عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 38 - (كِتابُ الأيْمانِ والنُّذُور)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَنْوَاع الْأَيْمَان وأنواع
النذور، والأيمان جمع يَمِين وَهُوَ لُغَة الْقُوَّة،
قَالَ الله عز وَجل: { (69) لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}
(الحاقة: 54) أَي: بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَة، وَهِي
الْجَارِحَة أَيْضا وَفِي الشَّرْع تَقْوِيَة أحد طرفِي
الْخَبَر بالمقسم بِهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْيَمين
تَحْقِيق مَا يجب وجوده بِذكر الله تَعَالَى والتزام
الْمُكَلف قربَة أَو صفتهَا، وَقَالَ أَصْحَابنَا: النّذر
إِيجَاب شَيْء من عبَادَة أَو صَدَقَة أَو نَحْوهمَا على
نَفسه تَبَرعا، يُقَال: نذرت الشَّيْء أنذر وأنذر
بِالضَّمِّ وَالْكَسْر نذرا.
1 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَاكِن
يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاَْيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ
أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ
أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذالِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا
حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُو اْ أَيْمَانَكُمْ كَذالِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ} (الْمَائِدَة: 98)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى، هَكَذَا وَقع
فِي بعض النّسخ وَلم يَقع لفظ: بَاب عِنْد أَكثر الروَاة،
وَذكر الْآيَة كلهَا، إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَة
كَرِيمَة. قَوْله: (بِاللَّغْوِ) ، هُوَ قَول الرجل فِي
الْكَلَام من غير قصد: لَا وَالله، وبلى وَالله، هَذَا
مَذْهَب الشَّافِعِي. وَقيل: هُوَ فِي الْهزْل، وَقيل: فِي
الْمعْصِيَة، وَقيل: على غَلَبَة الظَّن. وَهُوَ قَول أبي
حنيفَة وَأحمد، وَقيل: الْيَمين فِي الْغَضَب، وَقيل: فِي
النسْيَان. قَوْله: (بِمَا عقدتم الْأَيْمَان) أَي: بِمَا
صممتم عَلَيْهِ من الْأَيْمَان وقصدتموها، قرىء بتَشْديد
الْقَاف وتخفيفها، وَالْعقد فِي الأَصْل الْجمع بَين
أَطْرَاف الشَّيْء، وَيسْتَعْمل فِي الْأَجْسَام ويستعار
للمعاني نَحْو: عقد البيع، وَعَن عَطاء معنى: عقدتم
الْأَيْمَان أكدتم. قَوْله: (مَسَاكِين) أَي: محاويج من
الْفُقَرَاء وَمن لَا يجد مَا يَكْفِيهِ. قَوْله: (من
أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم) قَالَ ابْن عَبَّاس وَسَعِيد
بن جُبَير وَعِكْرِمَة: من أعدل مَا تطْعمُونَ أهليكم،
وَقَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي: من أمثل مَا تطْعمُونَ
أهليكم، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: خبز وَلبن وَسمن،
وبإسناده عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
أَنه قَالَ: {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ:
الْخبز وَاللَّحم والسنم، وَالْخبْز وَاللَّبن، وَالْخبْز
وَالزَّيْت، وَالْخبْز والخل. وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار
مَا يُطعمهُمْ. فَقَالَ ابْن
(23/163)
أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: يغديهم ويعشيهم، وَقَالَ
الْحسن وَمُحَمّد بن سِيرِين: يَكْفِيهِ أَن يطعم عشرَة
مَسَاكِين أَكلَة وَاحِدَة خبْزًا وَلَحْمًا، وَزَاد
الْحسن، فَإِن لم يجد فخبزاً وَسمنًا ولبناً، فَإِن لم يجد
فخبزاً وزيتاً وخلاً. حَتَّى يشبعوا، وَقَالَ قوم: يطعم كل
وَاحِد من الْعشْرَة نصف صَاع من بر أَو تمر وَنَحْوهمَا،
وَهَذَا قَول عمر وَعلي وَعَائِشَة وَمُجاهد وَالشعْبِيّ
وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمَنْصُور
بن مهْرَان وَمَالك وَالضَّحَّاك وَالْحكم وَمَكْحُول
وَأبي قلَابَة وَمُقَاتِل بن حَيَّان، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نصف صَاع من بر أَو
صَاع من غَيره، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَمُحَمّد بن سِيرِين
وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَأحمد، وروى ذَلِك
عَن عَليّ وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْوَاجِب فِي كَفَّارَة الْيَمين مد
بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (أَو
كسوتهم) قَالَ الشَّافِعِي: لَو دفع إِلَى كل وَاحِد من
الْعشْرَة مَا يصدق عَلَيْهِ اسْم الْكسْوَة من قيمص أَو
سَرَاوِيل أَو إِزَار أَو عِمَامَة أَو مقنعة أَجزَاء
ذَلِك. وَاخْتلف أَصْحَابه فِي القلنسوة: هَل نجزى أم لَا؟
على وَجْهَيْن: وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرايني
فِي الْخُف وَجْهَيْن أَيْضا، وَالصَّحِيح عدم
الْإِجْزَاء، وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا بُد أَن يدْفع
إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم مَا يَصح أَن يُصَلِّي فِيهِ إِن
كَانَ رجلا أَو امْرَأَة كل بِحَسبِهِ، وَقَالَ
الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: عباءة لكل مِسْكين أَو
شملة، وَقَالَ مُجَاهِد: أدناه ثوب وَأَعلاهُ مَا شِئْت،
وَعَن سعيد بن الْمسيب: عباءة يلف بهَا رَأسه وعباءة يأتزر
بهَا. قَوْله: (أَو تَحْرِير رَقَبَة) أَخذ أَبُو حنيفَة
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بإطلاقها فجوز الْكَافِرَة،
وَقَالَ الشَّافِعِي وَآخَرُونَ: لَا يجوز إلاَّ مُؤمنَة.
قَوْله: (فَمن لم يجد) أَي: فَإِن لم يقدر الْمُكَلف على
وَاحِدَة من هَذِه الْخِصَال الثَّلَاث (فَصِيَام) أَي:
فَعَلَيهِ صِيَام (ثَلَاثَة أَيَّام) . وَاخْتلفُوا فِيهِ:
هَل يجب التَّتَابُع أَو يسْتَحبّ؟ فالمنصوص عَن
الشَّافِعِي: أَنه لَا يجب التَّتَابُع، وَهُوَ قَول
مَالك، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجب التَّتَابُع،
ودلائلهم مَذْكُورَة فِي كتب الْفِقْه. قَوْله: (ذَلِك)
إِشَارَة إِلَى الْمَذْكُور قبله. قَوْله: (واحفظوا
أَيْمَانكُم) عَن الْحِنْث فَإِذا حنثتم فاحفظوها
بِالْكَفَّارَةِ.
1266 - حدّثنا مُحمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو الحَسَنِ
أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ
أبِيهِ عنْ عائِشَةَ: أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ،
لَمْ يَكُنْ يحْنَثُ فِي يَمِينٍ قَطُّ، حتَّى أنْزَلَ
الله تَعَالَى كَفَّارَةَ اليَمِينِ. وَقَالَ: لَا أحْلِفُ
عَلى يَمِينٍ فَرَأيْتُ غَيْرَها خَيْراً مِنْها إلاّ
أتيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وكَفَّرْتُ عنْ يَمِينِي.
(انْظُر الحَدِيث 4164) .
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَشَيْخه مروزي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك مروزي
أَيْضا، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: (أَن أَبَا بكر) الصّديق وَفِي رِوَايَة عبد الله
بن نمير عَن هِشَام بِسَنَدِهِ عَن أبي بكر الصّديق.
قَوْله: (لم يكن حنث) إِنَّمَا زَادَت لفظ الْكَوْن
للْمُبَالَغَة فِيهِ، ولبيان أَنه لم يكن من شَأْنه ذَلِك.
قَوْله: (قطّ) ، أَصله: قطط، فأدغمت الطَّاء فى الطَّاء
وَمِنْهُم من يَقُول: قطّ، بِضَم الْقَاف تبعا لضم الطَّاء
وَمِنْهُم من يخففه. قَوْله: (كَفَّارَة الْيَمين) أَي:
آيتها وَهِي الْمَذْكُورَة فِي أول الْبَاب. قَوْله: (لَا
أَحْلف على يَمِين) إِلَى آخِره قَالُوا: إِنَّمَا قَالَ
أَبُو بكر هَذَا لما حلف أَنه لَا يبرأ مسطحًا لما تكلم
فِي قصَّة الْإِفْك، وَأنزل الله تَعَالَى: {أَلا يحبونَ
أَن يغْفر الله لكم} (النُّور: 22) قَالَ: بلَى يَا رب
{إِنَّا لنحب ذَلِك، ثمَّ عَاد إِلَى بره كَمَا كَانَ
أَولا. قَوْله: (غَيرهَا) الضَّمِير يرجع إِلَى الْيَمين
بِاعْتِبَار أَن الْمَقْصُود مِنْهَا الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
مثل الْخصْلَة المفعولة، أَو المتروكة، إِذْ لَا معنى
لقَوْله: (لَا أَحْلف) على الْحق.
2266 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ مُحَمدُ بنُ الفَضْلِ
حدّثنا جَرِيرُ بنُ حازِمٍ حدّثنا الحَسَنُ حدّثنا عَبْدُ
الرَّحْمانِ بنُ سَمرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (يَا عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ سَمُرَةَ}
لَا تَسْألِ الإمارَةَ، فإنّكَ إنْ أوتِيتَها عنْ
مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، وإنْ أُوتِيتَها مِنْ غَيْرِ
مَسْألَةٍ أعنْتَ عَلَيْها، وَإِذا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ
فَرَأيْتَ غَيْرَها خَيْراً مِنْها فَكَفِّرْ عنْ
يَمِينَكَ وَأْتِ الّذِي هُوَ خَيْرٌ) .
(23/164)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَكفر
عَن يَمِينك) وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن
بن سَمُرَة بن حبيب وَهُوَ من مسلمة الْفَتْح وَقد شهد
فتوح الْعرَاق وَكَانَ فتح سجستان على يَدَيْهِ، أرْسلهُ
عبد الله بن عَامر أَمِير الْبَصْرَة وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن حجاج بن
منهال وَفِي الْكَفَّارَات عَن مُحَمَّد بن عبد الله.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان عَن شَيبَان بن فروخ
وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن مُحَمَّد
بن الصَّباح وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الْأَيْمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرج
النَّسَائِيّ قصَّة الْإِمَارَة فِي الْقَضَاء وَفِي
السّير عَن مُجَاهِد بن مُوسَى، وقصة الْيَمين فِي
الْأَيْمَان عَن جمَاعَة آخَرين.
قَوْله: (الْإِمَارَة) بِكَسْر الْهمزَة أَي: لَا تسْأَل
أَن تعْمل أَمِيرا أَي: حَاكما. قَوْله: (أوتيتها) على
صِيغَة الْمَجْهُول بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف. قَوْله:
(أعنت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا.
وَفِيه: كَرَاهَة سُؤال مَا يتَعَلَّق بالحكومة نَحْو
الْقَضَاء والحسبة وَنَحْوهمَا، وَإِن من سَأَلَ لَا يكون
مَعَه إِعَانَة من الله تَعَالَى، فَلَا يكون لَهُ
كِفَايَة لذَلِك الْعَمَل فَيَنْبَغِي أَن لَا يولي.
قلت: إِذا كَانَ عَن مُجَرّد السُّؤَال، فَمَا يكون حَال
من يسْأَل بالرشوة ويجتهد فِيهِ؟ خُصُوصا فِي غَالب قُضَاة
مصر فَلَا يتولون إلاَّ بالبراطيل والرشى؟ وَلَا يخَاف من
اسْتِحْقَاق اللَّعْنَة من الله تَعَالَى فِي ذَلِك، وَقد
روى عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش. وَفِيه: إِن من
حلف على فعل أَو ترك وَكَانَ الْحِنْث خيرا من التَّمَادِي
عَلَيْهِ اسْتحبَّ لَهُ الْحِنْث، بل يجب، نظرا لظَاهِر
الْأَمر. وَفِيه: جَوَاز التَّكْفِير قبل الْحِنْث، وَبِه
أَخذ الشَّافِعِي وَمَالك فِي رِوَايَة، وَلَا يجوز عِنْد
الْحَنَفِيَّة لِأَن الْكَفَّارَة لستر الْجِنَايَة وَلَا
جِنَايَة قبل الْحِنْث، فَلَا يجوز.
وَحكم الحَدِيث أَنه تعارضه رِوَايَة مُسلم أخرجه عَن أبي
هُرَيْرَة: من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا
فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه، وَكَذَلِكَ
فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، غير أَن
البُخَارِيّ انْفَرد بِتَقْدِيم الْحِنْث قبل
الْكَفَّارَة، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي
(سنَنه) تَقْدِيم الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث، وَجَاء
تَقْدِيم الْحِنْث على الْكَفَّارَة فِي حَدِيث أبي مُوسَى
الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وَفِي لفظ لَهما
تَقْدِيم الْكَفَّارَة فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك
فالأخذ بِرِوَايَة تَقْدِيم الْحِنْث على الْكَفَّارَة
أولى لما ذكرنَا.
3366 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ حدّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عَنْ غَيْلانَ بنِ جَرِيرٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ
أبِيهِ قَالَ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي رَهْطٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ أسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ:
(وَالله لَا أحْمِلُكمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ
عَلَيْهِ) . قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنا مَا شاءَ الله أنْ
نَلْبَثَ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرى
فَحَمَلَنا عَلَيْها، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنا أوْ
قالَ بَعْضُنا: وَالله لَا يُبارَكَ لَنا، أتَيْنا النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أنْ لَا
يَحْمِلَنا ثُمَّ حَمَلَنَا، فارْجِعُوا بِنا إِلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنُذَكِّرَهُ،
فأتَيْناهُ فَقَالَ: (مَا أَنا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ الله
حَمَلَكمْ وإنِّي وَالله إِن شاءَ الله لَا أحْلِفُ عَلى
يَمِينٍ فَأرى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْها إلاّ كَفَّرْتُ
عنْ يَمِينِي وأتَيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ، أوْ أتَيْتُ
الّذِي هُوَ خَيْرٌ وكَفَّرْتُ عنْ يَمِينِي) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث. وَأَبُو
النُّعْمَان مُحَمَّد كَمَا مر، وغيلان بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن جرير
بِفَتْح الْجِيم الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بردة
بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء، قيل: اسْمه
الْحَارِث وَقيل: عَامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد
الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كَفَّارَات
الْأَيْمَان عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه أَيْضا مطولا فِي كتاب
الْخمس فِي: بَاب وَمن الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب
الْمُسلمين، فَلْينْظر فِيهِ. وَأخرجه مُسلم فِي
الْأَيْمَان عَن خلف بن هِشَام وَغَيره. وَأخرجه أَبُو
دَاوُد فِي الْأَيْمَان عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الْأَيْمَان عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن أَحْمد بن عَبدة.
قَوْله: (فِي رَهْط) قد ذكرنَا غير مرّة أَن الرَّهْط مَا
دون الْعشْرَة من الرِّجَال لَا يكون فيهم امْرَأَة وَلَا
وَاحِد لَهُ من لَفظه. قَوْله: (من الْأَشْعَرِيين) جمع
أشعري نِسْبَة
(23/165)
إِلَى الْأَشْعر، واسْمه: نبت بن ادد بن
يشخب بن عريب بن زيد بن كهلان، وَإِنَّمَا قيل لَهُ
الْأَشْعر لِأَن أمه وَلدته أشعر قَوْله: (استحمله) أَي:
أطلب مِنْهُ مَا يحملنا من الْإِبِل وَيحمل أثقالنا،
وَذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك. قَالَ الله تَعَالَى:
{وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} (التَّوْبَة:
29) الْآيَة. قَوْله: (ثمَّ أُتِي) على صِيغَة الْمَجْهُول
أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِثَلَاث
ذود) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو
وبالدال الْمُهْملَة: وَهُوَ الْإِبِل من الثَّلَاث إِلَى
الْعشْرَة، وَهِي مُؤَنّثَة لَيْسَ لَهَا وَاحِد من
لَفظهَا، وَالْكثير أذواد، وَقيل: الذود الْوَاحِد من
الْإِبِل بِدَلِيل قَوْله: (لَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود
صَدَقَة) ، وَقَالَ الْقَزاز: الْعَرَب تَقول: الذود من
الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ
من الْإِنَاث، فَلذَلِك قَالَ: بِثَلَاث ذود، وَلم يقل:
بِثَلَاثَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: هُوَ من بَاب
إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه. قَوْله: (غر الذرى) ،
بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ جمع
الْأَغَر وَهُوَ الْأَبْيَض الْحسن، والذرى بِضَم الذَّال
الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَكسرهَا جمع ذرْوَة
بِالْكَسْرِ وَالضَّم، وذروة كل شَيْء أَعْلَاهُ،
وَالْمرَاد هُنَا الأسنمة، وَقد تقدم فِي كتاب الْجِهَاد
فِي: بَاب الْخمس فِي غَزْوَة تَبُوك، أَنه سِتَّة
أَبْعِرَة، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا، إِذْ لَيْسَ فِي ذكر
الثَّلَاث نفي السِّتَّة. قَوْله: (فحملنا) بِفَتْح
اللَّام أَي: حملنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَذَلِكَ: ثمَّ حملنَا، بِفَتْح اللَّام. قَوْله: (بل
الله حملكم) يَعْنِي: لَا معطي إلاَّ الله، وَالْمعْنَى:
إِنَّمَا أَعطيتكُم من مَال الله، أَو: بِأَمْر الله
لِأَنَّهُ كَانَ يُعْطي بِالْوَحْي. قَوْله: (وَإِنِّي)
اسْم: إِن، يَاء الْإِضَافَة، وخبرها قَوْله: (لَا أَحْلف)
. . إِلَى آخِره، والجملتان معترضتان بَين اسْم إِن
وخبرها. قَوْله: (أَو أتيت) إِمَّا شكّ من الرَّاوِي فِي
تَقْدِيم: أتيت، على تَقْدِيم: كفرت، وَالْعَكْس، وَإِمَّا
تنويع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِشَارَة
إِلَى جَوَاز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث
وتأخيرها.
4266 - حدّثنا إسْحاق بنُ إبْرَاهِيمَ أخبَرنا عبْدُ
الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ بنِ مُنَبِّهٍ
قَالَ: هاذَا مَا حدّثنا بِهِ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (نَحْنُ
الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم القِيامَةِ) . فَقَالَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَالله لأنْ يَلَجَّ
أحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أهْلِهِ آثَمُ لهُ عِنْدَ الله
مِنْ أنْ يُعْطِىَ كَفّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ الله
عَلَيْهِ) . (الحَدِيث 5266 طرفه فِي: 6266) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لِأَن يلج)
إِلَى آخِره. وَأما وَجه إِدْخَال قَوْله: (نَحن
الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة) ، فَهُوَ أَن
هَذَا أول حَدِيث فِي صحيفَة همام عَن أبي هُرَيْرَة
وَكَانَ همام إِذا روى الصَّحِيفَة استفتح بِذكرِهِ ثمَّ
سرد الْأَحَادِيث فَذكره الرَّاوِي أَيْضا كَذَلِك،
وَقَالَ ابْن بطال: وَجه ذَلِك أَنه يُمكن أَن يكون سمع
أَبَا هُرَيْرَة كَذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي نسق وَاحِد فَحدث بهما جَمِيعًا كَمَا سمعهما،
وَيُمكن أَن الرَّاوِي فعل ذَلِك لِأَنَّهُ سمع من أبي
هُرَيْرَة أَحَادِيث. أَولهَا: ذَلِك فَذكرهَا على
التَّرْتِيب الَّذِي ذكره.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم يحْتَمل أَن يكون ابْن
رَاهَوَيْه، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن نصر لِأَن
كلاًّ مِنْهُمَا روى عَن عبد الرَّزَّاق وَمعمر بِفَتْح
الميمين ابْن رَاشد.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن
سُفْيَان من قَوْله: إِذا استلج.
قَوْله: (نَحن الْآخرُونَ) أَي: آخر الْأُمَم
(السَّابِقُونَ) يَوْم الْقِيَامَة فِي الْحساب وَدخُول
الْجنَّة.
قَوْله: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْوَاو. قَوْله:
(لِأَن يلج) من الإلجاج بالجيمين يَعْنِي: أَقَامَ على
يَمِينه وَلَا يكفرهَا فيحللها وَيَزْعُم أَنه صَادِق،
وَقيل: هُوَ أَن يحلف وَيرى أَن غَيرهَا خير مِنْهَا،
فيقيم على ترك الْكَفَّارَة، وَذَلِكَ إِثْم وَفِي
(الصِّحَاح) : لججت، بِالْكَسْرِ يلج لجاجاً ولجاجة، ولججت
بِالْفَتْح لُغَة. قَوْله: (بِيَمِينِهِ فِي أَهله)
يَعْنِي: إِذا حلف يَمِينا يتَعَلَّق بأَهْله ويتضررون
بِعَدَمِ حنثه وَلَا يكون فِي الْحِنْث مَعْصِيّة
يَنْبَغِي لَهُ أَن يَحْنَث وَيكفر، فَإِن قَالَ: لَا أحنث
وأخاف الْإِثْم، فَهُوَ مخطىء. قَوْله: (آثم لَهُ) بِمد
الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة على وزن لفظ أفعل
التَّفْضِيل وَهُوَ خير. قَوْله: (لِأَن يلج) لِأَن: أَن
مَصْدَرِيَّة وَاللَّام للتَّأْكِيد. تَقْدِيره: لجاجه
باستمراره فِي يَمِينه أَشد إِثْمًا من أَن يعْطى ...
إِلَى آخِره. وَيجوز كسر إِن. فَقَوله: (آثم) بِالْمدِّ،
أَي: أَكثر إِثْمًا قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا يشْعر بِأَن
إِعْطَاء الْكَفَّارَة فِيهِ إِثْم لِأَن الصِّيغَة
تَقْتَضِي الِاشْتِرَاك، ثمَّ أجَاب بِأَن نفس الْحِنْث
فِيهِ إِثْم لِأَنَّهُ يسلتزم عدم تَعْظِيم اسْم الله
تَعَالَى، وَبَين إِعْطَاء الْكَفَّارَة وَبَينه مُلَازمَة
عَادَة.
(23/166)
6266 - حدّثني إسْحاقُ يَعْني ابْن
إبْرَاهِيمَ حَدثنَا يَحْيَاى بنُ صالِحٍ حَدثنَا
مُعاوَيَةُ عنْ يَحْيَاى عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (مَنِ اسْتَلَجَّ فِي أهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهْوَ
أعْظَمُ إثْماً لِيَبَرَّ) يَعْني: الكَفَّارَةَ. (انْظُر
الحَدِيث 5266) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق
أخرجه عَن إِسْحَاق ثمَّ بَينه بقوله: ابْن إِبْرَاهِيم،
وَقَالَ الغساني: إِسْحَاق يشبه أَن يكون ابْن مَنْصُور،
فَالظَّاهِر أَنه هُوَ الصَّوَاب لِأَن فِي كثير من النّسخ
ذكر إِسْحَاق مُجَردا حَتَّى قَالَ جَامع (رجال
الصَّحِيحَيْنِ) فِي تَرْجَمَة يحيى بن صَالح الْحِمصِي،
روى عَنهُ إِسْحَاق، غير مَنْسُوب وَهُوَ ابْن مَنْصُور.
وَأما النُّسْخَة الَّتِي فِيهَا يَعْنِي: ابْن
إِبْرَاهِيم مَا أزالت الْإِبْهَام لِأَن فِي مَشَايِخ
البُخَارِيّ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَإِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، وَإِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم الصَّواف، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَيحيى بن صَالح روى عَنهُ
البُخَارِيّ أَيْضا بِلَا وَاسِطَة فِي الصَّلَاة،
وَمُعَاوِيَة هُوَ ابْن سَلام بِالتَّشْدِيدِ الحبشي
الْأسود، وَيحيى هُوَ ابْن كثير ضد الْقَلِيل.
قَوْله: (من استلج) من بَاب الاستفعال، وَالسِّين فِيهِ
للتَّأْكِيد، وَذكر ابْن الْأَثِير أَنه وَقع فِي
رِوَايَة: من استلجج، بفك الْإِدْغَام. قَوْله: (ليبر)
بِلَفْظ أَمر الْغَائِب من الْبر أَو الإبرار يَعْنِي:
ليفعل الْبر أَي: الْخَيْر بترك اللجاج، يَعْنِي: ليعط
الْكَفَّارَة، وَإِنَّمَا فسره بذلك لِئَلَّا يظنّ أَن
الْبر هُوَ الْبَقَاء على الْيَمين. وَقَوله: (ليبر)
هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن السكن، وَلأبي ذَر عَن
الكشمينهي. قَوْله: (يَعْنِي) بِفَتْح الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر النُّون
تَفْسِير: ليبر، ويروى: لَيْسَ تغني الْكَفَّارَة، وَهَذِه
الرِّوَايَة أولى إِذْ هُوَ تَفْسِير لاستلج بِمَعْنى
الاستلجاج وَهُوَ عدم عناية الْكَفَّارَة وإرادتها، وَأما
الْمفضل عَلَيْهِ فمحذوف، يَعْنِي: أعظم من الْحِنْث،
وَالْجُمْلَة اسْتِئْنَاف أَو صفة للإثم يَعْنِي: إِثْمًا
لَا يُغني عَنهُ كَفَّارَة.
2 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(وايْمُ الله))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي يَمِينه: وأيم الله، الْهمزَة فِيهِ للوصل،
وَهُوَ اسْم وضع للقسم أَو هُوَ جمع يَمِين وَحذف مِنْهُ
النُّون، وَعند الْفراء وَابْن كيسَان أَلفه ألف الْقطع.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: رُبمَا حذفوا الْيَاء، فَقَالُوا:
أم الله، وَرُبمَا أَبقوا الْمِيم مَضْمُومَة فَقَالُوا:
أم الله.
7266 - حدّثنا قَتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ عنْ إسْماعِيلَ بنِ
جَعْفَرٍ عنْ عَبْدِ الله بن دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَعْثاً وأمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسامَةَ بنَ
زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسَ فِي إمْرَتِهِ، فقامَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (إنْ
كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمْرَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ
تَطْعُنُونَ فِي إمْرَةِ أبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وايمُ الله
إنْ كَانَ لَخَلِيقاً لِلْلإمارَةِ، وإنْ كَانَ لِمَنْ
أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنَّ هاذا لِمَنْ أحَبِّ
النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَايْم الله)
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَنَاقِب زيد بن حَارِثَة مولى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (بعثا) أَي: سَرِيَّة. قَوْله: (فِي إمرته)
بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم، ويروى: فِي إمارته.
قَوْله: (تطعنون) الْمَشْهُور فِيهِ فتح الْعين، وَقَالَ
ابْن فَارس عَن بَعضهم: طعن بِالرُّمْحِ يطعن بِالضَّمِّ
وَطعن بالْقَوْل يطعن بِالْفَتْح. قَوْله: (وأيم الله)
يَعْنِي: يَمِين الله، وَلَكِن مَعْنَاهُ: يَمِين
الْحَالِف بِاللَّه لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُوصف الله
بِأَنَّهُ يحلف بِيَمِين، وَإِنَّمَا هُوَ من صِفَات
المخلوقين، وَرُوِيَ عَن ابْن عَمْرو ابْن عَبَّاس
أَنَّهُمَا كَانَا يحلفان: بأيم الله، وأبى الْحلف بهَا
الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَهُوَ
يَمِين عِنْد أَصْحَابنَا، قَالَه الطَّحَاوِيّ، وَبِه
قَالَ مَالك، وَقَالَ الشَّافِعِي، إِن لم يرد بهَا
يَمِينا فَلَيْسَتْ بِيَمِين، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، فَإِن صَحَّ ذَلِك
فَهُوَ الْحلف بِاللَّه. قَوْله: (إِن كَانَ) إِن
مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (لخليقا بالإمارة) أَي:
لجديراً لَهَا وَأهلا. قَوْله: (لمن أحب النَّاس) قَالَ
الْكرْمَانِي:
(23/167)
الأحب بِمَعْنى المحبوب، وَفِيه تَأمل:
قَوْله: (إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء.
3 - (بابُ كَيْفَ كانَتْ يَمِين النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة يَمِين النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ سَعْدٌ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
أَي: قَالَ سعد بن أبي وَقاص، وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا
الْمُعَلق مَوْصُولا فِي مَنَاقِب عمر بن الْخطاب رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، مطولا فَارْجِع إِلَيْهِ.
وَقَالَ أبُو قَتادَةَ: قَالَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله
عَنهُ، عنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لاَهَا
الله إِذا
أَبُو قَتَادَة هُوَ الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ
الخزرجي، فَارس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَحَدِيثه مضى فِي كتاب الْخمس فِي بَاب من لم يُخَمّس
الأسلاب: حَدثنَا عبد الله بن مسملة عَن مَالك عَن يحيى بن
سعيد عَن ابْن أَفْلح عَن أبي مُحَمَّد مولى أبي قَتَادَة
عَن أبي قَتَادَة قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَام حنين ... الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ:
صدق يَا رَسُول الله وسلبه عِنْدِي فأرضه يَا رَسُول الله،
فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:
لَاها الله، إِذا يعمد إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل
عَن الله وَرَسُوله يعطيك سلبه؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: صدق، فَأعْطَاهُ. قَوْله: لَاها الله،
قَالَ ابْن الْأَثِير: هَكَذَا جَاءَ الحَدِيث: لَاها
الله، إِذا، وَالصَّوَاب: لَاها الله، بِحَذْف الْهمزَة
وَمَعْنَاهُ: لَا وَالله، لَا يكون إِذا، أَولا وَالله مَا
الْأَمر ذَا. فَحذف تَخْفِيفًا، وَلَك فِي ألف: هَا،
مذهبان أَحدهمَا: تثبت ألفها فِي الْوَصْل لِأَن الَّذِي
بعْدهَا مدغم مثل دَابَّة وَالثَّانِي: تحذفها لالتقاء
الساكنين. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : لأها الله كَذَا،
ورويناه بقصرها، وَإِذا قَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي عَن
الْمَازِني: إِن الرِّوَايَة خطأ. وَصَوَابه: لأها الله
ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، قَالَ: وَلَيْسَ فِي
كَلَامهم: لَاها الله، إِذا، وَقَالَهُ أَبُو زيد. وَقَالَ
أَبُو حَاتِم: يُقَال فِي الْقسم: لَاها الله ذَا،
وَالْعرب تَقول: لَاها الله ذَا، بِالْهَمْزَةِ
وَالْقِيَاس ترك الْهمزَة وَالْمعْنَى: لَا وَالله هَذَا
مَا أقسم بِهِ، فَأدْخل اسْم الله بَين هَذَا وَذَا،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِذا جَوَاب وَجَزَاء أَي: لَا
وَالله إِذا صدق لَا يكون كَذَا، ويروى: ذَا، اسْم
إِشَارَة أَي: وَالله لَا يكون هَذَا.
يُقالُ: وَالله وَبِاللَّهِ وتالله
أَشَارَ بِهِ إِلَى حُرُوف الْقسم وَهِي ثَلَاثَة الأول:
وَالله بِالْوَاو. وَالثَّانِي: بِاللَّه بِالْبَاء
الْمُوَحدَة، وَالثَّالِث: تالله بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة
من فَوق. وَالْوَاو وَالْبَاء الْمُوَحدَة يدخلَانِ على كل
محلوف، وَالتَّاء الْمُثَنَّاة لَا تدخل إلاَّ على
لَفْظَة: الله، وَحده.
8266 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ عنْ سُفْيانَ عنْ
مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ:
كانَتْ يَمِينُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا
ومُقَلِّبِ القُلُوبِ) . (انْظُر الحَدِيث 7166 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد مضى هَذَا الحَدِيث
عَن قريب فِي: بَاب يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه.
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد
الله عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه عَن
مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ، وَلَيْسَ المُرَاد: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف
البيكندي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالثَّوْري روى عَن
مُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف عَن سَالم
بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عبد الله بن عمر، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
9266 - حدّثنا مُوسَى احدّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ عَبْد
المَلِكِ عنْ جابِرِ بنِ سَمُرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلا
قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذا هَلَكَ كسْرَى فَلا كِسْرى
بَعْدهُ. والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ
كُنُوزُهُما فِي سَبِيلِ الله) . (انْظُر الحَدِيث 1213
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي
نَفسِي بِيَدِهِ) .
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة التَّبُوذَكِي
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين
(23/168)
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو اسْمه
الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر
الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن قبيصَة بن عقبَة.
(وَقَيْصَر) اسْم ملك الرّوم، (وكسرى) بِكَسْر الْكَاف
وَفتحهَا لقب مُلُوك الْفرس. قَالَ الْكرْمَانِي: اسْم،
لَا، إِذا كَانَ معرفَة وَجب التكرير، ثمَّ قَالَ: هُوَ
علم نكر، أَو كلمة: لَا، بِمَعْنى: لَيْسَ، أَو مؤول نَحْو
قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا، أَو مُكَرر إِذْ حَاصله:
لَا قَيْصر وَلَا كسْرَى. وَفِيه: معْجزَة إِذْ وَقع كَمَا
أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
0366 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المسَيَّب أَن أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (إِذا هَلَكَ كِسْرى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذا
هَلَكَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، والّذِي نَفْسُ
محَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُما فِي سَبِيلِ
الله) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم
بن نَافِع. والْحَدِيث مثل حَدِيث جَابر بن سَمُرَة
سَوَاء، غير أَن فِي حَدِيث جَابر: قَيْصر، مقدم على:
كسْرَى.
1366 - حدّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عَبْدَةُ عنْ هِشامِ بنِ
عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّهُ قَالَ: (يَا
أُمَّةَ مُحَمَّد {وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ
لَبكَيْتُمْ كَثِيراً ولَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالله لَو تعلمُونَ) .
وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَعَبدَة ضد الْحرَّة بن
سُلَيْمَان، وَمثل هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس
مضى فِي الرقَاق فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (لَو تعلمُونَ مَا أعلم) الحَدِيث.
2366 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: حدّثني ابنُ
وهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي حَيْوَةُ قَالَ: حدّثني أبُو
عَقِيلٍ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ أنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ
عَبْدِ الله بن هِشامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ، فَقَالَ لهُ عُمَرُ: يَا رسُولَ الله} لأنْتَ
أحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي.
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ: (لَا
والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ
مِنْ نَفْسِكِ) . فَقَالَ لهُ عُمَرُ: فإنهُ الآنَ، وَالله
لأنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الآنَ يَا عُمَرُ. (انْظُر الحَدِيث
4963 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ) وَيحيى بن سلميان الْجعْفِيّ يروي عَن عبد الله
بن وهب، وحيوة هُوَ ابْن شُرَيْح، وَأَبُو عقيل بِفَتْح
الْعين زهرَة بِضَم الزَّاي ابْن معبد بِفَتْح الْمِيم
وَالْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن هِشَام بن زهرَة
بن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة،
ذهبت بن أمه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهُوَ صَغِير فَمسح رَأسه ودعا لَهُ، شهد فتح مصر وَله
بهَا خطة، وَله فِي البُخَارِيّ حديثان.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَرِجَال السَّنَد مصريون.
قلت: كَانَ يحيى بن سُلَيْمَان كوفياً سكن مصر، وَعبد الله
بن وهب مصري، وَكَذَلِكَ زهرَة، وَهَذَا السَّنَد
بِعَيْنِه ذكر فِي مَنَاقِب عمر بن الْخطاب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَذكر من متن الحَدِيث.
قَوْله: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ آخذ بيد عمر بن الْخطاب) وَلم يذكر غير هَذَا.
قَوْله: (حَتَّى أكون) أَي: لَا يكمل إيمانك حَتَّى أكون.
قَوْله: (الْآن) يَعْنِي: كمل إيمانك.
3366 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ
شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ
بنِ مَسْعُود عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خالدٍ
أنَّهُما أخْبرَاهُ: أنَّ رجُلَيْنِ اخْتَصَما إِلَى رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ أحَدُهُما: اقْضِ
بَيْنَنا بِكِتابِ الله، وَقَالَ الآخَرُ وهْو
أفْقَهُهمُا: أجَلْ يَا رسولَ الله! فاقْضِ بَيْنَنا
بِكِتابِ الله وائْذَنْ لِي أنْ أتَكَلّمَ. قَالَ:
(تَكَلَّمْ) قَالَ: إنَّ ابْني كانَ عِسيفاً عَلى هاذا
قَالَ مالِكٌ: والعَسِيفُ الأجِيزُ زَنَى بامْرأتِهِ
فأخبَرُوني أنَّ عَلى ابْني الرَّجْمَ، فافَتدَيْتُ مِنْهُ
بِمائَةِ شاةٍ
(23/169)
وجارِيَةٍ لي ثُمَّ إنِّي سألْتُ أهْلَ
العِلْمِ فأخْبَرُونِي أنَّ مَا عَلى ابْنِي جَلْدُ مائَةٍ
وتَغْرِيبُ عامٍ، وإنَّما الرَّجْمُ عَلى امْرَأتِهِ.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أما
والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ
الله! أمَّا غنَمُكَ وجارِيَتُكَ فَرَدٍّ عَلَيْك) ،
وجَلَدَ ابْنَهُ مائَةً وغَرَّبَهُ عَاما، وأُمِرَ
أُنَيْسٌ الأسْلَمِيُّ أنْ يأتِيَ امْرَأةَ الآخَرِ، فَإِن
اعْتَرَفَتْ رَجَمعَها فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أما وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ) .
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَزيد بن خَالِد
الْجُهَنِىّ أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمدنِي من جُهَيْنَة
ابْن زيد بن لَيْث بن سعد بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة من
مشاهير الصَّحَابَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَقيل:
بِالْكُوفَةِ، سنة ثَمَان وَسبعين وَهُوَ ابْن خمس
وَثَمَانِينَ سنة.
وَذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي مَوَاضِع كَثِيرَة
مُخْتَصرا أَو مطولا: فِي الصُّلْح وَفِي الْأَحْكَام عَن
آدم عَن ابْن أبي ذِئْب فِي: بَاب إِذا اصْطَلحُوا على صلح
جور، وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف وَعَن
عَاصِم بن عَليّ، وَفِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد،
وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة، وَفِي الِاعْتِصَام عَن
مُسَدّد، وَفِي خبر الْوَاحِد عَن أبي الْيَمَان، وَفِي
الشَّهَادَات عَن يحيى بن بكير. وَأخرجه بَقِيَّة
الْجَمَاعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الصُّلْح وَغَيره.
قَوْله: (أجل يَا رَسُول الله) أَي: نعم، قَالَ
الْأَخْفَش: أجل، جَوَاب مثل: نعم، إلاَّ أَنه أحسن مِنْهُ
فِي التَّصْدِيق، وَنعم أحسن مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَام.
قَوْله: (والعسيف) بِفَتْح الْعين وَكسر السِّين
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالفاء. قَوْله: (ثمَّ إِنِّي سَأَلت أهل الْعلم
فَأَخْبرُونِي) فِيهِ فتيا الْعَالم مَعَ وجود من هُوَ
أعلم مِنْهُ. قَالَ أَبُو الْقَاسِم العذري: كَانَ يُفْتِي
من الصَّحَابَة فِيمَا بَلغنِي فِي زمن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَثَلَاثَة
من الْأَنْصَار: أبي ومعاذ وَزيد بن ثَابت رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (بِكِتَاب الله) قيل: هُوَ
قَوْله: {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب} (النُّور: 8)
وَالْعَذَاب الَّذِي يدْرَأ للزَّوْجَة عَن نَفسهَا هُوَ
الرَّجْم. وَأهل السّنة مجمعون على أَن الرَّجْم من حكم
الله وَقَالَ قوم: إِنَّه لَيْسَ فِي كتاب الله وَإِنَّمَا
هُوَ فِي السّنة، وَأَن السّنة تنسخ الْقُرْآن، فزعموا أَن
معنى قَوْله: (لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله) أَي:
بِوَحْي الله تَعَالَى لَا بالمتلو، وَقيل: يُرِيد
بِقَضَاء الله حكمه. كَقَوْلِه: كتاب الله عَلَيْكُم، أَي:
حكمه فِيكُم وقضاؤه عَلَيْكُم. قَوْله: (أما غنمك وجاريتك
فَرد عَلَيْك) أَي: فيردان عَلَيْك، وَفِيه أَن الصُّلْح
الْفَاسِد ينْتَقض إِذا وَقع. قَوْله: (وَأمر أنيس
الْأَسْلَمِيّ) أنيس مصغر أنس ابْن الضَّحَّاك
الْأَسْلَمِيّ نِسْبَة إِلَى أسلم بن أقْصَى بِالْفَاءِ
ابْن حَارِثَة بن عَمْرو، والأسلمي أَيْضا نِسْبَة إِلَى
أسلم بن جمح، قيل: فِيهِ إِبَاحَة تَأْخِير الْحُدُود
عِنْد ضيق الْوَقْت، وَأنْكرهُ بَعضهم، ويروى: فَامْضِ
إِلَى امْرَأَة هَذَا، وَفِي لفظ: أغدو يَا أنيس على
امْرَأَة هَذَا قَوْله: (إِلَى امْرَأَة الآخر) بِفَتْح
الْخَاء كَذَا ضَبطه الدمياطي خطأ. وَقَالَ ابْن التِّين
هُوَ بقصر الْألف وَكسر الْخَاء، كَذَا روينَاهُ. قَوْله:
(فَإِن اعْترفت فارجمها) .
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : فِيهِ أَن مُطلق الِاعْتِرَاف
يُوجب الْحَد وَلَا يحْتَاج إِلَى تكراره، وَبِه قَالَ
مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَحْمد: لَا يجب إلاَّ
باعتراف أَربع مَرَّات فِي مجْلِس، أَو أَربع مجَالِس،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب إلاَّ باعتراف فِي أَربع
مجَالِس، فَإِن اعْترف فِي مجْلِس وَاحِد ألف مرّة فَهُوَ
اعْتِرَاف وَاحِد. وَاحْتج أَبُو حنيفَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، بِمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ. فَلَمَّا شهد على نَفسه أَربع
مَرَّات ... الحَدِيث. أَخْرجَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) :
وَكَذَا فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة أخرجه مُسلم حَتَّى
شهد على نَفسه أَربع مَرَّات، وَكَذَا فِي حَدِيث ابْن
عَبَّاس أخرجه مُسلم: حَتَّى شهد أَربع مَرَّات، وَكَذَا
فِي حَدِيث جَابر بن عبد الله أخرجه مُسلم: حَتَّى شهد على
نَفسه أَربع شَهَادَات.
وَالْجَوَاب عَن حَدِيث العسيف أَن مَعْنَاهُ: أغد يَا
أنيس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت الِاعْتِرَاف
الْمَعْهُود بالتردد أَربع مَرَّات، وَجَاء فِي بعض طرق
حَدِيث الغامدية أَنه ردهَا أَربع مَرَّات، أخرجه
الْبَزَّار فِي (مُسْنده) : فَإِن قلت: سلمنَا الْإِقْرَار
أَربع مَرَّات فاشتراط اخْتِلَاف الْمجَالِس من أَيْن؟ .
قلت: أخرج مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن ماعزاً أَتَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرده ثمَّ أَتَاهُ
الثَّانِيَة من الْغَد فَرده ... ، الحَدِيث. وَفِيه:
فَأَتَاهُ الثَّالِثَة إِلَى أَن قَالَ: فَلَمَّا كَانَ
الرَّابِعَة حفر لَهُ ورجمه.
6366 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ عنْ أبي حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيِّ أنَّهُ أخْبَرَهُ أَن رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْمَلَ عامِلاً، فَجاءَهُ العامِلُ
حِينَ فَرَغَ منْ عَمَلِهِ فَقَالَ:
(23/170)
يَا رسولَ الله {هاذَا لَكُمْ وهَذَا
أُهْدِيَ لي. فَقَالَ لهُ: (أفَلا قَعدْتَ فِي بَيْتِ
أبِيكَ وأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أيُهْدَي لَكَ أمْ لَا؟) ثُمَّ
قامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَشِيَّةً
بَعْدَ الصَّلاَةِ فَتَشَهَدَ وأثْنَى عَلى الله بِمَا
هُوَ أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: (أمَّا بَعْدُ} فَما بالُ
العامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينا فَيَقُولُ: هاذا مِنْ
عَمَلِكُمْ وهاذا أُهْدِيَ لِي؟ أفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ
أبِيهِ وأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدى لَهُ أمْ لَا؟
فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيدِهِ لَا يَغُلُّ
أحَدُكُمْ مِنْها شَيْئاً إلاّ جاءَ بِهِ يَوْمَ
القِيامَةِ يَحْمِلُهُ عَلى عُنُقِهِ، إنْ كانَ بَعِيراً
جاءَ بِهِ لَهُ رُغاءٌ، وإنْ كانَتْ بَقَرَةً جاءَ بهَا
لَها خُوارٌ، وإنْ كانَتْ شَاة جاءَ بِها تَيْعَرُ، فَقَدْ
بَلَّغْتُ) .
فَقَالَ أبُو حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ حتَّى إنّا لَننْظُرُ إِلَى
عُفْرَةِ إبْطَيْهِ.
قَالَ أبُو حُمَيْد: وقَدْ سَمَعَ ذَلَكَ مَعِي زَيْدُ بنُ
ثابِتٍ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَلُوهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نفس مُحَمَّد
بِيَدِهِ) .
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَعُرْوَة بن الزبير
بن الْعَوام، وَأَبُو حميد بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم
السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، وَقيل: اسْمه عبد الرَّحْمَن،
وَقيل: الْمُنْذر، وَقيل: إِنَّه عَم سهل بن سعد.
والْحَدِيث مضى فِي الْهِبَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد
فِي: بَاب من لم يقبل الْهَدِيَّة لعِلَّة، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (اسْتعْمل عَاملا) هُوَ عبد الله بن اللتبية بِضَم
اللَّام وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر
الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَتقدم فِي: بَاب الْهِبَة أَنه اسْتعْمل النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ:
ابْن اللتبية، على الصَّدَقَة. قَوْله: (لَا يغل) أَي: لَا
يخون من الْغلُول. قَوْله: (رُغَاء) بِضَم الرَّاء وبالغين
الْمُعْجَمَة وَالْمدّ، قَالَ الْكرْمَانِي: الرُّغَاء
الصَّوْت.
قلت: هُوَ صَوت الْبَعِير خَاصَّة. قَوْله: (خوار) بِضَم
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْوَاو، وَهُوَ صَوت
الْبَقَرَة. وَقَالَ ابْن التِّين: ورويناه بِالْجِيم
والهمزة وَهُوَ رفع الصَّوْت. قَوْله: (تَيْعر) بِفَتْح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَكسرهَا أَي: تصبح،
وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِفَتْح الْعين، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي، يعرت العنزتيعر بِالْكَسْرِ يعاراً
بِالضَّمِّ: صاحت. وَقَالَ ابْن فَارس: اليعار صَوت
الشَّاة. قَوْله: (فقد بلغت) بِالتَّشْدِيدِ من
التَّبْلِيغ.
قَوْله: (إِلَى عفرَة إبطَيْهِ) بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْفَاء وبالراء: الْبيَاض الَّذِي فِيهِ شَيْء
كلون الأَرْض، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الأعفر الْأَبْيَض
وَلَيْسَ بالشديد الْبيَاض، وشَاة عفراء يَعْلُو بياضها
حمرَة. قَوْله: (وَقَالَ أَبُو حميد) هُوَ مَوْصُول بالسند
الْمَذْكُور وَهُوَ رَاوِي الحَدِيث.
وَفِي الحَدِيث: أَن هَدِيَّة الْعَامِل مَرْدُودَة إِلَى
بَيت المَال. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَمَا أحسن
قَول صَاحب (الْحَاوِي الصَّغِير) : وهديته سحت وَلَا
يملك.
7366 - حدّثني إبْرَاهِيم بنُ مُوسَى أخبرنَا هِشامٌ هُوَ
ابنُ يُوسُفَ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أبُو القاسِمَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (والذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيدِهِ، لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً
ولَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً) . (انْظُر الحَدِيث 5846) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نفس مُحَمَّد
بِيَدِهِ) .
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق
الرَّازِيّ يعرف بالصغير، وَهِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد
الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها، وَمعمر
بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام هُوَ ابْن مُنَبّه.
والْحَدِيث مضى عَن قريب عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، وَمضى مثله عَن قريب عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (مَا أعلم) أَي:
من الْأَفْعَال والأهوال.
8366 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا
الأعْمَشُ عنِ المَعْرُوِرعنْ أبي ذَرٍّ قَالَ:
انْتَهَيْتُ إلَيْهِ وهْوَ يَقُولُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةَ:
هُمُ الأخْسَرُون ورَبِّ الكَعْبَةَ {هُمُ الأخْسَرُون
ورَبِّ الكَعْبَةَ} قُلْتُ: مَا شَأْنِي
(23/171)
أيْرى فُيَّ شَيْءٌ؟ مَا شَأَنِي؟
فَجَلَسْتُ إلَيْهِ وهْوَ يَقُولُ، فَما اسْتَطَعْتُ أنْ
أسْكتَ وتَغَشَّانِي مَا شاءَ الله فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ
بِأبِي أنْتَ وأُمِّي يَا رَسُول الله؟ قَالَ:
(الأكْثَرُونَ أمْوالاً إلاّ مَنْ قَالَ هاكَذَا وهاكَذَا
وهاكَذَا) . (انْظُر الحَدِيث 0641) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَرب الْكَعْبَة) .
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث النَّخعِيّ
الْكُوفِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، والمعرور بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الأولى
ابْن سُوَيْد الْأَسدي عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة وَكَانَ
أسود الرَّأْس واللحية، وَأَبُو ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة
الْغِفَارِيّ.
وَصدر الحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة بِهَذَا الْإِسْنَاد
بِعَيْنِه فِي: بَاب زَكَاة الْبَقر. قَوْله: (انْتَهَيْت
إِلَيْهِ) أَي: إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَصرح بِهِ فِي الزَّكَاة. قَوْله: (وَهُوَ يَقُول)
الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (قلت: مَا شأني؟) أَي: مَا
حَالي؟ قَوْله: (أيُرى) على صِيغَة الْمَجْهُول. (شَيْء)
مَرْفُوع بِهِ. قَوْله: (فِي) بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد
الْيَاء وَمَعْنَاهُ: أنظر فِي نَفسِي شَيْء يُوجب
الأخسرية؟ ويروى: أيرى، بِصِيغَة الْمَعْلُوم، ويروى: أنزل
فِي حَقي شَيْء من الْقُرْآن؟ قَوْله: (وَمَا شأني؟) أَي:
مَا حَالي وَمَا أَمْرِي؟ قَوْله: (وتغشاني) بالغين والشين
الْمُعْجَمَة. قَوْله: (بِأبي وَأمي) أَي: أَنْت المفدى
بِأبي وَأمي. قَوْله: (هَكَذَا) ثَلَاث مَرَّات أَي: إلاَّ
من صرف مَاله يَمِينا وَشمَالًا على الْمُسْتَحقّين.
9366 - حدّثنا أبْو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حدّثنا أبُو
الزِّنادِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ الأعْرَجِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (قَالَ سُلَيْمانُ: لاَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلى
تَسْعِينَ امْرَأةً كُلُّهُنَّ تَأتِي بِفارِس يجاهِدُ فِي
سَبيلِ الله) فَقَالَ لهُ صاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شاءَ الله.
فَلمْ يَقُلْ: إنْ شاءَ الله فَطافَ عَلَيْهنَّ جَمِيعاً
فَلَمْ يَحْمِل مِنْهُنَّ إلاّ امْرَأةٌ واحِدَةٌ جاءَتْ
بِشِقِّ رَجُلٍ، وايْمُ الّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
لَو قَالَ: إنْ شاءَ الله، لَجاهَدُوا فِي سَبِيل الله
فُرْساناً أجْمَعُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأيم الَّذِي نفس
مُحَمَّد بِيَدِهِ) . وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه بهؤلاء
الرِّجَال قد مضى فِي أَحَادِيث كَثِيرَة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد
بالزاي، وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد
الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من طلب الْوَلَد
للْجِهَاد، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب
قَول الله تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَان} (ص:
03) وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لأطوفن) الطّواف كِنَايَة عَن الْجِمَاع. قَوْله:
(على تسعين) وَفِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي بعض
الرِّوَايَات: سبعين، وَقَالَ شُعَيْب وَأَبُو الزِّنَاد:
تسعين. وَهُوَ أصح وَلَا مُنَافَاة إِذْ هُوَ مَفْهُوم
الْعدَد. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : سِتُّونَ، ويروى: مائَة.
قَوْله: (قَالَ لَهُ صَاحبه) أَي: الْملك أَو قرينه.
قَوْله: (بشق رجل) أَي: بِنصْف ولد، وَإِطْلَاق الرجل
بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. قَوْله: (وأيم الله) إِلَى
آخِره من بَاب الْوَحْي لِأَنَّهُ من بَاب علم الْغَيْب.
قَوْله: (أَجْمَعُونَ) تَأْكِيد لضمير الْجمع الَّذِي فِي
قَوْله: (لَجَاهَدُوا) و (فُرْسَانًا) نصب على الْحَال جمع
فَارس.
0466 - حدّثنا مُحَمَّدٌ حَدثنَا أبُو الأحْوَصِ عنْ أبي
إسْحَاقَ عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ،
فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَداوَلُونَها بَيْنَهُمْ
ويَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنها وَلِينِها، فَقَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أتَعْجَبُونَ مِنْها؟) قالُوا:
نَعَمْ يَا رسولَ الله! قَالَ: (والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَمَنادِيلُ سَعْدٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْها) .
لَمْ يَقُلْ شُعْبَةُ وإسْرائِيلُ: عنْ أبِي إسْحااقَ:
والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ) . وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، قَالَه الغساني،
وَأَبُو الْأَحْوَص هُوَ سَلام بِالتَّشْدِيدِ ابْن سليم
الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد
الله السبيعِي.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن هناد بن
السّري.
قَوْله: (سَرقَة) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح
الرَّاء وبالقاف: اسْم لقطعة من الْحَرِير. قَوْله:
(لمناديل سعد) هُوَ ابْن معَاذ سيد الْأَنْصَار،
وَتَخْصِيص
(23/172)
سعد بِهَذَا إِمَّا أَن مناديل سعد كَانَت
من جنس تِلْكَ السّرقَة، وَإِمَّا أَن الْحَال كَانَ
اقْتضى استمالة قلبه، وَإِمَّا أَنه كَانَ اللامسون
المتعجبون من الْأَنْصَار، فَقَالَ: مناديل سيدكم خير
مِنْهُ، وَإِمَّا أَن سَعْدا كَانَ يحب ذَلِك الْجِنْس من
الثَّوْب، أَو ذَلِك اللَّوْن. وَفِيه: منقبة عَظِيمَة
لسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَن أدنى ثِيَابه فِي
الْجنَّة كَذَلِك لِأَن المنديل أدنى الثِّيَاب معد للوسخ
والامتهان، والمناديل جمع منديل بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ
مَا يمسح بِهِ مَا يتَعَلَّق بِالْيَدِ من الطَّعَام تَقول
مِنْهُ: تمندلت بالمنديل، وتندلت. وَأنكر الْكسَائي:
تمندلت. قَوْله: (خير مِنْهَا) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَن
يُرِيد فِي الصّفة، وَأَنَّهَا لَا تفنى، بِخِلَاف هَذِه.
قَوْله: (لم يقل شُعْبَة وَإِسْرَائِيل) أَي: لم يذكر
شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث وَلَا إِسْرَائِيل: حَدثنَا
يُونُس عَن أبي إِسْحَاق ... إِلَى آخِره، أما حَدِيث
شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق فَأخْرجهُ مُسلم، قَالَ: حَدثنَا
مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد
بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق قَالَ:
سَمِعت الْبَراء بن عَازِب يَقُول: أهديت لرَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حلَّة حَرِير فَجعلُوا يمسونها
ويعجبون من حسنها، فَقَالَ: أتعجبون من لين هَذِه؟ لمناديل
سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة خير مِنْهَا وألين. وَأما
حَدِيث إِسْرَائِيل عَن جده أبي إِسْحَاق فَأخْرجهُ ...
19 - (حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن يُونُس
عَن ابْن شهَاب حَدثنِي عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا قَالَت إِن هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة
قَالَت يَا رَسُول الله مَا كَانَ مِمَّا على ظهر الأَرْض
أهل أخباء أَو خباء أحب إِلَيّ من أَن يذلوا من أهل أخبائك
أَو خبائك شكّ يحيى ثمَّ مَا أصبح الْيَوْم أهل أخباء أَو
خباء أحب إِلَيّ من أَن يعزوا من أهل أخبائك أَو خبائك
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأَيْضًا وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ قَالَت يَا
رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل مسيك فَهَل عَليّ حرج
أَن أطْعم من الَّذِي لَهُ قَالَ لَا إِلَّا
بِالْمَعْرُوفِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ وَرِجَاله قد ذكرُوا غير
مرّة والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا فِي النَّفَقَات فِي بَاب
نَفَقَة الْمَرْأَة إِذا غَابَ عَنْهَا زَوجهَا أخرجه عَن
مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن مُوسَى عَن ابْن
شهَاب عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة قَالَت جَاءَت هِنْد بنت
عتبَة فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان
الحَدِيث قَوْله إِن هِنْد منصرف وَغير منصرف بنت عتبَة
بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن
ربيعَة القرشية أم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أسلمت يَوْم
الْفَتْح قَوْله " أهل أخباء أَو خباء " بِالشَّكِّ بَين
الْجمع والمفرد والخباء أحد بيُوت الْعَرَب من وبر أَو صوف
وَلَا يكون من الشّعْر وَيكون على عمودين أَو ثَلَاثَة
وَيجمع على أخبية وَجمع هُنَا على أخباء على غير قِيَاس
وَقَالَ ابْن بطال الْمَعْرُوف فِي جمع خباء أخبية لِأَن
فعالا فِي الْقَلِيل يجمع على أفعلة كسقاء وأسقية وَمِثَال
وأمثلة قَوْله من أَن يذلوا أَن مَصْدَرِيَّة أَي من ذلهم
وَكَذَلِكَ فِي قَوْله من أَن يعزوا أَي من عزهم قَوْله
شكّ يحيى هُوَ يحيى بن بكير شيخ البُخَارِيّ قَوْله
وَأَيْضًا أَي وستزيدين من ذَلِك إِذْ يتَمَكَّن
الْإِيمَان فِي قَلْبك فيزيد حبك لرَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه كَمَا قَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالله
لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من أَهله
وَمَاله وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. يُرِيد لَا يبلغ حَقِيقَة
الْإِيمَان وَأَعْلَى درجاته حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ
إِلَى آخِره وَقيل مَعْنَاهُ وَأَنا أَيْضا بِالنِّسْبَةِ
إِلَيْك مثل ذَلِك وَالْأول أولى قَوْله مسيك بِكَسْر
الْمِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة كَذَا هُوَ
الْمَحْفُوظ وَقَالَ ابْن التِّين حفظناه بِفَتْح الْمِيم
وَهُوَ الْبَخِيل وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ يمسك مَا
فِي يَدَيْهِ وَلَا يُخرجهُ لأحد قَوْله قَالَ لَا أَي
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
لَا حرج عَلَيْك إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَي إِلَّا أَن
تطعمين من مَاله بِحَسب الْعرف بَين النَّاس فِي ذَلِك
(23/173)
20 - (حَدثنِي أَحْمد بن عُثْمَان حَدثنَا
شُرَيْح بن مسلمة حَدثنَا إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن أبي
إِسْحَق قَالَ سَمِعت عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ حَدثنِي
عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مضيف
ظَهره إِلَى قبَّة من أَدَم يمَان إِذْ قَالَ لأَصْحَابه
أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة قَالُوا بلَى
قَالَ أفلم ترضوا أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة قَالُوا
بلَى قَالَ فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن
تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي
قَوْله وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ وَأحمد بن
عُثْمَان بن حَكِيم الأودي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم
أَيْضا وَشُرَيْح بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام
الْكُوفِي وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن يُوسُف يروي عَن أَبِيه
يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق ويوسف يروي عَن جده
أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَعَمْرو
بِالْوَاو ابْن مَيْمُون أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَقد مر
غيرَة مرّة والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الرقَاق فِي
بَاب كَيفَ الْحَشْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد
بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن
عَمْرو بن مَيْمُون قَوْله مضيف أَي مُسْند ومميل قَوْله
يمَان أَصله يمني قدم إِحْدَى الياءين على النُّون وقلبت
ألفا فَصَارَ مثل قَاض ويروى على الأَصْل قَوْله إِذْ
قَالَ جَوَاب بَيْنَمَا قَوْله ربع أهل الْجنَّة بِضَم
الرَّاء وَسُكُون الْبَاء وَضمّهَا وَكَذَا فِي الثُّلُث
قَوْله أفلم ترضوا ويروى أَفلا ترْضونَ
21 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن عبد
الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا سمع رجلا يقْرَأ قل هُوَ
الله أحد يُرَدِّدهَا فَلَمَّا أصبح جَاءَ إِلَى رَسُول
الله فَذكر ذَلِك لَهُ وَكَأن الرجل يتقالها فَقَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لتعدل ثلث الْقُرْآن)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن
بن صعصعة الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل
الْقُرْآن عَن عبد الله بن يُوسُف وَمضى الْكَلَام فِيهِ
قَوْله يُرَدِّدهَا أَي يكررها قَوْله وَكَانَ
بِالتَّشْدِيدِ قَوْله يتقالها يَعْنِي يعدها قَليلَة
قَوْله لتعدل ثلث الْقُرْآن لِأَن جَمِيعه إِمَّا مُتَعَلق
بالمبدأ أَو بالمعاش أَو بالمعاد وَقيل لِأَنَّهُ على
ثَلَاثَة أَقسَام قصَص وَأَحْكَام وصفات الله تَعَالَى
وَسورَة الْإِخْلَاص متمحضة لله تَعَالَى وَصِفَاته فَهِيَ
ثلثه قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت كَيفَ تكون معادلة
للثلث وَلَا شكّ أَن الْمَشَقَّة فِي قِرَاءَة ثلث
الْقُرْآن أَكثر من قرَاءَتهَا بِكَثِير وَالْأَجْر بِقدر
النصب قلت قِرَاءَة السُّورَة لَهَا ثَوَاب قِرَاءَة
الثُّلُث فَقَط وَأما قِرَاءَة الثُّلُث فلهَا عشر
أَمْثَالهَا
22 - (حَدثنِي إِسْحَق أخبرنَا حبَان حَدثنَا همام حَدثنَا
قَتَادَة حَدثنَا أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول
أَتموا الرُّكُوع وَالسُّجُود فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ
إِنِّي لأَرَاكُمْ من بعد ظَهْري إِذا مَا رَكَعْتُمْ
وَإِذا مَا سجدتم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة
وَإِسْحَاق قَالَ الغساني لَعَلَّه ابْن مَنْصُور وحبان
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة وبالنون ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ وَهَمَّام
هُوَ ابْن يحيى والْحَدِيث من أَفْرَاده وَمضى فِي
الصَّلَاة قَوْله إِنِّي لأَرَاكُمْ قيل كَيفَ رأى من
وَرَاء الظّهْر وَأجِيب بِأَن الرُّؤْيَة أَمر يخلقها الله
وَلَا يشْتَرط فِيهَا الْمُقَابلَة وَلَا المواجهة عقلا
حَتَّى جوز الأشعرية رُؤْيَة الْأَعْمَى بالصين بقة أندلس
23 - (حَدثنَا إِسْحَق حَدثنَا وهب بن جرير أخبرنَا
شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد عَن أنس بن
(23/174)
مَالك أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار أَتَت
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعهَا
أَوْلَادهَا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّكُم لأحب
النَّاس إِلَيّ قَالَهَا ثَلَاث مرار) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه وَهِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ
الْبَصْرِيّ يروي عَن جده أنس والْحَدِيث مضى فِي فضل
الْأَنْصَار عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَفِي النِّكَاح
عَن بنْدَار عَن غنْدر قَوْله إِنَّكُم الْخطاب لجنس
الْمَرْأَة وَأَوْلَادهَا يَعْنِي الْأَنْصَار قيل يلْزم
من هَذَا أَن تكون الْأَنْصَار أفضل من الْمُهَاجِرين
عُمُوما وَمن أبي بكر وَعمر خُصُوصا وَأجِيب بِأَنَّهُ
عَام مَخْصُوص بالدلائل الخارجية المخرجة لَهُ مِنْهُ
قَالُوا مَا من عَام إِلَّا وَخص أَلا وَالله بِكُل شَيْء
عليم -
4 - (بابٌ لَا تَحلِفُوا بِآبائِكُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا
تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، مثل قَوْله: بِأبي أفعل وَلَا أفعل.
6466 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ
نافِعٍ عنْ عَبْدِ لله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا،
أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدْرَكَ عُمَرَ
بنَ الخَطَّابِ وهْوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ
بِأبِيهِ، فَقَالَ: (أَلا إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ
تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ، مَنْ كَانَ حالِفاً فَلْيَحْلِفْ
بِاللَّه أوْ لِيَصْمُتْ) .
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث رُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِلَفْظ:
بَينا أَنا فِي ركب أَسِير فِي غزَاة مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: لَا وَأبي، فَهَتَفَ بِي رجل
من خَلْفي: تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَالْتَفت فَإِذا هُوَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وروى ابْن أبي شيبَة
من طَرِيق عِكْرِمَة عَن عمر: فَالْتَفت فَإِذا هُوَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَو أَن
أحدكُم حلف بالمسيح، والمسيح خير من آبائكم، لهلك. وَفِي
رِوَايَة سعيد بن عُبَيْدَة: أَنَّهَا شرك، وَفِي رِوَايَة
ابْن الْمُنْذر: لَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بالأوثان
وَلَا تحلفُوا بِاللَّه إلاَّ وَأَنْتُم صَادِقُونَ. وروى
ابْن أبي عَاصِم فِي (كتاب الْأَيْمَان) : وَالنُّذُور،
وَمن حَدِيث ابْن عمر: من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك أَو
كفر.
وَالْحكمَة فِي النَّهْي عَن الْحلف بِالْآبَاءِ أَنه
يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ، وَحَقِيقَة العظمة
مُخْتَصَّة بِاللَّه جلت عَظمته. فَلَا يضاهي بِهِ غَيره،
وَهَكَذَا حكم غير الْآبَاء من سَائِر الْأَشْيَاء، وَمَا
ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَفْلح
وَأَبِيهِ، فَهِيَ كلمة تجْرِي على اللِّسَان لَا يقْصد
بهَا الْيَمين، وَأما قسم الله تَعَالَى بمخلوقاته نَحْو:
وَالصَّافَّات، وَالطور، وَالسَّمَاء والطارق، والتين
وَالزَّيْتُون، وَالْعَادِيات ... فَللَّه أَن يقسم بِمَا
شَاءَ من خلقه تَنْبِيها على شرفه، أَو التَّقْدِير: وَرب
الطّور. وَقَالَ أَبُو عمر: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحلف
بِغَيْر الله لَا بِهَذِهِ الْأَقْسَام وَلَا بغَيْرهَا،
لإِجْمَاع الْعلمَاء على أَن من وَجب لَهُ يَمِين على آخر
فِي حق، فَلهُ أَن يحلف لَهُ إلاَّ بِاللَّه، وَلَو حلف
لَهُ بِالنَّجْمِ وَالسَّمَاء، وَقَالَ: نَوَيْت رب ذَلِك،
لم يكن عِنْدهم يَمِينا. وروى ابْن جرير عَن ابْن أبي
مليكَة أَنه سمع ابْن الزبير يَقُول: سمعني عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، لف بِالْكَعْبَةِ فنهاني، وَقَالَ: لَو
تقدّمت إِلَيْك لعاقبتك. قَالَ قَتَادَة: وَيكرهُ الْحلف
بالمصحف وبالعتق وَالطَّلَاق، وَقَالَ أَبُو عمر: الْحلف
بِالطَّلَاق وَالْعِتْق لَيْسَ يَمِينا عِنْد أهل
التَّحْصِيل وَالنَّظَر، وَإِنَّمَا هُوَ طَلَاق بِصفة،
وَعتق بِصفة، وَكَلَام خرج على الاتساع وَالْمجَاز، وَلَا
يَمِين فِي الْحَقِيقَة إِلَّا بِاللَّه عز وَجل. وَقَالَ
ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِيمَا على من حلف
بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَحنث، فَكَانَ ابْن مَسْعُود
يَقُول: عَلَيْهِ بِكُل آيَة يَمِين، وَبِه قَالَ الْحسن
وَقَالَ النُّعْمَان: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، وَقَالَ
أَبُو يُوسُف: من حلف بالرحمن فَحنث إِن أَرَادَ بالرحمن
الله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين، وَإِن أَرَادَ سُورَة
الرَّحْمَن فَلَا كَفَّارَة وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ
وَرَبِيعَة: إِذا قَالَ: أشهد لَا أفعل كَذَا، ثمَّ فعل
فَهُوَ يَمِين. فَإِن قَالَ: حَلَفت وَلم يحل، فَقَالَ
الْحسن وَالنَّخَعِيّ: لَزِمته يَمِين، وَقَالَ حَمَّاد بن
أبي سُلَيْمَان: هِيَ كذبة، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا
قَالَ عَلَيْهِ يَمِين وَلم يكن حلف فَلهَذَا بَاطِل،
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: هِيَ يَمِين، فَإِن قَالَ:
هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ إِن فعل
كَذَا، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عبيد وَأَبُو
ثَوْر: يستغر الله. وَقَالَ طَاوُوس وَالْحسن وَالشعْبِيّ
وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَصْحَاب
الرَّأْي: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ أَحْمد
وَإِسْحَاق
(23/175)
إِذا أَرَادَ الْعين، وَاخْتلفُوا فِي
الرجل يَدْعُو على نَفسه بالخزي والهلاك أَو قطع
الْيَدَيْنِ إِن فعل كَذَا، فَقَالَ عَطاء: وَلَا شَيْء
عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي عبيد وَأَصْحَاب
الرَّأْي، وَقَالَ طَاوُوس عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين،
وَبِه قَالَ اللَّيْث، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا قَالَ
عَلَيْهِ لعنة الله. . إِن لم يفعل كَذَا، فَلم يَفْعَله
فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين.
7466 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ حدّثنا ابنُ وَهْبٍ
عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: قَالَ سالِمٌ: قَالَ
ابنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ لِي رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ
تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ) . قَالَ عُمَرُ: فَوَالله مَا
حَلَفْتُ بِها مُنْذُ سَمُعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ذاكِراً وَلَا آثِراً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالراء هُوَ سعيد بن كثيرين عفير مولى
الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ، وَابْن وهب عبد الله بن وهب
الْمصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَسَالم هُوَ ابْن عبد
الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان أَيْضا عَن أبي
الطَّاهِر وحرملة عَن ابْن وَبِه وَغَيرهمَا. وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عُثْمَان. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن مُحَمَّد بن يحيى.
قَوْله: (ذَاكِرًا) أَي: قَائِلا لَهَا من قبل نَفسِي.
قَوْله: (وَلَا آثراً) بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْأَثر
يَعْنِي: وَلَا حاكياً لَهَا عَن غَيْرِي نَاقِلا عَنهُ.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَمِنْه حَدِيث مأثور عَن فلَان،
أَي: يحدث بِهِ عَنهُ، والأثر الرِّوَايَة وَنقل كَلَام
الْغَيْر.
قَالَ مُجاهِدٌ: { (46) أَو إثارة من علم} (الْأَحْقَاف:
4) يَأْثُرُ عِلْماً
أَي قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {أَو
إثارة من علم} وَقَبله: {ائتموني بِكِتَاب من قبل هَذَا
أَو إثارة من علم إِن كُنْتُم صَادِقين} وَفسّر قَوْله:
{أَو إثارة من علم} بقوله: يأثر علما، يَعْنِي: ينْقل
خَبرا عَمَّن كَانَ قبله، وَقَالَ مقَاتل: يَعْنِي:
رِوَايَة عَن الْأَنْبِيَاء، والأثر الرِّوَايَة، وَمِنْه
قيل للْحَدِيث: أثر.
تابَعَهُ عُقَيْلٌ والزُّبَيْدِيُّ وإسْحَاقُ الكَلْبِيُّ
عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع يُونُس فِي رِوَايَته عَن ابْن شهَاب
الزُّهْرِيّ عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وروى هَذِه
الْمُتَابَعَة مُسلم فَقَالَ: حَدثنَا عبد الْملك بن
شُعَيْب قَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي حَدثنِي عقيل بن
خَالِد ... الحَدِيث. قَوْله: (والزبيدي) ، أَي: تَابعه
أَيْضا مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي
صَاحب الزُّهْرِيّ، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة النَّسَائِيّ
عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن مُحَمَّد بن حَرْب عَنهُ.
قَوْله: (وَإِسْحَاق الْكَلْبِيّ) أَي: تَابعه أَيْضا
إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَوَقعت
مُتَابَعَته فِي نسخته من طَرِيق أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن
شَاذان عَن عبد القدوس بن مُوسَى الْحِمصِي عَن سُلَيْمَان
بن عبد الحميد عَن يحيى بن صَالح الوحاي عَن إِسْحَاق ابْن
يحيى فَذكره.
وَقَالَ ابنُ عُيَيَيْنَةَ ومَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ
سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر بن رَاشد ...
إِلَى آخِره، وَتَعْلِيق ابْن عُيَيْنَة وَصله ابْن مَاجَه
عَن مُحَمَّد بن أبي عمر الْعَدنِي عَن سُفْيَان
وَتَعْلِيق معمر وَصله أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل
عَن عبد الرَّزَّاق عَنهُ وَالتِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة،
وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَلما ذكر يَعْقُوب بن شيبَة هَذَا
الحَدِيث فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدِيث مدنِي حسن
الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ يحيى بن أبي إِسْحَاق عَن سَالم
عَن ابْن عمر، وَلم يقل عَن عمر وَرَوَاهُ عبيد الله بن
عَمْرو أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَمَالك وَاللَّيْث وَعبد
الله بن دِينَار، فكلهم جَعَلُوهُ عَن ابْن عمر: أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أدْرك عمر رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ، غير أَيُّوب
فَإِنَّهُ جعله عَن نَافِع: أَن عمر ... وَلم يذكر ابْن
عمر فِي حَدِيثه.
(23/176)
8466 - حدّثنا مُوسى بن إسْماعِيلَ حدّثنا
عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ
دِينار قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (لَا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ) .
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم
الْقَسْمَلِي، وَعبد الله بن دِينَار مولى ابْن عمر،
وَقَالَ الْمُهلب: كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة
تحلف بآبئهم وآلهتهم فَأَرَادَ الله أَن ينْسَخ من
قُلُوبهم وألسنتهم ذكر كل شَيْء سَوَاء وَيبقى ذكره
تَعَالَى لِأَنَّهُ الْحق المعبود. وَالسّنة الْيَمين
بِاللَّه عز وَجل.
9466 - حدّثنا قُتَيْبَة حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ عنْ
أيُّوبَ عنْ أبي قِلابَةَ والقاسِمِ التَّمِيمِيِّ عنْ
زَهْدمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هاذا الحَيِّ مِنْ جَرْمٍ
وبَيْنَ الأشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإخاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ
أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعامٌ فِيهِ
لَحْمُ دَجاجٍ وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ الله
أحْمَرُ كأنصهُ مِنَ المَوالِي، فَدَعاهُ إِلَى الطَّعامِ
فَقَالَ: إنِّي رَأيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً فَقَذِرْتُهُ
فَحَلَفْتُ أنْ لَا آكلَهُ، فَقَالَ: قمْ
فَلأُحَدِّثَنَّكَ عَن ذاكَ، إنِّي أتَيْتُ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ
نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: (وَالله! لَا أحْمِلُكُمْ وَمَا
عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ) ، فأتِيَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِنَهْبِ إبِلٍ، فَسألَ عَنَّا فَقَالَ:
(أيْنَ النَّفَرُ الأشْعَرِيُّونَ؟) . فأمَرَ لَنَا
بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّراى، فَلَمَّا انْطَلَقْنا
قُلْنا: مَا صَنَعْنا؟ حَلَفَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا يَحْمِلُنا وَمَا عِنْدَه مَا
يَحْمِلُنا. ثُمَّ حَمَلَنا. تَغَفَّلْنا رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينَهُ، وَالله لَا نُفْلِحُ
أبَداً. فَرَجَعْنا إلَيْهِ فَقُلْنا لهُ: إنَّا أتَيْناكَ
لِتَحْمِلَنا فَحَلَفْتَ أنْ لَا تَحْمِلَنا وَمَا
عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنا، فَقَالَ: (إنِّي لَسْتُ أَنا
حَمَلْتُكُمْ ولَكِنَّ الله حَمَلَكُمْ، وَالله لَا
أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فأرَى غَيْرَها خَيْراً مِنْها إلاّ
أتَيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وتَحَلَّلْتُها) .
يل: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة على مَا لَا
يخفى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن هَذَا الحَدِيث
كَانَ على الْحَاشِيَة فِي الْبَاب السَّابِق وَنَقله
النَّاسِخ إِلَى هَذَا الْبَاب انْتهى.
قلت: هَذَا بعيد جدا مَعَ أَن فِيهِ فِي الْمُطَابقَة
أَيْضا. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: اسْتدلَّ بِهِ
البُخَارِيّ من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
حلف فِي هَذِه الْقَضِيَّة مرَّتَيْنِ: أَولا عِنْد
الْغَضَب وآخراً عِنْد الرِّضَا، وَلم يحلف إلاّ بِاللَّه،
فَدلَّ على أَن الْحلف إِنَّمَا هُوَ بِاللَّه فِي
الْحَالَتَيْنِ. انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ فِيهِ بَيَان الْمُطَابقَة
بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَن التَّرْجَمَة: لَا تحلفُوا
بِآبَائِكُمْ. والْحَدِيث فِيهِ: حلف النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، والمطابق ذكره فِي الْبَاب السَّابِق،
لِأَن تَرْجَمته: بَاب كَيفَ كَانَت يَمِين النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن جملَة مَا يحلف بِهِ حلفه
بِاللَّه، وَلَيْسَت التَّرْجَمَة فِي بَيَان أَن الْحلف
على ضَرْبَيْنِ عِنْد الْغَضَب وَعند الرِّضَا، وَإِنَّمَا
هُوَ بِاللَّه فِي الْحَالين، وَيُمكن أَن يُوَجه وَجه
الْمُطَابقَة وَإِن كَانَ فِيهِ بعض التعسف بِأَن
التَّرْجَمَة لما كَانَت فِي معنى الْحلف بِالْآبَاءِ،
وَذكر حديثين مطابقين لَهَا، ذكر هَذَا الحَدِيث تَنْبِيها
على أَن الْحلف إِذا لم يكن بِالْآبَاءِ وَنَحْو ذَلِك لَا
يكون إلاّ بِاللَّه، فَذكره لِأَن فِيهِ الْحلف بِاللَّه
فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وقتيبة هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ،
وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد
الْجرْمِي، وَالقَاسِم بن عَاصِم التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ،
وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال
الْمُهْملَة ابْن مضرب على وزن اسْم فَاعل من التضريب
بالضاد الْمُعْجَمَة الْجرْمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْإِيمَان، وَلَكِن
من قَول أبي مُوسَى: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي رَهْط من الْأَشْعَرِيين ... إِلَى آخِره،
وَالَّذِي ذكر قبله هُنَا لَيْسَ هُنَاكَ.
قَوْله: (من جرم) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ
بطْنَان من الْعَرَب: أَحدهمَا: من قضاعة وَهُوَ جرم بن
ربان. وَالْآخر: فِي طي. قَوْله: (وَبَين الْأَشْعَرِيين)
، ويروى
(23/177)
الأشعرين، بِحَذْف يَاء النِّسْبَة.
قَوْله: (ود) بِضَم الْوَاو وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ
الْمحبَّة. قَوْله: (وإخاء) بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف
الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالمد، تَقول: آخاء مؤاخاة وإخاء،
والعامة تَقول: وأخاه، قَوْله: (فَكَانَ عِنْد أبي مُوسَى)
أَي: فَكَانَ زَهْدَم عِنْده، ويروى: فَكُنَّا. قَوْله:
(دَجَاج) هُوَ مثلث الدَّال جمع دجَاجَة للذّكر
وَالْأُنْثَى لِأَن الْهَاء إِنَّمَا دخلت على أَنه وَاحِد
من جنسه. قَوْله: (من تيم الله) بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف هِيَ
حَيّ من بكر. قَوْله: (فقذرته) بِفَتْح الذَّال وَكسرهَا
أَي: كرهته. قَوْله: (فلأحدثتك) أَي: فوَاللَّه لأحدثنك،
بنُون التَّأْكِيد، ويروى بِلَا نون. قَوْله: (فِي نفر)
هُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على
جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى
الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَفِي الرِّوَايَة
الَّتِي تقدّمت: فِي رَهْط من الْأَشْعَرِيين، وقذ ذكرنَا
هُنَاكَ أَن الرَّهْط عشرَة الرجل من الرِّجَال مَا دون
الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين وَلَا تكون فيهم
امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَتَفْسِير بَقِيَّة
الْأَلْفَاظ قد مر هُنَاكَ، والمسافة قريبَة. قَوْله:
(بِنَهْب) أَي: من الْغَنِيمَة، قيل: تقدم فِي غَزْوَة
تَبُوك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتاعهن من سعد.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّه اشْتَرَاهَا مِنْهُ من سهامه
من ذَلِك النهب، أَو هما قضيتان: إِحْدَاهمَا: عِنْد قدوم
الْأَشْعَرِيين. وَالثَّانيَِة: فِي غَزْوَة تَبُوك.
قَوْله: (تغفلنا) أَي: طلبنا غفلته. قَوْله: (وتحللتها)
أَي: كفرتها والتحلل هُوَ التقص عَن عُهْدَة الْيَمين
الْخُرُوج من حرمتهَا.
5 - (بابٌ لَا يحْلَفُ بِاللاَّتِ والعُزَّى وَلَا
بالطَّواغِيتِ)
أَي: هَذَا بَاب يُقَال فِيهِ: لَا يحلف، على صِيغَة
الْمَجْهُول، وَفِي بعض النّسخ: بَاب لَا تحلفُوا بِاللات،
بِصِيغَة أَمر الْجمع، وَاللات قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَخذ
اللاَّت من لَفْظَة الله فألحقت بهَا تَاء التَّأْنِيث،
كَمَا قيل للذّكر: عَمْرو، ثمَّ قيل للْأُنْثَى: عمْرَة.
قلت: أَرَادوا أَن يسموا آلِهَتهم بِلَفْظَة الله فصرفها
الله إِلَى اللات صِيَانة لهَذَا الِاسْم الشريف، وَعَن
قَتَادَة: اللات صَخْرَة بِالطَّائِف، وَعَن أبي زيد: بَيت
بنخلة كَانَت قُرَيْش تعبده، وَقيل: كَانَ رجل يلت السويق
للْحَاج فَلَمَّا مَاتَ عكفوا على قَبره فعبدوه، وَعَن
الكعبي: كَانَ رجل من ثَقِيف يُسمى حُرْمَة ابْن تَمِيم
كَانَ يسلي السّمن فيصعد على صَخْرَة ثمَّ يَأْتِي
الْعَرَب فيلت بِهِ أسوقتهم، فَلَمَّا مَاتَ الرجل حولتها
ثَقِيف إِلَى منازلها فعبدوها، والعزى اخْتلف فِيهَا،
فَعَن مُجَاهِد؛ هِيَ شَجَرَة لغطفان يعبدونها، هِيَ
الَّتِي بعث إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فقطعها فَخرجت مِنْهَا شَيْطَانَة نَاشِرَة شعرهَا
دَاعِيَة وَيْلَهَا وَاضِعَة يَدهَا على رَأسهَا،
فَقَتلهَا خَالِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَعَن
الضَّحَّاك: هِيَ صنم لغطفان وَضعهَا لَهُم سعد بن ظَالِم
الْغَطَفَانِي، وَذَلِكَ أَنه لما قدم مَكَّة وَرَأى أَن
أَهلهَا يطوفون بهَا وَبَين الصَّفَا والمروة أَخذ حجرا من
الصَّفَا وحجراً من الْمَرْوَة فنقلهما إِلَى نَخْلَة،
ثمَّ أَخذ ثَلَاثَة أَحْجَار فأسندها إِلَى صَخْرَة
وَقَالَ: هَذَا ربكُم فاعبدوه، فَجعلُوا يطوفون بَين
الحجرين ويعبدون الْحِجَارَة حَتَّى افْتتح رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة، فَأمر بهدمها. وَعَن ابْن
زيد: الْعُزَّى بَيت بِالطَّائِف كَانَت تبعده ثَقِيف،
وَمن أصنامهم المناة، قَالَ قَتَادَة: كَانَت لخزاعة
وَكَانَت بقديدة، وَعَن ابْن زيد بَيت كَانَ بالسليل تعبده
بَنو كَعْب، وَقَالَ الضَّحَّاك: مَنَاة صنم لهذيل وخزاعة
تعبدها أهل مَكَّة، وَقَالَ: اللات والعزى وَمَنَاة أصنام
من حِجَارَة كَانَت فِي جَوف الْكَعْبَة يعبدونها. قَوْله:
(وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ) ، أَي: وَلَا يحلف
بِالطَّوَاغِيتِ أَيْضا وَهُوَ جمع الطاغوت وهم صنم،
وَقيل: شَيْطَان، وَقيل: كل رَأس ضلال. وَعَن جَابر
وَسَعِيد بن جُبَير: الكاهن: وَقَالَ الطَّبَرِيّ: هُوَ
عِنْدِي فعلوت من الطغيان كالجبوت من الْجَبْر، قيل ذَلِك
لكل من طغا على الله فعبد من دونه إنْسَانا كَانَ ذَلِك
الطاغي أَو شَيْطَانا أَو صنماً.
قلت: أَصله طغيوت قدمت الْيَاء على الْغَيْن فَصَارَ طيغوت
ثمَّ قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا.
0566 - حدّثني عبُد الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامُ بنُ
يُوسفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بن
عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ،
عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ حَلَفَ
فَقَالَ فِي حَلِفهِ: بالَّلات والعُزصى، فَلْيَقُلْ: لَا
إلَهَ إِلَّا الله، ومْ قَالَ لِصاحِبهِ: تعالَ أقامرْكَ،
فَلْيَتَصَدَّقْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي
تَفْسِير، والنجم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا
الْإِسْنَاد والمتن بِعَيْنِه، وَمضى فِي الْأَدَب
(23/178)
أَيْضا عَن إِسْحَاق وَفِي الاسْتِئْذَان
عَن يحيى بن بكير.
قَوْله: (فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله) إِنَّمَا أَمر
بذلك لِأَنَّهُ تعاطى صُورَة تَعْظِيم الْأَصْنَام حِين
حلف بهَا وَأَن كَفَّارَته هُوَ هَذَا القَوْل لَا غير.
قَوْله: (تعال أقامرك) تعال بِفَتْح اللَّام أَمر، وأقامرك
مجزوم لِأَنَّهُ جَزَاؤُهُ وَإِنَّمَا أَمر بِالصَّدَقَةِ
تكفيراً للخطيئة فِي كَلَامه بِهَذِهِ الْمعْصِيَة،
وَالْأَمر بِالصَّدَقَةِ مَحْمُول عِنْد الْفُقَهَاء على
النّدب بِدَلِيل أَن مُرِيد الصَّدَقَة إِذا لم يَفْعَلهَا
لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة وَلَا غَيرهَا بل يكْتب لَهُ
حَسَنَة.
6 - (بابُ مَنْ حَلَفَ عَلى الشَّيْءِ وإنْ لَمْ
يُحَلَّفْ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان من حلف على شَيْء يَفْعَله
أَو لَا يَفْعَله. قَوْله: (وَإِن لم يحلف) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول وَهُوَ مَعْطُوف على مَحْذُوف تَقْدِيره: حلف
على ذَلِك وَإِن لم يحلف.
1566 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ نافِعٍ
عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصْطَنَعَ خَاتمًا مِنْ ذَهَبٍ
وكانَ يَلْبَسُهُ فَيَجعَلُ فَصَّهُ فِي باطنِ كَفِّهِ،
فَصَنَعَ النَّاسُ خَواتِيمَ، ثمَّ إنَّهُ جَلَسَ عَلى
المِنْبَرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: (إنِّي كُنْتُ ألْبَسُ
هاذَا الخاتَمَ وأجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ داخلٍ) فَرَمَى بِهِ
ثُمَّ قَالَ: (وَالله لَا ألْبَسُهُ أبَداً) فَنَبَذَ
النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ.
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حلف لَا يلبس خَاتم الذَّهَب، وَالْحَال
أنّ أحدا مَا حلفه على ذَلِك. وَفِيه أَنه: لَا بَأْس
بِالْحلف على مَا يجب الْمَرْء تَركه أَو على مَا يحب فعله
من سَائِر الْأَفْعَال، وَأما وَجه حلفه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَهُوَ فِي ذَلِك مَا قَالَه الْمُهلب: إِنَّمَا
كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحلف فِي تضاعيف كَلَامه
وَكثير من فتواه تَبَرعا ذَلِك لنسخ مَا كَانَت
الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِ من الْحلف بآبائهم وآلهتهم وأصنام
وَغَيرهَا ليعرفهم أَن لَا محلوف بِهِ سوى الله، عز وَجل،
وليتدربوا على ذَلِك حَتَّى ينسوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ من
الْحلف بغبر الله تَعَالَى.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب اللبَاس فِي: بَاب خَوَاتِيم
الذَّهَب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد وَعَن يحيى
عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَأخرجه أَيْضا
فِي: بَاب خَاتم الْفضة عَن يُوسُف بن مُوسَى عَن أبي
سَلمَة عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر.
قَوْله: (فَيجْعَل فصه) بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا قَالَه
الْكرْمَانِي، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْعَامَّة تَقول
بِالْكَسْرِ. قَوْله: (فِي بَاطِن كَفه) إِنَّمَا لبسه
كَذَلِك لبَيَان أَنه لم يكن للزِّينَة بل للختم ومصالح
أُخْرَى. قَوْله: (فَرمى بِهِ) أَي: لم يَسْتَعْمِلهُ
وَلَيْسَ أَنه أتْلفه لنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
إِضَاعَة المَال. قَوْله: (وَالله لَا ألبسهُ أبدا)
أَرَادَ بذلك تَأْكِيد الْكَرَاهَة فِي نفوس النَّاس
بِيَمِينِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن كَرَاهَته لِمَعْنى،
فَإِذا أَزَال ذَلِك الْمَعْنى لم يكن بلبسه بَأْس، وأكد
بِالْحلف أَن لَا يلْبسهُ على جَمِيع وجوهه. قَوْله: (فنبذ
النَّاس) أَي: طرح النَّاس خواتيمهم.
7 - (بابُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةٍ الإسْلاَم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من حلف بِملَّة سوى مِلَّة
الْإِسْلَام، وَلم يذكر مَا يَتَرَتَّب على الْحَالِف
اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب، وَفِي بعض النّسخ: بَاب
من حلف بِملَّة غير الْإِسْلَام، وَالْملَّة بِكَسْر
الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
الْملَّة الدّين كملة الْإِسْلَام واليهودية والنصرانية،
وَقيل: هِيَ مُعظم الدّين وَجُمْلَة مَا يَجِيء بِهِ
الرُّسُل.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ
بالّلاتِ والعُزَّي فَلْيَقلْ: لَا إلاهَ إلاّ الله) ولَمْ
يَنْسُبْه إِلَى الكفُفرِ
هَذَا تَعْلِيق ذكره مَوْصُولا عَن قريب فِي: بَاب لَا
يحلف بِاللات والعزى عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَرَادَ بِهِ
أَن الْحَالِف بِاللات والعزى يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا
الله وَيكفر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن
يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، لم ينْسبهُ إِلَى الْكفْر،
وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا عبيد الله
حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي معصب عَن مُصعب بن سعد عَن
أَبِيه قَالَ: حَلَفت بِاللات والعزى فَأتيت النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: إِنِّي حَلَفت بِاللات والعزى،
فَقَالَ: قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، ثَلَاثًا، وأنفث عَن
شمالك ثَلَاثًا، وتعوذ بِاللَّه من
(23/179)
الشَّيْطَان الرَّجِيم وَلَا تعد.
2566 - حدّثنا مُعَلّى بنُ أسَدٍ حدّثنا وُهَيْبٌ عنْ
أيُّوبَ عَن أبي ثِلاَبَةَ عنْ ثابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ
قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ
حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإسْلاَم فَهْوَ كَمَا قَالَ،
ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نارِ
جَهَنَّمَ، ولعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَنْ رَمَى
مُؤْمِناً بِكُفْرِ فَهْوَ كَقَتْلِهِ) .
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد
الْبَصْرِيّ، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة
بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام عبد الله بن زيد،
ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ
كَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن مُسَدّد فِي: بَاب مَا
جَاءَ فِي قَاتل النَّفس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَمضى
فِي الْأَدَب أَيْضا.
قَوْله: (فَهُوَ كَمَا قَالَ) ، قَالَ الْمُهلب: يَعْنِي
هُوَ كَاذِب فِي يَمِينه لَا كَافِر لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو
أَن يعْتَقد الْملَّة الَّتِي حلف بهَا فَلَا كَفَّارَة
عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْإِسْلَام، أَو يكون
مُعْتَقدًا الْإِسْلَام بعدالحنث فَهُوَ كَاذِب فِيمَا
قَالَه. لِأَن فِي الحَدِيث الْمَاضِي لم ينْسبهُ إِلَى
الْكفْر، وَقيل: يُرَاد بِهِ التهديد والوعيد. وَقَالَ
ابْن الْقصار: مَعْنَاهُ النَّهْي عَن مُوَافقَة ذَلِك
اللَّفْظ والتحذير مِنْهُ لَا أَنه يكون كَافِرًا
بِاللَّه. قَوْله: (عذب بِهِ) أَي: بالشَّيْء الَّذِي قتل
نَفسه بِهِ، لِأَن جزاءه من جنس عمله. قَوْله: (وَلعن
الْمُؤمن كقتله) يَعْنِي: فِي التَّحْرِيم أَو فِي الإبعاد
فَإِن اللَّعْن تبعيد من رَحْمَة الله، وَقيل: المُرَاد
الْمُبَالغَة فِي الْإِثْم. قَوْله: (وَمن رمى مُؤمنا
بِكفْر فَهُوَ كقتله) يَعْنِي: فِي الْحُرْمَة، وَقيل:
لِأَن نسبته إِلَى الْكفْر الْمُوجب لقَتله كالتقل لِأَن
المتسبب للشَّيْء كفاعله.
8 - (بابٌ لَا يَقُولُ: مَا شاءَ الله وشِئْتَ، وهَلْ
يَقُولُ: أَنا بِاللَّه ثُمَّ بِكَ؟)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بِلَفْظ: لَا يَقُول الشَّخْص فِي
كَلَامه: مَا شَاءَ الله وشئت، على صِيغَة الْمُتَكَلّم من
الْمَاضِي، قَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي لَا يجمع
بَينهمَا، يَعْنِي بَين قَوْله: مَا شَاءَ الله، وَقَوله:
وشئت لجَوَاز كل وَاحِد مِنْهُمَا مُفردا. وَقَالَ غَيره:
لِأَن الْوَاو يُشْرك بَين الْمَعْنيين وَلَيْسَ هَذَا من
الْأَدَب، وَقد روى فِي ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَقُولَن أحدكُم: مَا شَاءَ
الله وَشاء فلَان، وَلَكِن ليل: مَا شَاءَ الله، ثمَّ مَا
شَاءَ فلَان. وَإِنَّمَا جَازَ دُخُول: ثمَّ، مَكَان:
الْوَاو، لِأَن مَشِيئَة الله مُقَدّمَة على مَشِيئَة
خلقه، قَالَ عز وَجل: { (76) وَمَا تشاؤن إِلَّا أَن
يَشَاء الله} (الْإِنْسَان: 04 والتكوير: 92) فَهَذَا من
الْأَدَب، وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَقُول: مَا
شَاءَ الله ثمَّ شِئْت. قَوْله: وَهل يَقُول: أَنا
بِاللَّه رَبك؟ ذكره بالاستفهام لعدم ثُبُوت أحد
الْأَمريْنِ عِنْده، وهما جَوَاز القَوْل بذلك وَعَدَمه،
وَلَكِن روى عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه كَانَ يكره أَن يَقُول: أعوذ بِاللَّه وَبِك، حَتَّى
يَقُول: ثمَّ بك، وَالْعلَّة فِي ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ
وَهُوَ أَن بِالْوَاو يلْزم الِاشْتِرَاك، وبكلمة: ثمَّ،
لَا يلْزم لِأَن مَشِيئَة الله مُتَقَدّمَة.
3566 - وَقَالَ عَمْرُو بنُ عاصِمٍ: حدّثنا هَمَّامٌ
حدّثنا إسْحقاُ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا عَبْدُ
الرَّحْمانِ بنُ أبي عَمْرَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
حدَّثَهُ أنّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ: (إِن ثَلاَثَةً فِي بَنِي إسْرَائِيلَ أرَادَ
الله أنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ مَلَكاً فأتَى
الأبْرَصَ، فَقَالَ: تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبالُ فَلاَ
بَلاَغَ لي إلاّ بِاللَّه ثُمَّ بِكَ. .) فَذَكَرَ
الحَدِيثَ.
(انْظُر الحَدِيث 4643) .
قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِي الْبَاب مَا يدل عَلَيْهِ.
يَعْنِي: لَيْسَ فِي الْبَاب حَدِيث يدل على مَا ترْجم،
ثمَّ تكلّف بِالْجَوَابِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ طائل،
فَقَالَ: يرْوى عَن أبي إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي أَنه
قَالَ: انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ
عِنْد الْفربرِي فرأيته لم يتم بعد، وَقد بقيت عَلَيْهِ
مَوَاضِع مبيضة كَثِيرَة فِيهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا
شَيْئا، وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم عَلَيْهَا، فاضفنا
بعض ذَلِك إِلَى بعض. قَالُوا: وَقد وَقع فِي النّسخ كثير
من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان
لِأَن أَبَا الْهَيْثَم والحموي نسخا مِنْهُ أَيْضا، فبحسب
مَا قدر كل وحد مِنْهُم مَا كَانَ فِي رقْعَة أَو فِي
حَاشِيَة أَو مُضَافَة أَنه من الْموضع الْفُلَانِيّ
أَضَافَهُ إِلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ صَاحب
(23/180)
(التَّوْضِيح) : والْحَدِيث فِي ذَلِك أَي
فِي عدم جوازان يُقَال مَا شَاءَ الله وشئت، مَا رَوَاهُ
مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا
مسعر عَن معبد بن خَالِد عَن عبد الله بن بشار عَن قتيلة،
امْرَأَة من جُهَيْنَة، قَالَت: جَاءَ يَهُودِيّ إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّكُم
تشركون وَإِنَّكُمْ تَقولُونَ: والكعبة، وتقولون: مَا
شَاءَ الله وشئت. فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، إِذا أَرَادوا أَن يحلفوا أَن يَقُولُوا: وَرب
الْكَعْبَة، وَأمرهمْ أَن يَقُولُوا: مَا شء الله ثمَّ
شِئْت.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلم يكن من شَرطه
فترجم بِهِ واستنبط مَعْنَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
انْتهى.
قلت: هَذَا لَا بَأْس بِهِ للقرب من التَّرْجَمَة مَا
شَاءَ الله وشئت، لِأَن فِيهِ هَذَا، وَقَوله: مَا شَاءَ
الله ثمَّ شِئْت.
قَوْله: (مُحَمَّد بن بشار) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة الَّذِي يُقَال لَهُ
بنْدَار، أَي: الْحَافِظ، روى عَن الْجَمَاعَة، وَأَبُو
أَحْمد الزبيرِي اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير
الْكُوفِي روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم
ابْن كدام روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومعبد بن خَالِد الجدلي
التَّابِعِيّ روى لَهُ الْأَرْبَعَة، وَعبد الله بن يسَار
الْجُهَنِيّ روى لَهُ أَبُو دَاوُد، وَقتيلَة بِضَم
الْقَاف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام، وَقَالَ أَبُو عمر:
قتيلة بنت صَيْفِي الجهنية، وَيُقَال: الْأَنْصَارِيَّة،
كَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول روى عَنْهَا عبد الله بن
يسَار.
قَوْله: (وَقَالَ عمر بن عَاصِم) هُوَ من شُيُوخ
البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الصَّلَاة وَغير مَوضِع وَهن
علق عَنهُ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن يحيى العوذي
الْبَصْرِيّ يروي عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة
واسْمه زيد الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك، وَعبد
الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة واسْمه عَمْرو الْأنْصَارِيّ
قَاضِي أهل الْمَدِينَة، وَوصل البُخَارِيّ هَذَا
الْمُعَلق فِي بَدْء الدُّنْيَا فِي: بَاب مَا ذكر عَن بني
إِسْرَائِيل، وَقَالَ: حَدثنِي أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا
عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا همام حَدثنَا إِسْحَاق بن عبد
الله حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة: أَن أَبَا
هُرَيْرَة سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول:
إِن ثَلَاثَة من بني إِسْرَائِيل ... الحَدِيث بِطُولِهِ،
وَالثَّلَاثَة هم: أبرص وأقرع وأعمى.
قَوْله: (الحبال) بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع حَبل، ويروى
بِالْجِيم. قَوْله: (فَلَا بَلَاغ لي) قَالَ الْكرْمَانِي:
الْبَلَاغ الْكِفَايَة، وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا
أَرَادَ البُخَارِيّ أَن يحيز مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت
اسْتِدْلَالا من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
حَدِيث أبي هُرَيْرَة: وَلَا بَلَاغ لي إلاَّ بِاللَّه
ثمَّ بك، وَلم يجز أَن يَقُول: مَا شَاءَ الله وشئت، وَقد
ذكرنَا وَجهه عَن قريب.
9 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (6) وأقسموا بِاللَّه
جهد أَيْمَانهم} (الْأَنْعَام: 901 غَيرهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {وأقسموا} هَذِه
الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الْأَنْعَام، وَبعدهَا: {لَئِن
جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا} (الْأَنْعَام: 901)
الْآيَة وَفِي سُورَة النُّور { (24) وأقسموا بِاللَّه
جهد. . أَمرتهم ليخرجن} (النُّور: 35) الْآيَة.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: الْآيَة الأولى نزلت فِي قُرَيْش
قَالُوا: يَا مُحَمَّد! تخبرنا عَن مُوسَى كَانَ مَعَه
الْعَصَا يضْرب بهَا الْحجر فينفجر مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة
عينا، وتخبرنا عَن عِيسَى أَنه كَانَ يحيى الْمَوْتَى،
وتخبرنا أَن ثَمُود كَانَت لَهُم نَاقَة، فاتنا بِشَيْء من
الْآيَات حَتَّى نصدقك؟ الحَدِيث بِطُولِهِ فَأنْزل الله
تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه} أَي: حلفوا بِاللَّه {جهد
أَيْمَانهم} أَي: يجْهد أَيْمَانهم يَعْنِي بِكُل مَا
قدرُوا عَلَيْهِ من الْأَيْمَان، وأشدها {لَئِن جَاءَتْهُم
آيَة} كَمَا جَاءَ من قبله من الْأُمَم {ليُؤْمِنن بهَا}
الْآيَة وَالْآيَة الثَّانِيَة: نزلت فِي الْمُنَافِقين
كَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَيْنَمَا كنت نَكُنْ مَعَك، إِن أَقمت أَقَمْنَا، وَإِن
خرجت خرجنَا، وَإِن جاهدت جاهدنا مَعَك، فَقَالَ الله
تَعَالَى: { (24) قل لَهُم لَا تقسموا طَاعَة مَعْرُوفَة}
(النُّور: 35) بالْقَوْل وَاللِّسَان دون الِاعْتِقَاد
فَهِيَ مَعْرُوفَة مِنْكُم بِالْكَذِبِ أَنكُمْ تكذبون
فِيهَا، قَالَه مُجَاهِد. وَقَالَ الْمُهلب: قَوْله
تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} دَلِيل على
أَن الْحلف بِاللَّه أكبر الْأَيْمَان كلهَا لِأَن الْجهد
شدَّة الْمَشَقَّة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أبُو بَكْر: فَوالله يَا
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَتحَدِّثَنِّي
بالّذِي أخْطأتُ فِي الرُّؤْيا، قَالَ: لَا تُقْسِمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا إِنْكَار قسم
الْمُنَافِقين لكذبهم فِي أَيْمَانهم، وَفِي حَدِيث ابْن
عَبَّاس إِنْكَار الْقسم الَّذِي أقسم بِهِ أَبُو بكر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَكِن الْفرق ظَاهر بَين
الْقسمَيْنِ. وَهُوَ من حَدِيث مطول ذكره البُخَارِيّ
مُسْندًا
(23/181)
فِي كتاب التَّعْبِير فِي: بَاب من لم ير
الرُّؤْيَا الأول عَابِر. قَوْله: (فِي الرُّؤْيَا) أَي:
فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا. قَوْله: (لَا تقسم) نهي عَن
الْقسم. فَإِن قلت: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بإبرار الْمقسم، كَمَا يَجِيء الْآن، فَلم مَا أبره؟ .
قلت: ذَلِك مَنْدُوب عِنْد عدم الْمَانِع، فَكَانَ لَهُ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَانع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: أَمر الشَّارِع بإبرار الْمقسم أَمر دنب لَا
وجوب لِأَن الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أقسم على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يبر قسمه وَلَو
كَانَ وَاجِبا لَأَبَره. وَقَالَ الْمُهلب: إبرار الْمقسم
إِنَّمَا يسْتَحبّ إِذا لم يكن فِي ذَلِك ضَرَر على
الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، أَو على جمَاعَة أهل الدّين، لِأَن
الَّذِي سكت عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
بَيَان مَوضِع الْخَطَأ فِي تَعْبِير الصّديق هُوَ عَائِد
على الْمُسلمين، وَسَيَجِيءُ إِيضَاح ذَلِك فِي
التَّعْبِير فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
4566 - حدّثنا قَبيصَةُ حدّثنا سُفْيانُ عنْ أشْعَثَ عنْ
مُعاوَيَةَ بنِ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عنِ البَرَاءِ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(ح) وحدّثني مُحَمَّد بنُ بَشَّار حدّثنا غُنْدَرٌ حدّثنا
شُعْبَةُ عنْ أشْعَثَ عنْ مُعاوِيَةَ بنِ سُوَيْدِ بنِ
مقَرَنٍ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أمَرَنا
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبْرَارِ المقْسِمِ.
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ وجود الْمقسم فِيهَا. وَأما
التَّعَارُض الظَّاهِر الَّذِي بَين حَدِيث ابْن عَبَّاس
وَحَدِيث الْبَراء هَذَا فَجَوَابه يفهم مَا ذَكرْنَاهُ
الْآن عَن ابْن الْمُنْذر والمهلب.
وَأخرج حَدِيث الْبَراء من طَرِيقين: الأول: عَن قبيصَة بن
عقبَة العامري الْكُوفِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن
أَشْعَث بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة
وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن أَب
الشعْثَاء سليم بن الْأسود الْكُوفِي عَن مُعَاوِيَة بن
سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الوو ابْن مقرن
بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء
الْمَكْسُورَة وبالنون الْكُوفِي عَن الْبَراء بن عَازِب
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر
بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَهُوَ لقب
مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث. . إِلَى
آخِره.
والْحَدِيث الَّذِي فِيهِ إبرار الْمقسم مطولا ومختصراً قد
مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة: فِي الْجَنَائِز ولمظلم
واللباس والطب وَالنُّذُور وَالْأَدب وَالنِّكَاح
والاستئذان والأشربة.
قَوْله: (الْمقسم) رُوِيَ بِفَتْح السِّين، فوجهه أَن يكون
مصدرا بِمَعْنى الإقسام، وَقد يَجِيء الْمصدر على لفظ
الْمَفْعُول كَمَا فِي قَوْله: أدخلته مدخلًا. بِمَعْنى
الإدخال، وأخرجته مخرجا بِمَعْنى إخراجاً.
5566 - حدّثنا حفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ أخبرنَا
عاصِمٌ الأحْوَلُ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ يُحَدِّثُ عنْ
أُسامَةَ أنَّ ابْنَةً لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أرْسَلَتْ إلَيْهِ، ومَع رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أُسامَة بنُ زَيْدٍ وسَعْدٌ وأُبَيٌّ، أنَّ
ابْنِي قَدِ احْتُضِرَ فاشْهَدْنا، فأرْسَلَ يَقْرَأ
السّلامَ ويَقُولُ: (إنَّ لله مَا أخَذَ وَمَا أعْطَى
وكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ
وتَحْتَسِبْ) فأرْسَلَتْ إلَيْه تقْسِمُ عَلَيْهِ، فقامَ
وقمْنا مَعَهُ، فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إلَيْهِ فأقْعَدَهُ
فِي حَجْرِهِ ونَفْسُ الصَّبِيِّ تَقَعْقَعُ، فَفاضَتْ
عَيْنا رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
سَعْدٌ: مَا هاذَا يَا رسولَ الله؟ قَالَ: (هاذَا رَحْمَةٌ
يَضَعُها الله فِي قُلُوبِ مَنْ يشاءُ مِنْ عِباِهِ،
وإنَّما يَرْحَمَ الله مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ) .
طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تقسم عَلَيْهِ) وَهُوَ
أَيْضا يُنَاسب الحَدِيث السَّابِق من حَيْثُ إِن فِي كل
مِنْهُمَا إبرار الْمقسم. وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن
النَّهْدِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن عَبْدَانِ، وَفِي
الطِّبّ عَن حجاج، وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد عَن أبي
النُّعْمَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة الْكَلْبِيّ، وَسعد
هُوَ ابْن عبَادَة الخزرجي، وَأبي بِضَم الْهمزَة وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن كَعْب الْأنْصَارِيّ ويروى:
أَو أبي، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْبَاء بِالْإِضَافَة
إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم، يَعْنِي: مَعَه سعد وَأبي
كِلَاهُمَا أَو أَحدهمَا، شكّ الرَّاوِي فِي قَول
أُسَامَة، وَفِي أول كتاب الْقدر: أبي بن كَعْب جزما بِلَا
شكّ.
قَوْله: (قد احْتضرَ) بِالضَّمِّ
(23/182)
أَي: حَضَره الْمَوْت، قَوْله: (فَلَمَّا
قعد) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(فأقعده) . أَي: فَأقْعدَ الصَّبِي (فِي حجره) بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا. قَوْله: (وَنَفس الصَّبِي)
الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (تقَعْقع) فعل مضارع من
التقعقع وَهُوَ حِكَايَة صَوت صَدره من شدَّة النزع.
قَوْله: (مَا هَذَا؟) اسْتِفْهَام على سَبِيل الاستفسار
وَلَيْسَ بعتب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَلَعَلَّه سَمعه ينْهَى عَن الْبكاء الَّذِي فِيهِ الصياح
أَو العويل فَظن أَنه نهى عَن الْبكاء كُله. قَوْله:
(هَذَا) إِشَارَة إِلَى الْبكاء من غير صَوت.
6566 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ
شِهابٍ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَمُوتُ
لأحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ
تَمَسُّهُ النَّارُ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ) . (انْظُر
الحَدِيث 1521) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي آخر الحَدِيث.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَابْن شهَاب هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ يروي عَن سعيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب فضل من مَاتَ
لَهُ ولد فاحتسب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ عَن
سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَأخرجه فِي
الْأَدَب عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (إلاَّ تَحِلَّة الْقسم) أَي: تحليلها، وَالْمرَاد
من الْقسم مَا هُوَ مُقَدّر فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن
مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) أَي وَالله مَا
مِنْكُم إلاَّ واردها، والمستثنى مِنْهُ هُوَ قَوْله:
(تمسه النَّار) ، لِأَنَّهُ فِي حكم الْبَدَل من قَوْله:
لَا يَمُوت، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تمس النَّار من يَمُوت
لَهُ ثَلَاثَة إلاَّ بِقدر الْوُرُود.
7566 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثني غنْدَرٌ
حدّثنا شُعْبَةُ عنْ مَعْبَدِ بنِ خالِدٍ سَمِعْتُ
حارِثَةَ بنَ وهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (ألاَ أدُلُّكُمْ عَلى أهْلِ
الجَنةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَصَعِّفٍ لوْ أقْسَمَ على الله
لأبَرَّهُ، وأهْلِ النّارِ كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ
مُسْتَكْبِرٍ) . (انْظُر الحَدِيث 8194 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (لَو أقسم على
الله) .
وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، ومعبد بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال
الْمُهْملَة ابْن خَالِد، وحارثة بن وهب الْخُزَاعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة نون والقلم، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن معبد بن
خَالِد ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (متضعف) بتَشْديد الْعين الْمَفْتُوحَة أَي:
الَّذِي يستضعفه النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ لضعف حَاله فِي
الدُّنْيَا، وبكسر الْعين أَيْضا المتواضع الخامل المتذلل.
قَوْله: (لَو أقسم) أَي: لَو حلف يَمِينا طَمَعا فِي كرم
الله بإبراره. (لَأَبَره) وَقيل: مَعْنَاهُ لَو دَعَاهُ
لأجابه. قَوْله: (جواظ) بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو
بالضاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الجموع الْمَمْنُوع وَقيل
الْكثير اللَّحْم المختال فِي الْمَشْي بقال جاظ يجوظ جوضا
وَفِي (الْعين) : الجواظ الأكول. وَيُقَال: الْفَاجِر،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: الْكثير اللَّحْم الغليظ الرَّقَبَة،
وَقيل: الْقصير البطين. قَوْله: (مستكبر) أَي: عَن الْحق
وَالْمرَاد أَن أغلب أهل الْجنَّة هَؤُلَاءِ كَمَا أَن أهل
النَّار هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ المُرَاد الِاسْتِيعَاب فِي
الطَّرفَيْنِ، وَحَاصِله أَن كل ضَعِيف من أهل الْجنَّة،
وَلَا يلْزم الْعَكْس وَكَذَلِكَ أهل النَّار.
(بَاب إِذا قَالَ أشهد بِاللَّه أَو شهِدت بِاللَّه)
أَي هَذَا بَاب مترجم بقول الشَّخْص أشهد بِاللَّه
لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَو لَا أفعلن كَذَا أَو قَالَ شهِدت
بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَلم يبين جَوَاب هَذَا
وَلَا فِي حَدِيث الْبَاب صرح بذلك فَكَأَنَّهُ اعْتمد على
من يفحص عَن ذَلِك من مَوْضِعه وللعلماء فِي هَذَا الْبَاب
أَقْوَال (أَحدهَا) أَن أشهد وأحلف وأعزم كلهَا أَيْمَان
تجب فِيهَا الْكَفَّارَة وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ وَأبي حنيفَة وَالثَّوْري وَقَالَ ربيعَة
وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ أشهد أَن لَا أفعل كَذَا ثمَّ
حنث فَهُوَ يَمِين الثَّانِي أَن أشهد لَا يكون يَمِينا
حَتَّى يَقُول أشهد بِاللَّه وَإِن لم يردد ذَلِك فَلَيْسَ
بِيَمِين وَالثَّالِث إِذا قَالَ أشهد أَو أعزم وَلم يقل
بِاللَّه فَهُوَ كَقَوْلِه وَالله حَكَاهُ الرّبيع عَن
الشَّافِعِي الرَّابِع أَن أَبَا عبيد أنكر أَن يكون أشهد
يَمِينا وَقَالَ الْحَالِف غير الشَّاهِد الْخَامِس إِذا
قَالَ أشهد بِالْكَعْبَةِ أَو
(23/183)
بِالنَّبِيِّ لَا يكون يَمِينا -
8566 - حدّثنا سَعْدُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا شَيْبانُ عنْ
مَنْصُورٍ عنْ إبِرَاهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله
قَالَ: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيُّ
النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (قَرْنِي ثُمَّ الذِينَ
يَلونَهُمْ، ثمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ
قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ، ويَمِينُهُ
شَهادَتَهُ) قَالَ إبْرَاهِيمُ: وكانَ أصْحابُنا
يَنْهَوْنا، ونَحْنُ غِلْمانٌ: أنْ نَحْلِفَ بالشَّهَادَةِ
والعَهْدِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تتأتى إلاَّ من قَول
إِبْرَاهِيم: (وَكَانَ أَصْحَابنَا)
إِلَى آخِره لِأَن معنى قَوْله: أَن تحلف بِالشَّهَادَةِ:
أشهد بِاللَّه، وَمعنى قَوْله: والعهد، على عهد الله.
وَسعد بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي، يُقَال
لَهُ: الضخم، وشيبان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد
الرَّحْمَن النَّحْوِيّ أَبُو مُعَاوِيَة، وَمَنْصُور هُوَ
ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ،
وَعبيدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة السَّلمَانِي، وَعبد
الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات وَفِي الْفَضَائِل وَفِي
الرقَاق عَن عَبْدَانِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (قَرْني) أَي: أهل قَرْني الَّذين أَنا فيهم.
قَوْله: (تسبق) قيل: هَذَا دور، وَأجِيب بِأَن المُرَاد
بَيَان حرصهم على الشَّهَادَة يحلفُونَ على مَا يشْهدُونَ
بِهِ، فَتَارَة يحلفُونَ قبل أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ،
وَتارَة يعكسون، أَو مثل فِي سرعَة الشَّهَادَة
وَالْيَمِين وحرص الرجل عَلَيْهَا حَتَّى لَا يدْرِي
بِأَيِّهِمَا يبتديء، فكأنهما يتسابقان لقلَّة مبالاته.
11 - (بابُ عَهْدِ الله عَزَّ وجَلَّ)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقول الشَّخْص، عهد الله
لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَو لَا أفعلن كَذَا. وَلم يبين
فِيهِ مَا حكمه، وَلَا فِي حَدِيث الْبَاب هَذِه
اللَّفْظَة، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْآيَة الْمَذْكُور
فِيهِ فَكَأَنَّهُ تَركه اعْتِمَادًا على الطَّالِب.
9566 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشّارٍ حدّثنا ابنُ أبي
عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمانَ ومَنْصُورٍ عنْ أبي
وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ
كاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِها مالَ رجُلٍ مُسْلِمٍ أوْ
قَالَ: أخِيهِ لَقِيَ الله وهْوَ عليْه غَضْبانُ، فأنْزَلَ
الله تَصْدِيقَهُ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله}
(آل عمرَان: 77)) . قَالَ سُليْمانُ فِي حَدِيثِهِ:
فَمَرَّ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ
عبْدُ الله؟ قالُوا لهُ، فَقَالَ الأشْعَثُ: نَزَلَتْ
فِيَّ. وَفِي صاحِبٍ لِي فِي بِئْرٍ كانَتْ بَيْننا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بِعَهْد الله) وَابْن
أبي عدي مُحَمَّد بن أبي عدي، واسْمه إِبْرَاهِيم
الْبَصْرِيّ، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَمَنْصُور هُوَ
ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة،
وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة
فِي الْبِئْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن
أبي حَمْزَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن عبد
الله ... الخ.
قَوْله: (وَمَنْصُور) بِالْجَرِّ عطف على سُلَيْمَان.
قَوْله: (قَالَ سُلَيْمَان) هُوَ الْمَذْكُور وَهُوَ
الْأَعْمَش. قَوْله: (فَمر الْأَشْعَث) بالثاء
الْمُثَلَّثَة فِي آخِره هُوَ ابْن قيس الْكِنْدِيّ
قَوْله: (نزلت فِي) بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: (وَفِي صَاحب لي) وَفِي رِوَايَة الشّرْب: كَانَت
لي بِئْر فِي أَرض ابْن عَم لي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
والعهد على خَمْسَة أوجه تلْزم الْكَفَّارَة فِي وَجْهَيْن
وَتسقط فِي اثْنَيْنِ وَاخْتلف فِي الْخَامِس، فَإِن
قَالَ: عَليّ عهد الله، كفر إِن حنث، وَإِن قَالَ: وعد
الله كفر عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة، وَقَالَ الشَّافِعِي:
إِن أَرَادَ بِهِ يَمِينا كفر، وإلاَّ فَلَا، وَقَالَ
الدمياطي: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ إِذا قَالَ: وعد الله،
حَتَّى يَقُول: عَليّ عهد الله، أَو: أَعطيتك عهد الله،
وَإِن قَالَ: أعَاهد الله فَقَالَ ابْن أبي حبيب: عَلَيْهِ
كَفَّارَة يَمِين، وَقَالَ ابْن شعْبَان: لَا كَفَّارَة
عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالك: إِذا قَالَ على عهد الله وميثاقه
فَعَلَيهِ كفارتان إلاَّ أَن يَنْوِي التَّأْكِيد
(23/184)
فَيكون يَمِينا وَاحِدَة. وَقَالَ
الشَّافِعِي: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة، وَبِه قَالَ
مطرف وَابْن الْمَاجشون وَعِيسَى بن دِينَار، وَرُوِيَ عَن
ابْن عَبَّاس إِذا قَالَ: عَليّ عهد الله، فَحنث يعْتق
رَقَبَة.
21 - (بابُ الحَلِفِ بِعِزَّةِ الله وصِفاتِهِ
وكَلِماتِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحلف بعزة الله نَحْو أَن
يَقُول: وَعزة الله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَو لَا أفعلن
كَذَا، وهذايمين فِيهِ الْكَفَّارَة. قَوْله: (وَصِفَاته)
قَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي الْيَمين بِصِفَات
الله تَعَالَى، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) :
الْحلف بِجَمِيعِ صِفَات الله وأسمائه لَازم كَقَوْلِه:
والسميع والبصير والعليم والخبير واللطيف، أَو قَالَ:
وَعزة الله وكبريائه وَقدرته وأمانته، وَحقه فَهِيَ
أَيْمَان كلهَا تكفر، وَذكر ابْن الْمُنْذر مثله عَن
الْكُوفِيّين إِذا قَالَ: وعظمة الله وكبريائه وجلال الله
وَأَمَانَة الله، وَحنث عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، وَكَذَلِكَ
فِي كل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى. وَقَالَ
الشَّافِعِي: فِي جلال الله وعظمة الله وقدرة الله وَحقّ
الله وَأَمَانَة الله إِن نوى بهَا الْيَمين فَذَاك وإلاَّ
فَلَا، وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن أبي حنيفَة:
وَإِن قَول الرجل: وَحقّ الله وَأَمَانَة الله لَيست
بِيَمِين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من
كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه. قَوْله: (وكلماته) أَي:
الْحلف بِكَلِمَات الله نَحْو الْحلف بِالْقُرْآنِ أَو
بِمَا أنزل الله، وَاخْتلفُوا فِيمَن حلف بِالْقُرْآنِ أَو
الْمُصحف أَو بِمَا أنزل الله، فَروِيَ عَن ابْن مَسْعُود
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن عَلَيْهِ لكل آيَة
كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد
بن حَنْبَل، وَقيل: كَلَام ابْن مَسْعُود مَحْمُول عل
التَّغْلِيظ، وَلَا دَلِيل على صِحَّته. وَقَالَ ابْن
الْقَاسِم: إِذا حلف بالمصحف عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَن حلف بِالْقُرْآنِ وَبِه
قَالَ أَبُو عبيد، وَقَالَ عَطاء: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقولُ: أعُوذُ بِعِزَّتِكَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد من
طَرِيق يحيى بن معمر عَن ابْن عَبَّاس، فراجع إِلَيْهِ.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم (يَبْقَى رجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عنِ النَّارِ، لَا
وَعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَها، وَقَالَ أبُو سَعِيدٍ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله) لَكَ
ذَلِكَ وعَشَرَةُ أمْثْالِهِ)) .
مطابقه للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك لَا أَسأَلك
غَيرهَا) ، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى مطولا عَن قريب فِي:
بَاب الصِّرَاط جسر جَهَنَّم، وَأَبُو سعيد هُوَ
الْخُدْرِيّ.
وَقَالَ أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامِ: وعزَّتِكَ لَا غِنَى
لِي عنْ بَرَكَتِكَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك) ، وَهَذَا
التَّعْلِيق مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب من اغْتسل
عُريَانا وَحده عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا
فَخر عَلَيْهِ جَراد من ذهب، فَجعل أَيُّوب يحشي فِي
ثَوْبه، فناداه ربه، يَا أَيُّوب {ألم أكن أغنيتك عَمَّا
ترى؟ قَالَ: بلَى وَعزَّتك، وَلَكِن لَا غنى لي عَن بركتك،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (لَا غنى لي) أَي:
لَا اسْتغْنَاء أَو لَا بُد.
1666 - حدّثنا آدَمُ حدَّثنا شَيْبانُ حدّثنا قَتادَةُ عنْ
أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} حتَّى
يَضَعَ ربُّ العِزَّةِ فِيها قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطِ
قَطِ وعِزَّتِكَ، ويُزوَى بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ) . رواهُ
شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ. (انْظُر الحَدِيث 8484 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك) . وآدَم هُوَ
ابْن أبي إِيَاس، واسْمه عبد الرَّحْمَن، وَأَصله من
خُرَاسَان سكن عسقلان، وشيبان مر عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن عبد بن حميد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد
أَيْضا.
(23/185)
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن
الرّبيع بن مُحَمَّد عَن آدم بِهِ.
قَوْله: (وَتقول جَهَنَّم هَل من مزِيد) قَالَ
الثَّعْلَبِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا مجَازًا مجازه: هَل
من مزِيد، وَيحْتَمل أَن يكون استفهاماً بِمَعْنى
الاستزادة، وَإِنَّمَا صلح للوجهين لِأَن فِي
الِاسْتِفْهَام ضربا من الْجحْد وطرفاً من النَّفْي.
قَوْله: (مزِيد) اسْم بِمَعْنى الزِّيَادَة. قَوْله:
(قدمه) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من المتشابهات، وَقَالَ
الْمُهلب: أَي مَا قدم لَهَا من خلقه وَسبق لَهَا بمشيئته
ووعده مِمَّن يدخلهَا. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل، معنى
الْقدَم هُنَا الْكفَّار الَّذين سبق فِي علم الله
تَعَالَى أَنهم من أهل النَّار، وَحمل الْقدَم على
الْمُتَقَدّم لِأَن الْعَرَب تَقول للشَّيْء الْمُتَقَدّم:
قدم، وَقيل: الْقدَم خلق يخلقه الله يَوْم الْقِيَامَة
فيسميه قدماً ويضيفه إِلَيْهِ من طَرِيق الْفِعْل وَالْملك
يَضَعهُ فِي النَّار فتمتلىء النَّار مِنْهُ، وَقيل:
المُرَاد بِهِ قدم بعض خلقه فأضيف إِلَيْهِ كَمَا يَقُول:
ضرب الْأَمِير اللص، على معنى أَنه عَن أمره، وَسُئِلَ
الْخَلِيل عَن معنى هَذَا الْخَبَر فَقَالَ: هم قوم قدمهم
الله تَعَالَى إِلَى النَّار. وَعَن عبد الله بن
الْمُبَارك: من قد سبق فِي علمه أَنهم من أهل النَّار، وكل
مَا تقدم فَهُوَ قدم، قَالَ الله تَعَالَى: {إِن لَهُم قدم
صدق عِنْد رَبهم} (يُونُس: 2) يَعْنِي: أعمالاً صَالِحَة
قدموها، وَرُوِيَ عَن حسان بن عَطِيَّة: حَتَّى يضع
الْجَبَّار قدمه، بِكَسْر الْقَاف، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن
وهب بن مُنَبّه، وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى قد كَانَ خلق
قوما قبل آدم عَلَيْهِ السَّلَام، يُقَال لَهُم: الْقدَم،
رؤوسهم كرؤوس الْكلاب وَالدَّوَاب وَسَائِر أعضائهم كأعضاء
بني آدم، فعصوا رَبهم فأهلكهم الله تَعَالَى يمْلَأ الله
جَهَنَّم مِنْهُم حِين تستزيد فَإِن قلت: جَاءَ فِي مُسلم:
حَتَّى يضع تبَارك وَتَعَالَى فِيهَا رجله، فَتَقول: قطّ
قطّ. فهنالك تمتلىء.
قلت: الرجل الْعدَد الْكثير من النَّاس وَغَيرهم،
وَالْإِضَافَة من طَرِيق الْملك. قَوْله: (قطّ قطّ) ، مر
الْكَلَام فِيهِ فِي سُورَة {ق} وَمَعْنَاهُ: حسبي حسبي
اكتفيت وامتلئت، وَقيل: إِن ذَلِك حِكَايَة صَوت جَهَنَّم.
قَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا كَانَ بِمَعْنى حسبي وَهُوَ
الِاكْتِفَاء فَهُوَ مَفْتُوح الْقَاف سَاكن الطَّاء،
وَقَالَ ابْن التِّين: ورويناه بِكَسْرِهَا، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر بِكَسْر الْقَاف. قَوْله: (ويزوي) بِضَم
الْيَاء وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْوَاو يَعْنِي: يجمع
وَيقبض. قَوْله: (رَوَاهُ شُعْبَة) أَي: روى الحَدِيث
الْمَذْكُور شُعْبَة عَن قَتَادَة وصل البُخَارِيّ
رِوَايَته فِي تَفْسِير سُورَة {ق} فَارْجِع إِلَيْهِ.
31 - (بابُ قَوْل الرَّجُلِ: لَعَمْرُ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الشَّخْص: لعمر الله،
وَلم يبين حكمه اعْتِمَادًا على تَخْرِيج الطَّالِب،
وَمَعْنَاهُ لحياة الله وبقاؤه، وَقَالَ الزّجاج: لعمر
الله، كَأَنَّهُ حلف بِبَقَائِهِ تَعَالَى. قَالَ
الْجَوْهَرِي: عمر الرجل بِالْكَسْرِ يعمر عمرا وعمراً على
غير قِيَاس لِأَن قِيَاس مصدره التحريك أَي: عَاشَ زَمَانا
طَويلا، وَإِن كَانَ المصدران بِمَعْنى إِلَّا أَنه
اسْتعْمل فِي الْقسم المفتوح فَإِذا أدخلت عَلَيْهِ
اللَّام رفعته بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف، أَي:
مَا أقسم بِهِ، فَإِن لم تأت بِاللَّامِ نصبته نصب
المصادر، فَقلت: عمر الله مَا فعلت كَذَا، وعمرك الله مَا
فعلت، وَمعنى: لعمر الله، وَعمر الله أَحْلف بِبَقَاء الله
ودوامه، فَإِذا قلت: عمرك الله، فكأنك قلت: لعمرك الله،
أَي: بإقرارك لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَأما حكمه فَهُوَ يَمِين
عِنْد الْكُوفِيّين وَمَالك، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ
كِنَايَة، يَعْنِي: لَا يكون يَمِينا إلاَّ بِالنِّيَّةِ،
وَبِه قَالَ إِسْحَاق، وَإِذا قَالَ: لعمري، فَقَالَ
الْحسن الْبَصْرِيّ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَة إِذا حنث
فِيهَا، وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يرَوْنَ فِيهَا
كَفَّارَة لِأَنَّهَا لَيست بِيَمِين عِنْده.
قَالَ ابنُ عَبَّاس: لَعَمُرُكَ لَعَيْشُكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن ابْن عَبَّاس فسر: لعمرك، بقرابه:
لعيشك. وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي الجوزاء
عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لعمرك} أَي: حياتك، فالحياة
والعيش وَاحِد.
2666 - حدّثنا الأُوَيْسِيُّ حدّثنا إبْراهِيمُ عنْ صالِحٍ
عنْ ابنِ شِهابٍ.
(ح) وحدّثنا حَجاجٌ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ
النُّمَيْرِيُّ حدّثنا يُونُسُ قَالَ: سَمِعْتُ
الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ
وسَعِيدَ بنَ المسَيَّبِ وعَلْقَةَ بنَ وَقَّاصٍ وعُبَيْدَ
الله بنَ عَبْدِ الله عنْ حَدِيثِ عائِشَةَ، زَوْجِ
النبيِّ
(23/186)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ
مَا قالُوا، فَبَرَأها الله، وكُلٌّ حدّثني طائِفَةً مِنَ
الحَدِيثِ وفِيهِ: فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ الله بنِ أُبَيٍّ فَقَامَ
أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بنِ عُبادَةَ:
لَعَمْرُ الله لَنَقْتُلَنَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لعمر الله لنقتلنه)
والأويسي، نِسْبَة إِلَى أويس مصغر أَوْس بِفَتْح الْهمزَة
وَسُكُون الْوَاو وبالسين الْمُهْملَة، وَأَوْس هُوَ ابْن
سعد بن أبي سرح ينْسب إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو
الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن
أَوْس شيخ البُخَارِيّ، وَهُوَ مدنِي صَدُوق، قَالَه ابْن
أبي حَاتِم، وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم
بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان يروي
عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، هَؤُلَاءِ هم
رجال الطَّرِيق الأول.
وَرِجَال الطَّرِيق الثَّانِي: حجاج على وزن فعال
بِالتَّشْدِيدِ ابْن منهال بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
النُّون الْأنمَاطِي الْبَصْرِيّ، يروي عَن عبد الله بن
عمر النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم عَن يُونُس بن
يزِيد الْأَيْلِي عَن الزُّهْرِيّ، وَقد مضى الحَدِيث
مطولا، فِي مَوَاضِع فِي قَضِيَّة الْإِفْك وَفِي
الشَّهَادَات عَن أبي الرّبيع، وَفِي الْمَغَازِي وَفِي
التَّفْسِير وَفِي الْأَيْمَان عَن عبد الْعَزِيز بن عبد
الله، وَسَيَجِيءُ أَيْضا فِي التَّوْحِيد وَفِي
الِاعْتِصَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (فاستعذر) أَي: طلب من يعذرهُ من عبد الله بن أبي
ابْن سلول أَي: من ينصفه مِنْهُ. قَوْله: (فَقَامَ أسيد بن
حضير) كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ. قَوْله: (لنقتلنه)
بِصِيغَة جمع الْمُتَكَلّم، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد،
وَكَذَلِكَ النُّون الْمُشَدّدَة.
41 - (بابٌ { (2) لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي
فِي إيمَانكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ
وَالله غَفُور حَلِيم} (الْبَقَرَة: 522)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذكُم
الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} ... الْآيَة كَذَا فِي
رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره {لَا يُؤَاخِذكُم
الله} إِلَى قَوْله: {بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} وَهَذِه
الْآيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة. وَأما الَّتِي فِي سُورَة
الْمَائِدَة فَإِنَّهُ ذكرهَا فِي أول كتاب الْأَيْمَان
وَالنُّذُور، وَقد مضى هُنَاكَ تَفْسِير اللَّغْو. قَوْله:
{بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} أَي: عزمتم وقصدتم وتعمدتم، لِأَن
كسب الْقلب الْقَصْد وَالنِّيَّة وَالله غَفُور
لِعِبَادِهِ حَلِيم عَنْهُم.
3666 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْيَاى
عنْ هِشامٍ قَالَ: أخْبَرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ} (الْبَقَرَة:
522) قَالَ: قالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا وَالله،
وبَلَى وَالله. (انْظُر الحَدِيث 3164) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويحيي هُوَ الْقطَّان،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ أَبُو عمر:
تفرد يحيى بن سعيد بِذكر السَّبَب فِي نزُول الْآيَة
الكرمية وَلم يذكرهُ أحد غَيره، قيل: صرح بَعضهم
بِرَفْعِهِ عَن عَائِشَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث
إِبْرَاهِيم الصَّائِغ عَن عَطاء عَنْهَا: أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَغْو الْيَمين هُوَ
كَلَام الرجل فِي بَيته: كلا وَالله وبلى وَالله،
وَأَشَارَ أَبُو دَاوُد إِلَى أَنه اخْتلف على عَطاء وعَلى
إِبْرَاهِيم فِي رَفعه وَوَقفه. |