عمدة القاري شرح صحيح البخاري

29 - (بابُ دُعاءِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد مَوته بقوله: (أللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى) . وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ: بَاب، مُجَردا عَن التَّرْجَمَة، وَفِيه: أللهم الرفيق الْأَعْلَى، والرفيق مَنْصُوب على تَقْدِير: اختبرت الرفيق الْأَعْلَى، أَو: أخْتَار، أَو: أُرِيد. وَقَالَ الدَّاودِيّ: الرفيق الْأَعْلَى الْجنَّة، وَقيل: الرفيق الْأَعْلَى جمَاعَة الْأَنْبِيَاء الَّذين يسكنون أَعلَى عليين.

6348 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهاب أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجالٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كَانَ

(22/304)


رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ، وَهْوَ صَحِيحٌ: لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَراى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ ورَأسُهُ عَلى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ ساعَةً ثُمَّ أفاقَ فأشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ: أللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى. قُلْتُ: إِذا لَا يَخْتارَنا، وعَلِمْتُ أنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدَّثُنا وَهْوَ صَحِيحٌ، قالَتْ: فَكانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةَ تَكَلَّمَ بِها: أللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن عفير الْمصْرِيّ، وَعقيل بِضَم الْعين، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد ابْن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن بشر بن مُحَمَّد وَعَن يحيى بن بكير. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده بِإِسْنَادِهِ مثله.
قَوْله: (فِي رجال من أهل الْعلم) أَي: أخبرهُ سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير فِي جملَة طَائِفَة أُخْرَى أَخْبرُوهُ أَيْضا بِهِ. أَو فِي حُضُور طَائِفَة مُسْتَمِعِينَ لَهُ. قَوْله: (ثمَّ يُخَيّر) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: بَين الْمَوْت والانتقال إِلَى ذَلِك المقعد وَبَين الْبَقَاء والحياة فِي الدُّنْيَا. قَوْله: (فَلَمَّا نزل بِهِ) بِضَم النُّون وَكسر الزَّاي أَي: فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت كَأَن الْمَوْت نَازل وَهُوَ منزول بِهِ. قَوْله: (وَرَأسه) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فأشخص) أَي: رفع بَصَره وأشخصه أزعجه، وشخص بَصَره إِذا فتح عَيْنَيْهِ وَجعل لَا يطرف، وشخص ارْتَفع. قَوْله: (لَا يختارنا) بِالنّصب أَي: حَيْثُ اخْتَار الْآخِرَة تعين ذَلِك فَلَا يختارنا بعد ذَلِك. قَوْله: (إِنَّه الحَدِيث الَّذِي كَانَ يحدثنا وَهُوَ صَحِيح) هُوَ قَوْله: (لن يقبض نَبِي قطّ حَتَّى يرى مَقْعَده) . قَوْله: (أللهم الرفيق الْأَعْلَى) قَالَ الْكرْمَانِي: محلهَا النصب على الْعِنَايَة، أَو الرّفْع بَيَانا، أَو بَدَلا لقَوْله: تِلْكَ.

30 - (بابُ الدُّعاءِ بالمَوْتِ والحَياةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي كَرَاهَة الدُّعَاء بِالْمَوْتِ. قَوْله: (والحياة) ، وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: وبالحياة، أَي: وَفِي كَرَاهَة الدُّعَاء بِالْحَيَاةِ إِذا كَانَت شرا لَهُ، بل يشرع الدُّعَاء بهما على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبَاب، على مَا يَجِيء الْآن.

6349 - حدَّثني مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى عنْ إسْماعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ: أتَيْتُ خَبَّاباً وقَدِ اكْتَواى سَبْعاً قَالَ: لَوْلا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وخباب هُوَ ابْن الْأَرَت بن جندلة مولى خُزَاعَة.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن آدم عَن شُعْبَة.
قَوْله: (وَقد اكتوى سبعا) أَي: فِي بَطْنه لوجع كَانَ فِيهِ، قيل: قد نهي عَن الكي. وَأجِيب بِأَن ذَلِك لمن يعْتَقد أَن الشِّفَاء من الكي.

6350 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْياى عنْ إسماعيلَ قَالَ: حدّثني قَيْسٌ قَالَ: أتَيْتُ خَبَّاباً وقَدِ اكْتَواى سَبْعاً فِي بَطْنِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُسَدّد، وَأَعَادَهُ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى لما فِي رِوَايَته من زِيَادَة وَهِي قَوْله: فِي بَطْنه.

6350 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْياى عنْ إسماعيلَ قَالَ: حدّثني قَيْسٌ قَالَ: أتَيْتُ خَبَّاباً وقَدِ اكْتَواى سَبْعاً فِي بَطْنِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُسَدّد، وَأَعَادَهُ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى لما فِي رِوَايَته من زِيَادَة وَهِي قَوْله: فِي بَطْنه.

6351 - حدَّثني ابنُ سَلام أخبرنَا إسْماعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَتَمَنَّيْنَ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فإِنْ كَانَ لَا بدَّ مُتَمَنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْينِي مَا كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّني إِذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْراً لِي. (انْظُر الحَدِيث 5671 وطرفه) .

تُؤْخَذ الْمُطَابقَة مِنْهُ لجزئي التَّرْجَمَة بإمعان النّظر فِيهِ. وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بن سَلام بتَخْفِيف اللَّام وتشديدها قَوْله: (حَدثنِي) ويروى: حَدثنَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عَليّ بن حجر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الطِّبّ عَن عَليّ بن حجر.
قَوْله: (لَا يتمنين) بالنُّون الْمُشَدّدَة إِنَّمَا نهى عَن التَّمَنِّي لِأَنَّهُ فِي معنى التبرم

(22/305)


عَن قَضَاء الله تَعَالَى فِي أَمر يَنْفَعهُ فِي آخرته، وَلَا يكره التَّمَنِّي لخوف فَسَاد الدّين. قَوْله: (لضر) أَي: لأجل ضرّ نزل بِهِ أَي: حصل عَلَيْهِ قَوْله: (لَا بُد) هُوَ حَال وَتَقْدِيره إِن كَانَ أحدكُم فَاعِلا حَالَة كَونه لَا بُد لَهُ من ذَلِك قيل: كَيفَ جوز الْفِعْل بعد النَّهْي؟ وَأجِيب: بِأَن مَوضِع الضَّرُورَة مُسْتَثْنى من جَمِيع الْأَحْكَام، والضرورات تبيح الْمَحْظُورَات، أَو النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَن الْمَوْت معينا وَهَذَا تَجْوِيز فِي أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين أَو النَّهْي، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ مُنجزا مَقْطُوعًا بِهِ، وَهَذَا مُعَلّق لَا منجز.

31 - (بابُ الدُّعاءِ لِلصِّبْيانِ بالبَرَكَةِ وَمَسْحِ رُؤُوسِهِمْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء للصبيان بِالْبركَةِ أَي: بالنشو الْحسن والثبات على التَّوْفِيق والشرف. وأصل هَذِه الْمَادَّة من برك الْبَعِير إِذا أَنَاخَ فِي مَوضِع فَلَزِمَهُ، وَتطلق الْبركَة أَيْضا على الزِّيَادَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَالْأَصْل الأول. قَوْله: وَمسح رؤوسهم، فِيهِ حَدِيث عَن أبي أُمَامَة أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: (من مسح رَأس يَتِيم لَا يمسحه إلاَّ الله كَانَ لَهُ بِكُل شَعْرَة تمريده عَلَيْهَا حَسَنَة) ، وَفِي سَنَده ضعف، وروى أَحْمد بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ (أَن رجلا شكى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قسوة قلبه، فَقَالَ: أطْعم الْمِسْكِين وامسح رَأس الْيَتِيم) .
وَقَالَ أبُو مُوسَى وُلِدَ لِي غُلامٌ ودَعا لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبَرَكَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث مَوْصُول قد مضى فِي كتاب الْعَقِيقَة، وَاسم الْغُلَام: إِبْرَاهِيم.

6352 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا حاتِمٌ عنِ الجعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خالَتِي إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقالَتْ: يَا رسولَ الله! إنَّ ابنَ أُخْتِي وَجعٌ، فَمَسَحَ رَأسِي ودَعا لِي بالبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْت خلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خاتِمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ. [/ نه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة، والجعد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَيُقَال لَهُ: الجعيد، أَيْضا بِالتَّصْغِيرِ ابْن عبد الرَّحْمَن بن أَوْس الْكِنْدِيّ، وَيُقَال التَّمِيمِي الْمدنِي، والسائب فَاعل من السيب بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْبَاء الْمُوَحدَة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الرَّحْمَن بن يُونُس عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وجع) بِلَفْظ الْفِعْل والإسم ويروى: وَقع، بِالْقَافِ مَوضِع الْجِيم، والزر، بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الرَّاء وَاحِد أزرار الْقَمِيص، والحجلة: بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم بَيت للعروس كالقبة يزين بالثياب والستور، وَلها أزرار، وَقيل: المُرَاد بالحجلة القبجة أَي: الطَّائِر الْمَعْرُوف قدر الدَّجَاجَة، وزرها بيضها.

6353 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ حَدثنَا سَعِيدُ بنُ أبي أيُّوبَ عنْ أبي عَقِيلٍ أنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الله بنُ هِشامٍ مِنَ السُّوقِ أوْ إِلَى السُّوق فَيَشحٍ رِي الطَّعامَ، فَيَلْقاهُ ابنُ الزُّبَيْرِ وابنُ عُمَرَ فيقُولانِ: أشْرِكْنا فإِنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ دَعا لَكَ بالبَرَكَةِ فَيُشْرِكُهُمْ، فَرُبَّما أصابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِها إِلَى المَنْزِلِ. (انْظُر الحَدِيث 2502) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد دَعَا لَك بِالْبركَةِ) . وَابْن وهب الْمصْرِيّ، وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ الْمصْرِيّ، وَاسم أبي أَيُّوب مِقْلَاص، وَأَبُو عقيل بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف واسْمه زهرَة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْهَاء ابْن معبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن هِشَام الْقرشِي التَّيْمِيّ من بني تيم بن مرّة،

(22/306)


وَعبد الله بن هِشَام سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، روى عَنهُ ابْن ابْنه زهرَة الْمَذْكُور. وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الشّركَة فِي: بَاب الشّركَة فِي الطَّعَام وَغَيره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (من السُّوق) أَي: من جِهَة دُخُول السُّوق وَالْعَامِل فِيهِ. قَوْله: (فيلقاه ابْن الزبير) أَي: عبد الله بن الزبير بن الْعَوام وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم قَوْله: (أشركنا) من الْإِشْرَاك وَهُوَ من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ أَي: اجْعَلْنَا من شركائك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { (02) وأشركه فِي أَمْرِي} (طه: 32) وَضبط فِي بعض الْكتب من الثلاثي، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال: شركته فِي الْمِيرَاث وَالْبيع إِذا ثبتَتْ الشّركَة، وَأما إِذا سَأَلته الشّركَة فَإِنَّمَا يُقَال لَهُ: أشركني من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ. قَوْله: (فيشركهم) أَي: فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَإِنَّمَا جمع بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع إثنان. قَوْله: (فَرُبمَا أصَاب) ، أَي: ابْن هِشَام الرَّاحِلَة أَي: من الرِّبْح. قَوْله: (كَمَا هِيَ) أَي: بِتَمَامِهَا.

6354 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيز بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعدٍ عنْ صالِحِ بنِ كَيْسانَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي مَحْمُودُ بنُ الرَّبِيعِ. وَهْوَ الَّذِي مَجَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وجْهِهِ وَهْوَ غُلامٌ مِنْ بِئْرِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن المج فِي حكم الْمسْح وَالدُّعَاء بِالْبركَةِ، فالفعل قَائِم مقَام القَوْل فِي الْمَقْصُود.
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عمر الْقرشِي العامري الأويسي الْمَدِينِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا نَحوه فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس.
قَوْله: (وَهُوَ الَّذِي مج) يُقَال: مج لعابه إِذا قذفه، وَقيل: لَا يكون مجاً حَتَّى يباعد بِهِ. قَوْله: (وَهُوَ غُلَام) أَي: صبي صَغِير، وَقَالَ أَبُو عمر: حفظ ذَلِك مِنْهُ وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين، وَمَات فِي سنة سِتّ وَتِسْعين، وَالْوَاو فِي: وَهُوَ غُلَام، للْحَال. قَوْله: (من بئرهم) يتَعَلَّق بقوله: مج.

6355 - حدَّثنا عَبْدانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُؤْتَى بالصِّبْيانِ فَيَدْعُو لَهُمْ، فأُتِيَ بِصَبِيّ فَبالَ عَلى ثَوْبِهِ، فَدَعا بِماءِ فأتْبَعَهُ إيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. (انْظُر الحَدِيث
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان قد تكَرر ذكره وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب بَوْل الصّبيان، من طَرِيقين عَن مَالك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَاتبعهُ) أَي: فأتبع المَاء الْبَوْل يَعْنِي: سكب عَلَيْهِ.

6356 - حدَّثنا أَبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ مَسَحَ عَنْهُ أنَّهُ رَأى سَعْدَ بنَ أبي وقاصٍ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. (انْظُر الحَدِيث 4300) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قد مسح عَنهُ) يفسره مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مُعَلّقا فِي غَزْوَة الْفَتْح من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ: مسح وَجهه عَام الْفَتْح، وَوَقع فِي (الزهريات) للهذلي عَن أبي الْيَمَان شيخ البُخَارِيّ بِلَفْظ: مسح وَجهه.
وَأَبُو الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَعبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة العذري بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء، وَيُقَال: ابْن أبي صعير، ولد قبل الْهِجْرَة بِأَرْبَع سِنِين وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة، وَقيل: إِنَّه ولد بعد الْهِجْرَة، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، توفّي وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين.
قَوْله: (أَنه رأى) يتَعَلَّق بقوله: (أَخْبرنِي عبد الله) . قَوْله: (وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مسح عَنهُ) ، معترض بَينهمَا. قَوْله: (يُوتر بِرَكْعَة) أَي: يُصَلِّي الْوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة، وَقد مضى الْكَلَام فِي الْخلاف فِي عدد الْوتر فِي: بَاب الْوتر.

(22/307)


32 - (بابُ الصَّلاةِ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الْإِطْلَاق يحْتَمل حكمهَا وفضلها وصفتها ومحلها. قلت: حَدِيثا الْبَاب يفيدان هَذَا الْإِطْلَاق لِأَنَّهُمَا ينبئان عَن الْكَيْفِيَّة، والمطابقة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث مَطْلُوبَة، وَلَا تَجِيء الْمُطَابقَة إلاَّ بِمَا قُلْنَا: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الصَّلَاة.

6357 - حدَّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا الحَكَمُ قَالَ: سَمعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَرَجَ عَلَيْنا فَقُلْنا: يَا رسولَ الله {قَدْ عَلِمْنا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى آل إبْراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، أللَّهُمَّ بارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بارَكْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. (انْظُر الحَدِيث 3370 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِيهَا وَبَين أَن المُرَاد كَيْفيَّة الصَّلَاة.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس واسْمه عبد الرَّحْمَن، وَأَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى من كبار التَّابِعين وَهُوَ وَالِد مُحَمَّد، فَقِيه أهل الْكُوفَة، وَاسم أبي ليلى يسَار خلاف الْيَمين وَقَالَ أَبُو عمر: لَهُ صُحْبَة وَرِوَايَة وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وَكَعب بن عجْرَة البلوي حَلِيف الْأَنْصَار شهد بيعَة الرضْوَان.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن يحيى عَن أَبِيه عَن مسعر عَن الحكم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (علمنَا) أَي: عرفنَا كيفيته وَهِي أَن يُقَال: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.

6358 - حدَّثنا إبْراهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدّثنا ابنُ أبي حازِمٍ والدَّراوَرْدِيُّ عنْ يَزِيدُ عنْ عَبْدِ الله ابنِ خَبَّابٍ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قلْنا: يَا رسولَ الله} هَذَا السَّلامُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ على إبْراهِيمَ، وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ. (انْظُر الحَدِيث 4798) .

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْمَدِينِيّ، وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي واسْمه سَلمَة بن دِينَار، والدراوردي هُوَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى مولى بني عدي ابْن النجار الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مضى أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: شَرط التَّشْبِيه أَن يكون الْمُشبه بِهِ أقوى، وَهَاهُنَا بِالْعَكْسِ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَأجَاب بِأَن هَذَا التَّشْبِيه لَيْسَ من بَاب إِلْحَاق النَّاقِص بالكامل بل من بَاب بَيَان حَال من لَا يعرف بِمَا يعرف فَلَا يشْتَرط ذَلِك والتشبيه فِيمَا يسْتَقْبل وَهُوَ أقوى، أَو الْمَجْمُوع شبه بالمجموع، وَلَا شكّ أَن آل إِبْرَاهِيم أفضل من آل مُحَمَّد إِذْ فيهم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَلَا نَبِي فِي آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

33 - (بابُ هَلْ يُصَلَّى عَلى غَيْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يصلى على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ اسْتِقْلَالا أَو تبعا، وَيدخل فِي قَوْله: غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَلَائِكَة والأنبياء والمؤمنون، وَإِنَّمَا صدر التَّرْجَمَة بالاستفهام للْخلاف فِي جَوَاز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمنهمْ من أنكر الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُطلقًا، وَاحْتَجُّوا

(22/308)


بِمَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة من حَدِيث عُثْمَان بن حَكِيم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أعلم الصَّلَاة تنبغي من أحد على أحد إلاَّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكى القَوْل بِهِ عَن مَالك، وَجَاء نَحوه عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَعَن سُفْيَان أَيْضا؛ وَمِنْهُم من جوزها تبعا مُطلقًا وَلَا يجوزها اسْتِقْلَالا، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَجَمَاعَة وَمِنْهُم من جوزها مُطلقًا يعْنى اسْتِقْلَالا وتبعاً، وحجتهم حَدِيث الْبَاب.
وَأما الصَّلَاة على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فقد ورد فِيهَا أَحَادِيث: مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أخرجه الطَّبَرَانِيّ: إِذا صليتم عَليّ فصلُّوا على أَنْبيَاء الله، فَإِن الله بَعثهمْ كَمَا بَعَثَنِي، وَسَنَده ضَعِيف. وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الدُّعَاء بِحِفْظ الْقُرْآن. وَفِيه: وصلِّ عَليّ وعَلى سَائِر النَّبِيين. أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وَأما الصَّلَاة على الْمَلَائِكَة فَيمكن أَن تُؤْخَذ من الحَدِيث الْمَذْكُور، لِأَن الله سماهم رسلًا، وَأما الْمُؤْمِنُونَ فَحَدِيث الْبَاب يدل على جَوَاز الصَّلَاة عَلَيْهِم على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {وصل عَلَيْهِم. . سكن لَهُم} (التَّوْبَة: 103)
صدر بِهَذِهِ الْآيَة تَنْبِيها على أَن الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجوز، وَأَيْضًا توضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة. قَوْله: (وصل عَلَيْهِم) أَي: أدع لَهُم واستغفر لَهُم لِأَن معنى الصَّلَاة الدُّعَاء، وَفِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ، وَهُوَ قَول الْوَالِي إِذا أَخذ الصَّدَقَة: آجرك الله فِيمَا أَعْطَيْت، وَبَارك لَك فِيمَا أبقيت. قَوْله: (سكن) عَن ابْن عَبَّاس: رَحْمَة لَهُم، وَعَن قَتَادَة: وقار، وَعَن الْكَلْبِيّ: طمأنينة لَهُم أَن الله قد قبل مِنْهُم، وَعَن أبي معَاذ: تَزْكِيَة لَهُم مِنْك، وَعَن أبي عُبَيْدَة: تثبيت.

6359 - حدَّثنا سلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرو بن مُرَّةَ عنِ ابنِ أبي أوْفاى قَالَ: كَانَ إِذا أتَى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، فأتاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ أبي أوْفاى.
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ أَيْضا تَرْجَمَة ظَاهِرَة. وَفِيه إِيضَاح للإبهام الَّذِي فِي الْبَاب.
وَعَمْرو بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء وَاسم ابْن أبي أوفى عبد الله، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة بن خَالِد الْأَسْلَمِيّ، وَكِلَاهُمَا صحابيان.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بَاب صَلَاة الإِمَام ودعائه لصَاحب الصَّدَقَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَأَتَاهُ أبي) هُوَ أَبُو أوفى. قَوْله: (على آل أبي أوفى) آل الرجل أهل بَيته، وَقيل: لفظ الْآل مقحم وتحقيقة قد مر فِي كتاب الزَّكَاة فِي الْبَاب الْمَذْكُور.

6360 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ عَبْدِ الله بن أبي بَكْرٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَمْرو ابْن سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أنَّهُمْ قالُوا: يَا رسولَ الله! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كَما صَلَّيْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ كَما بارَكْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. (انْظُر الحَدِيث 3369) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه إِيضَاح للإبهام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة.
وَعبد الله بن أبي بكر يروي عَن أَبِيه أبي بكر بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو حميد عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ الْمدنِي الصَّحَابِيّ، وَفِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَاف.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَذريته) بِضَم الذَّال وَحكي بِكَسْرِهَا وَهِي: النَّسْل، وَقد يخْتَص بِالنسَاء والأطفال، وَقد يُطلق على الأَصْل وَهِي من: ذَرأ، بِالْهَمْز أَي: خلق إلاَّ أَنَّهَا سهلت لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَقيل: هِيَ من الذَّر أَي: خلقُوا وأمثال الذَّر، وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن المُرَاد بآل مُحَمَّد أَزوَاجه وَذريته، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن الصَّلَاة على الْآل لَا تجب لسقوطها فِي هَذَا الحَدِيث، ورد هَذَا بِثُبُوت الْأَمر بذلك فِي غير هَذَا الحَدِيث. وَأخرج

(22/309)


عبد الرَّزَّاق من طَرِيق ابْن طَاوُوس عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن رجل من الصَّحَابَة الحَدِيث الْمَذْكُور بِلَفْظ: صل على مُحَمَّد وَأهل بَيته وأزواجه وَذريته.

34 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ آذَيْتُهُ فاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاة ورَحْمَةً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره قَوْله: من، مَنْصُوب محلا على شريطة التَّفْسِير، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: فاجعله، يرجع إِلَى الأذي الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: آذيته، وَالَّذِي فِي: لَهُ، يرجع إِلَى: من. قَوْله: زَكَاة، مَنْصُوب على أَنه مفعول ثَان لأجعل، أَي: طَهَارَة، وَقيل: نمواً فِي الْجنَّة، وَقيل: صلاحاً. قَوْله: وَرَحْمَة، عطف على: زَكَاة.

6361 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبرنِي سَعهيدُ بنُ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ! فأيُّما مُومِنٍ سَبَبْتُهُ فاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إلَيْكَ يَوْمَ القِيامَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ. وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن حَرْمَلَة بن يحيى.
قَوْله: (فأيما مُؤمن) الْفَاء فِيهِ جزائية وَشَرطهَا مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق، أَي: إِن كنت سببت مُؤمنا، فَكَذَا قيل: إِذا كَانَ مُسْتَحقّا للسب لم يكن قربَة لَهُ. وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِهِ غير الْمُسْتَحق لَهُ بِدَلِيل الرِّوَايَات الْأُخَر الدَّالَّة عَلَيْهِ، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: من جملَة تِلْكَ الرِّوَايَات مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة: حَدثنِي أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت عِنْد أم سليم يتيمة ... الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: إِنَّمَا أَنا بشر أرْضى كَمَا يرضى الْبشر، وأغضب كَمَا يغْضب الْبشر، فأيما أحد دَعَوْت عَلَيْهِ من أمتِي بدعوة لَيْسَ لَهَا بِأَهْل أَن يَجْعَلهَا لَهُ طهُورا وَزَكَاة وقربة تقربه بهَا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة، وروى مُسلم أَيْضا عَن جَابر يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنِّي اشْترطت على رَبِّي: أَي عبد من الْمُسلمين سببته أَو شتمته أَن يكون ذَلِك لَهُ زَكَاة وَأَجرا، وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم إِنَّمَا أَنا بشر فأيما رجل سببته أَو لعنته أَو جلدته فاجعلها لَهُ زَكَاة وَرَحْمَة. قيل: إِذا لم يكن لَهُ أثر فَمَا وَجه انقلابه قربَة؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا من جملَة خلقه الْكَرِيم وَكَرمه العميم حَيْثُ قصد مُقَابلَة مَا وَقع مِنْهُ بِالْخَيرِ والكرامة، إِنَّه لعلى خلق عَظِيم.

35 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الفِتَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْفِتَن، بِكَسْر الْفَاء وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق جمع فتْنَة، وَهِي فِي الأَصْل الامتحان والاختبار. يُقَال: فتنته أفتنه فتنا وفتوناً إِذا امتحنته، وَيُقَال فِيهَا: أفتنته، وَهُوَ قَلِيل، وَقد كثر اسْتِعْمَالهَا فِيمَا أخرجه الاختبار للمكروه، ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل بِمَعْنى الْإِثْم وَالْكفْر والقتال والإحراق والإزالة وَالصرْف عَن الشَّيْء.

55 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر حَدثنَا هِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَأَلُوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى أحفوه الْمَسْأَلَة فَغَضب فَصَعدَ الْمِنْبَر فَقَالَ لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْم عَن شَيْء إِلَّا بَينته لكم فَجعلت أنظر يَمِينا وَشمَالًا فَإِذا كل رجل لاف رَأسه فِي ثَوْبه يبكي فَإِذا رجل كَانَ إِذا لاحى الرِّجَال يدعى لغير أَبِيه فَقَالَ يَا رَسُول الله من أبي قَالَ حذافة ثمَّ أنشأ عمر فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَسُولا نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا رَأَيْت فِي الْخَيْر وَالشَّر كَالْيَوْمِ قطّ إِنَّه صورت لي الْجنَّة وَالنَّار حَتَّى رأيتهما وَرَاء

(22/310)


الْحَائِط وَكَانَ قَتَادَة يذكر عِنْد هَذَا الحَدِيث هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن وَهِشَام هُوَ ابْن أبي عبد الله الدستوَائي أَبُو بكر الْبَصْرِيّ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن معَاذ بن فضَالة وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن يحيى بن حبيب وَعَن بنْدَار وَمضى الْكَلَام فِيهِ أَيْضا مُخْتَصرا فِي كتاب الْعلم عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج فَقَامَ عبد الله بن حذافة فَقَالَ من أبي الحَدِيث قَوْله أحفوه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء أَي ألحوا عَلَيْهِ فِي السُّؤَال وَأَكْثرُوا السُّؤَال عَنهُ وَيُقَال أحفيته إِذا حَملته على أَن يبْحَث عَن الْخَبَر وَيُقَال أحفى والحف وَقَالَ الدَّاودِيّ يُرِيد سَأَلُوهُ عَمَّا يكره الْجَواب فِيهِ لِئَلَّا يضيق على أمته وَهَذَا فِي مسَائِل الدّين لَا فِي مسَائِل المَال قَوْله فَجعلت أنظر الْقَائِل بِهِ أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله فَإِذا كلمة المفاجأة قَوْله لاف رَأسه قَالَ الْكرْمَانِي لاف بِالرَّفْع وَالنّصب قلت أما الرّفْع فعلى أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله كل رجل وَأما النصب فعلى أَنه حَال من رجل وَقَوله يبكي على هَذَا هُوَ خبر قَوْله فَإِذا كل رجل وعَلى الرّفْع يكون جملَة حَالية قَوْله فَإِذا رجل اسْمه عبد الله قَوْله " إِذا لاحى الرِّجَال " أَي إِذا خَاصم من الملاحاة وَهِي الْمُخَاصمَة والمنازعة قَوْله يدعى على صِيغَة الْمَجْهُول أَي كَانَ ينْسب إِلَى غير أَبِيه فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي فَقَالَ الرجل من أبي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبوك حذافة وَحكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَنَّهُ أَبوهُ إِمَّا بِالْوَحْي أَو بِحكم الفراسة أَو بالقيافة أَو بالاستلحاق وَلما رَجَعَ عبد الله إِلَى أمه قَالَت لَهُ مَا حملك على مَا صنعت قَالَ كُنَّا أهل جَاهِلِيَّة وَإِنِّي كنت لَا أعرف أبي من كَانَ قَوْله ثمَّ أنشأ عمر أَي طفق عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول رَضِينَا بِمَا عندنَا من كتاب الله وَسنة نَبينَا واكتفينا بِهِ عَن السُّؤَال وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك إِكْرَاما لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وشفقة على الْمُسلمين لِئَلَّا يؤذوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالتكثير عَلَيْهِ وَفِيه أَن غضب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ مَانِعا عَن الْقَضَاء لكماله بِخِلَاف سَائِر الْقُضَاة وَفِيه فهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفضل علمه لِأَنَّهُ خشِي أَن تكون كَثْرَة سُؤَالهمْ كالتعنت لَهُ وَفِيه أَنه لَا يسْأَل الْعَالم إِلَّا عِنْد الْحَاجة قَوْله " كَالْيَوْمِ " أَي يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم قَوْله " وَرَاء الْحَائِط " أَي حَائِط محراب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(22/311)


63 - (بابُ التَّعَوُّذِ من غَلَبَةِ الرِّجالِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي التَّعَوُّذ من غَلَبَة الرِّجَال أَي: من قهرهم، يُقَال: فلَان مغلب من جِهَة فلَان أَي: مقهور مِنْهُ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يَدْفَعهُ عَن نَفسه. وَقيل: تسلطهم واستيلاؤهم هرجاً ومرجاً وَذَلِكَ كغلبة الْعَوام.

3636 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرِ عنْ عَمْرو بن أبي عَمْروٍ مَوْلَى المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ الله بنِ حَنْطَب أنَّهُ سَمعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي طَلْحَة: الْتَمِسْ لَنا غُلاماً مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُني وراءَهُ، فَكُنْتُ أخْدُمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلَّما نَزَلَ، فَكُنْتُ أسْمَعُهُ يُكْثرُ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ منَ الهمِّ والحَزَنِ والعَجْزِ والكَسَلِ والبُخْلِ والجُبْنِ وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجالِ، فَلَمْ أزَلْ أخْدُمُهُ حتَّى أقْبَلْنا مِنْ خَيْبَر وأقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حازَها، فَكُنْتُ أراهُ يُحَوِّي وراءَهُ بِعَباءَةٍ أوْ كِساءٍ ثُمَّ يُرْدِفُها وراءَهُ حتَّى إِذا كُنَّا بالصَّهْباءِ صَنَعَ حَيْساً فِي نِطَعِ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجالاً فأكَلُوا وَكَانَ ذَلِكَ بِناءَهُ بهَا. ثُمَّ أقْبَلَ حتَّى بَدَا لَهُ أحُدٌ قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْها مِثْلَ مَا حَرَّمَ إبْراهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وصاعِهِمْ.
مُطَابقَة للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَغَلَبَة الرِّجَال) . وَعَمْرو بن أبي عَمْرو بِالْوَاو وَفِيهِمَا مولى الْمطلب بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الطَّاء وَكسر اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن حنْطَب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة المَخْزُومِي الْقرشِي.
والْحَدِيث مُضِيّ فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من غزا بصبي للْخدمَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو إِلَى آخِره.
قَوْله: (لأبي طَلْحَة) اسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم سليم أم أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (يردفني) حَال من الإرداف. قَوْله: (من آلهم) الْهم لمكروه يتَوَقَّع والحزن لمكروه وَاقع وَالْبخل ضد الْكَرم والجبن ضد الشجَاعَة، وَفِي بعض النّسخ بعد قَوْله: والحزن وَالْعجز والكسل وَالْعجز، ضد الْقُدْرَة والكسل التثاقل عَن الْأَمر ضد الجلادة. قَوْله: (وضلع الدّين) بِفتْحَتَيْنِ نَقله وشدته وقوته. قَوْله: (فَلم أزل أخدمه) يَعْنِي: إِلَى مَوته قَوْله: (وحازها) بِالْحَاء المهلمة وَالزَّاي أَي: اخْتَارَهَا من الْغَنِيمَة وَأَخذهَا لنَفسِهِ. قَوْله: (أرَاهُ) قَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الْهمزَة أبصره.
قلت: الظَّاهِر أَنه أرَاهُ بِالْفَتْح

(23/2)


لِأَنَّهُ من رُؤْيَة الْعين، وَأرَاهُ بِالضَّمِّ بِمَعْنى أَظُنهُ قَوْله: (يحوي) بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو الْمُشَدّدَة أَي: يجمع ويدور يَعْنِي يَجْعَل العباءة كحوية خشيَة أَن تسْقط وَهِي الَّتِي تعْمل نَحْو سَنَام الْبَعِير، وَقَالَ القَاضِي: كَذَا روينَاهُ يحوّي بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء وَتَشْديد الْوَاو، وَذكر ثَابت والخطابي بِفَتْح الْيَاء وَإِسْكَان الْحَاء وَتَخْفِيف الْوَاو، ورويناه كَذَلِك عَن بعض رَوَاهُ البُخَارِيّ وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَهُوَ أَن يَجْعَل لَهَا حوية وَهِي كسَاء محشو بِلِيفٍ يدار حول سَنَام الرَّاحِلَة وَهُوَ مركب من مراكب النِّسَاء، وَقد رَوَاهُ ثَابت: يحول، بِاللَّامِ وَفَسرهُ بيصلح لَهَا عَلَيْهِ مركبا. قَوْله: (بعباءة) وَهِي ضرب من الأكسية وَهِي بِالْمدِّ قَوْله: (أَو كسَاء) من عطف الْعَام على الْخَاص. قَوْله: (الصَّهْبَاء) بِالْمدِّ مَوضِع بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة. قَوْله: (حَيْسًا) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة وَهِي تمر يخلط بالسمن والأقط. قَوْله: (فِي نطع) فِيهِ، أَربع لُغَات. قَوْله: (وبناؤه بهَا) أَي: زفافه بصفية. قَوْله: (حَتَّى إِذا بدا) أَي: ظهر. قَوْله: (يحبنا ونحبه) الْمحبَّة تحْتَمل الْحَقِيقَة لشمُول قدرَة الله عز وَجل وتحتمل الْمجَاز أَو فِيهِ إِضْمَار أَي: يحبنا أَهله وهم أهل الْمَدِينَة. قَوْله: (مثل مَا حرم) أَي: فِي نفس حُرْمَة الصيدلافي الْجَزَاء وَنَحْوه، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: ويروى مثل مَا حرم بِهِ. بِزِيَادَة بِهِ.
قلت: إِمَّا أَن يكون: مثل مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِمثل مَا حرم بِهِ وَهُوَ الدُّعَاء بِالتَّحْرِيمِ، أَو مَعْنَاهُ: أحرم بِهَذَا اللَّفْظ وَهُوَ أحرم مثل مَا حرم بِهِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمضى الْكَلَام فِي الْمَدّ والصاع فِي الزَّكَاة وَغَيرهَا.

73 - (بَاب التَعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من عَذَاب الْقَبْر.

4636 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خالِدٍ بِنْتَ خالِدٍ قَالَ: ولَمْ أسْمَعْ أحدا سَمعَ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرَها قالَتْ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذابِ القَبْرِ. (انْظُر الحَدِيث 6731) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده حميد بِضَم الْحَاء، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، ومُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف، وَأم خَالِد اسْمهَا أمة بتَخْفِيف الْمِيم بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَكَانَت صَغِيرَة فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحفظت عَنهُ وتأخرت وفاتها وَتَزَوجهَا الزبير ابْن الْعَوام، وَفِي الصَّحَابَة أَيْضا أم خَالِد بنت خَالِد بن يعِيش بن قيس النجارية زَوْجَة حَارِث بن النُّعْمَان، وَقَالَ ابْن سعد تابعية وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أم خَالِد بنت خَالِد غَيرهمَا كَذَا قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح)
قلت: ذكر الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي الصحابيات أَيْضا: أم خَالِد بنت الْأسود بن عبد يَغُوث، روى عَنْهَا عبيد الله بن عبد الله، وَوضع عَلَيْهَا عَلامَة أبي دَاوُد، وَذكر أَيْضا أم خَالِد بنت يعِيش وَقَالَ: ذكرهَا ابْن حبيب.
وتعوذه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَذَاب الْقَبْر تَعْلِيم لأمته وإرشاد لَهُم.

83 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِن البُخْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْبُخْل، وَهَذِه التَّرْجَمَة وَقعت هُنَا للمستملي وَحده وَلغيره لم تثبت أصلا وَعدم ثُبُوتهَا أولى بل أوجب لِأَن هَذَا الْبَاب بِعَيْنِه يَأْتِي بعد ثَلَاثَة أَبْوَاب فحينئذٍ يَقع هَذَا مكرراً من غير فَائِدَة.

5636 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبةُ حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ عنْ مُصْعَبٍ قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يأمُرُ بِخَمْسٍ ويَذْكرُهُنَّ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذ بِكَ أنْ أُرَدَّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا يَعْني فِتْنَةَ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.

(23/3)


مطابقته للتَّرْجَمَة على صِحَّتهَا ظَاهِرَة. وَعبد الْملك بن عُمَيْر بن سُوَيْد بن حَارِثَة الْكُوفِي، كَانَ على قَضَاء الْكُوفَة بعد الشّعبِيّ، وَورد خُرَاسَان غازياً مَعَ سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ أول من عبر جيحون نهر بَلخ مَعَه على طَرِيق سَمَرْقَنْد وَهُوَ من التَّابِعين مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَكَانَ لَهُ يَوْم مَاتَ مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين، وَمصْعَب بن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن فَرْوَة بن أبي المغراء. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الِاسْتِعَاذَة وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن خَالِد بن الْحَارِث وَغَيره.
قَوْله: (كَانَ سعد) أَي: ابْن أبي وَقاص. يَأْمر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يَأْمُرنَا، بِصِيغَة الْجمع. قَوْله: (بِخمْس) أَي: بِخَمْسَة أَشْيَاء وَهِي مصرحة فِي الدُّعَاء الْمَذْكُور. قَوْله: (أَن أرد إِلَى أرذل الْعُمر) أَي: الْهَرم حَيْثُ ينتكس قَالَ الله تَعَالَى: { (36) وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق} (يس: 86) قَوْله: يَعْنِي فتْنَة الدَّجَّال. قَالُوا: إِنَّه من زيادات شُعْبَة.

6636 - حدّثنا عثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا جَرِيرُ عنْ مَنْصُور عنْ أبي وَائِل عنْ مَسْرُوقِ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: دخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يهُودِ المَدِينةِ فَقَالَتَا لي: إنَّ أهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذبْتُهُما ولَمْ أنْعِمْ أنْ أُصدِّقَهُما فَخَرَجَتَا ودَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ لهُ: يَا رسولَ الله! إنَّ عَجُوزيْنِ ... وذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَتا إنهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَاباً تَسْمَعُهُ البَهائِمُ كُلُّها، فَما رأيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلاَةٍ إلاّ تَعَوَّذَ منْ عَذَابِ القَبْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي قبل هَذِه التَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد قُلْنَا: إِن هَذِه التَّرْجَمَة غير صَحِيحَة، وَهَذَا الحَدِيث هُوَ من أَحَادِيث تِلْكَ التَّرْجَمَة.
جرير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع.
وكل هَؤُلَاءِ كوفيون، وَمَنْصُور من صغَار التَّابِعين، وشقيق ومسروق من كبار التَّابِعين، وَرِوَايَة أبي وَائِل عَن مَسْرُوق من رِوَايَة الأقران وَقد ذكر أَبُو عَليّ الجياني أَنه قد وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي عَن الْفربرِي فِي هَذَا الحَدِيث: مَنْصُور عَن أبي وَائِل ومسروق عَن عَائِشَة بواو الْعَطف بدل عَن قَالَ: وَالصَّوَاب الأول، وَلَا يحفظ لأبي وَائِل: عَن عَائِشَة رِوَايَة: قيل: كَونه صَوَابا لَا نزاع، فِيهِ لِاتِّفَاق الروَاة فِي البُخَارِيّ على أَنه من رِوَايَة أبي وَائِل عَن مَسْرُوق. وَكَذَا أخرجه مُسلم وَغَيره من رِوَايَة مَنْصُور وَأما قَوْله: وَلَا يحفظ لأبي وَائِل عَن عَائِشَة رِوَايَة، فمردود فقد أخرج التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي وَائِل عَن عَائِشَة حديثين. أَحدهمَا: مَا رَأَيْت الوجع على أحد أَشد مِنْهُ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا أخرجه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة. وَالْآخر. حَدِيث إِذا تَصَدَّقت الْمَرْأَة، من بَيت زَوجهَا ... الحَدِيث. أخرجه أَيْضا من رِوَايَة عَمْرو بن مرّة: سَمِعت أَبَا وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة، وَهَذَا أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا من رِوَايَة مَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهَذَا جَمِيع مَا لأبي وَائِل فِي الْكتب السِّتَّة عَن عَائِشَة. وَأخرج ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي وَائِل عَن عَائِشَة حَدِيث: مَا من مُسلم يشاك شَوْكَة فَمَا دونهَا إلاّ رَفعه الله بهَا دَرَجَة.
قَوْله: (عجوزان) الْعَجُوز يُطلق على الشَّيْخ وَالشَّيْخَة وَلَا يُقَال: عجوزة، إلاَّ على لُغَة رَدِيئَة، وَالْعجز بِضَمَّتَيْنِ جمعه. قيل: قد تقدم فِي الْجَنَائِز أَن يَهُودِيَّة دخلت وَأجِيب: لَا مُنَافَاة بَينهَا. قَوْله: (وَلم أنعم) قَالَ بَعضهم: هُوَ رباعي من أنعم.
قلت: هُوَ ثلاثي مزِيد فِيهِ وَلَا يُقَال الرباعي إلاَّ فِي الْأُصُول أَي: لم أحسن فِي تصديقهما، ولحاصل أَنَّهَا مَا صدقتهما. قَوْله: (إِن عجوزين) حذف خَبره للْعلم بِهِ وَهُوَ: دخلتا. قَالَ بَعضهم: ظهر لي أَن البُخَارِيّ هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ.
قلت: الظَّاهِر أَن الَّذِي حذفه أحد الروَاة. قَوْله: (وَذكرت لَهُ) قَالَ بَعضهم بِضَم التَّاء وَسُكُون الرَّاء، أَي: ذكرت لَهُ مَا قَالَتَا:
قلت: يجوز أَن يكون بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون التَّاء وَلَا مَانع من ذَلِك لصِحَّة الْمَعْنى. قَوْله: (تسمعه الْبَهَائِم) وَتقدم فِي الْجَنَائِز أَن صَوت الْمَيِّت يسمعهُ كل شَيْء إلاَّ الْإِنْسَان، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، قيل: الْعَذَاب لَيْسَ مسموعاً وَأجِيب: بِأَن الْمَقْصُود صَوت المعذب من الْإِنْس وَنَحْوه، أَو بعض الْعَذَاب نَحْو الضَّرْب فَإِنَّهُ مسموع. قَوْله: (بعد) بني على الضَّم أَي: بعد ذَلِك. قَوْله: (إلاَّ تعود) ويروى: إلاَّ يتَعَوَّذ بِلَفْظ الْمُضَارع.

(23/4)


93 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من فتْنَة زمَان الْمحيا أَي: الْحَيَاة. قَوْله: وَالْمَمَات، أَي: من فتْنَة زمن الْمَمَات أَي: الْمَوْت، وَهُوَ من أول النزع إِلَى انْفِصَال الْأَمر يَوْم الْقِيَامَة.

7636 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أبي قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: كانَ نَبيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والهَرَمِ، وأعُوذُ بِكَ من عَذَاب القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمعتمر يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي: بَاب مَا يتَعَوَّذ من الْجُبْن.
قَوْله: (والهرم) بِفتْحَتَيْنِ هُوَ أقْصَى الْكبر.

04 - (بابُ التَعَوُّذِ مِنَ المأْثَمِ والمَغْرمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من المأثم أَي: الْإِثْم. قَوْله: (والمغرم) ، أَي: وَمن المغرم أَي: الغرامة وَهِي مَا يلزمك أَدَاؤُهُ كَالدّين وَالدية.

61 - (حَدثنَا مُعلى بن أَسد حَدثنَا وهيب عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم وَمن فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة النَّار وَعَذَاب النَّار وَمن شَرّ فتْنَة الْغنى وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْفقر وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال اللَّهُمَّ اغسل عني خطاياي بِمَاء الثَّلج وَالْبرد ونق قلبِي من الْخَطَايَا كَمَا نقيت الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وباعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله والمأثم والمغرم ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله وَمن فتْنَة الْقَبْر هِيَ سُؤال مُنكر وَنَكِير وَعَذَاب الْقَبْر بعده على الْمُجْرمين فَكَانَ الأول مُقَدّمَة للثَّانِي قَوْله وَمن فتْنَة النَّار هِيَ سُؤال الخزنة على سَبِيل التوبيخ قَالَ تَعَالَى {كلما ألقِي فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير} وَعَذَاب النَّار بعده قَوْله وَمن شَرّ فتْنَة الْغنى هِيَ نَحْو الطغيان والبطر وَعدم تأدية الزَّكَاة وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ لفظ الشَّرّ وَلم يذكرهُ فِي الْفقر وَنَحْوه تَصْرِيحًا بِمَا فِيهِ من الشَّرّ وَأَن مضرته أَكثر من مضرَّة غَيره أَو تَغْلِيظًا على الْأَغْنِيَاء حَتَّى لَا يغتروا بغنائهم وَلَا يغفلوا عَن مفاسده أَو إِيمَاء إِلَى صور أخواته الْأُخَر فَإِنَّهَا لَا خير فِيهَا بِخِلَاف صورته فَإِنَّهَا قد تكون خيرا قَالَ ذَلِك كُله الْكرْمَانِي وَقَالَ بَعضهم بعد أَن نَقله وكل هَذَا غَفلَة عَن الْوَاقِع وَالَّذِي ظهر لي أَن لفظ الشَّرّ ثَابت فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنَّمَا اختصرها بعض الروَاة قلت هَذَا غَفلَة من حَيْثُ أَنه ادّعى اخْتِصَار بعض الروَاة بِغَيْر دَلِيل على ذَلِك ثمَّ قَالَ وَسَيَأْتِي بعد هَذَا بِلَفْظ شَرّ فتْنَة الْغنى وَشر فتْنَة الْفقر وَهَذَا الْكَلَام لَا يساعده فِيمَا قَالَه لِأَن للكرماني أَن يَقُول يحْتَمل أَن يكون لفظ شَرّ فِي فتْنَة الْفقر مدرجا من بعض الروَاة على أَنه لم ينف مَجِيء لفظ شَرّ فِي غير الْغنى وَلَا يلْزمه هَذَا لِأَنَّهُ فِي صدد بَيَان هَذَا الْموضع خَاصَّة الَّذِي وَقع كَذَا قَوْله وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْفقر لِأَنَّهُ رُبمَا يحملهُ على مُبَاشرَة مَا لَا يَلِيق بِأَهْل الدّين والمروءة ويهجم على أَي حرَام كَانَ وَلَا يُبَالِي وَرُبمَا يحملهُ على التَّلَفُّظ بِكَلِمَات تُؤَدِّيه إِلَى الْكفْر قَوْله وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال الْمَسِيح بِفَتْح الْمِيم وَكسر السِّين وبكسرهما مَعَ تَشْدِيد السِّين فَمن شدد فَهُوَ من مَمْسُوح الْعين وَمن خفف فَهُوَ من السياحة

(23/5)


لِأَنَّهُ يمسح الأَرْض أَو لِأَنَّهُ مَمْسُوح الْعين الْيُمْنَى أَي أَعور وَقَالَ ابْن فَارس الْمَسِيح الَّذِي أحد شقي وَجهه مَمْسُوح لَا عين لَهُ وَلَا حَاجِب والدجال من الدجل وَهُوَ التغطية لِأَنَّهُ يُغطي الأَرْض بِالْجمعِ الْكثير أَو لتغطيته الْحق بِالْكَذِبِ أَو لِأَنَّهُ يقطع الأَرْض قَوْله خطاياي جمع خَطِيئَة وأصل خَطَايَا خطائتي على وزن فعائل وَلما اجْتمعت الهمزتان قلبت الثَّانِيَة يَاء لِأَن قبلهَا كسرة ثمَّ استثقلت وَالْجمع ثقيل وَهُوَ معتل مَعَ ذَلِك فقلبت الْيَاء ألفا ثمَّ قلبت الْهمزَة الأولى يَاء لخفائها بَين الْأَلفَيْنِ قَوْله بِمَاء الثَّلج وَالْبرد خصهما بِالذكر لنقائهما ولبعدهما من مُخَالطَة النَّجَاسَة وَالْبرد بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء حب الْغَمَام تَقول مِنْهُ بردت الأَرْض قَوْله ونق أَمر من نقى ينقي تنقية وَذكره للتَّأْكِيد وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ مجَاز يَعْنِي كَمَا يغسل مَاء الثَّلج وَمَاء الْبرد مَا يُصِيبهُ (قيل) الْعَادة أَنه إِذا أُرِيد الْمُبَالغَة فِي الْغسْل يغسل بِالْمَاءِ الْحَار لَا بالبارد وَلَا سِيمَا الثَّلج وَنَحْوه وَأجَاب الْخطابِيّ بِأَن هَذِه أَمْثَال لم يرد بهَا أَعْيَان المسميات وَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا التوكيد فِي التَّطْهِير من الْخَطَايَا وَالْمُبَالغَة فِي محوها عَنهُ والثلج وَالْبرد ماآن مقصوران على الطَّهَارَة لم تمسهما الْأَيْدِي وَلم يمتهنهما اسْتِعْمَال فَكَانَ ضرب الْمثل بهما أوكد فِي بَيَان مَا أَرَادَهُ من التَّطْهِير وَقَالَ الْكرْمَانِي يحْتَمل أَنه جعل الْخَطَايَا بِمَنْزِلَة نَار جَهَنَّم لِأَنَّهَا مؤدية إِلَيْهَا فَعبر عَن إطفاء حَرَارَتهَا بِالْغسْلِ تَأْكِيدًا فِي الإطفاء وَبَالغ فِيهِ بِاسْتِعْمَال المبردات ترقيا عَن المَاء فِيهِ إِلَى أبرد مِنْهُ وَهُوَ الثَّلج إِلَى أبرد مِنْهُ وَهُوَ الْبرد بِدَلِيل جموده قَوْله من الدنس وَهُوَ الْوَسخ قَوْله وباعد يَعْنِي أبعد -
14 - (بابُ الإسْتِعاذَةِ مِنَ الجُبْنِ والكَسَلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاسْتِعَاذَة من الْجُبْن وَهُوَ خلاف الشجَاعَة والكسل وَهُوَ التثاقل عَن الْأَمر وَهُوَ خلاف الجلادة.
كُسالَى وكَسالى واحِدٌ
يَعْنِي: بِضَم الْكَاف وَفتحهَا وهما قراءتان، قَرَأَ الْجُمْهُور بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الأعجر بِالْفَتْح وَهِي لُغَة بني تَمِيم، وَقَرَأَ ابْن السميقع بِالْفَتْح أَيْضا لَكِن أسقط الْألف وَسكن السِّين، وَصفهم بِمَا يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث الْمُفْرد لملاحظة معنى الْجَمَاعَة وَهِي كَمَا قرىء: وَترى النَّاس سكرى.

9636 - حدّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حَدثنَا سُلَيْمانُ قَالَ: حدّثني عَمْرُو بنُ أبي عَمْرٍ وَقَالَ: سَمِعْتُ أنَساً قَالَ: كَانَ النبيُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ والحَزَنِ والعَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والبُخْلِ وضَلَعِ الدَّيْن وغَلَبَةِ الرِّجالِ. / ح.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَوَقع التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي وَعَمْرو بن أبي عَمْرو مولى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب، وَقد مرت رِوَايَته عَن أنس عَن قريب فِي: بَاب التَّعَوُّذ من غَلَبَة الرِّجَال، وَمر تَفْسِير هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا عَن قريب.

24 - (بابُ التَعَوُّذِ مِنَ البُخْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْبُخْل.
البُخْلُ والبَخَلُ واحِدٌ، مِثْلُ الحُزْنِ والحَزَنِ
الْبُخْل بِضَم الْبَاء وَالْبخل بِفَتْحِهَا وَفتح الْخَاء وَاحِد فِي الْمَعْنى. وَنَظِيره الْحزن بِالضَّمِّ والحزن بِفَتْح الْحَاء وَالزَّاي.

0736 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثني غُنْدرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عَن عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عنْ سَعْدِ بنِ أبي وقَّاص، رَضِي الله عَنهُ، كَانَ يأمُرُ بهؤلاء الخَمْسِ ويحَدِّثُهُنَّ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْن، وأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إِلَى

(23/6)


أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب التَّعَوُّذ من عَذَاب الْقَبْر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن مُصعب إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَأَعُوذ بك أَن أرد) ويروى عَن السَّرخسِيّ: من أَن أرد، بِزِيَادَة لَفْظَة: من قَوْله: (وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدُّنْيَا) قَالَ شُعْبَة: سَأَلت عبد الْملك بن عُمَيْر عَن فتْنَة الدُّنْيَا؟ قَالَ الدَّجَّال: كَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَإِطْلَاق الدُّنْيَا على الدَّجَّال لكَون فتنته أعظم الْفِتَن الكائنة فِي الدُّنْيَا، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث وَفِيه أَنه: لم تكن فتْنَة فِي الأَرْض مُنْذُ ذَرأ الله ذُرِّيَّة آدم أعظم من فتْنَة الدَّجَّال، أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.

34 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ أرْذَلِ العُمُرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من أرذل الْعُمر وَهُوَ الْهَرم زمَان الخرافة وَحين انتكاس الْأَحْوَال، قَالَ الله تَعَالَى: { (16) ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر لكيلا يعلم بعد علم شَيْئا} (النَّحْل: 07 وَالْحج: 5) .
أراذِلُنا: أسْقاطُنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { (11) إِلَّا الَّذين هم أراذلنا} (هود: 72) وَفَسرهُ بقوله: أسقاطنا وَهُوَ جمع سَاقِط وَهُوَ اللَّئِيم فِي حَسبه وَنسبه، ويروى: سقاطنا، بِضَم السِّين وَتَشْديد الْقَاف، وَيُقَال: قوم سقطي وَإِسْقَاط وسقاط.

1736 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عبْدُ الوَارِثِ عَنْ عبْدِ العَزِيزِ بن صُهَيْبٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَعَوَّذُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَرَمِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ.

قيل: لَيْسَ فِيهِ لفظ التَّرْجَمَة فَلَا مُطَابقَة.
قلت: تُؤْخَذ الْمُطَابقَة من قَوْله: (وَأَعُوذ بك من الْهَرم) لِأَنَّهُ يُفَسر بأرذل الْعُمر، وَقد مر عَن قريب تَفْسِيره هَكَذَا.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عمر والمنقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يتَعَوَّذ يَقُول) جملتان مَحلهمَا النصب فَالْأولى على أَنَّهَا خبر كَانَ، وَالثَّانيَِة حَال.

44 - (بابُ الدُّعاءِ بِرَفْعِ الوَباءِ والوَجَعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بِرَفْع الوباء والوجع والوباء بِالْمدِّ وَالْقصر فَجمع الْمَقْصُور أوباء وَجمع الْمَمْدُود أوبية وَهُوَ الْمَرَض الْعَام، وَقيل: الْمَوْت الذريع وَأَنه أَعم من الطَّاعُون لِأَن حَقِيقَته مرض عَام ينشأ عَن فَسَاد الْهَوَاء، وَمِنْهُم من قَالَ: الوباء والطاعون مُتَرَادِفَانِ، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن الطَّاعُون لَا يدْخل الْمَدِينَة وَأَن الوباء وَقع بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي حَدِيث العرنيين.
قلت: فِيهِ نظرلأن ابْن الْأَثِير قَالَ: إِنَّه الْمَرَض الْعَام، وَكَذَلِكَ الوباء هُوَ الْمَرَض الْعَام. وَقَوله: الطَّاعُون لَا يدْخل الْمَدِينَة، يحْتَمل أَن يُقَال إِنَّه لَا يدْخل بعد قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (والوجع) أَي: الدُّعَاء أَيْضا بِرَفْع الوجع، وَهُوَ يُطلق على كل الْأَمْرَاض فَيكون هَذَا الْعَطف من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص، لَكِن بِاعْتِبَار أَن منشأ الوباء خَاص وَهُوَ فَسَاد الْهَوَاء بِخِلَاف الوجع فَإِن لَهُ أسباباً شَتَّى وَبِاعْتِبَار أَن الوباء يُطلق على الْمَرَض الْعَام يكون من بَاب عطف الْعَام على الْعَام.

2736 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَما حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَو أشَدَّ، وانْقُلْ حُمَّاها إِلَى الجُحْفَة، اللَّهُمَّ بارِكْ لَنَا فِي مُدِّنا وصاعِنا.
ذكر الْمُطَابقَة هُنَا بِنَوْع من التعسف وَهُوَ أَنَّهَا تُؤْخَذ من قَول: قَوْله: (وانقل حماها) بِاعْتِبَار أَن تكون الْحمى مَرضا عَاما فَتكون

(23/7)


الْمُطَابقَة للجزء الأول للتَّرْجَمَة. وَقيل: فِي بعض طرق حَدِيث الْبَاب: فقدمنا الْمَدِينَة وَهِي أوبأ أَرض الله.
قلت: فِيهِ بعد لِأَن الْمُطَابقَة لَا تكون إلاَّ بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبَاب بِعَيْنِه وسُفْيَان هُوَ: الثَّوْريّ.
والْحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث أَوله: لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وعك أَبُو بكر وبلال رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَتقدم فِي آخر كتاب الْحَج وَتقدم الْكَلَام فِيهِ: والجحفة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء مِيقَات أهل مصر وَالشَّام فِي الْقَدِيم، والآن أهل الشَّام يحرمُونَ من مِيقَات أهل الْمَدِينَة، وَكَانَ سكانها فِي ذَلِك الْوَقْت يهود. وَفِيه: الدُّعَاء على الْكفَّار بالأمراض والبليات.
قَوْله: (فِي مدنا) أَي: فِيمَا نقدر بِهِ إِذْ بركته مستلزمة لبركته وَالْمرَاد كَثْرَة الأقوات من الثِّمَار والغلات.

3736 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدّثنا إبراهيمُ بنُ سعَدٍ أخبرنَا ابنُ شِهابٍ عنْ عامرِ بن سَعْدٍ أنَّ أباهُ قَالَ: عادَنِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَجةِ الوَداعِ مِنْ شَكْوى أشْفَيْتُ مِنْهُ على المَوْت، فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله {بَلَغَ بِي مَا تَراى مِنَ الوَجَعِ وَأَنا ذُو مالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلاَّ ابْنَةٌ لِي واحدَةٌ، أفأتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مالِي؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَبِشَطْرِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةَ يَتَكَفَّفُونَ النَّاس، وإنَّكَ لَنْ تُنفِقَ نَفَقَةَ تَبْتَغِي بهَا وَجْهَ الله إلاَّ أجِرْتَ حتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأتِكَ. قُلْتُ: يَا رسولَ الله} أُخَلَّفُ بَعْدَ أصْحابي؟ قَالَ: إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَملاً تَبْتَغِي بِهِ وجْهَ الله إلاَّ ازْدَدْتَ دَرجةَ وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلْفُ حتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أقْوامٌ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُم أمْضِ لأصْحابي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أعَقابِهِمْ، لاكِنِ البائِسُ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ.
قَالَ سَعْدٌ: رَثَي لهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
قَالَ بَعضهم: هَذَا يتَعَلَّق بالركن الثَّانِي من التَّرْجَمَة وَهُوَ الوجع.

قلت: التَّرْجَمَة الدُّعَاء بِرَفْع الوجع وَلَيْسَ فِي الحَدِيث هَذَا، والمطابقة لَيست مُتَعَلقَة بِمُجَرَّد ذكر الوجع حَتَّى يَقُول هَذَا الْقَائِل مَا قَالَه، وَيُمكن أَن يُؤْخَذ وَجه الْمُطَابقَة هُنَا من قَوْله: (اللَّهُمَّ أمض لِأَصْحَابِي هجرتهم وَلَا تردهم على أَعْقَابهم) ، فَإِن فِيهِ إِشَارَة لسعد بالعافية ليرْجع إِلَى دَار هجرته وَهِي الْمَدِينَة.
وَذكر هَذَا الحَدِيث فِي مَوَاضِع: فِي الْجَنَائِز عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْوَصَايَا عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان، وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن يُونُس، وَفِي الْهِجْرَة عَن يحيى بن قزعة، وَفِي الطِّبّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْفَرَائِض عَن أبي الْيَمَان، وَهنا أخرجه أَيْضا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه سعد.
قَوْله: (عادني) أَي: زارني لأجل مرض حصل لي. قَوْله: (من شكوى) أَي: من مرض وَهُوَ غير منصرف. قَوْله: (أشفيت مِنْهُ) أَي: أشرفت مِنْهُ على الْمَوْت ودنوت مِنْهُ وَمرَاده بِهِ الْمُبَالغَة فِي شدَّة مَرضه، ويروى: أشفيت مِنْهَا أَي من الشكوى وَهُوَ الظَّاهِر، وَرِوَايَة: مِنْهُ، بِاعْتِبَار الْمَرَض. قَوْله: (إلاَّ ابْنة لي وَاحِدَة) وَاسْمهَا عَائِشَة. قَوْله: (ذُو مَال) أَي: صَاحب مَال وَكَانَ حصل لَهُ من الفتوحات شَيْء كثير. قَوْله: (فبشطره) أَي: نصفه، وَكثير بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: قَوْله: (أَن تذر) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي أَن تتْرك، وَقيل: لِأَن تذر. قَوْله: (عَالَة) هُوَ جمع العائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) أَي: يمدون أكفهم إِلَى النَّاس بالسؤال. قَوْله: (فِي فِي امْرَأَتك) أَي: فِي فَم امْرَأَتك. قَوْله: (أخلف) يَعْنِي: فِي مَكَّة أبقى بعدهمْ. قَوْله: (لن تخلف) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فتعمل) بِالنّصب عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (ولعلك تخلف حَتَّى ينْتَفع بك أَقوام) فِيهِ إِشَارَة إِلَى طول عمره، وَهُوَ من المعجزات، فَإِنَّهُ عَاشَ حَتَّى فتح الْعرَاق وانتفع بِهِ أَقوام وَأَرَادَ بهم الْمُسلمين. وَقَوله: (ويضر بك) على صِيغَة الْمَجْهُول آخَرُونَ أَي: أَقوام آخَرُونَ، وَأَرَادَ بهم الْمُشْركين، وَقيل: إِن عبيد الله أَمر عمر بن سعد وَلَده على الْجَيْش الَّذين لقوا الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَتَلُوهُ بِأَرْض كربلا وقصته مَشْهُورَة. قَوْله: (أمض) بِفَتْح الْهمزَة يُقَال: أمضيت الْأَمر أَي: أنفذته أَي: تمم الْهِجْرَة لَهُم وَلَا تنقصها عَلَيْهِم، وَقَالَ الدَّاودِيّ:

(23/8)


لم يكن للمهاجرين الْأَوَّلين أَن يقيموا بِمَكَّة إلاَّ ثَلَاثَة أَيَّام بعد الصَّدْر فَدَعَا لَهُم بالثبات على ذَلِك. قَوْله: قَوْله: (لَكِن البائس) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ من أَصَابَهُ الْبُؤْس أَي: الْفقر وَسُوء الْحَال. وَقَالَ الْكرْمَانِي: البائس شَدِيد الْحَاجة وَهُوَ مَنْصُوب بقوله: قَوْله: (لَكِن) إِن كَانَت مُشَدّدَة هُوَ وَخَبره. قَوْله: (سعد بن خَوْلَة) وَإِن كَانَت مُخَفّفَة يكون البائس مُبْتَدأ وَخَبره سعد بن خَوْلَة، وَهُوَ من بني عَامر بن لؤَي من أنفسهم عِنْد الْبَعْض وحليف لَهُم عِنْد آخَرين، وَكَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة فِي قَول الْوَاقِدِيّ، وَإِنَّمَا رثي لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه مَاتَ بِمَكَّة وَهِي الأَرْض الَّتِي هَاجر مِنْهَا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَإِنَّمَا رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ قَالَ: كل من هَاجر من بَلَده يكون لَهُ ثَوَاب الْهِجْرَة من الأَرْض الَّتِي هَاجر مِنْهَا إِلَى الأَرْض الَّتِي هَاجر إِلَيْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَحرم ذَلِك لما مَاتَ بِمَكَّة، وَقيل: رَجَعَ إِلَى مَكَّة بعد شُهُوده بَدْرًا وَقد أَطَالَ الْمقَام بهَا بِغَيْر عذر وَلَو كَانَ لَهُ عذر، لم يَأْثَم وَكَانَ مَوته فِي حجَّة الْوَدَاع. وَقد قَالَ ابْن مزين من الْمَالِكِيَّة: إِنَّمَا رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ أسلم وَأقَام بِمَكَّة وَلم يُهَاجر، وأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْدُود من الْبَدْرِيِّينَ عِنْد أهل الصَّحِيح كَمَا ذكره البُخَارِيّ وَغَيره.
وَقَوله: (قَالَ سعد) أَي: سعد بن أبي وَقاص: رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يرد قَول من زعم أَن فِي الحَدِيث إدارجاً وَأَن قَوْله: رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من قَول الزُّهْرِيّ. فَإِن قلت: ورد فِي بعض طرقه: وَفِيه قَالَ الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره قلت، هَذَا يرجع إِلَى اخْتِلَاف الروَاة عَن الزُّهْرِيّ هَل وصل هَذَا الْقدر عَن سعد أَو قَالَ من قبل نَفسه؟ وَالْحكم للوصل لِأَنَّهُ مَعَ رَاوِيه زِيَادَة علم وَهُوَ حَافظ. قَوْله: (رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: ترحم عَلَيْهِ ورق لَهُ من جِهَة وَفَاته بِمَكَّة وَهُوَ معنى قَوْله: قَوْله: (من أَن توفّي بِمَكَّة) أَي: من أجل أَنه مَاتَ بِمَكَّة الَّتِي هَاجر مِنْهَا وَكَانَ يتَمَنَّى أَن يَمُوت بغَيْرهَا فَلم يُعْط متمناه.

54 - (بابُ الِاسْتِعَاذَة من أرذل العُمُرِوِ ومنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا وفِتْنَةِ النَّارِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاسْتِعَاذَة من أرذل الْعُمر وَقد مر تَفْسِيره غير مرّة. قَوْله: وَمن فتْنَة الدُّنْيَا، قد ذكرنَا أَن المُرَاد بِهِ الدَّجَّال. قَوْله: وَمن فتْنَة النَّار، رَأْي من عَذَاب النَّار، وَفِي بعض النّسخ كَذَلِك: وَمن عَذَاب النَّار.

4736 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا الحُسَيْنُ عنْ زائِدَةَ عنْ عَبْدِ المَلِكِ عنْ مُصْعَبٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: تَعَوَّذُوا بِكَلِماتٍ كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَعَوَّذ بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأعُوذُ بِك مِنْ أنْ أُرَدَّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ الدُّنْيا وعَذَابِ القَبْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَقيل: إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَالْحُسَيْن هُوَ ابْن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، وزائدة هُوَ ابْن قُدامة أَبُو الصَّلْت الْكُوفِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، وَمصْعَب هُوَ ابْن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب التَّعَوُّذ من الْبُخْل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

5736 - حدّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى حَدثنَا وَكِيعٌ حدّثنا هِشامُ بنُ عُروةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن الكَسَلِ والهَرَمِ والمَغْرَمِ والمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذ بِكَ من عذَابِ النَّارِ وفِتْنةِ النَّار وَفِتْنَةِ القَبْرِ وعَذَابِ القَبْرِ وشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ ومِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ إغْسِلْ خَطَاياي بماءِ الثلْجِ والبَرَدِ ونَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطايا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وباعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خطايايَ كَمَا باعَدْتَ بَيْنَ المَشرقِ والمَغْرِبِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (والهرم) لِأَنَّهُ فسر بأرذل الْعُمر. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن أبي كريب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد، وَقد مضى شَرحه.

(23/9)


64 - (بابُ الاسِتْعِاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الغِنَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاسْتِعَاذَة من فتْنَة الْغنى.

6736 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا سَلاَّمُ بنُ أبي مُطِيعٍ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ خالَتِهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يَتَعَوَّذُ: أللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنةِ الغِنَى، وأعُوذ بِكَ منْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المسيحِ الدَّجَّالِ. طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْغنى) . وَسَلام بتَشْديد اللَّام ابْن أبي مُطِيع الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن خَالَته عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَمعنى الحَدِيث قد سبق.
قَوْله: (من فتْنَة النَّار) أُرِيد بهَا مشاهدتها وَلَا ثمَّ بعْدهَا الْعَذَاب.

74 - (بابُ التعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْفقر، وَالْمرَاد بِهِ الْفقر المدقع لِأَنَّهُ يخَاف حينئذٍ من فتنته.

7736 - حدّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا أبُو مُعاوِيَة أخبرنَا هِشام بنُ عُرْوةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وعَذابِ النَّارِ وفِتْنَةِ القَبْرِ وعَذابِ القَبْرِ وشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وشَرِّ فِتْنَةِ الفقْرِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذَ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ إغْسِلْ قَلْبِي بِماءِ الثَّلْجِ والبَرَدِ ونَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وباعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطايايَ كَمَا باعدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَل والمَأَثَمِ والمَغْرَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وفتنة الْفقر) . وَمُحَمّد هُوَ إِمَّا ابْن سَلام وَإِمَّا ابْن الْمثنى، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين، وَقد سبق شَرحه.

84 - (بابُ الدُّعاءِ بِكَثْرَةِ المَالِ مَعَ البَرَكَةِ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بِكَثْرَة المَال مَعَ وجود الْبركَة، وَسقط هَذَا الْبَاب فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ.

8736 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ عنْ أُمِّ سُلَيْمِ أنَّها قالَتْ: يَا رسولَ الله! أنَسٌ خادِمُكَ ادْعُ الله لهُ. قَالَ: اللَّهُمَّ أكْثِرْ مالَهُ وَولَدهُ وبارِكْ لهُ فِيما أعْطيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر. والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب دَعْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِخَادِمِهِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

9736 - وعنْ هِشامِ بنِ زَيْدٍ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ مِثْلَهُ.

هِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك يروي عَن جده وروى عَنهُ، وَهُوَ مَعْطُوف على رِوَايَة قَتَادَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وروى هِشَام بن عُرْوَة، وَالْأول أصح.
قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، ويروى: بِمثلِهِ، بِزِيَادَة حرف بَاء الْجَرّ.

(23/10)