عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 02 - (بابُ مَنْ حلَف أنْ لَا يَدْخُلَ
عَلى أهْلِهِ شَهْراً وكانَ الشَّهْرُ تِسْعاً وعِشْرِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من حلف أَن لَا يدْخل على
أَهله شهرا. وَاتفقَ أَن الشَّهْر كَانَ تسعا وَعشْرين
يَوْمًا أَي: نَاقِصا. ثمَّ دخل عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَث
لِأَن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين، وَهَذَا لَا خلاف
فِيهِ إِذا حلف فِي أول جُزْء من الشَّهْر، وَأما إِذا حلف
فِي أثْنَاء الشَّهْر يتَعَيَّن أَن يلفق ثَلَاثِينَ
يَوْمًا عِنْد الْجُمْهُور. وَقَالَت طَائِفَة من
الْمَالِكِيَّة، مِنْهُم عبد الحكم: يَكْتَفِي بتسع
وَعشْرين.
4866 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا
سُلَيْمانُ بنُ بِلالٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ قَالَ: آل -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(23/199)
1764 - ; ى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مِنْ نِسائِهِ، وكانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ
فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعاً وعِشْرِينَ لَيْلَةً،
ثُمَّ نَزَل فقالُوا: يَا رسولَ الله! آلَيْتَ شَهْراً.
فَقَالَ: (إنَّ الشَّهْرَ يَكُونَ تِسْعاً وعِشْرِينَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي
الصَّوْم عَن عبد الْعَزِيز أَيْضا، وَفِي النِّكَاح عَن
خَالِد بن مخلد، وَفِي الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل بن أبي
أويس.
قَوْله: (آلى) أَي: حلف وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ
الْإِيلَاء الفقهي. قَوْله: (فِي مشربَة) بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَفتحهَا:
الغرفة.
12 - (بابٌ إنْ حَلَفَ أنْ لَا يَشْرَبَ نَبِيذاً فَشَرِبَ
طِلاءً أوْ سَكَراً أوْ عَصِيراً لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ
بَعْضِ النَّاسِ، ولَيْسَتْ هاذِهِ بِأنْبِذَةٍ عِنْدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: إِن حلف شخص أَن لَا يشرب
نبيذاً إِلَى آخِره، والنبيذ فعيل بِمَعْنى مفعول، وَهُوَ
الَّذِي يعْمل من الْأَشْرِبَة من: التَّمْر والزبيبت
وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة وَالشعِير والذرة والأرز وَنَحْو
ذَلِك، من نبذت التَّمْر إِذا ألقيت عَلَيْهِ المَاء ليخرج
عَلَيْهِ حلاوته، سَوَاء كَانَ مُسكرا أَو غير مُسكر،
فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ: نَبِيذ، وَيُقَال للخمر المعتصر من
الْعِنَب: نَبِيذ، كَمَا يُقَال للنبيذ خمر. قَوْله: طلاء،
بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَالْمدّ، ويروى: الطلاء،
بِالْألف وَاللَّام. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ
الشَّرَاب الْمَطْبُوخ من الْعِنَب وَهُوَ الرب، وَأَصله
القطران الخاثر الَّذِي يطلى بِهِ الْإِبِل، وَقَالَ
أَصْحَابنَا: الطلاء الَّذِي يذهب ثلثه وَإِن ذهب نصفه
فَهُوَ الْمنصف، وَإِن طبخ أدنى طبخه فَهُوَ الباذق،
وَالْكل حرَام إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد. قَوْله:
(أَو سكرا) بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ نَقِيع الرطب وَهُوَ
أَيْضا حرَام إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: السكر نَبِيذ يتَّخذ من التَّمْر. قَوْله:
(لم يَحْنَث فِي قَول بعض النَّاس) قَالَ ابْن بطال:
مُرَاد البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبُو حنيفَة وَمن
تبعه، فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن الطلاء والعصير ليسَا
نبيذاً لِأَن النَّبِيذ فِي الْحَقِيقَة مَا نبذ فِي
المَاء ونقع فِيهِ وَمِنْه سمى المنبوذ مَنْبُوذًا
لِأَنَّهُ ينْبذ ويطرح، فَأَرَادَ البُخَارِيّ الرَّد
عَلَيْهِم، ورد عَلَيْهِ من لَيْسَ لَهُ تعصب، فَقَالَ:
الَّذِي قَالَه هَذَا الشَّارِح بمعزل عَن مَقْصُود
البُخَارِيّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تصويب قَول أبي حنيفَة،
وَمن قَالَ: لم يَحْنَث وَلَا يضرّهُ. قَوْله: (بعده) فِي
قَول بعض النَّاس فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ خِلَافه لترجم على
أَنه يَحْنَث، وَكَيف يترجم على وفْق مَذْهَب
وَيُخَالِفهُ؟ انْتهى.
ثمَّ حسن بَعضهم مِمَّن لم يدْرك دقائق مَذْهَب أبي حنيفَة
كَلَام ابْن بطال، فَقَالَ: وَالَّذِي فهمه ابْن بطال أوجه
وَأقرب إِلَى مُرَاد البُخَارِيّ، وليت شعري مَا وَجه
الأوجهية والقرب وَأَبُو حنيفَة مَا رأى من شرب الطلاء،
إِلَّا الطلاء الَّذِي كَانَ يشربه أنس بن مَالك رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وروى ابْن أبي شيبَة فَقَالَ:
حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان ووكيع عَن عُبَيْدَة
عَن خَيْثَمَة عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه
كَانَ يشرب الطلاء على النّصْف، وَكَذَا: رُوِيَ عَن
الْبَراء وَأبي جُحَيْفَة وَجَرِير بن عبد الله وَابْن
الْحَنَفِيَّة وَشُرَيْح القَاضِي وَقيس بن سعد وَسَعِيد
بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ، وَقَالَ
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا فَهد قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن
يُونُس قَالَ: حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن ابْن أبي ليلى عَن
عِيسَى أَن أَبَاهُ بَعثه إِلَى أنس بن مَالك فِي حَاجَة
فأبصر عِنْده طلاء شَدِيدا، وَاسم أبي شهَاب عبد ربه بن
نَافِع الحناط بالنُّون الْكُوفِي، وَابْن أبي ليلى هُوَ
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى القَاضِي
الْكُوفِي، وَهُوَ يرْوى عَن أَخِيه عِيسَى بن عبد
الرَّحْمَن.
قَوْله: (وَلَيْسَت هَذِه) أَي: الطلاء وَالسكر والعصير
لَيست بأنبذة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَيْسَ.
قَوْله: (عِنْده) أَي: عِنْد بعض النَّاس وَهُوَ أَبُو
حنيفَة وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى دَلِيل ظَاهر
أَنه نقل هَكَذَا عَن أبي حنيفَة، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك
فَمَعْنَاه أَن كل وَاحِد مِنْهَا يُسمى باسم خَاص، وَإِن
كَانَ يُطلق عَلَيْهَا اسْم النَّبِيذ فِي الأَصْل. فَإِن
قلت: فعلى هَذَا من حلف على أَنه لَا يشرب نبيذاً فَشرب
شَيْئا من هَذِه الثَّلَاثَة يَنْبَغِي أَن لَا يَحْنَث.
قلت: إِن نوى تعْيين أحد هَذِه الْأَشْيَاء يَنْبَغِي أَن
لَا يَحْنَث، وَإِن أطلق يَحْنَث بِالنّظرِ إِلَى أصل
الْمَعْنى لَا بِالنّظرِ إِلَى الْعرف.
5866 - حدّثني عَلِي سَمعَ عَبْدَ العَزِيزِ بنَ أبي
حازِمٍ أخبرَنِي أبي عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ أنَّ أَبَا
أسَيْدٍ صاحِبَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْرَس،
فَدَعا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعُرْسِهِ
فَكانَتِ العَرُوسُ خادِمَهُمْ،
(23/200)
فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: هَلْ تَدْرُونَ
مَا سَقَتْهُ؟ قَالَ: أنْقَعَتْ لهُ تَمْراً فِي تَوْرٍ
مِنَ اللَّيْلِ حتَّى أصْبَحَ عَلَيْهِ فَسَقَتْهُ
إيَّاهُ.
قَالَ الْكرْمَانِي مُنَاسبَة الحَدِيث للباب مَفْهُوم
نَبِيذ، إِذْ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن مِنْهُ أَن
الْعَرُوس الْمَذْكُورَة فِيهِ سقت الْمُتَّخذ من
التَّمْر، فَفِيهِ الرَّد على بعض النَّاس. وَقَالَ صَاحب
(التَّوْضِيح) : وَجه تعلق البُخَارِيّ من حَدِيث سهل فِي
الرَّد على أبي حنيفَة وَهُوَ أَن سهلاً إِنَّمَا عرف
أَصْحَابه أَنه لم تسق الشَّارِع إِلَّا نبيذاً قريب
الْعَهْد بالانتباذ مِمَّا يخل شربه، أَلا ترى قَوْله:
(انقعت لَهُ تَمرا فِي تور من اللَّيْل حَتَّى أصبح
عَلَيْهِ فسقته إِيَّاه؟) وَهَكَذَا كَانَ ينْبذ لَهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْلًا ويشربه غدْوَة، وينبذ لَهُ
غدْوَة ويشربه عَشِيَّة انْتهى.
قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث سهل رد قطّ على أبي حنيفَة
لِأَنَّهُ لم ينف اسْم النَّبِيذ عَن الْمُتَّخذ من
التَّمْر، وَإِنَّمَا قَالَ: الطلاء وَالسكر والعصير لَيست
بأنبذة على تَقْدِير صِحَة النَّقْل عَنهُ بذلك، لِأَن
كلاًّ مِنْهَا يُسمى باسم خَاص، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَعلي شيخ البُخَارِيّ فِيهِ هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ،
وَعبد الْعَزِيز فِيهِ يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة
بن دِينَار الْأَعْرَج، وَهُوَ يروي عَن سهل بن سعد
السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، كَانَ اسْمه حزنا فَسَماهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سهلاً، وَأَبُو أسيد،
بِضَم الْهمزَة مصغر الْأسد: مَالك السَّاعِدِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب
الانتباذ فِي الأوعية. قَوْله: (صَاحب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) ، ذكر لفظ: صَاحب، إِمَّا استلذاذاً
وَإِمَّا افتخاراً وَإِمَّا تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِمَّا
تفهيماً لمن لَا يعرفهُ. قَوْله: (فَكَانَت الْعَرُوس) ،
على وزن: فعول يَسْتَوِي فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى
وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الزَّوْجَة. قَوْله: (خادمهم) ،
بالتذكير لِأَنَّهُ يُطلق على الرجل وَالْمَرْأَة كليهمَا.
قَوْله: (فِي تور) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَسُكُون الْوَاو وبالراء هُوَ إِنَاء من صفر أَو حجر
كالأجانة وَقد يتَوَضَّأ مِنْهُ. قَوْله: (فسقته إِيَّاه)
، أَي: فسقت الْعَرُوس الْمَذْكُورَة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، أَي: التَّمْر المنقوع فِي التور.
6866 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عَبْدُ الله
أخبرنَا إسْماعِيلُ بن أبي خالِدٍ عَن الشَّعْبِيِّ عنْ
عِكْرِمَةَ عَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عنْ
سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ:
ماتَتْ لَنا شاةٌ فدَبَغْنا مَسْكَها ثُمَّ مَا زِلْنا
نَنْبِذُ فِيهِ حتَّى صارَتْ شَنًّا.
قيل: مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا زلنا ننبذ
فِيهِ) وَأَنَّهُمْ دبغوا مسك الشَّاة للانتباذ فِيهِ.
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا وَجه اسْتِدْلَال
البُخَارِيّ من حَدِيث سَوْدَة.
قلت: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة، إلاَّ أَن
يُؤْخَذ ذَلِك بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور بالتعسف وَلَيْسَ
المُرَاد ذَلِك لِأَن فِي زعم هَؤُلَاءِ أَن هَذَا يرد على
أبي حنيفَة فِيمَا نقلوا عَنهُ، فَلذَلِك أوردهُ
البُخَارِيّ هُنَا، وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ
الْآن.
وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن
الْمُبَارك الْمروزِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد
واسْمه سعد، وَيُقَال: هُرْمُز البَجلِيّ عَن عَامر
الشّعبِيّ عَن عِكْرِمَة عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن
سَوْدَة بنت زَمعَة رَضِي الله عَنْهَا. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: (مسكها) بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ الْجلد. قَوْله:
(شناً) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون
وَهُوَ الْقرْبَة الْخلق.
22 - (بابٌ إِذا حَلَفَ أنْ لَا يَأْتَدِمَ فأكَلَ تَمْراً
بِخُبْزٍ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الأُدْمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حلف أَن لَا يَأْكُل
أدماً فَأكل تَمرا بِخبْز أَي: ملتبساً بِهِ مُقَارنًا
لَهُ. وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يكون بذلك
مؤتدماً أم لَا. قَوْله: (مَا يكون من الْأدم) عطف على
جملَة الشَّرْط وَالْجَزَاء أَي: بَاب يذكر فِيهِ أَيْضا
مَا يكون أَي: شَيْء يكون من الْأدم، وَلم يذكر حكم هذَيْن
الْمَذْكُورين اعْتِمَادًا على مستنبط الْأَحْكَام من
النُّصُوص أما الْفَصْل الأول: فقد روى فِيهِ عَن حَفْص بن
غياث عَن مُحَمَّد بن يحيى الْأَسْلَمِيّ عَن يزِيد
الْأَعْوَر عَن ابْن أبي أُميَّة عَن يُوسُف عَن عبد الله
بن سَلام قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَخذ كسرة من خبز شعير فَوضع عَلَيْهَا تَمرا، وَقَالَ:
هَذِه إدام هَذِه فَأكلهَا، وَبِهَذَا يحْتَج أَن كل مَا
يُوجد فِي
(23/201)
الْبَيْت غير الْخبز فَهُوَ إدام سَوَاء
كَانَ رطبا أَو يَابسا، فعلى هَذَا إِن من حلف أَن لَا
يأتدم فَأكل خبْزًا بِتَمْر فَإِنَّهُ يَحْنَث، وَلَكِن
قَالُوا: إِن هَذَا مَحْمُول على أَن الْغَالِب فِي تِلْكَ
الْأَيَّام أَنهم كَانُوا يتقوتون بِالتَّمْرِ لشظف عيشهم
وَلعدم قدرتهم على غَيره إلاّ نَادرا وَأما الْفَصْل
الثَّانِي: فَفِيهِ خلاف بَين الْعلمَاء فَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: الإدام مَا يصطبغ بِهِ مثل
الزَّيْت وَالْعَسَل وَالْملح والخل، وَأما مَا لَا يصطبغ
بِهِ مثل اللَّحْم المشوي والجبن وَالْبيض فَلَيْسَ بإدام،
وَقَالَ مُحَمَّد: هَذِه إدام وَبِه قَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف.
فَإِن قلت: معنى مَا يصطبغ بِهِ مَا يخْتَلط بِهِ الْخبز،
فَكيف يخْتَلط الْخبز بالملح؟ .
قلت: يذوب فِي الْفَم فَيحصل الِاخْتِلَاط. وَفِي
(التَّوْضِيح) : وَعند الْمَالِكِيَّة يَحْنَث بِكُل مَا
هُوَ عِنْد الْحَالِف إدام وَلكُل قوم عَادَة.
7866 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفيْانُ عنْ
عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَابس عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: (مَا شَبِعَ آلُ محَمَّد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ خُبُز بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثَةَ
أيَّامٍ حتَّى لَحَقَ بِاللَّه) .
قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ دلّ الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟
ثمَّ قَالَ: لما كَانَ التَّمْر غَالب الْأَوْقَات
مَوْجُودا فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانُوا شباعاً مِنْهُ علم أَنه لَيْسَ أكل الْخبز بِهِ
ائتداماً أَو ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب
بِأَدْنَى مُلَابسَة وَهُوَ لفظ؛ المأدوم، وَلم يذكر غَيره
لِأَنَّهُ لم يجد حَدِيثا بِشَرْطِهِ يدل على
التَّرْجَمَة، أَو هُوَ أَيْضا من جملَة تَصَرُّفَات
النقلَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرُوهُ. انْتهى.
قلت: ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: الْوَجْه الأول: رده بَعضهم
بقوله: هُوَ مباين لمراد البُخَارِيّ وَلم يبين المُرَاد
مَا هُوَ؟ .
قلت: حَدِيث عبد الله بن سَلام الْمَذْكُور آنِفا أقوى فِي
الرَّد عَلَيْهِ الْوَجْه الثَّانِي: قَالَ فِيهِ بَعضهم:
إِنَّه هُوَ المُرَاد لَكِن يَنْضَم إِلَيْهِ مَا ذكره
ابْن الْمُنِير، وَالَّذِي ذكره ابْن الْمُنِير هُوَ أَنه
قَالَ: مَقْصُود البُخَارِيّ الرَّد على من زعم أَنه لَا
يُقَال ائتدم إلاَّ إِذا أكل مَا يصطبغ بِهِ. انْتهى.
قلت: الحَدِيث لَا يدل أصلا على رد الزاعم بِهَذَا لِأَن
لفظ: مأدوم، أَعم من أَن يكون الإدام فِيهِ مِمَّا يصطبغ
بِهِ أَو لَا يصطبغ بِهِ. الْوَجْه الثَّالِث: بعيد جدا
على مَا لَا يخفى.
وَمُحَمّد بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ هُوَ البُخَارِيّ
البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبد
الرَّحْمَن بن عَابس بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالياء
الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة وبالسين الْمُهْملَة يروي عَن
أَبِيه عَابس بن ربيعَة النَّخعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن خَلاد بن يحيى عَن
سُفْيَان مطولا، وَهنا ذكر قِطْعَة مِنْهُ.
قَوْله: تباعا) بِكَسْر التَّاء أَي: متتابعة. قَوْله:
(حَتَّى لحق بِاللَّه) كِنَايَة عَن الْمَوْت.
وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: أخبرنَا سُفْيانُ حدّثنا عَبْدُ
الرَّحْمانِ عنْ أبِيهِ أنّهُ قَالَ لِ عائِشَةَ بِهاذَا.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة
الْبَصْرِيّ وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، وسُفْيَان
هُوَ الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن عَابس
الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وَإِنَّمَا ذكره
البُخَارِيّ مذاكرة عَن ابْن كثير إِشَارَة لدفع مَا
يتَوَهَّم من العنعنة فِي الطَّرِيق الَّتِي قبلهَا من
الِانْقِطَاع، وَقد صرح فِي هَذَا الطَّرِيق لقَوْله أَنه
قَالَ لعَائِشَة أَي: أَن عَابِسا وَالِد عبد الرَّحْمَن
قَالَ لعَائِشَة بِهَذَا، يَعْنِي: سَأَلَ مِنْهَا بعد أَن
لقيها عَن هَذَا الحَدِيث.
8866 - حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ إسْحاقَ بنِ
عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَس بنَ
مالِكٍ قَالَ: قَالَ أبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَ
قَدْ سَمِعْتُ صَوْت رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ضَعِيفاً أعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ
شَيْءٍ؟ فقالَتْ: نَعَمْ. فأخْرَجَتْ أقْراصاً مِنْ
شَعِيرٍ ثُمَّ أخَذَتْ خِماراً لَهَا فَلَفَّتِ الخُبْزَ
بِبَعْضِهِ ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ ومَعَهُ النَّاسُ،
فَقُمْت عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (أرْسَلَكَ أبُو طَلْحَةَ؟) فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمَنْ
مَعَهُ: (قُومُوا فانَّطَلَقُوا) وانْطَلَقْتُ بَيْنَ
أيدِيهِمْ حتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ
(23/202)
فأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا
أُمَّ سُلَيْمٍ! قَدْ جاءَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ولَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعامِ مَا نُطْعِمُهُمْ.
فقالَتِ: الله ورَسولُهُ أعْلَمُ، فانْطَلَقَ أبُو
طَلْحَةَ حتَّى لَقِيَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فأقْبَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو
طَلْحَةَ مَعهُ حتَّى دَخَلاَ، فَقَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (هَلُمِّي يَا أمَّ سُلَيْمٍ، مَا
عِنْدَكَ؟) فأتَتْ بِذالِكَ الخُبْزِ، قَالَ: فأمَرَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذالِكَ الخُبْزِ فَفُتَّ
وعَصَرَتْ أمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَها فأدَمَتْهُ، ثُمَّ
قَالَ فِيهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شاءَ
الله أَن يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: (إئْذَنْ لِعَشَرَةٍ)
فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجوا،
ثُمَّ قَالَ: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) فأذِنَ لَهُمْ فأكلُوا
حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: (ائْذَنْ
لِعَشَرَةٍ) فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وشَبعُوا والقَوْمُ
سَبْعُونَ أَو ثَمانُونَ رَجُلاً. إِذن
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:
(فأدمته) .
والْحَدِيث قد مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِطُولِهِ
وَفِي الصَّلَاة مُخْتَصرا عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي
الْأَطْعِمَة عَن إِسْمَاعِيل وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَأَبُو طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم
سليم أم أنس بن مَالك.
قَوْله: (عكة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف
وَهِي إِنَاء السّمن. قَوْله: (فأدمته) أَي خلطت الْخبز
بالإدام.
وَفِيه: معْجزَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
32 - (بابُ النِّيَّةِ فِي الأيْمانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النِّيَّة فِي الْأَيْمَان
بِفَتْح الْهمزَة جمع يَمِين، كَذَا فِي رِوَايَة
الْجَمِيع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي بعض الرِّوَايَة
الْأَيْمَان بِكَسْر الْهمزَة، ثمَّ قَالَ: مَذْهَب
البُخَارِيّ أَن الْأَعْمَال دَاخِلَة فِي الْإِيمَان،
وَقَالَ الْمُهلب وَغَيره، إِذا كَانَت الْيَمين بَين
العَبْد وربه لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَنه يَنْوِي وَيحمل
على نِيَّته، وَإِذا كَانَت بَينه وَبَين آدَمِيّ وَادّعى
فِي نِيَّته غير الظَّاهِر لم يقبل قَوْله. وَحمل على
ظَاهر كَلَامه إِذا كَانَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِإِجْمَاع،
وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن الْيَمين على نِيَّة الْحَالِف
إلاَّ فِي حق الْآدَمِيّ على نِيَّة المستحلف، كَمَا
ذكرنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: النِّيَّة نِيَّة الْحَالِف
أبدا وَله أَن يوري، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب
وَأَجْمعُوا على أَنه: لَا يوري فِيمَا إِذا اقتطع مَال
أمرىء مُسلم بِيَمِينِهِ.
9866 - حدّثنا قتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَاى بنَ سَعِيدٍ يَقُولُ:
أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ إبْرًّهِيمَ أنّهُ سَمعَ
عَلْقَمَةَ بنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ
عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ:
(إنّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامْرِىءٍ مَا
نَوى، فَمَنْ كانَت هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ
فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ، ومَنْ كانَتْ
هِجْرِّتُهُ إِلَى دُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأةٍ
يَتَزَوَّجُها فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إلَيْهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْيَمين أَيْضا عمل،
وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ،
وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن
إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي.
والْحَدِيث مر فِي أول الْكتاب، وَمر الْكَلَام فِيهِ
مستقصًى.
42 - (بابٌ إِذا أهْدَى مالَهُ عَلى وَجْهِ النَّذْرِ
والتَّوْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أهْدى شخص مَاله أَي جعله
هَدِيَّة للْمُسلمين أَو تصدق بِهِ على وَجه النّذر أَو
على وَجه التَّوْبَة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَسُكُون الْوَاو، وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْجَمِيع
إلاَّ الْكشميهني، فَإِن فِي رِوَايَته: إلاَّ الْقرْبَة،
بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء، وَجَوَابه مَحْذُوف
تَقْدِيره: هَل ينفذ ذَلِك إِذا نجزه أَو علقه؟ وَهَذَا
الْبَاب أول أَبْوَاب النذور لِأَن
(23/203)
الْكتاب كَانَ فِي الْأَيْمَان
وَالنُّذُور، وَفرغ من أَبْوَاب الْأَيْمَان وَشرع فِي
أَبْوَاب النذور، وَهُوَ جمع نذر وَهُوَ إِيجَاب شَيْء من
عبَادَة أَو صَدَقَة أَو نَحْوهمَا على نَفسه تَبَرعا،
يُقَال: نذرت الشَّيْء أنذر وأنذر بِالْكَسْرِ وَالضَّم
نذرا. وَيُقَال النّذر فِي اللُّغَة الْتِزَام خير أَو
شَرّ، وَفِي الشَّرْع: الْتِزَام الْمُكَلف شَيْئا لم يكن
عَلَيْهِ مُنجزا أَو مُعَلّقا، وَالنّذر نَوْعَانِ: نذر
تبرر، وَنذر لجاج.
فَالْأول: على قسمَيْنِ: أَحدهمَا: مَا يتَقرَّب بِهِ
ابْتِدَاء كَقَوْلِه: لله على أَن أَصوم كَذَا ...
مُطلقًا، أَو: أَصوم شكرا على أَن شفي الله مريضي. .
وَنَحْوه، وَقيل: الِاتِّفَاق على صِحَّته فِي
الْوَجْهَيْنِ وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة فِي الْوَجْه
الثَّانِي أَنه لَا ينْعَقد. وَالثَّانِي: من الْقسمَيْنِ:
مَا يتَقرَّب بِهِ مُعَلّقا كَقَوْلِه: إِن قدم فلَان من
سَفَره فعلي أَن أَصوم كَذَا، وَهَذَا لَازم اتِّفَاقًا.
وَنذر اللجاج كَذَلِك على قسمَيْنِ: أَحدهمَا: مَا يعلقه
على فعل حرَام أَو ترك وَاجِب فَلَا ينْعَقد. وَالْقسم
الآخر: مَا يتَعَلَّق بِفعل مُبَاح أَو ترك مُسْتَحبّ أَو
خلاف الأولى، فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال للْعُلَمَاء:
الْوَفَاء أَو كَفَّارَة يَمِين أَو التَّخْيِير بَينهمَا
عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَعند الْمَالِكِيَّة: لَا ينْعَقد
أصلا، وَعند الْحَنَفِيَّة: يلزمة كَفَّارَة الْيَمين فِي
الْجَمِيع.
0966 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ
أَخْبرنِي يُونُسُ عَن ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي عَبْدُ
الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ
وَكَانَ قائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ:
سَمِعْتُ كعْبَ بنِ مالِكٍ فِي حَدِيثِهِ: {وعَلى
الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 811) فَقَالَ فِي
آخر حَدِيثِهِ: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ
مالِي صَدَقَةً إِلَى الله ورسُولِهِ، فَقَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مالِكَ
فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَعْب بن مَالك جعل من
تَوْبَته انخلاعه من مَاله صَدَقَة إِلَى الله وَرَسُوله.
قيل: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الانخلاع الْمَذْكُور
مَا يدل على النّذر مِنْهُ، والترجمة فِيهَا النّذر
وَيُمكن الْجَواب بِأَن يُقَال: إِن فِي الانخلاع معنى
الِالْتِزَام، وَفِي الِالْتِزَام معنى النّذر، وَلم يذكر
هَذَا أحد من الشُّرَّاح.
وَأحمد بن صَالح أَبُو جَعْفَر الْمصْرِيّ يروي عَن عبد
الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي
عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى بِطُولِهِ فِي كاب الْمَغَازِي.
وَكَعب ابْن مَالك هُوَ أحد {الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا}
وَنزلت الْآيَة فِيهِ وَفِي صَاحِبيهِ، وهما: مرَارَة
بِضَم الْمِيم وهلال. قَوْله: (فِي حَدِيثه) أَي: فِي
حَدِيث تخلفه عَن غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (أَن انخلع)
كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وأنخلع من الانخلاع أَي: أَن
أعرى من مَالِي كَمَا يعرى الْإِنْسَان إِذا خلع ثَوْبه.
قَوْله: (أمسك عَلَيْك بعض مَالك) وَفِي رِوَايَة أبي
دَاوُد عَن أَحْمد بن صَالح بِهَذَا السَّنَد: فَقلت:
إِنِّي أمسك سهمي الَّذِي يخيبر. قَوْله: (فَهُوَ خير لَك)
أَي: إمْسَاك بعض مَالك خير لَك، وَعين الْبَعْض فِي
رِوَايَة لأبي دَاوُد قَالَ: يجزىء عَنْك الثُّلُث.
اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن نذر أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِ
مَاله على عشرَة أَقْوَال.
الأول: يلْزمه ثلث مَاله، وَبِه قَالَ مَالك. الثَّانِي:
إِنَّه إِن كَانَ مَلِيًّا فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ فَقِيرا
فكفارة يَمِين، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَابْن وهب.
الثَّالِث: إِن كَانَ متوسطاً يخرج بِحِصَّة الثُّلُث،
وَهُوَ قَول ربيعَة. الرَّابِع: يخرج مَا لَا يضر بِهِ،
وَهُوَ قَول سَحْنُون من الْمَالِكِيَّة. الْخَامِس: يخرج
زَكَاة مَاله، يرْوى ذَلِك عَن ربيعَة أَيْضا. السَّادِس:
يخرج جَمِيع مَاله، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.
السَّابِع: إِن علقه بِشَرْط كَقَوْلِه: إِن شفى الله
مريضي، أَو إِن دخلت الدَّار ... فَالْقِيَاس أَن يلْزمه
إِخْرَاج كل مَاله، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. الثَّامِن:
إِن أخرج نَذره مخرج التبرر مثل: إِن شفي الله مريضي
فَيلْزمهُ جَمِيع مَاله، وَإِن كَانَ لجاجاً وغضباً فيقصد
منع نَفسه من فعل مُبَاح كَأَن دخلت الدَّار فَهُوَ
بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَن يَفِي بذلك أَو يكفر كَفَّارَة
يَمِين، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. التَّاسِع: لَا يلْزمه
شَيْء أصلا، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى، وطاووس
وَالشعْبِيّ. الْعَاشِر: يحبس لنَفسِهِ من مَاله قوت
شَهْرَيْن ثمَّ يتَصَدَّق بِمثلِهِ إِذا أَفَادَ، وَهُوَ
قَول زفر.
52 - (بابٌ إِذا حَرَّمَ طَعامَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حرم الشَّخْص طَعَامه
بِأَن قَالَ: طَعَام كَذَا أَو شراب كَذَا عَليّ حرَام،
أَو قَالَ: نذر لله أَن لَا آكل
(23/204)
كَذَا أَو لَا أشْرب كَذَا، وَلم يذكر
جَوَاب: إِذا، على عَادَته. قَوْله: طَعَامه، وَرُوِيَ عَن
أبي ذَر، طَعَاما، وَالْجَوَاب ينْعَقد يَمِينه، وَعَلِيهِ
كَفَّارَة يَمِين إِذا استباحه، لَكِن إِذا حلف وَهُوَ
الَّذِي ذهب إِلَيْهِ البُخَارِيّ، فَلذَلِك أورد حَدِيث
الْبَاب، لِأَن فِيهِ: قد حَلَفت، وَعَن أبي حنيفَة
وَالْأَوْزَاعِيّ كَذَلِك، وَلَكِن لَا يشْتَرط لفظ
الْحلف. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي
ذَلِك، وَقَالَ مَالك: لَا يكون الْحَرَام يَمِينا فِي
طَعَام وَلَا شراب إلاَّ فِي الْمَرْأَة، فَإِنَّهُ يكون
طَلَاقا يحرمها عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي
كَذَلِك، رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ، وَرُوِيَ عَن بعض
التَّابِعين أَن التَّحْرِيم لَيْسَ بِشَيْء سَوَاء حرم
عَلَيْهِ زَوجته أَو شَيْئا من ذَلِك لَا يلْزمه كَفَّارَة
فِي شَيْء من ذَلِك، وَبِه قَالَ أَبُو سَلمَة ومسروق
وَالشعْبِيّ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ
اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ
مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (التَّحْرِيم:
1 2) وقَوْلُهُ: { (5) لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله
لكم} (الْمَائِدَة: 78) [/ ح.
ذكر هَاتين الْآيَتَيْنِ إِشَارَة إِلَى بَيَان مَا ذكره
من التَّرْجَمَة بِأَن تَحْرِيم الْمُبَاح يَمِين، وفيهَا
الْكَفَّارَة. لَكِن لفظ الْحلف شَرط عِنْده كَمَا
ذَكرْنَاهُ، وَسبب نزُول الْآيَة الأولى قد مر فِي كتاب
الطَّلَاق فِي: بَاب {لم تحرم مَا أحل الله لَك} وَأورد
فِيهِ حديثين عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَبَين
فيهمَا قصَّة تَحْرِيم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
مَارِيَة الَّتِي أهداها إِلَيْهِ الْمُقَوْقس صَاحب
اسكندرية، وَالْعَسَل، وَذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ: هَل
نزلت الْآيَة فِي تَحْرِيم مَارِيَة أَو فِي تَحْرِيم
الْعَسَل؟ قَوْله: {تبتغي مرضات أَزوَاجك} أَي: تطلب رضاهن
بِتَحْرِيم ذَلِك قَوْله: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة
أَيْمَانكُم} (التَّحْرِيم: 2) . أَي: قد قدر الله مَا
تحللون بِهِ أَيْمَانكُم، وأصل تحللة تَحِلَّة على وزن:
تفعلة، فادغمت اللَّام فِي اللَّام وَهِي من المصادر
كالترضية وَالتَّسْمِيَة قَوْله: {لَا تحرموا طَيّبَات مَا
أحل الله لكم} (الْمَائِدَة: 78) هَذَا توبيخ لمن فعل
ذَلِك، فَلذَلِك قَالَ: {لَا تَعْتَدوا} فَجعل ذَلِك من
الاعتداء.
1966 - حدّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا الحَجَّاجُ
عنِ ابنِ جُرَيْج قَالَ: زَعَمَ عَطاءٌ أنّهُ سَمِعَ
عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عائِشَةَ
تَزْعْمُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ
يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْت جَحش ويَشْرَبُ عِنْدَها
عَسَلاً، فَتَواصَيْتُ أَنا وحَفْصَةُ أنَّ أيَّتَنا دَخلَ
عَلَيْها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْتَقُلْ:
إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغافِيرَ {أكَلْتَ مَغافِيرَ؟
فَدَخَلَ عَلى إحْداهُما فَقالَتْ ذالِكَ لهُ، فَقَالَ:
(لَا} بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ
جَحْشِ، ولَنْ أعُودَ لهُ) فَنَزَلَتْ: {ياأَيُّهَا
النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ} (التَّحْرِيم: 1) {إِن تَتُوبَا إِلَى الله}
(التَّحْرِيم: 4) لِعائِشَةَ وحَفْصَةَ: {وَإِذ أسر
النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} (التَّحْرِيم: 3)
لِقَوْلِهِ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً) .
وَقَالَ لِي إبْراهِيمُ بنُ مُوسى عنْ هِشامٍ: (ولَنْ
أعُودَ لَهُ، وقَددْ حَلَفْتُ فَلا تُخْبِرِي بِذالِكَ
أحَداً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مُحَمَّد بن
الصَّباح الزَّعْفَرَانِي، وَالْحجاج هُوَ ابْن مُحَمَّد
المصِّيصِي، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز
بن جريج الْمَكِّيّ، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح،
وَعبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا مصغر.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّلَاق بِعَين هَذَا
الْإِسْنَاد والمتن، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (زعم) أَي: قَالَ، وَكَذَا معنى: تزْعم، أَي:
تَقول. قَوْله: (أَن أَيَّتنَا) بِالتَّاءِ لُغَة فِي
أَيّنَا، وَالْمَشْهُور بِغَيْر التَّاء. قَوْله:
(مَغَافِير) بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء جمع مغْفُور،
وَهُوَ نوع من الصمغ يتحلب عَن بعض الشّجر حُلْو كالعسل
وَله رَائِحَة كريهة، وَيُقَال أَيْضا: مغاثير، بالثاء
الْمُثَلَّثَة بدل الْفَاء جمع: مغثور كثوم وفوم،
وَيُقَال: المغفور شَيْء ينضحه شجر العرفط كريه
الرَّائِحَة، وَقيل: هُوَ حُلْو كالناطف يحل بِالْمَاءِ
وَيشْرب، وَقَالَ أَبُو عمر: وَيُقَال أَغفر الرمث إِذا
ظهر ذَلِك فِيهِ، وَقَالَ الْكسَائي: خرج النَّاس يتمغفرون
إِذا خَرجُوا يجتنونه من ثمره، وَكَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يكره أَن تُوجد مِنْهُ الرَّائِحَة لأجل
مُنَاجَاة الْمَلَائِكَة
(23/205)
فَحرم على نَفسه بِظَنّ، صدقهما. قَالَ
الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ على أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَمْثَال ذَلِك؟ ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ من مقتضيات
الْغيرَة الطبيعية للنِّسَاء، وَهُوَ صَغِيرَة مَعْفُو
عَنْهَا، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: تقدم فِي كتاب الطَّلَاق
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شرب فِي بَيت حَفْصَة،
والمتظاهرات هِيَ عَائِشَة وَسَوْدَة وَزَيْنَب.
قلت: لَعَلَّ الشّرْب كَانَ مرَّتَيْنِ. قَوْله: (وَلنْ
أَعُود لَهُ) أَي: قَالَ: وَالله لَا أَعُود لَهُ،
فَلذَلِك كفره. قَوْله: (لعَائِشَة) أَي: الْخطاب
لعَائِشَة وَحَفْصَة. قَوْله: (وَإِذ أسر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا) لقَوْله:
(بل شربت عسلاً) أَي: الحَدِيث المسر كَانَ ذَلِك القَوْل.
قَوْله: وَقَالَ لي إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، وَفِي رِوَايَة
أبي ذَر: وَقَالَ إِبْرَاهِيم، بِغَيْر لفظ: لي، وَقد تقدم
فِي التَّفْسِير بِلَفْظ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى
وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير يروي عَن
هِشَام بن يُوسُف وَصرح بِهِ فِي التَّفْسِير، وَقد اختصر
هُنَا بِغَيْر السَّنَد وَمرَاده أَن هشاماً رَوَاهُ عَن
ابْن جريج بالسند الْمَذْكُور والمتن إِلَى قَوْله:
قَوْله: (وَلنْ أَعُود) فَزَاد: (وَقد حَلَفت فَلَا
تُخْبِرِي بذلك أحدا) .
62 - (بابُ الوَفَاء بالنَّذْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم وَفَاء النَّاذِر بنذره،
وَفِي بَيَان فضل الْوَفَاء بِالنذرِ.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوفونَ بِالنذرِ} (الْإِنْسَان: 7)
أورد هَذِه الْآيَة إِشَارَة إِلَى أَن الْوَفَاء بِالنذرِ
مِمَّا يجلب الثَّنَاء على فَاعله، وَلَكِن المُرَاد هُوَ
نذر الطَّاعَة لَا نذر الْمعْصِيَة، وَقَامَ الْإِجْمَاع
على وجوب الْوَفَاء إِذا كَانَ النّذر بِالطَّاعَةِ، وَقد
قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفوا بِالْعُقُودِ}
(الْمَائِدَة: 1) وَقَالَ {يُوفونَ بِالنذرِ} فمدحهم بذلك،
وَاخْتلف فِي ابْتِدَاء النّذر فَقيل: إِنَّه مُسْتَحبّ،
وَقيل: مَكْرُوه وَبِه جزم النَّوَوِيّ، وَنَصّ
الشَّافِعِي على أَنه خلاف الأولى، وَحمل بعض
الْمُتَأَخِّرين النَّهْي على نذر اللجاج، وَاسْتحبَّ نذر
التبرر.
2966 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ صالحٍ حدّثنا فُلَيْحُ بنُ
سُلَيْمانَ حدّثنا سَعِيد بنُ الحارِثِ أنّه سَمِعَ ابنَ
عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: أوَ لَمْ يُنْهَوْا
عَن النَّذْرِ؟ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (إنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئاً وَلَا
يؤخِّرُ، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بالنَّذْرِ مِنَ البَخِيلِ)
. (انْظُر الحَدِيث 8066 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن صَالح الوحاظي
بِضَم الْوَاو وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد
الْألف ظاء مُعْجمَة، وفليح مصغر فلح وَسَعِيد بن
الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الْمدنِي قَاضِي الْمَدِينَة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَو لم ينهوا عَن النّذر) على صِيغَة
الْمَجْهُول. وَقَالَ الْكرْمَانِي بِلَفْظ الْمَعْرُوف
والمجهول، وَفِيه حذف بَينه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك)
: والإسماعيلي عَن سعيد بن الْحَارِث قَالَ: كنت عِنْد
ابْن عمر فَأَتَاهُ مَسْعُود بن عَمْرو أحد بني عَمْرو بن
كَعْب فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن {إِن ابْني كَانَ
مَعَ عمر بن عبيد الله بن معمر بِأَرْض فَارس، فَوَقع
فِيهَا وباء وطاعون شَدِيد، فَجعلت على نَفسِي لَئِن الله
سلم ابْني ليمشين إِلَى بَيت الله تَعَالَى، فَقدم علينا
وَهُوَ مَرِيض ثمَّ مَاتَ، فَمَا تَقول؟ فَقَالَ ابْن عمر:
أَو لم ينهوا عَن النّذر؟ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ... فَذكر الحَدِيث الْمَرْفُوع، وَزَاد: أوف
بِنَذْرِك، وَقَالَ أَبُو عَامر. فَقَالَ: يَا أَبَا عبد
الله} إِنَّمَا نذرت أَن يمشي ابْني. فَقَالَ: أوف
بِنَذْرِك، قَالَ سعيد بن الْحَارِث: فَقلت لَهُ: أتعرف
سعيد بن الْمسيب؟ قَالَ: نعم. قلت لَهُ: إذهب إِلَيْهِ
ثمَّ أَخْبرنِي مَا قَالَ لَك. قَالَ: فَأَخْبرنِي أَنه
قَالَ لَهُ: امش عَن ابْنك.
قلت: يَا أَبَا مُحَمَّد! وَترى ذَلِك مَقْبُولًا؟ قَالَ:
نعم. أَرَأَيْت لَو كَانَ على ابْنك دين لَا قَضَاء لَهُ
فقضيته أَكَانَ ذَلِك مَقْبُولًا؟ قَالَ: نعم. قَالَ:
فَهَذَا مثل هَذَا. انْتهى. وَأَبُو عبد الرَّحْمَن كنية
عبد الله بن عمر، وَأَبُو مُحَمَّد كنية سعيد بن الْمسيب.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا
يدل على كَونهم منهيين.
قلت: يفهم من السِّيَاق أَو لما كَانَ مَشْهُور بَينهم لم
يذكرهُ هَهُنَا وَجَاء صَرِيحًا فِي الحَدِيث بعده.
قَوْله: (لَا يقدم شَيْئا وَلَا يُؤَخر) ويروى: وَلَا
يُؤَخِّرهُ، بضمير الْمَنْصُوب وَمَعْنَاهُ: لَا يقدم
شَيْئا من قدر الله ومشيئته، وَلَا يُؤَخِّرهُ، وَفِي
رِوَايَة عبد الله بن مرّة: لَا يرد شَيْئا، وَهِي أَعم
على مَا يَأْتِي الْآن. وَكَذَلِكَ يَأْتِي فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة: لَا يَأْتِي ابْن آدم النّذر بِشَيْء لم يكن
قدر لَهُ، وَفِي رِوَايَة: لَا يقرب من ابْن آدم شَيْئا لم
يكن الله قدره لَهُ. قَوْله: (وَإِنَّمَا يسْتَخْرج
بِالنذرِ من الْبَخِيل) يَعْنِي: أَن من النَّاس من لَا
يسمح
(23/206)
من بِالصَّدَقَةِ وَالصَّوْم إلاَّ إِذا
نذر شَيْئا لخوف أَو طمع، فَكَأَنَّهُ لَو لم يكن ذَلِك
الشَّيْء الَّذِي طمع فِيهِ أَو خافه لم يسمح بِإِخْرَاج
مَا قدره الله تَعَالَى، مَا لم يكن يَفْعَله فَهُوَ بخيل.
3966 - حدّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَاى حَدثنَا سُفْيانُ عنْ
مَنْصُور أخبرنَا عَبْدُ الله بن مُرَّةَ عنْ عَبْدِ الله
بنِ عُمَرَ قَالَ: نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن النَّذْرِ. وَقَالَ: (إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئاً،
ولاكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ) . (انْظُر
الحَدِيث 8066 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن خَلاد بن
يحيى بن صَفْوَان الْكُوفِي، سكن مَكَّة، يروي عَن
سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن عبد
الله بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء. وَمضى
الحَدِيث فِي الْقدر عَن أبي نعيم.
قَوْله: (من الْبَخِيل) وَفِي رِوَايَة مُسلم: من الشحيح،
وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: من اللَّئِيم.
4966 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حدّثنا أبُو
الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَأْتِي ابنَ آدَمَ
النَّذْرُ بِشْيءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلاكِنْ
يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى القَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ،
فَيَسْتَخْرِجُ الله بِهِ مِنَ البَخِيلِ فَيُؤْتِينِي
عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مِنْ
قَبْلُ) . (انْظُر الحَدِيث 9066) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم
بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله
بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق الثَّوْريّ عَن أبي
الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة فِي
الْكَفَّارَات وَلَفظه: إِن النّذر لَا يَأْتِي ابْن آدم
بِشَيْء إلاَّ مَا قدر لَهُ.
قَوْله: (ابْن آدم) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول، (وَالنّذر)
، بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (لم يكن قدر لَهُ) على
صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْجُمْلَة صفة لقَوْله: (بِشَيْء)
وَفِي رِوَايَة لأبي ذَر. لم أكن قدرته، وعَلى هَذَا
فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة من الْأَحَادِيث القدسية، وَلكنه
مَا صرح بِرَفْعِهِ إِلَى الله تَعَالَى. وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ: لم أكن، وَفِي أَوَاخِر كتاب الْقدر من
طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: لم يكن قد قدرته،
ويروى هُنَا: قدر بِهِ، بِضَم الْقَاف وَكسر الدَّال
الْمُشَدّدَة. قَوْله: (يلقيه) بِضَم الْيَاء من
الْإِلْقَاء وَالنّذر بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (قد قدر
لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْجُمْلَة حَال من
الْقدر، وَقيل: الْأَمر بِالْعَكْسِ فَإِن الْقدر يلقيه
إِلَى النّذر. وَأجِيب: بِأَن تَقْدِير النّذر غير
تَقْدِير الْإِنْفَاق فَالْأول يلجئه إِلَى النّذر
وَالنّذر يوصله إِلَى الإيتاء والإخراج. قَوْله: (فيستخرج
الله بِهِ من الْبَخِيل) فِيهِ الْتِفَات على رِوَايَة:
أكن قدرته، وَاصل الْكَلَام أَن يُقَال: فاستخرج بِهِ،
ليُوَافق رِوَايَة: لم أكن قدرته. قَوْله: (فيؤتيني
عَلَيْهِ) أَي: فيعطيني على ذَلِك الْأَمر الَّذِي
بِسَبَبِهِ نذر كالشفاء (مَا لم يكن يؤتيني عَلَيْهِ من
قبل) النّذر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يؤتني،
بِالْجَزْمِ. وَوَجهه أَن يكون بَدَلا من قَوْله: لم يكن،
المجزوم بلم، وَفِي رِوَايَة مَالك: يُؤْتى، فِي
الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: فييسر
عَلَيْهِ مَا لم يكن ييسر عَلَيْهِ من قبل ذَلِك، وَفِي
رِوَايَة مُسلم: فَيخرج بذلك من الْبَخِيل مَا لم يكن
الْبَخِيل يُرِيد أَن يُخرجهُ، وَهَذَا أوضح الرِّوَايَات.
72 - (بابُ إثْمِ مَنْ لَا يَفِي بالنَّذْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من لَا يَفِي بنذره،
وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر: بَاب من لَا يَفِي بِالنذرِ،
بِدُونِ لفظ: إِثْم.
5966 - حدّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَاى عنْ شُعبةَ قَالَ:
حَدثنِي أبُو جَمْرَةَ حَدثنَا زَهْدَمُ بنُ مُضَرِّبِ
قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَن
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (خَيْرُكُمْ
قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الّذِينَ
يَلُونَهُمْ) . قَالَ عِمْرانُ: لَا أدْرِي ذَكَرَ
ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ (ثُمَّ يَجِيءُ
قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، ويَخُونُونَ وَلَا
يُؤْتَمَنُونَ، ويَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ،
ويَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ينذرون وَلَا
يفون) وَيحيى هُوَ الْقطَّان، ويروى عَن يحيى بن سعيد
بنسبته إِلَى أَبِيه، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وبالراء
واسْمه نصر بن عمرَان، وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَالدَّال
بَينهمَا هَاء سَاكِنة ابْن مضرب على صِيغَة اسْم
الْفَاعِل وَاسم الْمَفْعُول أَيْضا من التضريب بالضاد
الْمُعْجَمَة.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات وَفِي فَضَائِل
الصَّحَابَة وَفِي كتاب الرقَاق
(23/207)
فِي: بَاب مَا يحذر من زِينَة الدُّنْيَا
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر
عَن شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة عَن زَهْدَم عَن عمرَان ابْن
حُصَيْن.
قَوْله: (قَرْني) أَي: أهل قَرْني الَّذين أَنا فيهم، وهم
الصَّحَابَة. قَوْله: (ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) أَي:
ثمَّ قرن الَّذين يلون قَرْني وهم التابعون. قَوْله: (ثمَّ
الَّذين يَلُونَهُمْ) وهم أَتبَاع التَّابِعين. قَوْله:
(ينذرون) بِكَسْر الذَّال وَضمّهَا. قَوْله: (وَلَا يفون)
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَا يُوفونَ، وَأَصله.
يوفيون، لِأَنَّهُ من أوفي إِيفَاء استثقلت الضمة على
الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا فَاجْتمع ساكنان وهم
الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء فَصَارَ: يُوفونَ، على
وزن يفعون وَلم تحدف الْوَاو لِأَنَّهَا عَلامَة الْجمع،
وَكَذَا الْكَلَام فِي: لَا يفون. قَوْله: (ويخونون) أَي
خِيَانَة ظَاهِرَة حَتَّى لَا يؤتمنون أَي: لَا يعتقدونهم
أُمَنَاء. قَوْله: (وَيشْهدُونَ) أَي: يتحملون الشَّهَادَة
بِدُونِ التحميل، أَو يؤدونها بِدُونِ الطّلب، وَشَهَادَة
الْحِسْبَة فِي التَّحَمُّل خَارِجَة عَنهُ بِدَلِيل آخر.
قَوْله: (وَيظْهر فيهم السّمن) بِكَسْر السِّين وَفتح
الْمِيم أَي: يتكثرون بِمَا لَيْسَ فيهم من الشّرف، أَو
يجمعُونَ الْأَمْوَال أَو يغفلون عَن أَمر الدّين، لِأَن
الْغَالِب على السمين أَن لَا يهتم بالرياضة، وَالظَّاهِر
أَنه حَقِيقَة فِي مَعْنَاهُ لَكِن إِذا كَانَ مكتسباً لَا
خلقياً، وَيُقَال معنى: (وَيظْهر فيهم السّمن) أَنه
كِنَايَة عَن رغبتهم فِي الدُّنْيَا وإيثارهم شهواتها على
الْآخِرَة وَمَا أعد الله فِيهَا لأوليائه من الشَّهَوَات
الَّتِي لَا تنفد وَالنَّعِيم الَّذِي لَا يبيد يَأْكُلُون
فِي الدُّنْيَا كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام وَلَا يقتدون
بِمن كَانَ قبلهم من السّلف الَّذين كَانَت همتهم من
الدُّنْيَا فِي أَخذ الْقُوت وَالْبُلغَة وَتَأْخِير
شهواتهم إِلَى الْآخِرَة.
82 - (بابُ النَّذْرِ فِي الطّاعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم النّذر فِي الطَّاعَة.
وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون: بَاب، بِالتَّنْوِينِ
وَيُرِيد بقوله: النّذر فِي الطَّاعَة، حصر الْمُبْتَدَأ
فِي الْخَبَر فَلَا يكون نذر الْمعْصِيَة نذرا شَرْعِيًّا.
قلت: لهَذَا الِاحْتِمَال وَجه، وَلَكِن قَوْله: بَاب،
منون لَا يُقَال كَذَلِك، لِأَن الْمنون هُوَ المعرب
والمعرب جُزْء الْمركب نَحْو قَوْلك: زيد قَائِم، فَإِن
زيدا وَحده لَا يكون معرباً، وَكَذَا قَائِم وَحده،
وَكَذَا لفظ: بَاب، لَا يكون معرباً إِلَّا بالتقدير
الَّذِي قدرناه.
وقَوْلِهِ: { (2) وَمَا أنفقتم من نَفَقَة أَو نذرتم من
نذر فَإِن الله يُعلمهُ وَمَا للظالمين من أنصار}
(الْبَقَرَة: 072)
سَاق هَذِه الْآيَة غير أبي ذَر إِلَى قَوْله: {من أنصار}
ذكرهَا هَهُنَا إِشَارَة إِلَى أَن الَّذِي أوقع الثَّنَاء
على فَاعل النّذر هُوَ مَا نذر فِي الطَّاعَة لِأَن النّذر
فِي الطَّاعَة وَاجِب الْوَفَاء بِهِ عِنْد الْجُمْهُور
لمن قدر عَلَيْهِ وَالنّذر على أَرْبَعَة أَقسَام.
أَحدهَا: طَاعَة كَالصَّلَاةِ. الثَّانِي: مَعْصِيّة
كَالزِّنَا. الثَّالِث: مَكْرُوه كنذر ترك التَّطَوُّع.
الرَّابِع: مُبَاح كنذر أكل بعض الْمُبَاحَات ولبسه،
وَاللَّازِم وَالطَّاعَة والقربة عملا بِحَدِيث الْبَاب،
وَلَا يلْزم الْعَمَل بِمَا عداهُ عملا بِبَقِيَّة
الحَدِيث.
6966 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا مالِكٌ عنْ طَلْحَةَ
بنِ عَبْدِ المَلِكِ عنْ القاسِمِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
(مَنْ نَذر أنْ يُطِيعَ الله فَليُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ
أنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يعْصِهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وَطَلْحَة بن عبد الْملك الْأَيْلِي بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف نزيل الْمَدِينَة
ثِقَة من طبقَة ابْن جريج، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي
بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي النّذر عَن القعْنبِي.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك
بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَغَيره.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ قوم من أهل الحَدِيث: إِن
طَلْحَة تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن الْقَاسِم، قيل: لَيْسَ
كَذَلِك، فقد تَابعه أَيُّوب وَيحيى بن أبي كثير عَن ابْن
حَيَّان، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد
الرَّحْمَن بن مجبر بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد
الْبَاء الْمُوَحدَة عَن الْقَاسِم.
قَوْله: (أَن يُطِيع الله) كلمة: مَصْدَرِيَّة والإطاعة
أَعم من أَن تكون فِي وَاجِب أَو مُسْتَحبّ. قَوْله:
(فليطعه) مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط. قَوْله: (فَلَا
يَعْصِهِ) مجزوم أَيْضا لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط، ويروى:
من نذر أَن يعْصى الله.
(23/208)
92 - (بابٌ إِذا نَذَرَ أوْ حَلَفَ أنْ لَا
يُكَلَّمَ إنْساناً فِي الجاهِلِيَّةِ ثمَّ أسْلَمَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا نذر شخص أَو حلف أَن لَا
يكلم إنْسَانا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَهُوَ ظرف لقَوْله:
نذر، وَهِي: زمَان فَتْرَة النبوات يَعْنِي: قبل بَعثه
نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَه الْكرْمَانِي:
قَوْله: ثمَّ أسلم، أَي: النَّاذِر، وَلم يبين حكمه وَهُوَ
جَوَاب: إِذا فَإِن نقل أحد عَن البُخَارِيّ أَنه مِمَّن
يُوجب ذَلِك، فجواب: إِذا، يجب ذَلِك، وإلاَّ يكون
جَوَابه: ينْدب ذَلِك، وَقد عقد الطَّحَاوِيّ لهَذَا
الْبَاب تَرْجَمَة وَهِي أحسن من هَذِه التَّرْجَمَة وأوضح
حَيْثُ قَالَ: بَاب الرجل ينذر وَهُوَ مُشْرك نذرا ثمَّ
يسلم، لِأَن معنى قَوْله: فِي الْجَاهِلِيَّة، الَّذِي
فسره الْكرْمَانِي بقوله: قبل بَعثه النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يسْتَلْزم أَن يكون حكم الْمُشرك الَّذِي
كَانَ بعد الْبعْثَة وَنذر نذرا ثمَّ أسلم خلاف حكم
الَّذِي نذر فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أسلم بعد الْبعْثَة،
مَعَ أَن حكمهمَا سَوَاء.
7966 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلِ أبُو الحَسَنِ
أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عنْ
نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُول
الله! إنِّي نَذَرْتُ فِي الجاهِلِيَّةِ أنْ أعْتكِفَ
لَيْلَةً فِي المَسجِدِ الحَرامِ. قَالَ: (أوْفٍ
بِنذْرِكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أوف بِنَذْرِك)
لِأَنَّهُ يدل على أَن نذر الْكَافِر صَحِيح، فَإِذا أسلم
يلْزمه الْوَفَاء بِهِ. وَفِيه خلاف بَين الْفُقَهَاء على
مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبيد الله
بن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الِاعْتِكَاف فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عبيد الله بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة
عَن عبيد الله بن عمر ... الخ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من
ثَلَاث طرق، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا
أوجب على نَفسه شَيْئا فِي حَال شركه من اعْتِكَاف أَو
صَدَقَة أَو شَيْء مِمَّا يُوجِبهُ الْمُسلمُونَ لله، ثمَّ
أسلم، أَن ذَلِك وَاجِب عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك
بِهَذِهِ الْآثَار.
قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: طاووساً وَقَتَادَة
وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق
وَجَمَاعَة الظَّاهِرِيَّة، وَبِه قَالَ ابْن حزم، ثمَّ
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ.
فَقَالُوا: لَا يجب عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء.
قلت: أَرَادَ بالآخرين: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَالثَّوْري وَأَبا حنيفَة وَأَبا يُوسُف ومحمداً ومالكاً
وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَأحمد فِي رِوَايَة،
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور قبل
هَذَا الْبَاب، وَبِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه
عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغى بِهِ وَجه الله،
رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن عبد الله بن وهب فِي (مُسْنده) :
فَدلَّ على أَن فعل الْكَافِر لم يكن تقرباً إِلَى الله،
لِأَنَّهُ حِين كَانَ يُوجِبهُ يقْصد بِهِ الَّذِي كَانَ
يعبده من دون الله، وَذَلِكَ مَعْصِيّة، فَدخل فِي قَوْله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله) .
وَأما حَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَالْجَوَاب
عَنهُ إِنَّمَا أَمر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن
يَفْعَله الْآن على أَنه طَاعَة لله عز وَجل، وَكَانَ خلاف
مَا أوجبه بِهِ فِي حَال نَذره الَّذِي هُوَ مَعْصِيّة.
وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: لم يَأْمُرهُ
الشَّارِع على جِهَة الْإِيجَاب، وَإِنَّمَا هُوَ على
جِهَة الرَّأْي، وَقيل: أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن يعلمهُمْ أَن الْوَفَاء بِالنذرِ من آكِد الْأُمُور،
فغلظ أمره بِأَن أَمر عمر بِالْوَفَاءِ. قَوْله: (قَالَ:
يَا رَسُول الله) كَانَ قَوْله لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك بعد مَا قسم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، غَنَائِم حنين بِالطَّائِف.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي الحَدِيث أَن الصَّوْم لَيْسَ
شرطا لصِحَّة الِاعْتِكَاف، وَهُوَ حجَّة على
الْحَنَفِيَّة. انْتهى.
قلت: ذهل الْكرْمَانِي عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لَا اعْتِكَاف إلاَّ بِالصَّوْمِ.
03 - (بابُ مَنْ ماتَ وعَلَيْهِ نَذْرٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من مَاتَ وَالْحَال أَنه
عَلَيْهِ نذرا، هَل يقْضى عَنهُ أم لَا؟ .
وأمَرَ ابنُ عُمَرَ امْرأةً جَعَلَتْ أُمُّها عَلى
نَفْسِها صَلاةً بِقُباءٍ، فَقَالَ: صَلِّي عَنْها
هَذَا أوضح حكم التَّرْجَمَة، يَعْنِي: من مَاتَ وَعَلِيهِ
نذر يقْضِي عَنهُ، وبهذ أخذت الظَّاهِرِيَّة، وَقَالُوا:
يجب قَضَاء النّذر عَن الْمَيِّت على ورثته صوما كَانَ أَو
صَلَاة. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: تجوز النِّيَابَة عَن
الْمَيِّت فِي الصَّلَاة وَالْحج وَغَيرهمَا، لتضمن
أَحَادِيث
(23/209)
الْبَاب بذلك. وَفِي (التَّوْضِيح) :
الْفِعْل الَّذِي يتَضَمَّن فعل النّذر خَاصَّة
كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم فَالْمَشْهُور من مَذَاهِب
الْفُقَهَاء أَنه لَا يفعل. وَقَالَ مُحَمَّد بن الحكم:
يصام عَنهُ وَهُوَ الْقَدِيم للشَّافِعِيّ، وَصحت بِهِ
الْأَحَادِيث فَهُوَ الْمُخْتَار، وَقَالَهُ أَحْمد
وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، وَعند
الْحَنَفِيَّة: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم
عَنهُ، وَنقل ابْن بطال إِجْمَاع الْفُقَهَاء على أَنه:
لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد فرضا وَلَا سنة لَا عَن حَيّ
وَلَا عَن ميت، وَالْجَوَاب عَمَّا رُوِيَ عَن ابْن عمر
أَنه: صَحَّ عَنهُ خلاف ذَلِك، فَقَالَ مَالك فِي
(الْمُوَطَّأ) : إِنَّه بلغه أَن عبد الله بن عمر رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ يَقُول: لَا يُصَلِّي أحد
عَن أحد وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَيحمل قَوْله. فِي
الْأَثر الْمَذْكُور صلي عَنْهَا إِن شِئْت، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: ويروى: صلي عَلَيْهَا، فَأَما أَن يُقَام:
على، مقَام: عَن إِذْ: حُرُوف الْجَرّ بَينهَا مناوبة،
وَأما أَن يُقَال: الضَّمِير رَاجع إِلَى قبَاء. انْتهى.
قلت: المناوية بَين الْحُرُوف لَيست على الْإِطْلَاق، وَلم
يقل أحد إِن: على، تَأتي بِمَعْنى: عَن، مَعَ أَن جمَاعَة
زَعَمُوا أَن. . على، لَا تكون إلاَّ اسْما، ونسبوه
لسيبويه. أَقُول: لم لَا يجوز أَن يكون معنى: صلي
عَلَيْهَا، أَدعِي لَهَا؟ فَيكون قد أمرهَا بِالدُّعَاءِ
لَهَا لَا بِالصَّلَاةِ عَنْهَا.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاس نَحْوَهُ
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا نَحْو مَا قَالَ عبد الله بن عمر، وَوصل هَذَا
المعلَّق ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن سعيد بن
جُبَير قَالَ مرّة: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا مَاتَ
وَعَلِيهِ نذر قضي عَنهُ وليه، وَرُوِيَ عَنهُ خلاف ذَلِك،
رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق أَيُّوب بن مُوسَى عَن
عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد،
وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَجمع بَعضهم بَين
الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن الْإِثْبَات فِي حق من مَاتَ،
وَالنَّفْي فِي حق الْحَيّ.
قلت: النَّقْل عَنهُ فِي هَذَا مُضْطَرب فَلَا يقوم بِهِ
حجَّة لأحد.
8966 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبدِ
الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ سَعْدَ
بنَ عُبادَةَ الأنْصاريَّ اسْتَفْتى االنبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلى أُمِّهِ،
فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضِيَهُ، فأفْتاهُ أنْ
يَقْضِيهُ عَنْها، فَكانَتْ سُنَّةً بَعْدُ. (انْظُر
الحَدِيث 1672 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويوضح حكمهَا أَيْضا.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي
حَمْزَة الْحِمصِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد ابْن مُسلم،
وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب مَا
يسْتَحبّ لمن يتوفى فَجْأَة أَن يتصدقوا عَنهُ وَقَضَاء
النّذر عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد
الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن
عبد الله عَن ابْن عَبَّاس: أَن سعد بن عبَادَة استفتى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث.
قَوْله: (كَانَ على أمه) اخْتلفُوا فِي النّذر الَّذِي
كَانَ عَلَيْهَا، فَقيل: كَانَ صياما، وَقيل: عتقا، وَقيل:
كَانَ صَدَقَة، وَقيل: كَانَ نذرا مُطلقًا لَا ذكر فِيهِ
لشَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء، وَالْحكم فِي النّذر
الْمُبْهم كَفَّارَة يَمِين، رُوِيَ هَذَا عَن ابْن
عَبَّاس وَعَائِشَة وَجَابِر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء،
وَرُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة: أَن النّذر
الْمُبْهم أغْلظ الْأَيْمَان وَله أغْلظ الْكَفَّارَات:
عتق أَو كسْوَة أَو إطْعَام. قَالَ: وَالصَّحِيح قَول من
جعل فِيهِ كَفَّارَة يَمِين لما رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة
عَن وَكِيع عَن إِسْمَاعِيل بن رَافع عَن خَالِد بن يزِيد
عَن عقبَة ابْن عَامر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كَفَّارَة
يَمِين) . قَوْله: (فأفتاه) أَي: فَأفْتى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَقْضِيه عَنْهَا، أَي: عَن أمه،
وَذَلِكَ بِحَسب مَا وَقع نذرها. قَوْله: (فَكَانَت سنة
بعد) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: صَار قَضَاء الْوَارِث مَا
على الْمَوْرُوث طَريقَة شَرْعِيَّة، وَتَبعهُ بَعضهم على
هَذَا التَّفْسِير.
قلت: هَذَا وَإِن كَانَ حَاصِل الْمَعْنى، وَلَكِن معنى
التَّرْكِيب لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ:
فَكَانَت فَتْوَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة
يعْمل بهَا بعد إِفْتَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بذلك، وَالضَّمِير فِي: كَانَت، يرجع إِلَى الْفَتْوَى يدل
عَلَيْهَا. قَوْله: (فافتاه) وَهُوَ من قبيل قَوْله:
{يَاأَيُّهَآ الَّذِينَءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ
للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الْمَائِدَة: 8) أَي: فَإِن
الْعدْل يدل عَلَيْهِ قَوْله: إعدلوا.
9966 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي بِشْرٍ
قَالَ: سَمِعتُ سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ عنِ ابْن عَبَّاسٍ،
(23/210)
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أتَى رَجُلٌ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إنَّ
أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا ماتَتْ،
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ كَانَ
عَلَيْها دَيْنٌ أكُنْتَ قاضِيَهُ؟) قَالَ: نَعَمْ قَالَ:
(فاقْضِ دَيْنَ الله فَهْوَ أحَقُّ بالقَضاءِ) . (انْظُر
الحَدِيث 2581 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وآدَم هُوَ ابْن أبي
إِيَاس، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة واسْمه جَعْفَر ابْن أبي
وحشية، واسْمه إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال:
الوَاسِطِيّ.
قَوْله: (أَتَى رجل) قد تقدم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج
فِي: بَاب الْحَج عَن الْمَيِّت: أَن امْرَأَة قَالَت: إِن
أُمِّي نذرت ... إِلَى آخِره، وَلَا مُنَافَاة لاحْتِمَال
وُقُوع الْأَمريْنِ جَمِيعًا، وَقد مضى الْكَلَام فِي
الْحَج عَن الْغَيْر بتفاصيله. قَوْله: (لَو كَانَ
عَلَيْهَا دين) تَمْثِيل مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَتَعْلِيم لأمته الْقيَاس وَالِاسْتِدْلَال. قَوْله:
(فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ) أَي: فدين الله أَحَق
بِالْأَدَاءِ، قيل إِذا اجْتمع حق الله وَحقّ الْعباد يقدم
حق الْعباد، فَمَا معنى فَهُوَ أَحَق. أُجِيب: بِأَن
مَعْنَاهُ إِذا كنت تراعي حق النَّاس فَلِأَن تراعي حق
الله كَانَ أولى، وَلَا دخل فِيهِ للتقديم وَالتَّأْخِير
إِذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَحَق بالتقديم.
13 - (بابُ النَّذْرِ فِيما لَا يَمْلِكُ وَفِي
مَعْصِيَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النّذر فِيمَا لَا يملكهُ
النَّاذِر. قَوْله: وَفِي مَعْصِيّة، أَي: وَفِي بَيَان
حكم النّذر فِي مَعْصِيّة مثل من نذر أَن ينْحَر ابْنه
وَنَحْو ذَلِك، وَفِي بعض النّسخ وَلَا فِي مَعْصِيّة.
0076 - حدّثنا أبُو عَاصِمٍ عنْ مالِكٍ عنْ طَلْحَةَ بنِ
عَبْد المَلِكِ عنِ القاسِمِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ
أنْ يَعْصِيهَ فَلا يَعْصِهِ) . (انْظُر الحَدِيث 6966) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة وَلَا مدْخل لَهُ
فِي النّذر فِيمَا لَا يملك، وَقَالَ ابْن بطال: لَا مدْخل
لأحاديث الْبَاب كلهَا فِي النّذر فِيمَا لَا يملك،
وَإِنَّمَا تدخل فِي نذر الْمعْصِيَة. وَقَالَ
الْكرْمَانِي مَا ملخصه: إِن مَا لَا يملك مثل النّذر
بِإِعْتَاق عبد فلَان، وَاتَّفَقُوا على جَوَاز النّذر فِي
الذِّمَّة بِمَا لَا يملك كإعتاق عبد، وَلم يملك شَيْئا.
انْتهى. وَقَالَ غَيره: تلقى البُخَارِيّ عدم لُزُوم
النّذر فِيمَا لَا يملكهُ من عدم لُزُومه فِي الْمعْصِيَة،
لِأَن نَذره ملك غَيره تصرف فِي ملك الْغَيْر وَهُوَ
مَعْصِيّة. انْتهى.
قلت: كل مِنْهُمَا لم يذكر شَيْئا فِيهِ كِفَايَة للمقصود،
غَايَة فِي الْبَاب تكلفاً فِي: بَاب وَجه الْمُطَابقَة
بَين التَّرْجَمَة. والْحَدِيث الأول وَلم يجيبا عَمَّا
قَالَه ابْن بطال لَا مدْخل لأحاديث الْبَاب كلهَا فِي
النّذر فِيمَا لَا يملكهُ، وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى على
المتأمل، وَشَيخ البُخَارِيّ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور
هُوَ أَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد
الْبَصْرِيّ، وَالقَاسِم هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مر عَن قريب جدا فِي: بَاب النّذر فِي
الطَّاعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
1076 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَاى عنْ حُمَيْدٍ عنْ
ثابتٍ عنْ أنسٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (إنَّ الله لَغَنِيٌّ عنْ تَعْذِيبِ هاذا نَفْسَهُ)
ورآهُ يَمْشي بَيْنَ ابنَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 5681) .
هَذَا يُمكن أَن يدْخل فِي الْجُزْء الثَّانِي
للتَّرْجَمَة، وَأما الْجُزْء الأول فَلَا دخل لَهُ فِيهِ
أصلا. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَحميد هُوَ ابْن أبي حميد
الطَّوِيل أَبُو عُبَيْدَة الْبَصْرِيّ عَن ثَابت بالثاء
الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن أسلم الْبنانِيّ أَبُو
مُحَمَّد الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن سَلام، وأوله:
رأى شَيخا يهادي بَين ابنيه، وَهنا ذكره مُخْتَصرا، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ الفَزارِيُّ: عنْ حُمَيْدٍ حدّثني ثابِتٌ عنْ
أنَسٍ
الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء
هُوَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْكُوفِي، وَأَشَارَ بِهَذَا
إِلَى أَن حميدا صرح بِالتَّحْدِيثِ هُنَا عَن ثَابت،
وَوَصله فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن
الْفَزارِيّ.
2076 - حدّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ
سُلَيْمانَ الأحْوَلِ عنْ طاوُوس عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
(23/211)
أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأى
رَجُلاً يَطُوفُ بالكَعْبَةِ بِزَمامٍ أَو غَيْرِهِ
فَقَطَعَهُ.
الْكَلَام فِيهِ مثل الحَدِيث الَّذِي قبله وَأَبُو عِصَام
قد مر الْآن، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن
جريج.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن أبي عَاصِم أَيْضا وَعَن
إِبْرَاهِيم بن مُوسَى.
(رأى رجلا) اسْمه تُرَاب، قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله:
(أَو غَيره) شكّ من الرَّاوِي أَي أَو غير الزِّمَام،
وَهُوَ الخطام.
3076 - حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ مُوسَى أخبرنَا هِشامٌ أنَّ
ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبرنِي سُليْمانُ
الأحْوَلُ أنَّ طاوُوساً أخْبَرَهُ عَن ابْن عبَّاسٍ رَضِي
الله عَنْهُمَا: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَرَّ وهْوَ يَطُوفُ بالْكَعْبَةِ بإنْسانٍ يَقُودُ
إنْساناً بِخِزَامَةٍ فِي أنْفِهِ، فَقَطَعها النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَقُودَه
بِيَدِهِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور
أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء
الرَّازِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف عَن عبد الْملك بن جريج
عَن سُلَيْمَان بن أبي مُوسَى الْأَحول عَن طَاوُوس عَن
ابْن عَبَّاس، وَهَذَا الطَّرِيق أنزل من الطَّرِيق
الْمَذْكُور.
قَوْله: (وَهُوَ يطوف) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:
(يَقُود) جملَة وَقعت صفة لقَوْله: (بِإِنْسَان) قَوْله:
(بخزامة) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي
وَهِي حَلقَة من شعر أَو وبر تجْعَل فِي الحاجز الَّذِي
بَين منخري الْبَعِير يشد بهَا الزِّمَام ليسهل القياد
إِذا كَانَ صعباً.
4076 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ
حدّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ:
بَيْنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ إذَا
بِرَجُلٍ قائِمٍ، فَسأل عنهُ فقالُوا: أبُو إسْرَائِيلَ،
نَذَرَ أنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ ولاَ يَسْتَظَلَّ وَلَا
يَتَكَلَّمَ ويَصُومَ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (مُرْهُ فَلْيتكَلَّمْ ولْيَسْتَظِلَّ ولْيَقْعُدْو
لْيُتِمَّ صَوْمَهُ) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة لِأَن نذر الرجل
بترك الْقعُود وَترك الاستظلال وَترك التَّكَلُّم لَيست
بِطَاعَة، فَإِذا كَانَ نَذره فِي غير طَاعَة يكون
مَعْصِيّة، لِأَن الْمعْصِيَة خلاف الطَّاعَة.
ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري الَّذِي
يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي، ووهيب مصغر وهب بن خَالِد،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَيْمَان عَن مُوسَى
الْمَذْكُور. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن
الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ.
قَوْله: (يخْطب) زَاد الْخَطِيب فِي (المبهمات) : من وَجه
آخر: يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (إِذا بِرَجُل) جَوَاب
قَوْله: (بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي
رِوَايَة أبي يعلى: إِذْ الْتفت فَإِذا هُوَ بِرَجُل.
قَوْله: (قَائِم) صفة رجل، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد:
قَائِم فِي الشَّمْس، وَفِي رِوَايَة: قَائِم يُصَلِّي.
قَوْله: (فَسَأَلَ عَنهُ) أَي، فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل. قَوْله: (فَقَالُوا: أَبُو
إِسْرَائِيل) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: هُوَ أَبُو
إِسْرَائِيل، وَزَاد الْخَطِيب: رجل من قُرَيْش. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: رجل من الْأَنْصَار، وَقَالَ بَعضهم: ترْجم
لَهُ ابْن الْأَثِير تبعا لغيره، فَقَالَ: إِسْرَائِيل
الْأنْصَارِيّ، فاغتر بذلك الْكرْمَانِي فَجزم بِأَنَّهُ
من الْأَنْصَار، وَالْأول أولى. انْتهى.
قلت: يُقَال لهَذَا الْقَائِل: إِن كَانَ الْكرْمَانِي
اغْترَّ بِكَلَام ابْن الْأَثِير، فَأَنت اغتررت بِكَلَام
الْخَطِيب، وأولوية الأول من أَيْن؟ مَعَ أَن أَبَا عمر بن
عبد الْبر قَالَ فِي (الِاسْتِيعَاب) : فِي بَاب الكنى:
أَبُو إِسْرَائِيل رجل من الْأَنْصَار من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ذكر حَدِيثه
الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: اسْمه يسير، بِضَم الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، وَقيل: قُشَيْر، بِضَم
الْقَاف وَفتح الشين الْمُعْجَمَة، وَقيل: قصير، باسم ملك
الرّوم وَلَا يُشَارِكهُ أحد فِي كنيته من الصَّحَابَة.
قَوْله: (مره) أَمر من أَمر أَي: مر أَبَا إِسْرَائِيل،
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: مروه، بِصِيغَة الْجمع.
قَوْله: (وليتم صَوْمه) لِأَن الصَّوْم قربَة بِخِلَاف
أخواته.
وَفِي حَدِيثه: دَلِيل على أَن السُّكُوت عَن الْمُبَاح
أَو عَن ذكر الله لَيْسَ بِطَاعَة، وَكَذَلِكَ الْجُلُوس
فِي الشَّمْس، وَفِي مَعْنَاهُ كل مَا يتَأَذَّى بِهِ
الْإِنْسَان مِمَّا لَا طَاعَة فِيهِ وَلَا قربَة بِنَصّ
كتاب أَو سنة، كالجفاء وَغَيره، وَإِنَّمَا
(23/212)
الطَّاعَة مَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ عبْدُ الوَهَّابِ: حدّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَة عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَشَارَ بتعليقه عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عِكْرِمَة
مولى ابْن عَبَّاس إِلَى أَنه روى أَيْضا مُرْسلا لِأَن
عِكْرِمَة من التَّابِعين، وَاخْتلفُوا فِي مثل هَذَا
فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إِن الْمَوْصُول أرجح لزِيَادَة
الْعلم من واصله.
23 - (بابُ مَنْ نَذَرَ أنْ يَصُومَ أيَّاماً فَوَافَقَ
النَّحْرَ أوِ الفِطْرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من نذر أَن يَصُوم
أَيَّامًا بِعَينهَا فاتفق أَنه وَافق يَوْمًا مِنْهَا
يَوْم الْفطر أَو يَوْم النَّحْر، هَل يجوز لَهُ أَن
يَصُوم ذَلِك الْيَوْم أَو لَا؟ أم كَيفَ حكمه؟ وَلم يبين
الحكم على عَادَته فِي غَالب الْأَبْوَاب. إِمَّا
اكْتِفَاء بِمَا يُوضح ذَلِك من حَدِيث الْبَاب، أَو
اعْتِمَادًا عَن المستنبط مِمَّا قَالَه الْفُقَهَاء فِي
ذَلِك الْبَاب، وَالْحكم هُنَا أَن إنْشَاء الصَّوْم فِي
يَوْم الْفطر أَو فِي يَوْم النَّحْر لَا يجوز إِجْمَاعًا
وَلَو نذر صومهما لَا ينْعَقد عندالشافعية، وَهُوَ
الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك، وَعند أبي حنيفَة: ينْعَقد
وَلَكِن لَا يَصُوم وَيجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَعند
الْحَنَابِلَة رِوَايَتَانِ فِي وجوب الْقَضَاء، وَقد مضى
الْكَلَام فِيهِ مستقصًى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّوْم.
79 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي حَدثنَا
فُضَيْل بن سُلَيْمَان حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة حَدثنَا
حَكِيم بن أبي حرَّة الْأَسْلَمِيّ أَنه سمع عبد الله بن
عمر رَضِي الله عَنْهُمَا سُئِلَ عَن رجل نذر أَن لَا
يَأْتِي عَلَيْهِ يَوْم إِلَّا صَامَ فَوَافَقَ يَوْم أضحى
أَو فطر فَقَالَ لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة
حَسَنَة لم يكن يَصُوم يَوْم الْأَضْحَى وَالْفطر وَلَا
نرى صيامهما) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه
إِيضَاح حكم التَّرْجَمَة وَمُحَمّد بن أبي بكر الْمقدمِي
على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم وَحَكِيم
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالكاف ابْن أبي حرَّة بِضَم
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء الْأَسْلَمِيّ
الْمدنِي وَأَبُو حرَّة لَا يدرى اسْمه وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد وَقد أوردهُ
مُتَابعًا لزياد بن جُبَير عَن ابْن عمر فِي الحَدِيث
الْآتِي قَوْله سُئِلَ عَن رجل جملَة وَقعت حَالا عَن عبد
الله بن عمر وَسُئِلَ على صِيغَة الْمَجْهُول لم يسم
السَّائِل فَيحْتَمل أَن يكون رجلا أَو امْرَأَة قَالَ
بَعضهم بعد أَن أورد من طَرِيق ابْن حبَان عَن كَرِيمَة
بنت سِيرِين أَنَّهَا سَأَلت ابْن عمر فَقَالَت جعلت على
نَفسِي أَن أَصوم كل أربعاء وَالْيَوْم يَوْم
الْأَرْبَعَاء وَهُوَ يَوْم النَّحْر فَقَالَ أَمر الله
بوفاء النّذر وَنهى رَسُول الله عَن صَوْم يَوْم النَّحْر
وَرُوَاته ثِقَات يُفَسر بهَا الْمُبْهم فِي رِوَايَة
حَكِيم بِخِلَاف رِوَايَة زِيَاد بن جُبَير حَيْثُ قَالَ
فَسَأَلَهُ رجل انْتهى قلت فِيهِ نظر لِأَن أَبَا نعيم
أخرج الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيق مُحَمَّد بن أبي بكر
شيخ البُخَارِيّ وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من وَجه
آخر عَن مُحَمَّد بن أبي بكر وَلَفظه أَنه سمع رجلا يسْأَل
عبد الله بن عمر عَن رجل نذر فَذكر الحَدِيث وَهَذَا أقرب
وَأولى لتفسير الْمُبْهم الْمَذْكُور من تَفْسِيره بِمَا
فِي حَدِيث أَجْنَبِي عَن هَذَا مَعَ أَنه لَا مُنَافَاة
أَن يَكُونَا قضيتين وَفِي وَاحِدَة مِنْهُمَا السَّائِل
رجل وَفِي الْأُخْرَى امْرَأَة قَوْله لم يكن أَي رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله وَلَا
يرى قَالَ الْكرْمَانِي وَلَا نرى بِلَفْظ الْمُتَكَلّم
فَيكون من جملَة مقول عبد الله بن عمر ويروى بِلَفْظ
الْغَائِب وفاعله عبد الله وقائله حَكِيم بن أبي حرَّة
وَقَالَ بَعضهم وَقع فِي رِوَايَة يُوسُف بن يَعْقُوب
القَاضِي بِلَفْظ لم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَصُوم يَوْم الْأَضْحَى وَلَا
يَوْم الْفطر وَلَا يَأْمر بصيامهما انْتهى قلت قَصده أَن
يخدش فِي كَلَام الْكرْمَانِي فِي نَقله الْوَجْهَيْنِ فِي
قَوْله وَلَا يرى وَلَا يضرّهُ ذَلِك لِأَن كَون الْفَاعِل
فِي هَذَا هُوَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لَا يُنَافِي كَون الْفَاعِل فِي ذَلِك هُوَ
عبد الله فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْقَائِل هُوَ حَكِيم بن
أبي حرَّة فِي الْوَجْه الثَّانِي
(23/213)
بِنَاء على تعدد الْقَضِيَّة -
6076 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ سَلَمَة حَدثنَا يَزِيدُ
بنُ زُرَيْعٍ عنْ يُونُسَ عنْ زِيادِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
كُنْتُ مَعَ ابنِ عُمَرَ فَسألهُ رجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ
أنْ أصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلاَثَاءَ أوْ أرْبِعَاءَ مَا
عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا اليَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ،
فَقَالَ: أمَرَ الله بِوَفاءِ النَّذْرِ، ونُهِينا أنْ
نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فأعادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ
مِثْلَهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 4991
وطرفه) .
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث ابْن عمر، وَيُونُس هوابن عبيد
مُصَغرًا، أَو زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء
آخر الْحُرُوف ابْن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة مصغر جبر.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّوْم فِي: بَاب
الصَّوْم فِي يَوْم النَّحْر.
قَوْله: (ثلاثاء أَو أربعاء) شكّ من الرَّاوِي وهما لَا
ينصرفان لأجل ألف التَّأْنِيث الممدودة كألف حَمْرَاء
وسمراء وَنَحْوهمَا، ويجمعان على ثلاثاوات والأربعاوات،
بِكَسْر الْبَاء، وَحكي عَن بعض بني أَسد فتحهَا. قَوْله:
(أَمر الله) حَيْثُ قَالَ: {وليوفوا نذورهم} (الْحَج: 92)
قَوْله: (ونهينا) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْعرْف شَاهد
بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الناهي.
قَوْله: (فَأَعَادَ إِلَيْهِ) أَي: أعَاد الرجل كَلَامه
على ابْن عمر. قَوْله: (فَقَالَ مثله) أَي: فَقَالَ ابْن
عمر مثل مَا قَالَ فِي الأول (لَا يزِيد عَلَيْهِ) أَي:
لَا يقطع بِلَا أَو نعم، وَهَذَا من غَايَة ورعه حَيْثُ
توقف فِي الْجَزْم بِأَحَدِهِمَا لتعارض الدَّلِيلَيْنِ
عِنْده، وَفِي (التَّوْضِيح) : جَوَاب ابْن عمر جَوَاب من
أشكل عِنْده الحكم فتوقف، نعم جَوَابه أَن لَا يصام وَهُوَ
مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة. انْتهى.
قلت: وَفِي سِيَاق الرِّوَايَة إِشْعَار بِأَن الرَّاجِح
عِنْده الْمَنْع على مَا لَا يخفى.
33 - (بابٌ هَلْ يَدْخلُ فِي الأيْمانِ والنُّذُور الأرْضُ
والغَنَمُ والزُّرُوعُ والأمْتِعَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يدْخل فِي الْأَيْمَان
... إِلَى آخِره، يَعْنِي: هَل يَصح الْيَمين وَالنّذر على
الْأَعْيَان؟ فصورة الْيَمين نَحْو قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هَذِه
الشملة لتشتعل، عَلَيْهِ نَارا) ، وَصُورَة النّذر مثل أَن
يَقُول: هَذِه الأَرْض لله نذرا، وَنَحْوه. وَقَالَ
الْمُهلب: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا أَن يبين أَن
المَال يَقع على كل متملك، أَلا ترى قَول عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: أصبت أَرضًا لم أصب مَالا قطّ أنفس
مِنْهُ، وَقَول أبي طَلْحَة: أحب الْأَمْوَال إِلَيّ
بيرحاء، وهم الْقدْوَة فِي الفصاحة وَمَعْرِفَة لِسَان
الْعَرَب؟ وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَرَادَ
البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ
يَقُول: إِن من حلف أَو نذر أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله
فَإِنَّهُ لَا يَقع يَمِينه ونذره من الْأَمْوَال إلاَّ
على مَا فِيهِ الزَّكَاة خَاصَّة. انْتهى.
قلت: قد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِير المَال حَيْثُ قَالَ
ابْن عبد الْبر وَآخَرُونَ: إِن المَال فِي لُغَة دوس،
قَبيلَة أبي هُرَيْرَة، غير الْعين كالعروض وَالثيَاب،
وَعند جمَاعَة: المَال هُوَ الْعين كالذهب وَالْفِضَّة
خَاصَّة، وَحكى المطرزي أَن المَال هُوَ الصَّامِت كالذهب
وَالْفِضَّة والناطق، وَحكى القالي عَن ثَعْلَب أَنه
قَالَ: المَال عِنْد الْعَرَب أَقَله مَا تجب فِيهِ
الزَّكَاة، وَمَا نقص عَن ذَلِك فَلَا يُقَال لَهُ مَال.
وَقَالَ ابْن سَيّده فِي (العريض) : الْعَرَب لَا توقع
اسْم المَال مُطلقًا إلاَّ على الْإِبِل لشرفها عِنْدهم
وَكَثْرَة غنائها، قَالَ: وَرُبمَا أوقعوه على أَنْوَاع
الْمَوَاشِي كلهَا، وَمِنْهُم من أوقعه على جَمِيع مَا
يملكهُ الْإِنْسَان لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتوا
السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 5) فَلم يخص شَيْئا
دون شَيْء، وَهُوَ اخْتِيَار كثير من الْمُتَأَخِّرين،
فَلَمَّا رأى البُخَارِيّ هَذَا الِاخْتِلَاف أَشَارَ
إِلَى أَن المَال يَقع على كل متملك، كَمَا حكى عَنهُ
الْمُهلب، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، فتبيَّن من ذَلِك أَنه
اخْتَار هَذَا القَوْل فَلَا حَاجَة إِلَى قَول صَاحب
(التَّوْضِيح) : إِنَّه أَرَادَ بِهِ الرَّد على أبي
حنيفَة، لِأَنَّهُ اخْتَار قولا من الْأَقْوَال فَكَذَلِك
اخْتَار أَبُو حنيفَة قولا من الْأَقْوَال، فَلَا
اخْتِصَاص بِذكر الرَّد عَلَيْهِ خَاصَّة، وَلَكِن عرق
العصبية الْبَاطِلَة نَزعه إِلَى ذَلِك.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ للنبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أصَبْتُ أرْضاً لَمْ أصِبْ مَالا قَطُّ
أنْفَسَ مِنْهُ، قَالَ: (إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَها
وتَصَدَّقْتَ بِها) .
ذكر هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الأَرْض يُطلق عَلَيْهَا
المَال، وَهَذَا تَعْلِيق ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب
الْوَصَايَا مَوْصُولا. قَوْله: حبست،
(23/214)
أَي: وقفت، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَقَالَ أبُو طَلْحَةَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أحبُّ أمْوالي إلَيَّ بَيْرُحاءٍ، لِحَائِطٍ لهُ
مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجدِ
ذكر هَذَا التَّعْلِيق أَيْضا عَن أبي طَلْحَة زيد بن سهل
الْأنْصَارِيّ، إِشَارَة إِلَى أَن الْحَائِط الَّذِي هُوَ
الْبُسْتَان من النّخل يُطلق عَلَيْهِ المَال، وَقد تقدم
هَذَا مَوْصُولا فِي: بَاب الزَّكَاة على الْأَقَارِب.
قَوْله: (إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (بيرحاء) قد
مر ضَبطه هُنَاكَ. قَوْله: (لحائط) ، اللَّام فِيهِ
للتبيين كَمَا فِي نَحْو {هيت لَك} أَي: هَذَا الِاسْم
لحائط. قَوْله: (مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد) أَي: مُقَابِله.
وتأنيثه بِاعْتِبَار الْبقْعَة.
7076 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثنيمالِكٌ عنْ ثَوْرِ
بنِ زَيْدٍ الدِّيليِّ عنْ أبي الغَيْثِ مَوْلَى ابنِ
مُطِيعٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَرَ فَلع
نَغْنَمْ ذَهَباً وَلَا فِضةً إلاَّ الأمْوالَ والثِّيابَ
والمَتاعَ، فأهْدَى رجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ يُقالُ
لَهُ: رِفاعَة بنُ زَيْدٍ، لِرَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم غُلاَماً يُقالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَادي القُرَى
حتَّى إذَا كانَ بِوَادِي القُرَى، بَيْنَما مِدْعَمٌ
يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
إذَا سَهْمٌ عائِزٌ فَقَتَلهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئاً
لهُ الجَنَّةُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (كَلاَّ! والَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ إنَّ
الشَّمْلَةَ الَّتِي أخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ
المَغانِمِ لَمْ تُصِبْها المقاسِمِ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ
نَارا) ، فَلمَّا سَمِعَ ذالِكَ النّاسُ جاءَ رجلٌ
بِشِرَاكٍ أوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أوْ:
شِرَاكَانِ مِنْ نارٍ.
(انْظُر الحَدِيث 4324) .
أَشَارَ بِهَذَا الحَدِيث إِلَى أَن المَال لَا يُطلق
إلاَّ على الثِّيَاب والأمتعة وَنَحْوهمَا، لِأَن
الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله: إلاَّ الْأَمْوَال، مُنْقَطع
يَعْنِي: لَكِن الْأَمْوَال هِيَ الثِّيَاب وَالْمَتَاع،
قيل: هَذَا على لُغَة دوس قَبيلَة أبي هُرَيْرَة كَمَا
ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِي هَذَا
الحَدِيث عَن مَالك، فروى ابْن الْقَاسِم مثل رِوَايَة
البُخَارِيّ، وروى يحيى بن يحيى وَجَمَاعَة عَن مَالك:
الْأَمْوَال وَالثيَاب من الْمَتَاع، بواو الْعَطف.
وَإِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن أويس، وثور
بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن زيد الديلِي بِكَسْر
الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى ديل
بن هداد بن زيد قَبيلَة من الأزد فِي تغلب وَفِي ضبة،
وَأَبُو الْغَيْث بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة واسْمه سَالم
مولى ابْن مُطِيع.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن
مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن مَالك بن أنس
عَن ثَوْر بن زيد عَن سَالم ... إِلَى آخِره. قَوْله: (من
بني ضبيب) بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبباء
أُخْرَى، وَقَالَ ابْن الرشاطي: فِي جذام الضبيب. قَوْله:
(رِفَاعَة) بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالعين
الْمُهْملَة ابْن زيد بن وهب، قدم على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة فِي جمَاعَة من
قوم فأسلموا، وَعقد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، على قومه. قَوْله: (مدعم) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة، وَكَانَ
أسود. قَوْله: (فَوجه) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:
(وَادي الْقرى) جمع الْقرْيَة مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة.
قَوْله: (عاير) بِالْعينِ الْمُهْملَة وَبعد ألف يَاء آخر
الْحُرُوف وبالراء: لَا يُدري من رمى بِهِ، كَذَا ضَبطه
بَعضهم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: العائر بِالْعينِ المهلمة
والهمزة بعد الْألف وبالراء: الجائر عَن قَصده. قَوْله:
(أَن الشملة) هِيَ الكساء. قَوْله: (لم تصبها المقاسم)
أَي: أَخذهَا قبل قسْمَة الْغَنَائِم وَكَانَ غلولاً.
قَوْله: (بِشِرَاك) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
الرَّاء وَهُوَ سير النَّعْل الَّذِي يكون على وَجهه. |