عمدة القاري شرح صحيح البخاري

42 - (بابُ الجُلُوسِ كَيْفَما تَيَسَّر)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْجُلُوس كَيْفَمَا تيَسّر، وَيسْتَثْنى مِنْهُ مَا نهى عَنهُ فِي حَدِيث الْبَاب على مَا يَأْتِي الْآن، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب.

6284 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطاءِ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عنْ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ لِبْسَتَيْنِ وعنْ بَيْعَتَيْنِ: اشْتِمالِ الصَّمَّاءِ والاحْتِباءِ فِي ثَوْب واحِدٍ لَيْسَ عَلى فَرْجِ الإنْسانِ مِنْهُ شَيْءٌ، والمُلامَسَةِ والمُنابَذَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خص النَّهْي بحالتين، فمفهومه أَن مَا عداهما لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ، لِأَن الأَصْل عدم النَّهْي وَالْأَصْل الْجَوَاز فِيمَا تيَسّر من الهيئات والملابس إِذا ستر الْعَوْرَة. وَعَن طَاوُوس أَنه كَانَ يكره التربع وَيَقُول: هُوَ جلْسَة مهلكة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث قد مر فِي الْبيُوع عَن عَيَّاش عَن عبد الْأَعْلَى عَن معمر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
قَوْله: (لبستين) بِكَسْر اللَّام إِحْدَاهمَا: اشْتِمَال الصماء بتَشْديد الْمِيم وَالْمدّ وَهُوَ أَن يَجْعَل على أحد عَاتِقيهِ فيبدو أحد شقيه لَيْسَ عَلَيْهِ ثوب، وَالْأُخْرَى: احتباؤه بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالس لَيْسَ على فرجه مِنْهُ شَيْء. قَوْله: (وَالْمُلَامَسَة) لمس الرجل ثوب الآخر بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَو بِالنَّهَارِ (والمنابذة) : ينْبذ الرجل إِلَى الرجل ثَوْبه وينبذ الآخر ثَوْبه وَيكون ذَلِك بيعهمَا من غير نظر.
تابَعَهُ مَعْمَرٌ ومُحَمَّدُ بنُ أبي حَفْصَةَ وَعَبْدُ الله بنُ بُدَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع سُفْيَان فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ معمر بن رَاشد وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة الْبَصْرِيّ، مر فِي كتاب الْمَوَاقِيت، وَعبد الله ابْن بديل بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الدَّال مصغر بدل الْخُزَاعِيّ الْمَكِّيّ.

43 - (بابُ مَنْ ناجاى بَيْنَ يَدَي النَّاسِ، ومَنْ لَمْ يُخْبِرْ بسِرِّ صاحِبِهِ فَإِذا ماتَ أخْبَرَ بِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من ناجى أَي: خَاطب غَيره وَحدث مَعَه سرا بَين يَدي جمَاعَة يُقَال: ناجاه يناجيه مُنَاجَاة فَهُوَ مناج. قَوْله: وَمن لم يخبر، أَي: وَفِي بَيَان من لم يخبر بسر صَاحبه فِي حَيَاة صَاحبه (فَإِذا مَاتَ صَاحبه أخبر بِهِ) للْغَيْر، وَالْحَاصِل أَن هَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على شَيْئَيْنِ لم يُوضح الحكم فيهمَا اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث. أما الأول: فَحكمه جَوَاز مساررة الْوَاحِدَة بِحَضْرَة الْجَمَاعَة وَلَيْسَ ذَلِك من نَهْيه عَن مُنَاجَاة الْإِثْنَيْنِ دون الْوَاحِد، لِأَن الْمَعْنى الَّذِي يخَاف من ترك الْوَاحِد لَا يخَاف من ترك الْجَمَاعَة، وَذَلِكَ أَن الْوَاحِد إِذا تساروا دونه وَقع بِنَفسِهِ أَنَّهُمَا يتكلمان فِيهِ بالسوء، وَلَا يتَّفق ذَلِك فِي الْجَمَاعَة. وَأما الثَّانِي: فَحكمه أَنه لَا يَنْبَغِي إفشاء السِّرّ إِذا كَانَت فِيهِ مضرَّة على المسر، لِأَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنهُ لَو أخْبرت بِمَا أسر إِلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْوَقْت يَعْنِي: فِي مرض مَوته من قرب أَجله لحزنت نساؤه بذلك حزنا شَدِيدا، وَكَذَلِكَ لَو أخبرتهن بِأَنَّهَا سيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ لعظم ذَلِك عَلَيْهِنَّ وَاشْتَدَّ حزنهن، وَلما أمنت فَاطِمَة بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرت بذلك، وَهَذَا حَاصِل معنى التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة وَبِه يَتَّضِح أَيْضا معنى الحَدِيث.

6285 - ح دَّثنا مُوساى عَنْ أبي عَوانَةَ حَدثنَا فِراسٌ عَنْ عامِرٍ عَنْ مَسْروق حدَّثَتْني عائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ قالَتْ: إنَّا كُنَّا أزْواجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْدَهُ جَميعاً لَمْ تُغادَرْ مِنَّا واحِدَةٌ، فأقْبَلَتْ فاطِمَةُ،

(22/265)


عَلَيْها السَّلامُ، تَمْشِي لَا وَالله مَا تَخْفَى مِشيتُها مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا رَآها رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَباً بِابْنَتِي، ثُمَّ أجْلَسَها عَنْ يَمِينِهِ أوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سارَّها فَبَكَتْ بُكاءً شَدِيداً، فَلَمَّا رَأى حُزْنَها سارَّها الثَّانِيَةَ إِذا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا: أَنا مِنْ بَيْنِ نِسائِهِ خَصَّكِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسِّرِّ مِنْ بَيْنَنَا ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سألْتُها عَمَّا سارَكِ قالَتْ: مَا كنْتُ لأُفْشيَ عَلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَها: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِما لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أخبَرْتَنِي. قالَتْ: أمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فأخْبرَتْنِي قالَتْ: أمَّا حِينَ سارَّبِي فِي الأمْرِ الأوَّلِ أخْبَرَنِي أنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعارِضُهُ بِالقُرْآنِ كلَّ سَنَةٍ مَرَّة وإنَّهُ قَدْ عارضَنِي بِهِ العامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أراى الأجَلَ إلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ فاتَّقِي الله واصْبِرِي فإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنا لَكِ، قالَتْ: فَبَكَيْتُ بكائِي الَّذِي رَأيْتِ، فَلَمَّا رَأى جَزَعِي سارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يَا فاطِمَةُ أَلا تَرْضَيْن أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِساءِ المُؤْمِنِينَ أَو سَيِّدَةَ نِساءِ هاذِهِ الأُمَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر مِمَّا ذكرنَا الْآن فِي التَّرْجَمَة. ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وفراس بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة ابْن يحيى الْمكتب الْكُوفِي، وعامر هُوَ ابْن شرَاحِيل الشّعبِيّ، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع.
والْحَدِيث من رِوَايَة مَسْرُوق مضى مُخْتَصرا فِي: بَاب كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِعرْض الْقُرْآن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمضى فِي: بَاب كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَ: دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاطِمَة ... الحَدِيث مُخْتَصرا، وَمضى أَيْضا من حَدِيث عُرْوَة مُخْتَصرا فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، وَمضى أَيْضا من حَدِيثه مُخْتَصرا فِي: بَاب مَنَاقِب قرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص. قَوْله: (لم تغادر) على بِنَاء الْمَجْهُول أَي: لم تتْرك من المغادرة وَهُوَ التّرْك. قَوْله: (مشيتهَا) بِكَسْر الْمِيم وَذَلِكَ من مشْيَة على وزن فعلة وَهِي للنوع. قَوْله: (رحب) بتَشْديد الْحَاء أَي: قَالَ لَهَا: مرْحَبًا. قَوْله: (وَعَن شِمَاله) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (سَارهَا) بتَشْديد الرَّاء وَأَصله: ساررها، أَي: تكلم مَعهَا سرا. قَوْله: (إِذا هِيَ تضحك) . كلمة: إِذا، للمفاجأة ويروى: فَإِذا هِيَ، بِالْفَاءِ قَوْله: (لأفشي) بِضَم الْهمزَة من الإفشاء وَهُوَ الْإِظْهَار والنشر. قَوْله: (عزمت) أَي: أَقْسَمت. قَوْله: (بِمَالي) الْبَاء فِيهِ للقسم. قَوْله: (لما أَخْبَرتنِي) بِمَعْنى: إلاَّ أَخْبَرتنِي وَكلمَة: هَاهُنَا حرف اسْتثِْنَاء تدخل على الْجُمْلَة الإسمية نَحْو قَوْله تَعَالَى: { (68) إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} (الطارق: 4) فِيمَن شدد الْمِيم، وعَلى الْمَاضِي لفظا لَا معنى نَحْو: أنْشدك الله لما فعلت، أَي: مَا أَسأَلك إلاَّ فعلك، وَهنا أَيْضا الْمَعْنى: لَا أَسأَلك إلاَّ إخبارك بِمَا سارك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (جزعى) الْجزع قلَّة الصَّبْر وَقيل: نقيض الصَّبْر وَهُوَ الْأَصَح، وَبَقِيَّة الأبحاث مرت فِي الْأَبْوَاب الَّتِي ذَكرنَاهَا.

44 - (بابُ الاسْتِلْقاءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الاستلقاء وَهُوَ النّوم على الْقَفَا وَوضع الظّهْر على الأَرْض، وَهَذَا الْبَاب فِيهِ خلاف، وَقد وضع الطَّحَاوِيّ لهَذَا بَابا وبيَّن فِيهِ الْخلاف. فروى حَدِيث جَابر من خمس طرق: أَن رَسُول الله كره أَن يضع الرجل إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى، وَرَوَاهُ مُسلم وَلَفظه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن اشْتِمَال الصماء والاحتباء فِي ثوب وَاحِد وَأَن يرفع الرجل إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى وَهُوَ مستلقٍ على ظَهره، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فكره قوم وضع إِحْدَى الرجلَيْن على الْأُخْرَى، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: مُحَمَّد بن سِيرِين ومجاهداً وطاووساً وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَلم يرَوا بذلك بَأْسا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبَاب، وهم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَأَبُو مجلز لَاحق بن حميد وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة رَحِمهم الله وَأطَال الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب وَمُلَخَّصه: أَن حَدِيث الْبَاب نسخ حَدِيث جَابر، وَقيل: يجمع بَينهمَا بِأَن يحمل النَّهْي حَيْثُ تبدو الْعَوْرَة، وَالْجَوَاز

(22/266)


حَيْثُ لَا تبدو، وَالله أعلم.

6287 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أخْبرني عَبَّادُ بنُ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ مُسْتَلْقِياً واضِعاً إحداى رِجْلَيْهِ عَلى الأخْراى. (انْظُر الحَدِيث 475 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم الْمَازِني، وَعَمه عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن مَالك، وَفِي اللبَاس عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ.
قَوْله: (مُسْتَلْقِيا) حَال لِأَن رَأَيْت من رُؤْيَة الْبَصَر. وَقَوله: (وَاضِعا) أَيْضا حَال إِمَّا مترادفة أَو متداخلة.

45 - (بابُ لَا يَتَناجَى إثْنانِ دُونَ الثَّالِثِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يَتَنَاجَى أَي: لَا يتخاطب شخصان أَحدهمَا للْآخر دون الشَّخْص الثَّالِث إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَقد جَاءَ هَذَا ظَاهرا فِي رِوَايَة معمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: إِذا كَانُوا ثَلَاثَة فَلَا يَتَنَاجَى إثنان دون الثَّالِث إلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِن ذَلِك يحزنهُ، وَيشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى: { (9) إِنَّمَا النَّجْوَى. . الَّذين آمنُوا} (التَّوْبَة: 51) . الْآيَة.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تناجيتم ... . بِالْبرِّ وَالتَّقوى} (المجادلة: إِلَى قَوْلِهِ: {وعَلى الله فَليَتَوَكَّل كل الْمُؤْمِنُونَ} (التَّوْبَة: 51) وقَوْلُهُ: ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ} (المجادلة: 12 13) [/ ح.
هَذِه أَربع آيَات من سُورَة المجادلة: الأولى: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تناجيتم} الْآيَة. وتمامها بعد قَوْله: {وَالتَّقوى} {وَاتَّقوا الله الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون} . الْآيَة الثَّانِيَة: قَوْله: {إِنَّمَا النَّجْوَى من الشَّيْطَان ليحزن الَّذين آمنُوا وَلَيْسَ يضارهم شَيْئا إلاَّ بِإِذن الله وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ} الْآيَة الثَّالِثَة: قَوْله تَعَالَى: { (85) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى قَوْله: { (85) فَإِن الله غَفُور رَحِيم} (المجادلة: 2) الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله: { (85) أشفقتم أَن تقدمُوا ... . وَالله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ} (المجادلة: 3) وسَاق الْأصيلِيّ وكريمة الْآيَتَيْنِ الْأَوليين بتمامهما، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَقَول الله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تناجيتم فَلَا تتناجوا} إِلَى قَوْله: {الْمُؤمنِينَ} . وَكَذَا سَاق الْأصيلِيّ وكريمة الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بتمامهما. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} . إِلَى قَوْله: {بِمَا تَعْمَلُونَ} وَأَشَارَ البُخَارِيّ بإيراد الْآيَتَيْنِ الْأَوليين إِلَى أَن الْجَائِز الْمَأْخُوذ من مَفْهُوم الحَدِيث مُقَيّد بِأَن لَا يكون التناجي فِي الْإِثْم والعدوان. قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تناجيتم} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: خطاب الْمُنَافِقين الَّذين آمنُوا بألسنتهم وَيجوز أَن يكون للْمُؤْمِنين أَي: إِذا تناجيتم فَلَا تشبهوا بأولئك فِي تناجيهم بِالشَّرِّ وتناجوا بِالْبرِّ وَالتَّقوى. قَوْله: (إِنَّمَا النَّجْوَى) أَي: التناجي {من الشَّيْطَان} أَي: من تزيينه {ليحزن الَّذين آمنُوا} بِمَا يبلغهم من إخْوَانهمْ الَّذين خَرجُوا فِي السَّرَايَا من قتل أَو موت أَو هزيمَة {وَلَيْسَ بضارهم شَيْئا إِلَّا بِإِذن الله} أَي: بإرادته. قَوْله: {فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} ، عَن ابْن عَبَّاس: وَذَلِكَ أَن النَّاس سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَكْثرُوا حَتَّى شَقوا عَلَيْهِ فأدبهم الله تَعَالَى وفطمهم بِهَذِهِ الْآيَة. وَأمرهمْ أَن لَا يناجوه حَتَّى يقدموا الصَّدَقَة، فَاشْتَدَّ ذَلِك على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت الرُّخْصَة. وَقَالَ مُجَاهِد: نهوا عَن مُنَاجَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يتصدقوا، فَلم يناجه إلاَّ عَليّ رَضِي الله عَنهُ قدم دِينَارا فَتصدق بِهِ فَنزلت الرُّخْصَة وَنسخ الصَّدَقَة. وَعَن مقَاتل بن حَيَّان: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك عشر لَيَال ثمَّ نسخ، وَعَن الْكَلْبِيّ: مَا كَانَت إلاَّ سَاعَة من نَهَار. قَوْله: (أَأَشْفَقْتُم) أَي: خِفْتُمْ بِالصَّدَقَةِ لما فِيهِ من الْإِنْفَاق الَّذِي تكرهونه وَإِن الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء

(22/267)


وَإِذا لم تَفعلُوا مَا أمرْتُم بِهِ وشق عَلَيْكُم وَتَابَ الله عَلَيْكُم فَتَجَاوز عَنْكُم. قيل: الْوَاو صلَة.

6288 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالكٌ.
(ح) وَحدثنَا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ أَن رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إذَا كانُوا ثَلاثَةً فَلاَ يَتَناجَى إثْنانِ دُونَ الثّالِثِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين. أَحدهمَا: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن عبد الله بن عمر. وَالْآخر: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن يحيى بن يحيى.
قَوْله: (إِذا كَانُوا) أَي المتناجون (ثَلَاثَة) النصب على أَنه خبر: كَانَ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِذا كَانَ ثَلَاثَة، بِالرَّفْع على أَن: كَانَ تَامَّة. قَوْله: (دون الثَّالِث) يَعْنِي: مِنْهُم لِأَنَّهُ رُبمَا يتَوَهَّم أَنَّهُمَا يُريدَان بِهِ غائلة. وَفِيه أدب المجالسة وإكرام الجليس.

46 - (بابُ حِفْظِ السِّرِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حفظ السِّرّ يَعْنِي: ترك إفشائه وإظهاره لِأَنَّهُ أَمَانَة، وَحفظ الْأَمَانَة وَاجِب، وَذَلِكَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ. وَقَالَ الْمُهلب: وَالَّذِي عَلَيْهِ أهل الْعلم أَن السِّرّ لَا يُبَاح إفشاؤه إِذا كَانَ على المسر ضَرَر فِيهِ، وَأَكْثَرهم يَقُول: إِذا مَاتَ المسر فَلَيْسَ يلْزم من كِتْمَانه مَا يلْزم فِي حَيَاته إلاَّ أَن يكون عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة فِي دينه. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي إفشاؤه بعد مَوته بِخِلَاف سر فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا أسر إِلَيْهَا بِمَوْتِهِ.

6290 - حدَّثنا عُثْمانُ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلا يَتناجَى رَجُلاَنِ دخلأنَ الآخَرِ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بالنّاس أجْلَ أنْ يُحْزِنَهُ.

(22/268)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَفْهُومه إِن لم يكن ثَلَاثَة بل أَكثر يَتَنَاجَى إثنان مِنْهُم.
وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة أَخُو أبي بكر، وَجَرِير بِالْفَتْح ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان كَذَلِك.
قَوْله: (دون الآخر) لِأَن الْوَاحِد إِذا بَقِي فَردا وتناجى إثنان حزن لذَلِك إِذا لم يساراه فِيهَا، وَلِأَنَّهُ قد يَقع فِي نَفسه أَن سرهما فِي مضرته. قَوْله: (حَتَّى يختلطوا) أَي: حَتَّى يخْتَلط الثَّلَاثَة بغيرهم سَوَاء كَانَ الْغَيْر وَاحِدًا أَو أَكثر. قَوْله: (أجل أَن يحزنهُ) أَي: من أجل أَن يحزنهُ. قَالَ الْخطابِيّ: وَقد نطقوا بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْقَاط: من، ويروى: من أجل أَن يحزنهُ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الآخر وَهُوَ الثَّالِث، ويحزنه يجوز أَن يكون من حزن وَيجوز أَن يكون من أَحْزَن فَالْأول من الْحزن وَالثَّانِي من الإحزان، وَقيل: إِنَّمَا يكره ذَلِك فِي الِانْفِرَاد لِأَنَّهُ إِذا بَقِي مُنْفَردا وتناجى من عداء دونه أحزنه ذَلِك لظَنّه إِمَّا حقارته وَإِمَّا مضرته بذلك، بِخِلَاف مَا إِذا كَانُوا بِحَضْرَة النَّاس فَإِن هَذَا الْمَعْنى مَأْمُون عِنْد الِاخْتِلَاط.

6291 - حدَّثنا عَبْدَانُ عَنْ أبي حَمْزَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْماً قِسْمَةً فَقَالَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ: إنَّ هاذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أرِيدَ بِها وَجْهُ الله. قُلْتُ: أما وَالله لآتِيَنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتَيْتُهُ وَهْوَ فِي مَلأ فَسارَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: رَحْمَةُ الله عَلى مُوسَى أَو ذِي بأكْثَرَ مِنْ هاذَا فَصَبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَول ابْن مَسْعُود: (فَأَتَيْته وَهُوَ فِي مَلأ فساررته) فَإِن ذَلِك دلَالَة على أَن الْمَنْع يرْتَفع إِذا بَقِي جمَاعَة لَا يتأذون بالمسارة.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَقد مر مرَارًا عديدة، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق ابْن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي: بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب طوفان من السَّيْل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره، وَمضى فِي الْأَدَب عَن حَفْص بن عمر، وَفِي الْمَغَازِي عَن قبيصَة، وَسَيَأْتِي فِي الدَّعْوَات عَن حَفْص بن عمر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فِي مَلأ) أَي: فِي جمَاعَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا وَجه مُنَاسبَة هَذَا الْبَاب وَنَحْوه بِكِتَاب الاسْتِئْذَان؟ قلت: من جِهَة أَن مَشْرُوعِيَّة الاسْتِئْذَان هُوَ لِئَلَّا يطلع الْأَجْنَبِيّ على أَحْوَال دَاخل الْبَيْت، أَو أَن الْغَالِب أَن الْمُنَاجَاة لَا يكون إلاَّ فِي الْبيُوت والمواضع الْخَاصَّة الخالية، فَذكره على سَبِيل التّبعِيَّة للاستئذان. قلت: فِيهِ مَا فِيهِ.

48 - (بابُ طُولِ النَّجْوَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان طول النَّجْوَى وَهُوَ إسم قَامَ مقَام الْمصدر يَعْنِي: التناجي، يُقَال: ناجاه يناجيه مُنَاجَاة.
وَقَوْلِهِ: { (71) وَإِذ هم نجوى} (الْإِسْرَاء: 47) مَصْدَرٌ مِنْ ناجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِها والمَعْنَى: يَتَنَاجَوْنَ.
أَي قَوْله عز وَجل: {وَإِذ هم نجوى} وَهَذَا من بَاب الْمُبَالغَة كَمَا يُقَال: أَبُو حنيفَة فقه. قَوْله: {مصدر} ، قد ذكرنَا أَنه إسم مصدر قَامَ مقَامه، وَهَذَا التَّفْسِير فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي قَوْله: (فوصفهم بهَا) حَيْثُ قَالَ: {وَإِذ هم نجوى} وَقَالَ الْأَزْهَرِي أَي: ذُو نجوى.

6292 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ عبدِ العَزِيزِ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَة ورَجُلٌ يُناجِي رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَما زَالَ يَناجِيهِ حَتَّى نامَ أصْحابُهُ ثُمَّ قامَ فَصَلَّى. (انْظُر الحَدِيث 642 وطرفه) .

(22/269)


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَمُحَمّد بن بشار هُوَ بنْدَار، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الإِمَام تعرض لَهُ الْحَاجة بعد الْإِقَامَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي معمر عبد الله بن عَمْرو عَن عبد الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَرجل يُنَاجِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لفظ الحَدِيث هُنَاكَ: وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُنَاجِي رجلا فِي جَانب الْمَسْجِد، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة حَتَّى نَام الْقَوْم.

49 - (بابُ لَا تُتْرَكُ النَّارُ فِي البَيْتِ عِنْدَ النَّوْم)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ كَذَا إِلَى آخِره قَوْله: لَا تتْرك، على صِيغَة الْمَجْهُول وَالنَّار، مَرْفُوع بِهِ وَيجوز: لَا يتْرك النَّار، على صِيغَة النَّفْي. أَي: لَا يتْرك أحد الناء فِي بَيته عِنْد نَومه، وَالنَّار مَنْصُوب على هَذَا.

64 - (حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تتركوا النَّار فِي بُيُوتكُمْ حِين تنامون) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يروي عَن أَبِيه عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَطْعِمَة عَن ابْن أبي عمر وَغير وَاحِد وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة قَوْله لَا تتركوا النَّار عَام يدْخل فِيهِ نَار السراج وَغَيره وَأما الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة فِي الْمَسَاجِد وَغَيرهَا إِذا أَمن الضَّرَر كَمَا هُوَ الْغَالِب فَالظَّاهِر أَنه لَا بَأْس بهَا قَوْله حِين تنامون قَيده بِالنَّوْمِ لحُصُول الْغَفْلَة بِهِ غَالِبا
65 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن بريد بن عبد الله عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ احْتَرَقَ بَيت بِالْمَدِينَةِ على أَهله من اللَّيْل فَحدث بشأنهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن هَذِه النَّار إِنَّمَا هِيَ عَدو لكم فَإِذا نمتم فأطفؤها عَنْكُم) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فأطفؤها لِأَن الطفء عدم تَركهَا فِي الْبَيْت عِنْد النّوم وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي وَأُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء ابْن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة واسْمه عَامر وَقيل الْحَارِث عَن أبي مُوسَى والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن سعيد بن عَمْرو وَغَيره وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة قَوْله " فَحدث " على صِيغَة الْمَجْهُول من التحديث أَي أخبر بشأنهم أَي بحالهم قَوْله " عَدو " يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث والمثنى وَالْجمع وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ معنى كَون النَّار عدوا لنا أَنَّهَا تنَافِي أبداننا وَأَمْوَالنَا مُنَافَاة الْعَدو وَإِن كَانَت لنا بهَا مَنْفَعَة لَكِن لَا تحصل لنا إِلَّا بِوَاسِطَة فَأطلق أَنَّهَا عَدو لنا لوُجُود معنى الْعَدَاوَة فِيهَا قلت أوضح مِنْهُ أَن يُقَال إِذا ظَفرت بِنَا فِي أَي وَقت كَانَت وَأي مَكَان كَانَت تحرقنا وَلَا تطلقنا
66 - (حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا حَمَّاد عَن كثير عَن عَطاء عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خمروا الْآنِية وأجيفوا الْأَبْوَاب وأطفؤا المصابيح فَإِن الفويسقة رُبمَا جرت الفتيلة فأحرقت أهل الْبَيْت)

(22/270)


مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد وَكثير ضد قَلِيل ابْن شنظير بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ وَفِي بعض النّسخ صرح بِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع وَمَوْضِع آخر فِي بَاب لَا يرد السَّلَام فِي الصَّلَاة قبل كتاب الْجَنَائِز بعدة أَبْوَاب وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح والْحَدِيث مضى فِي بَدْء الْخلق عَن مُسَدّد فِي بَاب خمس من الدَّوَابّ فواسق يقتلن فِي الْحرم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَشْرِبَة عَن مُسَدّد وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة بِهِ قَوْله خمروا أَمر من التخمير بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ التغطية قَوْله وأجيفوا أَمر من الإجافة بِالْجِيم وَالْفَاء وَهُوَ الرَّد يُقَال أجفت الْبَاب أَي رَددته قَوْله فَإِن الفويسقة تَصْغِير الفاسقة وَهِي الفارة قَوْله الفتيلة وَهِي فَتِيلَة المصابيح وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْأَمر وَالنَّهْي فِي هَذَا الحَدِيث للإرشاد قَالَ وَقد يكون للنَّدْب وَجزم النَّوَوِيّ أَنه للإرشاد لكَونه مصلحَة دنيوية وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قد يُفْضِي إِلَى مصلحَة دينية وَهِي حفظ النَّفس الْمحرم قَتلهَا وَالْمَال الْمحرم تبذيره وَجَاء فِي الحَدِيث سَبَب الْأَمر بذلك وَسبب الْحَامِل للفويسقة وَهِي الفارة على جر الفتيلة وَهُوَ مَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان وَصَححهُ وَالْحَاكِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَت فارة فجرت الفتيلة فألقتها بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْخمْرَة الَّتِي كَانَ قَاعِدا عَلَيْهَا فأحرقت مِنْهَا مثل مَوضِع الدِّرْهَم فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نمتم فأطفؤا سرجكم فَإِن الشَّيْطَان يدل مثل هَذِه على هَذَا فيحرقكم
50 - (بابُ إغْلاقِ الأبْوَابِ باللّيْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْأَمر بإغلاق الْأَبْوَاب فِي اللَّيْل، والإغلاق بِكَسْر الْهمزَة كَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والجرجاني وكريمة عَن الْكشميهني، وَفِي بعض النّسخ: بَاب غلق الْأَبْوَاب بِاللَّيْلِ، وَهُوَ وَإِن ثَبت فِي اللُّغَة فَالْأول أفْصح.

6296 - حدَّثنا حَسَّانُ بنُ أبي عبادٍ حدّثنا هَمَّامٌ عَنْ عَطاءٍ عَنْ جابِرٍ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أطْفِؤُوا المَصابِيحَ باللَّيْلِ إذَا رَقَدْتُمْ وأغْلِقُوا الأبْوَابَ وأوْكُوا الأسْقيةَ وَخَمِّرُو الطَّعامَ والشَّرَابَ. قَالَ هَمَّامٌ: وأحْسِبُهُ قَالَ: وَلَوْ بِعُودٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر الْمَذْكُور قبله أخرجه عَن حسان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الشين ابْن أبي عباد بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَاسم أبي عباد حسان أَيْضا أَبُو عَليّ الْبَصْرِيّ سكن مَكَّة وَمَات سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَهَمَّام بِفَتْح الْهَاء وَتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن يحيى، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح.
قَوْله: (وَأَغْلقُوا الْأَبْوَاب) من الإغلاق وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: وغلقوا، من التغليق. قَوْله: (وأوكوا) من الإيكاء، وَهُوَ الشد والربط والأسقية جمع سقاء وَهِي الْقرْبَة وَفَائِدَته صيانته من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ لَا يكْشف غطاء وَلَا يحل سقاء، وَمن الوباء الَّذِي ينزل من السَّمَاء فِي لَيْلَة من السّنة كَمَا ورد بِهِ فِي الحَدِيث، والأعاجم يَقُولُونَ: تِلْكَ اللَّيْلَة فِي كانون الأول، وَمن المقذرات والحشرات، وَقد مر الْكَلَام أَيْضا فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب تَغْطِيَة الْإِنَاء. قَوْله: (قَالَ همام) وَهُوَ الرَّاوِي الْمَذْكُور: أَحْسبهُ أَي: أَظن عَطاء بِأَنَّهُ قَالَ: وَلَو يعود أَي: وَلَو تخمرونه بِعُود. ويروى: وَلَو بِعُود تعرضه أَي تضعه عَلَيْهِ بعرضه وَيُرَاد بِهِ أَن التخمير يحصل بذلك، وَمن جملَة امرء لغلق الْأَبْوَاب خشيَة انتشار الشَّيَاطِين وتسليطهم على ترويع الْمُسلمين وأذاهم، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا جنح اللَّيْل فاحبسوا أَوْلَادكُم فَإِن الله يبث من حلقه بِاللَّيْلِ مَا لَا يبثه بِالنَّهَارِ وَأَن للشياطين انتشار أَو خطْفَة.

51 - (بابُ الخِتانِ بَعْدَ الكِبَرِ وَنَتْفِ الإبْطِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْخِتَان بعد كبر الرجل، ويروى: بَعْدَمَا كبر، وَفِي بَيَان نتف الْإِبِط، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه ذكر هَذَا الْبَاب فِي كتاب الاسْتِئْذَان هُوَ أَن الْخِتَان لَا يحصل إلاَّ فِي الدّور والمنازل الْخَاصَّة وَلَا يدْخل فِيهَا إلاَّ بالاستئذان.

6297 - حدَّثنا يَحْياى بنُ قَزَعَةَ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَن ابنِ شِهابٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ

(22/271)


المُسَيَّبِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتانُ والاسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الإبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأظْفارِ. (انْظُر الحَدِيث 5889) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات الْحِجَازِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس فِي: بَاب قصّ الشَّارِب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (الْفطْرَة) أَي: سنة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام الَّذين أمرنَا أَن نقتدي بهم. وَأول من أَمر بهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ تَعَالَى: { (2) وَإِذا ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات} (الْبَقَرَة: 124) والتخصيص بالخمس لَا يُنَافِي الرِّوَايَة القائلة بِأَنَّهَا عشر: والسواك والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق والاستنجاء وَغسل البراجم، وَهَذِه الْخَمْسَة وَفِيه رِوَايَات أخر. قَوْله: (الْخِتَان) وَاجِب على ظَاهر الْأَقْوَال على الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَفِي قَول: سنة فِيهَا، وَبِه قَالَ مَالك والكوفيون، وَفِي قَول: وَاجِب على الرِّجَال دون النِّسَاء، وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا: الْخِتَان سنة للرِّجَال ومكرمة للنِّسَاء وَلَكِن هَذَا ضَعِيف: وَاخْتلفُوا فِي وقته، فَقَالَت الشَّافِعِيَّة: بعد الْبلُوغ وَيسْتَحب فِي السَّابِع بعد الْولادَة اقْتِدَاء بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِنَّهُ ختنهما يَوْم السَّابِع من ولادتهما، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقَالَ اللَّيْث: الْخِتَان للغلام مَا بَين سبع سِنِين إِلَى الْعشْر، وَقَالَ مَالك: عَامَّة مَا رَأَيْت الْخِتَان ببلدنا إِذا أشغر، وَقَالَ مَكْحُول: إِن إِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه، ختن ابْنه إِسْحَاق لسبعة أَيَّام وختن ابْنه إِسْمَاعِيل لثلاث عشرَة سنة. قَوْله: (والاستحداد) أَي: اسْتِعْمَال الْحَدِيد الْحلق الْعَانَة، وَعَن الشّعبِيّ: استحد الرجل إِذا نور مَا تَحت إزَاره وَهُوَ خلاف الْمَعْهُود. قَوْله: (وتقليم الْأَظْفَار) أَي: قصها.

6298 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْب بنُ أبي حَمْزَة حدّثنا أَبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ ثَمانِينَ سَنَةً، واخْتَتَنَ بالقَدُومِ، مُخَفَّفَةً. (انْظُر الحَدِيث 3356) .

مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا لِأَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام اختتن بعد الْكبر.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وبالنون المخففة عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (بعد ثَمَانِينَ سنة) وَقع فِي (الْمُوَطَّأ) من رِوَايَة أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا على أبي هُرَيْرَة: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أول من اختتن وَهُوَ ابْن عشْرين وَمِائَة، واختتن بالقدوم، وعاش بعد ذَلِك ثَمَانِينَ سنة. وَفِي (فَوَائِد ابْن السماك) من طَرِيق أبي أويس عَن أبي الزِّنَاد بِهَذَا السَّنَد مَرْفُوعا، وَأكْثر الرِّوَايَات على مَا وَقع فِي حَدِيث الْبَاب أَنه اختتن وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة. وَقد جمع بَعضهم بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عَاشَ مِائَتي سنة مِنْهَا ثَمَانُون غير مختون وَمِنْهَا مائَة وَعِشْرُونَ وَهُوَ مختون، فَمَعْنَى الأول: اختتن لثمانين مَضَت من عمره، وَمعنى الثَّانِي لمِائَة وَعشْرين بقيت من عمره: قلت: إِنَّمَا يجمع بَينهمَا إِذا كَانَا متساويين فِي الصِّحَّة، وَحَدِيث الْبَاب لَا يقاومه الآخر لما فِي صِحَّته من النّظر، على أَن الْبَعْض ذهب إِلَى عدم صِحَّته. قَوْله: (واختتن بالقدوم) بِفَتْح الْقَاف وَضم الدَّال بتخفيفها وَفِي آخر مِيم، قيل: هِيَ آلَة النجار، وَقيل: إسم مَوضِع، وَقَالَ الْمُهلب: الْقدوم بِالتَّخْفِيفِ الْآلَة وبالتشديد الْموضع، وَقد يتَّفق لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْأَمْرَانِ يَعْنِي: أَنه اختتن بالآلة وَفِي الْموضع، وَعَن يحيى ابْن سعيد: الْقدوم الفأس، وَعَن عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح، قَالَ: الْقدوم الْقرْيَة، وَعَن الْحَازِمِي: قَرْيَة كَانَت عِنْد حلب، وَقيل: كَانَ مجْلِس إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله: (مُخَفّفَة) تَقْدِيره: أَعنِي مُخَفّفَة الدَّال.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: حَدثنَا قُتَيْبَةُ حَدثنَا المُغِيرَةُ عنْ أبي الزِّنادِ، وَقَالَ: بالقَدُّومِ، مُشَدَّدَةً وهْوَ مَوْضِعٌ
أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا إِلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقدوم، فَفِي رِوَايَة شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أبي الزِّنَاد بِالتَّخْفِيفِ، وَفِي رِوَايَة الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الْحزَامِي عَن أبي الزِّنَاد بِالتَّشْدِيدِ أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: مُشَدّدَة، أَعنِي: بتَشْديد الدَّال.

6299 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أخبرنَا عَبَّادُ بنُ مُوسَى حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ

(22/272)


إسْرَائِيلَ عَنْ أبي إسْحاقَ عَنْ سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابنُ عَبّاسٍ مِثْلُ مَنْ أنْتَ حِينَ قُبِضَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أَنا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، قَالَ: وكانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ. (انْظُر الحَدِيث 6299 طرفه فِي: 6300) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي كَونه مُشْتَمِلًا على الْخِتَان، وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ. وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم الَّذِي يُقَال لَهُ صَاعِقَة الْبَغْدَادِيّ، وَعباد بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مُوسَى الْخُتلِي بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمُشَدّدَة من الطَّبَقَة السُّفْلى من شُيُوخ البُخَارِيّ. وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مختون) أَي: وَقع عَلَيْهِ الْخِتَان وَهُوَ إسم مفعول من ختن، وَمرَاده أَنه كَانَ أدْرك حِين ختن وَذَلِكَ لقَوْله. (وَكَانُوا لَا يختنون) أَي: كَانَت عَادَتهم أَنهم لَا يختنون صبيانهم إِلَّا إِذا أدركوا، وَقيل: قَوْله: (وَكَانُوا)
إِلَى آخِره مدرج، ورد بِأَن الأَصْل أَنه من كَلَام من نقل عَنهُ الْكَلَام السَّابِق. فَإِن قلت: قد روى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا ابْن عشر، وروى عَنهُ عبيد الله بن عبد الله: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى وَأَنا قد ناهزت الِاحْتِلَام. قلت: الصَّحِيح الْمَحْفُوظ أَن عمره عِنْد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ثَلَاث عشرَة سنة، لِأَن أهل السّير قد صححوا أَنه ولد بِالشعبِ، وَذَلِكَ قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين. وَأما قَوْله: وَأَنا ابْن عشر، فَمَحْمُول على إِلْغَاء الْكسر على أَنه روى أَحْمد من طَرِيق آخر عَنهُ أَنه كَانَ حينئذٍ ابْن خمس عشرَة سنة، قَوْله: (لَا يختنون) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبكسرها. قَوْله: (حَتَّى يدْرك) أَي: حَتَّى يبلغ.

(وَقَالَ ابْن إِدْرِيس عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَاق عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قبض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا ختين) هَذَا طَرِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن إِدْرِيس هَذَا وَهُوَ عبد الله بن إِدْرِيس بن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود الأودي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة الْكُوفِي وَقَالَ الْكرْمَانِي أحد الْأَعْلَام كَانَ نَسِيج وَحده وفريد زَمَانه يروي عَن أَبِيه إِدْرِيس وَإِدْرِيس يروي عَن أبي إِسْحَق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن سعيد بن جُبَير
52 - (بابُ كلُّ لَهْوٍ باطِلٌ إِذا شَغَلَهُ عَنْ طاعَةِ الله)

أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: كل لَهو بَاطِل، وَهِي لفظ حَدِيث أخرجه أَحْمد وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة من حَدِيث عقبَة بن عَامر رَفعه: (كل مَا يلهو بِهِ الْمَرْء الْمُسلم بَاطِل إلاَّ رمية بقوسه، وتأديب فرسه، وملاعبة أَهله) . وَلما لم يكن هَذَا الحَدِيث على شَرطه جعل مِنْهُ تَرْجَمَة وَلم يُخرجهُ فِي (الْجَامِع) . قَوْله: (كل لَهو) ، كَلَام إضافي مَرْفُوع على الِابْتِدَاء. قَوْله: (بَاطِل) خَبره. قَوْله: (إِذا شغله) الضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى اللَّهْو، والمنصوب إِلَى اللاهي يدل عَلَيْهِ لفظ: اللَّهْو، وَقيد بقوله: إِذا شغله ... الخ، لِأَنَّهُ إِذا لم يشْغلهُ عَن طَاعَة الله يكون مُبَاحا، وَعَلِيهِ أهل الْحجاز. لَا يُرى أَن الشَّارِع أَبَاحَ للجاريتين يَوْم الْعِيد الْغناء فِي بَيت عَائِشَة من أجل الْعِيد، كَمَا مضى فِي كتاب الْعِيدَيْنِ، وأباح لَهَا النّظر إِلَى لعب الْحَبَشَة بالحراب فِي الْمَسْجِد؟ وَوجه ذكر هَذَا الْبَاب فِي كتاب الاسْتِئْذَان من حَيْثُ إِن اللَّهْو لَا يكون إلاَّ فِي الْمنَازل، وَمِنْه الْقمَار فَلَا يكون إلاَّ فِي منزل خَاص وَدخُول الْمنزل يحْتَاج إِلَى الاسْتِئْذَان.
وَمَنْ قَالَ لِصاحِبِهِ: تَعالَ أُقامرْكَ
هَذَا عطف على مَا قبله وَمَعْنَاهُ: من قَالَ هَذَا مَا يكون حكمه. قَوْله: (تعال) أَمر من: تَعَالَى يتعالى تعالياً، تَقول: تعال تعاليا تَعَالَوْا تعالي للْمَرْأَة تعاليا تعالين، وَلَا يتَصَرَّف مِنْهُ غير ذَلِك، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَلَا يجوز أَن يُقَال مِنْهُ: تعاليت، وَلَا ينْهَى مِنْهُ، وَقَالَ غَيره: يجوز تعاليت.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمن النَّاس ... . سَبِيل الله} (لُقْمَان: 6)
هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأكثرين: وَقَوله وَمن النَّاس {من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} . الْآيَة. وَتَمام الْآيَة: { (13) ليضل عَن سَبِيل ... . عَذَاب مهين} (لُقْمَان: 6) وَوجه ذكر هَذِه الْآيَة عقيب التَّرْجَمَة

(22/273)


الْمَذْكُورَة أَنه جعل اللَّهْو فِيهَا قائداً إِلَى الضلال صاداً عَن سَبِيل الله فَهُوَ بَاطِل، وَقيل: ذكر هَذِه الْآيَة لاستنباط تَقْيِيد اللَّهْو بالترجمة من مَفْهُوم قَوْله تَعَالَى: {ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم} فَإِن مَفْهُومه أَنه إِذا اشْتَرَاهُ لَا ليضل لَا يكون مذموماً، وَكَذَا مَفْهُوم التَّرْجَمَة أَنه إِذا لم يشْغلهُ اللَّهْو عَن طَاعَة الله لَا يكون مذموماً، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي اللَّهْو فِي الْآيَة، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: الْغناء وَحلف عَلَيْهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب، وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضا، وَقيل: الِاسْتِمَاع إِلَى الْغناء وَإِلَى مثله من الْبَاطِل، وَقيل: مَا يلهاه من الْغناء وَغَيره، وَعَن ابْن جريج: الطبل، وَقيل: الشّرك، وَعَن ابْن عَبَّاس: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل اشْترى جَارِيَة تغنيه لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقيل: نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث وَكَانَ يتجر إِلَى فَارس فيشتري كتب الْأَعَاجِم فَيحدث بهَا قُريْشًا، وَيَقُول: إِن كَانَ مُحَمَّد يُحَدثكُمْ بِحَدِيث عَاد وَثَمُود فَأَنا أحدثكُم بِحَدِيث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الْحيرَة، فيستملحون حَدِيثه ويتركون اسْتِمَاع الْقُرْآن. قَوْله: {ليضل عَن سَبِيل الله} أَخذ البُخَارِيّ مِنْهُ قَوْله فِي التَّرْجَمَة: إِذا شغله عَن طَاعَة الله، وَالْمرَاد من: {سَبِيل الله} الْقُرْآن، وَقيل: دين الْإِسْلَام، وقرى: ليضل، بِضَم الْيَاء وَفتحهَا.

6301 - حدَّثنا يَحْيَّى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عَن ابنِ شهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بالّلاتِ والعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لاَ إلَهَ إلاّ الله، ومَنْ قَالَ لِصاحِبِهِ: تعال أُقامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْحلف بِاللات لَهو شاغل عَن الْحلف بِالْحَقِّ فَيكون بَاطِلا.
وَرِجَال الحَدِيث قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي سُورَة: والنجم، عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ صُورَة تَعْظِيم الْأَصْنَام حِين حلف بهَا، فَأمر أَن يتداركه بِكَلِمَة التَّوْحِيد أَي: كَفَّارَته كلمة الشَّهَادَة، وَكَفَّارَة الدَّعْوَى إِلَى الْقمَار التَّصَدُّق بِمَا يُطلق عَلَيْهِ إسم الصَّدَقَة. قَوْله: (وَمن قَالَ لصَاحبه)
إِلَى آخِره مُطَابق لقَوْله فِي التَّرْجَمَة كَذَلِك، وَلم يخْتَلف الْعلمَاء فِي تَحْرِيم الْقمَار لقَوْله تَعَالَى: { (5) إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} (الْمَائِدَة: 90) . الْآيَة. وَاتفقَ أهل التَّفْسِير على أَن الميسر هُنَا الْقمَار، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يجْعَلُونَ جعلا فِي المقامرة ويستحقونه بَينهم، فنسخ الله تَعَالَى أَفعَال الْجَاهِلِيَّة وَحرم الْقمَار وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ عوضا مِمَّا أَرَادوا استباحته من الميسر الْمحرم، وَكَانَت الْكَفَّارَة من جنس الذَّنب لِأَن المقامر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون غَالِبا أَو مَغْلُوبًا فَإِن غَالِبا فالصدقة كَفَّارَة لما كَانَ يدْخل فِي يَده من الميسر، وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا فإخراجه الصَّدَقَة لوجه الله تَعَالَى أولى من إِخْرَاجه عَن يَده شَيْئا لَا يحل لَهُ إِخْرَاجه.

53 - (بابُ مَا جاءَ فِي البِناء)

أَي: هَذَا بَاب مَا جَاءَ فِي الْبناء وذمه من الْأَخْبَار، وَالْبناء أَعم من أَن يكون من طين أَو حجر أَو خشب أَو قصب وَنَحْو ذَلِك، وَقد ذمّ الله عز وَجل من بنى مَا يفضل عَمَّا يكنه من الْحر وَالْبرد ويستره عَن النَّاس فَقَالَ: {أتبنون بِكُل ريع ... . لَعَلَّكُمْ تخلدون} (الْفرْقَان: 128) يَعْنِي: قصوراً، وَقد جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: (مَا أنْفق ابْن آدم فِي التُّرَاب فَلَنْ يخلف لَهُ وَلَا يُؤجر عَلَيْهِ) . وَأما من بنى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ليكنه من الْحر وَالْبرد والمطر فمباح لَهُ ذَلِك، وَكَذَلِكَ كَانَ السّلف يَفْعَلُونَ. أَلا ترى إِلَى قَول ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا بنيت بَيْتِي بيَدي يكنني من الْمَطَر ... إِلَى آخِره، وروى ابْن وهب وَابْن نَافِع عَن مَالك قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان يعْمل الخوص بِيَدِهِ وَهُوَ أَمِير، وَلم يكن لَهُ بَيت إِنَّمَا كَانَ يستظل بالجدر وَالشَّجر، وروى ابْن أبي الدُّنْيَا من رِوَايَة عمَارَة بن عَامر: إِذا رفع الرجل فَوق سَبْعَة أَذْرع نُودي: يَا فَاسق إِلَى أَيْن؟
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ إذَا تَطَاوَلَ رِعاءُ البَهْمِ فِي البُنْيانِ
هَذَا التَّعْلِيق مضى مَوْصُولا مطولا فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(22/274)


عَن الْإِيمَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد ... إِلَى آخِره. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (من أَشْرَاط السَّاعَة) أَي: من عَلَامَات يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ جمع شَرط بِفتْحَتَيْنِ وَإِنَّمَا جمع جمع الْقلَّة مَعَ أَن العلامات أَكثر من الْعشْرَة لِأَن بَين الجمعين مُعَارضَة، أَو أَن الْفرق بَينهمَا فِي الجموع النكرَة لَا فِي المعارف. قَوْله: (رُعَاة البهم) ، بِضَم الرَّاء وبتاء التَّأْنِيث فِي آخِره، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: رعاء، بِكَسْر الرَّاء وبالهمزة مَعَ الْمَدّ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرعاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ جمع راعي الْغنم، وَقد يجمع على رُعَاة بِالضَّمِّ، والبهم بِضَم الْبَاء جمع الأبهم وَهُوَ الَّذِي يخلط لَونه شَيْء سوى لَونه، وَبِفَتْحِهَا جمع البهمة وَهِي أَوْلَاد الضَّأْن، وَقيل: البهم أَيْضا المجتمعة مِنْهَا، وَمن أَوْلَاد الْمعز وَحَاصِله: أَن الْفُقَرَاء من أهل الْبَادِيَة تبسط لَهُم الدُّنْيَا يتباهون فِي إطالة الْبُنيان وَهَؤُلَاء الَّذين يَقُولُونَ: بِلَاد مصر وَالشَّام كَانُوا فِي بِلَادهمْ لَا يملكُونَ شَيْئا وهم فِي أضيق الْمَعيشَة وغالبهم كَانُوا رُعَاة وَأَنَّهُمْ يبنون كل قصر من خزف يصرف عَلَيْهِ أَكثر من قِنْطَار من ذهب ويسرفون فِي المآكل والمشارب والملابس بِمَا لَا يرضى الله بِهِ وَلَا رَسُوله وَالْأَمر لله الْوَاحِد القهار.

6302 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا إسْحاقُ هُوَ ابنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعيد عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رأيْتُنِي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتاً يُكِنُّنِي مِنَ المَطَرِ ويُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ مَا أعانَني عَلَيْهِ أحَدٌ مِنْ خَلْقِ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بنيت بيَدي) وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ فَقَالَ: أَدخل هَذَا الحَدِيث فِي الْبناء بالطين والمدر والخزف إِنَّمَا هُوَ فِي بَيت الشّعْر، لِأَنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث، وَفِي رِوَايَته بَيْتا من شعر، ورد عَلَيْهِ بِأَن هَذِه الزِّيَادَة ضَعِيفَة عِنْدهم، وعَلى تَقْدِير ثُبُوتهَا فَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَة تَقْيِيد بالطين وَغَيره.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَإِسْحَاق هُوَ ابْن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي الْقرشِي، وَإِسْحَاق هَذَا سكن مَكَّة، وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن وَالِده وَهُوَ المُرَاد بقوله: عَن سعيد عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن ابْن نعيم بِهِ.
قَوْله: (رَأَيْتنِي) ضمير الْفَاعِل وَالْمَفْعُول عبارَة عَن شخص وَاحِد وَمَعْنَاهُ: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: (مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يكنني) بِضَم الْيَاء من أكن إِذا وقى، قَالَ ابْن الْأَثِير: كَذَا قرأناه، وَعَن الْكسَائي: كننت الشَّيْء سترته وصنته من الشَّمْس، وأكننته فِي نَفسِي أسررته، وَقَالَ أَبُو زيد: كننته وأكننته بِمَعْنى وَاحِد فِي الْكن بِالْكَسْرِ، وَفِي النَّفس جَمِيعًا تَقول: كننت الْعلم وأكننته وكننت الْجَارِيَة وأكننتها. قَوْله: (مَا أعانني عَلَيْهِ) أَي: على بِنَاء هَذَا الْبَيْت أحد من النَّاس، وَهَذَا تَأْكِيد لقَوْله: (بنيت بيَدي بَيْتا) ، وَإِشَارَة إِلَى خفَّة مُؤْنَته.

6303 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ عَمْرو: قَالَ ابنُ عُمَرَ: وَالله مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً على لَبِنَةٍ وَلَا غَرَسْتُ نَخْلَةً مُنْذُ قُبِضَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ سُفْيانُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أهْلِهِ قَالَ: وَالله لَقَدْ بَنى، قَالَ سُفْيانُ: قُلْتُ: فَلَعَلَّهُ قَالَ: قَبْلَ أنْ يَبْنِيَ؟ .

مطابقته للتَّرْجَمَة أَيْضا مَا ذكر فِي الَّذِي قبله. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعمر وَهُوَ ابْن دِينَار.
قَوْله: (مُنْذُ قبض) أَي: مُنْذُ توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَالله لقد بنى) أَي: بَيْتا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لقد بنى بَيْتا. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان: فَلَعَلَّهُ) أَي: فَلَعَلَّ ابْن عمر (قَالَ: قبل أَن يَبْنِي) يَعْنِي: قبل الْبناء، وَهَذَا اعتذار حسن من سُفْيَان. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: قبل أَن يبتني، أَي: قبل أَن يتَزَوَّج، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ الْحَقِيقَة أَي الْبناء بِيَدِهِ، والمباشرة بِنَفسِهِ، وَلَعَلَّه أَرَادَ التَّسَبُّب بِالْأَمر بِهِ وَنَحْوه، وَالله أعلم. وَيحْتَمل أَنه يكون الَّذِي نَفَاهُ ابْن عمر مَا زَاد على حَاجته، وَالَّذِي أثْبته بعض أَهله بِنَاء بَيت لَا بُد لَهُ مِنْهُ أَو إصْلَاح مَا وهى من بَيته، وَالله المتعال أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.

(22/275)


أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الدَّعْوَات، وَهُوَ جمع دَعْوَة بِفَتْح الدَّال وَهُوَ مصدر يُرَاد بِهِ الدُّعَاء، يُقَال: دَعَوْت الله أَي: سَأَلته، وَالدُّعَاء وَاحِد الْأَدْعِيَة واصله دَعَا وَلِأَنَّهُ من دَعَوْت إلاَّ أَن الْوَاو لما جَاءَت بعد الْألف همزت، وَالدُّعَاء إِلَى الشَّيْء الْحَث على فعله، ودعوت فلَانا سَأَلته، ودعوته استعنته، وَيُطلق أَيْضا على رفْعَة الْقدر كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي الْآخِرَة} (غَافِر: 43) وَيُطلق أَيْضا على الْعِبَادَة، وَالدَّعْوَى بِالْقصرِ الدُّعَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآخر دَعوَاهُم} (يُونُس: 10) والإدعاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا} (الْأَعْرَاف: 5) وَيُطلق الدُّعَاء أَيْضا على التَّسْمِيَة كَقَوْلِه عز وَجل: {لَا تجْعَلُوا دُعَاء ... . بَعْضكُم بَعْضًا} (النُّور: 63) وَقَالَ الرَّاغِب: الدُّعَاء والنداء وَاحِد، لَكِن قد يتجرد النداء عَن الإسم، وَالدُّعَاء لَا يكَاد يتجرد.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم ... جَهَنَّم داخرين} (غَافِر: 60)
وَلكُل نَبِي دعوةٌ مستجابةٌ
وَقَوله بِالْجَرِّ عطف على الدَّعْوَات وَفِي بعض النّسخ قَول الله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} بِرَفْع قَول الله، وَفِي بَعْضهَا: وَقَول الله عز وَجل: {ادْعُونِي} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} . الْآيَة، وَفِي رِوَايَة غَيره سَاق الْآيَة إِلَى {داخرين} وَأول الْآيَة قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي} . الْآيَة. قَوْله: {ادْعُونِي} أَي: وحدوني واعبدوني دون غَيْرِي أجبكم وأغفر لكم وأثبكم، قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين: دَلِيله سِيَاق الْآيَة، وَيُقَال: هُوَ الدُّعَاء وَالذكر وَالسُّؤَال. قَوْله: (عَن عبادتي) أَي: توحيدي وطاعتي، وَقَالَ السّديّ: أَي عَن دعائي. قَوْله: {داخرين} أَي: صاغرين أذلاء. وَظَاهر هَذِه الْآيَة يرجح الدُّعَاء على تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى، وَقَالَت طَائِفَة: الْأَفْضَل ترك الدُّعَاء والاستسلام للْقَضَاء، وَأَجَابُوا عَن الْآيَة: بِأَن آخرهَا دلّ على أَن المُرَاد بِالدُّعَاءِ الْعِبَادَة لقَوْله: {إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث نعْمَان بن بشير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة، ثمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} . . الْآيَة. أخرجه الْأَرْبَعَة وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وشذت طَائِفَة فَقَالُوا: المُرَاد بِالدُّعَاءِ فِي الْآيَة ترك الذُّنُوب، وَأجَاب الْجُمْهُور بِأَن الدُّعَاء من أعظم الْعِبَادَة فَهُوَ كالحديث الآخر: الْحَج عَرَفَة، أَي: مُعظم الْحَج وركنه الْأَكْبَر، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس رَفعه: الدُّعَاء مخ الْعِبَادَة، وَقد تَوَاتَرَتْ الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالترغيب فِي الدُّعَاء وَالْحق عَلَيْهِ لحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: لَيْسَ شَيْء أكْرم على الله من الدُّعَاء، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَحَدِيثه رَفعه: من لم يسْأَل الله يغْضب عَلَيْهِ، أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ شيخ شيخ أبي الرّوح السرماري: إِن من لم يسْأَل الله يبغضه، والمبغوض مغضوب عَلَيْهِ، وَالله يحب أَن يسْأَل. وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَفعه: سلوا الله من فَضله فَإِن الله يحب أَن يسْأَل، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِن الله يحب الملحين فِي الدُّعَاء.
قَوْله: (وَلكُل نَبِي دَعْوَة مستجابة) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب، بِالتَّنْوِينِ، وَلكُل نَبِي دَعْوَة مستجابة، وَلَيْسَ فِي غير رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب، فعلى رِوَايَة أبي ذَر هَذِه اللَّفْظَة تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة، وعَلى رِوَايَة غَيره من جملَة التَّرْجَمَة الْمَاضِيَة.

6304 - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حَدثنِي مالِكٌ عَنْ أبي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِها، وأُرِيدُ أنْ أخْتَبىءَ دَعْوَتِي شَفاعَةً لأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ. (انْظُر الحَدِيث 6304 طرفه فِي: 7474) .

(22/276)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الله بن هُرْمُز. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يَدْعُو بهَا) أَي: بِهَذِهِ الدعْوَة، وَفِي رِوَايَة: فتعجل كل نَبِي دَعوته وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة، وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة الْآتِيَة فِي التَّوْحِيد: فَأُرِيد إِن شَاءَ الله أَن أختبىء، وَزِيَادَة إِن شَاءَ الله، فِي هَذِه للتبرك، وَلمُسلم فِي رِوَايَة أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: إِنِّي اخْتَبَأْت، وَفِي رِوَايَة أنس: فَجعلت دَعْوَتِي، وَزَاد يَوْم الْقِيَامَة، فَإِن قلت: وَقع للكثير من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام من الدَّعْوَات المجابة وَلَا سِيمَا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَظَاهره أَن لكل نَبِي دَعْوَة مجابة فَقَط. قلت: أُجِيب بِأَن المُرَاد بالإجابة فِي الدعْوَة الْمَذْكُورَة الْقطع بهَا وَمَا عدا ذَلِك من دعواتهم فَهُوَ على رَجَاء الْإِجَابَة، وَقيل: معنى قَوْله: (لكل نَبِي دَعْوَة) أَي: أفضل دعواته، وَقيل: لكل مِنْهُم دَعْوَة عَامَّة مستجابة فِي أمته إِمَّا بإهلاكهم وَإِمَّا بنجاتهم. وَأما الدَّعْوَات الْخَاصَّة فَمِنْهَا مَا يُسْتَجَاب وَمِنْهَا مَا لَا يُسْتَجَاب. قلت: لَا يحسن أَن يُقَال فِي حق نَبِي من الْأَنْبِيَاء أَن يُقَال: من دعواته مَا لَا يُسْتَجَاب، وَالْمعْنَى الَّذِي يَلِيق بحالهم أَن قَالَ: من دعواتهم مَا يُسْتَجَاب فِي الْحَال، وَمِنْهَا مَا يُؤَخر إِلَى وَقت أَرَادَهُ الله عز وَجل، أَن اختبىء أَي: أدخر وأجعلها خبيئة.

6305 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: قَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أبي عَنْ أنَس عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: كُلُّ نَبِيّ سألَ سُؤْلاً أوْ قَالَ: لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعا بِها فاسْتُجِيبَ فَجَعَلْتُ دَعْوَتِي شَفاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيامَةِ.

خَليفَة هُوَ ابْن خياط أَبُو عمر والعصفري الْبَصْرِيّ، هَكَذَا وَقع: قَالَ لي خَليفَة، فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: وَقَالَ مُعْتَمر، هُوَ ابْن سُلَيْمَان التَّمِيمِي فعلى الرِّوَايَة الأولى الحَدِيث مُتَّصِل، وَقد وَصله أَيْضا مُسلم فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عبد الْأَعْلَى أخبرنَا الْمُعْتَمِر عَن أَبِيه عَن أنس بن مَالك أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ... فَذكر نَحْو حَدِيث قَتَادَة عَن أنس، وَحَدِيث قَتَادَة عَن أنس: أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لكل نَبِي دَعْوَة دَعَاهَا لأمته، وَأما اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (سؤلاً) بِضَم السِّين وَسُكُون الْهمزَة الْمَطْلُوب. قَوْله: (وَقَالَ) شكّ من الرَّاوِي.

2 - (بابُ أفْضَلِ الاسْتِغْفارِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أفضل الاسْتِغْفَار، وَسقط لفظ: بَاب، فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع لِابْنِ بطال: فضل الاسْتِغْفَار، وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله: أفضل الاسْتِغْفَار، فَإِن قلت: معنى الْأَفْضَل الْأَكْثَر ثَوابًا عِنْد الله، فَمَا وَجهه هُنَا إِذْ الثَّوَاب للمستغفر لَا لَهُ؟ قلت: هُوَ نَحْو مَكَّة أفضل من الْمَدِينَة أَي: ثَوَاب العابد فِيهَا أفضل من ثَوَاب العابد فِي الْمَدِينَة، فَالْمُرَاد: المستغفر بِهَذَا النَّوْع من الاسْتِغْفَار أَكثر ثَوابًا من المستغفر بِغَيْرِهِ.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: { (17) اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه. . وَيجْعَل لكم أَنهَارًا} (نوح: 10) { (3) وَالَّذين إِذا فعلوا. . فعلوا وهم يعلمُونَ} (آل عمرَان: 135) [/ ح.
وَقَوله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: (أفضل الاسْتِغْفَار) ، وَفِي بعض النّسخ وَاسْتَغْفرُوا، بِالْوَاو وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَالصَّوَاب ترك الْوَاو، فَإِن الْقُرْآن: {فَقلت اسْتَغْفرُوا ربكُم} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر أَيْضا هَكَذَا {وَاسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا} الْآيَة. وَفِي رِوَايَة غَيره سَاقهَا إِلَى قَوْله: {أَنهَارًا} كَمَا فِي كتَابنَا هَذَا، وَأَشَارَ بالآيتين إِلَى إِثْبَات مَشْرُوعِيَّة الْحَث على الاسْتِغْفَار فَلذَلِك ترْجم بالأفضلية، وَأَشَارَ بِالْآيَةِ الثَّانِيَة إِلَى أَن بالاستغفار يحصل كل شَيْء، وَيُؤَيّد هَذَا مَا ذكره الثَّعْلَبِيّ أَن رجلا أَتَى الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فَشَكا إِلَيْهِ الجدوبة فَقَالَ لَهُ الْحسن: اسْتغْفر الله، وَأَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ الْفقر، فَقَالَ لَهُ: اسْتغْفر الله، وَأَتَاهُ آخر فَقَالَ: ادْع الله لي أَن يَرْزُقنِي إبناً، فَقَالَ: اسْتغْفر الله، وَأَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ جفاف بساتينه، فَقَالَ لَهُ: اسْتغْفر

(22/277)


الله، فَقيل لَهُ: أَتَاك رجال يَشكونَ أبواباً ويسألون أنواعاً فَأَمَرتهمْ كلهم بالاستغفار، فَقَالَ: مَا قلت من ذَات نَفسِي فِي ذَلِك شَيْئا إِنَّمَا اعْتبرت فِيهِ قَول الله عز وَجل حِكَايَة عَن نبيه نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لِقَوْمِهِ. {اسْتَغْفرُوا ربكُم} الْآيَة، وَالْآيَة الثَّانِيَة هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم} وسَاق غَيره إِلَى قَوْله: {وهم يعلمُونَ} كَمَا فِي كتَابنَا. قَوْله: (يُرْسل السَّمَاء) أَي: الْمَطَر. قَوْله: (مدراراً) حَال من السَّمَاء. قَوْله: (فَاحِشَة) أَي: الزِّنَا.

6306 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عَبْدُ الوارِثِ حدّثنا الحُسَيْنُ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ عَنْ بُشَيْرِ ابنِ كَعْبٍ العَدَوِيِّ قَالَ: حَدثنِي شَدَّادُ بنُ أوْسِ رَضِي الله عَنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: سَيِّدُ الاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لَا إلاهَ إلاَّ أنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنا عَبْدُكَ وَأَنا عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأبُوءُ بِذَنْبِي فاغْفِرْ لِي فإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، قَالَ: ومنْ قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقناً بِها فَماتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فَهُوَ منْ أهْلِ الجَنَّةِ، ومَنْ قالَها مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِها فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ. (انْظُر الحَدِيث 6306 طرفه فِي: 6323) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (سيد الاسْتِغْفَار) لِأَن السَّيِّد فِي الأَصْل الرئيس الَّذِي يقْصد فِي الْحَوَائِج، وَيرجع إِلَيْهِ فِي الْأُمُور، وَلما كَانَ هَذَا الدُّعَاء جَامعا لمعاني التَّوْبَة كلهَا استغير لَهُ هَذَا الإسم، وَلَا شكّ أَن سيد الْقَوْم أفضلهم، وَهَذَا الدُّعَاء أَيْضا سيد الْأَدْعِيَة وَهُوَ الاسْتِغْفَار.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث ابْن سعيد الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، وَالْحُسَيْن وَابْن ذكْوَان الْمعلم، وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ، وَبشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن كَعْب الْعَدوي، وَشَدَّاد بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة الأولى ابْن أَوْس بن ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام بمهملتين الْأنْصَارِيّ ابْن أخي حسان بن ثَابت الشَّاعِر، وَشَدَّاد صَحَابِيّ جليل نزل الشَّام وكنيته أَبُو يعلى، وَاخْتلف فِي صُحْبَة أَبِيه، وَلَيْسَ لشداد فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الِاسْتِعَاذَة عَن عَمْرو بن عَليّ، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنهُ أَيْضا.
قَوْله: (سيد الاسْتِغْفَار) قيل: مَا الْحِكْمَة فِي كَونه سيد الاسْتِغْفَار؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ وَأَمْثَاله من التعبديات، وَالله تَعَالَى أعلم بذلك، لَكِن لَا شكّ أَن فِيهِ ذكر الله تَعَالَى بأكمل الْأَوْصَاف وَذكر نَفسه بأنقص الْحَالَات، وَهُوَ أقْصَى غَايَة التضرع وَنِهَايَة الاستكانة لمن لَا يَسْتَحِقهَا إلاَّ هُوَ. قَوْله: (أَن تَقول) بِصِيغَة الْمُخَاطب، وَقَالَ بَعضهم: أَن يَقُول، أَي: العَبْد، وَاعْتمد لما قَالَه على مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ أَن سيد الاسْتِغْفَار أَن يَقُول العَبْد، وَذكر أَيْضا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن شَدَّاد: ألاَّ أدلك على سيد الاسْتِغْفَار؟ قلت: رِوَايَة أَحْمد لَا تَسْتَلْزِم أَن يقدر هُنَا أَي: العَبْد، على أَن التَّقْدِير خلاف الأَصْل وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ تؤيد مَا ذكرنَا وتدفع مَا قَالَه على مَا لَا يخفى. (لَا إِلَه إلاَّ أَنْت خلقتني) ويروى: لَا إِلَه إلاَّ أَنْت أَنْت خلقتني. قَوْله: (وَأَنا عَبدك قَالَ الطَّيِّبِيّ: يجوز أَن تكون حَالا مُؤَكدَة، وَيجوز أَن تكون مقررة أَي: أَنا عَابِد لَك، وَيُؤَيِّدهُ عطف. قَوْله: (وَأَنا على عَهْدك) وَسَقَطت الْوَاو مِنْهُ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد أَنا على مَا عاهدتك عَلَيْهِ وواعدتك من الْإِيمَان بك وَإِصْلَاح الطَّاعَة لَك. قَوْله: (مَا اسْتَطَعْت) أَي: قدر استطاعتي، وَشرط الِاسْتِطَاعَة فِي ذَلِك الِاعْتِرَاف بِالْعَجزِ والقصور عَن كنه الْوَاجِب من حَقه تَعَالَى، وَقَالَ ابْن بطال: قَوْله: (وَأَنا عَليّ عَهْدك وَوَعدك) يُرِيد بِهِ الْعَهْد الَّذِي أَخذه الله على عباده حَيْثُ أخرجهم أَمْثَال الذَّر وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم؟ فأقروا لَهُ بالربوبية وأذعنوا لَهُ بالوحدانية، وبالوعد مَا قَالَ على لِسَان نبيه: إِن من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا وَأدّى مَا افْترض عَلَيْهِ أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَقيل: وَأدّى مَا افْترض عَلَيْهِ، زِيَادَة لَيست بِشَرْط فِي هَذَا الْمقَام. قلت: إِن لم تكن شرطا فِي هَذَا فَهِيَ شَرط فِي غَيره. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يحْتَمل أَن يُرَاد بالعهد والوعد مَا فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة. قَوْله: (أَبُوء) من قَوْلهم: بَاء بِحقِّهِ أَي: أقرّ بِهِ، وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد بِهِ الِاعْتِرَاف، وَيُقَال: قد بَاء فلَان بِذَنبِهِ إِذا احتمله كرها لَا يَسْتَطِيع دَفعه عَن نَفسه. قَوْله: (لَك) لَيست فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: اعْترف أَولا بِأَنَّهُ أنعم عَلَيْهِ وَلم يُقَيِّدهُ

(22/278)


ليشْمل جَمِيع أَنْوَاع النعم مُبَالغَة، ثمَّ اعْترف بالتقصير، وَأَنه لم يقم بأَدَاء شكرها ثمَّ بَالغ فعده ذَنبا مُبَالغَة فِي التَّقْصِير وهضم النَّفس. قَوْله: (من قَالَهَا موقناً) أَي: مخلصاً من قلبه مُصدقا بثوابها. قَوْله: (وَمن قَالَهَا من النَّهَار) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَمن قَالَهَا قَوْله: (فَمن أهل الْجنَّة) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ دخل الْجنَّة، وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن ربيعَة: إلاَّ وَجَبت لَهُ الْجنَّة، قيل: الْمُؤمن وَإِن لم يقلها فَهُوَ من أهل الْجنَّة. وَأجِيب بِأَنَّهُ يدخلهَا ابْتِدَاء من غير دُخُول النَّار لِأَن الْغَالِب أَن الموقن بحقيقتها الْمُؤمن بمضمونها لَا يعْصى الله تَعَالَى، أَو لِأَن الله يعْفُو عَنهُ ببركة هَذَا الاسْتِغْفَار.

3 - (بابُ اسْتِغْفارِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اليَوْمِ واللَّيْلَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كمية اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة.

6307 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ: قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: وَالله إنِّي لأسْتَغْفِرُ الله وأتُوبُ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الْإِجْمَال الَّذِي فِي التَّرْجَمَة من كمية اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَوْم، وَأَنه أَكثر من سبعين مرّة، وَإِنَّمَا كَانَ يسْتَغْفر هَذَا الْمِقْدَار مَعَ أَنه مَعْصُوم ومغفور لَهُ لِأَن الاسْتِغْفَار عبَادَة، أَو هُوَ تَعْلِيم لأمته، أَو اسْتِغْفَار من ترك الأولى أَو قَالَه تواضعاً، أَو مَا كَانَ عَن سَهْو أَو قبل النُّبُوَّة، وَقيل: اشْتِغَاله بِالنّظرِ فِي مصَالح الْأمة ومحاربة الْأَعْدَاء وتأليف الْمُؤَلّفَة وَنَحْو ذَلِك شاغل عَن عَظِيم مقَامه من حُضُور مَعَ الله عز وَجل وفراغه مِمَّا سواهُ، فيراه ذَنبا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَإِن كَانَت هَذِه الْأُمُور من أعظم الطَّاعَات وَأفضل الْأَعْمَال فَهُوَ نزُول عَن عالي دَرَجَته فيستغفر لذَلِك. وَقيل: كَانَ دَائِما فِي الترقي فِي الْأَحْوَال فَإِذا رأى مَا قبلهَا دونه اسْتغْفر مِنْهُ، كَمَا قيل: حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين، وَقيل: يَتَجَدَّد للطبع غفلات تفْتَقر إِلَى الاسْتِغْفَار. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هفوات الطباع البشرية لَا يسلم مِنْهَا أحد، والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن عصموا من الْكَبَائِر فَلم يعصموا من الصَّغَائِر. قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل عصموا من الصَّغَائِر والكبائر جَمِيعًا قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَشَيخ البُخَارِيّ فِيهِ أَبُو الْيَمَان هُوَ الحكم بن نَافِع.
قَوْله: (أَكثر من سبعين مرّة) ، وَفِي حَدِيث أنس: إِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم سبعين مرّة، يحْتَمل فِيهِ الْمُبَالغَة وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْعدَد بِعَيْنِه. قَوْله: (أَكثر) مُبْهَم فَيحْتَمل أَن يُفَسر بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِلَفْظ: إِنِّي أسْتَغْفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة بِلَفْظ: إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ كل يَوْم مائَة مرّة.

4 - (بابُ التَّوْبَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّوْبَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: التَّوْبَة الرُّجُوع من الذَّنب وَكَذَلِكَ التوب، وَقَالَ الْأَخْفَش: التوب جمع تَوْبَة، وَتَابَ إِلَى الله تَوْبَة ومتاباً، وَقد تَابَ الله عَلَيْهِ وَفقه لَهَا، واستتابه سَأَلَهُ أَن يَتُوب، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف عِبَارَات الْمَشَايِخ فِيهَا، فقائلاً يَقُول: إِنَّهَا النَّدَم، وَقَائِل يَقُول: إِنَّهَا الْعَزْم على أَن لَا يعود، وَآخر يَقُول: الإقلاع عَن الذَّنب، وَمِنْهُم من يجمع بَين الْأُمُور الثَّلَاثَة، وَهُوَ أكملها، وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: حَقِيقَة التَّوْبَة لَهَا سِتّ عَلَامَات: النَّدَم على مَا مضى، والعزم على أَن لَا يعود، وَيُؤَدِّي كل فرض ضيعه، وَيُؤَدِّي إِلَى كل ذِي حق حَقه من الْمَظَالِم، ويذيب الْبدن الَّذِي زينه بالسحت وَالْحرَام بالهموم وَالْأَحْزَان حَتَّى يلصق الْجلد بالعظم، ثمَّ ينشأ بَينهمَا لَحْمًا طيبا إِن هُوَ نَشأ، وَيُذِيق الْبدن ألم الطَّاعَة كَمَا أذاقه لَذَّة الْمعْصِيَة.
وَقَالَ قتادَةُ: تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحاً: الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد من طَرِيق شَيبَان عَن قَتَادَة، وَفسّر قَتَادَة التَّوْبَة النصوح بالصادقة الناصحة، وَقَالَ صَاحب

(22/279)


(الْعين) : التَّوْبَة النصوح الصادقة، وَقيل: سميت بذلك لِأَن العَبْد ينصح فِيهَا نَفسه ويقيها النَّار، وأصل نصُوحًا: منصوحاً فِيهَا إلاَّ أَنه أخبر عَنْهَا باسم الْفَاعِل للنصح على مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل فِي قَوْله: { (96) عيشة راضية} (الحاقة: 21) أَي: ذَات رضى، وَكَذَلِكَ تَوْبَة نصُوحًا أَي: ينصح فِيهَا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: بَالِغَة فِي النصح وَهِي الْخياطَة كَانَ الْعِصْيَان يخرق وَالتَّوْبَة ترفع، والنصاح بِالْكَسْرِ الْخَيط الَّذِي يخلط بِهِ، والناصح الْخياط والنصيحة الِاسْم والنصح بِالضَّمِّ الْمصدر، وَهُوَ بِمَعْنى الْإِخْلَاص: الخلوص والصدق، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الناصح الْخَالِص من الْعَسَل وَغَيره مثل الناصع وكل شَيْء خلص فقد نصح، قَالَ الْجَوْهَرِي: نَصَحْتُك نصحاً ونصاحة، يُقَال: نصحه ونصح لَهُ وَهُوَ بِاللَّامِ أفْصح، قَالَ الله تَعَالَى: { (7) وأنصح لكم} (الْأَعْرَاف: 62) وَرجل نَاصح الجيب أَي: نقي الْقلب، وانتصح فلَان أَي: قبل النَّصِيحَة.

4 - (حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَن الْحَارِث بن سُوَيْد حَدثنَا عبد الله بن مَسْعُود حديثين أَحدهمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْآخر عَن نَفسه قَالَ إِن الْمُؤمن يرى ذنُوبه كَأَنَّهُ قَاعد تَحت جبل يخَاف أَن يَقع عَلَيْهِ وَإِن الْفَاجِر يرى ذنُوبه كذباب مر على أَنفه فَقَالَ بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شهَاب بِيَدِهِ فَوق أَنفه ثمَّ قَالَ لله أفرح بتوبة عَبده من رجل نزل منزلا وَبِه مهلكة وَمَعَهُ رَاحِلَته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَوضع رَأسه فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ وَقد ذهبت رَاحِلَته حَتَّى إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحر والعطش أَو مَا شَاءَ الله قَالَ أرجع إِلَى مَكَان فَرجع فَنَامَ نومَة ثمَّ رفع رَأسه فَإِذا رَاحِلَته عِنْده) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لله أفرح بتوبة عَبده وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي وَهُوَ قد نسب إِلَى جده واشتهر بِهِ وَأَبُو شهَاب اسْمه عبد ربه بن نَافِع الحناط بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون وَهُوَ أَبُو شهَاب الحناط الصَّغِير وَأما أَبُو شهَاب الحناط الْكَبِير وَهُوَ فِي طبقَة شُيُوخ هَذَا واسْمه مُوسَى بن نَافِع وليسا أَخَوَيْنِ وهما كوفيان وَكَذَا بَقِيَّة رجال السَّنَد وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَعمارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن عُمَيْر بِضَم الْعين وَفتح الْمِيم التَّيْمِيّ تيم الله من بني تيم اللات بن ثَعْلَبَة والْحَارث بن سُوَيْد التَّيْمِيّ تيم الربَاب وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد أَوَّلهمْ الْأَعْمَش وَهُوَ من صغَار التَّابِعين وَالثَّانِي عمَارَة بن عُمَيْر وَهُوَ من أوساطهم وَالثَّالِث الْحَارِث بن سُوَيْد وَهُوَ من كبارهم والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره وَلم يذكر أَن الْمُؤمن يرى إِلَى آخر الْقِصَّة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن هناد وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن مُحَمَّد بن عبيد وَغَيره وَذكر قصَّة التَّوْبَة فَقَط قَوْله حديثين أَحدهمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْآخر عَن نَفسه أَي نفس ابْن مَسْعُود وَلم يُصَرح بالمرفوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ النَّوَوِيّ وَابْن بطال أَيْضا أَن الْمَرْفُوع هُوَ قَوْله لله أفرح إِلَى آخِره وَالْأول قَول ابْن مَسْعُود وَوَقع الْبَيَان فِي رِوَايَة مُسلم مَعَ أَنه لم يسق مَوْقُوف ابْن مَسْعُود وَرَوَاهُ عَن جرير عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة عَن الْحَارِث قَالَ دخلت على ابْن مَسْعُود أعوده وَهُوَ مَرِيض فحدثنا بحديثين حَدِيثا عَن نَفسه وحديثا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لله أَشد فَرحا " الحَدِيث قَوْله " إِن الْمُؤمن يرى ذنُوبه " إِلَى قَوْله أَن يَقع عَلَيْهِ السَّبَب فِيهِ أَن قلب الْمُؤمن منور فَإِذا رأى من نَفسه مَا يُخَالف ذَلِك عظم الْأَمر عَلَيْهِ وَالْحكمَة فِي التَّمْثِيل بِالْجَبَلِ أَن غَيره من المهلكات قد يحصل مِنْهُ النجَاة بِخِلَاف الْجَبَل إِذا سقط عَلَيْهِ لَا ينجو عَادَة قَوْله " وَإِن الْفَاجِر " أَي العَاصِي الْفَاسِق قَوْله كذباب مر على أَنفه وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ يرى ذنُوبه كَأَنَّهَا ذُبَاب مر على أَنفه أَرَادَ أَن ذَنبه سهل عَلَيْهِ لِأَن قلبه مظلم فالذنب عِنْده خَفِيف قَوْله " فَقَالَ بِهِ هَكَذَا " أَي نحاه بِيَدِهِ أَو دَفعه وذبه وَهُوَ من إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل قَوْله قَالَ أَبُو شهَاب هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور قَوْله بِيَدِهِ فَوق أَنفه تَفْسِير مِنْهُ لقَوْله فَقَالَ بِهِ قَوْله ثمَّ قَالَ أَي عبد الله بن مَسْعُود

(22/280)


رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " لله " اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد قَوْله أفرح وَإِطْلَاق الْفَرح على الله مجَاز يُرَاد بِهِ رِضَاهُ وَعبر عَنهُ بِهِ تَأْكِيدًا لِمَعْنى الرِّضَا عَن نفس السَّامع ومبالغة فِي تَقْرِيره قَوْله " بتوبة عَبده " وَفِي رِوَايَة أبي الرّبيع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ عَبده الْمُؤمن وَكَذَا عِنْد مُسلم من رِوَايَة جرير وَكَذَا عِنْده من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة قَوْله وَبِه أَي بالمنزل أَي فِيهِ مهلكة بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَفتحهَا مَكَان الْهَلَاك ويروى مهلكة على وزن اسْم الْفَاعِل وَقَالَ بَعضهم وَفِي بعض النّسخ بِضَم الْمِيم وَكسر اللَّام من الرباعي قلت لَا يُقَال لمثل هَذَا من الرباعي وَلَيْسَ هَذَا باصطلاح الْقَوْم وَإِنَّمَا يُقَال لمثل هَذَا من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ وَقَالَ الْكرْمَانِي ويروى وبيئة على وزن فعيلة من الوباء وَقَالَ بَعضهم لم أَقف على ذَلِك فِي كَلَام غَيره وَيلْزم عَلَيْهِ أَن يكون وصف الْمُذكر وَهُوَ الْمنزل بِصفة الْمُؤَنَّث فِي قَوْله وبيئة مهلكة انْتهى قلت عدم وُقُوفه على هَذَا لَا يسْتَلْزم عدم وقُوف غَيره وَمن أَيْن لَهُ الْوُقُوف على كَلَام الْقَوْم كلهم حَتَّى يَقُول لم أَقف ودعواه اللُّزُوم الْمَذْكُور غير صَحِيحَة لِأَن الْمنزل يُطلق عَلَيْهِ الْبقْعَة قَوْله " عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه " وَزَاد التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته " وَمَا يصلحه " قَوْله " وَقد ذهبت رَاحِلَته " وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة " فأضلها فَخرج فِي طلبَهَا " وَفِي رِوَايَة مُسلم " فطلبها " قَوْله " أَو مَا شَاءَ الله " شكّ من ابْن شهَاب وَاقْتصر جرير على ذكر الْعَطش وَوَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة " حَتَّى إِذا أدْركهُ الْمَوْت " قَوْله " أرجع " بِفَتْح الْهمزَة بِصِيغَة الْمُتَكَلّم قَوْله إِلَى مَكَان فَرجع فَنَامَ وَفِي رِوَايَة جرير أرجع إِلَى مَكَاني الَّذِي كنت فِيهِ فأنام حَتَّى أَمُوت فَوضع رَأسه على ساعده ليَمُوت وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة أرجع إِلَى مَكَاني الَّذِي أضللتها فِيهِ فأموت فِيهِ فَرجع إِلَى مَكَانَهُ فغلبته عينه قَوْله فَإِذا رَاحِلَته عِنْده كلمة إِذا للمفاجأة وَفِي رِوَايَة جرير فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْده رَاحِلَته طَعَامه وَشَرَابه وَزَاد أَبُو مُعَاوِيَة فِي رِوَايَته وَمَا يصلحه
(تَابعه أَبُو عوَانَة وَجَرِير عَن الْأَعْمَش) أَي تَابع أَبَا شهَاب فِي رِوَايَته عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش أَبُو عوَانَة وَهُوَ الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وَجَرِير بن عبد الحميد أما مُتَابعَة أبي عوَانَة فرواها الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمثنى أخبرنَا يحيى عَن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة وَأما مُتَابعَة جرير فرواها الْبَزَّار حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى أخبرنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة عَن الْحَارِث عَن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَذكره
(وَقَالَ أَبُو أُسَامَة حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنَا عمَارَة سَمِعت الْحَارِث بن سُوَيْد) أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم حَدثنِي إِسْحَق بن مَنْصُور أخبرنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عمر قَالَ سَمِعت الْحَارِث بن سُوَيْد قَالَ حَدثنِي عبد الله حديثين الحَدِيث
(وَقَالَ شُعْبَة وَأَبُو مُسلم عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد) أَبُو مُسلم زَاد الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَته عَن الْفربرِي اسْمه عبيد الله كُوفِي قَائِد الْأَعْمَش يروي عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ تيم الربَاب عَن الْحَارِث بن سُوَيْد وَالْمَقْصُود من هَذَا أَن شُعْبَة وَأَبا مُسلم خالفا أَبَا شهَاب الْمَذْكُور وَمن تبعه فِي تَسْمِيَة شيخ الْأَعْمَش فَقَالَ الْأَولونَ عمَارَة وَقَالَ هَذَانِ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وروى النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن عبيد بن مُحَمَّد عَن عَليّ بن مسْهر عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث عَن عبد الله لله أفرح بتوبة عَبده الحَدِيث وَأما عبيد الله الَّذِي زَاده الْمُسْتَمْلِي فَهُوَ عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن سعيد بن مُسلم الْكُوفِي ضعفه جمَاعَة لَكِن لما وَافقه شُعْبَة ترخص البُخَارِيّ فِي ذكره
(وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عمَارَة عَن الْأسود عَن عبد الله وَعَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عبد الله) أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود وَأَرَادَ بِهَذَا أَن أَبَا مُعَاوِيَة

(22/281)


خَالف الْجَمِيع فَجعل الحَدِيث عِنْد الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عُمَيْر وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ جَمِيعًا لكنه عِنْد عمَارَة عَن الْأسود بن يزِيد وَعند إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد وَأَبُو شهَاب وَمن تبعه جَعَلُوهُ عِنْد عمَارَة عَن الْحَارِث بن سُوَيْد وَلما كَانَ هَذَا الِاخْتِلَاف اقْتصر مُسلم فِيهِ على مَا قَالَ أَبُو شهَاب وَمن تبعه وَصدر بِهِ البُخَارِيّ كَلَامه فَأخْرجهُ مَوْصُولا وَذكر الِاخْتِلَاف مُتَعَلقا على عَادَته لِأَن هَذَا الِاخْتِلَاف لَيْسَ بقادح -
6309 - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا حَبَّانُ حَدثنَا هَمَّامٌ حدّثنا قَتادَةُ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(ح) وحدّثنا هُدْبَةُ حدّثنا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أفْرَحُ بَتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ سَقَطَ عَلى بَعِيرِهِ وقَدْ أضَلَّهُ فِي أرْضِ فلاةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين.
الأول: عَن إِسْحَاق قَالَ الغساني: لَعَلَّه ابْن مَنْصُور عَن حبَان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ عَن همام بن يحيى عَن قَتَادَة عَن أنس.
وَالثَّانِي: عَن هدبة بن خَالِد عَن همام إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن هدبة، وَعَن أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ عَن حبَان.
قَوْله: (الله) بِدُونِ لَام التَّأْكِيد فِي أَوله. قَوْله: (سقط على بعيره) أَي: وَقع عَلَيْهِ وصادفه من غير قصد. قَوْله: (وَقد أضلّهُ) أَي: أضاعه، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فلاة) أَي: مفازة أَي: أَن الله أرْضى بتوبة عَبده من وَاجِد ضالته بالفلاة.

5 - (بابُ الضَّجْعِ عَلى الشِّقِّ الأيْمَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب النّوم على الشق الْأَيْمن، والضجع بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْجِيم مصدر من ضجع الرجل يضجع ضجعاً وضجوعاً أَي: وضع جنبه على الأَرْض فَهُوَ ضاجع، ويروى: بَاب الضجعة بِكَسْر الضَّاد لِأَن الفعلة بِالْكَسْرِ للنوع وبالفتح للمرة وَيجوز هُنَا الْوَجْهَانِ، وَقد مضى فِي كتاب الصَّلَاة: بَاب الضجع على الشق الْأَيْمن بعد رَكْعَتي الْفجْر، وَوجه تعلق هَذَا الْبَاب بِكِتَاب الدَّعْوَات أَنه يعلم من سَائِر الْأَحَادِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يَدْعُو عِنْد الِاضْطِجَاع.

6310 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كانَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إحْداى عَشْرَةَ رَكْعَةً فإِذا طَلَعَ الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلى شِقِّهِ الأيْمَنِ حَتَّى يَجِيءَ المُؤذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ اضْطجع على شقَّه الْأَيْمن) وَعبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي.
والْحَدِيث مضى فِي أول أَبْوَاب الْوتر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فيؤذنه) بِضَم الْيَاء من الإيذان أَي: يُعلمهُ بِالصَّلَاةِ.

6 - (بابُ إِذا باتَ طاهِراً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الشَّخْص إِذا بَات طَاهِرا، وَزَاد أَبُو ذَر فِي رِوَايَته وفضله، ووردت فِي هَذَا الْبَاب جملَة أَحَادِيث لَيست على شَرطه، مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث معَاذ مَرْفُوعا: مَا من مُسلم يبيت على ذكر وطهارة فيستعار من اللَّيْل فَيسْأَل الله خيرا من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إلاَّ أعطَاهُ إِيَّاه، وَوجه تَعْلِيقه بِكِتَاب الدَّعْوَات هُوَ أَن فِيهِ دُعَاء عَظِيما.

(22/282)


6311 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُوراً عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حدّثني البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلى شِقِّكَ الأيْمَنِ، وقُلِ: أللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وألْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَهْبَةً ورَغْبَةً إلَيْكَ، لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتابكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وبِنَبَّيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فإِنْ مُتَّ على الفِطْرَةِ فاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ. فَقُلْتُ: أسْتَذْكِرُهُنَّ وبِرَسُولِكَ الَّذِي أرْسَلْتَ. قَالَ: لَا ونَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة ثمَّ اضْطجع) ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسعد بن عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره تَاء التَّأْنِيث أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي، ختن أبي عبد الرَّحْمَن مَاتَ فِي ولَايَة عمر بن هُبَيْرَة على الْكُوفَة.
والْحَدِيث مضى فِي آخر كتاب الْوضُوء قبل كتاب الْغسْل عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن سعيد بن عبيد عَن الْبَراء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (مضجعك) أَي: مَوضِع نومك. قَوْله: (وضوءك) بِالنّصب بِنَزْع الْخَافِض أَي: كوضوئك للصَّلَاة، وَالْأَمر فِيهِ للنَّدْب، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ فِي الْأَحَادِيث ذكر الْوضُوء عِنْد النّوم إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (ثمَّ اضْطجع) أَصله: اضتجع لِأَنَّهُ من بَاب الافتعال فقلبت التَّاء طاء. قَوْله: (أسلمت نَفسِي إِلَيْك) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي زيد: أسلمت وَجْهي إِلَيْك، قيل: النَّفس وَالْوَجْه هُنَا بِمَعْنى الذَّات والشخص أَي: أسلمت ذاتي وشخصي لَك، وَقيل فِيهِ: نظر، لِأَنَّهُ جمع بَينهمَا فِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق على مَا يَأْتِي بعد بَاب، وَلَفظه: أسلمت نَفسِي إِلَيْك، وفوضت أَمْرِي إِلَيْك، ووجهت وَجْهي إِلَيْك، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَالْمُرَاد بِالنَّفسِ الذَّات، وبالوجه الْقَصْد، وَيُقَال: معنى أسلمت استسلمت وانقدت، وَالْمعْنَى: جعلت نَفسِي منقادة لَك تَابِعَة لحكمك إِذْ لَا قدرَة لي على تدبيرها وَلَا على جلب مَا ينفعها إِلَيْهَا وَلَا رفع مَا يَضرهَا عَنْهَا. قَوْله: (وفوضت) من التَّفْوِيض وَهُوَ تَسْلِيم الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى. قَوْله: (وألجأت ظَهْري إِلَيْك) أَي: اعتمدت عَلَيْك فِي أموري كَمَا يعْتَمد الْإِنْسَان بظهره إِلَى مَا يسْتَند إِلَيْهِ. قَوْله: (رهبة ورغبة) أَي: خوفًا من عقابك وَطَمَعًا فِي ثوابك. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: أسقط: من مَعَ ذكر الرهبة وأعمل إِلَى مَعَ ذكر الرَّغْبَة وَهُوَ على طَرِيق الِاكْتِفَاء. وَأخرج النَّسَائِيّ بِلَفْظ من حَيْثُ قَالَ: رهبة مِنْك ورغبة إِلَيْك، وانتصابهما على الْمَفْعُول لَهُ على طَرِيق اللف والنشر. قَوْله: (لَا ملْجأ) بِالْهَمْز وَجَاء تخفيفه، و: لَا منجى، بِلَا همز وَلَكِن لما جمعا جَازَ أَن يهمزا للازدواج، وَأَن يتْرك الْهَمْز فيهمَا، وَأَن يهمز المهموز وَيتْرك الآخر، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه، وَيجوز التَّنْوِين مَعَ الْقصر فَتَصِير خَمْسَة، وَنقل بَعضهم عَن الْكرْمَانِي أَنه قَالَ: هَذَانِ اللفظان إِن كَانَا مصدرين يتنازعان فِي: مِنْك، وَإِن كَانَا طرفين فَلَا إِذْ إسم الْمَكَان لَا يعْمل، وَتَقْدِيره: لَا ملْجأ مِنْك إِلَى أحد إلاَّ إِلَيْك، وَلَا منجى إلاَّ إِلَيْك. قلت: لم يذكر الْكرْمَانِي هَذَا فِي هَذَا الْموضع. قَوْله: (بكتابك الَّذِي أنزلت) يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْقُرْآن، وَأَن يُرَاد بِهِ كل كتاب أنزل، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: أنزلته وأرسلته بالضمير الْمَنْصُوب فيهمَا. قَوْله: (وبنبيك الَّذِي أرْسلت) وَالرَّسُول نَبِي لَهُ كتاب فَهُوَ أخص من النَّبِي، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ (شرحنا للهداية) فِي ديباجته، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يلْزم من الرسَالَة النُّبُوَّة لَا الْعَكْس. قَوْله: (على الْفطْرَة) أَي: دين الْإِسْلَام. قَوْله: (آخر مَا تَقول) أَي: آخر أقوالك فِي تِلْكَ اللَّيْلَة. وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد بدل قَوْله: (فَإِن مت مت) على الْفطْرَة بنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة، وَوَقع فِي آخر الحَدِيث فِي التَّوْحِيد: وَإِن أَصبَحت أَصبَحت خيرا، أَي: صلاحاً فِي الْحَال وَزِيَادَة فِي الْأَعْمَال. قَوْله: (فَقلت، أستذكرهن) الْقَائِل هُوَ الْبَراء كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي زيد الْمروزِي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: فَجعلت أستذكرهن، أَي: أتحفظهن، وَوَقع فِي رِوَايَة كتاب الطَّهَارَة: فرددتها، أَي: فَرددت تِلْكَ الْكَلِمَات لأحفظهن، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فرددتهن لأستذكرهن. قَوْله: (لَا وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت) قَالُوا: سَبَب الرَّد إِرَادَة الْجمع بَين المنصبين وتعداد النعمتين، وَقيل: هُوَ تَخْلِيص الْكَلَام من اللّبْس إِذْ الرَّسُول يدْخل فِيهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَنَحْوه. وَقيل: هَذَا ذكر وَدُعَاء فَيقْتَصر فِيهِ على اللَّفْظ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ لاحْتِمَال أَن لَهَا

(22/283)


خاصية لَيست لغَيْرهَا.

7 - (بابُ مَا يَقُولُ إِذا نامَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الشَّخْص إِذا نَام، وَسَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة عِنْد الْبَعْض وَثبتت للأكثرين.

6312 - حدَّثنا قَبِيصَةُ حدّثنا سُفْيانُ عنْ عَبْدِ المَلِكِ عنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أواى إِلَى فِراشِهِ قَالَ: بِاسْمِكَ أمُوتُ وأحْيا، وَإِذا قامَ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النُّشُورُ.

هَذَا أوضح مَا أبهمه فِي التَّرْجَمَة لِأَن فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى مَا يَقُول الشَّخْص عِنْد النّوم، وَزِيَادَة مَا يَقُول عِنْد قِيَامه من النّوم.
وَأخرجه عَن قبيصَة بن عقبَة الْكُوفِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن ربعي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَفِي بعض النّسخ لم يذكر الْيَمَان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أبي بكر عَن وَكِيع. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عمر بن إِسْمَاعِيل وَفِي الشَّمَائِل عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدُّعَاء عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع.
قَوْله: (إِذا أَوَى) بقصر الْهمزَة أَي: إِذا دخل فِي فرَاشه. قَوْله: (قَالَ بإسمك أَمُوت) أَي: بِذكر إسمك أحيى مَا حييت وَعَلِيهِ أَمُوت، وَيسْقط بِهَذَا سُؤال من يَقُول: بِاللَّه الْحَيَاة وَالْمَوْت لَا باسمه، قيل: فِيهِ دلَالَة على أَن الإسم عين الْمُسَمّى. وَأجِيب بِلَا، وَلَا سِيمَا أَن لفظ الإسم يحْتَمل أَن يكون مقحماً كَقَوْلِه:
إِلَيّ الْحول. ثمَّ إسم السَّلَام عَلَيْكُمَا
قَوْله: (وَإِلَيْهِ النشور) أَي: الْإِحْيَاء للبعث يَوْم الْقِيَامَة، قيل: هَذَا لَيْسَ إحْيَاء وَلَا إماتة بل إيقاظ وإنامة. وَأجِيب: بِأَن الْمَوْت عبارَة عَن انْقِطَاع تعلق الرّوح بِالْبدنِ، وَذَلِكَ قد يكون ظَاهرا فَقَط، وَهُوَ النّوم، وَلِهَذَا يُقَال: إِنَّه أَخُو الْمَوْت أَو ظَاهرا وَبَاطنا، وَهُوَ الْمَوْت الْمُتَعَارف أَو أطلق الْإِحْيَاء والإماتة على سَبِيل التَّشْبِيه، وَهُوَ اسْتِعَارَة مصرحة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: النَّفس الَّتِي تفارق الْإِنْسَان عِنْد النّوم هِيَ الَّتِي للتمييز، وَالَّتِي تُفَارِقهُ عِنْد الْمَوْت هِيَ الَّتِي للحياة، وَهِي الَّتِي تَزُول مَعهَا النَّفس، وسمى النّوم موتا لِأَنَّهُ يَزُول مَعَه الْعقل وَالْحَرَكَة تمثيلاً وتشبيهاً.
يُنْشِرُها يُخْرِجُها
ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَحده، وَفسّر قَوْله: (ينشرها) بقوله: (يُخرجهَا) . وَفِيه قراءتان: قِرَاءَة الْكُوفِيّين بالزاي من أنشزه إِذا رَفعه بتدريج وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر أَيْضا، وَقِرَاءَة الآخرين بالراء من أنشرها إِذا أَحْيَاهَا. وَأخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد قَالَ: ينشرها أَي: يُحْيِيهَا، وَأخرج من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس بالزاي.

6313 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ ومُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَا: حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ سَمِع البَراءَ بنَ عازِبٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمَرَ رَجُلاً.
(ح) وحدّثنا آدمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا أبُو إسْحاقَ الهَمْدانِيُّ عَنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْصَى رَجُلاً فَقَالَ: إِذا أرَدْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أسلَمْتُ نَفْسي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهي إلَيْكَ، وألْجأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيِكَ، لَا مَلْجا وَلَا مَنْجا مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فإنْ مُتَّ مُتَّ عَلى الفِطْرَةِ.
هَذَا حَدِيث مثل حَدِيث حُذَيْفَة أخرجه عَن الْبَراء بن عَازِب من وَجْهَيْن: الأول: عَن سعيد بن

(22/284)


الرّبيع ضد الخريف الْبَصْرِيّ وَكَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية فَقيل لَهُ: الْهَرَوِيّ، وَمُحَمّد بن عرْعرة كِلَاهُمَا رويا عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَالْآخر عَن آدم عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق ... كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ عَن أبي إِسْحَاق: سَمِعت الْبَراء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ.
قَوْله: (أَمر رجلا) فِي الطَّرِيق الأول، وَفِي الثَّانِي: (أوصى رجلا) وَكِلَاهُمَا فِي الْمَعْنى مُتَقَارب.

8 - (بابُ وَضْعِ اليَدِ اليُمْنَى تَحْتَ الخَدِّ الأيْمَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب وضع النَّائِم يَده الْيُمْنَى تَحت خَدّه الْأَيْمن لفعلهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك، وَفِي أَكثر النّسخ: تَحت الخد الْيُمْنَى بِاعْتِبَار أَن تَأْنِيث الخد قد جَاءَ فِي لُغَة.

6314 - حدَّثني مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ عَبْدِ المَلِكِ عنْ رِبْعِيّ عنْ حَذِيفَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أخَذ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَع يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أمُوتُ وأحْيا، وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النَّشُورُ.
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن التَّرْجَمَة مُقَيّدَة بِالْيَدِ الْيُمْنَى والخد الْأَيْمن، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذَلِك. وَأجِيب بِأَنَّهُ مُسْتَفَاد إِمَّا من حَدِيث صرح بِهِ لم يكن على شَرطه، وَإِمَّا مِمَّا ثَبت أَنه كَانَ يحب التَّيَامُن فِي شَأْنه كُله. قلت: فِي الأول نظر لَا يخفى، وَالثَّانِي لَا بَأْس بِهِ.
وَأَبُو عوَانَة الوضاح بن عبد الله، وَعبد الْملك بن عُمَيْر، ورِبْعِي بن حِرَاش، والْحَدِيث مر فِي الْبَاب السَّابِق.

9 - (بابُ النَّوْمِ عَلى الشِّقِّ الأيْمَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي النّوم على الشق الْأَيْمن.

6315 - حدَّثني مُسَدَّدٌ حدّثنا عَبْدُ الواحِدِ بنُ زِيادٍ حَدثنَا العَلاءُ بنُ المُسَيَّبِ قَالَ: حدّثني أبي عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: كَانَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أوَى إِلَى فِراشِهِ نامَ عَلى شِقِّهِ الأيْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجا مِنكَ إلاَّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ ونَبِيِّكَ الذِي أرْسَلْتَ، وَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ قالَهُنَّ ثُمَّ ماتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ ماتَ عَلى الفِطْرَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَام على شقَّه الْأَيْمن) . والْعَلَاء الْمَذْكُور يروي عَن أَبِيه الْمسيب بن نَافِع الْكَاهِلِي، وَيُقَال للمسيب: أَبُو الْعَلَاء، وَكَانَ من ثقاة الْكُوفِيّين وَمَا لوَلَده الْعَلَاء فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَآخر تقدم فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا الْبَاب، والناظر يقف على التَّفَاوُت الَّذِي بَينهمَا من حَيْثُ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.
قَوْله: (تَحت ليلته) أَي: فِي ليلته.
اسْتَرْهَبُوهُمْ مِنَ الرَّهْبَةِ. مَلَكُوتٌ مُلْكٌ مَثَلُ: رَهَبُوتٌ خَيْرٌ مِن رَحَمُوتٍ، تَقُولُ: تَرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَرْحَمَ.
هَذَا لم يَقع فِي بعض النّسخ وَلَيْسَ لذكره مُنَاسبَة هُنَا، وَإِنَّمَا وَقع هَذَا فِي (مستخرج) أبي نعيم، وَلَفظ: استرهبوهم مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْأَعْرَاف، وَذَلِكَ فِي قَضِيَّة سحرة فِرْعَوْن وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَ ألقوا فَلَمَّا ... . بِسحر عَظِيم} (الْأَعْرَاف: 116) وَمعنى: استرهبوهم أرهبوهم فأفزعوهم، وجاؤوا بِسحر عَظِيم وَذَلِكَ أَنهم ألقوا حِبَالًا غلاظاً وخشباً

(22/285)


طوَالًا فَإِذا هِيَ حيات كأمثال الْجبَال، قد مَلَأت الْوَادي يركب بَعْضهَا بَعْضًا. قَوْله: (ملكوت) ، على وزن فعلوت، وَفَسرهُ بقوله: ملك، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الملكوت إسم مَبْنِيّ من الْملك كالجبروت والرهبوت من الْجَبْر والرهبة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: رهب بِالْكَسْرِ يرهب رهبة ورهباً بِالضَّمِّ ورهباً بِالتَّحْرِيكِ أَي: خَافَ. وَرجل رهبوت يُقَال: رهبوت خير من رحموت، أَي: لِأَن ترهب خير من أَن ترحم.

10 - (بابُ الدُّعاءِ إِذا انْتَبَهَ باللَّيْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء إِذا انتبه النَّائِم بِاللَّيْلِ أَي: فِي اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من اللَّيْل.

6316 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا ابنُ مَهْدِيّ عنْ سُفْيانَ عنْ سَلَمَةَ عنْ كُرَيْبٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأتَى حاجَتَهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ قَامَ فأتَى القِرْبَة فأطْلَقَ شِناقَها ثُمَّ تَوَضَّأ وُضُوءاً بَيْنَ وُضُوأيْن لَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أبْلَغَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَراهِيَّةَ أنْ يَرَى أنِّي كُنْتُ أتَّقيه، فَتَوَضَّأْتُ فَقامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسارِهِ، فأخَذَ بأُذُنِي فأدارَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَتامَّتْ صَلاتهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذا نامَ نَفَخَ فآذَنَهُ بِلالٌ بِالصَّلاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعائِهِ: أللَّهُمَّ اجْعَل فِي قَلبي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نورا، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وعنْ يَمِيني نُوراً، وعنْ يَسارِي نُوراً، وَفوقِي نُوراً، وتَحْتِي نُوراً، وأمامي نُوراً، وخَلْفي نُوراً، واجْعَلْ لِي نورا قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعٌ فِي التَّابُوتِ، فَلَقِيت رَجُلاً مِنْ ولَدِ العَبَّاسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ عَصَبي ولَحمي وَدَمي وشَعَري وبشَري وذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن مهْدي هُوَ عبد الرَّحْمَن بن حسان الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسَلَمَة بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن كهيل، وكريب مولى ابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن هَاشم وَغَيره، وَفِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن عُثْمَان عَن وَكِيع بِهِ مُخْتَصرا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي بِبَعْضِه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن هناد بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن عَليّ بن مُحَمَّد وَغَيره.
قَوْله: (مَيْمُونَة) هِيَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة أم الْمُؤمنِينَ خَالَة ابْن عَبَّاس. قَوْله: (غسل وَجهه) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فَغسل وَجهه، بِالْفَاءِ قَوْله: (شناقها) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف النُّون وبالقاف. وَهُوَ مَا يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة من رِبَاط أَو خيط، سمي بِهِ لِأَن الْقرْبَة تشتق بِهِ. قَوْله: (بَين وضوءين) أَي بَين وضوء خَفِيف ووضوء كَامِل جَامع لجَمِيع السّنَن. قَوْله: (وَلم يكثر) من الْإِكْثَار أَي: اكْتفى بِمرَّة وَاحِدَة. قَوْله: (وَقد أبلغ) من الإبلاغ يَعْنِي: أوصل المَاء إِلَى مَوَاضِع يجب الإيصال إِلَيْهَا، وَوَقع عِنْد مُسلم: وضوء حسنا. قَوْله: (أتقيه) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق الْمُشَدّدَة وبالقاف الْمَكْسُورَة، كَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَآخَرين أَي: أرقبه وانتظره، ويروى: أنقبه، بتَخْفِيف النُّون وَتَشْديد الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة من التنقيب وَهُوَ التفتيش، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: أبغيه، بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة، أَي: أطلبه، وَالْأَكْثَر: أرقبه، وَهُوَ الْأَوْجه. قَوْله: (عَن يسَاره) ، ويروى: عَن شِمَاله. قَوْله: (فتتامت) ، من بَاب التفاعل أَي: تمت وكملت. قَوْله: (فآذنه) أَي أعلمهُ بِلَال رَضِي الله عَنهُ بِالصَّلَاةِ. قَوْله: (وَاجعَل لي نورا) ، هَذَا عَام يعد خَاص، والتنوين فِيهِ للتعظيم، أَي: نورا عَظِيما. قَوْله: (وَسبع) ، أَي: سبع كَلِمَات أُخْرَى (فِي التابوت) وَأَرَادَ بِهِ بدن الْإِنْسَان الَّذِي كالتابوت للروح، وَفِي بدن الَّذِي مآله أَن يكون فِي التابوت أَي: الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت وَهِي: العصب وَاللَّحم وَالدَّم وَالشعر والبشر، والخصلتان الأخريان. قَالَ الْكرْمَانِي: لعلهما الشَّحْم والعظم.

(22/286)


وَقيل: هِيَ الْعظم والقبر. قَالَ ابْن بطال: وجدت الحَدِيث من رِوَايَة عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس عَن أَبِيه، فَذكر الحَدِيث مطولا وَفِيه: أللهم اجْعَل فِي عِظَامِي نورا وَفِي قَبْرِي نورا، وَقيل: هما اللِّسَان وَالنَّفس، لِأَن عقيلاً زادهما فِي رِوَايَته عِنْد مُسلم وهما من جملَة الْجَسَد، وَجزم الدمياطي فِي (حَاشِيَته) بِأَن المُرَاد بالتابوت الصَّدْر الَّذِي هُوَ وعَاء الْقلب، وَكَذَا قَالَ ابْن بطال، ثمَّ قَالَ: كَمَا يُقَال لمن لم يحفظ الْعلم: علمه فِي التابوت مستودع، وَقَالَ النَّوَوِيّ تبعا لغيره: المُرَاد بالتابوت الأضلاع وَمَا تحويه من الْقلب وَغَيره تَشْبِيها بالتابوت الَّذِي يحرز فِيهِ الْمَتَاع، يَعْنِي: سبع كَلِمَات فِي قلبِي وَلَكِن نسيتهَا، قَالَ: وفيل: المُرَاد سَبْعَة أنوار كَانَت مَكْتُوبَة فِي التابوت الَّذِي كَانَ لبني إِسْرَائِيل فِيهِ السكينَة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يُرِيد بالتابوت الصندوق، أَي: سبع مَكْتُوبَة فِي الصندوق عِنْده وَلم يحفظها فِي ذَلِك الْوَقْت. قَوْله: (فَلَقِيت رجلا من ولد الْعَبَّاس) الْقَائِل بقوله: لقِيت، هُوَ سَلمَة بن كهيل، وَالرجل من ولد الْعَبَّاس هُوَ عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَه أَبُو ذَر. قَوْله: (فَذكر: عصبى) قَالَ ابْن التِّين أَي: أطناب المفاصل. قَوْله: (وبشري) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة هُوَ ظَاهر الْجَسَد. قَوْله: (فَذكر خَصْلَتَيْنِ) أَي: تَكْمِلَة السَّبْعَة، فَإِن قلت: مَا المُرَاد بِالنورِ هُنَا؟ قلت: بَيَان الْحق والتوفيق فِي جَمِيع حالاته. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: معنى طلب النُّور للأعضاء عضوا عضوا أَن تتحلى بأنوار الْمعرفَة وَالطَّاعَة وتتعرى عَمَّا عداهما، فَإِن الشَّيَاطِين تحيط بالجهات السِّت بالوساوس، فَكَانَ التَّخَلُّص مِنْهَا بالأنوار السَّادة لتِلْك الْجِهَات.

6317 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ سلَيْمانَ بن أبي مُسْلِمٍ عَن طاوُوس عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَهَجَّدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحمْدُ أنْتَ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّماواتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ ولقاؤُكَ حَقٌّ والجَنَّةُ حَقٌّ والنَّارُ حَقٌّ والسَّاعَةُ حَقٌّ والنَّبِيُّونَ حَقٌّ ومُحَمَّدٌ حَقٌّ. أللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وإلَيْكَ أنَبْتُ وبِكَ خاصَمْتُ وإلَيْكَ حاكَمْتُ فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ أنْتَ المُقَدِّمُ وأنتَ المُؤَخِّرُ لَا إلاهَ إلاّ أنْتَ أوْ: لَا إلاهَ غَيْرُكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَسليمَان بن أبي مُسلم الْأَحول خَال عبد الله بن أبي نجيح سمع طَاوُوس بن كيسَان، مَاتَ بِمَكَّة سنة خمس أَو سِتّ وَمِائَة.
والْحَدِيث مضى فِي أول: بَاب التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ فِي آخر الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم عَن طَاوُوس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله تهجد: أَي صلى، وَقَالَ ابْن التِّين، أَي سهر، وَهُوَ من الأضداد يُقَال: هجد وتهجد إِذا نَام، وهجد وتهجد إِذا سهر، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: تهجد إِذا سهر وَألقى الهجود وَهُوَ النّوم عَن نَفسه، وهجد نَام. وَقَالَ النّحاس: التَّهَجُّد عِنْد أهل اللُّغَة السهر، والهجود النّوم. وَقَالَ ابْن فَارس: الهاجد النَّائِم، والمتهجد الْمُصَلِّي لَيْلًا. قَوْله: (قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض) الْقيم وَالْقِيَام والقيوم مَعْنَاهَا وَاحِد، وَهُوَ الْقَائِم بتدبير الْخلق الْمُعْطِي لَهُ مَا بِهِ قوامه. قَوْله: (أنبت) أَي: رجعت إِلَيْك مُقبلا بِالْقَلْبِ عَلَيْك. قَوْله: (وَبِك خَاصَمت) أَي: بِمَا أَعْطَيْتنِي من الْبُرْهَان والسنان خَاصَمت المعاند. قَوْله: (وَإِلَيْك حاكمت) . من المحاكمة وَهِي رفع الْقَضِيَّة إِلَى الْحَاكِم أَي: كل من جحد الْحق جعلتك الْحَاكِم بيني وَبَينه لَا غَيْرك مِمَّا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تحاكم إِلَيْهِ من صنم أَو كَاهِن. قَوْله: (أَو: لَا إِلَه غَيْرك) شكّ من الرَّاوِي.

11 - (بابُ التَّكْبِيرِ والتَّسْبِيحِ عِنْدَ المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ثَوَاب التَّكْبِير، وَهُوَ أَن يَقُول: الله أكبر، وَالتَّسْبِيح أَن يَقُول: سُبْحَانَ الله، عِنْد إِرَادَته النّوم، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: والتحميد أَيْضا لِأَن حَدِيث الْبَاب يَشْمَل هَذِه الثَّلَاثَة.

(22/287)


6318 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ عنِ ابنِ أبي لَيْلَى عنْ عَلِيّ: أنَّ فاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام شَكَتْ مَا تَلْقاى فِي يَدِها مِنَ الرَّحاى، فأتَتِ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَسْألُهُ خادِماً فَلَمْ تَجِدْهُ، فَذَكَرَتْ ذالِكَ لِعائِشَةَ، فَلَمَّا جاءَ أخْبَرَتْهُ قَالَ: فَجاءَنا وَقَدْ أخَذْنا مَضاجِعَنا، فَذَهَبْتُ أقومُ فَقَالَ: مَكانَكِ، فَجَلَسَ بَيْنَنا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلى صَدْرِي، فَقَالَ: ألاَ أدُلُّكما عَلى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُما مِنْ خادِمٍ؟ إِذا أوَيْتُما إِلَى فِراشكُما أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُما فَكَبِّرا ثَلاثاً وثَلاثِينَ، وَسَبِّحا ثَلاثاً وثَلاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلاثِينَ، فَهاذا خَيْرٌ لَكُما مِنْ خادِمٍ.
وَعَن شُعْبَةَ عَنْ خالِدٍ عنِ ابنِ سيرِينَ قَالَ: التَّسْبِيحُ أرْبَعٌ وَثَلاثُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار وَابْن أبي ليلى عبد الرَّحْمَن وَاسم أبي ليلى يسَار، وعَلى ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن بدل بن المحبر عَن شُعْبَة عَن الحكم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَمضى أَيْضا فِي فضل عليّ رَضِي الله عَنهُ عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي النَّفَقَات عَن مُسَدّد عَن يحيى.
قَوْله: (شكت مَا تلقى فِي يَدهَا من الرَّحَى) ، وَفِي رِوَايَة بدل بن المحبر: مِمَّا تطحن، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ: وأرته أثرا فِي يَدهَا من الرَّحَى، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد فِي (مُسْند) أَبِيه: اشتكت فَاطِمَة مجل يَدهَا، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْجِيم: وَهُوَ التقطيع، وروى ابْن سعد عَن عَليّ أَنه قَالَ لفاطمة ذَات يَوْم: وَالله لقد سنوت حَتَّى قد اشتكيت صَدْرِي، فَقَالَت: أَنا وَالله لقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي. (سنوت) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالنُّون أَي: أستقيت من الْبِئْر فَكنت مَكَان السانية، وَهِي النَّاقة. قَوْله: (خَادِمًا) أَي: جَارِيَة تخدمها، وَهُوَ يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى. قَوْله: (فَلم تَجدهُ) أَي: فَلم تَجِد فَاطِمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة الْقطَّان: (فَلم تصادفه) ، وَفِي رِوَايَة بدل بن المحبر: (فَلم توافقه) ، وَهُوَ بِمَعْنى تصادفه. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي الوراد: (فَأَتَيْته فَوجدت عِنْده حداثاً) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال وبالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: جمَاعَة يتحدثون، فَاسْتَحْيَيْت فَرَجَعت. قلت: يحمل على أَنَّهَا لم تَجدهُ فِي الْمنزل بل فِي مَكَان آخر كالمسجد وَعِنْده من يتحدث مَعَه. قَوْله: (مَكَانك) بِالنّصب أَي: لزمَه، وَفِي رِوَايَة غنْدر: مَكَانكُمَا، وَفِي رِوَايَة بدل بن المحبر: على مَكَانكُمَا، أَي: استمرا على مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ. قَوْله: (فَجَلَسَ بَيْننَا) وَفِي رِوَايَة غنْدر: فَقعدَ، بدل: جلس، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: حَتَّى وضع قدمه بيني وَبَين فَاطِمَة. قَوْله: (حَتَّى وجدت برد قَدَمَيْهِ) هَكَذَا هُنَا بالتثنية، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (على مَا هُوَ خير) وَجه الْخَيْرِيَّة إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ أَنه يتَعَلَّق بِالآخِرَة وَالْخَادِم بالدنيا، وَالْآخِرَة خير وَأبقى، وَإِمَّا أَن يُرَاد بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا طلبته بِأَن يحصل لَهَا بِسَبَب هَذِه الْأَذْكَار قُوَّة تقدر على الْخدمَة أَكثر مِمَّا يقدر الْخَادِم، وَفِي رِوَايَة السَّائِب: أَلا أخبركما بِخَير مِمَّا سألتماني؟ قَالَا: بلَى. فَقَالَ: كَلِمَات علمنيهن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله: (أَو أخذتما) شكّ من سُلَيْمَان بن حَرْب. قَوْله: (فَكَبرَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) كَذَا فِي رِوَايَة مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى فِي النَّفَقَات فِي الْجَمِيع ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ سُفْيَان فِي رِوَايَة: إِحْدَاهُنَّ أَربع، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان: لَا أدرى أَيهَا أَربع وَثَلَاثُونَ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ من طَرِيق أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن عَليّ فِي الْجَمِيع: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وأختماها: بِلَا إِلَه إلاَّ الله، وَفِي رِوَايَة: فَكَبرَا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ، وسبحا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَأحمد أَثلَاثًا وَثَلَاثِينَ. وَفِي رِوَايَة هُبَيْرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: فَتلك مائَة بِاللِّسَانِ، وَألف فِي الْمِيزَان، وَفِي رِوَايَة للطبري عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَحْمد أَرْبعا وَثَلَاثِينَ، وَكَذَا فِي حَدِيث أم سَلمَة، وَله من طَرِيق هُبَيْرَة: أَن التهليل أَربع وَثَلَاثُونَ، وَلم يذكر التَّحْمِيد. قَوْله: كبرا بِصِيغَة الْأَمر للإثنين، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم: تسبحين، بِصِيغَة الْمُضَارع، وَفِي رِوَايَة غنْدر للكشميهني بِصِيغَة الْأَمر، وَعَن غير الْكشميهني، تكبران، بِصِيغَة الْمُضَارع

(22/288)


للمثنى بالنُّون، وحذفت فِي نُسْخَة تَخْفِيفًا.
قَوْله: (عَن خَالِد) هُوَ الْحذاء (عَن ابْن سِيرِين) وَهُوَ مُحَمَّد، قَالَ: (التَّسْبِيح أَربع وَثَلَاثُونَ) ، هَذَا مَوْقُوف على ابْن سِيرِين، واتفاق الروَاة على أَن الْأَرْبَع للتكبير أرجح.

12 - (بابُ التَّعَوُّذِ والقراءَةِ عِنْدَ المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل التَّعَوُّذ وَالْقِرَاءَة عِنْد الْمَنَام أَي: النّوم، وَهُوَ مصدر ميمي وَفِي بعض النّسخ: عِنْد النّوم.

13 - (بابُ)

كَذَا وَقع بِغَيْر تَرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَلم يذكر أصلا فِي رِوَايَة الْبَعْض، وَعَلِيهِ شرح ابْن بطال، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن هَذَا كالفصل لما قبله.

6320 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا زُهَيْرٌ حَدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ حَدثنِي سَعِيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أوَى أحَدُكُمْ إِلَى فِراشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بِداخِلَةِ إزارِهِ فإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: باسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعَهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِهِ عبادَكَ الصَّالِحِينَ. (انْظُر الحَدِيث 6320 طرفه فِي: 7393) .

مطابقته للباب المترجم الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب الْمُجَرّد ظَاهِرَة، وَالْبَاب الْمُجَرّد تَابع لَهُ.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله ابْن يُونُس وشهرته بنسبته إِلَى جده أَكثر، وَزُهَيْر مصغر زهر ابْن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة الْجعْفِيّ، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَسَعِيد المَقْبُري يروي عَن أَبِيه أبي سعيد واسْمه كيسَان مولى بني لَيْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد وهم مدنيون: الأول: عبيد الله بن عمر تَابِعِيّ صَغِير. وَالثَّانِي: سعيد تَابِعِيّ وسط، وَأَبوهُ كيسَان هُوَ الثَّالِث: تَابِعِيّ كَبِير.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن إِسْحَاق بن مُوسَى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن معدان.
قَوْله: (إِذا أَوَى) بقصر الْهمزَة مَعْنَاهُ إِذا أَتَى إِلَى فرَاشه لينام عَلَيْهِ. قَوْله: (بداخلة إزَاره) المُرَاد بالداخلة طرف الْإِزَار الَّذِي يَلِي الْجَسَد، وَسَيَأْتِي عَن مَالك: بصنفة ثَوْبه، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر النُّون بعْدهَا فَاء، وَهِي الْحَاشِيَة الَّتِي تلِي الْجلد، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن عبيد الله بن عمر: فليحل دَاخِلَة إزَاره فلينفض بهَا فرَاشه، وَفِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان كَمَا سَيَأْتِي: فلينزع، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: إِنَّمَا أَمر بالنفض بالداخلة لِأَن الَّذِي يُرِيد النّوم يحل بِيَمِينِهِ خَارج الْإِزَار وَيبقى الدَّاخِلَة معلقَة فينفض بهَا. قَوْله: (مَا خَلفه عَلَيْهِ) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام بِلَفْظ الْمَاضِي وَمَعْنَاهُ أَنه: يسْتَحبّ أَن ينفض فرَاشه قبل أَن يدْخل فِيهِ لِئَلَّا يكون قد دخل فِيهِ حَيَّة أَو عقرب أَو غَيرهمَا من المؤذيات وَهُوَ لَا يشْعر، ولينفض وَيَده مستورة بِطرف إزَاره لِئَلَّا يحصل فِي يَده مَكْرُوه إِن كَانَ شَيْء هُنَاكَ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: معنى: (مَا خَلفه) لَا يدْرِي مَا وَقع فِي فرَاشه بَعْدَمَا خرج مِنْهُ من تُرَاب أَو قذارة أَو هوَام. قَوْله: (بِاسْمِك رب وضعت جَنْبي) أَي: قَائِلا أَو مستعيناً بِاسْمِك يَا رب، وَفِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان: أللهم بِاسْمِك، وَفِي رِوَايَة أبي ضَمرَة يَقُول: سُبْحَانَكَ

(22/289)


رَبِّي بك وضعت جَنْبي. قَوْله: (إِن أَمْسَكت نَفسِي فارحمها) الْإِمْسَاك كِنَايَة عَن الْمَوْت فَلذَلِك قَالَ: فارحمها، لِأَن الرَّحْمَة تناسبه، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: فَاغْفِر لَهَا. قَوْله: (وَإِن أرسلتها) من الْإِرْسَال وَهُوَ كِنَايَة عَن الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا، وَذكر الْحِفْظ يُنَاسِبه. قَوْله: (بِمَا تحفظ بِهِ) قَالَ الطَّيِّبِيّ: الْبَاء فِيهِ مثل الْبَاء فِي قَوْلك: كتبت بالقلم وَكلمَة: مَا مُبْهمَة وبيانها مَا دلّت عَلَيْهِ صلتها.
تابَعَهُ أبُو ضَمْرَةَ وإسْماعِيلُ بنُ زَكَرِيَّاءَ عنْ عُبَيْدِ الله
أَي: تَابع زُهَيْر بن مُعَاوِيَة أَبُو ضَمرَة أنس بن عِيَاض فِي إِدْخَال الْوَاسِطَة بَين سعيد المَقْبُري وَبَين أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (وَإِسْمَاعِيل) أَي: تَابع زهيراً أَيْضا إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء أَبُو زِيَاد الخلقاني الْكُوفِي، كِلَاهُمَا فِي روايتهما عَن عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أما مُتَابعَة أبي ضَمرَة فرواها مُسلم: عَن أبي إِسْحَاق بن مُوسَى أخبرنَا أنس بن عِيَاض هُوَ أَبُو ضَمرَة أخبرنَا عبيد الله فَذكره، وَأما مُتَابعَة إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا فرواها الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي (مُسْنده) عَن يُونُس بن مُحَمَّد عَنهُ.
وَقَالَ يَحْياى وبِشْرٌ: عنْ عُبَيْدِ الله عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الْمفضل بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة، وَعبيد الله هُوَ الْعمريّ الْمَذْكُور، أَرَادَ أَن كليهمَا رويا عَن عبيد الله عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة بِدُونِ الْوَاسِطَة بَينه وَبَين أبي هُرَيْرَة، أما رِوَايَة يحيى فرواها النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عَليّ وَابْن مثنى، وَأما رِوَايَة بشر فأخرجها مُسَدّد فِي (مُسْنده) عَنهُ.
ورَواهُ مالِكٌ وابنُ عَجْلانَ عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: وروى الحَدِيث الْمَذْكُور مَالك بن أنس وَمُحَمّد بن عجلَان الْفَقِيه الْمدنِي، أَرَادَ أَنَّهُمَا روياه أَيْضا عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة بِلَا وَاسِطَة الْأَب. فَإِن قلت: قَالَ هُنَا: رَوَاهُ مَالك، وَقَالَ قبله: قَالَ يحيى؟ قلت: الرِّوَايَة تسْتَعْمل عِنْد التَّحَمُّل وَالْقَوْل عِنْد المذاكرة، أما رِوَايَة مَالك فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب التَّوْحِيد عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَنهُ، وَأما رِوَايَة ابْن عجلَان فوصلها أَحْمد عَنهُ وَوَصلهَا أَيْضا التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء من طَرِيق عَنهُ، وَقد طول الشُّرَّاح فِي هَذَا الْموضع كلَاما من غير تَرْتِيب بِحَيْثُ إِن النَّاظر فِيهِ يتشوش ذهنه وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مبتدئاً، وَحط بَعضهم على بعض بِغَيْر مُرَاعَاة الْأَدَب.

14 - (بَاب الدُّعاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الدُّعَاء فِي نصف اللَّيْل إِلَى طُلُوع الْفجْر، وَقَالَ ابْن بطال: هُوَ وَقت شرِيف خصّه الله عز وَجل بالتنزل فِيهِ فيتفضل على عباده بإجابة دُعَائِهِمْ وَإِعْطَاء سُؤَالهمْ فِيهِ وغفران ذنوبهم، وَهُوَ وَقت غَفلَة وخلوة واستغراق فِي النّوم واستلذاذ لَهُ، ومفارقة اللَّذَّة والدعة صَعب لَا سِيمَا على أهل الرَّفَاهِيَة، وَفِي زمن الْبرد، وَكَذَا أهل التَّعَب مَعَ قصر اللَّيْل، فالسعيد من يغتنم هَذَا، والموفق هُوَ الله عز وَجل.

6321 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي عَبْدِ الله الأغَرِّ وَأبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَتَنَزَّلُ رَبُّنا تَبارَكَ وَتَعَالَى كلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُول: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ. (انْظُر الحَدِيث 1145 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عبد الله الْأَغَر بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء واسْمه سلمَان الْجُهَنِيّ الْمدنِي.
والْحَدِيث

(22/290)


مضى فِي: بَاب الصَّلَاة من آخر اللَّيْل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك ... الخ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يتنزل)
الخ، والْحَدِيث من المتشابهات، وَلَا بُد من التَّأْوِيل إِذْ الْبَرَاهِين القاطعة دلّت على تنزهه مِنْهُ، فَالْمُرَاد نزُول ملك الرَّحْمَة وَنَحْوه ويروى: ينزل. قَوْله: (ثلث اللَّيْل الآخر) بِكَسْر الْخَاء وَهُوَ صفة الثُّلُث. قيل: ذكر فِي التَّرْجَمَة نصف اللَّيْل وَفِي الحَدِيث الثُّلُث؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ حِين يبْقى الثُّلُث يكون قبل الثُّلُث وَهُوَ الْمَقْصُود من النّصْف. وَقَالَ ابْن بطال: عدل المُصَنّف لِأَنَّهُ أَخذ التَّرْجَمَة من دَلِيل الْقُرْآن وَذكر النّصْف، وَقيل: أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى الرِّوَايَة الَّتِي وَردت بِلَفْظ النّصْف. وَقد أخرجه أَحْمد عَن يزِيد بن هَارُون عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: ينزل الله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا نصف اللَّيْل أَو ثلث اللَّيْل الآخر وروى الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق حبيب بن أبي ثَابت عَن الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: شطر اللَّيْل، من غير تردد.

15 - (بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ الخَلاءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد إِرَادَة الشخض الدُّخُول فِي الْخَلَاء.

16 - (بابُ مَا يَقُولُ إِذا أصْبَحَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الشَّخْص إِذا أصبح أَي: إِذا دخل فِي الصَّباح.

6323 - حدَّثني مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حَدثنَا حُسَيْنٌ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ عَنْ بُشَيْرِ بنِ كَعْبٍ عنْ شَدَّادِ بنِ أوْسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: سَيِّدُ الاسْتِغْفار: أللهُمَّ أنْتَ رَبِّي لَا إلاهَ إلاَّ أنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنا عَبْدُكَ وَأَنا عَلى عَهْدِكَ ووعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أبوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ وأبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لِي فإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. إِذا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَماتَ دَخَلَ الجَنَّةَ، أوْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وَإِذا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَماتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلُهُ. (انْظُر الحَدِيث 6306) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِذا قَالَ حِين يصبح) والْحَدِيث قد مضى قَرِيبا فِي: بَاب أفضل الاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن الْحُسَيْن ... إِلَى آخِره، والمسافة قريبَة فَلَا يحْتَاج إِلَى الشَّرْح هُنَا.

6324 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ ربْعِيِّ بنِ حِرَاش عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إذَا أرَادَ أنْ يَنامَ قَالَ: باسمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأحْيا، وإذَا إسْتَيْقَظَ مِنْ مَنامِهِ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْياناً بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النُّشورُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَإِذا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه) . وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب مَا يَقُول إِذا نَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قبيصَة عَن سُفْيَان ... إِلَى آخِره.

(22/291)


6325 - حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ رِبْعِيِّ بن حِرَاشٍ عنْ خَرَشَةَ بنِ الحُرِّ عنْ أبي ذَرّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: أللَّهُمَّ باسْمِكَ أمُوتُ وأحْيا، فإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النُّشُورُ. (انْظُر الحَدِيث 6325 طرفه فِي: 7395) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِذا اسْتَيْقَظَ) . وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي ولقب بعبدان، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، ورِبْعِي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة، وخرشة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء والشين الْمُعْجَمَة ابْن الْحر ضد العَبْد الْفَزارِيّ بِالْفَاءِ وَالزَّاي وَالرَّاء، وَأَبُو ذَر جُنْدُب الْغِفَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن سعد بن حَفْص. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَيْمُون بن الْعَبَّاس، وَقد مضى متن الحَدِيث فِي: بَاب مَا يَقُول إِذا نَام أخرجه من طَرِيق ربعي بن حِرَاش عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
17 - بابُ الدُّعاءِ فِي الصلاَة
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الدُّعَاء فِي الصَّلَاة.

6326 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني يَزيد عنْ أبي الخَيْرِ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عَمْرو عنْ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ قَالَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلِّمْني دُعاءً أدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ: قُلِ: أللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. (انْظُر الحَدِيث 834 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب، وَأَبُو الْخَيْر اسْمه مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله الْيَزنِي، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأَبُو بكر الصّديق اسْمه عبد الله بن عُثْمَان.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الصَّلَاة فِي: بَاب الدُّعَاء قبل السَّلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن اللَّيْث ... إِلَى آخِره.
وَقَالَ عَمْرو عَنْ يَزِيدَ عنْ أبي الخَيْرِ: إنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن عَمْرو، قَالَ أبُو بَكْر رَضِي الله عَنهُ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
عَمْرو بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن الْحَارِث، وَفِي بعض النّسخ ذكر ابْن الْحَارِث، وَيزِيد هُوَ ابْن أبي حبيب، وَأَبُو الْخَيْر هُوَ مرْثَد.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد من رِوَايَة عبد الله بن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث فَذكره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا الدُّعَاء من الْجَوَامِع إِذْ فِيهِ اعْتِرَاف بغاية التَّقْصِير وَهُوَ كَونه ظَالِما ظلما كثيرا، وَطلب غَايَة الإنعام الَّتِي هِيَ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة، إِذْ الْمَغْفِرَة ستر الذُّنُوب ومحوها، وَالرَّحْمَة إِيصَال الْخيرَات. فَالْأول: عبارَة عَن الزحزحة عَن النَّار، وَالثَّانِي: إِدْخَال الْجنَّة، وَهَذَا هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم، أللهم اجْعَلْنَا من الفائزين بكرمك يَا أكْرم الأكرمين.

23 - (حَدثنَا عَليّ حَدثنَا مَالك بن سعير حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا أنزلت فِي الدُّعَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعلي هُوَ ابْن سَلمَة بِفَتْح اللَّام اللبقي بِفَتْح اللَّام وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالقاف النَّيْسَابُورِي قَالَه الكلاباذي وَقَالَ بَعضهم عَليّ هُوَ ابْن سَلمَة كَمَا أَشرت إِلَيْهِ فِي تَفْسِير الْمَائِدَة قلت قد نَقله عَن الكلاباذي ثمَّ أوهم أَنه هُوَ الْقَائِل بذلك وَمَالك بن سعير مصغر السّعر التَّمِيمِي ويروى بالصَّاد بدل السِّين قَوْله فِي الدُّعَاء أَي الدُّعَاء الَّذِي فِي الصَّلَاة ليُوَافق التَّرْجَمَة قَالَه

(22/292)


الْكرْمَانِي وَلكنه عَام يتَنَاوَل الدُّعَاء الَّذِي فِي الصَّلَاة وخارج الصَّلَاة -
6328 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصّلاَةِ: السّلاَمُ عَلى الله، السّلاَمُ عَلى فلاَن، فَقَالَ لَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذاتَ يَوْمٍ: إنَّ الله هُوَ السّلاَمُ، فإِذَا قَعَدَ أحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُلِ: التَّحيَّاتُ لله ... إِلَى قَوْلِهِ: الصَّالِحِينَ، فإذَا قالَها أصابَ كلَّ عَبْدٍ لله فِي السَّماءِ والأرْضِ صالِحٍ؛ أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلاّ الله، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّناءِ مَا شاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث مضى فِي أَو أخر صفة الصَّلَاة فِي: بَاب التَّشَهُّد فِي الْأَخِيرَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (ذَات يَوْم) لفظ الذَّات مقحم، أَو: من إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه. قَوْله: (هُوَ السَّلَام) هُوَ إسم من أَسمَاء الله الْحسنى. قَوْله: (صَالح) بِالْجَرِّ صفة لعبد. قَوْله: (يتَخَيَّر) أَي: يخْتَار.