّار، والجحر بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء
الْمُهْملَة.
وَقَالَ مُعاوِيَةُ: لَا حَلِيمَ إلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ
مُعَاوِيَة هُوَ ابْن أبي سُفْيَان. ومناسبة ذكر
أَثَره للْحَدِيث الَّذِي هُوَ التَّرْجَمَة هِيَ أَن
الْحَلِيم الَّذِي لَيْسَ لَهُ تجربة قد يَقع فِي أَمر
مرّة بعد أُخْرَى فَلذَلِك قيد الْحَلِيم بِذِي
التجربة. قَوْله: لَا حَلِيم إلاَّ ذُو تجربة، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: لَا حلم بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون
اللَّام إلاَّ بتجربة، والحلم عبارَة عَن التأني فِي
الْأُمُور المقلقة، وَالْمعْنَى: أَن الْمَرْء لَا
يُوصف بالحلم حَتَّى يجرب الْأُمُور، وَقيل: إِن من
جرب الْأُمُور وَعرف عواقبها آثر الْحلم وصبر على
قَلِيل الْأَذَى ليدفع بِهِ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ،
وَتَعْلِيق مُعَاوِيَة وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة
فِي (مُصَنفه) عَن عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام بن
عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: لَا حلم
إلاَّ بالتجارب.
6133 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ
عُقَيْلٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ المُسَيَّب عنْ
أبي هُرَيْرَةَ،
(22/172)
رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يُلْدغُ المْؤْمِنُ
مِنْ جْحْرٍ واحدٍ مَرَّتَيْنِ) .
الحَدِيث هُوَ عين التَّرْجَمَة. وَعقيل بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد
بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب وَأَبُو
دَاوُد فِي الْأَدَب كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن
الْحَارِث الْمصْرِيّ.
قَوْله: (لَا يلْدغ) على صِيغَة الْمَجْهُول،
وَالْمُؤمن مَرْفُوع بِهِ على صِيغَة الْخَبَر،
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ أَمر
أَي: لَكِن الْمُؤمن حازماً حذرا لَا يُؤْتى من
نَاحيَة الْغَفْلَة فينخدع مرّة بعد أُخْرَى، وَقد
يكون ذَلِك فِي أَمر الدّين كَمَا يكون فِي أَمر
الدُّنْيَا، وَهُوَ أولاهما بالحذر. قَالَ: وَقد
رُوِيَ بِكَسْر الْغَيْن فِي الْوَصْل فَيتَحَقَّق
معنى النَّهْي فِيهِ، وَقَالَ ابْن التِّين:
وَكَذَلِكَ قَرَأنَا، وَقَالَ أَبُو عبيد مَعْنَاهُ
لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ إِذا نكث من وَجه أَن يعود
إِلَيْهِ، وَقيل: المُرَاد بِالْمُؤمنِ فِي هَذَا
الحَدِيث الْكَامِل الَّذِي قد وقفته مَعْرفَته على
غوامض الْأُمُور حَتَّى صَار يحذر مِمَّا سيقع، وَأما
الْمُؤمن الْمُغَفَّل فقد يلْدغ مرَارًا، وَهَذَا
الْكَلَام مِمَّا لم يسْبق إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأول مَا قَالَه لأبي غرَّة الجُمَحِي وَكَانَ
شَاعِرًا فَأسر ببدر فَشكى عائلة وفقراً فَمن عَلَيْهِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأطْلقهُ بِغَيْر
فدَاه، فظفر بِهِ بِأحد فَقَالَ: من عَليّ وَذكر فقره
وَعِيَاله، فَقَالَ: لَا تمسح عَارِضَيْك بِمَكَّة،
وَتقول: سخرت بِمُحَمد مرَّتَيْنِ، وَأمر بِهِ فَقتل.
(بَاب حَقِّ الضَّيْفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِقَامَة الضَّيْف
وَسَيَأْتِي بَيَان حَقه إِن شَاءَ الله تَعَالَى،
والضيافة من سنَن الْمُرْسلين وَعباد الله
الصَّالِحين.
6133 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ
عُقَيْلٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ المُسَيَّب عنْ
أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يُلْدغُ
المْؤْمِنُ مِنْ جْحْرٍ واحدٍ مَرَّتَيْنِ) .
الحَدِيث هُوَ عين التَّرْجَمَة. وَعقيل بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد
بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب وَأَبُو
دَاوُد فِي الْأَدَب كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن
الْحَارِث الْمصْرِيّ.
قَوْله: (لَا يلْدغ) على صِيغَة الْمَجْهُول،
وَالْمُؤمن مَرْفُوع بِهِ على صِيغَة الْخَبَر،
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ أَمر
أَي: لَكِن الْمُؤمن حازماً حذرا لَا يُؤْتى من
نَاحيَة الْغَفْلَة فينخدع مرّة بعد أُخْرَى، وَقد
يكون ذَلِك فِي أَمر الدّين كَمَا يكون فِي أَمر
الدُّنْيَا، وَهُوَ أولاهما بالحذر. قَالَ: وَقد
رُوِيَ بِكَسْر الْغَيْن فِي الْوَصْل فَيتَحَقَّق
معنى النَّهْي فِيهِ، وَقَالَ ابْن التِّين:
وَكَذَلِكَ قَرَأنَا، وَقَالَ أَبُو عبيد مَعْنَاهُ
لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ إِذا نكث من وَجه أَن يعود
إِلَيْهِ، وَقيل: المُرَاد بِالْمُؤمنِ فِي هَذَا
الحَدِيث الْكَامِل الَّذِي قد وقفته مَعْرفَته على
غوامض الْأُمُور حَتَّى صَار يحذر مِمَّا سيقع، وَأما
الْمُؤمن الْمُغَفَّل فقد يلْدغ مرَارًا، وَهَذَا
الْكَلَام مِمَّا لم يسْبق إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأول مَا قَالَه لأبي غرَّة الجُمَحِي وَكَانَ
شَاعِرًا فَأسر ببدر فَشكى عائلة وفقراً فَمن عَلَيْهِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأطْلقهُ بِغَيْر
فدَاه، فظفر بِهِ بِأحد فَقَالَ: من عَليّ وَذكر فقره
وَعِيَاله، فَقَالَ: لَا تمسح عَارِضَيْك بِمَكَّة،
وَتقول: سخرت بِمُحَمد مرَّتَيْنِ، وَأمر بِهِ فَقتل.
(بَاب حَقِّ الضَّيْفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِقَامَة الضَّيْف
وَسَيَأْتِي بَيَان حَقه إِن شَاءَ الله تَعَالَى،
والضيافة من سنَن الْمُرْسلين وَعباد الله
الصَّالِحين.
6134 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ مَنْصُور حَدثنَا رَوْحُ
بنُ عُبادةَ حَدثنَا حُسَيْنٌ عَنْ يَحْيَى ابنِ أبي
كَثِيرٍ عَنْ أبي سلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ
عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ قَالَ: دَخَلَ عَليَّ رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أَلَمْ
أخْبَرْ أنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ
النَّهَارَ؟ قُلْتُ: بَلى. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ قُمْ
وَنَمْ وَصُمْ وأفْطِرْ، فإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ
حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ
لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وإِنَّ لِزَوْجِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّكَ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ
عُمرٌ وإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ
شَهْر ثَلاَثَةَ أيَّامٍ فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ
عَشْرَ أمْثالِها، فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ، قَالَ:
فَشَدَّدْتُ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ
غَيْرَ ذالِكَ، قَالَ: فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ
عَلَيَّ. قُلْتُ: إنِّي أُطِيقُ غَيْرَ ذالِكَ، قَالَ:
فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ الله داوُدَ. قُلْتُ: وَمَا
صَوْمُ نَبِيِّ الله داوُدَ؟ قَالَ: نِصْفُ الدَّهْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِن لزورك
عَلَيْك حَقًا) والزور بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون
الْوَاو وبالراء بِمَعْنى الزائر وَهُوَ الضَّيْف،
وَحقه يَوْم وَلَيْلَة. وَاخْتلف فِي وُجُوبهَا:
فأوجبها اللَّيْث بن سعد فرضا لَيْلَة وَاحِدَة،
وَأَجَازَ للْعَبد الْمَأْذُون لَهُ أَن يضيف مِمَّا
فِي يَده، وَاحْتج بِحَدِيث عقبَة، وَقَالَت جمَاعَة
من أهل الْعلم: الضِّيَافَة من مَكَارِم الْأَخْلَاق
فِي باديته وحاضرته، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ
مَالك: لَيْسَ على أهل الْحَضَر ضِيَافَة، وَقَالَ
سَحْنُون: إِنَّمَا الضِّيَافَة على أهل الْقرى، وَأما
الْحَضَر فالفندق ينزل فِيهِ المسافرون، وَحَدِيث
عقبَة كَانَ فِي أول الْإِسْلَام حِين كَانَت
الْمُوَاسَاة وَاجِبَة، فَأَما إِذا أَتَى الله
بِالْخَيرِ وَالسعَة فالضيافة مَنْدُوب إِلَيْهَا
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جائزته فِي يَوْم
وَلَيْلَة، دَلِيل على أَن الضِّيَافَة لَيست بفريضة،
والجائزة فِي لِسَان الْعَرَب المنحة والعطية،
وَذَلِكَ تفضل وَلَيْسَ بِوَاجِب وحسين فِي السَّنَد
هُوَ الْمعلم.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب حق
الضَّيْف فِي الصَّوْم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
مشروحاً.
قَوْله: (دخل عَليّ) بتَشْديد الْيَاء وفاعل دخل هُوَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ألم
أخبر؟) بِلَفْظ الْمَجْهُول. قَوْله: (أَن يطول بك
عمر) يَعْنِي: عَسى أَن تكون طَوِيل الْعُمر فَتبقى
ضَعِيف القوى كليل الْحَواس نهيك النَّفس فَلَا تقدر
على المداومة عَلَيْهِ وَخير الْأَعْمَال مَا دَامَ
وَإِن قل. قَوْله: (وَإِن من حَسبك) أَي: من كفايتك،
ويروى: وَأَن حَسبك أَي: كافيك، وَيحْتَمل زِيَادَة:
من عَليّ رَأْي الْكُوفِيّين. قَوْله: (الدَّهْر)
بِالرَّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى تَقْدِير هُوَ
الدَّهْر كُله، وَأما النصب فعلى تَقْدِير: أَن تَصُوم
الدَّهْر.
(22/173)