عمدة القاري شرح صحيح البخاري

51 - (بابٌ إِذا حَنثَ ناسِياً فِي الأيْمانِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حنث الْحَالِف حَال كَونه نَاسِيا وَلم يبين حكمه كعادته فِي الْأَبْوَاب الْمَاضِيَة.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} (الْأَحْزَاب: 5) وَقَالَ: {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} (الْكَهْف: 37) .
ثُبُوت الْوَاو فِي {وَلَيْسَ} رِوَايَة لقوم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِدُونِ الْوَاو، أَي: لَيْسَ عَلَيْكُم إِثْم فِيمَا فعلتموه مخطئين، وَلَكِن الْإِثْم فِيمَا تعمدتموه، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا ينسبون زيد بن حَارِثَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُولُونَ: زيد بن مُحَمَّد، فنهاهم عَن ذَلِك وَأمرهمْ أَن ينسبوهم

(23/187)


لِآبَائِهِمْ الَّذين ولدوهم وَثمّ قَالَ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} (الْأَحْزَاب: 5) قبل النَّهْي، وَيُقَال: إِن هَذَا على الْعُمُوم فَيدْخل فِيهِ كل مخطىء، وغرض البُخَارِيّ هَذَا يدل عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب. قَوْله: {وَقَالَ: لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} (الْكَهْف: 37) هَذِه فِي آيَة أُخْرَى فِي سُورَة الْكَهْف يُخَاطب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بقوله: لَا تؤاخذني الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام، وَذَلِكَ بعد مَا جرى من أَمر السَّفِينَة، وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: كَانَت الأولى من أَمر مُوسَى النسْيَان، وَالثَّانيَِة الْعذر، وَلَو صَبر لقص الله علينا أَكثر مِمَّا قصّ، وَبِهَذَا اسْتدلَّ أَيْضا على أَن النَّاسِي لَا يُؤَاخذ بحنثه فِي يَمِينه. فَإِن قلت: الْخَطَأ نقيض الصَّوَاب، وَالنِّسْيَان خلاف الذّكر، وَلم يذكر فِي التَّرْجَمَة إلاَّ النسْيَان وَلَا تطابقها إلاَّ الْآيَة الثَّانِيَة، وَكَذَلِكَ لَا يُنَاسب التَّرْجَمَة من أَحَادِيث الْبَاب إلاَّ الَّذِي فِيهِ تَصْرِيح بِالنِّسْيَانِ، وَالْآيَة الأول لَا مُطَابقَة لَهَا فِي الذّكر هُنَا، أَلا يرى أَن الدِّيَة تجب فِي الْقَتْل بالْخَطَأ وَإِذا أتلف مَال الْغَيْر خطأ فَإِنَّهُ يغرم؟ .
قلت: إِنَّمَا ذكر الْآيَة الأولى وَأَحَادِيث الْبَاب على الِاخْتِلَاف ليستنبط كل أحد مِنْهَا مَا يُوَافق مذْهبه، وَلِهَذَا لم يذكر الحكم فِي التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا ذكرهَا لِأَنَّهَا أصُول الْأَحْكَام ومواد الاستنباط الَّتِي يصلح أَن يُقَاس عَلَيْهَا، وَوُجُوب الدِّيَة فِي الْخَطَأ وغرامة المَال بإتلافه خطأ من خطاب الْوَضع فتيقظ فَإِنَّهُ مَوضِع دَقِيق.

4666 - حدّثنا خلاَّدُ بنُ يَحْيَاى حدّثنا مِسْعَرٌ حدّثنا قَتادةُ حَدثنَا زُرارَةُ بنُ أوْفَى عنْ أبي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ: إنَّ الله تَجاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أوْ حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أوْ تَكَلَّمْ. (انْظُر الحَدِيث 8252 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الوسوسة من متعلقات عمل الْقلب كالنسيان.
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام السّلمِيّ بِضَم السِّين الْمُهْملَة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن كدام بِكَسْر الْكَاف، وزرارة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن أوفى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالفاء العامري قَاضِي الْبَصْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّلَاق عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْعتاق عَن مُحَمَّد بن عرْعرة، وَذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن الْفُرَات بن خَالِد أَدخل بَين زُرَارَة وَبَين أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الْإِسْنَاد رجلا من بني عَامر، وَهُوَ خطأ، فَإِن زُرَارَة من بني عَامر فَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ: عَن زُرَارَة رجل من بني عَامر، فَظَنهُ آخر وَلَيْسَ كَذَلِك.
قَوْله: (يرفعهُ) أَي: يرفع أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّمَا قَالَ: يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليَكُون أَعم من أَنه سَمعه مِنْهُ أَو من صَحَابِيّ آخر سَمعه مِنْهُ. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَلَا اخْتِصَاص لذَلِك بِهَذِهِ الصِّيغَة، بل مثله فِي قَوْله: قَالَ، وَعَن، وَإِنَّمَا يرفع الِاحْتِمَال إِذا قَالَ: سَمِعت أَو نَحوه. قُلْنَا: غَرَض هَذَا الْقَائِل تحريشه على الْكرْمَانِي وإلاَّ فَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا الْكَلَام لِأَنَّهُ مَا ادّعى الِاخْتِصَاص، وَلَا قَوْله ذَلِك يُنَافِي غَيره، يعرف بِالتَّأَمُّلِ، وَذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن وكيعاً رَوَاهُ عَن مسعر وَلم يرفعهُ، قَالَ: وَالَّذِي رَوَاهُ ثِقَة فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ. قَوْله: (تجَاوز لأمتي) وَفِي رِوَايَة هِشَام عَن قَتَادَة: عَن أمتِي، وَهُوَ أوجه. قَوْله: (أَو حدثت بِهِ) وَفِي رِوَايَة هِشَام: عَمَّا وسوست بِهِ وَمَا حدثت بِهِ، من غير تردد، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (أَنْفسهَا) بِالنّصب عِنْد الْأَكْثَرين وَعند بَعضهم بِالرَّفْع. قَوْله: (أَو تكلم) ، بِالْجَزْمِ أَرَادَ أَن الْوُجُود الذهْنِي لَا أثر لَهُ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بالوجود القولي فِي القوليات والعملي فِي العمليات، قيل: لَو أصر على الْعَزْم على الْمعْصِيَة يُعَاقب عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا، وَأجِيب بِأَن ذَلِك لَا يُسمى وَسْوَسَة وَلَا حَدِيث نفس، بل هُوَ نوع من عمل الْقلب.

5666 - حدّثنا عُثمانُ بُ الهَيْثَمِ أوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ شِهابٍ يَقُولُ: حدّثني عِيسَى بنُ طَلْحَةَ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وبن العاصِ حَدَّثَهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَما هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْر إذْ قامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: كُنْتُ أحْسِبُ يَا رسولَ الله كَذا وكَذا قَبْلَ كَذَا وكَذَا، ثُمَّ قامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! كُنْتُ أحْسِبُ كَذَا وكَذا لِهَؤلاءِ الثَّلاثِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (افْعَلْ وَلَا حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهنَّ يَوْمَئِذٍ) ، فَما سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عنْ شَيْءٍ إلاَّ قَالَ: (إفْعَلْ وَلَا حَرَجَ) .

(23/188)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن البُخَارِيّ ألحق الحسبان بِالنِّسْيَانِ لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا من عمل الْقلب.
وَعُثْمَان بن الْهَيْثَم بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن الجهم أَبُو عمر الْمُؤَذّن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (أَو مُحَمَّد عَنهُ) أَي: أَو حَدثنِي مُحَمَّد عَنهُ. أَي: عَن عُثْمَان بن الْهَيْثَم عَن ابْن جريج، وَمُحَمّد هَذَا هُوَ ابْن يحيى الذهلي، وكل وَاحِد من عُثْمَان وَمُحَمّد بن يحيى من شُيُوخ البُخَارِيّ. وَأخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن عثمن بن الْهَيْثَم بِهِ، وَقد مر نَحْو هَذَا فِي أَوَاخِر كتاب اللبَاس فِي: بَاب الذريرة، حَدثنَا عُثْمَان بن الْهَيْثَم أَو مُحَمَّد عَنهُ عَن ابْن جريج ... الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْفتيا وَهُوَ وَاقِف على ظهر الدَّابَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (كنت أَحسب كَذَا وَكَذَا قبل كَذَا وَكَذَا) ، أَي: كنت أَحسب الطّواف قبل الذّبْح أَو الذّبْح قبل الْحلق. قَوْله: (ثمَّ قَامَ آخر) أَي: رجل آخر. قَوْله: (لهَؤُلَاء الثَّلَاث) ، وَهِي: الذّبْح وَالْحلق وَالطّواف. قَوْله: (لَهُنَّ) أَي: قَالَ لأجل هَؤُلَاءِ الثَّلَاث: إفعل وَلَا حرج عَلَيْك فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.

6666 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا أبُو بَكْرٍ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ عنْ عَطاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسِ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رجُلٌ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زُرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قَالَ: (لَا حَرَجَ) قَالَ آخَرُ: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، قَالَ: (لَا حَرَجَ) قَالَ آخَرُ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قَالَ: (لَا حَرَجَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مَعَ أَنه لَيْسَ فِيهِ ذكر الْيَمين هِيَ بَيَان رفع الْقَلَم عَن النَّاسِي والمخطىء وَنَحْوهمَا، وَعدم الْجنَاح فِيهِ وَعدم الْمُؤَاخَذَة، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ أَيْضا: هَذَا الحَدِيث وَمَا بعده من الْأَحَادِيث مناسبتها بِهَذَا الْوَجْه وَفِيه تَأمل.
وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة الْقَارِي، وَعبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة أَبُو عبد الله الْأَسدي الْمَكِّيّ سكن الْكُوفَة وَسمع أنس بن مَالك، وَعَن جرير: أَتَى عَلَيْهِ نَيف وَتسْعُونَ سنة وَكَانَ يتَزَوَّج وَلَا يمْكث حَتَّى تَقول الْمَرْأَة: فارقني من كَثْرَة جمَاعه، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج مَعَ شَرحه. قَوْله: (زرت) يَعْنِي: طفت طواف الزِّيَارَة، وَهُوَ طواف الرُّكْن.

7666 - حدّثني إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ حدّثنا عُبيْدُ الله بنُ عُمَرَ عنْ سَعِيدٍ ابنِ أبي سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلاً دَخَل المَسْجِدَ فَصَلَّى ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ناحِيَةِ المَسْجِدِ، فَجاءَ فَسَلَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ، فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ: (وعَلَيْكَ! ارْجِعْ فَصلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) قَالَ فِي الثّالِثَةِ: فأعْلِمْنِي. قَالَ: (إِذا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فأسْبِغِ الوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ واقْرَأْ بِما تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن القُرْآنِ ثمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ راكِعاً ثُمَّ ارْفَعْ رَأسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قائِماً ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِداً ثمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيّ وتَطْمَئِنَّ جالِساً. ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِداً ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قائِماً ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صلاتِكَ كُلِّها) .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث والترجمة. وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِك: يَمِين.
قلت: هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب وجوب الْقِرَاءَة للْإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَفِيه: وَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أحسن غَيره، فَيدْخل فِي الْبَاب من هَذِه الْحَيْثِيَّة. .
وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَسَعِيد هُوَ المَقْبُري.
وَفِيه: حجَّة قَاطِعَة لأبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي جَوَاز الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة بِمَا تيَسّر.

(23/189)


8666 - حدّثنا فَرْوَةُ بنُ أبي المَغْراءِ حدّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قَالَتْ: هُزِمَ المُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزِيمَةً تُعَرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ إبْلِيس: أَي عِبادَ الله أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاهُمْ فاجتَلَدَتْ هِيَ وأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمانِ فَإِذا هُوَ بِأبِيهِ فَقَالَ: أبي أبي. قالَتْ: فَوَالله مَا انْحَجَزُوا حتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ الله لكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَالله مَا زالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْها بَقِيَّةٌ حتَّى لَقِيَ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر على الَّذين قتلوا وَالِد حُذَيْفَة لجهلهم، فَجعل الْجَهْل هُنَا كالنسيان، فَبِهَذَا الْوَجْه دخل الحَدِيث فِي الْبَاب مَعَ أَن فِيهِ الْيَمين، وَهُوَ قَول حُذَيْفَة: (فوَاللَّه مَا انحجزوا) .
وفروة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالواو ابْن أبي المغراء بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي، وَعلي بن مسْهر على وزن اسْم الْفَاعِل من الإسهار بِالسِّين الْمُهْملَة أَبُو الْحسن الْقرشِي الْكُوفِي، تولى قَضَاء نواحي الْموصل مَاتَ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
والْحَدِيث مضى فِي آخر المناقب فِي: بَاب ذكر حُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَفِي غَزْوَة أحد.
قَوْله: (هزم) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، وَكَذَلِكَ قَوْله: (تعرف) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَي عباد الله) ، أَي: يَا عباد الله. قَوْله: (أخراكم) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: يَا عباد الله إحذروا الَّذين من وَرَائِكُمْ واقتلوهم، وَالْخطاب للْمُسلمين، أَرَادَ إِبْلِيس تثبيطهم لِيُقَاتل الْمُسلمُونَ بَعضهم بَعْضًا، فَرَجَعت الطَّائِفَة الْمُتَقَدّمَة قَاصِدين لقِتَال الْأُخْرَى ظانين أَنهم من الْمُشْركين، فتجالد الطائفتان. وَيحْتَمل أَن يكون الْخطاب للْكَافِرِينَ. قَوْله: (أبي أبي) ، وَقع مكرراً يَعْنِي: يَا قومِي هَذَا أبي لَا تقتلوه، فَقَتَلُوهُ ظانين أَنه من الْمُشْركين. قَوْله: (مَا انحجزوا) بالزاي أَي: مَا امْتَنعُوا وَمَا انفكوا حَتَّى قَتَلُوهُ، يُقَال: حجزه حجزاً إِذا مَنعه. قَوْله: (مِنْهَا) أَي: من قَتله أَبِيه. قَوْله: (بَقِيَّة) مَرْفُوع بقوله: قَوْله: (مَا زَالَت) . قَالَ الْكرْمَانِي: أَي بَقِيَّة حزن وتحسر من قتل أَبِيه بذلك الْوَجْه.
قلت: هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، على أَن لفظ: بَقِيَّة، مَرْفُوعَة وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَقِيَّة خير، بِالْإِضَافَة أَي: اسْتمرّ الْخَيْر فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: وهم الْكرْمَانِي فِي تَفْسِيره وَالصَّوَاب من المُرَاد أَنه حصل لَهُ خير بقوله للْمُسلمين الَّذين قتلوا أَبَاهُ خطأ بقوله: عَفا الله عَنْكُم، وَاسْتمرّ ذَلِك الْخَيْر فِيهِ.
قلت: نِسْبَة الْكرْمَانِي إِلَى الْوَهم وهم، لِأَن الْكرْمَانِي إِنَّمَا فسره على رِوَايَة الْكشميهني على مَا ذَكرْنَاهُ، وَالْأَقْرَب فِيهَا مَا فسره لِأَنَّهُ تحسر غَايَة التحسر على قتل أَبِيه على يَد الْمُسلمين على مَا لَا يخفى.

9666 - حدّثني يُوسُفُ بنُ مُوسى احدّثنا أبُو أُسامَةَ قَالَ: حدّثني عَوْفٌ عنْ خِلاِسٍ ومُحَمَّدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ أكَلَ نَاسِياً وهْوَ صائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنّما أطْعَمَهُ الله وسَقاهُ) . (انْظُر الحَدِيث 3391) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَاسِيا) بِمُجَرَّد ذكره من غير قيد بِشَيْء من الْيَمين أَو غَيرهَا.
يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وعَوْف بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالفاء وَهُوَ الْمَشْهُور بالأعرابي، وخلاس بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام وبالسين الْمُهْملَة ابْن عَمْرو الهجري، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين وَهُوَ عطف على خلاس.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب الصَّائِم إِذا أكل أَو شرب.

0766 - حدّثنا آدم بنُ أبي إياسٍ حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ الأعْرَجِ عنْ عَبْدِ الله بن بُحَيْنَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوليَيْنِ قَبْلَ أنْ يَجْلِسَ، فَمَضى فِي صلاتِهِ، فَلمَّا قَضَي صَلاَتَهُ انْتَظَر النَّاسُ تَسْلِيمَهُ فَكَبَّرَ وسَجَدَ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَع رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ وسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وسَلَّمَ.

(23/190)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ترك الْقعدَة الأولى نَاسِيا. فَيدْخل فِي الْبَاب من هَذِه الْحَيْثِيَّة. وَاسم ابْن أبي ذِئْب مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب واسْمه هِشَام بن سعد، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَعبد الله بن بُحَيْنَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون وَهُوَ اسْم أمه وَأَبوهُ مَالك الْهَاشِمِي.
والْحَدِيث تقدم فِي أَبْوَاب سُجُود السهود فِي آخر كتاب الصَّلَاة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

1766 - حدّثني إسْحَاقُ بنُ إبْراهِيمَ سَمِعَ عَبْدَ العَزِيزِ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ حدّثنا مَنْصُورٌ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلَقْمَةَ عنِ ابْن مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِهِمْ صَلاةَ الظُّهْرِ فَزَادَ، أوْ نَقَصَ مِنْها، قَالَ مَنْصُورٌ: لَا أدْرِي إبْراهِيمُ وَهِمَ أمْ عَلْقَمَةُ، قَالَ: قِيلَ: يَا رسُولَ الله أقَصُرَتِ الصَّلاةُ أمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قالُوا: صَليْتَ كَذَا وكَذَا، قَالَ: فَسَجدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: (هاتانِ السَّجْدَتانِ لِمَنْ لَا يَدْرِي زادَ فِي صَلاتِهِ أمْ نَقَصَ، فَيَتَحَرَّى الصَّوابَ فَيتُمَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أم نسيت) وَلَكِن بالتعسف، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: ذكر هَذَا الحَدِيث بطرِيق الاستطراد للْحَدِيث السَّابِق.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه.
قَوْله: (سمع عبد الْعَزِيز) تَقْدِيره أَنه سمع عبد الْعَزِيز، وعادتهم أَنهم يسقطون مثل هَذَا فِي الْخط فِي بعض الأحيان، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن عبد الصَّمد الْعمي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم الْبَصْرِيّ.
قلت: الْعمي نَوْعَانِ: الأول: مَنْسُوب إِلَى قَبيلَة عَم من بني تيم وَفِيهِمْ كَثْرَة. وَالثَّانِي: لقب زيد بن الْحوَاري لقب بِهِ لِأَنَّهُ كلما كَانَ يُسأل عَن شَيْء قَالَ: حَتَّى أسأَل عمي. وَأما عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور فَالظَّاهِر أَنه مَنْسُوب إِلَى عَم الْقَبِيلَة، وَقد ذكر ابْن مَاكُولَا جمَاعَة ينسبون إِلَى عَم، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس.
والْحَدِيث قد مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة عَن عُثْمَان عَن جرير عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، قَالَ: قَالَ عبد الله: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ...
قَوْله: (فَزَاد أَو نقص) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (قَالَ مَنْصُور: لَا أَدْرِي إِبْرَاهِيم وهم) أَي: فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان قَوْله: (أم عَلْقَمَة) أَي: أَو وهم عَلْقَمَة، وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: ووهمت فِي الْحساب أوهم أَي: غَلطت وسهوت، وهمت فِي الشَّيْء بِالْفَتْح أوهم وهما إِذا ذهب وهمك إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غَيره. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لفظ أقصرت صَرِيح فِي أَنه نقص.
قلت: هَذَا خلط من الرَّاوِي وَجمع بَين الْحَدِيثين، وَقد فرق بَينهمَا على الصَّوَاب فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ فِي: بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة: عَن مَنْصُور عَن إبرايهم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ إِبْرَاهِيم: لَا أَدْرِي زَاد أَو نقص، فَلَمَّا سلم قيل لَهُ يَا رَسُول الله أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء؟ قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: صليت كَذَا ... إِلَى آخِره. وَقَالَ فِي: بَاب سُجُود السَّهْو، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصَرف من اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ وَيحْتَمل أَن يُجَاب بِأَن المُرَاد من الْقصر لَازمه وَهُوَ التَّغَيُّر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أغيرت الصَّلَاة عَن وَضعهَا؟ انْتهى.
قلت: فِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم: لَا أَدْرِي أزاد أَو نقص. فَجزم بِأَن إِبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي تردد، وَهَذَا يدل على أَن منصوراً حِين حدثت عبد الْعَزِيز كَانَ متردداً هَل عَلْقَمَة قَالَ ذَلِك أَو إِبْرَاهِيم؟ وَحين حدت جَرِيرًا كَانَ جَازِمًا بإبرهيم. قَوْله: (يتحَرَّى) أَي: يجْتَهد فِي تَحْقِيق الْحق بِأَن يَأْخُذ بِالْأَقَلِّ لَهُ.

2766 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حدّثنا عُمرُو بنُ دِينارٍ أَخْبرنِي سعَيدُ بنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ ل ابنِ عَبَّاسٍ: فَقَالَ: حدّثنا أُبَيُّ بنُ كَعْب أنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تُؤَاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أمْرى عُسْراً) قَالَ: كانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ نِسْياناً.

(23/191)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي مُجَرّد ذكر النسْيَان من غير قَيده بِشَيْء.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير نسب إِلَى أحد أجداده حميد، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (قلت لِابْنِ عَبَّاس) ، مقوله مَحْذُوف تَقْدِيره: قلت لِابْنِ عَبَّاس: حَدثنَا عَن معنى هَذِه الْآيَة، أَو: حَدثنَا مُطلقًا فَقَالَ: حَدثنَا أبي بن كَعْب أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ... إِلَى آخِره، وَقد حذف البُخَارِيّ هُنَا أَكثر الحَدِيث فِي قصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَقد مرت بِهَذَا السَّنَد فِي تَفْسِير سُورَة الْكَهْف، وَمَرَّتْ أَيْضا فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم.

3766 - قَالَ أبُو عَبْدِ الله: كَتَبَ إلَيَّ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا مُعاذُ بنُ مُعاذٍ حدّثنا ابنُ عَوْنٍ عنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ البَراءُ بنُ عازِبٍ: وَكَانَ عِنْدَهُمْ ضَيْفٌ لهُمْ فأمَرَ أهْلَهُ أنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ أنْ يَرْجعَ لِيَأكُلَ ضَيْفُهُمْ، فَذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاةِ، فَذَكَرُوا ذالِكَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَرَهُ أنْ يُعِيدَ الذَّبْحَ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله عِنْدِي عَناقٌ جَذَعٌ عَنَاقُ لبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شاتَيْ لَحْمٍ، فَكانَ ابنُ عَوْنٍ يَقِف فِي هَذَا المكانِ عنْ حَديثِ الشّعْبِيِّ. ويُحَدِّثُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سيرِينَ بِمِثْلِ هاذَا الحَدِيث، ويَقِفُ فِي هاذا المَكانِ ويَقُولُ: لَا أدْرِي أبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ غَيْرَهُ أمْ لَا.
رَواهُ أيُّوبَ عنِ ابنِ سِيرينَ عنْ أنَس عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. بو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (كتب إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء، وَمُحَمّد بن بشار فَاعل كتب.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِصِيغَة الْمُكَاتبَة لم يَقع لَهُ إلاّ فِي هَذَا الْموضع. وَقَالَ المحدثون. الْمُكَاتبَة بِأَن يكْتب إِلَيْهِ بِشَيْء من حَدِيثه. قيل: هُوَ كالمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ فَإِنَّهَا كالسماع عِنْد الْكثير، وَجوز بَعضهم فِيهَا أَن يَقُول: أخبرنَا وَحدثنَا مُطلقًا. وَالْأَحْسَن تَقْيِيده بِالْكِتَابَةِ.
قَوْله: (حَدثنَا معَاذ) هُوَ الْمَكْتُوب لَهُ، ومعاذ بن معَاذ بِضَم الْمِيم فيهمَا، وَابْن عون هُوَ مُحَمَّد بن عون بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالنون وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل قَوْله قَالَ قَالَ الْبَراء بن عَازِب أَي قَالَ الشّعبِيّ قَالَ الْبَراء ظَاهر هَذَا يدل على أَن هَذِه الْقِصَّة وَقعت للبراء بن عَازِب، وَلَكِن وَقع فِيمَا تقدم فِي كتاب الْعِيد أَن الْآمِر بِالذبْحِ هُوَ أَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء ابْن نيار بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء، كَذَا رَوَاهُ زبيد عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء، فَذكر الحَدِيث وَفِيه: فَقَامَ أَبُو بردة بن نيار وَقد ذبح، فَقَالَ: إِن عِنْدِي جَذَعَة ... الحَدِيث. وروى من طَرِيق مطرف عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء فَقَالَ: ضحى خَال لي يُقَال لَهُ: أَبُو بردة، قبل الصَّلَاة، ووفق الْكرْمَانِي هَذَا بقوله: بِأَن أَبَا بردة خَال الْبَراء كَانُوا أهل بَيت وَاحِد، فَتَارَة نسب الْبَراء إِلَى نَفسه وَتارَة إِلَى خَاله. وَقَالَ غَيره: لَوْلَا اتِّحَاد مخرج الحَدِيث والسند من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن الْبَراء لَكَانَ يحمل على التَّعَدُّد، وَالِاخْتِلَاف فِيهِ من الروَاة عَن الشّعبِيّ. قَوْله: (قبل أَن يرجع) فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: قبل أَن يرجعهم، وَالْمرَاد قبل أَن يرجع إِلَيْهِم. قَوْله: (ضيفهم) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل. (ليَأْكُل) قَوْله: (فَذكرُوا ذَلِك) أَي: ذبحم قبل الصَّلَاة قَوْله: فَأمره أَي: فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْبَراء أَن يُعِيد الذّبْح بِكَسْر الذَّال، وَقَالَ ابْن التِّين: كَذَا روينَاهُ: الذّبْح، بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يذبح وبالفتح مصدر ذبحت. قَوْله: (عِنْدِي عنَاق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَهُوَ الْأُنْثَى من أَوْلَاد الْمعز. قَوْله: (جذع) بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة وَهِي الطاعنة فِي السّنة الثَّانِيَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْجذع من الْإِبِل مَا طعن فِي السّنة الْخَامِسَة وَمن الْبَقر والمعز مَا دخل فِي السّنة الثَّانِيَة، وَقيل: الْبَقر فِي الثَّالِثَة، وَمن الضَّأْن مَا تمت لَهُ سنة. وَقيل: أقل مِنْهَا. وَمِنْهُم من يُخَالف بعض هَذَا التَّقْدِير. قَوْله: (عنَاق لبن) بِالْإِضَافَة وبالرفع لِأَنَّهُ بدل من قَوْله: (عنَاق) وَقَوله: (جذع) بِالرَّفْع صفة لعناق. قَوْله: (خير) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ خير من شاتي لحم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْأَضَاحِي. قَوْله: (فَكَانَ ابْن عون) هُوَ مُحَمَّد بن عون الرَّاوِي (يقف فِي هَذَا الْمَكَان عَن حَدِيث الشّعبِيّ) أَي: يتْرك تكملته وَيَقُول: لَا أَدْرِي أبلغت الرُّخْصَة وَهِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ضح بالعناق الَّذِي عنْدك. قَوْله: (غَيره) أَي: غير الْبَراء. وَقد مر فِي الْأَضَاحِي فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي بردة: ضح الْجذع

(23/192)


من الْمعز وَلنْ تجزىء عَن أحد بعْدك. وَلَفظ الحَدِيث: إذبحها وَلنْ تصلح لغيرك، وَفِي رِوَايَة: وَلنْ تجزى عَن أحد بعْدك.
قَوْله: (وَرَوَاهُ أَيُّوب) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَصله البُخَارِيّ فِي أَوَائِل الْأَضَاحِي عَن مُسَدّد عَن إِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أنس بن مَالك ... الحَدِيث.

4766 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَباً قَالَ: شَهِدْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى يَوْمَ عِيدٍ ثُمَّ خَطَبَ، ثمَّ قَالَ: (مَنْ ذَبحَ فَلْيُبَدِّلْ مَكانَها، ومَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ باسْمِ الله) .
مُطَابقَة هَذَا للْحَدِيث الَّذِي قبله ظَاهِرَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مُنَاسبَة حَدِيث الْبَراء وجندب للتَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى التَّسْوِيَة بَين الْجَاهِل بالحكم وَالنَّاسِي فِي وَقت الذّبْح.
وَالْأسود بن قيس الْعَبْدي أَبُو قيس الْكُوفِي، وجندب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ.
وَمضى الحَدِيث فِي الْعِيدَيْنِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْأَضَاحِي عَن آدم، وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد عَن حَفْص بن عَمْرو، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

61 - (بابُ اليَمِينِ الغَمُوسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْيَمين الْغمُوس بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة على وزن فعول بِمَعْنى فَاعل لِأَنَّهَا تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّار فِي الْآخِرَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ على وزن فعول للْمُبَالَغَة، وَقيل: الأَصْل فِي ذَلِك أَنهم كَانُوا إِذا أَرَادوا أَن يتعاهدوا أحضروا جَفْنَة فَجعلُوا فِيهَا طيبا أَو رَمَادا أَو وردا ثمَّ يحلفُونَ عِنْدَمَا يدْخلُونَ أَيْديهم فِيهَا ليتم لَهُم المُرَاد من ذَلِك بتأكيد مَا أَرَادوا، فسميت تِلْكَ الْيَمين إِذا غدر حالفها غموساً لكَونه بَالغ فِي نقض الْعَهْد، وَقَالَ بَعضهم: وَكَأَنَّهَا على هَذَا بِمَعْنى مفعول لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من الْيَد المغموسة. انْتهى.
قلت: هَذَا تصرف من لَيْسَ لَهُ ذوق من الْعَرَبيَّة، وَهِي على هَذَا القَوْل مَأْخُوذَة من غمس الْيَد لَا من الْيَد، وَهِي على هَذَا أَيْضا بِمَعْنى فَاعل على مَا لَا يخفى على الفطن، واليميين الْغمُوس عِنْد الْفُقَهَاء هِيَ أَن يحلف الرجل عَن الشَّيْء وَهُوَ يعلم أَنه كَاذِب ليرضى بذلك أحدا، أَو ليعتذر أَو ليقتطع بهَا مَالا. وَقَالَ أَصْحَابنَا: حلف الرجل على أَمر ماضٍ كذبا عَامِدًا غموس وظاناً على أَن الْأَمر كَمَا قَالَ لَغْو،
وَاخْتلفُوا فِي حكمهَا. فَقَالَ ابْن الْبر: أَكثر أهل الْعلم لَا يرَوْنَ فِي الْغمُوس كَفَّارَة، وَنَقله ابْن بطال أَيْضا عَن جهمور الْعلمَاء، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك وَمن تبعه من أهل الْمَدِينَة وَالْأَوْزَاعِيّ فِي أهل الشَّام وَالثَّوْري وَسَائِر أهل الْكُوفَة وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَأَصْحَاب الحَدِيث، وَقَالَ الشَّافِعِي: فِيهَا الْكَفَّارَة، وَبِه قَالَ طَائِفَة من التَّابِعين.
{وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا وتذوقوا السوء بِمَا صددتم عَن سَبِيل الله وَلكم عَذَاب عَظِيم} (النَّحْل: 49) دَخَلاً: مَكْراً وخيانَةً.
وَجه ذكر هَذِه الْآيَة للْيَمِين الْغمُوس وُرُود الْوَعيد على من حلف كَاذِبًا مُتَعَمدا، وَهَذِه الْآيَة كلهَا سيقت فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: (بعد ثُبُوتهَا) . قَوْله: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم دخلا) نَهَاهُم الله تَعَالَى عَن اتِّخَاذ أَيْمَانهم دخلا، وَيَجِيء تَفْسِيره الْآن، وَقَالَ مُجَاهِد: كَانُوا يحالفون الحلفاء فيجدون أَكثر مِنْهُم وأعز فينقضون حلف هَؤُلَاءِ يحالفون الْأَكْثَر فنهوا عَن ذَلِك. قَوْله: (فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا) أَي: فتزل أقدامكم عَن محجة الْإِسْلَام بعد ثُبُوتهَا عَلَيْهَا. قَوْله: (وتذوقوا السوء) أَي: فِي الدُّنْيَا. قَوْله: (بِمَا صددتم) أَي: بِسَبَب صدودكم عَن سَبِيل الله. وَهُوَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام. قَوْله: (وَلكم عَذَاب عَظِيم) يَعْنِي: فِي الْآخِرَة. قَوْله: دخلا، مكراً وخيانه. تسفير قَتَادَة وَسَعِيد بن جُبَير أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ: خِيَانَة وغدراً، وَقَالَ أَبُو عبيد: الدخل كل أَمر كَانَ على فَسَاد.

(23/193)


71 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أولائك لَا خلاق لَهُم فِي الأخرة وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} (آل عمرَان: 77) وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس وَالله سميع عليم} (الْبَقَرَة: 422) وقوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا إِن مَا عِنْد الله خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} (النَّحْل: 59) {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهذتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 19)

ترْجم البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْآيَات إِشَارَة إِلَى أَن الْيَمين الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا لِأَنَّهَا لم تذكر فِيهَا، وَلذَلِك ذكر حَدِيث الْبَاب، أَعنِي: حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عقيب ذكر هَذِه الْآيَات، وَهُوَ وَجه الْمُنَاسبَة أَيْضا بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله. وَقَالَ ابْن بطال: وبهذه الْآيَات والْحَدِيث احْتج الْجُمْهُور على أَن الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر فِي هَذِه الْيَمين الْمَقْصُود بهَا الْحِنْث والعصيان والعقوبة وَالْإِثْم وَلم يذكر فِيهَا كَفَّارَة. وَلَو كَانَت لذكرت كَمَا ذكرت فِي الْيَمين المعقودة. فَقَالَ (فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير) . وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم سنة تدل على قَول من أوجب فِيهَا الْكَفَّارَة، بل هِيَ دَالَّة على قَول من لم يُوجِبهَا. قلت: هَذَا كُله حجَّة على الشَّافِعِيَّة. قَوْله: قَول الله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ} ... الْآيَة كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة بِتَمَامِهَا إِلَى قَوْله: {عَذَاب أَلِيم} وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْأَشْعَث بن قيس خَاصم بعض الهيود فِي أَرض فَجحد الْيَهُودِيّ فقدمه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أَلَك بَيِّنَة؟) قَالَ: لَا. قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: (أتحلف؟) قَالَ أَشْعَث: إِذا يحلف فَيذْهب مَالِي، وَيَجِيء الْآن هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن كثير. قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ} أَي: يعتاضون عَمَّا هدَاهُم الله عَلَيْهِ من اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر صفته للنَّاس وَبَيَان أمره عَن أَيْمَانهم الكاذبة الْفَاجِرَة الآثمة بالأثمان القليلة وَهِي عرُوض هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا الفانية الزائلة. قَوْله: (أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم) فِيهَا ولاحظ لَهُم مِنْهَا. قَوْله: (وَلَا يكلمهم الله) قَالُوا: إِن كَانُوا كفَّارًا فَلَا يكلمهم الله أصلا، وَإِن كَانُوا من العصاة فَلَا يسرهم الله وَلَا يَنْفَعهُمْ. قَوْله: (وَلَا ينظر إِلَيْهِم) أَي: وَلَا يرحمهم وَلَا يعْطف عَلَيْهِم. قَوْله: (وَلَا يزكيهم) أَي: وَلَا يثني عَلَيْهِم. وَاحْتج بِهَذِهِ الْآيَة بعض الْمَالِكِيَّة على أَن الْعَهْد يَمِين وَكَذَلِكَ الْمِيثَاق وَالْكَفَالَة. قَوْله: (قَوْله عز وَجل: {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} ) وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضه} وَفِي رِوَايَة غَيره: وَقَوله جلّ ذكره. قَالَ النَّسَفِيّ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين حلف أَن لَا يصل ابْنه عبد الرَّحْمَن حَتَّى يسلم، وَقيل: نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة، ذَلِك أَنه حلف أَن لَا يدْخل على ختنه وَلَا يكلمهُ.

(23/194)


قَوْله: {عرضة} أَي عِلّة مَانِعَة لكم من الْبر وَالتَّقوى والإصلاح فَإِن تحلفُوا أَن لَا تَفعلُوا ذَلِك فتعللوا بهَا أَو تَقولُوا: حلفنا وَلم تحلفُوا بِهِ، وعرضة على وزن فعلة من الِاعْتِرَاض، والمعترض بَين الشَّيْئَيْنِ مَانع. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: عرضة، أَي حجَّة. {أَن تبروا} أَي: على أَن لَا تبروا. وَكلمَة: لَا، مضمرة فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يبين الله لكم أَن تضلوا} (النِّسَاء: 671) وَيُقَال: كَرَاهَة أَن تبروا. وَقَالَ سعيد ابْن جُبَير: هُوَ الرجل يحلف أَن لَا يبر وَلَا يُصَلِّي وَلَا يصلح. فَيُقَال لَهُ فِيهِ، فَيَقُول: قد حَلَفت. قَوْله: {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} (النَّحْل: 59) إِلَى قَوْله: {كَفِيلا} بِتَمَامِهِ وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَسقط جَمِيعه لغيره، وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على تَأْكِيد الْوَفَاء بالعهد لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} (النَّحْل: 19) وَلم يتَقَدَّم غير ذكر الْعَهْد. قَوْله: {وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 9) أَي: شَهِيد فِي الْعَهْد، هَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَعَن مُجَاهِد. يَعْنِي: وَكيلا، أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَنهُ.

6766 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبان) .
فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذالِكَ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد. . ثمنا قَلِيلا} (آل عمرَان: 77) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. َلَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ؟ فقالُوا: كَذا وكَذا. قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أرْضِ ابنِ عَمٍّ لِي، فأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (بَيْنَتُكَ أوْ يَمِينُهُ) قُلْتُ: إِذا يَحْلِفَ عَلَيْها يَا رسولَ الله! فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ صَبْرٍ وهْوَ فِيها فاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله يَوْمَ القِيامَةِ وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ الْآيَة الأولى ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو الوضاح الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مضى فِي الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة فِي الْبِئْر وَالْقَضَاء فِيهَا، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق. . إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (على يَمِين صَبر) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الَّتِي يلْزم وَيجْبر عَلَيْهَا حالفها، وَيُقَال: هِيَ أَن يحبس السُّلْطَان رجلا على يَمِين حَتَّى يحلف بهَا، يُقَال: صبرت يَمِيني أَي: حَلَفت بِاللَّه، وأصل الصَّبْر الْحَبْس، وَمَعْنَاهُ: مَا يجْبر عَلَيْهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ: وَأَن يُوقف حَتَّى يحلف على رُؤُوس النَّاس. قَوْله: (وَهُوَ فِيهَا) الْوَاو للْحَال قَوْله: (فَاجر) أَي: كَاذِب، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: فِيهَا، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: عَلَيْهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة شُعْبَة: على يَمِين كَاذِبًا. قَوْله: (يقتطع) حَال، وَفِي رِوَايَة حجاج بن منهال: ليقتطع، بِزِيَادَة لَام التَّعْلِيل، ويقتطع يفتعل من الْقطع كَأَنَّهُ يقطعهُ عَن صَاحبه أَو يَأْخُذ قِطْعَة من مَاله بِالْحلف الْمَذْكُور. قَوْله: (وَهُوَ عَلَيْهِ) الْوَاو للْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَهُوَ عَنهُ معرض، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، ألاَّ لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة بن ثَعْلَبَة عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي نَحْو هَذَا الحَدِيث. فقد أوجب الله لَهُ النَّار وَحرم عَلَيْهِ الْجنَّة، وَفِي حَدِيث عمرَان عِنْد أبي دَاوُد: فَليَتَبَوَّأ بِوَجْهِهِ مَقْعَده من النَّار. قَوْله: (فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك) أَي: تَصْدِيق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: قد تقدم فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان أَنَّهَا نزلت فِيمَن أَقَامَ سلْعَته بعد الْعَصْر، فَحلف كَاذِبًا.
قلت: يجوز أَن تكون نزلت فِي الْأَمريْنِ مَعًا فِي وَقت وَاحِد، وَاللَّفْظ عَام متناول للقضيتين ولغيرهما. قَوْله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن) ؟ هُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود. فَإِن قلت: هُنَا: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس، وَفِي رِوَايَة فِي كتاب الرَّهْن: ثمَّ إِن الْأَشْعَث بن قيس خرج إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن.
قلت: الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه خرج عَلَيْهِم من مَكَان كَانَ فِيهِ فَدخل الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ. فَإِن قلت: سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام فِي رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور جَمِيعًا: فجَاء الْأَشْعَث وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ.
قلت: التَّوْفِيق هُنَا أَن يُقَال: إِن خُرُوج الْأَشْعَث من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ عبد الله وَقع وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ، فَلَعَلَّ الْأَشْعَث تشاغل بِشَيْء فَلم

(23/195)


يدْرك بِحَدِيث عبد الله، فَسَأَلَ أَصْحَابه بقوله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن؟) قَوْله: (فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا) ويروى: قَالُوا، بِدُونِ الْفَاء، وَفِي رِوَايَة جرير: فَحَدَّثنَاهُ يَعْنِي الْأَشْعَث، وبيَّن شُعْبَة فِي رِوَايَته أَن الَّذِي حَدثهُ بِمَا حَدثهمْ بِهِ عبد الله بن مَسْعُود هُوَ أَبُو وَائِل الرَّاوِي شَقِيق بن سَلمَة. فَإِن قلت: قد مر فِي الْأَشْخَاص: قَالَ: فلقيني الْأَشْعَث بن قيس فَقَالَ: مَا حَدثكُمْ عبد الله الْيَوْم؟ .
قلت: كَذَا وَكَذَا.
قلت: لَيْسَ بَين الرِّوَايَتَيْنِ مُنَافَاة لِأَنَّهُ إِنَّمَا أفرده فِي هَذِه الرِّوَايَة لكَونه الْمُجيب. قَوْله: (قَالَ: فِي أنزلت) أَي: قَالَ الْأَشْعَث، فِي أنزلت هَذِه الْآيَة، وَكلمَة: فِي، بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني: كَانَت، بالتأنيث، وَفِي رِوَايَة غَيره: كَانَ بالتذكير. قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: أَرض، وَادّعى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الشّرْب أَن أَبَا حَمْزَة تفرد بقوله: فِي بِئْر، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فقدوا فقه أَبُو عوَانَة كَمَا ترى، وَكَذَا وَقع عِنْد أَحْمد من رِوَايَة عَاصِم عَن شَقِيق: فِي بِئْر، وَوَقع فِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: فِي شَيْء. قَوْله: (ابْن عَم لي) كَذَا وَقع للأكثرين أَن الْخُصُومَة كَانَت فِي بِئْر يدعيها الْأَشْعَث فِي أَرض لخصمه. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: كَانَ بيني وَبَين رجل من الْيَهُود أَرض فجحدني.
قلت: المُرَاد أَرض الْبِئْر لَا جَمِيع الأَرْض الَّتِي من جُمْلَتهَا أَرض الْبِئْر، وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله: ابْن عَم لي، وَبَين قَوْله: من الْيَهُود، لِأَن جمَاعَة من أهل الْيمن كَانُوا يهوداً، وَلما غلب يُوسُف ذُو نواس على الْيمن وطرد عَنْهَا الْحَبَشَة فجَاء الْإِسْلَام وهم على ذَلِك، وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن الْأَشْعَث قَالَ: خَاصم رجل من المخضرمين رجلا منا يُقَال لَهُ: الخفشيش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرض لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمخضرم، جىء بشهودك على حَقك وإلاَّ حلف لَك ... الحَدِيث، وَهَذَا مُخَالف لسياق مَا فِي الصَّحِيح، فَإِن كَانَ ثَابتا حمل على تعدد الْقَضِيَّة. قَوْله: (بينتك) بِالنّصب أَي: أحضر أَو أطلب بينتك، بِالنّصب ويروى: بِالرَّفْع، أَي: الْمَطْلُوب بينتك. أَو يَمِينه إِن لم تكن لَك بَيِّنَة، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: وَقَالَ: أَلَك بَيِّنَة؟ .
قلت: لَا. فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف. وَفِي رِوَايَة أبي حَمْزَة: فَقَالَ: أَلَك شُهُود؟ .
قلت: مَا لي شُهُود. قَالَ: فيمينه. وَفِي رِوَايَة وَكِيع عَن مُسلم: أَلَك عَلَيْهِ بَيِّنَة؟ وَفِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: شَاهِدَاك أَو يَمِينه. قَوْله: (إِذا يحلف) جَوَاب وَجَزَاء بِنصب يحلف.

81 - (بابُ اليَمِينِ فِيما لَا يَمْلِكُ وَفِي المَعْصِيَةِ وَفِي الغَضَبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْيَمين فِيمَا لَا يملكهُ الْحَالِف، وَفِي الْيَمين فِي الْمعْصِيَة وَفِي الْيَمين فِي حَالَة الْغَضَب، فَذكر ثَلَاثَة أَحَادِيث لكل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة حَدِيثا على التَّرْتِيب، يفهم حكم كل وَاحِد من كل وَاحِد من الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة.

8766 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ العلاءِ حدّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْد عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: أرْسَلَنِي أصْحابي إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسألُهُ الحُمْلاَنَ. فَقَالَ: (وَالله لَا أحْمِلُكُمْ عَلى شَيْءٍ) ووافقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ، فلمَّا أتَيْتُهُ قَالَ: (أنْطَلِقْ إِلَى أصْحابِكَ فَقُلْ: إنَّ الله أوْ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْمِلُكُمْ) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة وَهُوَ الْيَمين فِيمَا لَا يملك.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد مر فِي أول: بَاب غَزْوَة تَبُوك فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة عَن بريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبد الله بن أبي بردة اسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة، وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى، وَهنا اخْتَصَرَهُ، وَحَاصِل الْكَلَام أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف أَن لَا يحملهم وَلم يكن مَالِكًا لما سَأَلُوهُ فِي ذَلِك الْوَقْت، ثمَّ أرسل بِلَالًا وَرَاء أبي مُوسَى وَأَعْطَاهُ سِتَّة أَبْعِرَة، ثمَّ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حذر عَن يَمِينه فَدلَّ هَذَا على انْعِقَاد يَمِينه. وَقَالَ ابْن بطال: وَمِثَال هَذَا أَن يحلف رجل على أَن لَا يهب أَو لَا يتَصَدَّق أَو لَا يعْتق وَهُوَ فِي هَذِه الْحَالة لَا يملك شَيْئا من ذَلِك، ثمَّ حصل لَهُ مَال بعد ذَلِك فوهب أَو تصدق أَو أعتق، فَعِنْدَ جمَاعَة الْفُقَهَاء: تلْزمهُ الْكَفَّارَة كَمَا فعل الشَّارِع بالأشعريين أَنه حلل عَن يَمِينه وأتى بِالَّذِي هُوَ خير، وَلَو حلف أَن لَا يهب أَو لَا يتَصَدَّق مَا دَامَ معدماً وَجعل

(23/196)


الْعَدَم عِلّة لامتناعه من ذَلِك، ثمَّ حصل لَهُ مَال بعد ذَلِك لم يلْزمه عِنْد الْفُقَهَاء كَفَّارَة إِن وهب أَو تصدق، لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقع يَمِينه على حَالَة الْعَدَم لَا على حَالَة الْوُجُود. وَفِي (التَّوْضِيح) : إِذا حلف الرجل بِعِتْق مَا لَا يملك إِن ملكه فِي الْمُسْتَقْبل؟ فَقَالَ مَالك: إِن عين أحدا أَو قَبيلَة أَو جِنْسا لزمَه الْعتْق، وَإِن قَالَ: كل مَمْلُوك أملكهُ أبدا حر، لم يلْزمه عتق، وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاق إِن عين قَبيلَة أَو بَلْدَة أَو صفة مَا لزمَه الْحِنْث، وَإِن لم يعين لم يلْزمه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: يلْزمه الطَّلَاق وَالْعِتْق سَوَاء عَم أَو خص. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمه خص أَو عَم.
قَوْله: (أسأله الحملان) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَهُوَ مَا يحمل عَلَيْهِ من الدَّوَابّ فِي الْهِبَة خَاصَّة قَوْله: (وَالله) معترض بَين القَوْل ومقوله. قَوْله: (ووافقته) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحَال أَنه غَضْبَان، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء يلزمون الغاضب الْكَفَّارَة ويجعلون غَضَبه مؤكداً ليمينه، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: أَن الغضبان يَمِينه لَغْو وَلَا كَفَّارَة فِيهَا. وَرُوِيَ عَن مَسْرُوق وَالشعْبِيّ وَجَمَاعَة: أَن الغضبان لَا يلْزمه شَيْء لإِطْلَاق وَلَا عتاق، وَاحْتَجُّوا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا طَلَاق فِي إغلاق وَلَا عتق قبل ملك. وَفِي حَدِيث الْأَشْعَرِيين رد لهَذِهِ الْمقَالة لِأَن الشَّارِع حلف وَهُوَ غاضب ثمَّ قَالَ: وَالله لَا أَحْلف على يَمِين) الحَدِيث. وَأما حَدِيث: (لَا طَلَاق فِي إغلاق) فَلَيْسَ بِثَابِت وَلَا مِمَّا يُعَارض بِهِ مثل حَدِيث الْأَشْعَرِيين وَنَحْوه.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه واستدركه الْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم. أَخْرجُوهُ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: أَظُنهُ فِي الْغَضَب، وَقَالَ غَيره: الإغلاق الْإِكْرَاه وَالْمَحْفُوظ: إغلاق، كَمَا هُوَ لفظ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم، وَلَفظ أبي دَاوُد: غلاق، وَأما حَدِيث: (لَا عتق قبل ملك) ، فَهُوَ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: (لَا طَلَاق إلاَّ فِيمَا يملك) رَوَاهُ الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن، وَتَأَول المدنيون والكوفيون الإغلاق على الْإِكْرَاه. قَوْله: (فَلَمَّا أَتَيْته) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: مرّة أُخْرَى بعد ذَلِك.

9766 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ إبْرَاهِيمُ عنْ صالِحٍ عنِ ابْن شِهابٍ.
(ح) وحدّثنا الحَجَّاجُ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حدّثنا يُونُسُ بنُ يَزِيَد الأيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ ابنَ الزُّبَيْر وسَعيدَ بنَ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةَ بنَ وقَّاصٍ وعُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ حَدِيثٍ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَها أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا، فَبَرَّأها الله ممَّا قالُوا، كُلٌّ حدّثني طائِفَةً مِن الحَدِيثِ، فأنْزَلَ الله {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك} (النُّور: 11)
العَشْرَ الآياتِ كلَّها فِي بَرَاءَتِي، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وكانَ يُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَالله لَا أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ شَيْئاً أبَداً بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعائِشَة، فأنْزَل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَو يؤتوا ولي الْقُرْبَى} (النُّور: 22) الْآيَة. قَالَ أبُو بَكْرٍ: بلَى وَالله إنِّي لأُحبُّ أنُ يَغْفِرَ الله لي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفْقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَالله لَا أنْزِعُها عنْهُ أبَداً.
مطابقته للجزء الثَّانِي: للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا) وَهُوَ مُطَابق لترك الْيَمين فِي الْمعْصِيَة لِأَنَّهُ حلف أَن لَا ينفع مسطحًا أبدا لكَلَامه فِي عَائِشَة، فَكَانَ حَالفا على ترك طَاعَة فنهي عَن الِاسْتِمْرَار على مَا حلف عَلَيْهِ، فَيكون النَّهْي عَن الْحلف على فعل الْمعْصِيَة بطرِيق الأولى.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذِه الْقطعَة من حَدِيث الْإِفْك المطول من طَرِيقين: الأول: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن حجاج بن منهال عَن عبد الله بن عمر النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، نِسْبَة إِلَى

(23/197)


مَدِينَة أَيْلَة عل سَاحل بَحر القلزم مِمَّا يَلِي الشَّام، وَهِي الْيَوْم خرابة.
قَوْله: (وَطَائِفَة) أَي: قِطْعَة. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب حَدِيث الْإِفْك، فِي كتاب الْمَغَازِي.

9766 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ إبْرَاهِيمُ عنْ صالِحٍ عنِ ابْن شِهابٍ.
(ح) وحدّثنا الحَجَّاجُ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حدّثنا يُونُسُ بنُ يَزِيَد الأيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ ابنَ الزُّبَيْر وسَعيدَ بنَ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةَ بنَ وقَّاصٍ وعُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ حَدِيثٍ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَها أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا، فَبَرَّأها الله ممَّا قالُوا، كُلٌّ حدّثني طائِفَةً مِن الحَدِيثِ، فأنْزَلَ الله {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك} (النُّور: 11)
العَشْرَ الآياتِ كلَّها فِي بَرَاءَتِي، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وكانَ يُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَالله لَا أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ شَيْئاً أبَداً بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعائِشَة، فأنْزَل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَو يؤتوا ولي الْقُرْبَى} (النُّور: 22) الْآيَة. قَالَ أبُو بَكْرٍ: بلَى وَالله إنِّي لأُحبُّ أنُ يَغْفِرَ الله لي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفْقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَالله لَا أنْزِعُها عنْهُ أبَداً.
مطابقته للجزء الثَّانِي: للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا) وَهُوَ مُطَابق لترك الْيَمين فِي الْمعْصِيَة لِأَنَّهُ حلف أَن لَا ينفع مسطحًا أبدا لكَلَامه فِي عَائِشَة، فَكَانَ حَالفا على ترك طَاعَة فنهي عَن الِاسْتِمْرَار على مَا حلف عَلَيْهِ، فَيكون النَّهْي عَن الْحلف على فعل الْمعْصِيَة بطرِيق الأولى.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذِه الْقطعَة من حَدِيث الْإِفْك المطول من طَرِيقين: الأول: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن حجاج بن منهال عَن عبد الله بن عمر النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، نِسْبَة إِلَى مَدِينَة أَيْلَة عل سَاحل بَحر القلزم مِمَّا يَلِي الشَّام، وَهِي الْيَوْم خرابة.
قَوْله: (وَطَائِفَة) أَي: قِطْعَة. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب حَدِيث الْإِفْك، فِي كتاب الْمَغَازِي.

0866 - حدّثنا أبُو معْمَرٍ حدّثنا عبْدُ الوَارِثِ حدّثنا أيُّوبُ عنِ القاسِمِ عنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أبي مُوسَى الأشْعَرِيِّ فَقال: أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ، فاسْتَحْمَلْناهُ فَحَلَف أنْ لَا يَحْمِلَنا، ثُمَّ قَالَ: (وَالله إنْ شاءَ الله لَا أحْلِف عَلى يَمِينٍ فَأرى غيْرِها خَيْراً مِنْها إلاّ أتَيْتُ الّذي هُوَ خَيْرٌ وتَحَلَّلْتُها) .

مطابقته للجزء الثَّالِث من التَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فوافقته وَهُوَ غَضْبَان، فاستحملناه فَحلف أَن لَا يحملنا) وَقد مر الْكَلَام فِي حلف الغاضب عَن قريب فِي الحَدِيث الأول.
وَأخرجه عَن أبي معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو وَعَن عبد الْوَارِث بن سعيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن الْقَاسِم بن عَاصِم عَن زَهْدَم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة ابْن مضرب الجرمى إِلَى آخِره ... وَقد مر هَذَا الحَدِيث بأتم مِنْهُ عَن قريب فِي، بَاب لَا تحلفُوا بأبائكم، فَإِنَّهُ أخرجه عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة وَالقَاسِم التَّمِيمِي عَن زَهْدَم ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.

91 - (بابٌ إِذا قَالَ: وَالله لَا أتَكَلُمُ اليَوْمَ، فَصَلَّى أوْ قَرَأ أوْ سَبَّحَ أوْ كَبَّرَ أوْ حَمِدَ أوْ هَلَّلَ، فَهْوَ عَلَى نِيَّتِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا قَالَ شخص: وَالله ... إِلَى آخِره، قَوْله: (فَهُوَ على نِيَّته) يَعْنِي: إِن قصد بالْكلَام مَا هُوَ كَلَام عرفا لَا يَحْنَث بِهَذِهِ الْأَذْكَار وَالْقِرَاءَة وَالصَّلَاة، وَإِن قصد الْأَعَمّ يَحْنَث بهَا، قَالَه الْكرْمَانِي وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَي إِذا كَانَت نِيَّته لَا يتَكَلَّم فِي شَيْء من أَمر الدُّنْيَا فَلَا حنث عَلَيْهِ إِذا سبح، وَقَالَ ابْن بطال: الْمَعْنى فِي الْحَالِف أَن لَا يتَكَلَّم الْيَوْم أَنه مَحْمُول على كَلَام النَّاس لَا على التِّلَاوَة وَالتَّسْبِيح، وَقَالَ أَصْحَابنَا: حلف أَن لَا يتَكَلَّم فَقَرَأَ الْقُرْآن فِي صلَاته أَو سبح لم يَحْنَث وَإِن قَرَأَ فِي غير الصَّلَاة يَحْنَث، خلافًا للشَّافِعِيّ، وَالْقِيَاس أَن يَحْنَث فيهمَا. وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث إِن عقد الْيَمين بِالْعَرَبِيَّةِ فَكَذَلِك، وَإِن عقدهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَث إِذا قَرَأَ الْقُرْآن أَو سبح فِي غير صلَاته.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفْضَلُ الكَلامِ أرْبَعٌ سُبْحانَ الله، والحَمْدِ لله، وَلَا إلاهَ إلاّ الله، وَالله أكْبَرُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن غَرَض البُخَارِيّ بَيَان أَن الْأَذْكَار وَنَحْوهَا كَلَام، وَكلمَة: فَيحنث بهَا، قيل: هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يصلها البُخَارِيّ فِي مَوضِع آخر، وَقد وَصله النَّسَائِيّ من طَرِيق ضرار بن مرّة عَن أبي صَالح عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظِهِ. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب لَكِن بِلَفْظ: أحب الْكَلَام، وَوجه أفضليته أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى جَمِيع صِفَات الله عز وَجل عدمية ووجودية إِجْمَالا، لِأَن التَّسْبِيح إِشَارَة إِلَى تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن النقائص والتحميد إِلَى وَصفه بالكمال. فَالْأول: فِيهِ النُّقْصَان وَالثَّانِي: فِيهِ إِثْبَات الْكَمَال وَالثَّالِث: إِلَى تَخْصِيص مَا هُوَ أصل الدّين وأساس الْإِيمَان، يَعْنِي: التَّوْحِيد وَالرَّابِع: إِلَى أَنه أكبر مِمَّا عَرفْنَاهُ، سُبْحَانَكَ مَا عرفناك حق معرفتك.
وَقَالَ أبُو سُفْيانَ: كَتَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هِرْقَلَ: {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} (آل عمرَان: 46) [/ ح.
أَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة أَبُو مُعَاوِيَة، وَهَذَا طرف من حَدِيث طَوِيل أخرجه فِي أول الْكتاب وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الْإِشَارَة إِلَّا أَن لفظ الْكَلِمَة من بَاب إِطْلَاق الْبَعْض على الْكل، مثلا، إِذا أطلق لفظ: كلمة، على مثل: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله ... إِلَى آخِره، يكون المُرَاد مِنْهَا الْكَلَام، كَمَا يُقَال: كلمة التَّوْحِيد، وَهِي تشْتَمل على كَلِمَات.
وَقَالَ مُجاهدٌ: كَلِمَةُ التَّقْواى: لَا إلاهَ إلاّ الله
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} (الْفَتْح: 62) أَي: لَا إِلَه إلاَّ الله، فَإِن لَا إل هـ إلاَّ الله كَلَام أطلق عَلَيْهِ الْكَلِمَة.

(23/198)


1866 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّب عنْ أبِيهِ قَالَ: لَ مَّا حَضَرَتْ أَبَا طالِبٍ الوَفاةُ جاءَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (قُلْ: لَا إلاهَ إلاّ الله، كَلِمَةً أُحاجُّ لَكَ بهَا عِنْدَ الله) .
الْكَلَام فِي ذكر هَذَا هُنَا مثل الْكَلَام الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن فِيمَا قبله، فَإِنَّهُ أطلق على قَول: (لَا إِلَه إِلَّا الله) كلمة، وَهَذَا مُخْتَصر تقدم تَمَامه فِي قصَّة أبي طَالب فِي آخر كتاب فَضَائِل الصَّحَابَة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَالْمُسَيب بِفَتْح الْيَاء وَكسرهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: هَذَا مِمَّا يبطل الْقَاعِدَة القائلة بِأَن شَرط البُخَارِيّ أَن لَا يروي عَن شخص حَتَّى يكون لَهُ راويان، وَلَيْسَ للمسيب إلاَّ راوٍ واحدٍ وَهُوَ ابْنه فَقَط.
قَوْله: (كلمة) بِالنّصب على أَنه فِي مَحل: لَا إل هـ إلاَّ الله، وَيجوز رَفعهَا على تَقْدِير: هِيَ كلمة. قَوْله: (أُحَاج) بِضَم الْهمزَة وَأَصله: احاجج، يَعْنِي: أظهر لَك بهَا الْحجَّة عِنْد الله يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة.

2866 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ حدّثنا عمارَةُ بنُ القَعْقاعِ عنْ أبي زُرْعَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كَلِمتَانِ خَفِيفَتانِ عَلى اللِّسانِ ثَقِيلتانِ فِي المِيزانِ حبِيبتانِ إِلَى الرَّحْمانِ: سُبْحانَ الله وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ الله العَظِيمِ) . (انْظُر الحَدِيث 6046 وطرفه) .
الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِيمَا قبله. وَأَبُو زرْعَة هرم البَجلِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب فضل التَّسْبِيح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن ابْن فُضَيْل ... إِلَى آخِره نَحوه، وَسَيَجِيءُ فِي آخر الْكتاب عِنْد خَتمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

3866 - حدّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا عَبْدُ الواحِدِ حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ شَقِيقٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَةً وقُلْتُ أُخْرَى: (مَنْ مَاتَ يَجْعَلُ لله نِدًّا أُدْخِلَ النَّارَ وقُلْتُ أُخْرَى، مَنْ ماتَ لَا يَجْعَلُ لله نِدًّا أدْخِلَ الجَنَّةَ) . (انْظُر الحَدِيث 8321 وطرفه) .

هُوَ أَيْضا مثل مَا قبله من إِطْلَاق الْكَلِمَة على الْكَلَام وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وشقيق هُوَ ابْن سَلمَة أَبُو وَائِل، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلمة) وَهِي قَوْله: (من مَاتَ وَهُوَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار) قَوْله: (وَقلت أُخْرَى) من كَلَام ابْن مَسْعُود أَي: قلت أَنا أُخْرَى، وَهِي (من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا أَدخل الْجنَّة) وَهَذَا مر فِي أول كتاب الْجَنَائِز فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره. قَوْله: (ندا) بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الدَّال: الْمثل والنظير. وَقَالَ الْكرْمَانِي الْعَكْس، الظَّاهِر أَن يُقَال: من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا لَا يدْخل النَّار ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح، لِأَن الموحد رُبمَا يدْخل النَّار، لَكِن دُخُول الْجنَّة مُحَقّق لَا شكّ فِيهِ. وَإِن كَانَ آخرا. انْتهى. قلت: كَلَامه فِي كَلَام ابْن مَسْعُود، فَافْهَم.