عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 41 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا أُحِبُّ أنَّ لِي مِثْلَ أُحدٍ
ذَهَباً)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (مَا أحب أَن لي مثل أحد ذَهَبا) وَفِي بعض النّسخ:
مَا أحب أَن لي أحدا ذَهَبا. وَفِي بَعْضهَا: بَاب قَول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يسرني أَن عِنْدِي
مثل أحد هَذَا ذَهَبا، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافق للفظ
حَدِيث الْبَاب.
4446 - حدّثنا الحَسَنُ بن الرَّبِيعِ حدّثنا أبُو
الأحْوَصِ عنِ الأعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ قَالَ:
قَالَ أَبُو ذُرٍّ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ، فاسْتَقْبَلَنَا
أُحُدٌ فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ {) قُلْتُ: لَبَّيْكَ
يَا رَسُول الله} قَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي
مِثْلَ أُحُدٍ هاذا ذَهَباً تَمْضِي عَلَيَّ ثالِثَةٌ
وعِنْدِي مِنْه دِينارٌ إلاَّ شَيْئاً أرْصُدُهُ لِدَيْنِ،
إلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ فِي عِبادِ الله هاكَذا وهاكَذَا
وهاكَذا) عنْ يَمِينِهِ وعنْ شِمِالِهِ ومِنْ خَلْفِهِ،
ثُمَّ مَشَى فَقَالَ: (إنَّ الأكْثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ
يَوْمَ القِيامَةِ إلاَّ مَنْ قَالَ هاكَذَا وهاكَذَا
وهاكَذَا) عنْ يَمِينِهِ وعنْ شِمِالِهِ ومِنْ خَلْفِهِ،
(وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) ، ثُمَّ قَالَ لِي: (مَكانَكَ لَا
تَبْرَحْ حتَّى آتِيَكَ) ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ
اللَّيْلِ حَتَّى تَواراى. فَسَمِعْتُ صَوْتاً قَدِ
ارْتَفَعَ فَتَخَوَّفْتُ أنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ للنبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأرَدْتُ أنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ
قَوْلَهُ لِي: (لَا تَبْرَحْ حتَّى آتِيكَ) فَلَمْ أبْرَحْ
حتَّى أتانِي. قُلْتُ: يَا رسولَ الله! لَقَدْ سَمِعْتُ
صَوْتاً تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: (وَهَلْ
(23/52)
سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (ذَاكَ
جِبْرِيلُ أتانِي فَقَالَ: مَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا
يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ. قُلْتُ: وإنْ
زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ)
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ: (مَا يسرني أَن
عِنْدِي مثل أحد ذَهَبا) ظَاهِرَة. وَفِي غير هَذَا
اللَّفْظ أَيْضا التطابق مَوْجُود من حَيْثُ الْمَعْنى.
وَالْحسن بن الرّبيع بِفَتْح الرَّاء هُوَ أَبُو عَليّ
البوراني بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء وبالنون،
وَقَالَ الرشاطي: ينْسب إِلَى البواري وَهِي حصر من قصب
وَكَانَ لَهُ غلْمَان يصنعونها، وَأَبُو الْأَحْوَص هُوَ
سَلام بِالتَّشْدِيدِ ابْن سليم، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان.
والْحَدِيث قد رُوِيَ بِزِيَادَة ونقصان عَن أبي ذرٍ كَمَا
ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق.
قَوْله: (فَاسْتقْبلنَا) بِفَتْح اللَّام و: أحد،
بِالرَّفْع فَاعله وَفِي رِوَايَة حَفْص بن غياث:
فَاسْتقْبلنَا أحدا بِسُكُون اللَّام وَنصب أحدا، على أَنه
مفعول. قَوْله: (مَا يسرني) من سره إِذا فرحه وَالسُّرُور
خلاف الْحزن. قَوْله: (أَن عِنْدِي مثل أحد هَذَا ذَهَبا)
. قَوْله: (ثَالِثَة) أَي: لَيْلَة ثَالِثَة. قيل: قيد
بِالثلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يتهيأ تَفْرِيق قدر أحد من
الذَّهَب فِي أقل مِنْهَا غَالِبا.
قلت: يُعَكر عَلَيْهِ رِوَايَة حَفْص بن غياث: مَا أحب أَن
لي أحدا ذَهَبا يَأْتِي على يَوْم وَلَيْلَة أَو ثَلَاث
عِنْدِي مِنْهُ دِينَار. قَالَ بَعضهم: وَالْأولَى أَن
يُقَال: الثَّلَاث أقْصَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي
تَفْرِقَة مثل ذَلِك، والواحدة أقل مَا يُمكن.
قلت: ذكر الْيَوْم أَو الثَّلَاث لَيْسَ بِقَيْد،
وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَن سرعَة التَّفْرِيق من غير
تَأْخِير وَلَا إبْقَاء شَيْء مِنْهُ. وَفِيه أَيْضا
مُبَالغَة لقَوْله: (وَعِنْدِي) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: (إلاَّ شَيْئا) اسْتثِْنَاء من دِينَار. قَوْله:
(أرصده) بِضَم الْهمزَة أَي أعده وأحفظه، وَعَن الْكسَائي
والأصمعي، أرصدت لَهُ أَعدَدْت لَهُ ورصدته ترقبته،
وَهَذِه الْجُمْلَة أَعنِي: أرصده، فِي مَحل النصب
لِأَنَّهَا صفة لقَوْله: (شَيْئا) ثمَّ إرصاد الْعين أَعم
من أَن يكون لصَاحب دين غَائِب حَتَّى يحضر فَيَأْخذهُ،
أَو لأجل وَفَاء دين مُؤَجل حَتَّى يحل فيوفى. قَوْله:
(لدين) ويروى لديني، بياء الْإِضَافَة. قَوْله: (إلاَّ أَن
أَقُول بِهِ) اسْتثِْنَاء بعد اسْتثِْنَاء، قَالَ
الْكرْمَانِي، إلاَّ أَن أَقُول اسْتثِْنَاء من فَاعل
يسرني أَي: إلاَّ أَن أصرفه، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن
الْعَرَب تسْتَعْمل لفظ القَوْل فِي معانٍ كَثِيرَة.
قَوْله: (فِي عباد الله) أَي: بَين عباد الله. كَمَا فِي
قَوْله تَعَالَى: {فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: 92) أَي:
بَين عبَادي. قَوْله: (هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا)
قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات وَأَشَارَ بهَا بِيَدِهِ، ثمَّ
بَين ذَلِك بقوله: (عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَمن خَلفه)
وَهَذَا على سَبِيل الْمُبَالغَة، لِأَن الأَصْل فِي
الْعَطِيَّة أَن تكون لمن بَين يَدَيْهِ وَهَذِه جِهَة
رَابِعَة من الْجِهَات الْأَرْبَع. وَلم يذكر هَهُنَا،
وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أَحْمد بن ملاعب عَن عمر بن حَفْص
بن غياث عَن أَبِيه بِلَفْظ: إلاَّ أَن أَقُول بِهِ فِي
عباد الله هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وأرانا
بِيَدِهِ وَذكر فِيهِ الْجِهَات الْأَرْبَع. وَأخرجه أَبُو
نعيم من طَرِيق سهل بن بَحر عَن عمر بن حَفْص فاقتصر على
ثِنْتَيْنِ. قَوْله: (ثمَّ مَشى) أَي: رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (إِن الْأَكْثَرين هم
الأقلون) ويروى ألاَ إِن الْأَكْثَرين هم المقلون، وَقد
مَضَت رِوَايَة أُخْرَى، إِن المكثرين هم المقلون، وَفِي
رِوَايَة أَحْمد إِن المكثرين هم الأقلون. قَوْله: (إِلَّا
من قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) وَفِي رِوَايَة
ابْن شهَاب. إلاَّ من قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا
وَهَكَذَا. قَوْله: (وَقَلِيل مَا هم) كلمة: مَا، زَائِدَة
مُؤَكدَة للقلة، وهم، مُبْتَدأ، وَقَلِيل، مقدما خَبره.
قَوْله: (مَكَانك) بِالنّصب أَي: إلزم مَكَانك. قَوْله:
(لَا تَبْرَح حَتَّى آتبك) تَأْكِيد لما قبله، وَفِي
رِوَايَة حَفْص: لَا تَبْرَح يَا أَبَا ذَر حَتَّى أرجع.
قَوْله: (ثمَّ انْطلق فِي سَواد اللَّيْل) فِيهِ إِشْعَار
بِأَن الْقَمَر قد غَابَ. قَوْله: (حَتَّى توارى) أَي:
حَتَّى غَابَ عَن بَصرِي. قَوْله: (فَسمِعت صَوتا) وَفِي
رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: لفظا وصوتاً. قَوْله قد عرض بهم
الْعين وروى فتخوفت أَن يكون أحد عرض للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَي لَهُ سوء قَوْله وَإِن زنى وَإِن سرق
تعرض وَقع فِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع.
قلت: يَا جِبْرَائِيل وَإِن سرق وَإِن زنى؟ قَالَ: نعم،
وكررها مرَّتَيْنِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي ثَلَاثًا.
5446 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ شَبِيبٍ حدّثنا أبي عنْ
يُونُسَ.
وَقَالَ الليْثُ: حدّثني يُونُسُ عَن ابْن شهابٍ عنْ
عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ قَالَ أبُو
هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله
(23/53)
عَلَيْهِ وَسلم: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ
أُحُدٍ ذَهَباً لَسَرَّنِي أنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثُ
لَيالٍ وعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إلاَّ شَيْئاً أُرْصِدُهُ
لِدَيْنٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن شبيب بِفَتْح
الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن
سعيد الحبطي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء
الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى الحبطات من
بني تَمِيم الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ،
وَضَعفه ابْن عبد الْبر تبعا لأبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ،
والأزدي غير مرضِي فَلَا يتبع فِي ذَلِك.
قلت: فَلذَلِك قَالَ فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : روى
عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع مَقْرُونا إِسْنَاده
بِإِسْنَاد آخر، وَأَبوهُ شبيب بن سعيد روى عَنهُ ابْنه
أَحْمد فِي الاستقراض ومناقب عُثْمَان مُفردا، وَفِي غير
مَوضِع مَقْرُونا، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
قَوْله: (وَقَالَ اللَّيْث)
إِلَى آخِره ذكره البُخَارِيّ تَقْوِيَة لرِوَايَة أَحْمد
بن شبيب.
والْحَدِيث مضى فِي الاستقراض عَن أَحْمد بن شبيب أَيْضا.
قَوْله: (مثل أحد ذَهَبا) فِي رِوَايَة الْأَعْرَج: لَو
أَن أحدكُم عِنْدِي ذَهَبا. قَوْله: (لسرني) جَوَاب. . لَو
الَّتِي لِلتَّمَنِّي، وَهُوَ ماضٍ مُثبت كَمَا فِي
قَوْلك؛ لَو قَامَ لقمت، وَذكر بَعضهم فِي شَرحه: (مَا
يسرني) بِلَفْظ الْمُضَارع وبكلمة: مَا، النافية ثمَّ نقل
كَلَام ابْن مَالك بِمَا ملخصه: إِن جَوَاب: لَو الَّتِي
لِلتَّمَنِّي يكون مَاضِيا مثبتاً، وَهنا وَقع مضارعاً
منفياً، ثمَّ أجَاب بِمَا ملخصه أَن الْمُضَارع هُنَا وَقع
مَوضِع الْمَاضِي، وَأَيْضًا أَن الأَصْل مَا كَانَ يسرني
فَحذف كَانَ وَهُوَ جَوَاب.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: إِشَارَة إِلَى أَن الْمُؤمن لَا
يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَمَنَّى كَثْرَة المَال إلاَّ
بِشَرْط أَن يُسَلِّطهُ الله تَعَالَى على إِنْفَاقه فِي
طَاعَته اقتداه بالشارع فِي ذَلِك. وَفِيه: أَن
الْمُبَادرَة إِلَى الطَّاعَة مَطْلُوبَة. وَفِيه: أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكون عَلَيْهِ دين
لِكَثْرَة مواساته بقوته وقوت عِيَاله، وإيثاره على نَفسه
أهل الْحَاجة. وَفِيه: الرِّضَا بِالْقَلِيلِ وَالصَّبْر
على خشونة الْعَيْش.
51 - (بابٌ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْغنى غنى النَّفس سَوَاء
كَانَ الشَّخْص متصفاً بِالْمَالِ الْكثير أَو الْقَلِيل،
والغنى بِالْكَسْرِ مَقْصُور وَرُبمَا مده الشَّاعِر
للضَّرُورَة، وَهُوَ من الصَّوْت مَمْدُود والغناء
بِالْفَتْح وَالْمدّ الْكِفَايَة، وَقَالَ بَعضهم: بَاب
بِالتَّنْوِينِ.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن التَّنْوِين عَلامَة
الْإِعْرَاب وَلَفظ بَاب مُفْرد والمعرب جُزْء الْمركب.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا
نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} (الْمُؤْمِنُونَ:
55) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {من دون ذَلِك هم لَهَا
عاملون} (الْمُؤْمِنُونَ: 36)
فِي رِوَايَة أبي ذَر {إِلَى عاملون} وَبَقِيَّة هَذِه
الْآيَة بعد بَنِينَ {نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا
يَشْعُرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 65) ثمَّ من بعد هَذِه
الْآيَة إِلَى قَوْله: {وهم لَهَا عاملون} ثَمَان آيَات
أُخْرَى، فالجملة تسع آيَات سَاقهَا الْكرْمَانِي كلهَا
فِي شَرحه، ثمَّ قَالَ: غَرَض البُخَارِيّ من ذكر الْآيَة
أَن المَال مُطلقًا لَيْسَ خيرا. قَوْله: (أيحسبون)
الْآيَة نزلت فِي الكفاء وَلَيْسَت بمعارضة لدعائه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لأنس بِكَثْرَة المَال وَالْولد،
وَالْمعْنَى: أيحسبون أَن مَا نمدهم بِهِ، أَي: نعطيهم
ونزيدهم من مَال وبنين مجازاة لَهُم وَخيرا؟ بل هُوَ
اسْتِدْرَاج لَهُم ثمَّ بَين المسارعين إِلَى الْخيرَات من
هم، فَقَالَ: {إِن الَّذين هم من خشيَة رَبهم مشفقون}
(الْمُؤْمِنُونَ: 75) أَي: خائفون {وَالَّذين هم بآيَات
رَبهم يُؤمنُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 85) أَي: يصدقون،
وَهَذِه الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا فِي مدح هَؤُلَاءِ
الْمُتَّقِينَ. قَوْله: {وَالَّذين يُؤْتونَ}
(الْمُؤْمِنُونَ: 95) أَي: يُعْطون مَا أعْطوا من
الزَّكَاة وَالصَّدقَات، وَالْحَال أَن قُلُوبهم وَجلة
أَي: خائفة أَن لَا يقبل مِنْهُم. قَوْله: {يُسَارِعُونَ}
يَقُول سارعت وأسرعت بِمَعْنى وَاحِد إِلَّا أَن سارعت،
أبلغ من أسرعت. قَوْله: (وهم لَهَا) أَي: إِلَيْهَا
وَالتَّقْدِير: وهم يسابقونها. قَوْله: (إِلَّا وسعهَا)
يَعْنِي: إلاَّ مَا يَسعهَا. قَوْله: {ولدينا كتاب}
يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {ينْطق بِالْحَقِّ} يَعْنِي:
يشْهد بِمَا عملوه. قَوْله: {بل قُلُوبهم فِي غمرة} إضراب
عَن وصف الْمُتَّقِينَ وشروع فِي وصف الْكفَّار. أَي: فِي
غَفلَة عَن الْإِيمَان بِالْقُرْآنِ، قَالَه مقَاتل،
وَقيل: فِي عماية من هَذَا، أَي: من الْقُرْآن. قَوْله:
{لَهُم أَعمال من دون ذَلِك} أَي: أَعمال سَيِّئَة دون
الشّرك، وَقيل: دون أَعمال الْمُؤمنِينَ. قَوْله: {هم
لَهَا عاملون} إِخْبَار عَمَّا سيعملونه من الْأَعْمَال
الخبيثة الَّتِي كتبت عَلَيْهِم لَا بُد أَن يعملوها.
(23/54)
وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: لَمْ يَعْمَلُوها:
لَا بُدَّ مِنْ أنْ يَعْمَلُوها
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِير قَوْله
تَعَالَى: {وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون}
(الْمُؤْمِنُونَ: 36) حَاصله: كتبت عَلَيْهِم أَعمال
سَيِّئَة لَا بُد من أَن يعملوها قبل مَوْتهمْ ليحق
عَلَيْهِم كلمة الْعَذَاب.
6446 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا أبُو بَكْرٍ
حَدثنَا أبُو حَصِينٍ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيْسَ
الغِنَى عنْ كَثْرَةِ العَرِضَ ولاكِنَّ الغِنَى غِنَى
النَّفْسِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأما وَجه الْمُنَاسبَة
بَين الحَدِيث وَالْآيَة هُوَ أَن خيرية المَال لَيست
لذاته بل بِحَسب مَا يتَعَلَّق بِهِ وَإِن كَانَ يُسمى
خيرا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ صَاحب المَال الْكثير غَنِيا
لذاته بل بِحَسب تصرفه فِيهِ، فَإِن كَانَ غَنِيا فِي
نَفسه لم يتَوَقَّف فِي صرفه فِي الْوَاجِبَات والمستحبات
من وُجُوه الْبر والقربات، وَإِن كَانَ فِي نَفسه فَقِيرا
أمْسكهُ وَامْتنع من بذله فِيمَا أَمر بِهِ خشيَة من
نفاده، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة فَقير صُورَة وَمعنى، وَإِن
كَانَ المَال تَحت يَده لكَونه لَا ينْتَفع بِهِ لَا فِي
الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة بل رُبمَا كَانَ وبالاً
عَلَيْهِ.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس
التَّيْمِيّ الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم
أَيْضا، وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء
آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة القارىء الْمَشْهُور
الْكُوفِي، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد
الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي
الْكُوفِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أَحْمد بن
بديل بن قُرَيْش اليامي الْكُوفِي.
قَوْله: (من كَثْرَة الْعرض) بِفتْحَتَيْنِ حطام
الدُّنْيَا وبالسكون الْمَتَاع. وَقَالَ أَبُو عبيد:
الْعرُوض الْأَمْتِعَة وَهِي مَا سوى الْحَيَوَان
وَالْعَقار وَمَا لَا يدْخلهُ كيل وَلَا وزن، وَقَالَ ابْن
فَارس: الْعرض بِالسُّكُونِ كل مَا كَانَ من المَال غير
نقدوجمعه عرُوض، وَأما بِالْفَتْح فَمَا يُصِيبهُ
الْإِنْسَان من حَظّ فِي الدُّنْيَا قَالَ تَعَالَى:
{تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا} (الْأَنْفَال: 76) وَقَالَ:
{وَإِن يَأْتهمْ عرض مثله يأخذوه} (الْأَعْرَاف: 961)
حَاصِل معنى الحَدِيث: لَيْسَ الْغنى الْحَقِيقِيّ
الْمُعْتَبر من كَثْرَة المَال، بل هُوَ من اسْتغْنَاء
النَّفس وَعدم الْحِرْص على الدُّنْيَا، وَلِهَذَا ترى
كثيرا من المتمولين، فَقير النَّفس مُجْتَهدا فِي
الزِّيَادَة، فَهُوَ لشدَّة شرهه وَشدَّة حرصه على جمعه
كَأَنَّهُ فَقير، وَأما غنى النَّفس فَهُوَ من بَاب
الرِّضَا بِقَضَاء الله لعلمه أَن مَا عِنْد الله لَا
ينْفد.
61 - (بابُ فَضْلِ الفَقِرْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْفقر، وَالْمرَاد بِهِ
الْفقر الَّذِي صَاحبه راضٍ بِمَا قسم الله لَهُ وصابر على
ذَلِك وَلَا يصدر من قَوْله وَفعله مَا يسْخط الله
تَعَالَى، وَلَا يتْرك التكسب ويشتغل بالسؤال الَّذِي
فِيهِ ذلة ومنة وَأما فُقَرَاء هَذَا الزَّمَان فَإِن
أَكْثَرهم غير مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات، وفقر
هَؤُلَاءِ هُوَ الَّذِي استعاذ مِنْهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَأما الْخلاف فِي أَن الْفقر الصابر أفضل
أَو الْغَنِيّ الشاكر؟ فَهُوَ مَشْهُور قد تَكَلَّمت فِيهِ
جمَاعَة كَثِيرُونَ.
7446 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني عبْدُ العَزِيزِ
بنُ أبي حازِمٍ عنْ أَبِيه عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ
السَّاعِدِيِّ أنّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلى رسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ
جالِسٍ: (مَا رأيُكَ فِي هاذَا؟) فَقَالَ: رجُلٌ منْ
أشْرَافِ النَّاسِ، هاذَا وَالله حَرِيُّ إنْ خَطَبَ أنْ
يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ قَالَ: فَسَكَت
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ
فَقَالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا
رَأيُكَ فِي هَذَا؟) فَقَالَ: يَا رسولَ الله! هَذا رجُلٌ
مِن فُقَراءِ المُسْلِمِينَ، هاذَا حَرِيُّ إنْ خَطَبَ أنْ
لَا يُنْكَحَ وإنْ شَفَعَ أنْ لَا يُشْفَعَ وإنْ قَالَ أنْ
لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (هاذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأرْضِ مِنْ
مِثْلِ هاذا) .
(انْظُر الحَدِيث 1905)
(23/55)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الشق الثَّانِي
من الحَدِيث. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَعبد
الْعَزِيز يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم بِالْحَاء
الْمُهْملَة وبالزاي، واسْمه سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب الْأَكفاء
فِي الدّين فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن
حَمْزَة عَن أبي حَازِم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: (حري) بِفَتْح الْحَاء المهلمة وَكسر الرَّاء
وَتَشْديد الْيَاء أَي: جدير ولائق. قَوْله: (أَن ينْكح)
على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (لَا يشفع) أَيْضا على
صِيغَة الْمَجْهُول بتَشْديد الْفَاء وَكَذَا. (لَا يسمع)
على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لَا يلْتَفت إِلَيْهِ بقوله:
(من مثل هَذَا) ويروى: مثل هَذَا، بِنصب: مثل، على
التَّمْيِيز وَوَقع فِي (مُسْند مُحَمَّد بن هَارُون
الرَّوْيَانِيّ وَفِي (فتوح مصر) لِابْنِ عبد الحكم وَفِي
(مُسْند الصَّحَابَة) الَّذين نزلُوا مصر) : لمُحَمد بن
الرّبيع الْحبرِي: إِن اسْم الْمَار الثَّانِي جعبد، قَالَ
أَبُو عمر: جعيد بن سراقَة الْغِفَارِيّ، وَيُقَال:
الضمرِي، أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
8446 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا
الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا واثِلٍ قَالَ: عدْنا
خَبَّاباً فَقَالَ: هاجَرْنا مَعَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نُرِيدُ وجهَ الله، فَوَقَعَ أجْرُنا على
الله تَعَالَى، فَمِنْهُمْ مَنْ مَضَى لَمْ يأخذْ مِنْ
أجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ
يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَإِذا غَطْينا رأسَهُ
بَدَتْ رِجلاَهُ، وإذَا غَطَّيْنا رِجْلَيْهِ بَدَا
رأسُهُ، فأمَرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ
نُغَطِّيَ رأسَهُ ونَجْعَلَ عَلى رِجْلَيْهِ شَيْئاً مِنَ
الإذْخِرِ، ومِنّا مَنْ أيْنَعتْ لهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ
يَهْدِبُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَضِيَّة مُصعب بن
عُمَيْر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى
أحد أجداده حميد، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن
سَلمَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا لم يجد
كفناً إلاَّ مَا يواري رَأسه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (عدنا) من العيادة. قَوْله: (هاجرنا مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: إِلَى الْمَدِينَة بأَمْره
وإذنه، وَالْمرَاد بالمعية الِاشْتِرَاك فِي حكم
الْهِجْرَة، إِذْ لم يكن مَعَه إلاَّ أَبُو بكر وعامر بن
فهَيْرَة. قَوْله: (نُرِيد وَجه الله) ويروى: يَنْبَغِي
وَجه الله أَي: جِهَة مَا عِنْده من الثَّوَاب لَا جِهَة
الدُّنْيَا. قَوْله: (فَوَقع) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي:
تبت أجرنا على الله كالشيء الْوَاجِب، أَو ثَبت بِحَسب مَا
وعد الْعباد.
قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال: ثَبت جزاؤنا بِحَسب وعده،
وَلَا يجب على الله شَيْء. قَوْله: (فَمنهمْ) أَي: فَمن
الَّذين هَاجرُوا من مضى لم يَأْخُذ من أجره شَيْئا، وَفِي
رِوَايَته الْمُتَقَدّمَة فِي الْجَنَائِز: فمنا من مَاتَ
وَلم يَأْكُل من أجره شَيْئا، أَي: من عرض الدُّنْيَا.
فَإِن قلت: الْأجر ثَوَاب الْآخِرَة.
قلت: نعم الدُّنْيَا أَيْضا من جملَة الْخَيْر،
وَالْأَجْر. قَوْله: (مُصعب بن عُمَيْر) بن هَاشم بن عبد
منَاف بن عبد الدَّار بن قصى يجْتَمع مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي قصي. قَوْله: (قتل يَوْم أحد)
أَي: قتل شَهِيدا فِي غَزْوَة أحد، وَكَانَ صَاحب لوآء
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يومئذٍ. قَوْله:
(نمرة) بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم ثمَّ رَاء: هِيَ
إِزَار من صوف مخطط أَو بردة. قَوْله: (أينعت) بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون
وَالْعين الْمُهْملَة أَي: حَان قطافها، واليانع النضيج
ويروى: ينعَت بِدُونِ الْهمزَة وَهِي لُغَة، قَالَ
الْفراء: أينعت أَكثر. قَوْله: (يهدبها) بِفَتْح أَوله
وَسُكُون الْهَاء وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا أَي:
يجتنيها ويقطعها.
9446 - حدّثنا أبُو الولِيدِ حَدثنَا سَلْمَ بنُ زَريرِ
حدّثنا أبُو رجاءٍ عنْ عمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ، رَضِي الله
عَنْهُمَا عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
(اطّلعْتُ فِي الجَنّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا
الفقَراءَ، واطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ
أهْلها النِّساء) . مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ،
وَسلم بِفَتْح السِّين وَسُكُون اللَّام ابْن زرير بِفَتْح
الزَّاي وَكسر الرَّاء الأولى على وزن عَظِيم العطاردي
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رَجَاء عمرَان بن تيم العطاردي.
والْحَدِيث مضى فِي
(23/56)
صفة الْجنَّة عَن أبي الْوَلِيد أَيْضا
وَفِي النِّكَاح عَن عُثْمَان بن الْهَيْثَم.
تابَعَهُ أيُّوبُ وعَوْفٌ
أَي: تَابع أَبَا رَجَاء أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وعَوْف
الْمَشْهُور بالأعرابي فِي رِوَايَته عَن عمرَان بن
حُصَيْن. أما مُتَابعَة أَيُّوب فوصلها النَّسَائِيّ عَن
بشر بن هِلَال عَن عمرَان بن مُوسَى عَن عبد الْوَارِث عَن
أَيُّوب عَن أبي رَجَاء عَن عمرَان. وَأما مُتَابعَة عَوْف
فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب النِّكَاح.
وَقَالَ صخْرٌ وحَمَّادُ بنُ نَجيحٍ: عنْ أبي رجاءٍ عنِ
ابنِ عبَّاسٍ.
صَخْر هُوَ ابْن جوَيْرِية الْبَصْرِيّ، وَحَمَّاد
بتَشْديد الْمِيم ابْن نجيح بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة
الإسكاف، وَتَعْلِيق صَخْر رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن يحيى
بن مخلد المقسمي: حَدثنَا الْمعَافي بن عمرَان عَن صَخْر
بن جوَيْرِية عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس، وَتَعْلِيق
حَمَّاد رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن معمر
النجراني حَدثنَا عُثْمَان بن عمر عَن حَمَّاد بن نجيح عَن
أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس.
0546 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عبْدُ الوارِثِ
حَدثنَا سَعيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: لَمْ يأكُلِ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عل خِوَانٍ حتَّى ماتَ، وَمَا أكَلَ
خُبْزاً مُرَقَّقاً حتَّى ماتَ. (انْظُر الحَدِيث 6835
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَقَالَ
ابْن بطال: الحَدِيث لَا يدل إلاَّ على فضل القناعة
والكفاف.
قلت: القناعة والكفاف من صِفَات الْفُقَرَاء الراضين بِمَا
قسم الله، وَهَذَا: يدل على فضل الْفقر.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد
بن عَمْرو بن الْحجَّاج، وَعبد الْوَارِث بن سعيد
الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن عبد الله
بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْوَلِيمَة عَن الْفضل بن سهل الْأَعْرَج. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن عبد الله بن يُوسُف.
قَوْله: (خوان) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضمّهَا
وَهُوَ مَا يُؤْكَل عَلَيْهَا الطَّعَام عِنْد أهل التنعم
وَيجمع على: خوت وأخونة.
1546 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا أبُو
أسامَةَ حدّثنا هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: لَقَد تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يأكُلُهُ ذُو
وكَبِدٍ إلاّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لي، فأكَلْتُ
مِنْهُ حتَّى طالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. (انْظُر
الحَدِيث 7903) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن هَذِه الْحَالة تدل
على اخْتِيَار الْفقر وفضله.
وَعبد الله بن أبي شيبَة هُوَ أَبُو بكر، وَأَبُو شيبَة
جده لِأَبِيهِ وَهُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه
إِبْرَاهِيم، أَصله من وَاسِط وَسكن الْكُوفَة، وَأَبُو
أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة
يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس: أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب
عَن أبي كريب.
قَوْله: (وَمَا فِي رفي) ويروى: وَمَا فِي بَيْتِي، والرف
بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْفَاء خَشَبَة عريضة يغرز
طرفاها فِي الْجِدَار وَهُوَ شبه الطاق فِي الْبيُوت.
فَإِن قلت: هَذَا يُخَالف مَا فِي الْوَصَايَا من حَدِيث
عمر بن الْحَارِث المصطلقي: مَا ترك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد مَوته دِينَارا وَلَا درهما وَلَا
شَيْئا.
قلت: لَا مُخَالفَة أصلا لِأَن مُرَاده بالشَّيْء
الْمَنْفِيّ مَا يتَخَلَّف عَنهُ مِمَّا كَانَ يخْتَص
بِهِ، وَأما الَّذِي قالته عَائِشَة فَكَانَ بَقِيَّة
نَفَقَتهَا الَّتِي تخْتَص بهَا. فَلم يتحد الموردان.
قَوْله: (ذُو كبد) يَشْمَل جَمِيع الْحَيَوَانَات. قَوْله:
(إلاَّ شطر شعير) أَي: بعض شعير. قَوْله: (فكلته) بِكَسْر
الْكَاف. (ففني) أَي: فرغ قيل: قد مر فِي البيع فِي: بَاب
الْكَيْل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كيلوا
طَعَامكُمْ يُبَارك لكم، وَقَوْلها: فكلته ففني. مشْعر
بِأَن الْكَيْل سَبَب عدم الْبركَة. وَأجِيب: بِأَن
الْبركَة عِنْد البيع وَعدمهَا عِنْد النَّفَقَة، أَو
المُرَاد: أَن مكيله بِشَرْط أَن يبْقى الْبَاقِي
مَجْهُولا.
(23/57)
71 - (بابٌ كَيْف كانَ عَيْشُ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابِهِ وتَخَلِّيهِمْ مِنَ
الدُّنْيا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كيفة عَيْش النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَكَيْفِيَّة عَيْش أَصْحَابه رَضِي الله
عَنْهُم، وَفِي بَيَان تخليهم أَي: تَركهم الملاذ والشهوات
من الدُّنْيَا.
2546 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ بنَحْوِ مِنْ نِصْفِ هاذَا
الحَدِيثِ، حَدثنَا عُمَرُ بنُ ذَرّ حَدثنَا مُجاهِدٌ أنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ كانَ يَقُولُ: الله الّذِي لَا إلاهَ
إِلَّا هُوَ، إنْ كُنْتُ لأعْتَمِدُ بكَبِدي عَلى الأرْضِ
مِنَ الجُوعِ، وإنْ كُنْتُ لأشُدُّ الحَجَرَ على بَطْنِي
منَ الجُوعِ، ولَقَدْ قَعَدْتُ يَوْماً عَلَى طَرِيقِهِمِ
الّذِي يخْرُجُونَ مِنْهُ فَمَرَّ أبُو بَكْر فَسألْتُهُ
عنْ آيَةٍ مِنْ كِتابِ الله، مَا سألْتُهُ إلاّ
ليُشبِعَنِي، فَمَرَّ ولَم يَفْعَلْ، ثمَّ مَرَّ بِي عُمرُ
فَسألْتُهُ عنْ آيَةٍ مِنْ كِتابِ الله، مَا سألْتُهُ إلاّ
لِيُشَبِعُنِي فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي
أبُو القاسمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ حِينَ
رَآنِي وعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وجْهِي، ثُمَّ
قَالَ: (يَا أَبَا هِرّ {) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسُولَ
الله} قَالَ: (إلْحَقْ) ومَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ
فاسْتَأذِنُ فأذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَناً فِي
قَدَحٍ فَقَالَ: (منْ أيْنَ هَذَا اللَّبْنُ) قالُوا:
أهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَو فُلاَنَةُ قَالَ: (أَبَا هِرٍّ)
{قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (إلْحَقْ إِلَى
أهْلِ الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ لِي) قَالَ: وأهْلُ
الصُّفَّةِ أضْيافُ الإسلامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أهْلِ
وَلَا مالٍ وَلَا عَلى أحَدٍ إِذا أتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ
بِها إلَيْهِمْ ولَمْ يَتَناوَلْ مِنْها شَيْئاً، وَإِذا
أتَتْهُ هَديْةٌ أرْسَلَ إلَيْهِمْ وأصابَ مِنْها
وأشْرَكَهُمْ فِيها، فَساءَنِي ذالِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا
هاذا اللَّبَنُ فِي أهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أحَقَّ أَنا
أنْ أُصيبَ مِنْ هاذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أتَقَوَّى بِها،
فَإِذا جاؤوا أمَرَنِي فَكُنْتُ أَنا أُعْطِيهِمْ وَمَا
عَساى أنْ يَبْلُغِني منْ هذَا اللّبَنِ ولَمْ يَكُنْ مِنْ
طاعَةِ الله وطاعَةِ رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بُدٌّ، فأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فأقْبلُوا
فاسْتَأْذَنُوا فأذِنَ لَهُمْ وأخَذُوا مَجالِسِهُمْ مِنَ
البَيْتِ قَالَ: (يَا أَبَا هِر) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا
رَسُول الله {قَالَ: (خُذُ فأعْطِهِم) قَالَ: فأخَذْتُ
القَدَحَ فَجَعَلْتُ أعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى
يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فأُعْطِيهِ
الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ
عَلَيَّ القَدَحَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ
عَلَيَّ القَدَحَ حتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ،
فأخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ على يدِهِ فَنَظَرَ إليَّ
فَتَبَسَّمَ. فَقَالَ: (يَا أَبَا هِرٍّ) قُلْتُ:
لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (بَقِيتُ أَنا وأنْتَ) .
قُلْتُ صَدَقْتَ يَا رسولَ الله! قَالَ: (اقْعُدْ
فاشْرِبْ) فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ فَقَالَ: (اشْرَبْ)
فَشَرِبْتُ فَما زالَ يَقُولُ: (اشْرَبْ) حتَّى قُلْتُ:
لَا والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا أجِد لهُ مَسْلكاً.
قَالَ: (فأرِنِي) فأعْطَيْتُهُ القَدَحَ فَحَمِدَ الله
وسَمَّى وشَرِبَ الفَضْلَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5735 وطرفه)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ الْإِخْبَار
عَن عَيْش النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعيش
أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم.
وَأَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وَعمر
بِضَم الْعين ابْن ذَر بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الرَّاء الْهَمدَانِي.
وَبَعض الحَدِيث مضى فِي الاسْتِئْذَان مُخْتَصرا أخرجه
عَن أبي نعيم عَن عمر بن ذرو عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن
عبد الله عَن عمر بن ذَر، ثمَّ أَعَادَهُ، هُنَا عَن أبي
نعيم وَحده مطولا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن
هناد بن سري عَن يُونُس بن بكير عَن عمر بن ذَر بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن أَحْمد بن يحيى عَن
أبي نعيم.
دقوله: (بِنَحْوِ من نصف هَذَا الحَدِيث) ، أَشَارَ بِهِ
إِلَى حَدِيث الْبَاب،
(23/58)
قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا مُشكل لِأَن نصف
الحَدِيث يبْقى بِدُونِ الْإِسْنَاد، ثمَّ إِن النّصْف
مُبْهَم أهوَ النّصْف الأول أم الآخر؟ ثمَّ أجَاب
بِأَنَّهُ اعْتمد على مَا ذكر فِي كتاب الْأَطْعِمَة من
طَرِيق يُوسُف بن عِيسَى الْمروزِي، وَهُوَ قريب من نصف
هَذَا الحَدِيث، فَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَ
بِالنِّصْفِ الْمَذْكُور لأبي نعيم مَا لم يذكرهُ ثمَّة،
فَيصير الْكل مُسْندًا بعضه بطرِيق يُوسُف وَالْبَعْض
الآخر بطرِيق أبي نعيم. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : ذكر
البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الاسْتِئْذَان مُخْتَصرا،
فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عمر بن ذَر وَعَن
مُحَمَّد بن مقَاتل عَن ابْن الْمُبَارك عَن عمر بن ذَر
حَدثنَا مُجَاهِد، وَكَانَ هَذَا هُوَ النّصْف الْمشَار
إِلَيْهِ هَهُنَا. انْتهى. وَاعْترض عَلَيْهِ الْكرْمَانِي
بقوله: لَيْسَ مَا ذكره ثمَّة نصفه وَلَا ثلثه وَلَا ربعه،
وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر من وَجْهَيْن آخَرين. أَحدهمَا:
احْتِمَال أَن يكون هَذَا السِّيَاق لِابْنِ الْمُبَارك،
فَإِنَّهُ لَا يتَعَيَّن كَونه لفظ أبي نعيم.
وَثَانِيهمَا: أَنه منتزع من أثْنَاء الحَدِيث، فَإِنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ الْقِصَّة الأولى الْمُتَعَلّقَة بِأبي
هُرَيْرَة، وَلَا مَا فِي آخِره من حُصُول الْبركَة فِي
اللَّبن إِلَى آخِره.
قلت: فِي هَذَا النّظر نظر لِأَنَّهُ إِذا لم يتَعَيَّن
كَون السِّيَاق لأبي نعيم كَذَلِك لَا يتَعَيَّن كَونه
لِابْنِ الْمُبَارك، وَكَونه منتزعاً من أثْنَاء الحَدِيث
لَا يضر على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (الله) بِالنّصب قسم حذف حرف الْجَرّ مِنْهُ،
ويروى: وَالله، على الأَصْل. قَوْله: (إِن كنت) كلمة: إِن،
هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (لأعتمد بكبدي
على الأَرْض) أَي: إلصق بَطْني بِالْأَرْضِ. قَوْله:
(وَإِن كنت) وَإِن هَذِه أَيْضا مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة.
قَوْله: (لأشد الْحجر على بَطْني) اللَّام فِيهِ
للتَّأْكِيد وَفِي رِوَايَة عَن أبي هُرَيْرَة: لتأتي على
أَحَدنَا الْأَيَّام مَا يجد طَعَاما يُقيم بِهِ صلبه
حَتَّى إِن كَانَ أَحَدنَا ليَأْخُذ الْحجر فيشد بِهِ على
أَخْمص بَطْنه ثمَّ يشده بِثَوْبِهِ ليقيم بِهِ صلبه،
وَفَائِدَة شدّ الْحجر على الْبَطن المساعدة على
الِاعْتِدَال والانتصاب على الْقيام أَو الْمَنْع من
كَثْرَة التَّحَلُّل من الْغذَاء الَّذِي فِي الْبَطن
لكَونهَا حِجَارَة رقاقاً تعدل الْبَطن، وَرُبمَا سدت طرف
الأمعاء فَيكون الضعْف أقل، أَو تقليل حرارة الْجُوع
ببرودة الْحجر، أَو الْإِشَارَة إِلَى كسر النَّفس
وإلقامها الْحجر، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا
التُّرَاب. وَقَالَ الْخطابِيّ: اشكل الْأَمر فِي شدّ
الْحجر على قوم حَتَّى توهموا أَنه تَصْحِيف من الحجز
بالزاي جمع الحجزة الَّتِي يشد بهَا الْإِنْسَان وَسطه،
لَكِن من أَقَامَ بالحجاز عرف عَادَة أَهله فِي أَن
المجاعة تصيبهم كثيرا فَإِذا خوى الْبَطن لم يكن مَعَه
الانتصاب فيعمد حينئذٍ إِلَى صَفَائِح رقاق فِي طول
الْكَفّ فيربطها على الْبَطن فتعتدل الْقَامَة بعض
الِاعْتِدَال.
قلت: وَمِمَّنْ أنكر ربط الْحجر ابْن حبَان فِي (صَحِيحه)
: قَوْله: (على طريقهم) أَي: طَرِيق النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مِمَّن كَانَ طَرِيق
مَنَازِلهمْ إِلَى الْمَسْجِد متحدة. قَوْله: (ليشبعني) من
الإشباع من الْجُوع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
ليستتبعني، من الاستتباع وَهُوَ طلب أَن يتبعهُ. قَوْله:
(فَمر) أَي: إِلَى حَاله وَلم يفعل أَي: الإشباع أَو
الاستتباع. قَوْله: (ثمَّ مر بِي عمر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ) كَأَنَّهُ اسْتَقر هُنَا حَتَّى مر بِهِ عمر فَوَقع
أمره مَعَه مثل مَا وَقع مَعَ أبي بكر، وَالظَّاهِر
أَنَّهُمَا حملا سُؤال أبي هُرَيْرَة على ظَاهره، وَهُوَ
سُؤَاله عَن آيَة من الْقُرْآن، أَو لم يكن عِنْدهمَا
شَيْء إِذْ ذَاك، ويروى أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، تأسف على عدم إِدْخَاله أَبَا هُرَيْرَة فِي دَاره.
قَوْله: (وَمَا فِي وَجْهي) أَي: من التَّغَيُّر فِيهِ من
الْجُوع. قَوْله: (أباهر) وَوَقع فِي رِوَايَة عَليّ بن
مسْهر فَقَالَ أَبُو هر، وَوَجهه على لُغَة من لَا يعرب
الكنية وَهُوَ بتَشْديد الرَّاء وَهُوَ إِمَّا رد الِاسْم
الْمُؤَنَّث إِلَى الْمُذكر أَو المصغر إِلَى المكبر فَإِن
كنيته فِي الأَصْل: أَبُو هُرَيْرَة تَصْغِير هرة مؤنثاً.
وَأَبُو هر مُذَكّر مكبر، وَقيل: يجوز فِيهِ تَخْفيف
الرَّاء مُطلقًا، وَوَقع فِي رِوَايَة يُونُس بن بكير
فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة، أَي: أَنْت أَبُو هُرَيْرَة.
قَوْله: (إلحق) من اللحوق أَي: اتبعني قَوْله: (فَدخل)
زَاد ابْن مسْهر: إِلَى أَهله، قَوْله: (فَاسْتَأْذن) على
صِيغَة الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع وَفِي رِوَايَة عَليّ
بن مسْهر وَيُونُس: فأستادنت. قَوْله: (فَدخل) فِيهِ
الْتِفَات، وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر فَدخلت، وَهِي
ظَاهِرَة. قَوْله: (فَوجدَ لَبَنًا فِي قدح) وَفِي
رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: فَإِذا هُوَ لبن فِي قدح، وَفِي
رِوَايَة يُونُس: فَوجدَ قدحاً من اللَّبن. قَوْله: (من
أَيْن هَذَا اللَّبن) زَاد روح: لكم، وَفِي رِوَايَة ابْن
مسْهر: فَقَالَ لأَهله: من أَيْن لكم هَذَا؟ قَوْله: (أَو
فُلَانَة) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (إلحق إِلَى أهل
الصّفة) عدى: إلحق، بِكَلِمَة: إِلَى لِأَنَّهُ ضمنه معنى:
انْطلق. وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة روح: انْطلق. قَوْله:
(قَالَ: وَأهل الصّفة) سقط لفظ قَالَ فِي رِوَايَة روح،
وَلَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُ من كَلَام أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (وَلَا على أحد) تَعْمِيم بعد تَخْصِيص فَيشْمَل
الْأَقَارِب والأصدقاء وَغَيرهم. قَوْله: (فساءني ذَلِك)
وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: وَالله، وَمَعْنَاهُ أهمني
ذَلِك. قَوْله: (وَمَا هَذَا اللَّبن فِي أهل الصّفة) ؟
أَي: مَا قدره فِي أهل الصّفة؟ الْوَاو فِيهِ عطف على
مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا قَلِيل أَو نَحْو ذَلِك، وَمَا
هَذَا؟ وَفِي رِوَايَة يُونُس بِحَذْف الْوَاو، وَفِي
رِوَايَة
(23/59)
عَليّ بن مسْهر: وَأَيْنَ يَقع هَذَا
اللَّبن من أهل الصّفة؟ قَوْله: (فَإِذا جَاءَ) كَذَا
فِيهِ بِالْإِفْرَادِ فِي بعض النّسخ، أَي: إِذا جَاءَ من
أَمرنِي بِطَلَبِهِ وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فَإِذا
جاؤوا، بِصِيغَة الْجمع كَمَا فِي نسختنا. قَوْله:
(أَمرنِي) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَمَا عَسى أَن يبلغنِي من هَذَا اللَّبن) أَي:
قَائِلا فِي نَفسِي: وَمَا عَسى ... قَالَ الْكرْمَانِي:
وَالظَّاهِر أَن عَسى مقحم. قَوْله: (وَأخذُوا مجَالِسهمْ
من الْبَيْت) يَعْنِي: قعد كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْمجْلس
الَّذِي يَلِيق بِهِ وَلم يذكر عَددهمْ وَقد تقدم فِي
أَبْوَاب الْمَسَاجِد فِي كتاب الصَّلَاة من طَرِيق أبي
حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة: رَأَيْت سبعين من أَصْحَاب
الصّفة ... الحَدِيث، وَذكر فِي (الْحِلْية) : أَن عدتهمْ
تقرب من الْمِائَة، وَقَالَ أَبُو نعيم: كَانَ عدد أهل
الصّفة يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف الْحَال فَرُبمَا
اجْتَمعُوا فكثروا، وَرُبمَا تفَرقُوا إِمَّا لغزو أَو سفر
أَو اسْتغْنَاء، فَقَلُّوا، وَقيل هُنَا: كَانُوا أَكثر من
سبعين. قَوْله: (خُذ) أَي: الْقدح الَّذِي فِيهِ اللَّبن
فأعطهم، وَصرح هَكَذَا فِي رِوَايَة يُونُس. قَوْله:
(حَتَّى يرْوى) بِفَتْح الْوَاو نَحْو رَضِي يرضى. قَوْله:
(ثمَّ يرد على الْقدح فَأعْطِيه الرجل) قَالَ
الْكرْمَانِي: الرجل الثَّانِي معرفَة معادة، فَيكون عين
الأول على الْقَاعِدَة النحوية لَكِن المُرَاد غَيره: ثمَّ
أجَاب بِأَن ذَلِك حَيْثُ لَا قرينَة، وَلَفظ: (حَتَّى
انْتَهَيْت) قرينَة الْمُغَايرَة، كَمَا فِي قَوْله عز
وَجل: {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء}
(/ آل عمرَان: 62) . قَوْله: (فَتَبَسَّمَ) كَانَ ذَلِك
لأجل توهم أبي هُرَيْرَة أَن لَا يفضل لَهُ من اللَّبن
شَيْء. قَوْله: (فَقَالَ: أَبَا هر) أَي: يَا أَبَا هر،
وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة،
أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبُو
هُرَيْرَة، وَقد ذكرنَا وَجهه عَن قريب. قَوْله: (قَالَ:
بقيت أَنا وَأَنت) هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من حضر من
أهل الصّفة. فَأَما من كَانَ فِي الْبَيْت من أهل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يتَعَرَّض لذكرهم، وَيحْتَمل
أَن لَا يكون إِذْ ذَاك فِي الْبَيْت أحد أَو كَانُوا
أخذُوا كفايتهم، وَكَانَ الَّذِي فِي الْقدح نصيب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فأرني) وَفِي رِوَايَة
روح (ناولني الْقدح) . قَوْله: (فَحَمدَ الله وسمى) أما
الْحَمد فلحصول الْبركَة فِيهِ، وَأما التَّسْمِيَة
فلإقامة السّنة عِنْد الشّرْب. (وَشرب الفضلة) أَي:
الْبَقِيَّة.
وَفِيه فَوَائِد: كَثِيرَة يستخرجها من لَهُ يَد فِي
تَحْرِير النّظر، وتقريب المُرَاد.
3546 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَى اعنْ إسْماعِيلَ
حَدثنَا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُولُ: إنِّي
لأوَّلُ العَرَبِ رَماى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ الله،
ورَأيْتُنَا نَغْزو وَمَا لَنا طَعامٌ إِلَّا وَرَقُ
الحُبْلَةِ وهَذا السَّمُرُ، وإنَّ أحدَنا لَيَضَعُ كَمَا
تَضَعُ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أصْبحَتْ بَنُو
أسَدٍ تُعَزِّزُنِي على الإسْلامِ، خِبْتُ إذَا وضَلَّ
سَعْيي. (انْظُر الحَدِيث 8273 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ بَيَان عَيْش
سعد وَغَيره على الْوَجْه الْمَذْكُور.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَسعد هُوَ ابْن
أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي فضل سعد عَن عَمْرو بن عَوْف وَفِي
الْأَطْعِمَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي
آخر الْكتاب عَن يحيى بن حبيب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لأوّل الْعَرَب) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد،
وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: إِنِّي لأوّل رجل أهرق
دَمًا فِي سَبِيل الله. قَوْله: (ورأيتنا) بِضَم التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: وَرَأَيْت أَنْفُسنَا. قَوْله:
(نغزو) من الْغَزْو فِي سَبِيل الله. قَوْله: (الحبلة)
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة،
وَقيل بِفَتْحِهَا أَيْضا، وَهِي: ثَمَر السّلم أَو ثَمَر
عَامَّة العضاه وَهِي بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة شَجرا لَهُ شوك كالطلح
والعوسج. قَوْله: (السمر) بِضَم الْمِيم شجر، وَفِي مُسلم:
مَا تَأْكُل الأوراق الحبلة هَذَا السمر. قَوْله: (ليضع)
كِنَايَة عَن التغوط أَي: ليضع الَّذِي يخرج مِنْهُ عِنْد
التغوط. قَوْله: (مَاله خلط) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَسُكُون اللَّام يَعْنِي لَا يخْتَلط بعضه بِبَعْض لجفافه
وَشدَّة يبسه الناشىء عَن تقشف الْعَيْش. قَوْله: (بَنو
أَسد) قَبيلَة وَهِي أَسد بن خُزَيْمَة. قَوْله: (تعزرني)
أَي: تقومني بالتعليم على أَحْكَام الدّين وَهُوَ من
التَّعْزِير وَهُوَ التَّوْقِيف على الْأَحْكَام والفرائض،
وَمِنْه تَعْزِير السُّلْطَان وَهُوَ التَّقْوِيم
بالتأديب. قَوْله: (على الْإِسْلَام) ويروى: على الدّين
قَوْله: (خبت) من الخيبة وَهِي الحرمان والخسران. قَوْله:
(وضل سعيي) ويروى: وضل عَمَلي ... قيل: كَيفَ جَازَ لسعد
أَن يمدح نَفسه وَمن شَأْن الْمُؤمن ترك ذَلِك لوُرُود
النَّهْي عَنهُ؟ وَأجِيب: بِأَن الْجُهَّال لما عيروه
بِأَنَّهُ لَا يحسن الصَّلَاة فاضطر إِلَى ذكر فَضله
والمدحة إِذا خلت عَن الْبَغي والاستطالة، وَكَانَ
مَقْصُود قَائِلهَا إِظْهَار الْحق وشكر نعْمَة الله، لم
يكره ذَلِك.
(23/60)
4546 - حدّثني عُثْمانُ حَدثنَا جَرِيرٌ
عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عَن
عائِشَةَ، قالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعامِ
بُرٍّ ثَلاَثَ لَيالٍ تباعا حتَّى قُبِضَ. (انْظُر
الحَدِيث 6145) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ بَيَان عَيْش آل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْوَجْه
الْمَذْكُور.
وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد
الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم
هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد وكل هَؤُلَاءِ
كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (آل مُحَمَّد) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. قَوْله: (تباعا) بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: متتابعة
ومتوالية. قَوْله: (حَتَّى قبض) إِشَارَة إِلَى استمراره
على تِلْكَ الْحَالة مُدَّة إِقَامَته، وَهِي عشر سِنِين
بِمَا فِيهَا من أَيَّام أَسْفَاره فِي الْغَزْو وَالْحج
وَالْعمْرَة.
أخرجه ابْن سعد من وَجه آخر عَن إِبْرَاهِيم: وَمَا رفع
عَن مائدته كسرة خبز فضلا حَتَّى قبض، وروى عبد الرَّحْمَن
بن عَابس عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: مَا شبع آل مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خبز بر مأدوم، أخرجه مُسلم،
وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة يزِيد بن قسيط عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهُمَا: مَا شبع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من خبز وزيت فِي يَوْم وَاحِد مرَّتَيْنِ،
وَله من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا: وَالله مَا شبع من خبز
وَلحم فِي يَوْم مرَّتَيْنِ، وروى ابْن سعد من طَرِيق
الشّعبِيّ عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، كَانَت تَأتي عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر مَا
يشْبع من خبز الْبر.
5546 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمانِ حدّثنا إسْحاقُ هُوَ الأزْرَقُ عنْ مِسْعَرِ
ابنِ كِدَامٍ عنْ هِلاَلٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رضيَ
الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا أكلَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أكْلَتَيْنِ فِي يَوحمٍ إلاّ إحْدَاهُما
تَمْرٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
بن عبد الرَّحْمَن أَبُو يَعْقُوب الْبَغَوِيّ يقاله لَهُ
لُؤْلُؤ سكن بَغْدَاد، وَإِسْحَاق الْأَزْرَق بِتَقْدِيم
الزَّاي على الرَّاء هُوَ إِسْحَاق بن يُوسُف بن يَعْقُوب
الوَاسِطِيّ، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة
الأولى وَفتح الثَّانِيَة وبالراء ابْن كدام بِكَسْر
الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة العامري. مر فِي
الْوضُوء، وهلال بن حميد وَيُقَال: ابْن أبي حميد الْوزان
الْكُوفِي يروي عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي كريب.
قَوْله: (أكلتين) بِفَتْح الْهمزَة وَضمّهَا.
6546 - حدّثني أحْمَدُ بنُ رجاءٍ حدّثنا النَّضْرُ عنْ
هِشام قَالَ: أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: كانَ فِرَاشُ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أدَمِ وحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن رَجَاء
بِالْجِيم وَالْمدّ الْهَرَوِيّ، وَالنضْر بِفَتْح النُّون
وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل بالشين
الْمُعْجَمَة مصغر يروي، عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه
عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (من أَدَم) بِفَتْح الْهمزَة وَالدَّال
الْمُهْملَة. وَأخرج ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن نمير
عَن هِشَام بِلَفْظ: كَانَ ضجاع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أدماً وحشوه لِيف، والضجاع بِكَسْر الضَّاد
الْمُعْجَمَة وبالجيم هُوَ مَا يرقد عَلَيْهِ.
7546 - حدّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا هَمَّامُ بنُ
يَحْيَى احدثنا قَتادَةُ قَالَ: كُنّا نأتِي أنَسَ بنَ
مالِكٍ وخَبَّازُهُ قائِمٌ، وَقَالَ: كُلُوا فَما أعْلَمُ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رغِيفاً مُرَقَّقاً
حَتَّى لَحِقَ بِاللَّه، وَلَا رأى شَاة سَمِيطاً
بِعَيْنِهِ قَطُّ. (انْظُر الحَدِيث 5835 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وهدبة بِفَتْح الْهَاء
وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن سِنَان.
قَوْله: (مرققاً) قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الأرغفة
الواسعة الرقيقة، يُقَال: رَقِيق ورقاق كطويل وطوال.
قَوْله: (سميطاً) أَي: مشوياً، فعيل بِمَعْنى
(23/61)
مفعول، وأصل السمط أَن ينْزع صوف الشَّاة
المذبوحة بِالْمَاءِ الْحَار وَإِنَّمَا يفعل بهَا ذَلِك
فِي الْغَالِب لتشوى، وَإِنَّا لم يقل سميطة لأَنا قُلْنَا
هُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول فيستوي فِيهِ التَّذْكِير
والتأنيث، وغرضه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
كَانَ منعماً فِي المأكولات.
8546 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا يَحْيَى
احدثنا هِشامٌ أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ يأتِي عَلْينا الشّهْرُ مَا
نُوقِدُ فِيهِ نَارا، إنّما هُوَ التَّمْرُ والماءُ إلاّ
أنْ نُؤْتى باللُّحَيْمِ. طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة،
لِأَن فِيهِ إِخْبَارًا عَن كَيْفيَّة عيشهم.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (إِنَّمَا هُوَ) أَي: طعامنا. قَوْله: (إلاّ أَن
نؤتى) على صِيغَة الْمَجْهُول بنُون الْجَمَاعَة. قَوْله:
(باللحيم) تَصْغِير اللَّحْم أشارت بِهِ إِلَى قلقه، ويروى
مكبراً.
9546 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله
الأُوَيْسِيُّ. حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ عنْ أبِيهِ عنْ
يَزِيدَ بنِ رُومانَ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنّها
قالَتْ لِعُرْوَةَ: ابنَ أُخْتِي! إنْ كُنّا لَنَنْظُرُ
إِلَى الهِلاَلِ ثَلاَثَةَ أهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْن وَمَا
أُوقِدتْ فِي أبْياتِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نارٌ. فَقُلْتُ: مَا كانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قالتِ:
الأسْوَدانِ: التَّمْرُ والماءُ، إلاّ أنّهُ قَدْ كانَ
لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِيرَانٌ مِنَ
الأنْصارِ كانَ لَهُمْ مَنائِحُ وكانُوا يَمنَحُونَ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أبْياتِهِمْ
فَيَسْقيناهُ. (انْظُر الحَدِيث 7652 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز وَأَبوهُ سَلمَة بن
دِينَار، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان بِضَم
الرَّاء أَبُو روح الْأَسدي الْمدنِي مولى آل الزبير بن
الْعَوام.
والْحَدِيث مضى فِي أول الْهِبَة عَن عبد الْعَزِيز
الْمَذْكُور بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَفِيه:
فَقلت: يَا خَالَة مَا كَانَ يعيشكم؟ .
قَوْله: (من أبياتهم) وَهُنَاكَ: من ألبانهم. قَوْله:
(ابْن أُخْتِي) أَي: يَا ابْن أُخْتِي وحرف النداء
مَحْذُوف وَكَانَت أم عُرْوَة أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق
أُخْت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم. قَوْله: (إِن كُنَّا
لنَنْظُر) كلمة: إِن، مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله:
(إِلَى الْهلَال) أَي: الثَّالِث وَهُوَ هِلَال الشَّهْر
الثَّالِث لِأَنَّهُ يرى عِنْد انْقِضَاء الشَّهْرَيْنِ
وبرؤيته يدْخل الشَّهْر الثَّالِث. قَوْله: (يعيشكم) بِضَم
الْيَاء وَفتح الْعين وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف
الْمَكْسُورَة وبالشين الْمُعْجَمَة أَي المضمومة، ويروى:
يعيشكم بِضَم الْيَاء وكسرالعين وَسُكُون الْيَاء من أعاشه
الله أَي: أعطَاهُ الْعَيْش. قَوْله: (إِلَّا أَنه) كلمة
إلاّ بِمَعْنى: لَكِن وَأَنه أَي: وَأَن الشَّأْن. قَوْله:
(منائح) جمع منيحة، وَفِي (الْمغرب) : المنيحة والمنحة
النَّاقة الممنوحة، ومنيحة اللَّبن أَن يعْطى الرجل نَاقَة
أَو شَاة ينْتَفع بلبنها وَيُعِيدهَا. قَوْله: (يمنحون
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: يعطونه من
المنائح. قَوْله: (فيسقيناه) أَي: يسقينا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، ويروى: فيسقيني، بِالْإِفْرَادِ.
0646 - حدّثنا عَبْدَ الله بنُ مُحَمّد حَدثنَا مُحَمَّدُ
بنُ فُضَيْلِ عنْ أبِيهِ عنْ عُمارَةَ عنْ أبي زُرْعَةَ
عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ
مُحَمَّدٍ قُوتاً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ طلب الكفاف
وفضله، وَأخذ الْبلْغَة من الدُّنْيَا والزهد فِيمَا فَوق
ذَلِك، وَهَكَذَا كَانَ عيشه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَمُحَمّد
بن فُضَيْل مصغر فضل بِالْمُعْجَمَةِ ابْن غَزوَان
الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَمُحَمّد هَذَا يروي عَن أَبِيه
فُضَيْل الْمَذْكُور عَن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْمِيم وبالراء ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو
زرْعَة هرم بِفَتْح الْهَاء ابْن عَمْرو بن جرير.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أبي
عمار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (قوتاً) أَي: مسكة من الرزق.
81 - (بابُ القَصْدِ والمُدَاومَةِ عَلَى العمَلِ)
(23/62)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب
الْقَصْد وَهُوَ السلوك فِي الطَّرِيق المعتدلة، وَيُقَال:
الْقَصْد استقامة الطَّرِيق بَين الإفراط والتفريط.
قَوْله: والمداومة، أَي: وَفِي بَيَان المداومة على
الْعَمَل الصَّالح.
1646 - حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا أبي عنْ شُعْبَةَ عنْ
أشْعَثَ، قَالَ: سَمِعْتُ أبي قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقاً
قَالَ: سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا: أيُّ العمَلِ
كانَ أحَبَّ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟
قالَتِ: الدَّائمُ. قَالَ: قُلْتُ: فأيَّ حِينٍ كانَ
يَقُومُ؟ قالَتْ: كانَ يَقُومُ إذَا سَمِعَ الصَّارِخَ.
(انْظُر الحَدِيث 2311 وطرفه) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وعبدان لقب عبد
الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَأَشْعَث بالشين
الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة
ابْن أبي الشعْثَاء واسْمه سليم بن الْأسود.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي كتاب التَّهَجُّد
فِي: بَاب من نَام عِنْد السحر.
قَوْله: (فَأَي حِين) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: فِي أَي حِين. قَوْله: (يقوم) أَي: من
النّوم والصارخ الديك. قَالَ: الْكرْمَانِي: أَو
الْمُؤَذّن. قلت: فِيهِ نظر.
1646 - حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا أبي عنْ شُعْبَةَ عنْ
أشْعَثَ، قَالَ: سَمِعْتُ أبي قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقاً
قَالَ: سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا: أيُّ العمَلِ
كانَ أحَبَّ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟
قالَتِ: الدَّائمُ. قَالَ: قُلْتُ: فأيَّ حِينٍ كانَ
يَقُومُ؟ قالَتْ: كانَ يَقُومُ إذَا سَمِعَ الصَّارِخَ.
(انْظُر الحَدِيث 2311 وطرفه) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وعبدان لقب عبد
الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَأَشْعَث بالشين
الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة
ابْن أبي الشعْثَاء واسْمه سليم بن الْأسود.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي كتاب التَّهَجُّد
فِي: بَاب من نَام عِنْد السحر.
قَوْله: (فَأَي حِين) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: فِي أَي حِين. قَوْله: (يقوم) أَي: من
النّوم والصارخ الديك. قَالَ: الْكرْمَانِي: أَو
الْمُؤَذّن. قلت: فِيهِ نظر.
2646 - حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ هَشامِ بنِ
عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّها قالَتْ: كانَ
أحبُّ العَمَلِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الّذِي يَدُومُ عَليْهِ صاحِبُهُ. (انْظُر الحَدِيث 2311
وطرفه) .
مطابقته أَيْضا للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. والْحَدِيث
من أَفْرَاده.
3646 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ عنْ سَعِيدٍ
المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ،
قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَنْ
يُنَجِّيَ أحدا مِنْكُمْ عَمَلُهُ) قالُوا: ولاَ أنْتَ يَا
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: (وَلَا أَنا،
إلاّ أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا
وقارِبُوا واغْدُوا ورُوحُوا وشَيْءٌ مِن الدُّلْجَةِ
والقَصْدَ القَصْدَ، تَبْلُغُوا) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله:
(الْقَصْد) وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس واسْمه عبد
الرَّحْمَن وَابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان
الْمَشْهُور هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (لن يُنجي) من التنجية أَو من الإنجاء،
وَمَعْنَاهُ: لن يخلص، والنجاة من الشَّيْء التَّخَلُّص
مِنْهُ. قَوْله: (أحدا) مَنْصُوب على المفعولية. وَعَمله
بِالرَّفْع فَاعل، يُنجي. قَوْله: (وَلَا أَنا) قَالَ
الْكرْمَانِي: إِذا كَانَ كل النَّاس لَا يدْخلُونَ
الْجنَّة إلاَّ برحمة الله فَوجه تَخْصِيص رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالذكر هُوَ أَنه إِذا كَانَ
مَقْطُوعًا لَهُ بِأَنَّهُ يدْخل الْجنَّة وَلَا يدخلهَا
إلاَّ برحمة الله، فَغَيره يكون فِي ذَلِك بطرِيق الأولى.
قَوْله: (إِلَّا أَن يتغمدني الله) أَي: إِلَّا أَن يسترني
الله برحمته، يُقَال تغمده الله برحمته إِذا ستره بهَا،
وَيُقَال: تغمدت فلَانا أَي: سترت مَا كَانَ مِنْهُ
وغطيته، وَمِنْه غمد السَّيْف لِأَنَّك إِذا غمدته فقد
سترته فِي غلافه، وَفِي رِوَايَة سُهَيْل: إلاَّ أَن
يتداركني، وَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع وَيحْتَمل أَن يكون
مُتَّصِلا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {لَا يذوقون فِيهَا
الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى} (الدُّخان: 65) قيل: كَيفَ
الْجمع بَينه وَبَين قَوْله: {وَتلك الْجنَّة الَّتِي
أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} (الزخرف: 27)
وَأجَاب ابْن بطال بِمَا ملخصه: إِن الْآيَة تحمل على أَن
الْجنَّة تنَال الْمنَازل فِيهَا بِالْأَعْمَالِ، وَأَن
دَرَجَات الْجنَّة مُتَفَاوِتَة بِحَسب تفَاوت
الْأَعْمَال، وَيحمل الحَدِيث على دُخُول الْجنَّة
وَالْخُلُود فِيهَا، ثمَّ أورد على هَذَا الْجَواب قَوْله
تَعَالَى: {سَلام عَلَيْكُم ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا
كُنْتُم تَعْمَلُونَ} (النَّحْل: 23) فَصرحَ بِأَن دُخُول
الْجنَّة أَيْضا بِالْأَعْمَالِ. وَأجَاب بِأَنَّهُ لفظ
مُجمل بَينه الحَدِيث، وَالتَّقْدِير: ادخُلُوا منَازِل
الْجنَّة وقصورها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ. قَوْله:
(برحمة) وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: بِفضل وَرَحْمَة، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني من طَرِيقه: بِفضل رَحمته، وَفِي
رِوَايَة الْأَعْمَش: بِفضل وَرَحْمَة، وَفِي رِوَايَة
ابْن عون: بمغفرة وَرَحْمَة. قَوْله: (سددوا) وَفِي
رِوَايَة بشر بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم:
وَلَكِن سددوا، وَمَعْنَاهُ: اقصدوا السداد أَي الصَّوَاب،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: التسديد بِالْمُهْمَلَةِ من السداد
وَهُوَ الْقَصْد من القَوْل وَالْعَمَل وَاخْتِيَار
للصَّوَاب مِنْهُمَا. قَوْله: (وقاربوا) أَي: لَا تفرطوا
فتجهدوا أَنفسكُم فِي الْعِبَادَة لِئَلَّا يُفْضِي بكم
ذَلِك إِلَى الملال
(23/63)
فتتركوا الْعَمَل فتفرطوا وَقَالَ
الْكرْمَانِي: أَي: لَا تبلغوا الْغَايَة بل تقربُوا
مِنْهَا. قَوْله: (واغدوا) من الغدو وَهُوَ السّير من أول
النَّهَار، والرواح السّير من أول النّصْف الثَّانِي من
النَّهَار. قَوْله: (وَشَيْء من الدلجة) أَي: اسْتَعِينُوا
بِبَعْض شَيْء من الدلجة بضمالدال وَإِسْكَان اللَّام،
وَيجوز فِي اللُّغَة فتحهَا وَيُقَال بِفَتْح اللَّام
أَيْضا وَهُوَ بِالضَّمِّ السّير آخر اللَّيْل وبالفتح سير
اللَّيْل، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الدّين
يسر فِي كتاب الْإِيمَان. قَوْله: (وَالْقَصْد الْقَصْد)
بِالنّصب على الإغراء أَي: إلزموا الطَّرِيق الْوسط
المعتدل تبلغوا الْمنزل الَّذِي هُوَ مقصدكم، شبه
المتعبدين بالمسافرين. فَقَالَ: لَا تستوعبوا الْأَوْقَات
كلهَا بالسير بل اغتنموا أَوْقَات نشاطكم وَهُوَ أول
النَّهَار وَآخره، وَبَعض اللَّيْل وارحموا أَنفسكُم
فِيمَا بَينهمَا لِئَلَّا يَنْقَطِع بكم، قَالَ الله
تَعَالَى: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من
اللَّيْل} (هود: 411) .
4646 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا
سُلَيْمانُ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عنْ أبي سَلَمَة بنِ
عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وقارِبُوا
واعْلَمُوا أنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ
الجَنةَ، وأنَّ أحَبَّ الأعْمالِ أدْوَمُها إِلَى الله
وإنْ قَلَّ) . (الحَدِيث 4646 طرفه فِي: 7646) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وَعبد الْعَزِيز بن
عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس العامري الأويسي
الْمدنِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب
الْقرشِي التَّيْمِيّ، ومُوسَى بن عقبَة بِسُكُون الْقَاف
ابْن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمدنِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الرَّقَائِق عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (سددوا وقاربوا) قد مضى شرحهما عَن قريب. قَوْله:
(إِنَّه) أَي: أَن الشَّأْن ويروى: أَن لن يدْخل. قَوْله:
(لن يدْخل) بِضَم الْيَاء من الإدخال، وأحدكم مَنْصُوب
لِأَنَّهُ مفعول وَعَمله مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل
لقَوْله: (لن يدْخل) وَالْجنَّة نصب على الظّرْف. قَوْله:
(أدومها) بِصِيغَة أفعل التَّفْضِيل، قيل: أدومها كَيفَ
يكون قَلِيلا وَمعنى الدَّوَام شُمُول الْأَزْمِنَة؟ مَعَ
أَنه غير مَقْدُور أَيْضا. أُجِيب: بِأَن المُرَاد بالدوام
الْمُوَاظبَة الْعُرْفِيَّة وَهِي الْإِتْيَان بهَا فِي كل
شهر أَو كل يَوْم بِقدر مَا يُطلق عَلَيْهِ عرفا اسْم
المداومة. قَوْله: (وَإِن قل) أَي: أحب الْأَعْمَال وَهُوَ
مَعْطُوف على مُقَدّر تَقْدِيره: أَن لم يقل وَإِن قل.
6646 - حدّثني عثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا جَريرٌ عنْ
مَنْصُور عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سألْتُ
أمَّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ قُلْتُ: يَا أُمَّ
المُؤْمِنِينَ! كَيْفَ كانَ عَمَلُ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئاً مِنَ
الأيَّامِ؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وأيُّكُمْ
يَسْتَطِيعُ مَا كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَسْتَطِيعُ؟ . (انْظُر الحَدِيث 7891) .
(23/64)
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة.
وَجَرِير بن عبد الحميد، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر،
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس وَهُوَ خَال
إِبْرَاهِيم. وَرِجَال السَّنَد كلهم كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّوْم عَن مُسَدّد وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: (هَل كَانَ يخص شَيْئا من الْأَيَّام) أَي:
بِعبَادة مَخْصُوصَة لَا يفعل مثلهَا فِي غَيره. فَقَالَت:
لَا، قيل: هُوَ معَارض بقولِهَا: مَا رَأَيْته أَكثر صياما
مِنْهُ فِي شعْبَان. وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا تعَارض
لِأَنَّهُ كَانَ كثير الْأَسْفَار فَلَا يجد سَبِيلا إِلَى
صِيَام الثَّلَاثَة الْأَيَّام من كل شهر فيجمعها فِي
شعْبَان، وَإِنَّمَا كَانَ يُوقع الْعِبَادَة على قدر
نشاطه وفراغه من جهاده. قَوْله: (دِيمَة) بِكَسْر الدَّال
الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: دَائِما،
والديمة فِي الأَصْل الْمَطَر المستمر بِسُكُون بِلَا رعد
وَلَا برق، ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيره، وأصل دِيمَة: دومة،
قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا. قَوْله:
(وَأَيكُمْ يَسْتَطِيع)
إِلَى آخِره أَي: فِي الْعِبَادَة بِحَسب الْكمّ وبحسب
الكيف من خشوع وخضوع وإخبات.
7646 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا مُحَمَّدُ
بنُ الزِّبْرِقانِ حَدثنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ أبي
سَلَمَة بن عَبده الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وقارِبُوا
وأبْشِرُوا فإنّهُ لَا يُدْخِلُ أحَداً الجَنةَ عَمَلُهُ)
قَالُوا: وَلَا أنْتَ يَا رسولَ الله {قَالَ: (وَلَا أَنا
إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ) .
قَالَ: أظَنُّهُ عنْ أبي النَّضْرِ عنْ أبي سَلَمَةَ عَن
عَائِشَةَ. (انْظُر الحَدِيث 4146) .
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث مُوسَى بن عقبَة الَّذِي مضى
عَن قريب فَإِن فِيهِ: مُوسَى بن عقبَة عَن أبي سَلمَة،
وَهنا قَالَ: عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ اظن أَن
بَين مُوسَى بن عقبَة وَأبي سَلمَة وَاسِطَة وَهُوَ أَبُو
النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة
سَالم بن أبي أُميَّة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن
الزبْرِقَان بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
وَكسر الرَّاء وبالقاف الْأَهْوَازِي وَمَاله فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَبَقِيَّة شرح
الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة قد مرت.
عَفَّان: حدّثنا وُهَيْبٌ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَة عنْ عائشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (سَدِّدُوا وأبْشِرُوا) .
أَي: قَالَ عَفَّان بن مُسلم الصفار، وَإِنَّمَا قَالَ:
قَالَ عَفَّان، لِأَنَّهُ أَخذ مِنْهُ مذاكرة لَا تحديثاً
وتحميلاً، وَكَثِيرًا روى عَنهُ بالواسطة، وَقَالَ أَبُو
نعيم، هَذَا تَدْلِيس من البُخَارِيّ. قلت: استبعد هَذَا،
وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان لما ذكر تَدْلِيس الشُّيُوخ،
قَالَ: لم يَصح ذَلِك عَن البُخَارِيّ قطّ، ووهيب هُوَ
ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَحَدِيث وهيب هَذَا أخرجه مُسلم
عَن مُحَمَّد بن حَاتِم: حَدثنَا بهز حَدثنَا وهيب عَن
مُوسَى بِهِ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: سَداداً سَدِيداً صِدْقاً
قَول مُجَاهِد هَذَا ثَبت عِنْد الْأَكْثَرين وَثَبت عِنْد
الطَّبَرِيّ وَالْفِرْيَابِي عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
تَعَالَى: {قولا سديداً} (النِّسَاء: 92) قَالَ: سداداً.
والسداد بِفَتْح السِّين: الْعدْل المعتدل الْكَافِي
وبالكسر مَا يسد الْخلَل، وَقَالَ بَعضهم: زعم مغلطاي
وَتَبعهُ شَيخنَا ابْن الملقن أَن الطَّبَرِيّ وصل
تَفْسِير مُجَاهِد عَن مُوسَى بن هَارُون عَن عَمْرو بن
طَلْحَة عَن أَسْبَاط عَن السّديّ عَن ابْن أبي نجيح عَن
مُجَاهِد، وَهَذَا وهم فَاحش، فَمَا للسدي عَن ابْن أبي
نجيح رِوَايَة.
قلت: رِعَايَة الْأَدَب مَطْلُوبَة، وليته قَالَ: الشَّيْخ
مغلطاي، أَو عَلَاء الدّين، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال لَهُ:
عَلَاء الدّين مَعَ أَنه هُوَ شيخ شَيْخه، لِأَنَّهُ كثيرا
مَا يذكرهُ فِي شَرحه بتعظيم، وَقد علم أَنه إِذا اجْتمع
الْمُثبت والنافي أَخذ بقول الْمُثبت لِأَن لَهُ زِيَادَة
علم.
7646 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا مُحَمَّدُ
بنُ الزِّبْرِقانِ حَدثنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ أبي
سَلَمَة بن عَبده الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وقارِبُوا
وأبْشِرُوا فإنّهُ لَا يُدْخِلُ أحَداً الجَنةَ عَمَلُهُ)
قَالُوا: وَلَا أنْتَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (وَلَا أَنا
إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ) .
قَالَ: أظَنُّهُ عنْ أبي النَّضْرِ عنْ أبي سَلَمَةَ عَن
عَائِشَةَ. (انْظُر الحَدِيث 4146) .
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث مُوسَى بن عقبَة الَّذِي مضى
عَن قريب فَإِن فِيهِ: مُوسَى بن عقبَة عَن أبي سَلمَة،
وَهنا قَالَ: عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ اظن أَن
بَين مُوسَى بن عقبَة وَأبي سَلمَة وَاسِطَة وَهُوَ أَبُو
النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة
سَالم بن أبي أُميَّة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن
الزبْرِقَان بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
وَكسر الرَّاء وبالقاف الْأَهْوَازِي وَمَاله فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَبَقِيَّة شرح
الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة قد مرت.
عَفَّان: حدّثنا وُهَيْبٌ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَة عنْ عائشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (سَدِّدُوا وأبْشِرُوا) .
أَي: قَالَ عَفَّان بن مُسلم الصفار، وَإِنَّمَا قَالَ:
قَالَ عَفَّان، لِأَنَّهُ أَخذ مِنْهُ مذاكرة لَا تحديثاً
وتحميلاً، وَكَثِيرًا روى عَنهُ بالواسطة، وَقَالَ أَبُو
نعيم، هَذَا تَدْلِيس من البُخَارِيّ. قلت: استبعد هَذَا،
وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان لما ذكر تَدْلِيس الشُّيُوخ،
قَالَ: لم يَصح ذَلِك عَن البُخَارِيّ قطّ، ووهيب هُوَ
ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَحَدِيث وهيب هَذَا أخرجه مُسلم
عَن مُحَمَّد بن حَاتِم: حَدثنَا بهز حَدثنَا وهيب عَن
مُوسَى بِهِ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: سَداداً سَدِيداً صِدْقاً
قَول مُجَاهِد هَذَا ثَبت عِنْد الْأَكْثَرين وَثَبت عِنْد
الطَّبَرِيّ وَالْفِرْيَابِي عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
تَعَالَى: {قولا سديداً} (النِّسَاء: 92) قَالَ: سداداً.
والسداد بِفَتْح السِّين: الْعدْل المعتدل الْكَافِي
وبالكسر مَا يسد الْخلَل، وَقَالَ بَعضهم: زعم مغلطاي
وَتَبعهُ شَيخنَا ابْن الملقن أَن الطَّبَرِيّ وصل
تَفْسِير مُجَاهِد عَن مُوسَى بن هَارُون عَن عَمْرو بن
طَلْحَة عَن أَسْبَاط عَن السّديّ عَن ابْن أبي نجيح عَن
مُجَاهِد، وَهَذَا وهم فَاحش، فَمَا للسدي عَن ابْن أبي
نجيح رِوَايَة.
قلت: رِعَايَة الْأَدَب مَطْلُوبَة، وليته قَالَ: الشَّيْخ
مغلطاي، أَو عَلَاء الدّين، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال لَهُ:
عَلَاء الدّين مَعَ أَنه هُوَ شيخ شَيْخه، لِأَنَّهُ كثيرا
مَا يذكرهُ فِي شَرحه بتعظيم، وَقد علم أَنه إِذا اجْتمع
الْمُثبت والنافي أَخذ بقول الْمُثبت لِأَن لَهُ زِيَادَة
علم.
8646 - حدّثني إبْراهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدّثنا مُحَمَّدُ
بنُ فُلَيْحِ قَالَ: حدّثني أبي عنْ هِلالِ بنِ عَلِيٍّ
عنْ أنَسٍ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى
لَنا يَوْماً الصَّلاةَ ثُمَّ رَقِى المِنْبَرَ فأشارَ
بِيدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: قَوْله:
(قَدْ أُرِيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ
(23/65)
لَكُمُ الصَّلاةَ الجَنَّةَ والنَّارَ
مُمَثَّلتَيْنِ فِي قُبُلِ هاذا الجِدارِ، فَلَمْ أرَ
كالْيَوْمِ فِي الخَيْرِ والشِّرِّ، فَلَمْ أرَ كالْيَوْمِ
فِي الخَيْرِ والشَّرِّ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن تكون الْجنَّة المرغبة
وَالنَّار المرهبة نصب عين الْمُصَلِّي ليكونا باعثين على
مداومة الْعَمَل وإدمانه.
وَمُحَمّد بن فليح بِضَم الْفَاء مصغر الفلح بِالْفَاءِ
والحاء الْمُهْملَة يروي عَن أَبِيه فليج بن سُلَيْمَان
الْمُغيرَة الْخُزَاعِيّ، وَقيل: الْأَسْلَمِيّ، وهلال بن
عَليّ وَهُوَ هِلَال بن أبي مَيْمُونَة وَيُقَال هِلَال بن
أبي هِلَال.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب رفع الْبَصَر
إِلَى الإِمَام، عَن يحيى بن صَالح وَعَن مُحَمَّد بن
سِنَان.
قَوْله: (ثمَّ رقى) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْقَاف أَي:
صعد وزنا وَمعنى. قَوْله: (قبل قبْلَة الْمَسْجِد) بِكَسْر
الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: جِهَة قبْلَة
الْمَسْجِد. قَوْله: (أريت) بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء.
قَوْله: (الْجنَّة) ، نصب على أَنه مفعول ثانٍ لأريت.
قَوْله: (ممثلتين) أَي: مصورتين. قَوْله: (فِي قبل هَذَا
الْجِدَار) ، بِضَم الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي:
قُدَّام هَذَا الْجِدَار أَي: جِدَار الْمَسْجِد، ويروى:
(هَذَا الْحَائِط) ، يُقَال: مثل لَهُ أَي: صور لَهُ
حَتَّى كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهِ. قَوْله: (فَلم أر
كَالْيَوْمِ) أَي: يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم، وَقد وَقع
هَذَا مكرراً تَأْكِيدًا.
91 - (بَاب الرَّجاءِ مَعَ الخَوْفِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الرَّجَاء مَعَ
الْخَوْف، فَلَا يقطع النّظر فِي الرَّجَاء عَن الْخَوْف
وَلَا فِي الْخَوْف عَن الرَّجَاء لِئَلَّا يقْضِي فِي
الأول، إِلَى الْكبر. وَفِي الثَّانِي إِلَى الْقنُوط، وكل
مِنْهُمَا مَذْمُوم، وَالْمَقْصُود من الرَّجَاء أَن من
وَقع مِنْهُ تَقْصِير فليحسن ظَنّه بِاللَّه ويرجو أَن
يمحو عَنهُ ذَنبه، وَكَذَا من وَقع مِنْهُ طَاعَة يَرْجُو
قبُولهَا، وَأما من انهمك فِي الْمعْصِيَة راجياً عدم
الْمُؤَاخَذَة بِغَيْر نَدم وَلَا إقلاع فَهَذَا غرور فِي
غرور، وَقد أخرج ابْن مَاجَه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن
سعيد بن وهب عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قلت: يَا رَسُول
الله! الَّذين يُؤْتونَ وَقُلُوبهمْ وَجلة، أهوَ الَّذِي
يسرق ويزني؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن الَّذِي يَصُوم
وَيتَصَدَّق وَيُصلي وَيخَاف أَن لَا يقبل مِنْهُ.
وَقَالَ سُفْيانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أشَدُّ عَلَيَّ
مِنْ {لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة
والانجيل وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} (الْمَائِدَة:
86) .
سُفْيَان هَذَا هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَأول الْآيَة: {قل
يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء} وَإِنَّمَا كَانَ أَشد
لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الْعلم بِمَا فِي الْكتب الإلهية
وَالْعَمَل بهَا، وَقد مر فِي تَفْسِير سُورَة
الْمَائِدَة، وَقيل: الأخوف هُوَ قَوْله تَعَالَى:
{وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ} (آل
عمرَان: 131) وَقيل: هُوَ {لبئس مَا كَانُوا يصنعون}
(الْمَائِدَة: 36) وَقيل: أخوف آيَة {من يعْمل سوءا
يجْزِيه} (النِّسَاء: 321) فَإِن قلت: مَا وَجه مُنَاسبَة
الْآيَة بالترجمة؟ .
قلت: من حَيْثُ إِن الْآيَة تدل على أَن من لم يعْمل بِمَا
تضمنه الْكتاب الَّذِي أنزل عَلَيْهِ لم يحصل لَهُ
النجَاة، وَلَا يَنْفَعهُ رجاؤه من غير عمل مَا أَمر بِهِ.
9646 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا يَعْقُوبُ
بنُ عَبدَ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرِو بن أبي عَمْرٍ وعنْ
سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّ الله خَلَقَ الرَّحْمَةَ
يَوْمَ خَلَقَها مِائَةَ رَحْمَةٍ فأمْسَكَ عِنْدَهُ
تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً وأرْسَلَ فِي خَلْقِهِ
كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ
بِكُلِّ الّذِي عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأسْ
مِنَ الجَنَّةِ، ولَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ
الَّذِي عِنَدَ الله مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ
النَّارِ) . (انْظُر الحَدِيث 0006) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَلَو يعلم
الْكَافِر)
إِلَى آخر الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن الْمُكَلف لَو تحقق مَا
عِنْد الله من الرَّحْمَة لما قطع رَجَاءَهُ أصلا، وَلَو
تحقق مَا عِنْده من الْعَذَاب لما ترك الْخَوْف أصلا،
فَيَنْبَغِي أَن يكون بَين الْخَوْف والرجاء فَلَا يكون
مفرطاً فِي الرَّجَاء بِحَيْثُ يصير من المرجئة
الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يضر مَعَ الْإِيمَان شَيْء
وَلَا فِي الْخَوْف بِحَيْثُ يكون من الْخَوَارِج
والمعتزلة
(23/66)
الْقَائِلين بتخليد صَاحب الْكَبِيرَة إِذا
مَاتَ من غير تَوْبَة فِي النَّار، بل يكون وسطا بَينهمَا،
كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {يرجون رَحمته وَيَخَافُونَ
عَذَابه} (الْإِسْرَاء: 75) قَوْله: (قُتَيْبَة بن سعيد)
فِي رِوَايَة أبي ذَر لم يذكر ابْن سعيد. قَوْله:
(وَعَمْرو بن أبي عَمْرو) وبالواو فيهمَا مولى الْمطلب
وَهُوَ تَابِعِيّ صَغِير وَشَيْخه تَابِعِيّ وسط
وَكِلَاهُمَا مدنيان.
والْحَدِيث من أَفْرَاده وَقد مر فِي الْأَدَب فِي: بَاب
جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء، من طَرِيق سعيد بن
الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَلَفظه: جعل الله الرَّحْمَة
مائَة جُزْء.
قَوْله: (إِن الله خلق الرَّحْمَة) أَي: الرَّحْمَة
الَّتِي جعلهَا فِي عباده، وَهِي مخلوقة، وَأما الرَّحْمَة
الَّتِي هِيَ صفة من صِفَاته فَهِيَ قَائِمَة بِذَاتِهِ عز
وَجل. قَوْله: (مائَة رَحْمَة) أَي: مائَة نوع من
الرَّحْمَة، أَو مائَة جُزْء كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي
تقدم فِي الْأَدَب. قَوْله: (فِي خلقه كلهم) ويروى: كُله،
قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (فَلَو يعلم الْكَافِر)
هَكَذَا ثَبت فِي هَذَا الطَّرِيق بِالْفَاءِ إِشَارَة
إِلَى ترَتّب مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا، وَمن ثمَّ قدم
ذكر الْكَافِر لِأَن كَثْرَة الرَّحْمَة وسعتها تَقْتَضِي
أَن يطمعها كل أحد، ثمَّ ذكر الْمُؤمن اسْتِطْرَادًا،
وَالْحكمَة فِي التَّعْبِير بالمضارع دون الْمَاضِي
الْإِشَارَة إِلَى أَنه لم يَقع لَهُ علم ذَلِك، وَلَا
يَقع لِأَنَّهُ إِذا امْتنع فِي الْمُسْتَقْبل كَانَ
مُمْتَنعا فِيمَا مضى، وَقد صرح ابْن الْحَاجِب: أَن لَو
لانْتِفَاء الأول لانْتِفَاء الثَّانِي كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا}
(الْأَنْبِيَاء: 22) فانتفاء التَّعَدُّد بِانْتِفَاء
الْفساد وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِك، إِذْ فِيهِ انْتِفَاء
الثَّانِي وَهُوَ انْتِفَاء الرَّجَاء لانْتِفَاء الأول
كَمَا فِي قَوْله: لوجئتني لأكرمتك، فَإِن الْإِكْرَام
مُنْتَفٍ لانْتِفَاء الْمَجِيء. قَوْله: (بِكُل الَّذِي)
قيل: فِيهِ إِشْكَال لِأَن لَفْظَة: كل، إِذا أضيفت إِلَى
الْمَوْصُول كَانَت إِذْ ذَاك لعُمُوم الْأَجْزَاء لَا
لعُمُوم الْإِفْرَاد، وَالْغَرَض من سِيَاق الحَدِيث
تَعْمِيم الْإِفْرَاد. وَأجِيب: بِأَنَّهُ وَقع فِي بعض
طرقه: أَن الرَّحْمَة قسمت مائَة جُزْء فالتعميم حينئذٍ
لعُمُوم الْإِجْزَاء فِي الأَصْل، وَنزلت الْأَجْزَاء
منزلَة الْأَفْرَاد مُبَالغَة. قَوْله: (لم ييأس من
الْجنَّة) من الْيَأْس وَهُوَ الْقنُوط يُقَال: يئس
بِالْكَسْرِ ييأس وَفِيه لُغَة أُخْرَى بِكَسْر الْهمزَة
من مستقبله وَهُوَ شَاذ، وَقَالَ الْمبرد، مِنْهُم من
يُبدل الْهمزَة فِي الْمُسْتَقْبل أَو الْيَاء الثَّانِيَة
ألفا فَتَقول: ييأس ويائس. فَإِن قلت: مَا معنى (لم ييئس
من الْجنَّة) قلت: قيل: المُرَاد أَن الْكَافِر لَو علم
سَعَة الرَّحْمَة لغطى على مَا يُعلمهُ من عَظِيم
الْعَذَاب فَيحصل لَهُ الرَّجَاء، وَقيل: المُرَاد أَن
مُتَعَلق علمه بسعة الرَّحْمَة مَعَ عدم التفاته إِلَى
مقابلها يطمعه فِي الرَّحْمَة.
02 - (بابُ الصَّبْرِ عنْ مَحارِمِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاجْتِهَاد فِي الصَّبْر عَن
محارم الله أَي: محرماته، قَالَه الْكرْمَانِي: قلت:
الْمَحَارِم جمع مُحرمَة بِفَتْح الميمين وَجَاء بِضَم
الرَّاء أَيْضا، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحُرْمَة مَا لَا
يحل انتهاكه، وَكَذَلِكَ الْمُحرمَة بِفَتْح الرَّاء وضما،
وَالصَّبْر حبس النَّفس وَتارَة يسْتَعْمل بِكَلِمَة: عَن،
كَمَا فِي الْمعاصِي، يُقَال: صَبر عَن الزِّنَا، وَتارَة
بِكَلِمَة: على، كَمَا فِي الطَّاعَات يُقَال: صَبر على
الصَّلَاة، وَنَحْو ذَلِك.
وَقَوْلِهِ عَزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ
أجرهم بِغَيْر حِسَاب} (الزمر: 01) [/ ح.
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الصَّبْر عَن محارم
الله، هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، هَكَذَا بِلَفْظ
قَوْله، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره لفظ: قَوْله، وَفِي
بعض النّسخ: وَقَوله عز وَجل، وَهَذَا أحسن وَلَفظ:
الصَّابِرُونَ، يحْتَمل أَن يسْتَعْمل: بعن وبعلى، كَمَا
ذكرنَا آنِفا، أَن اسْتِعْمَاله بِالْوَجْهَيْنِ،
وَأَرَادَ بقوله: {بِغَيْر حِسَاب} الْمُبَالغَة
بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا.
وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْنا خَيْرَ عَيْشِنا بالصَّبْرِ
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
قَوْله؛ بِالصبرِ، كَذَا هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني. بِحَذْف الْبَاء فَيكون مَنْصُوبًا
بِنَزْع الْخَافِض، وَقَالَ بَعضهم: وَالْأَصْل فِي
الصَّبْر وَالْبَاء بِمَعْنى: فِي.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا، وَالْبَاء على حَالهَا
للإلصاق، أَي؛ وجدنَا. ملتصقاً بِالصبرِ، وَيجوز أَن تكون
للاستعانة.
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد فِي (كتاب الزّهْد)
بِسَنَد صَحِيح عَن مُجَاهِد، قَالَ عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وجدنَا خير عيشنا الصَّبْر.
0746 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبَرَنِي عَطاءٌ بنُ يَزِيدَ أنَّ
أَبَا سَعِيد
(23/67)
أخْبَرَهُ أنَّ أُناساً مِنَ الأنْصارِ
سألُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمْ
يَسْألَهُ أحَدٌ مِنْهُمْ إلاّ أعْطاهُ حتَّى نَفِدَ مَا
عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ نَفِدَ كلُّ شَيْءٍ
أنْفَقَ بِيَدَيْهِ: (مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خيْرِ لَا
أدَّخِرْهُ عنْكُمْ وإنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفُّهُ
الله، ومَنْ يَتصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، ومَنْ
يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، ولَنْ تُعْطَوْا عَطاءً خَيْراً
وأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر) . (انْظُر الحَدِيث 9641) .
مطابقته للتَّرْجَمَة، فِي آخر الحَدِيث. وَأَبُو
الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَرِوَايَته عَن شُعَيْب بن أبي
حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ فِي
البُخَارِيّ كَثِيرَة، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك
الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه
مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَن أُنَاسًا) ويروى: أَن نَاسا، وَالْمعْنَى
وَاحِد. قَوْله: (حَتَّى نفد) بِفَتْح النُّون وَكسر
الْفَاء أَي: فرغ. قَوْله: (إنفق بيدَيْهِ) جملَة حَالية،
أَو اعتراضية أَو استئنافية، ويروى بِيَدِهِ،
بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (مَا يكن) كلمة: مَا، إِمَّا
مَوْصُولَة وَإِمَّا شَرْطِيَّة، ويروى: مَا يكون، وَصوب
الدمياطي الأول. قَوْله: (لَا أدخره) بِالْإِدْغَامِ
وَبِغَيْرِهِ وَفِي رِوَايَة مَالك: فَلم أدخره، وَعنهُ:
فَلَنْ أدخره، وداله مُهْملَة، وَقيل: مُعْجمَة. قَوْله:
(وَإنَّهُ من يستعف) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين
بتَشْديد الْفَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من يستعفف،
من الاستعفاف وَهُوَ طلب الْعِفَّة وَهِي الْكَفّ عَن
الْحَرَام وَالسُّؤَال من النَّاس. قَوْله: (يعفه الله)
بِضَم الْيَاء وبتشديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة أَي يرزقه
العفاف. قَوْله: (وَمن يتصبر) أَي: وَمن يتَكَلَّف
الصَّبْر يصبره الله بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْبَاء
الْمَكْسُورَة أَي: يرزقه الله الصَّبْر. قَوْله: (وَمن
يسْتَغْن) أَي: وَمن يظْهر الْغناء وَلم يسْأَل يغنه بِضَم
الْبَاء من الإغناء، أَي: يرزقه الْغنى عَن النَّاس،
وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد بدل
التصبر، وَمن استكفى كفاءه الله وَزَاد: وَمن سَالَ وَله
قيمَة أُوقِيَّة فقد ألحف. قَوْله: (وَلنْ تعطوا) على
صِيغَة الْمَجْهُول بِالْخِطَابِ للْجمع. قَوْله: (عَطاء
خيرا) بِالنّصب، كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقع فِي
رِوَايَة مَالك: هُوَ خير، بِالرَّفْع، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: عَطاء خير، وَالتَّقْدِير: هُوَ خير، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: كَذَا فِي نسخ مُسلم يَعْنِي بِالرَّفْع
وَالتَّقْدِير: هُوَ خير، كَمَا قُلْنَا.
1746 - حدّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى حَدثنَا مِسْعَرٌ
حدّثنا زِيادُ بنُ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ
بنَ شُعْبَةَ يَقُولُ. كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يُصَلِّي حتَّى تَرِمَ أوْ تَنْتَفَخَ قَدَمَاهُ
فَيُقَالُ لهُ، فَيَقُولُ: (أفَلاَ أكُونُ عبْداً
شَكُوراً) . (انْظُر الحَدِيث 0311 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الصَّبْر على الطَّاعَة
فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَبر عَلَيْهَا حَتَّى
تورمت قدماه.
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام
ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ
الْكُوفِي، سكن مَكَّة وَمَات بهَا سنة ثَلَاث عشرَة
وَمِائَتَيْنِ، ومعسر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
الْمُهْملَة الأولى وَفتح الثَّانِيَة وبالراء ابْن كدام
الْكُوفِي، وَزِيَاد بكسرالزاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف ابْن علاقَة بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف اللَّام
وبالقاف.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل عَن أبي نعيم. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي
الصَّلَاة، فالأولان عَن قُتَيْبَة وَابْن مَاجَه عَن
هِشَام بن عمار.
قَوْله: (حَتَّى ترم) أَصله: تورم، لِأَنَّهُ من ورم يرم
بِالْكَسْرِ فيهمَا وَالْقِيَاس يورم، وَهُوَ أحد مَا
جَاءَ على هَذَا الْبناء، ومجيئه على هَذَا الْبناء شَاذ،
وَهُوَ من الورم وَهُوَ الانتفاخ. قَوْله: (أَو تنتفخ)
بِالنّصب، قَالَ الْكرْمَانِي: كلمة: أَو، للتنويع،
وَيحْتَمل أَن يكون شكا من الرَّاوِي، وَجزم غَيره أَنه
للشَّكّ. قَوْله: (فَيُقَال لَهُ) أَي: إِنَّك قد غفر الله
لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر، فَيَقُول صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَفلا أكون عبدا شكُورًا على مَا أنعم
الله عَليّ من هَذَا الْفضل الْعَظِيم الَّذِي اختصصت
بِهِ؟ .
12 - (بابٌ { (65) وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه}
(الطَّلَاق: 3)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله تَعَالَى: {وَمن يتوكل على
الله فَهُوَ حَسبه} وأصل التَّوَكُّل من الوكول، يُقَال:
وكل أمره إِلَى فلَان أَي التجأ إِلَيْهِ وَاعْتمد
عَلَيْهِ، والتوكل تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله وَقطع
النّظر عَن الْأَسْبَاب، وَلَيْسَ التَّوَكُّل ترك
السَّبَب والاعتماد على مَا يَجِيء من المخلوقين لِأَن
ذَلِك قد يجر إِلَى ضد مَا يُرَاد من التَّوَكُّل، وَقد
سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله، عَن رجل جلس
(23/68)
فِي بَيته أَو فِي مَسْجِد وَقَالَ: لَا
أعمل شَيْئا حَتَّى يأتيني رِزْقِي. فَقَالَ: هَذَا رجل
جهل الْعلم، فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(إِن الله جعل رِزْقِي تَحت ظلّ رُمْحِي) ، وَقَالَ: لَو
توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كَمَا يرْزق الطير،
تَغْدُو خماصاً وَتَروح بطاناً، فَذكر أَنَّهَا تَغْدُو
وَتَروح فِي طلب الرزق، قَالَ: وَكَانَت الصَّحَابَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، يتجرون ويعملون فِي تخيلهم والقدوة
بهم.
وَقال الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كلِّ مَا ضاقَ عَلى
النَّاسِ.
الرّبيع بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن
خثيم بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الثَّوْريّ
الْكُوفِي من كبار التَّابِعين صحب ابْن مَسْعُود رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ يَقُول لَهُ: لَو رآك رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَأحبك، رَوَاهُ الإِمَام
أَحْمد فِي (الزّهْد) : بِسَنَد جيد. قَوْله: من كل مَا
ضَاقَ، أَرَادَ من يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه من كل مَا
ضَاقَ على النَّاس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: من كل مَا ضَاقَ
يَعْنِي: التَّوَكُّل على الله عَام من كل أَمر مضيق على
النَّاس، يَعْنِي: لَا خُصُوصِيَّة فِي التَّوَكُّل فِي
أَمر بل هُوَ جَار فِي جَمِيع الْأُمُور الَّتِي تضيق على
النَّاس.
2746 - حدّثني إسْحاقُ حَدثنَا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ
حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ حُصيْنَ بنَ عَبْدِ
الرَّحْمانِ قَالَ: كُنْتُ قاعِداً عِنْدَ سَعِيدِ بنِ
جُبَيْرٍ فَقَالَ: عَن ابْن عَبَّاس (يَدْخُلُ الجَنَّةَ
مِنْ أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفاً بِغَيْرِ حِسابٍ، هُمُ
الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيرُونَ وعلَى
ربِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَإِسْحَاق شيخ
البُخَارِيّ. قَالَ النَّسَائِيّ: لم أَجِدهُ مَنْسُوبا
عِنْد شُيُوخنَا، لَكِن حدث البُخَارِيّ فِي (الْجَامِع) :
كثيرا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَقَالَ بَعضهم:
إِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، وَغلط من قَالَ: ابْن
إِبْرَاهِيم.
قلت: التغليط من أَيْن وَقد سمع البُخَارِيّ من جمَاعَة كل
مِنْهُم، يُسمى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم؟ وحصين بِضَم
الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الطِّبّ مطولا، وَفِي
أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء مُخْتَصرا عَن مُسَدّد وَهَهُنَا
أَيْضا روى بعضه.
قَوْله: (لَا يسْتَرقونَ) أَي: لَا يطْلبُونَ الرّقية
وَهِي العودة الَّتِي يرقى بهَا صَاحب الآفة: كالحمى
والصرع وَنَحْو ذَلِك من الْآفَات، وَقد جَاءَ فِي بعض
الْأَحَادِيث جَوَازهَا، وَفِي بَعْضهَا النَّهْي عَنْهَا،
فَمن الْجَوَاز: (استرقوا لَهَا فَإِن بهَا النظرة) ، أَي:
اطْلُبُوا لَهَا من يرقى لَهَا، وَمن النَّهْي قَوْله
هَذَا: (لَا يسْتَرقونَ) . وَوجه الْجمع أَن الْمنْهِي
عَنْهَا مَا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَبِغير
أَسمَاء الله وَصِفَاته وَكَلَامه فِي كتبه الْمنزلَة،
وَأَن يعتقدوا أَن الرقيا مَانِعَة لَا محَالة، والمأمور
بهَا مَا كَانَ بقوارع الْقُرْآن وَنَحْوه. قَوْله: (وَلَا
يَتَطَيَّرُونَ) أَي: لَا يتشاءمون بالطيور وَمثلهَا
مِمَّا هُوَ عَادَتهم قبل الْإِسْلَام، والطيرة مَا يكون
فِي الشَّرّ، والفأل مَا يكون فِي الْخَيْر.
22 - (بابُ مَا يُكْرهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من قيل وَقَالَ،
وَكِلَاهُمَا فعلان ماضيان الأول مَجْهُول: قيل وَأَصله:
قَول، نقلت حَرَكَة الْوَاو إِلَى الْقَاف بعد سلب حركتها،
ثمَّ قلبت يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، وَهُوَ
حِكَايَة أقاويل النَّاس، قَالَ: فلَان كَذَا وَفُلَان
كَذَا وَقيل كَذَا وَكَذَا، وَإِذا رُوِيَ بِالتَّنْوِينِ
يكونَانِ مصدرين يُقَال: قَالَ قولا وقيلاً وَقَالا،
وَالْمرَاد أَنه نهى عَن الْإِكْثَار مِمَّا لَا فَائِدَة
فِيهِ، وَقيل: إِذا كَانَا اسْمَيْنِ يكون فِي عطف
أَحدهمَا على الآخر كثير فَائِدَة، بِخِلَاف مَا إِذا
كَانَا فعلين، وَقيل: إِذا كَانَا اسْمَيْنِ يكون
الثَّانِي تَأْكِيدًا.
3746 - حدّثنا عَليُّ بنُ مُسْلمٍ حَدثنَا هُشَيْمٌ
أخبرنَا غَيرُ واحِدٍ مِنْهمْ مُغِيرَةُ وفُلاَنٌ ورَجُلٌ
(23/69)
ثالِثٌ أيْضاً عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ
ورَّادٍ كاتِبِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أنْ مُعاوِيَةَ
كَتَبَ إِلَى المُغِيرَةِ أنِ اكْتُبْ إلَيَّ بِحَدِيثٍ
سَمِعْتَهُ مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ المُغِيرَةُ: أنِّي سَمِعْتُهُ
يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاةِ: (لَا إلاهَ
إلاّ الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ
الحَمْدُ وهْوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثَلاَثَ
مرَّاتٍ، قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عنْ: قِيلَ: وقالَ
وكَثْرَةِ السُّؤَالِ وإضاَعةِ المالِ ومَنْعِ وهاتِ
وعُقُوقِ الأُمَّهاتِ وَوأُدِ البَنَاتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
عَليّ بن مُسلم الطوسي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، وهشيم مصغر
هشم بن بشير الوَاسِطِيّ، والمغيرة هُوَ ابْن مقسم
الضَّبِّيّ.
قَوْله: (وَفُلَان) هُوَ مجَالد بن سعيد فقد أخرجه ابْن
خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) : عَن زِيَاد بن أَيُّوب
وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي قَالَا: نَا هشيم
أَنا غير وَاحِد مِنْهُم مُغيرَة ومجالد. قَوْله: (وَرجل
ثَالِث) قيل يحْتَمل أَن يكون دَاوُد بن أبي هِنْد، فقد
أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من طَرِيق دَاوُد بن أبي
هِنْد وَغَيره عَن الشّعبِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون
زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة أَو إِسْمَاعِيل بن أبي
خَالِد، فقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الْحسن بن
عَليّ بن رَاشد عَن هشيم عَن مُغيرَة عَن زَكَرِيَّا بن
أبي زَائِدَة، ومجالد وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد كلهم
عَن الشّعبِيّ، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، ووراد
بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء مولى الْمُغيرَة
وكاتبه.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن يُوسُف
وَفِي الِاعْتِصَام عَن مُوسَى وَفِي الْقدر عَن مُحَمَّد
بن سِنَان وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة، وَقد مضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (حَدثنَا عَليّ بن مُسلم) كَذَا فِي رِوَايَة
الْجُمْهُور، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده: وَقَالَ
عَليّ بن مُسلم. قَوْله: (وَكَثْرَة السُّؤَال) أَي: فِي
الْمسَائِل الَّتِي لَا حَاجَة فِيهَا، أَو من
الْأَمْوَال، أَو من أَحْوَال النَّاس. قَوْله: (وإضاعة
المَال) أَي: وَضعه فِي غير مَحَله وَحقه. قَوْله: (وَمنع
وهات) ، أَي: حرم عَلَيْكُم منع مَا عَلَيْكُم
إِعْطَاؤُهُ، وَطلب مَا لَيْسَ لكم أَخذه. قَوْله: (ووأد
الْبَنَات) هِيَ: الْبِنْت تدفن وَهِي حَيَّة كَانُوا
يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، إِذا ولد للْفَقِير
مِنْهُم بنت دسها فِي التُّرَاب.
وعنْ هُشَيْمِ: أخبرنَا عبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ
قَالَ: سَمِعْتُ ورَّاداً يُحَدِّثُ هَذَا الحَدِيثَ عنِ
المغِيرَةِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هُوَ مَوْصُول بِالطَّرِيقِ الَّذِي قبله، وَقد رَوَاهُ
الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة يَعْقُوب الدَّوْرَقِي،
وَزِيَاد بن أَيُّوب قَالَا: أَنا هشيم عَن عبد الْملك
بِهِ
32 - (بابُ حِفْظِ اللِّسانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب حفظ اللِّسَان عَن
التَّكَلُّم بِمَا لَا يسوغ فِي الشَّرْع، وَقَالَ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَهل يكب النَّاس فِي النَّار على
مناخرهم إلاَّ حصائد ألسنتهم) وَأما القَوْل بِالْحَقِّ
فَوَاجِب، والصمت فِيهِ غير وَاسع.
ومَنْ كَانَ يُؤْمنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ
يَأْتِي هَذَا مَوْصُولا فِي الْبَاب، وَذكره هَكَذَا
تَرْجَمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَمن كَانَ)
إِلَى آخِره.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ
رَقِيب عتيد} (ق: 81) [/ ح.
كَذَا لأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره وَقَوله: {مَا يلفظ
من قَول} ... إِلَى آخِره، وَلابْن بطال: وَقد أنزل الله
تَعَالَى: {مَا يلفظ} ... الْآيَة. قَوْله: {إلاَّ
لَدَيْهِ رَقِيب} أَي: حَافظ {والعتيد} هُوَ الْحَاضِر
المهيأ، وَأَرَادَ بِهِ الْملكَيْنِ اللَّذين يكتبان
جَمِيع الْأَشْيَاء، كَذَا قَالَه الْحسن وَقَتَادَة،
وَخَصه عِكْرِمَة بِالْخَيرِ وَالشَّر. وَيُقَوِّي الأول
تَفْسِير أبي صَالح فِي قَوْله: { (13) يمحوا الله مَا
يَشَاء وَيثبت} (الرَّعْد: 93) إِن الْمَلَائِكَة تكْتب كل
مَا يتَكَلَّم بِهِ الْمَرْء فيمحوا لله تَعَالَى مِنْهُ
مَا لَيْسَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَيثبت مَا مَاله وَمَا
عَلَيْهِ.
(23/70)
4746 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ
المُقَدَّمِيُّ حدَّثنا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ سَمِعَ أَبَا
حازِمٍ عنْ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ عنْ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ
لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ
الجَنَّة) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من يضمن لي مَا بَين
لحييْهِ) لِأَن المُرَاد بِهَذَا، حفظ اللِّسَان، كَمَا
يَجِيء.
قَوْله: (حَدثنَا) بنُون الْجمع رِوَايَة الْأَكْثَرين
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنِي، بنُون الْإِفْرَاد.
والمقدمي، بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم هَذِه
نِسْبَة إِلَى أحد أجداد مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ
مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم أَبُو عبد
الله الْمَعْرُوف بالمقدمي الْبَصْرِيّ، وَعمر بن عَليّ
هُوَ عَم مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ مُدَلّس وَلكنه صرح
بِالسَّمَاعِ، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد بن مَالك
السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن
خَليفَة بن خياط. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن
مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَقَالَ: حسن صَحِيح غَرِيب.
قَوْله: (من يضمن لي) إِطْلَاق الضَّمَان عَلَيْهِ مجَاز
إِذْ المُرَاد لَازم الضَّمَان وَهُوَ أَدَاء الْحق
الَّذِي عَلَيْهِ. قَوْله: (مَا بَين لحييْهِ) بِفَتْح
اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة تَثْنِيَة لحي وهما
العظمان فِي جَانِبي الْفَم، وَالْمرَاد بِمَا بَينهمَا
اللِّسَان، وَبِمَا (بَين رجلَيْهِ) : الْفرج. قَوْله:
(أضمن لَهُ) بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط.
وَوَقع فِي رِوَايَة الْحسن. تكفلت لَهُ.
وَفِيه: أَن أعظم الْبلَاء على العَبْد فِي الدُّنْيَا
اللِّسَان والفرج، فَمن وقِي من شرهما فقد وقِي أعظم
الشَّرّ.
5746 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حدّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَة
عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّه واليَوْمِ الآخِر فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ
لِيَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ
الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ، ومنْ كانَ يؤْمِنُ بِاللَّه
واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ورحاله قد ذكرُوا غير
مرّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) إِنَّمَا خصهما
بِالذكر إِشَارَة إِلَى المبدأ والمعاد، وخصص الْأُمُور
الثَّلَاثَة مُلَاحظَة لحَال الشَّخْص قولا وفعلاً،
وَذَلِكَ إِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقِيم أَو
الْمُسَافِر، أَو الأول تحلية وَالثَّانِي تخلية.
6446 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا لَ يْثٌ حَدثنَا
سَعيدٌ المقْبُرِيُّ عنْ أبي شُرَيْحِ الخُزَاعِيِّ قَالَ:
سَمِعَ أُذُنايَ ووَعاهُ قَلْبِي النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (الضِّيافَةُ ثَلاَثَةُ أيّامٍ
جائِزَتَهُ) قِيلَ: وَمَا جائِزَتُهُ؟ قَالَ: (يَوْمٌ
ولَيْلَةٌ، ومَنْ كانَ يُؤْمِن بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه
واليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَسْكُتْ) .
(انْظُر الحَدِيث 9106 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَأَبُو الْوَلِيد
هِشَام بن عبد الْملك، وَأَبُو شُرَيْح اسْمه خويلد
الْخُزَاعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب من كَانَ
يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، فَلَا يؤذ جَاره،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن
اللَّيْث ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله (جائزته) بِالنّصب أَي: أعْطوا جائزته، وَلَو صحت
الرِّوَايَة بِالرَّفْع كَانَ تَقْدِيره: المتوجه
عَلَيْكُم جائزته. قَوْله (يَوْم وَلَيْلَة) أَي: جائزته
يَوْم وَلَيْلَة. وَقيل: الْجَائِزَة جنَّة، وَالْيَوْم
ظرف، فَكيف يَقع خَبرا عَنْهَا؟ وَأجِيب: بِأَن فِيهِ
مُضَافا مُقَدرا، أَي: زمَان جائزته يَوْم وَلَيْلَة.
7746 - حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدّثني ابنُ أبي
حازِمٍ عنْ يَزِيدَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ عنْ
عِيساى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله التيْمِيِّ عنْ أبي
هُرَيرَةَ، سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا
يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بِها فِي النَّارِ ابْعَدَ
مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ) .
(23/71)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ
إِشَارَة إِلَى حفظ اللِّسَان من حَيْثُ الْمَفْهُوم.
وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي
الْأَسدي، وَابْن أبي حَازِم عبد الْعَزِيز، وَيزِيد من
الزِّيَادَة ابْن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْهَاد،
وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، وَعِيسَى بن
طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ، وَطَلْحَة هُوَ أحد
الْعشْرَة. وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن قُتَيْبَة
وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عِنْد
مُحَمَّد بن بشار، وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن قُتَيْبَة وَغَيره بِهِ.
قَوْله: (حَدثنِي) بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون
الْجمع. قَوْله: (ليَتَكَلَّم) بِاللَّامِ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: يتَكَلَّم، بِدُونِ
اللَّام. قَوْله: (مَا يتَبَيَّن فِيهَا) أَي: لَا يتدبر
فِيهَا وَلَا يتفكر فِي قبحها وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا،
وَتطلق الْكَلِمَة وَيُرَاد بهَا الْكَلَام كَقَوْلِهِم:
كلمة الشَّهَادَة، ويروى: وليتكلم بِالْكَلِمَةِ مَا يتقى
فِيهَا. قَوْله: (يزل بهَا) أَي: بِتِلْكَ الْكَلِمَة،
وَهَذَا كِنَايَة عَن دُخُول النَّار. قَوْله: (أبعد
مِمَّا بَين الْمشرق) كِنَايَة عَن عظمها ووسعها، قيل:
لفظ: بَين، يَقْتَضِي دُخُوله على مُتَعَدد، وَأجِيب بِأَن
الْمشرق مُتَعَدد معنى إِذْ مشرق الصَّيف غير مشرق
الشتَاء، وَبَينهمَا بعد عَظِيم وَهُوَ نصف كرة الْفلك،
أَو اكْتفى بِأحد الضدين عَن الآخر كَقَوْلِه تَعَالَى:
{سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 18) وَفِي بعض
الرِّوَايَات جَاءَ صَرِيحًا. وَالْمغْرب.
وَفِيه: أَن من أَرَادَ النُّطْق بِكَلِمَة أَن يتدبرها
بِنَفسِهِ قبل نطقه فَإِن ظَهرت مصلحَة تكلم بهَا وإلاَّ
أمسك.
8746 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِير سَمِعَ أَبَا النضرِ
حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله يَعْنِي: ابنَ
دينارٍ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إنَّ العَبْدَ
لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رُضْوانِ الله لَا يُلْقي
لَها بَالا يَرْفَعُ الله بِها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدُ
لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله لَا يُلْقِى
لَها بَالا يَهْوِي بِها فِي جَهَنَّمَ) . (انْظُر
الحَدِيث 7746) [/ ح.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد
الله بن مُنِير على وزن اسْم الْفَاعِل من الإنارة
المروزيِو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة هَاشم بن الْقَاسِم التَّيْمِيّ
الْخُرَاسَانِي، مر فِي الْوضُوء، وَعبد الرَّحْمَن يروي
عَن أَبِيه عبد الله بن دِينَار مولى ابْن عمر، وَأَبُو
صَالح ذكْوَان الزيات، وَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة من
التَّابِعين على نسق.
قَوْله: (من رضوَان الله) أَي: مِمَّا يُرْضِي الله بِهِ
قَوْله: (لَا يلقِي) بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء أَي:
لَا يلْتَفت إِلَيْهَا خاطره وَلَا يعْتد بهَا وَلَا
يُبَالِي بهَا، وَمعنى البال هُنَا الْقلب. قَوْله: (يرفع
الله بهَا) كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي،
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين والنسفي: يرفع الله لَهُ بهَا
دَرَجَات، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يرفعهُ الله بهَا
دَرَجَات. قَوْله: (من سخط الله) يَعْنِي: مِمَّا لَا يرضى
بِهِ. قَوْله: (يهوي) بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْهَاء
وَكسر الْوَاو، وَقَالَ عِيَاض: ينزل فِيهَا سَاقِطا، وَقد
جَاءَ بِلَفْظ: يزل بهَا فِي النَّار، لِأَن دركات النَّار
إِلَى أَسْفَل فَهُوَ نزُول سُقُوط، وَقيل: أَهْوى من
قريب، وَهوى من بعيد.
42 - (بابُ البُكاءِ مِنْ خَشْيَةِ الله عَزَّ وجَلَّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْبكاء من خوف الله عز
وَجل.
9746 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا يَحْيَاى
عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ: حدّثني خُبَيْبُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمانِ عنْ حَفْصِ بنِ عاصِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله: رَجُلٌ ذَكَرَ الله
فَفَاضَتْ عَيْناهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان،
وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وخبيب بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى ابْن عبد
الرَّحْمَن الخزرجي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث أتم مِنْهُ قد مضى فِي
الزَّكَاة عَن مُسَدّد، وَفِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن
بشار فِي أَبْوَاب
(23/72)
الْمَسَاجِد، ووردت أَحَادِيث فِي الْبكاء.
مِنْهَا: حَدِيث أَسد بن مُوسَى عَن عمرَان بن يزِيد عَن
يزِيد الرقاشِي عَن أنس بن مَالك مَرْفُوعا: (أَيهَا
النَّاس ابكوا فَإِن لم تبكوا فتباكوا، فَإِن أهل النَّار
يَبْكُونَ فِي النَّار حَتَّى تسيل دموعهم فِي وُجُوههم
كَأَنَّهَا جداول ثمَّ تقطع الدُّمُوع وتسيل الدِّمَاء
فتقرح الْعُيُون، فَلَو أَن السفن أجريت فِيهَا لجرت) .
52 - (بابُ الخَوْفِ مِنَ الله تَعَالَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شدَّة الاعتناء بالخوف من الله
عز وَجل، وَالْخَوْف من لَوَازِم الْإِيمَان قَالَ الله
تَعَالَى: {وخافون إِن كُنْتُم مُؤمنين} (آل عمرَان: 571)
.
0846 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا جَرِيرٌ
عنْ مَنْصُورٍ عنْ ربْعِيٍّ عنْ حُذَيْفَةَ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كانَ رَجُلٌ ممَّنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ يُسِىءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ، فَقَالَ
لأهْلِهِ: إِذا أَنا مُتُّ فَخُذُونِي فَذَرُّونِي فِي
البَحْرِ فِي يَوْمٍ صائِفٍ، فَفَعَلُوا بِهِ، فَجَمَعَهُ
الله، ثُمَّ قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلى الَّذِي صَنَعْتَ؟
قَالَ: مَا حَمَلنِي إلاّ مَخافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ) .
(انْظُر الحَدِيث 2543 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَجَرِير هُوَ
ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر،
ورِبْعِي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء ابْن حِرَاش
بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالراء المخففة والشين
الْمُعْجَمَة، وَحُذَيْفَة ابْن الْيَمَان. وَرِجَال
السَّنَد كلهم كوفيون.
والْحَدِيث مُضِيّ فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز وَفِي
الرَّقَائِق عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير.
قَوْله: (مِمَّن كَانَ قبلكُمْ) يَعْنِي: من بني
إِسْرَائِيل. قَوْله: (يسيء الظَّن بِعَمَلِهِ) يَعْنِي
بِعَمَلِهِ الَّذِي كَانَ مَعْصِيّة، وَكَانَ نباشاً.
قَوْله: (فذروني فِي الْبَحْر) بِضَم الذَّال من الذَّر
وَهُوَ التَّفْرِيق، يُقَال: ذررت الْملح أذره، ويروى
بِفَتْح الذَّال من التذرية، يُقَال: ذرت الرّيح الشَّيْء
وأذرته وذرته أَي: أطارته وأذهبته، ويروى: أذروني
بِهَمْزَة قطع وَسُكُون الذَّال من: أذرت الْعين دمعها،
وَمِنْه: تَذْرُوهُ الرِّيَاح. قَوْله: (فِي يَوْم صَائِف)
أَي: حَار بتَشْديد الرَّاء من الْحَرَارَة، وَرُوِيَ
للمروزي والأصيلي: فِي يَوْم حَاز، بالزاي الثَّقِيلَة
بِمَعْنى أَنه يحز الْبدن لشدَّة حره، وَرُوِيَ لأبي ذَر
عَن الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: فِي يَوْم حَار، بالراء
كَمَا ذكرنَا أَولا، وَكَذَا رُوِيَ لكريمة عَن الْكشميهني
وَذكر بَعضهم رِوَايَة الْمروزِي بنُون بدل الزَّاي،
وَقَالَ ابْن فَارس: الحون ريح يحن كحنين الْإِبِل.
1846 - حدّثنا مُوسى احدثنا: مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أبي
حَدثنَا قَتادَةُ عنْ عُقْبَةَ بنِ عَبْدِ الغافِرِ عنْ
أبي سَعِيدٍ، رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ كَانَ سَلَفَ أَو
قَبْلكُمْ (آتاهُ الله مَالا وَوَلَداً يَعْنِي: أعْطاهُ
مَالا وَوَلداً {قَالَ: فَلَمَّا حُضِرَ قَالَ لِبَنِيهِ:
أيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قالُوا: خَيْرَ أَب قَالَ:
فإنَّهُ لَمْ يَبْتَئرْ عِنْدَ الله خَيْراً فَسَرَّهَا
قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ وإنْ يَقْدَمْ على الله
يُعَذِّبْهُ فانْظُرُوا فَإِذا مُتُّ فأحْرِقُونِي حتَّى
إِذا صِرْتُ فَحْماً فاسْحَقُونِي أَو قَالَ: فاسْهَكُونِي
ثُمَّ إِذا كانَ رِيحٌ عاصِفٌ فأذْرُونِي فِيهَا، فأخذَ
مَوَاثِيقَهُمْ عَلى ذالِكَ ورَبِّي، فَفَعَلُوا فَقَالَ
الله: كُنْ، فَإِذا رَجُلٌ قائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أيْ
عَبْدِي} مَا حَمَلَكَ عَلى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ:
مَخَافَتُكَ أوْ فَرَقٌ مِنْكَ فَمَا تَلافاهُ أنْ
رَحِمَهُ الله.
فَحَدَّثْتُ أَبَا عثْمانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ سلْمانَ
غَيْرَ أنَّهُ زادَ: فأذْرُونِي فِي البَحْرِ، أَو كَمَا
حَدَّثَ. (انْظُر الحَدِيث 8743 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مخافتك) ومُوسَى هُوَ
ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، ومعتمر يروي عَن أَبِيه
سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَعقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون
الْقَاف ابْن عبد الغافر أَبُو نَهَار الْأَزْدِيّ العوذي
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
(23/73)
والْحَدِيث مر فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن
أبي الْوَلِيد وَيحيى فِي التَّوْحِيد عَن عبد الله بن أبي
الْأسود. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبيد الله بن
معَاذ وَغَيره.
قَوْله: (أَو قبلكُمْ) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله:
(يَعْنِي: أعطَاهُ مَالا) ، هَذَا تَفْسِير لقَوْله:
(آتَاهُ الله) وَهُوَ بِالْمدِّ بِمَعْنى: أعطَاهُ وبالقصر
بِمَعْنى الْمَجِيء. قَوْله: (مَالا) بعد قَوْله:
(أعطَاهُ) رِوَايَة الْكشميهني، وَلَا معنى لإعادة لفظ:
مَالا، وَفِي رِوَايَة غَيره: أعطَاهُ، بِلَا ذكر مَالا.
(فَلَمَّا حضر) بِضَم الْحَاء وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة
أَي: فَلَمَّا حَضَره أَوَان الْمَوْت. قَوْله: (خير أَب)
بِالنّصب أَي: كنت خير أَب، وبالرفع أَي: أَنْت خير أَب.
قَوْله: (لم يبتئر) من الابتئار افتعال من الْبَار
بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء وَمَعْنَاهُ لم يدّخر
وَلم يخبأ، هَكَذَا فسره قَتَادَة، وَأَصله من البئيرة
بِمَعْنى الذَّخِيرَة والخبيئة، قَالَ أهل اللُّغَة: بارت
الشَّيْء وابتأرته إبارة وابتئره إِذا خبأته، وَوَقع فِي
رِوَايَة ابْن السكن: لم يأبتر، بِتَقْدِيم الْهمزَة على
الْبَاء الْمُوَحدَة حَكَاهُ عِيَاض وَمَعْنَاهُ: لم يقدم
خيرا يُقَال: بأرته وابتارته، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَوَقع
فِي التَّوْحِيد فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: لم يبتئر
أَو لم يبتئر بِالشَّكِّ فِي الزَّاي أَو الرَّاء، وَفِي
رِوَايَة الْجِرْجَانِيّ بنُون بدل الْبَاء الْمُوَحدَة،
وَالزَّاي، قيل: كِلَاهُمَا غير صَحِيح، ويروى فِي غير
البُخَارِيّ: يبتهر، بِالْهَاءِ بدل الْهمزَة وبالراء
ويمتئر بِالْمِيم بدل الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء.
قَوْله: (وَإِن يقدم على الله يعذبه) كَذَا هُنَا بِسُكُون
الْقَاف وَفتح الدَّال من الْقدوم وَهُوَ بِالْجَزْمِ على
الشّرطِيَّة، وَكَذَا يعذبه بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَزَاء،
وَالْمعْنَى أَنه إِن بعث يَوْم الْقِيَامَة على هَيئته
يعرفهُ كل أحد، فَإِذا صَار رَمَادا مبثوثاً فِي المَاء
أَو الرّيح لَعَلَّه يخفى. وَوَقع فِي حَدِيث حُذَيْفَة
عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي خَيْثَمَة عَن
جرير بِسَنَد حَدِيث الْبَاب: فَإِنَّهُ إِن يقدر عَليّ
رَبِّي لَا يغْفر لي، وَكَذَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة:
لَئِن قدر الله عَليّ، قيل: كَيفَ غفر لهَذَا الَّذِي أوصى
بِهَذِهِ الْوَصِيَّة وَقد جهل قدرَة الله على إحيائه؟ .
وَأجِيب: بِأَن النَّاس اخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا
الحَدِيث، فَقيل: أما عَفْو الله عَمَّا كَانَ مِنْهُ فِي
أَيَّام صِحَّته من الْمعاصِي فلندمه عَلَيْهَا وتوبته
مِنْهَا عِنْد مَوته، وَلذَلِك أَمر وَلَده بإحراقه
وتذريته فِي الْبر وَالْبَحْر خشيَة من عَذَاب ربه والندم
تَوْبَة.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَن كَون النَّدَم تَوْبَة إِنَّمَا
هُوَ لهَذِهِ الْأمة، أَلا يُرى مَا حكى الله عَن قابيل
بقوله: {فاصبح من النادمين} (الْمَائِدَة: 13) فَلم يكن
ندمه تَوْبَة، وَقيل: إِن معنى قَوْله: إِن قدر الله على
الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ الْعَجز وَإنَّهُ كَانَ عِنْده
أَنه إِذا أحرق وذري أعجز ربه عَن إحيائه، فَهُوَ على أَنه
غفر لَهُ لجهله بِالْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ لم يكن تقدم فِي
ذَلِك الزَّمَان أَنه لَا يغفرالشرك بِهِ، وَلَيْسَ فِي
الْعقل دَلِيل على أَن ذَلِك غير جَائِز فِي حِكْمَة الله
تَعَالَى، وَإِنَّمَا نقُول: لَا يجوز أَن يغْفر الشّرك
بعد نزُول قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن
يُشْرك بِهِ} (النِّسَاء: 84 و 611) . وَأما جَوَاز غفران
الله ذَلِك فلفضله الْأَعَمّ وغنائه الأتم لِأَنَّهُ لَا
يضرّهُ كفر كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ إِيمَان مُؤمن. وَقيل:
معنى أَن قدر الله عَليّ أَن ضيق على كَقَوْلِه تَعَالَى:
{وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} (الطَّلَاق: 7) أَي: ضيق وَلم
يرد بذلك وصف خالقه بِالْعَجزِ عَن إِعَادَته، وَقيل:
إِنَّمَا غفر لَهُ لِأَنَّهُ غلب على فهمه من الْجزع
الَّذِي كَانَ لحقه من خوف الله وعذابه فيعذر، وَمثل هَذَا
إِنَّمَا يكون كفرا مِمَّن يقْصد بِهِ الْكفْر وَهُوَ يعقل
مَا يَقُول، وَقيل: غفر لَهُ بِأَصْل توحيده الَّذِي لَا
تضر مَعَه مَعْصِيّة، وعزى ذَلِك إِلَى المرجئة. قَوْله:
(فأحرقوني) وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة الَّذِي أخرجه
البُخَارِيّ فِي بني إِسْرَائِيل فاجمعوا لي حطباً كثيرا
ثمَّ أوروا نَارا حَتَّى إِذا أكلت لحمي وخلصت إِلَى عظمي
فخذوها واطحنوها. قَوْله: (فاستحقوني) من السحق وَهُوَ دق
الشَّيْء نَاعِمًا، أَو قَالَ: (فاسهكوني) ، شكّ من
الرَّاوِي من السهك. قَالُوا: السحق والسهك بِمَعْنى
وَاحِد. وَقيل السهك ونه وَهُوَ أَن يفت الشَّيْء أَو يدق
قطعا صغَارًا. قَوْله: (فاذروني) يَصح أَن يقْرَأ مَوْصُول
الْألف من ذرأت الشَّيْء فرقته، وَيصِح أَن يكون أَصله من
الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ فَيقطع الْهمزَة من قَوْلهم: أذرت
الْعين دمعها، وأذريت الرجل عَن فرسه أَي: رميته. وَقَالَ
ابْن التِّين: قرأناه بِقطع الْهمزَة. قَوْله: (فَأَخذه
مواثيقهم) جمع مِيثَاق وَهُوَ الْعَهْد. قَوْله: (وربي)
هُوَ على الْقسم عَن الْمخبر بذلك عَنْهُم لتصحيح خَبره،
وَيحْتَمل أَن يكون حِكَايَة الْمِيثَاق الَّذِي أَخذه،
أَي: قَالَ لمن أوصاه: قل: وربي لافعلن ذَلِك، وَفِي
(صَحِيح مُسلم) : فَأخذ مِنْهُم ميثاقاً فَفَعَلُوا ذَلِك،
وربي قَالَ القَاضِي عِيَاض. وَفِي بعض نسخه. فَفَعَلُوا
ذَلِك وذرى، قَالَ: فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَهِيَ
وَجه الْكَلَام وَلَعَلَّ الذَّال سَقَطت لبَعض النساخ
وَتَابعه الْبَاقُونَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ
البُخَارِيّ يحْتَمل أَن يكون بِصِيغَة الْمَاضِي من
التربية. أَي: رَبِّي أَخذ المواثيق والمبايعات لكنه
مَوْقُوف على الرِّوَايَة، وَقَالَ بَعضهم: وَأبْعد
الْكرْمَانِي ثمَّ نقل ذَلِك عَنهُ.
قلت: مَا جزم بذلك حَتَّى يُقَال فِيهِ: وَأبْعد،
وَإِنَّمَا قيد بِصِحَّة الرِّوَايَة
(23/74)
مَعَ الِاحْتِمَال الَّذِي ذكره. قَوْله:
(فَإِذا رجل قَائِم) وَقع الْمُبْتَدَأ هُنَا نكرَة لِأَن
وُقُوعه هُنَا بعد إِذا، المفاجأة من المخصصات كَمَا فِي
قَوْلك: خرجت فَإِذا سبع. قَوْله: (أَي عَبدِي) يَعْنِي:
يَا عَبدِي. قَوْله: (أَو فرق) هُوَ شكّ من الرَّاوِي
وَهُوَ بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالقاف الْخَوْف.
قَوْله: (فَمَا تلافاه أَن رَحمَه) كلمة: مَا، مَوْصُولَة،
وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: الَّذِي تلافاه أَي:
تَدَارُكه بِأَن رَحمَه، أَي: بِالرَّحْمَةِ، وَالضَّمِير
الْمَنْصُوب فِي تلافاه يرجع إِلَى عمل الرجل وَيجوز أَن
يكون: مَا، نَافِيَة، وَكلمَة الِاسْتِثْنَاء محذوفة على
مَذْهَب من يجوز حذفهَا، أَي: مَا تلافاه إلاَّ أَن
رَحمَه.
قَوْله: (فَحدثت أَبَا عُثْمَان) قَالَ الْكرْمَانِي:
الْقَائِل: بحدثت، قَتَادَة، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ
سُلَيْمَان وَالِد الْمُعْتَمِر.
قلت: الَّذِي يظْهر أَن قَول الْكرْمَانِي هُوَ الصَّوَاب
فَلْينْظر فِيهِ، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن
مل النَّهْدِيّ بالنُّون الْمَفْتُوحَة. قَوْله: (فَقَالَ)
أَي: أَبُو عُثْمَان: قَوْله: (سَمِعت هَذَا من سلمَان)
أَي: الْفَارِسِي، وَحذف المسموع مِنْهُ الَّذِي اسْتثْنى
مِنْهُ مَا ذكر، وَالتَّقْدِير: سَمِعت سلمَان يحدث عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمثل هَذَا الحَدِيث،
غير أَنه زَاد قَوْله: (أَو كَمَا حدث) شكّ من الرَّاوِي
يُشِير بِهِ إِلَى أَنه معنى حَدِيث أبي سعيد لَا
بِلَفْظِهِ كُله.
وَقَالَ مُعاذٌ: حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ قَتادَةَ: سَمِعْتُ
عُقْبَةَ سَمعْتُ أَبَا سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: قَالَ معَاذ بن التَّمِيمِي، وَهَذَا التَّعْلِيق
وَصله مُسلم: حَدثنِي عبيد الله بن معَاذ الْعَنْبَري
حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة سمع عقبَة بن
عبد الغافر يَقُول، سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يحدث
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن رجلا فِيمَن
كَانَ قبلكُمْ راشه الله مَالا وَولدا، فَقَالَ لوَلَده:
لتفعلن مَا آمركُم بِهِ أَو لأولين ميراثي غَيْركُمْ، إِذا
أَنا مت فأحرقوني، وأكبر علمي أَنه قَالَ: ثمَّ اسحقوني
فاذروني فِي الرّيح، فَإِنِّي لم ابتهر عِنْد الله خيرا،
وَأَن الله يقدر على أَن يُعَذِّبنِي. قَالَ: فَأخذ
مِنْهُم ميثاقاً فَفَعَلُوا ذَلِك بِهِ وربي، فَقَالَ
الله: مَا حملك على مَا فعلت؟ قَالَ: مخافتك، فَمَا تلافاه
غَيرهَا. انْتهى. أَي: مَا تَدَارُكه غير المخافة.
62 - (بابُ الانْتِهاءِ عنِ المَعاصِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الِانْتِهَاء عَن
الْمعاصِي أَي: تَركهَا أصلا. والإعراض عَنْهَا بعد
الْوُقُوع فِيهَا.
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ
بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي
بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (مَثَلِي ومَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله
كَمَثَلِ رَجُلٍ أتَى قَوْماً فَقَالَ: رَأيْتُ الجَيْشَ
بِعَيْنِيَّ وإنِّي أَنا النذِيرُ العُرْيانُ، فالنَّجاءَ
النَّجاءَ، فأطاعَتْهُ طائِفَةٌ فأدْلَجُوا على
مَهْلِهِمْ، فَنَجَوا، وكَذَّبَتْهُ طائِفَةٌ
فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فاجْتاحَهُمْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِنْذَار عَن
الْوُقُوع فِي الْمعاصِي والانتهاء عَنْهَا.
وَمُحَمّد بن الْعَلَاء بن كريب أَبُو كريب الْكُوفِي
وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
مصغر برد ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة واسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث، وبريد هَذَا
يرْوى عَن جده أبي بردة بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس
الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
قَوْله: (مثلي) الْمثل بِفتْحَتَيْنِ الصّفة العجيبة
الشَّأْن يوردها البليغ على سَبِيل الشّبَه لإِرَادَة
التَّقْرِيب والتفهيم.
قَوْله: (وَمثل مَا بَعَثَنِي الله) الْعَائِد مَحْذُوف
تَقْدِيره: مَا بَعَثَنِي الله بِهِ إِلَيْكُم. قَوْله:
(قوما) التنكير فِيهِ للشيوع. قَوْله: (الْجَيْش) اللَّام
فِيهِ للْعهد. قَوْله: (بعيني) بالتثنية وَهِي رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْإِفْرَادِ. قَوْله:
(وَأَنا النذير الْعُرْيَان) أَي: الْمُنْذر الَّذِي تجرد
عَن ثَوْبه وَأَخذه يرفعهُ ويديره حول رَأسه، علاماً
لِقَوْمِهِ بالغارة. وَقَالَ ابْن بطال: النذير
الْعُرْيَان رجل من خثعم حمل عَلَيْهِ رجل يَوْم ذِي
الخلصة فَقطع يَده وَيَد امْرَأَته فَانْصَرف إِلَى قومه
فَحَذَّرَهُمْ فَضرب بِهِ الْمثل فِي تحقق الْخبز. وَقَالَ
ابْن السّكيت: اسْم الرجل الَّذِي حمل عَلَيْهِ عَوْف بن
عَامر الْيَشْكُرِي، وَالْمَرْأَة كَانَت من بني كنَانَة،
وتنزيل هَذِه الْقِصَّة على لفظ الحَدِيث بعيد لِأَنَّهُ
لَيْسَ
(23/75)
فِيهَا أَنه كَانَ عُريَانا. وَقَالَ أَبُو
عبد الْملك: هَذَا مثل قديم، وَذَلِكَ أَن رجلا لَقِي
جَيْشًا فجردوه وعروه، فجَاء إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ:
إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش بعيني وَإِنِّي أَنا النذير لكم
وتروني عُريَانا جردني الْجَيْش فالنجاء النَّجَاء،
وَقَالَ ابْن السّكيت: ضرب بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمثل لأمته لِأَنَّهُ تجرد لإنذارهم.
وَقَالَ الْخطابِيّ: رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن خَالِد:
العربان، بباء مُوَحدَة فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه
صَحِيح وَهُوَ الفصيح بالإنذار لَا يكنى وَلَا يورى،
يُقَال: رجل عربان أَي: فصيح اللِّسَان، من: أعرب الرجل
عَن حَاجته إِذا أفْصح عَنْهَا. قَوْله: (فالنجاء)
بِالنّصب مفعول مُطلق فِيهِ إغراء أَي: اطْلُبُوا
النَّجَاء بِأَن تسرعوا الْهَرَب لأنكم لَا تطيقون مقاومة
ذَلِك الْجَيْش، (والنجاء) الثَّانِي تَأْكِيد
وَكِلَاهُمَا ممدودان، وَجَاء الْقصر فيهمَا تَخْفِيفًا
وَجَاء مد الأول وَقصر الثَّانِي. قَوْله: (فأدلجوا) من
الإدلاج من بَاب الإفعال وَهُوَ السّير أول اللَّيْل، أَو
كل اللَّيْل على الِاخْتِلَاف فِي مَعْنَاهُ، وهمزته همزَة
قطع، وَفِي (التَّوْضِيح) : قَوْله: (فأدلجوا) بتَشْديد
الدَّال قلت لَا يَسْتَقِيم هَذَا هُنَا لِأَن الادلاج
بِالتَّشْدِيدِ هُوَ السّير آخر اللَّيْل فَلَا يُنَاسب
هَذَا الْمقَام وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله: (على
مهلهم) بِفتْحَتَيْنِ أَي: على السكينَة والتأني، وَأما
الْمهل بِسُكُون الْهَاء فَمَعْنَاه الْإِمْهَال فَلَا
يُنَاسب هُنَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن مهلتهم، قَوْله:
(فنجوا) لأَنهم أطاعوا النذير وَسَارُوا من أول اللَّيْل
فنجوا. قَوْله: (فصبحهم الْجَيْش) أَي: أتوهم صباحاً،
هَذَا أَصله ثمَّ اسْتعْمل فِيمَن يطْرق بَغْتَة فِي أَي
وَقت كَانَ. قَوْله: (فاجتاحهم) بجيم ثمَّ بحاء مُهْملَة
أَي: استأصلهم، من جحت الشَّيْء أجوحه إِذا استأصلته،
وَمِنْه الْجَائِحَة وَهِي الْهَلَاك.
62 - (بابُ الانْتِهاءِ عنِ المَعاصِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الِانْتِهَاء عَن
الْمعاصِي أَي: تَركهَا أصلا. والإعراض عَنْهَا بعد
الْوُقُوع فِيهَا.
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ
بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي
بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (مَثَلِي ومَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله
كَمَثَلِ رَجُلٍ أتَى قَوْماً فَقَالَ: رَأيْتُ الجَيْشَ
بِعَيْنِيَّ وإنِّي أَنا النذِيرُ العُرْيانُ، فالنَّجاءَ
النَّجاءَ، فأطاعَتْهُ طائِفَةٌ فأدْلَجُوا على
مَهْلِهِمْ، فَنَجَوا، وكَذَّبَتْهُ طائِفَةٌ
فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فاجْتاحَهُمْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِنْذَار عَن
الْوُقُوع فِي الْمعاصِي والانتهاء عَنْهَا.
وَمُحَمّد بن الْعَلَاء بن كريب أَبُو كريب الْكُوفِي
وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
مصغر برد ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة واسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث، وبريد هَذَا
يرْوى عَن جده أبي بردة بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس
الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
قَوْله: (مثلي) الْمثل بِفتْحَتَيْنِ الصّفة العجيبة
الشَّأْن يوردها البليغ على سَبِيل الشّبَه لإِرَادَة
التَّقْرِيب والتفهيم.
قَوْله: (وَمثل مَا بَعَثَنِي الله) الْعَائِد مَحْذُوف
تَقْدِيره: مَا بَعَثَنِي الله بِهِ إِلَيْكُم. قَوْله:
(قوما) التنكير فِيهِ للشيوع. قَوْله: (الْجَيْش) اللَّام
فِيهِ للْعهد. قَوْله: (بعيني) بالتثنية وَهِي رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْإِفْرَادِ. قَوْله:
(وَأَنا النذير الْعُرْيَان) أَي: الْمُنْذر الَّذِي تجرد
عَن ثَوْبه وَأَخذه يرفعهُ ويديره حول رَأسه، علاماً
لِقَوْمِهِ بالغارة. وَقَالَ ابْن بطال: النذير
الْعُرْيَان رجل من خثعم حمل عَلَيْهِ رجل يَوْم ذِي
الخلصة فَقطع يَده وَيَد امْرَأَته فَانْصَرف إِلَى قومه
فَحَذَّرَهُمْ فَضرب بِهِ الْمثل فِي تحقق الْخبز. وَقَالَ
ابْن السّكيت: اسْم الرجل الَّذِي حمل عَلَيْهِ عَوْف بن
عَامر الْيَشْكُرِي، وَالْمَرْأَة كَانَت من بني كنَانَة،
وتنزيل هَذِه الْقِصَّة على لفظ الحَدِيث بعيد لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهَا أَنه كَانَ عُريَانا. وَقَالَ أَبُو عبد
الْملك: هَذَا مثل قديم، وَذَلِكَ أَن رجلا لَقِي جَيْشًا
فجردوه وعروه، فجَاء إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: إِنِّي
رَأَيْت الْجَيْش بعيني وَإِنِّي أَنا النذير لكم وتروني
عُريَانا جردني الْجَيْش فالنجاء النَّجَاء، وَقَالَ ابْن
السّكيت: ضرب بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْمثل لأمته لِأَنَّهُ تجرد لإنذارهم. وَقَالَ
الْخطابِيّ: رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن خَالِد: العربان، بباء
مُوَحدَة فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه صَحِيح وَهُوَ
الفصيح بالإنذار لَا يكنى وَلَا يورى، يُقَال: رجل عربان
أَي: فصيح اللِّسَان، من: أعرب الرجل عَن حَاجته إِذا
أفْصح عَنْهَا. قَوْله: (فالنجاء) بِالنّصب مفعول مُطلق
فِيهِ إغراء أَي: اطْلُبُوا النَّجَاء بِأَن تسرعوا
الْهَرَب لأنكم لَا تطيقون مقاومة ذَلِك الْجَيْش،
(والنجاء) الثَّانِي تَأْكِيد وَكِلَاهُمَا ممدودان،
وَجَاء الْقصر فيهمَا تَخْفِيفًا وَجَاء مد الأول وَقصر
الثَّانِي. قَوْله: (فأدلجوا) من الإدلاج من بَاب الإفعال
وَهُوَ السّير أول اللَّيْل، أَو كل اللَّيْل على
الِاخْتِلَاف فِي مَعْنَاهُ، وهمزته همزَة قطع، وَفِي
(التَّوْضِيح) : قَوْله: (فأدلجوا) بتَشْديد الدَّال قلت
لَا يَسْتَقِيم هَذَا هُنَا لِأَن الادلاج بِالتَّشْدِيدِ
هُوَ السّير آخر اللَّيْل فَلَا يُنَاسب هَذَا الْمقَام
وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله: (على مهلهم)
بِفتْحَتَيْنِ أَي: على السكينَة والتأني، وَأما الْمهل
بِسُكُون الْهَاء فَمَعْنَاه الْإِمْهَال فَلَا يُنَاسب
هُنَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن مهلتهم، قَوْله: (فنجوا)
لأَنهم أطاعوا النذير وَسَارُوا من أول اللَّيْل فنجوا.
قَوْله: (فصبحهم الْجَيْش) أَي: أتوهم صباحاً، هَذَا أَصله
ثمَّ اسْتعْمل فِيمَن يطْرق بَغْتَة فِي أَي وَقت كَانَ.
قَوْله: (فاجتاحهم) بجيم ثمَّ بحاء مُهْملَة أَي:
استأصلهم، من جحت الشَّيْء أجوحه إِذا استأصلته، وَمِنْه
الْجَائِحَة وَهِي الْهَلَاك.
3846 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حَدثنَا
أبُو الزِّنادِ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ حَدَّثَه
أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ
سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ:
(إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُل
اسْتَوْقَدَ نارَاً، فَلمَّا أضاءَتْ مَا حَوْلهُ جَعَلَ
الفَرَاشُ وهاذِهِ الدَّوابُّ الَّتي تَقَعُ فِي النَّارِ
يَقَعْنَ فِيها، فَجَعَلَ يَنْزعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ
فَيَقْتَحمْنَ فِيها، فَأَنا آخذ بِحُجَزكمْ عنِ النَّارِ
وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيها) (انْظُر الحَدِيث 6243) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ منع النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُم عَن الْإِتْيَان
بِالْمَعَاصِي الَّتِي تؤديهم إِلَى الدُّخُول فِي
النَّار.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم ب نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن
أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي
وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ
الْأَعْرَج.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب قَول الله {وَوَهَبْنَا لداود
سُلَيْمَان} (ص: 03) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا
السَّنَد عَن أبي الْيَمَان إِلَى قَوْله: (وَهَذِه
الدَّوَابّ تقع فِي النَّار) ثمَّ اخْتَصَرَهُ وَذكر
حَدِيثا آخر. قَوْله: (استوقد) بِمَعْنى: أوقد، وَلَكِن
استوقد أبلغ. قَوْله: (أَضَاءَت) من الإضاءة وَهِي فرط
الإنارة. قَوْله: (الْفراش) بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف
الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة جمع الفراشة. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: هِيَ صغَار البق، وَقيل: هِيَ مَا يتهافت
فِي النَّار من الطيارات.
قلت: هَذَا أصح من الأول، وَقَالَ الْفراء فِي
تَفْسِيرهَا: إِنَّهَا كغوغاء الْجَرَاد يركب بعضه
بَعْضًا. وَقَالَ ابْن سَيّده: هِيَ دَوَاب مثل البعوض
واحدتها فراشة، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: لَيْسَ هِيَ ببعوض
وَلَا ذُبَاب، وَقَالَ أَبُو نصر: هِيَ الَّتِي تطير
وتتهافت فِي السراج، وَفِي (مجمع الغرائب) : هِيَ مَا
تتهافت فِي النَّار من الطيارات، وَقَالَ الدَّاودِيّ:
هِيَ طَائِر فَوق البعوض. قَوْله: (يقعن) خبر قَوْله: (جعل
الْفرش) قَوْله: (وَهَذِه الدَّوَابّ الَّتِي تقع فِي
النَّار) جملَة مُعْتَرضَة وَأَشَارَ بهَا إِلَى تَفْسِير
الْفراش. قَوْله: (فَجعل) بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني بِالْوَاو وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الرجل.
قَوْله: (ينزعهن) بِفَتْح الْيَاء وَالزَّاي وَضم الْعين
الْمُهْملَة أَي: يدفعهن، ويروى: يزعهن، بِلَا نون من وزعه
يزعه وزعاً، فَهُوَ وازع إِذا كَفه وَمنعه. قَوْله:
(فيقتحمن) من الاقتحام وَهُوَ الهجوم على الشَّيْء،
يُقَال: قحم فِي الْأَمر أَي: رمى بِنَفسِهِ فِيهِ
فَجْأَة، واقحمته فاقتحم، وَيُقَال: اقتحم الْمنزل إِذا
هجم. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي النَّار. قَوْله: (فَأَنا
آخذ) قَالَ النَّوَوِيّ: رُوِيَ باسم الْفَاعِل، ويروى
بِصِيغَة الْمُضَارع من الْمُتَكَلّم، وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: الْفَاء فِيهِ فصيحة كَأَنَّهُ لما قَالَ:
(مثلي وَمثل النَّاس)
إِلَى آخِره، أَتَى بِمَا هُوَ أهم، وَهُوَ قَوْله:
(فَأَنا آخذ بِحُجزِكُمْ) وَمن هَذِه الدقيقة الْتفت من
الْغَيْبَة فِي قَوْله: (مثل النَّاس) إِلَى الْخطاب فِي
قَوْله: (بِحُجزِكُمْ) قَوْله: (بِحُجزِكُمْ) بِضَم
الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وبالزاي جمع حجزة وَهِي
معقد الْإِزَار، وَمن السَّرَاوِيل مَوضِع التكة، وَيجوز
ضم الْجِيم فِي الْجمع. قَوْله: (وهم يقتحمون
(23/76)
فِيهَا) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: وَأَنْتُم تقتحمون، وعَلى الأول سَأَلَ
الْكرْمَانِي فَقَالَ: الْقيَاس: وَأَنْتُم، لَا: هم،
ليُوَافق لفظ: حُجُزكُمْ، ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ الْتِفَات.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى أَن من أَخذه رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بحجرته لَا اقتحام لَهُ فِيهَا.
4846 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا زَكرِيَّاءُ عنْ
عامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ ويَقُولُ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (المُسْلِمُ مَنْ
سَلِمَ المُسْلِمُونَ منْ لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ
مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عنْهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ترك أَذَى الْمُسلم
بِالْيَدِ وَاللِّسَان من جملَة الِانْتِهَاء عَن
الْمعاصِي، وَأَيْضًا قَوْله: (من هجر مَا نهى الله عَنهُ)
من جملَة الِانْتِهَاء عَن الْمعاصِي.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وزَكَرِيا هُوَ ابْن أبي
زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْإِيمَان. قيل: خص
المُهَاجر بِالذكر تطبيباً لقلب من لم يُهَاجر من
الْمُسلمين لفَوَات ذَلِك بِفَتْح مَكَّة، فأعلمهم بِأَن
من هجر مَا نهى الله عَنهُ كَانَ هُوَ المُهَاجر
الْكَامِل.
7 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أعلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً
وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً))
أَي: هَذَا بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(لَو تعلمُونَ مَا أعلم) إِلَى آخِره، ذكر التَّرْجَمَة
بِلَفْظ حَدِيث الْبَاب، وَعكس بَعضهم حَيْثُ قَالَ: ذكر
فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ التَّرْجَمَة.
5846 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ
عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ
أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنْهُ، كَانَ يَقولُ:
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً
ولَبَكَيْتُمْ كَثِيراً) .
التَّرْجَمَة والْحَدِيث سَوَاء. وَيحيى بن بكير بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر بكر هُوَ يحيى بن عبد الله بن
بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَعقيل بِضَم الْعين
الْمُهْملَة ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مَا أعلم) أَي: من الْأَهْوَال وَالْأَحْوَال
الَّتِي بَين أَيْدِينَا عِنْد النزع. وَفِي البرزخ
وَيَوْم الْقِيَامَة.
وَفِيه: من صَنْعَة البديع: مُقَابلَة الضحك بالبكاء،
والقلة بِالْكَثْرَةِ، ومطابقة كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ.
6846 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ
مُوسَى بنِ أنَسٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا
أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ولَبَكَيْتُمْ كَثِيراً) .
هَذَا مثل الحَدِيث السَّابِق غير أَن رَاوِي ذَاك أَبُو
هُرَيْرَة، وراوي هَذَا أنس بن مَالك، روى عَنهُ ابْنه
مُوسَى الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْبَصْرَة.
وَهَذَا مُخْتَصر من حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي
تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة عَن الْمُنْذر بن الْوَلِيد
الجارودي وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن مُحَمَّد بن
عبد الرَّحِيم: وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن
معمر بِإِسْنَادِهِ نَحوه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الرَّقَائِق عَن مَحْمُود بن غيلَان مُخْتَصرا.
82 - (بابٌ حُجِبَتِ النّارُ بالشَّهَوَاتِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: حجبت النَّار أَي: غطت
النَّار فَكَانَت الشَّهَوَات سَببا للوقوع فِي النَّار،
وَوَقع عِنْد أبي نعيم: بَاب حفت النَّار، وَفِي بعض
النّسخ بعده: وحجبت الْجنَّة بالمكاره.
(23/77)
7846 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني
مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (حُجبَتِ النَّارُ بالشَّهَوَاتِ وحُجِبَتِ
الجَنَّةُ بالمَكارِهِ) .
التَّرْجَمَة جُزْء الحَدِيث وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي
أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله
ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث
من أَفْرَاده.
قَوْله: (حجبت النَّار) كَذَا لجَمِيع الروَاة فِي
الْمَوْضِعَيْنِ إلاَّ الْفَروِي فَقَالَ: حفت النَّار،
فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَكَذَا هُوَ عِنْد مُسلم من
رِوَايَة وَرْقَاء بن عمر عَن أبي الزِّنَاد، وَكَذَا
أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس وَهَذَا من
جَوَامِع كَلمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بديع بلاغته
فِي ذمّ الشَّهَوَات وَإِن مَالَتْ إِلَيْهَا النُّفُوس،
والحض على الطَّاعَات وَإِن كرهتها النُّفُوس وشق
عَلَيْهَا. قَوْله: (حفت) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْفَاء من الحفاف وَهُوَ مَا يُحِيط بالشَّيْء
حَتَّى لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إلاَّ بتخطئه، فالجنة لَا
يتَوَصَّل إِلَيْهَا إلاّ بِقطع مفاوز المكاره وَالنَّار
لَا يُنجى مِنْهَا إلاَّ بترك الشَّهَوَات.
92 - (بابٌ الجَنَّةُ أقرَبُ إِلَى أحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ
نَعْلِهِ، والنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْجنَّة إِلَى آخِره. وَهَذِه
التَّرْجَمَة حذفهَا ابْن بطال، وَذكر الْحَدِيثين
اللَّذين فيهمَا فِي الْبَاب الَّذِي قبلهَا. ومناسبة
ذَلِك ظَاهِرَة، وَلَكِن الَّذِي ثَبت فِي الْأُصُول
التَّفْرِقَة.
8846 - حدّثني مُوسَى بنُ مَسْعُودٍ حَدثنَا سُفيانُ عنْ
مَنْصُورٍ والأعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (الجَنَّةُ أقْرَبُ إِلَى أحَدِكُمْ مِن شِرَاك
نَعْلِهِ، والنارُ مِثْلُ ذَلِكَ) .
التَّرْجَمَة والْحَدِيث سَوَاء. ومُوسَى بن مَسْعُود
أَبُو حُذَيْفَة النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الْهَاء، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن
الْمُعْتَمِر، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل
شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَالْأَعْمَش) بِالْجَرِّ عطف على مَنْصُور.:
(وشراك النَّعْل) هُوَ الَّذِي يدْخل فِيهِ إِصْبَع
الرِّجل، وَيُطلق أَيْضا على كل سير وقى بِهِ الْقدَم.
وَفِيه: دَلِيل وَاضح على أَن الطَّاعَات موصلة إِلَى
الْجنَّة والمعاصي مقربة من النَّار، فقد يكون فِي أيسر
الْأَشْيَاء، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن لَا يزهد فِي
قَلِيل من الْخَيْر وَلَا يسْتَقلّ قَلِيلا من الشَّرّ،
فيحسبه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم. فَإِن الْمُؤمن لَا
يعلم الْحَسَنَة الَّتِي يرحمه الله بهَا، والسيئة الَّتِي
يسْخط الله عَلَيْهِ بهَا.
9846 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا غنْدَرٌ
حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرِ عنْ أبي
سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أصْدَقُ بَيْتٍ قالَهُ
الشَّاعِرُ:
(ألاَ كلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله باطِلُ))
(انْظُر الحيث 1483 وطرفه)
لم أر أحد من الشُّرَّاح ذكر وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث
فِي هَذَا الْبَاب، فَلذَلِك ذكره ابْن بطال فِي الْبَاب
الَّذِي قبله، فَأَقُول: من الْفَيْض الإلهي الَّذِي وَقع
فِي خاطري أَن كل شَيْء مَا خلا الله من أَمر الدُّنْيَا
الَّذِي لَا يؤول إِلَى طَاعَة الله وَلَا يقرب مِنْهُ
إِذا كَانَ بَاطِلا يكون الِاشْتِغَال بِهِ مُبْعدًا من
الْجنَّة مَعَ كَونهَا أقرب إِلَيْهِ من شِرَاك نَعله.
ولإشتغال بالأمور الي هِيَ دَاخِلَة فِي أَمر الله تعال
يكون مُبْعدًا من النَّار مَعَ كزنها أقرب إِلَيْهِ من
شِرَاك نَعله
وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون هُوَ
مُحَمَّد بن جَعْفَر. والْحَدِيث قد مضى فِي الْأَدَب فِي:
بَاب مَا يجوز من الشّعْر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصًى،
وبسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي شرحنا الْأَكْبَر للشواهد.
03 - (بابٌ لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْهُ
وَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُو فَوْقَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لينْظر إِلَى مَا هُوَ أَسْفَل
مِنْهُ؟ .
0946 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَن أبي
الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنْ رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إذَا نَظَرَ
أحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ علَيْهِ فِي المالِ
والخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْهُ) .
(23/78)
الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة من لفظ
حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا لفظ حَدِيث أخرجه
مُسلم بِنَحْوِهِ من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن
أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (انْظُرُوا إِلَى من هُوَ أَسْفَل
مِنْكُم وَلَا تنظروا إِلَى من هُوَ فَوْقكُم) .
قلت: هَذَا أَلَيْسَ كَلَفْظِ حَدِيث مُسلم، بل هُوَ فِي
الْمَعْنى مثله.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد عبد
الله، والأعرج عبد الرَّحْمَن، وَقد ذكرا عَن قريب.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (من فضل) على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله:
(والخلق) قَالَ الْكرْمَانِي: بِفَتْح الْمُعْجَمَة
الصُّورَة أَو الْأَوْلَاد والاتباع، وكل مَا يتَعَلَّق
بزينة الْحَيَاة الدُّنْيَا. قَوْله: (فَلْينْظر إِلَى من
هُوَ أَسْفَل مِنْهُ) ليسهل عَلَيْهِ نقصانه ويفرح بِمَا
أنعم الله عَلَيْهِ ويشكر عَلَيْهِ، وَأما فِي الدّين
وَمَا يتَعَلَّق بِالآخِرَة فَلْينْظر إِلَى من هُوَ
فَوْقه لتزيد رغبته فِي اكْتِسَاب الْفَضَائِل.
13 - (بابُ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أوْ بِسَيِّئَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من هم بحسنة، الْهم تَرْجِيح
قصد الْفِعْل، تَقول: هَمَمْت بِكَذَا أَي: قصدته بهمتي
وَهُوَ فَوق مُجَرّد خطور الشَّيْء بِالْقَلْبِ.
1946 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عبْدُ الوَارِثِ
حَدثنَا جَعْدٌ أبُو عُثْمانَ حَدثنَا أبُو رجاءٍ
العُطارِدِيُّ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا،
عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيما يَرْوِي عنْ
ربِّهِ عَزَّ وجَلَّ، قَالَ: (قَالَ إنَّ الله كَتَبَ
الحَسَناتِ والسَّيِّئات ثُمَّ بَيَّنَ ذالِكَ، فَمَنْ
هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها الله لهُ
عِنْدهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هُوَ هَمَّ بِها
فَعَمِلَها كَتَبَها الله لهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ
إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ،
ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلمْ يَعْمَلِها كَتَبَها الله
لهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هُوَ هَمَّ بِها
فَعَمِلَها كَتَبَها الله لهُ سَيِّئَةً واحِدَةً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَمن هم بحسنة)
وَقَوله: (وَمن هم بسيئة) .
وَأَبُو معمر عبد الله بن عَمْرو بن الْحجَّاج الْمنْقري
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون، وَفتح الْقَاف، وَعبد
الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وجعد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون
الْعين الْمُهْملَة ابْن دِينَار، وكنيته أَبُو عُثْمَان
الرَّازِيّ، وَأَبُو رَجَاء بِالْمدِّ وبالجيم اسْمه
عُثْمَان بن تَمِيم العطاردي وَهَؤُلَاء كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن شَيبَان بن
فروخ وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت وَفِي
الرَّقَائِق عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن مُسَدّد: عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فِيمَا يروي عَن ربه)
هَذَا لبَيَان أَنه من الْأَحَادِيث القدسية، أَو بَيَان
مَا فِيهِ من الْإِسْنَاد الصَّرِيح إِلَى الله تَعَالَى
حَيْثُ قَالَ: قَوْله: (إِن الله قد كتب) أَو بَيَان
الْوَاقِع وَلَيْسَ فِيهِ أَن غَيره لَيْسَ كَذَلِك، بل
فِيهِ أَن غَيره كَذَلِك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، مَا ينْطق عَن الْهوى، أَو الْمَعْنى فِي جملَة مَا
يرويهِ أَنه عز وَجل كتب الْحَسَنَات أَي قدرهَا وَجعلهَا
حَسَنَة، وَكَذَلِكَ السَّيِّئَات قدرهَا وَجعلهَا
سَيِّئَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه دلَالَة على
بطلَان قَاعِدَة الْحسن والقبح العقليين وَأَن الْأَفْعَال
لَيست بذواتها قبيحة أَو حَسَنَة، بل الْحسن والقبح شرعيان
حَتَّى لَو أَرَادَ الشَّارِع التعكيس وَالْحكم بِأَن
الصَّلَاة قبيحة وَالزِّنَا حسن كَانَ لَهُ ذَلِك، خلافًا
للمعتزلة فَإِنَّهُم قَالُوا: الصَّلَاة فِي نَفسهَا
حَسَنَة وَالزِّنَا فِي نَفسه قَبِيح، والشارع كاشف مُبين
لَا مُثبت وَلَيْسَ لَهُ تعكيسها. قَوْله: (ثمَّ بَين
ذَلِك) أَي: ثمَّ بَين الله عز وَجل الَّذِي كتب من
الْحَسَنَات والسيئات. قَوْله: (فَمن همَّ) بَيَان ذَلِك
بفاء الفصيحة. قَوْله: (فَلم يعملها) أَي: فَلم يعْمل
الْحَسَنَة الَّتِي هم بهَا قَوْله: (كتبهَا الله لَهُ
عِنْده) أَي: كتب الله تِلْكَ الْحَسَنَة الَّتِي هم بهَا،
وَقيل: أَمر الْحفظَة بِأَن تكْتب ذَلِك، وَقيل: قدر ذَلِك
وَعرف الكتبة من الْمَلَائِكَة ذَلِك التَّقْدِير.
وَقَوله: (عِنْده) أَي: عِنْد الله، وَهَذِه إِشَارَة
إِلَى الشّرف. قَوْله: (كَامِلَة) إِشَارَة إِلَى رفع توهم
نَقصهَا لكَونهَا نشأت عَن الْهم الْمُجَرّد، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: أَشَارَ بقوله: عِنْده، إِلَى مزِيد الاعتناء
بِهِ. وَبِقَوْلِهِ: كَامِلَة، إِلَى تَعْظِيم الْحَسَنَة
وتأكيد أمرهَا، وَعكس ذَلِك فِي السَّيئَة فَلم يصفها
بكاملة بل أكدها بقوله: (وَاحِدَة) إِشَارَة إِلَى تحقيقها
مُبَالغَة فِي الْفضل وَالْإِحْسَان. قَوْله: (فَإِن هُوَ
هم بهَا) ، أَي:
(23/79)
فَإِن هم العَبْد بِالْحَسَنَة فعملها قَوْله: (عشر
حَسَنَات) قَالَ عز وَجل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ
عشر أَمْثَالهَا} (الْأَنْعَام: 061) قَوْله: (إِلَى
سَبْعمِائة ضعف) أَي: مثل، والضعف يُطلق على الْمثل وعَلى
المثلين، قَالَ الله تَعَالَى: {مثل الَّذين يُنْفقُونَ
أَمْوَالهم} (الْبَقَرَة: 162 و 562) الْآيَة قَوْله:
(إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة) قَالَ الله تَعَالَى: {وَالله
يُضَاعف لمن يَشَاء} (الْبَقَرَة: 162) . قيل: لما كَانَ
الْهم بِالْحَسَنَة مُعْتَبرا بِاعْتِبَار أَنه فعل الْقلب
لزم أَن يكون بِالسَّيِّئَةِ أَيْضا كَذَلِك. وَأجِيب:
بِأَن هَذَا من فضل الله على عباده حَيْثُ عَفا عَنْهُم،
وَلَوْلَا هَذَا الْفضل الْعَظِيم لم يدْخل أحد الْجنَّة
لِأَن السَّيِّئَات من الْعباد أَكثر من الْحَسَنَات، فلطف
الله عز وَجل بعباده بِأَن ضاعف لَهُم الْحَسَنَات دون
السَّيِّئَات. قيل: إِذا هم العَبْد بِالسَّيِّئَةِ وَلم
يعْمل بهَا فغايته أَن لَا تكْتب لَهُ سَيِّئَة فَمن أَيْن
أَن تكْتب لَهُ حَسَنَة؟ وَأجِيب: بِأَن الْكَفّ عَن
الشَّرّ حَسَنَة. قيل: اتّفق الْعلمَاء على أَن الشَّخْص
إِذا عزم على ترك صَلَاة بعد عشْرين سنة عصى فِي الْحَال؟
وَأجِيب: بِأَن الْعَزْم وَهُوَ توطين النَّفس على فعله
غير الْهم الَّذِي هُوَ تحديث النَّفس من غير اسْتِقْرَار،
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِذا حدث العَبْد نَفسه
بالمعصية لم يُؤَاخذ، فَإِذا عزم فقد خرج عَن تحديث
النَّفس فَيصير من أَعمال الْقلب، فَإِن عقد النِّيَّة على
الْفِعْل فحينئذٍ يَأْثَم، وَبَيَان الْفرق بَين الْهم
والعزم أَنه لَو حدث نَفسه فِي الصَّلَاة وَهُوَ فِيهَا
بقطعها لم تَنْقَطِع، فَإِذا عزم حكمنَا بقطعها.
ثمَّ إعلم أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا مَعْنَاهُ
الْخُصُوص لمن همَّ بسيئة فَتَركهَا لوجه الله تَعَالَى،
وَأما من تَركهَا مكْرها على تَركهَا بِأَن يُحَال بَينه
وَبَينهَا فَلَا تكْتب لَهُ حَسَنَة، فَلَا يدْخل فِي نَص
الحَدِيث. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَفِي هَذَا الحَدِيث
تَصْحِيح مقَالَة من يَقُول: إِن الْحفظَة تكْتب مَا يهم
بِهِ العَبْد من حَسَنَة أَو سَيِّئَة، وَتعلم اعْتِقَاده
كَذَلِك، ورد مقَالَة من زعم أَن الْحفظَة لَا تكْتب إلاَّ
مَا ظهر من عمل العَبْد وَتسمع. فَإِن قيل: الْملك لَا
يعلم الْغَيْب فَكيف يعلم بهم العَبْد؟ قيل لَهُ: قد جَاءَ
فِي الحَدِيث أَنه اذا هم بحسنة فاحت مِنْهُ رَائِحَة
طيبَة، وَإِذا هم بسيئة فاحت مِنْهُ رَائِحَة كريهة.
قلت: هَذَا الحَدِيث أخرجه الطَّبَرِيّ عَن أبي معشر
الْمدنِي، وَسَيَأْتِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي
التَّوْحِيد بِلَفْظ: (إِذا اراد عَبدِي أَن يعْمل
سَيِّئَة فَلَا تكتبوها عَلَيْهِ حَتَّى يعملها) .
وَفِيه: دَلِيل على أَن الْملك يطلع على مَا فِي
الْآدَمِيّ إِمَّا باطلاع الله إِيَّاه، وَإِمَّا بِأَن
يخلق الله لَهُ علما يدْرك بِهِ ذَلِك. |