عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 18 - (بابُ الدُّعاءِ بَعْدَ الصلاَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بعد الصَّلَاة
الْمَكْتُوبَة.
25 - (حَدثنِي إِسْحَاق أخبرنَا يزِيد أخبرنَا وَرْقَاء
عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالُوا يَا
رَسُول الله ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات وَالنَّعِيم
الْمُقِيم قَالَ كَيفَ ذَاك قَالُوا صلوا كَمَا صلينَا
وَجَاهدُوا كَمَا جاهدنا وأنفقوا من فضول أَمْوَالهم
وَلَيْسَت لنا أَمْوَال قَالَ أَفلا أخْبركُم بِأَمْر
تدركون من كَانَ قبلكُمْ وتسبقون من جَاءَ بعدكم وَلَا
يَأْتِي أحد بِمثل مَا جئْتُمْ إِلَّا من جَاءَ بِمثلِهِ
تسبحون فِي دبر كل صَلَاة عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله تسبحون فِي دبر كل صَلَاة
إِلَى آخِره وَإِسْحَق هُوَ ابْن مَنْصُور وَقيل ابْن
رَاهَوَيْه وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هرون وورقاء مؤنث
الأورق ابْن عمر الْيَشْكُرِي وَسمي بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء مولى أبي بكر
بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات السمان
والْحَدِيث من أَفْرَاده قَالَ صَاحب التَّوْضِيح هَذَا
الحَدِيث سلف فِي الصَّلَاة قلت الَّذِي سلف فِي الصَّلَاة
تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صَلَاة ثَلَاثًا
وَثَلَاثِينَ فَأَيْنَ ذَا من ذَاك قَوْله أهل الدُّثُور
بِضَم الدَّال والثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي الْأَمْوَال
الْكَثِيرَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير الدُّثُور جمع دثر
وَهُوَ المَال الْكثير يَقع على الْوَاحِد والاثنين
وَالْجمع وَقَالَ الْكرْمَانِي الدثر الخصب قلت هَذَا
الْمَعْنى فِي غير هَذَا الحَدِيث وَهُوَ فِي حَدِيث طهنة
قَوْله وَابعث راعيها فِي الدثر وَهُوَ الخصب والنبات
الْكثير قَوْله بالدرجات جمع دَرَجَة قَالَ الْجَوْهَرِي
الدرجَة وَاحِدَة الدَّرَجَات وَهِي الطَّبَقَات من
الْمَرَاتِب قلت المُرَاد هُنَا الْمَرَاتِب فِي الْجنَّة
قَوْله وَالنَّعِيم أَرَادَ بِهِ مَا أنعم الله عز وَجل
بِهِ عَلَيْهِم قَوْله قَالَ كَيفَ ذَاك أَي قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَيفَ ذَاك
الَّذِي يَقُولُونَهُ قَوْله قَالُوا ويروى قَالَ قَوْله
من فضول أَمْوَالهم أَي من زِيَادَة أَمْوَالهم قَوْله
تسبحون إِلَى آخِره قيل هَذِه الْكَلِمَات مَعَ سهولتها
كَيفَ تَسَاوِي الْأُمُور الشاقة من الْجِهَاد وَنَحْوه
وَأفضل الْعِبَادَات أحمزها وَأجِيب بِأَنَّهُ إِذا أدّى
حق الْكَلِمَات من الْإِخْلَاص لَا سِيمَا الْحَمد فِي
حَال الْفقر وَهُوَ من أفضل الْأَعْمَال مَعَ أَن هَذِه
الْقَضِيَّة لَيست كُلية إِذْ لَيْسَ كل أفضل أحمز وَلَا
الْعَكْس وَقيل مر فِي آخر كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة من سبح
أَو حمد أَو كبر ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَهَهُنَا قَالَ
عشرا وَأجِيب بِأَن الدَّرَجَات كَانَت ثمَّة
(22/293)
مُقَيّدَة بالعلا وَكَانَ أَيْضا فِيهِ
زِيَادَة فِي الْأَعْمَال من الصَّوْم وَالْحج وَالْعمْرَة
زَاد فِي عدد التسابيح والتحاميد وَالتَّكْبِير مَعَ أَن
مَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ وَاعْلَم أَن
التَّسْبِيح إِشَارَة إِلَى نفي النقائص عَن الله تَعَالَى
وَهُوَ الْمُسَمّى بالتنزيهات والتحميد إِلَى إِثْبَات
الكمالات
(تَابعه عبيد الله بن عمر عَن سمي) أَي تَابع سميا عبيد
الله بن عمر الْعمريّ فِي رِوَايَته عَن سمي عَن أبي صَالح
عَن أبي هُرَيْرَة وروى هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم عَن
عَاصِم بن النَّضر حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن
عبيد الله عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة أَن
فُقَرَاء الْمُهَاجِرين أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحَدِيث بِطُولِهِ فَإِن
قلت كَيفَ هَذِه الْمُتَابَعَة وَفِيه تسبحون وتكبرون
وتحمدون فِي دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وتحمد
الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وتكبر الله ثَلَاثًا
وَثَلَاثِينَ قلت الْمُتَابَعَة فِي أصل الحَدِيث لَا فِي
الْعدَد الْمَذْكُور وَقد قَالُوا أَن وَرْقَاء خَالف
غَيره فِي قَوْله عشرا وَأَن الْكل قَالُوا ثَلَاثًا
وَثَلَاثِينَ
(وَرَوَاهُ ابْن عجلَان عَن سمي ورجاء بن حَيْوَة) أَي روى
الحَدِيث الْمَذْكُور مُحَمَّد بن عجلَان عَن سمي وَعَن
رَجَاء بن حَيْوَة وَوَصله مُسلم قَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة
أخبرنَا اللَّيْث عَن ابْن عجلَان فَذكره مَقْرُونا
بِرِوَايَة عبيد الله بن عمر كِلَاهُمَا عَن سمي عَن أبي
صَالح قَالَ ابْن عجلَان فَحدثت بِهِ رَجَاء بن حَيْوَة
فَحَدثني بِمثلِهِ عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة
(وَرَوَاهُ جرير عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أبي صَالح
عَن أبي الدَّرْدَاء) أَي روى الحَدِيث جرير بن عبد الحميد
عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء
الْأَسدي الْمَكِّيّ عَن أبي صَالح عَن أبي الدَّرْدَاء
عُوَيْمِر الْأنْصَارِيّ وَوَصله النَّسَائِيّ عَن إِسْحَق
بن إِبْرَاهِيم عَن جرير بِهِ قيل فِي سَماع أبي صَالح من
أبي الدَّرْدَاء نظر
(وَرَوَاهُ سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى
الحَدِيث الْمَذْكُور سُهَيْل مصغر سهل عَن أَبِيه أبي
صَالح ذكْوَان عَن أبي هُرَيْرَة وَوَصله مُسلم عَن
أُميَّة بن بسطَام أخبرنَا يزِيد بن زُرَيْع أخبرنَا روح
بن الْقَاسِم عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَنهم قَالُوا يَا رَسُول الله ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات
الْعلي وَالنَّعِيم الْمُقِيم إِلَى آخِره ينظر فِيهِ -
6330 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ
مَنْصُورٍ عنِ المُسَيَّبِ بنِ رافِعٍ عنْ ورَّادٍ مَوْلى
المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ المُغِيرَةُ إِلَى
مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيانَ: أوَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، كانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ،
إذَا سَلَّمَ: لَا إِلَه إلاَّ الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ، أللَّهُمَّ لَا مانِعَ لما أعْطَيْتَ
وَلَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ
مِنْكَ الجَدُّ.
وَقَالَ شُعَبَةُ: عنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ
المُسَيَّبَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يَقُول فِي دبر
كل صَلَاة إِذا سلم) . وَالْمُسَيب بِفَتْح الْيَاء آخر
الْحَرْف الْمُشَدّدَة ابْن رَافع الْكَاهِلِي الصوام
القوام، مَاتَ سنة خمسين وَمِائَة، ورواد بِفَتْح الْوَاو
وَتَشْديد الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة مولى الْمُغيرَة بن
شُعْبَة وكاتبه.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الذّكر بعد
الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف
عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن وراد كَاتب
الْمُغيرَة، قَالَ: أملي عَليّ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي
كتاب أبي مُعَاوِيَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يَقُول ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي دبر كل صَلَاة) فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ
وَالْمُسْتَمْلِي: فِي دبر صلَاته. قَوْله: (مِنْك)
(22/294)
أَي: بذلك وَهَذِه تسمى بِمن الْبَدَلِيَّة
كَقَوْلِه تَعَالَى: { (9) أرضيتم بِالْحَيَاةِ. .
الْآخِرَة} (التَّوْبَة: 38) وَقَالَ الْخطابِيّ: الْجد
يُفَسر بالغنى وَيُقَال: هُوَ الْحَظ أَو البخت، وَمن
بِمَعْنى الْبَدَل أَي: لَا يَنْفَعهُ حَظّ بذلك أَي: بدل
طَاعَتك. وَقَالَ الرَّاغِب الْأَصْفَهَانِي: قيل: أَرَادَ
بالجد الأول أَبَا الْأَب وَأَبا الْأُم أَي: لَا
يَنْفَعهُ أجداد نسبه كَقَوْلِه تَعَالَى: { (32) فَلَا
أَنْسَاب بَينهم} (الْمُؤْمِنُونَ: 101) وَمِنْهُم من
رَوَاهُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاجْتِهَاد أَي: لَا ينفع
ذَا الِاجْتِهَاد مِنْك اجْتِهَاده، إِنَّمَا يَنْفَعهُ
رحمتك.
قَوْله: (وَقَالَ شُعْبَة) أَي: بالسند الْمَذْكُور عَن
مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر قَالَ: (سَمِعت الْمسيب) بن
رَافع، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر أخبرنَا
شُعْبَة بِهِ، وَلَفظه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ إِذا سلم قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده
لَا شريك لَهُ ... الحَدِيث.
19 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى { (9) وصل عَلَيْهِم}
(التَّوْبَة: 103)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {وصل
عَلَيْهِم} هَذَا الْمِقْدَار هُوَ الْمَذْكُور فِي
رِوَايَة الْجُمْهُور، وَوَقع فِي بعض النّسخ زِيَادَة:
{إِن صَلَاتك سكن لَهُم} وَاتفقَ الْمُفَسِّرُونَ على أَن
المُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الدُّعَاء، وَمَعْنَاهُ: أدع
لَهُم واستغفر، وَمعنى: {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} أَي: إِن
دعوتك تثبيت لَهُم وطمأنينة.
ومَنْ خَصَّ أخاهُ بالدُّعاءِ دُونَ نَفْسِهِ
هُوَ عطف على قَول الله، أَي: وَفِي ذكر من خص أَخَاهُ
بِالدُّعَاءِ دون نَفسه. وَفِيه إِشَارَة إِلَى رد مَا
رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد بن يسَار قَالَ: ذكرت
رجلا عِنْد ابْن عمر فَتَرَحَّمت عَلَيْهِ، فلهز فِي
صَدْرِي، وَقَالَ لي: إبدأ بِنَفْسِك، وَمَا روى أَيْضا
عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانَ يَقُول: إِذا دَعَوْت
فابدأ بِنَفْسِك فَإنَّك لَا تَدْرِي فِي أَي دُعَاء
يُسْتَجَاب لَك. وَأَحَادِيث الْبَاب ترد على ذَلِك.
وَقيل: يُؤَيّدهُ مَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد من
طَرِيق طَلْحَة بن عبد الله بن كريز عَن أم الدَّرْدَاء
عَن أبي الدَّرْدَاء رَفعه: مَا من مُسلم يَدْعُو
لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب إلاَّ قَالَ الْملك: وَلَك مثل
ذَلِك. قلت: فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ نظر، لِأَنَّهُ أَعم
من أَن يكون الدَّاعِي خصّه أَو ذكر نَفسه مَعَه، وأعم من
أَن يكون بَدَأَ بِهِ أَو بَدَأَ بِنَفسِهِ.
وَقَالَ أبُو مُوسَى: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أللَّهُمَّ أغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبي عامِرٍ
{أللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ.
هَذِه قِطْعَة من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي
الله عَنهُ طَوِيل قد تقدم مَوْصُولا فِي الْمَغَازِي فِي
غَزْوَة أَوْطَاس، وَفِيه قصَّة قتل أبي عَامر، وَهُوَ عَم
أبي مُوسَى الْمَذْكُور، وَهُوَ عبد الله بن قيس ودعا
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِعبيد أَولا ثمَّ
سَأَلَهُ أَبُو مُوسَى أَن يَدْعُو لَهُ أَيْضا، وَقَالَ:
(أللهم اغْفِر لعبد الله بن قيس ذَنبه) .
6331 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى عنْ يَزِيدَ بنِ
عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ حَدثنَا سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ
قَالَ: خَرَجْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
إِلَى خَيْبَرَ قَالَ رَجُلٌ منَ القَوْمِ: أيْ عامِرُ}
لَوْ أسْمَعْتَنا مِنْ هُنَيْهاتِكَ، فَنَزَلَ يَحْدُو
بِهِمْ يُذَكِّرُ.
(تالله لَوْلا الله مَا اهْتَدَيْنا)
وَذَكَرَ شِعْراً غَيْرَ هاذا ولاكِنِّي لَمْ أحْفَظْهُ.
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَن هاذا
السَّائِقُ؟ قَالُوا: عامِر بنُ الأكوَعِ. قَالَ:
يَرْحَمُهُ الله. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا رسولَ
الله لَوْلاَ مَتَّعْتَنا بِهِ. فَلَمَّا صافَّ القَوْمُ
قاتَلُوهُمْ فأُصِيبَ عامِرٌ بِقائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ
فَماتَ، فَلمَّا أمْسَوْا أوْقَدُوا نَارا كَثِيرَةً،
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هاذِهِ
النَّارُ؟ عَلى أيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قالُوا: عَلى
حُمُرٍ إنْسِيَّةٍ. فَقَالَ: أهْرِيقُوا مَا فِيها
وكَسِّرُوها. قَالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله! ألاَ
نُهَرِيقُ مَا فِيها ونَغْسِلُها؟ أوْ ذاكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يرحم الله) وَيحيى
الْقطَّان.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول غَزْوَة خَيْبَر مطولا، وَمضى
فِي الْمَظَالِم مُخْتَصرا، وَفِي الذَّبَائِح أَيْضا،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَقَالَ رجل من الْقَوْم) هُوَ عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (أَي عَامر) ويروى:
(22/295)
يَا عَامر، وَكِلَاهُمَا سَوَاء، وعامر
هُوَ ابْن الْأَكْوَع عَم سَلمَة رَاوِي الحَدِيث. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَقيل: أَخُوهُ. قَوْله: (هنيهاتك) بِضَم
الْهَاء وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالهاء جمع هنيهة، ويروى: هنياتك، بِضَم الْهَاء وَفتح
النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع هنيَّة
تَصْغِير هنة وَأَصله: هنوة، ويروى: هناتك، بِفَتْح
الْهَاء وَبعد الْألف تَاء الْجمع وَهُوَ جمع هنة،
وَالْمرَاد من الْكل الْأَشْعَار الْقصار كالأراجيز
الْقصار. قَوْله: (يذكر) ويروى: فَذكر. قيل: الْمَذْكُور
لَيْسَ شعرًا، وَأجِيب بِأَن الْمَقْصُود هُوَ هَذَا
المصراع وَمَا بعده من المصاريع الْأُخْرَى على مَا مر فِي
الْجِهَاد، وَقيل: قد مر أَن الارتجاز بِهَذِهِ الأراجيز
كَانَ فِي حفر الخَنْدَق. وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة
بَينهمَا لجَوَاز وُقُوع الْأَمريْنِ جَمِيعًا. قَوْله:
(وَذكر شعرًا غَيره) الْقَائِل بقوله: ذكر، هُوَ يحيى
رَاوِي الحَدِيث، والذاكر هُوَ يزِيد بن أبي عبيد. قَوْله:
(لَوْلَا متعتنا بِهِ) أَي: وَجَبت الشَّهَادَة لَهُ
بدعائك، وليتك تركته لنا. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: كَانُوا
قد عرفُوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا استرحم
لإِنْسَان قطّ فِي غزَاة يَخُصُّهُ بِهِ إلاَّ اسْتشْهد،
فَلَمَّا سمع عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك قَالَ: لَو
متعتنا بعامر. قَوْله: (على حمر أنسية) أَي: أَهْلِيَّة.
قَوْله: (أَلاَ نهريق؟) أَي: ألاَ نريق، وَالْهَاء
زَائِدَة. قَوْله: (أَو ذَاك) أَي: إفعلوا الإراقة
وَالْغسْل وَلَا تكسروا الْقُدُور لِأَنَّهَا بِالْغسْلِ
تطهر.
6332 - حدَّثنا مُسْلِمٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرو
سَمِعْتُ ابنَ أبي أوْفاى رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ:
كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أتاهُ رَجُلٌ
بِصَدَقَةٍ قَالَ: أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ فُلانٍ،
فأتاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ
أبي أوْفاى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صل على آل فلَان) قَالَ
ابْن التِّين يَعْنِي: عَلَيْهِ وعَلى آله. وَكَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يمتثل أَمر الله فِي ذَلِك
قَالَ: { (9) وصل عَلَيْهِم. . سكن لَهُم} (التَّوْبَة:
103) وَلَا يحسن ذَلِك لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَن يُصَلِّي على غَيره إلاَّ تبعا لَهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، كآلة بني هَاشم وَالْمطلب، وَعَن مَالك:
لَا يُقَال لفظ الصَّلَاة فِي غير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
السَّلَام.
وَمُسلم شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، وَعَمْرو
هُوَ ابْن مرّة وَاسم ابْن أبي أوفى عبد الله، وَاسم ابْن
أوفى عَلْقَمَة وَلَهُمَا صُحْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن حَفْص بن عَمْرو فِي
الْمَغَازِي عَن آدم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
6333 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ
عنْ إسْماعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت جَرِيراً قَالَ:
قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا
تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟ وَهْوَ نُصُبٌ كانُوا
يَعْبِدُونَهُ يُسَمَّى: الكَعْبَةَ اليمانِيَّةَ. قُلْتُ:
يَا رسولَ الله {إنّي رَجُلٌ لاَ أثْبُتُ عَلى الخَيْل،
فَصَكَّ فِي صَدْرِي فَقَالَ: أللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ
واجْعَلْهُ هادِياً مَهْدِيًّا. قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي
خَمْسِينَ مِن أحْمَسَ منْ قَوْمي، ورُبما قَالَ سُفْيانُ:
فانْطَلَقْتُ فِي عُصْبَةٍ منْ قَوْمِي فأتَيْتُها
فأحْرَقْتُها، ثُمَّ أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله} وَالله مَا أتَيْتكَ
حَتَّى تَرَكْتُها مِثْلَ الجَمَلِ الأجْرَبِ، فَدَعا
لأحْمَسَ وخَيْلِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدَعَا الأحمس)
لِأَن مَعْنَاهُ أَنه قَالَ: أللهم صل على أحمس وعَلى
خيلها.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد
الأحمسي الْكُوفِي، وَاسم أبي خَالِد سعيد، وَيُقَال:
هُرْمُز، وَيُقَال: كثير، وَقيس هن ابْن أبي حَازِم
بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، وَجَرِير بن عبد الله
الأحمسي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حرق الدّور
والنخيل عَن مُسَدّد، وَمضى أَيْضا فِي الْمَغَازِي.
قَوْله: (أَلا تريحني) من الإراحة بالراء، وَذُو الخلصة
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالصَّاد الْمُهْملَة
المفتوحات، مَوضِع كَانَ فِيهِ صنم يعبدونه. قَوْله: (نصب)
بِضَم النُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة الساكنة وَبِضَمِّهَا
أَيْضا قَالَ القتبي: هُوَ صنم أَو حجر كَانَت
الْجَاهِلِيَّة تنصبه وتذبح عِنْده. قَوْله: (يُسمى
الْكَعْبَة اليمانية) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني كعبة
اليمانية، بِكَسْر النُّون وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف
المخففة وَأَصلهَا بِالتَّشْدِيدِ فخففوها عِنْد
النِّسْبَة كَقَوْلِهِم: يمانون وأشعرون. قَوْله: (فَخرجت
فِي خمسين من قومِي)
(22/296)
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَارِسًا.
قَوْله: (من أحمس) بِالْحَاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ
وَهِي قَبيلَة جرير. قَوْله: (وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان)
هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي. قَوْله: (فِي عصبَة) وَهِي
من الرِّجَال مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين،
وَقَالَ ابْن فَارس: نَحْو الْعشْرَة. قَوْله: (مثل الْجمل
الأجرب) أَي: المطلي بالقطران بِحَيْثُ صَار أسود، لذَلِك
يَعْنِي: صَارَت سُودًا من الإحراق. قَوْله: (وخيلها)
ويروى: ولخيلها.
6334 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ حدّثنا شُعْبَةُ
عَن قَتادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أنَساً قَالَ: قالَتْ أُمُّ
سُلَيْمٍ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنَسٌ
خادِمُكَ. قَالَ: أللَّهُمَّ أكْثِرْ مالَهُ وَوَلَدَهُ
وبارِكْ لَهُ فِيما أعْطَيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأنس بِكَثْرَة المَال وَالْولد، وبالبركة
فِي رزقه، وَقد قُلْنَا إِن قَوْله عز وَجل: { (9) وصل
عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: 103) أَن الصَّلَاة فِيهِ
بِمَعْنى الدُّعَاء.
وَسَعِيد بن الرّبيع أَبُو زيد الْهَرَوِيّ كَانَ يَبِيع
الثِّيَاب الهروية فنسب إِلَيْهَا، وَهُوَ من أهل
الْكُوفَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى.
قَوْله: (أم سليم) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح
اللَّام وَهِي أم أنس رَضِي الله عَنْهَا ويروى: قَالَت أم
سليم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أنس
خادمك) ، جملَة إسمية تعرض بهَا أم سليم أَنه فِي خدمتك،
فَادع لَهُ فَدَعَا لَهُ بِثَلَاث دعوات: الأولى:
بِكَثْرَة المَال فَكثر مَاله حَتَّى إِنَّه كَانَ لَهُ
بُسْتَان بِالْبَصْرَةِ يُثمر فِي كل سنة مرَّتَيْنِ،
وَكَانَ فِيهِ ريحَان يَجِيء مِنْهُ ريح الْمسك.
الثَّانِيَة: بِكَثْرَة الْوَلَد وَكَانَ ولد لَهُ مائَة
وَعِشْرُونَ ولدا، وَقيل: ثَمَانُون ولدا: ثَمَانِيَة
وَسَبْعُونَ ذكرا، وابنتان: حَفْصَة وَأم عَمْرو. قَالَ
ابْن الْأَثِير: مَاتَ وَله من الْوَلَد ولد الْوَلَد
مائَة وَعِشْرُونَ ولدا، وَقيل: كَانَ يطوف بِالْبَيْتِ
وَمَعَهُ من ذُريَّته أَكثر من سبعين نفسا. الثَّالِثَة:
دَعَا لَهُ بطول الْعُمر يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَبَارك
لَهُ فِيمَا أَعْطيته، وَمن أبرك مَا أعْطى لَهُ طول عمره
فعمر مائَة وَعشْرين سنة إلاَّ سنة، رَوَاهُ أَحْمد عَن
مُعْتَمر عَن حميد عَنهُ، وَقيل: كَانَ عمره مائَة سنة
وَثَلَاث سِنِين، وَقيل: مائَة وَعشر سِنِين، وَقيل: مائَة
وَسبع سِنِين.
وَفِيه: جَوَاز الدُّعَاء بِكَثْرَة المَال وَالْولد.
فَإِن قلت: روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أَنه قَالَ: أللهم من آمن بِي وَصدق مَا جِئْت بِهِ فأقلل
لَهُ من المَال وَالْولد: قلت: قَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا
حَدِيث بَاطِل، وَكَيف يَصح ذَلِك وَهُوَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يحض على النِّكَاح والتماس الْوَلَد؟
فَإِن قلت: كَثْرَة المَال تورث الطغيان. قَالَ الله
تَعَالَى: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءَاهُ
اسْتَغْنَى} (العلق: 6 7) وَالْأَوْلَاد أَعدَاء للآباء
بِنَصّ الْقُرْآن. قلت: علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي دُعَائِهِ لأنس بِمَا ذكر أَنه أَمن من حُصُول
الضَّرَر مِنْهُمَا.
6335 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا عَبْدَةُ
عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا
قالَتْ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلاً
يَقْرَأُ فِي المَسْجِدِ. فَقَالَ رَحِمَهُ الله: لَقَدْ
أذْكَرَنِي كَذا وَكَذَا آيَةً أسْقَطْتُها فِي سورَةِ
كَذَا وَكَذَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (رَحمَه الله) .
وَعَبدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة وَفتح الدَّال وبتاء التَّأْنِيث ابْن
سُلَيْمَان يرْوى عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه
عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث سبق فِي فَضَائِل الْقُرْآن أخرجه مُسلم فِي
الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (أسقطتها) أَي: بِالنِّسْيَانِ أَي: نسيتهَا قيل:
كَيفَ جَازَ نِسْيَان الْقُرْآن عَلَيْهِ. وَأجِيب: بِأَن
النسْيَان لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُور:
جَازَ النسْيَان عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقه الْبَلَاغ
بِشَرْط أَن لَا يقْرَأ عَلَيْهِ. وَأما فِي غَيره فَلَا
يجوز قبل التَّبْلِيغ، وَأما نِسْيَان مَا بلغ كَمَا
فِيمَا نَحن فِيهِ فَهُوَ جَائِز بِلَا خلاف، قَالَ
تَعَالَى: سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} { (78) إِلَّا مَا
شَاءَ الله} (الْأَعْلَى: 6 7) .
6336 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ
أَخْبرنِي سُلَيْمانُ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله
قَالَ: قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَسْماً
فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ هاذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِها
وَجْهُ الله، فأخْبَرْتُ النبيّ
(22/297)
َ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَغَضِبَ
حَتَّى رأيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ: يَرْحَمُ
الله مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يرحم الله مُوسَى)
وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن
سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب الصَّبْر على
الْأَذَى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص بن
غياث عَن الْأَعْمَش ... الخ وَهنا أخرجه عَن حَفْص بن عمر
بن الْحَارِث الحوضي الْأَزْدِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: (قسما) أَي: مَالا، وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا
مُطلقًا وَالْمَفْعُول بِهِ مَحْذُوف. قَوْله: (وَجه الله)
أَي: ذَات الله أوجهة الله أَي: لَا إخلاص فِيهِ إِذْ هُوَ
منزه عَن الْوَجْه والجهة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
20 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِي الدُّعاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة السجع فِي الدُّعَاء
والسجع كَلَام مقفى من غير مُرَاعَاة وزن، وَقيل: هُوَ
مُرَاعَاة الْكَلَام على رُوِيَ وَاحِد. وَمِنْه: سجعت
الْحَمَامَة إِذا رددت صَوتهَا، وَيُقَال: إِنَّمَا يكره
إِذا تكلّف السجع، أما بالطبع فَلَا. وَقَالَ ابْن بطال:
إِنَّمَا نهى عَنهُ فِي الدُّعَاء لِأَن طلبه فِيهِ تكلّف
ومشقة، وَذَلِكَ مَانع من الْخُشُوع وإخلاص التضرع فِيهِ،
وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: أَن الله لَا يقبل من قلب غافل
لاء، وطالب السجع فِي دُعَائِهِ همته فِي ترويج الْكَلَام
واشتغال خاطره بذلك، وَهُوَ يُنَافِي الْخُشُوع. قيل: مر
فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين:
أللَّهم منزل الْكتاب سريع الْحساب إهزم الْأَحْزَاب،
وَجَاء أَيْضا: لَا إِلَه إلاَّ الله وَحده، صدق وعده،
وَنصر عَبده، وأعز جنده. وَأجِيب: بِأَن الْمَكْرُوه مَا
يقْصد ويتكلف فِيهِ كَمَا ذكرنَا، وَأما مَا ورد على
سَبِيل الِاتِّفَاق فَلَا بَأْس بِهِ، وَلِهَذَا ذمّ
مِنْهُ مَا كَانَ كسجع الْكُهَّان.
6337 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ
حَدثنَا حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيبٍ حدّثنا هارُونُ
المُقْرِىءُ حَدثنَا الزُّبَيْرُ بنُ الخِرِّيتِ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: حَدِّثِ النَّاسَ
كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فإِنْ أبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فإِنْ
أكْثَرْتَ فَثَلاثَ مِرَارٍ، وَلَا تُمِلَّ النّاسَ هاذَا
القُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأتي القَوْمَ وَهُمْ فِي
حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعَ
عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، ولاكنْ أنْصِتْ
فإِذَا أمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وهُمْ يَشْتَهُونَهُ،
فانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعاءِ فاجْتَنِبْهُ، فإنِّي
عَهِدْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابَهُ
لَا يَفْعَلُونَ إلاّ ذلِكَ، يَعْنِي: لَا يَفْعَلونَ
إلاَّ ذالِكَ الاجْتِنابَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَانْظُر السجع من
الدُّعَاء فاجتنبه) . وَيحيى بن مُحَمَّد بن السكن
بِفتْحَتَيْنِ الْبَزَّار بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي
مر فِي صَدَقَة الْفطر، وحبان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وكنيته أَبُو حبيب ضد
الْعَدو الْبَاهِلِيّ، وَهَارُون ابْن مُوسَى المقرىء من
الإقراء النَّحْوِيّ الْأَعْوَر، مر فِي تَفْسِير سُورَة
النَّحْل وَالزُّبَيْر بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة ابْن الخريت بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء
الْمُثَنَّاة من فَوق الْبَصْرِيّ مر فِي الْمَظَالِم.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: هَذَا الْقُرْآن مفعول ثَان وَيجوز أَن يكون
مفعولان لفعل من غير أَفعَال الْقُلُوب إِذا كَانَ
أَحدهمَا غير ظَاهر، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا بِنَزْع
الْخَافِض أَي: لَا تملهم عَن الْقُرْآن. وَكَذَا فسره
الْكرْمَانِي، وَتَفْسِيره يدل على ذَلِك. قَوْله: (وَلَا
ألفينك) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون اللَّام وَكسر الْفَاء
وبنون التَّأْكِيد الثَّقِيلَة أَي: لَا أصادفنك وَلَا
أجدنك. قَوْله: (وهم فِي حَدِيث) الْوَاو فِيهِ للْحَال،
وَهَذَا النَّهْي، وَإِن كَانَ بِحَسب الظَّاهِر للمتكلم،
لكنه فِي الْحَقِيقَة للمخاطب. كَقَوْلِه: لَا أرينك
هَاهُنَا. قَوْله: (فتملهم) بِضَم أَوله وَيجوز فِيهِ
الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فَظَاهر، وَأما النصب
فتقديره: بِأَن تملهم. قَوْله: (أنصت) أَمر من الْإِنْصَات
(22/298)
وَهُوَ السُّكُوت مَعَ الإصغاء. قَوْله:
(أمروك) أَي: فَإِذا التمسوا مِنْك وَالْحَال أَنهم
يشتهونه، أَي: الحَدِيث. قَوْله: (فَانْظُر السجع من
الدُّعَاء فاجت نبه) أَي: اتركه. قَالَ ابْن التِّين:
المُرَاد المستكره مِنْهُ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الاستكثار
مِنْهُ. قَوْله: (لَا يَفْعَلُونَ إلاّ ذَلِك) فسره بقوله:
يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِك الاجتناب، وَوَقع
عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا عَن
يحيى بن مُحَمَّد شيخ البُخَارِيّ بِسَنَدِهِ فِيهِ: لَا
يَفْعَلُونَ ذَلِك، بِدُونِ لَفْظَة: إلاَّ، وَهُوَ وَاضح،
وَكَذَا أخرجه الْبَزَّار فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ
عَن الْبَزَّار.
وَفِيه من الْفِقْه: أَنه يكره الإفراط فِي الْأَعْمَال
الصَّالِحَة خوف الْملَل عَنْهَا. والانقطاع، وَكَذَلِكَ
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل، كَانَ
يَتَخَوَّلُ أَصْحَابه بِالْمَوْعِظَةِ كَرَاهِيَة
السَّآمَة عَلَيْهِم، وَقَالَ: تكلفوا من الْعَمَل مَا
تطيقون فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا. وَفِيه: أَنه لَا
يَنْبَغِي أَن لَا يحدث بِشَيْء من كَانَ فِي حَدِيث
حَتَّى يفرغ مِنْهُ. وَفِيه: أَنه لَا يَنْبَغِي نشر
الْحِكْمَة وَالْعلم وَلَا التحديث بهما من لَا يحرص على
سماعهما وتعلمهما، لِأَن فِي ذَلِك إذلال الْعلم، وَقد رفع
الله قدره.
21 - (بابُ لِيَعْزمِ المَسألَةَ فإنَّهُ لاَ مُكْرِهَ
لَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ ليعزم الشَّخْص، من عزمت على
كَذَا عزماً وعزيمة إِذا أردْت فعله وجزمت بِهِ قَوْله.
الْمَسْأَلَة، أَي: السُّؤَال أَي الدُّعَاء. قَوْله:
فَإِنَّهُ أَي: فَإِن الشان لَا مكره، بِكَسْر الرَّاء من
الْإِكْرَاه: لَهُ، أَي: لله عز وَجل.
6338 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا إسْماعِيلُ أخبرنَا
عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا دَعَا أحَدُكُمْ
فَلْيَعْزِمِ المَسألَةَ ولاَ يَقُولَنَّ: أللَّهُمَّ إنْ
شِئْتَ فأعْطِني فإِنه لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ. (انْظُر
الحَدِيث 6338 طرفه فِي: 7464) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
علية وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن أبي
بكر وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (فليعزم الْمَسْأَلَة) أَي: فليقطع بالسؤال وَلَا
يعلق بِالْمَشِيئَةِ إِذْ فِي التَّعْلِيق صُورَة
الِاسْتِغْنَاء عَن الْمَطْلُوب مِنْهُ وَالْمَطْلُوب.
قَوْله: (لَا مستكره) بِالسِّين، وَفِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة: لَا مكره لَهُ. قَالَ بَعضهم: وهما بِمَعْنى
قلت: لَيْسَ كَذَلِك بل السِّين تدل على شدَّة الْفِعْل.
6339 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ
عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي
الله عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ
المَسألةَ فإِنَّهُ لَا مُكْرِه لَهُ. (انْظُر الحَدِيث
3339 طرفه فِي: 7477) .
أَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان،
والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن عبد الله بن
مسلمة فِي الصَّلَاة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الدَّعْوَات عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (ليعزم الْمَسْأَلَة) أَي: الدُّعَاء، قَالَ
الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ ليجتهد ويلح وَلَا يقل: إِن شِئْت،
كالمستثنى، وَلَكِن دُعَاء البائس الْفَقِير.
22 - (بابُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْجَلْ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ يُسْتَجَاب للْعَبد دعاؤه مَا
لم يعجل.
6340 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ
عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي عُبَيْد مَوْلى ابنِ أزْهَرَ عنْ
أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ،
فَيَقولَ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عبيد اسْمه سعد بن
عبيد، وَمولى ابْن أَزْهَر اسْمه عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن يحيى
بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن
القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن
إِسْحَاق ابْن مُوسَى الْأنْصَارِيّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه
فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (يُسْتَجَاب) أَي: يُجَاب لأحدكم دعاؤه. وَقَالَ
الْكرْمَانِي
(22/299)
يُسْتَجَاب من الاستجابة بِمَعْنى
الْإِجَابَة. قَوْله: (لأحدكم) أَي: كل وَاحِد مِنْكُم
إِذْ إسم الْجِنْس الْمُضَاف يُفِيد الْعُمُوم على
الْأَصَح. قَوْله: (فَيَقُول) بِالنّصب لَا غير، وَفِي
رِوَايَة غير أبي ذَر: يَقُول، بِدُونِ الْفَاء، وَقَالَ
ابْن بطال: الْمَعْنى أَنه يسأم وَيتْرك الدُّعَاء فَيكون
كالملون بدعائه، أَو إِنَّه يَأْتِي من الدُّعَاء بِمَا
يسْتَحق بِهِ الْإِجَابَة فَيصير كالمبخل للرب الْكَرِيم
الَّذِي لَا تعجزه الْإِجَابَة وَلَا ينقصهُ الْعَطاء،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُنَا شَرط الاستجابة عدم العجلة
وَعدم القَوْل، أَي قَوْله: (دَعَوْت فَلم يستجب لي) فَمَا
حكمه فِي الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة؟ يَعْنِي: وجودهَا
وَوُجُود المعجلة دون القَوْل وَالْعَكْس؟ وَأجَاب بِأَن
مُقْتَضى الشّرطِيَّة عدم الاستجابة فِي الْأَوليين، وَأما
الثَّالِثَة فَهِيَ غير متصورة، ثمَّ قَالَ: قَوْله عز
وَجل: { (2) أُجِيب دَعْوَة ... دعان} (الْبَقَرَة: 186)
مُطلق لَا تَقْيِيد فِيهِ. وَأجَاب بِأَنَّهُ يحمل
الْمُطلق على الْمُقَيد كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْأُصُول.
قلت: وَفِيه نظر لَا يخفى، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَخْبَار
تَقْتَضِي إِجَابَة كل الدَّعْوَات الَّتِي انْتَفَى
فِيهَا العدمان، لَكِن ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: سَأَلت الله ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ
وَمَنَعَنِي وَاحِدَة، وَهِي: لَا يُذِيق بعض أمته بَأْس
بعض، وَكَذَا مَفْهُوم كل دَعْوَة مستجابة إِن لَهُ دعوات
غير مستجابة. وَأجَاب بِأَن التَّعْجِيل من جبلة
الْإِنْسَان قَالَ الله تَعَالَى: { (12) خلق الْإِنْسَان.
. عجل} (الْأَنْبِيَاء: 37) فوجود الشَّرْط مُتَعَذر أَو
متعسر فِي أَكثر الْأَحْوَال.
23 - (بابُ رَفْعِ الأيْدِي فِي الدُّعاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة رفع الْأَيْدِي
فِي الدُّعَاء وَسقط لفظ: بَاب، فِي رِوَايَة أبي ذَر.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ: دَعَا النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ:
ورأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ.
إسم أبي مُوسَى عبد الله بن قيس، وَهَذَا التَّعْلِيق من
حَدِيث طَوِيل فِي قَضِيَّة قتل عَمه أبي عَامر
الْأَشْعَرِيّ، وَتقدم فِي الْمَغَازِي مَوْصُولا فِي
غَزْوَة حنين.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: رَفَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأ إلَيْكَ
مِما صَنَعَ خالِدٌ.
خَالِد هُوَ ابْن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا
التَّعْلِيق أَيْضا من حَدِيث فِيهِ قَضِيَّة خَالِد فِي
غَزْوَة بني جذيمة بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال
الْمُعْجَمَة، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَعثه إِلَيْهِم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام، فَلم
يحسنوا أَن يَقُولُوا: أسلمنَا، فَجعلُوا يَقُولُونَ:
صبأنا، فَجعل يقتل ويأسر، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرفع يَدَيْهِ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ
إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد.
6341 - قَالَ أبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ:
حدّثني محَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ
وشَرِيكٍ سَمعَا أنَساً عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ.
(انْظُر الحَدِيث 1031 وطرفه) .
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، والأويسي نِسْبَة
إِلَى أويس مصغر أَوْس فِي الأَصْل، وَلَكِن النِّسْبَة
إِلَى أَوْس هُوَ ابْن حَارِثَة، قَبيلَة فِي الْأَنْصَار
وَفِي تغلب وَفِي الأزد وَفِي خثعم، والأويسي، هَذَا
نِسْبَة إِلَى أويس بن سعد بن أبي سرح إِلَى أَن يَنْتَهِي
إِلَى غَالب ابْن فهر واسْمه عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن
يحيى بن عمر بن أويس الْقرشِي العامري الأويسي الْمدنِي،
شيخ البُخَارِيّ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير
الْأنْصَارِيّ، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ الْمدنِي،
وَشريك بن عبد الله بن نمير الْقرشِي الْمَدِينِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث الاسْتِسْقَاء،
وَهَذِه التَّعَالِيق الثَّلَاثَة تدل على رفع الْيَدَيْنِ
فِي الدُّعَاء، وَلَكِن لَا تدل على أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. هَل كَانَ يَجْعَل كفيه نَحْو السَّمَاء
أَو نَحْو الأَرْض، وَفِي هَذَا الْبَاب خلاف كثير،
فَمنهمْ من كره رفع الْيَدَيْنِ فَإِذا دَعَا الله فِي
حَاجته يُشِير بإصبعه السبابَة، وروى شُعْبَة عَن قَتَادَة
قَالَ: رأى ابْن عمر قوما رفعوا أَيْديهم فَقَالَ: من
يتَنَاوَل هَؤُلَاءِ؟ فوَاللَّه لَو كَانُوا على رَأس أطول
جبل مَا ازدادوا من الله قرباً، وَكَرِهَهُ جُبَير بن
مطعم، وَرَأى شُرَيْح رجلا رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو
فَقَالَ: من يتَنَاوَل بهَا لَا أم لَك؟ وَقَالَ مَسْرُوق
لقوم رفعوا أَيْديهم: قطعهَا الله، وَكَانَ قَتَادَة
يُشِير بإصبعه وَلَا يرفع يَدَيْهِ، وَمِنْهُم من اخْتَار
بسط كفيه رافعهما، ثمَّ اخْتلفُوا فِي صفته، فَمنهمْ من
قَالَ: يرفعهما حَذْو صَدره بطونهما إِلَى وَجهه، رُوِيَ
ذَلِك عَن ابْن عمر رَضِي
(22/300)
الله عَنْهُمَا وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا
رفع يَدَيْهِ حَذْو صَدره فَهُوَ الدُّعَاء، وَكَانَ عَليّ
رَضِي الله عَنهُ يَدْعُو بباطن كفيه، وَعَن أنس مثله.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد
بن كَعْب الْقرظِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سَأَلْتُم الله عز وَجل
فَاسْأَلُوهُ ببطون كفكم وَلَا تسألوه بظهورها، وامسحوا
بهَا وُجُوهكُم. وَمِنْهُم من اخْتَار رفع أَيْديهم إِلَى
وُجُوههم، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَابْن الزبير رَضِي
الله عَنْهُم وَمِنْهُم من اخْتَار رفع أَيْديهم حَتَّى
يحاذوا بهَا وُجُوههم وَظُهُورهمَا مِمَّا تلِي وُجُوههم،
وَمِنْهُم من يَجْعَل بطونهما إِلَى السَّمَاء فِي
الرَّغْبَة وَإِلَى الأَرْض فِي الرهبة، وَقيل: يَجْعَل
بطونهما إِلَى السَّمَاء مُطلقًا فِي كل حَال. وَقَالَ
الدَّاودِيّ: رُوِيَ حَدِيث فِي إِسْنَاده نظر: أَن
الدَّاعِي يمسح وَجهه بيدَيْهِ عِنْد آخر دُعَائِهِ. قلت:
كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّد
بن كَعْب عَن ابْن عَبَّاس، هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
بطرق، قَالَ الْحَافِظ الْمزي: كلهَا ضَعِيفَة.
24 - (بابُ الدُّعاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء حَال كَون الدَّاعِي
غير مُسْتَقْبل الْقبْلَة.
6342 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوبٍ حدّثنا أبُو
عَوَانَةَ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
بَيْنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَخْطُبُ يَوْمَ
الجُمُعَةِ فَقَامَ رجُلٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! ادْعُ
الله أنْ يَسْقِينَا. فَتَغَيَّمَتِ السَّماءُ ومُطِرْنا
حَتَّى مَا كادَ الرَّجُلُ يَصِلُ إِلَى مَنْزِلِهِ،
فَلَمْ تَزَلْ تُمْطَرُ إِلَى الجُمُعَةِ المقُبِلَةِ،
فقامَ ذلِكَ الرَّجُلُ أوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: ادْعُ الله
أنْ يَصْرفَهُ عَنَّا فَقَدْ غَرِقْنا. فَقَالَ:
أللَّهُمَّ حَوالَيْنا وَلَا عَلَيْنا، فَجَعَلَ السَّحابُ
يَتَقَطَّعُ حَوْلَ المَدِينَةِ وَلَا يُمْطِرُ أهْلَ
المَدِينَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أللهم حوالينا
وَلَا علينا) لِأَنَّهُ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. وَكَانَ على الْمِنْبَر وظهره إِلَى الْقبْلَة.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَوضِع التَّرْجَمَة قَوْله:
(يخْطب) إِذا لخطيب غير مُسْتَقْبل الْقبْلَة.
وَمُحَمّد بن مَحْبُوب من الْمحبَّة أَبُو عبد الله
الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو عوَانَة
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وبالنون
الوضاح الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِسْقَاء عَن مُسَدّد. وَفِي
الْأَدَب أَيْضا عَنهُ.
قَوْله: (فتغيمت السَّمَاء) الْفَاء فِيهِ فَاء الفصيحة
الدَّالَّة على مَحْذُوف أَي: فَدَعَا فَاسْتَجَاب الله
دُعَاء فتغيمت، يُقَال: تغيمت السَّمَاء إِذا أطبق
عَلَيْهَا الْغَيْم. قَوْله: (حوالينا) بِفَتْح اللَّام
مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة أَي: أمطر حوالينا وَلَا تمطر
علينا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مَعْنَاهُ: أللهم أنزل
الْغَيْث فِي مَوَاضِع النَّبَات لَا فِي مَوَاضِع
الْأَبْنِيَة.
25 - (بابُ الدُّعاءِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء حَال كَون الدَّاعِي
مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَقد سَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة من
رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي فَصَارَ حَدِيثهَا من جملَة
الْبَاب الَّذِي قبله.
6343 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ
حَدثنَا عَمْرو بنُ يَحْيَى عنْ عبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ
عَبْدِ الله بنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَذَا المُصَلى يَسْتَسْقِي، فَدَعَا
واسْتَسْقاى ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَقَلَبَ
رِدَاءَهُ.
قيل: لَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة، لِأَن ظَاهره
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتقْبل الْقبْلَة بعد
الدُّعَاء، فَلذَلِك قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا
الحَدِيث مُطَابق للتَّرْجَمَة الَّتِي قبل هَذَا، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: تستفاد التَّرْجَمَة من السِّيَاق حَيْثُ
قَالَ: خرج يَسْتَسْقِي، وَالِاسْتِسْقَاء هُوَ الدُّعَاء،
ثمَّ قسم الاسْتِسْقَاء إِلَى مَا قبل الِاسْتِقْبَال
وَإِلَى مَا بعده. انْتهى. قلت: لَا دلَالَة على قسْمَة
الاسْتِسْقَاء، بل الَّذِي يدل عَلَيْهِ الحَدِيث أَنه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، دَعَا واستسقى ثمَّ بعد الدُّعَاء
وَالِاسْتِسْقَاء اسْتقْبل الْقبْلَة، فَلَا يدل ذَلِك على
أَنه حِين دَعَا كَانَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَقَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَ أَنه لما
تحول وقلب رِدَاءَهُ دَعَا حينئذٍ أَيْضا، وَهَذَا كَلَامه
بعد
(22/301)
اعْتِرَاض عَلَيْهِ، وَفِيه نظر لَا يخفى،
وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَنه
لما أَرَادَ أَن يَدْعُو اسْتقْبل وحول رِدَاءَهُ، وَقد
مضى فِي الاسْتِسْقَاء، وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ فِي
التطابق على أَنه على رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي لَا
يحْتَاج إِلَى هَذِه التعسفات.
ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَعَمْرو بن يحيى الْمَازِني
الْأنْصَارِيّ، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم الْأنْصَارِيّ
الْمَازِني، يروي عَن عَمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم
الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَازِني.
وَهَذَا الحَدِيث رُوِيَ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة
وَالْمعْنَى مُتَقَارب، وَمضى فِي الاسْتِسْقَاء فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن شُيُوخ كَثِيرَة. وَأخرجه بَقِيَّة
الْجَمَاعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
26 - (بابُ دَعوَةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِخادِمِهِ بِطُولِ العُمُرِ وبِكَثْرَةِ مالِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر دُعَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِخَادِمِهِ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ
يطول عمره وبكثرة مَاله.
6344 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي الأسْوَدِ حَدثنَا
حَرَمِيٌّ حَدثنَا شُعْبَة عَن قُتَادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أمِّي: يَا رسولَ
الله! خادِمُكَ أنَسٌ أدْعُ الله لَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ
أكْثِرْ مالَهُ ووَلَدَهُ وبارِكْ لَهُ فِيما أعْطَيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قلت: من أَيْن
الظُّهُور وَفِي التَّرْجَمَة ذكر طول الْعُمر. وَلَيْسَ
فِي الحَدِيث ذَلِك؟ قلت: قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن
قَوْله: (بَارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته) يدل على ذَلِك لِأَن
الدُّعَاء ببركة مَا أعطي يَشْمَل طول الْعُمر لِأَنَّهُ
من جملَة الْمُعْطى، وَقيل: ورد فِي بعض طرق هَذَا
الحَدِيث: وأطل حَيَاته، أخرجه البُخَارِيّ فِي: (الْأَدَب
الْمُفْرد) من وَجه آخر.
وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن
أبي الْأسود وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود ابْن أُخْت
عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْبَصْرِيّ الْحَافِظ وَهُوَ من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، رَحمَه الله، وحرمي بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَالرَّاء وبالميم وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف ابْن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْمِيم الْعَتكِي الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (أُمِّي) إِمَّا بدل من أم سليم أَو عطف بَيَان،
وَاسم أم سليم: الرميصاء.
والْحَدِيث مضى بِمَا فِيهِ من الشَّرْح فِي أَوَائِل:
بَاب وصلِّ عَلَيْهِم.
27 - (بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ الكَرْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد الكرب بِفَتْح
الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ حزن
يَأْخُذ بِالنَّفسِ.
6345 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا هِشامٌ
حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أبي العالِيَةِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُولُ: لَا إلهَ
إلاّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَه إلاَّ الله ربُّ
السَّمَوَاتِ والأرْض، ربُّ العَرْشِ العَظِيمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (يَدْعُو عِنْد
الكرب)
إِلَى آخِره. وَهِشَام هُوَ ابْن أبي عبد الله الدستوَائي،
وَأَبُو الْعَالِيَة من الْعُلُوّ اسْمه رفيع بِضَم
الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالعين الْمُهْملَة الريَاحي بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة فَإِن
قلت: قَتَادَة مُدَلّس وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه)
فِي كتاب الطَّهَارَة عقيب حَدِيث أبي خَالِد الدالاني عَن
قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة، قَالَ شُعْبَة: إِنَّمَا
سمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة أَرْبَعَة أَحَادِيث:
حَدِيث يُونُس بن مَتى، وَحَدِيث ابْن عمر فِي الصَّلَاة،
وَحَدِيث الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس: شهد
عِنْدِي رجال مرضيون. قلت: لم يعْتَبر البُخَارِيّ هَذَا
الْحصْر لِأَن شُعْبَة مَا كَانَ يحدث عَن أحد من المدلسين
إلاَّ أَن يكون ذَلِك المدلس قد سَمعه من شَيْخه، وَقد حدث
شُعْبَة هَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة، فَلذَلِك أوردهُ
البُخَارِيّ مُعَلّقا فِي آخر التَّرْجَمَة، حَيْثُ قَالَ:
وَقَالَ وهب: حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة مثله، على مَا
يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (كَانَ يَدْعُو عِنْد الكرب) أَي: عِنْد حُلُول
الكرب، وَفِي رِوَايَة مُسلم: كَانَ يَدْعُو بِهن ويقولهن
عِنْد الكرب. قَوْله: (لَا إِلَه إلاَّ الله الْعَظِيم
الْحَلِيم) اشْتَمَل هَذَا على التَّوْحِيد الَّذِي هُوَ
أصل التنزيهات المسمات
(22/302)
بالأوصاف الجلالية، وعَلى العظمة الَّتِي
تدل على الْقُدْرَة الْعَظِيمَة إِذْ الْعَاجِز لَا يكون
عَظِيما، وعَلى الْحلم الَّذِي يدل على الْعلم، إِذْ
الْجَاهِل بالشَّيْء لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْحلم، وهما
أصل الصِّفَات الوجودية الْحَقِيقِيَّة الْمُسَمَّاة
بالأوصاف الإكرامية، وَوجه تَخْصِيص الذّكر بالحليم لِأَن
كرب الْمُؤمن غَالِبا إِنَّمَا هُوَ على نوع تَقْصِير فِي
الطَّاعَات أَو غَفلَة فِي الْحَالَات وَهَذَا يشْعر برجاء
الْعَفو المقلل للحزن فَإِن قلت: الْحلم هُوَ
الطُّمَأْنِينَة عِنْد الْغَضَب، فَكيف تطلق على الله عز
وَجل؟ قلت: تطلق على الله وَيُرَاد لازمها وَهُوَ تَأْخِير
الْعقُوبَة. فَإِن قلت: هَذَا ذكر لَا دُعَاء. قلت: إِنَّه
ذكر يستفتح بِهِ الدُّعَاء لكشف الكرب. قَوْله: (رب
السَّمَوَات وَالْأَرْض) خصهما بِالذكر لِأَنَّهُمَا من
أعظم المشاهدات، وَمعنى: الرب فِي اللُّغَة يُطلق على
الْمَالِك وَالسَّيِّد وَالْمُدبر والمربى والمتمم والمنعم
وَلَا يُطلق غير مُضَاف إلاَّ على الله تَعَالَى، وَإِذا
أطلق على غَيره أضيف فَيُقَال: رب كَذَا. قَوْله: (رب
الْعَرْش الْعَظِيم) ذَا أَيْضا يشْتَمل على التَّوْحِيد
والربوبية وعظمة الْعَرْش، وَجه الأول قد ذَكرْنَاهُ،
وَوجه ذكر الثَّانِي أَعنِي: لفظ الرب، من بَين سَائِر
الْأَسْمَاء الْحسنى هُوَ كَونه مناسباً لكشف الكرب
الَّذِي هُوَ مُقْتَضى التربية، وَوجه الثَّالِث: وَهُوَ
تَخْصِيص الْعَرْش بِالذكر لِأَنَّهُ أعظم أجسام الْعَالم
فَيدْخل الْجَمِيع تَحْتَهُ دُخُول الْأَدْنَى تَحت
الْأَعْلَى، ثمَّ لفظ: الْعَظِيم، صفة للعرش بِالْجَرِّ
عِنْد الْجُمْهُور، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ
أَنه رَوَاهُ بِرَفْع الْعَظِيم على أَنه نعت للرب، ويروى:
وَرب الْعَرْش الْعَظِيم، بِالْوَاو.
6346 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ هِشامِ بنِ
أبي عبْدِ الله عنْ قَتادةَ عنْ أبي العالِيَةِ عنِ ابنِ
عبَّاسٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ
يَقُولُ عِنْد الكَرْب: لَا إِلَه إلاَّ الله العَظِيمُ
الحَلِيمُ، لَا إِلَه إلاّ الله ربُّ العَرْشِ العَظِيمِ،
لَا إِلَه إلاَّ الله ربُّ السَّمواتِ وربُّ الأرْضِ
ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور
أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن هِشَام بن عبد
الله الدستوَائي ... إِلَى آخِره، وَهنا جَاءَ: (وَرب
الْعَرْش الْكَرِيم) وَلَفظ: الْكَرِيم، بِالرَّفْع على
أَنه صفة للرب على مَا نَقله ابْن التِّين عَن
الدَّاودِيّ، وَفِي رِوَايَة الْجُمْهُور بِالْجَرِّ على
أَنه نعت للعرش، وَوصف الْعَرْش هُنَا بالكريم أَي: الْحسن
من جِهَة الْكَيْفِيَّة فَهُوَ ممدوح ذاتاً وَصفَة، وَفِي
الحَدِيث السَّابِق وَصفه بالعظمة من جِهَة الكمية،
وَقَالَ ابْن بطال: حَدثنِي أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ:
كنت بأصبهان عِنْد أبي نعيم أكتب الحَدِيث عَنهُ،
وَهُنَاكَ شيخ يُقَال لَهُ: أَبُو بكر بن عَليّ، عَلَيْهِ
مدَار الْفتيا، فسعى بِهِ عِنْد السُّلْطَان فسجنه،
فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام
وَجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن يَمِينه يُحَرك
شَفَتَيْه بالتسبيح لَا يفتر فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: قل لأبي بكر بن عَليّ يَدْعُو بِدُعَاء
الكرب الَّذِي فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) حَتَّى يفرج الله
عَنهُ، قَالَ: فَأَصْبَحت فَأَخْبَرته فَدَعَا بِهِ فَلم
يكن إلاَّ قَلِيلا حَتَّى أخرج من السجْن. وَقَالَ الْحسن
الْبَصْرِيّ رَحمَه الله: أرسل إِلَى الْحجَّاج فقلتهن،
فَقَالَ: وَالله أرْسلت إِلَيْك وَأَنا أُرِيد أَن أَقْتلك
فلأنت الْيَوْم أحب إِلَى من كَذَا وَكَذَا، وَزَاد فِي
لَفظه: فسل حَاجَتك.
وَقَالَ وهْبٌ: حَدثنَا شُعْبَةُ عَن قَتادَة مِثْلَهُ
وهب هُوَ ابْن جرير كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده بِالتَّصْغِيرِ ابْن
خَالِد، وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي وهب بن جرير بن
حَازِم وَبِهَذَا يَزُول الْإِشْكَال، وَقد ذكرنَا عَن
قريب أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا أورد هَذَا دفعا لما قيل من
الْحصْر: إِن شُعْبَة قَالَ: لم يسمع قَتَادَة عَن أبي
الْعَالِيَة إلاَّ ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَقد ذَكرنَاهَا،
وَأَن شُعْبَة مَا كَانَ يحدث عَن أحد من المدلسين إلاَّ
مَا سَمعه ذَلِك المدلس من شَيْخه، وَقد حدث شُعْبَة
بِهَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة. وَأخرج مُسلم هَذَا
الحَدِيث من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة: أَن
أَبَا الْعَالِيَة حَدثهُ، وَهَذَا صَرِيح فِي سَمَاعه
لَهُ مِنْهُ.
28 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من جهد الْبلَاء،
الْجهد بِفَتْح الْجِيم وَبِضَمِّهَا الْمَشَقَّة وَكلما
أصَاب الْإِنْسَان من شدَّة الْمَشَقَّة والجهد
(22/303)
فِيمَا لَا طَاقَة لَهُ بِحمْلِهِ وَلَا يقدر على دَفعه
عَن نَفسه فَهُوَ من جهد الْبلَاء، وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي
الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن جهد الْبلَاء؟ فَقَالَ: قلَّة
المَال وَكَثْرَة الْعِيَال، وَالْبَلَاء مَمْدُود فَإِذا
كسرت الْبَاء قصرت.
6347 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ
حدّثني سُمَيٌّ عنْ أبي صالِح عنْ أبي هُرَيْرَةَ: كانَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَعَوَّدُ مِنْ
جَهْدِ البلاَءِ ودَرَكِ الشقاءِ وسوءِ القَضاءِ وشَماتَةِ
الأعْدَاءِ.
قَالَ سُفْيانُ: الحَدِيثُ ثلاَثٌ زِدْتُ أنَا واحِدةً لَا
أدْرِي أيَّتُهُنَّ هِيَ. (انْظُر الحَدِيث 6347 طرفه فِي
6616) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله بن
الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَسمي بِضَم
السِّين وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء مولى أبي بكر بن
عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان
الزيات.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْقدر عَن
مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن عمر والناقد
وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الِاسْتِعَاذَة عَن
قُتَيْبَة.
قَوْله: قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يتَعَوَّذ) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَرَوَاهُ مُسَدّد عَن سُفْيَان بِسَنَدِهِ هَذَا بِلَفْظ
الْأَمر: تعوذوا. قَوْله: (ودرك الشَّقَاء) بِفَتْح
الدَّال وَالرَّاء وَيجوز سُكُون الرَّاء وَهُوَ
الْإِدْرَاك واللحوق، والشقاء بِالْفَتْح وَالْمدّ الشدَّة
والعسر وَهُوَ ضد السَّعَادَة، وَيُطلق على السَّبَب
الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك. وَقَالَ ابْن بطال: دَرك
الشَّقَاء يَنْقَسِم قسمَيْنِ فِي أَمر الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة، وَكَذَا (سوء الْقَضَاء) هُوَ عَام أَيْضا
فِي النَّفس وَالْمَال والأهل والخاتمة والمعاد. قَوْله:
(وَسُوء الْقَضَاء) أَي: الْمقْضِي إِذْ حكم الله من
حَيْثُ هُوَ حكمه كُله حسن لَا سوء فِيهِ، قَالُوا فِي
تَعْرِيف الْقَضَاء وَالْقدر: الْقَضَاء هُوَ الحكم
بالكليات على سَبِيل الْإِجْمَال فِي الْأَزَل، وَالْقدر
هُوَ الحكم بِوُقُوع الجزئيات الَّتِي لتِلْك الكليات على
سَبِيل التَّفْصِيل فِي الْإِنْزَال، قَالَ الله تَعَالَى:
{ (51) وَإِن من شَيْء. . إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} (الْحجر:
21) . قَوْله: (وشماتة الْأَعْدَاء) هِيَ الْحزن بفرح عدوه
والفرح بحزنه وَهُوَ مِمَّا ينْكَأ فِي الْقلب ويؤثر فِي
النَّفس تَأْثِيرا شَدِيدا، وَإِنَّمَا دَعَا النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك تَعْلِيما لأمته، وَهَذِه كلمة
جَامِعَة لِأَن الْمَكْرُوه إِمَّا أَن يُلَاحظ من جِهَة
المبدأ وَهُوَ سوء الْقَضَاء، أَو من وجهة الْمعَاد وَهُوَ
دَرك الشَّقَاء إِذْ شقاوة الْآخِرَة هِيَ الشَّقَاء
الْحَقِيقِيّ، أَو من جِهَة المعاش وَذَلِكَ إِمَّا من
جِهَة غَيره وَهُوَ شماتة الْأَعْدَاء، أَو من جِهَة نَفسه
وَهُوَ جهد الْبلَاء.
قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) هُوَ ابْن عُيَيْنَة رَاوِي
الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ مَوْصُول بالسند
الْمَذْكُور. قَوْله: (الحَدِيث ثَلَاث) أَي: الحَدِيث
الْمَرْفُوع الْمَرْوِيّ ثَلَاثَة أَشْيَاء، وَقَالَ:
(زِدْت أَنا وَاحِدَة) فَصَارَت أَرْبعا وَلَا أَدْرِي
أيتهن هِيَ، أَي: الرَّابِعَة الزَّائِدَة. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ لَهُ أَن يخلط كَلَامه بِكَلَام
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِحَيْثُ لَا يفرق
بَينهمَا؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ مَا خلط بل استبهت
عَلَيْهِ تِلْكَ الثَّلَاث بِعَينهَا، وَعرف أَنَّهَا
كَانَت ثَلَاثَة من هَذِه الْأَرْبَعَة فَذكر الْأَرْبَعَة
تَحْقِيقا لرِوَايَة تِلْكَ الثَّلَاثَة قطعا، إِذْ لَا
تخرج مِنْهَا.
وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: تعقب على الْكرْمَانِي حَيْثُ
اعتذر عَن سُفْيَان فِي السُّؤَال الْمَذْكُور، فَقَالَ:
وَيُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ يميزها إِذا حدث كَذَا
قَالَ: وَفِيه نظر. قلت: لم يقل الْكرْمَانِي أصلا مَا
قَالَه نقلا عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَه هُوَ الَّذِي
ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ اعتذار حسن مَعَ أَنه قَالَ عقيب
كَلَامه الْمَذْكُور: وروى البُخَارِيّ فِي كتاب الْقدر
الحَدِيث الْمَذْكُور، وَذكر فِيهِ الْأَرْبَعَة مُسْندًا
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا تردد
وَلَا شكّ وَلَا قَول بِزِيَادَة، وَفِي بعض الرِّوَايَات:
قَالَ سُفْيَان: أَشك أَنِّي زِدْت وَاحِدَة مِنْهَا. |