فَقَالَ: (اشْتَرِيها، إِنَّمَا الوَلاءُ
لِمَنْ أعْتَقَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنِّي
وَالله إِن شَاءَ الله) قيل: إِن قَوْله: إِن شَاءَ
الله، لم يَقع فِي أَكثر الطّرق لحَدِيث أبي مُوسَى،
وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ ثَابت فِي الْأُصُول،
وَأَرَادَ البُخَارِيّ بإيراده بَيَان صفة
الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ. وَعَن أبي مُوسَى
الْمَدِينِيّ إِنَّمَا قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك للتبرك لَا للاستثناء، وَهُوَ
خلاف الظَّاهِر.
وَحَمَّاد فِي السَّنَد هُوَ ابْن زيد لِأَن قُتَيْبَة
لم يدْرك حَمَّاد بن سَلمَة، وغيلان بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن
جرير بِفَتْح الْجِيم، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء اسْمه عَامر، وَقيل:
الْحَارِث، يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن
قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي النّذر عَن أبي النُّعْمَان
مُحَمَّد بن الْفضل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (استحمله) أَي: أطلق مِنْهُ مَا يحملنا
وأثقالنا. قَوْله: (فَأتي بِإِبِل) كَذَا فِي رِوَايَة
(23/223)
الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة الأصليي
وَأبي ذَر عَن السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: بشائل،
بالشين الْمُعْجَمَة والهمزة بعد الْألف، أَي: قطيع من
الْإِبِل، وَقَالَ الْخطابِيّ: جَاءَ بِلَفْظ
الْوَاحِد وَالْمرَاد بِهِ الْجمع كالسامر، يُقَال:
نَاقَة شائل إِذا قل لَبنهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
وَفِي بعض الرِّوَايَات: شوائل، وَقَالَ ابْن بطال:
فِي رِوَايَة أبي ذَر: بشائل، مَكَان قَوْله: بِإِبِل،
وَأَظنهُ بشوائل إِن صحت الرِّوَايَة، وبخط الدمياطي:
الشائل بِلَا هَاء النَّاقة الَّتِي تشول بذنبها للقاح
وَلَا لبن لَهَا أصلا وَالْجمع شول، مثل رَاكِع وَركع،
والشائلة بِالتَّاءِ، هِيَ الَّتِي جف لَبنهَا وارتفع
ضرْعهَا وأتى عَلَيْهَا من نتاجها سَبْعَة أشهر أَو
ثَمَانِيَة. قَوْله: (بِثَلَاثَة ذود) وَفِي رِوَايَة
أبي ذَر بِثَلَاث ذود، وَهُوَ الصَّوَاب لِأَن الذود
مؤنث، والذود بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة من الثَّلَاث إِلَى
الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى السَّبع، وَقيل: من
الِاثْنَيْنِ إِلَى التسع من النوق وَلَا وَاحِد لَهُ
من لَفظه، وَالْكثير أذواد، وَالْأَكْثَر على أَنه
خَاص بالإناث، وَقد يُطلق على الذُّكُور. فَإِن قلت:
مضى فِي الْمَغَازِي بِلَفْظ: خمس ذود.
قلت: الْجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ يحمل على أَنه أَمر
لَهُم أَولا بِثَلَاثَة ثمَّ زادهم اثْنَيْنِ. قَوْله:
(فحملنا) بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام. قَوْله: (إِنِّي
وَالله إِن شَاءَ الله) هَذَا مَوضِع الِاسْتِثْنَاء
فِيهِ. قَوْله: (إلاَّ كفرت عَن يَمِيني وأتيت الَّذِي
هُوَ خير وكفرت) كَذَا وَقع لفظ: كفرت، مكرراً فِي
رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَبَقِيَّة الْكَلَام مَضَت فِي
النّذر.
9176 - حدّثنا أبُو النُعْمان حدّثنا حَمَّادٌ
وَقَالَ: (إلاّ كَفَّرْتُ عنْ يَمِيني وأتَيْتُ الّذِي
هُوَ خَيْرٌ، أوْ أتيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ
وكَفَّرْتُ) .
أَبُو النُّعْمَان هُوَ مُحَمَّد بن الْفضل، وَحَمَّاد
هُوَ ابْن زيد، وَأَرَادَ بِذكر طَرِيق أبي
النُّعْمَان هَذَا بَيَان التَّخْيِير بَين تَقْدِيم
الْكَفَّارَة على الْحِنْث وتأخيرها عَنهُ. وَفِيه
الْخلاف، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو
هُوَ شكّ من الرَّاوِي.
قلت: كَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن سُلَيْمَان بن
حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد بالترديد أَيْضا.
0276 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا
سُفْيانُ عَنْ هِشام بنِ حُجَيْرٍ عنْ طاوُوس سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمانُ: لأطُوفنَّ
اللَّيْلَةَ عَل تِسْعِينَ امْرأةً كُلٌّ تَلِدُ
غُلاماً يُقاتِلُ فِي سَبيلِ الله، فَقَالَ لَهُ
صاحِبُهُ، قَالَ سُفْيانُ: يَعْنِي المَلَكَ: قُلْ إنْ
شاءَ الله! فَنَسِي فَطافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَأْتِ
امْرأة منْهُنَّ بِوَلَدٍ إلاّ واحِدَةٌ بِشقِّ غلامٍ،
فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ، قَالَ: لَوْ
قَالَ: إنْ شاءَ الله لَمْ يَحْنَثْ، وكانَ دَرَكاً
فِي حاجَتِهِ. وَقَالَ مَرة: قَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْ اسْتَثْنَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَو اسْتثْنى) أَي:
لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان
هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام بن حُجَيْر بِضَم
الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وبالراء الْمَكِّيّ، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: لم يتَقَدَّم ذكره يَعْنِي فِيمَا مضى.
والْحَدِيث مضى بِغَيْر هَذَا الطَّرِيق فِي الْجِهَاد
فِي: بَاب من طلب الْوَلَد للْجِهَاد فَإِنَّهُ قَالَ
هُنَاكَ. وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة
عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قَالَ
سُلَيْمَان بن دَاوُد، عَلَيْهِمَا السَّلَام: لأطوفن
اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة أَو تسع وَتِسْعين ...
الحَدِيث.
قَوْله: (لأطوفن) اللَّام جَوَاب الْقسم كَأَنَّهُ
قَالَ مثلا؛ وَالله لأطوفن، وَالنُّون فِيهِ
للتَّأْكِيد، يُقَال طَاف بِهِ يَعْنِي ألم بِهِ
وقاربه. قَوْله: (اللَّيْلَة) نصب على الظَّرْفِيَّة.
قَوْله: (على تسعين امْرَأَة) وَقَالَ الْكرْمَانِي:
قيل: لَيْسَ فِي حَدِيث الصَّحِيح أَكثر اخْتِلَافا
فِي الْعدَد من حَدِيث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام،
فِيهِ: مائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ وَسِتُّونَ، وَلَا
مُنَافَاة إِذْ لَا اعْتِبَار لمَفْهُوم الْعدَد.
قَوْله: (كل تَلد) أَي: كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ تَلد
غُلَاما. قَوْله: (بشق غُلَام) بِكَسْر الشين
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف أَي: نصف غُلَام،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْحِنْث مَعْصِيّة، كَيفَ يجوز
على سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام؟ ثمَّ قَالَ: لم
يكن بِاخْتِيَارِهِ، أَو هُوَ صَغِيرَة مَعْفُو
عَنْهَا.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، لِأَنَّهُ حمل الْحِنْث على
مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل
مَعْنَاهُ هُنَا عدم وُقُوع مَا أَرَادَ، وَفِيه
نِسْبَة وُقُوع الصَّغِيرَة من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه مَا فِيهِ، وَأول الحَدِيث
مَوْقُوف
(23/224)
على أبي هُرَيْرَة، وَلكنه رَفعه بقوله:
يرويهِ، قَالَ: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، لم يَحْنَث
لِأَن قَوْله: يرويهِ، كِنَايَة عَن رفع الحَدِيث،
وَهُوَ كَمَا لَو قَالَ مثلا: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد وَقع فِي رِوَايَة
الْحميدِي التَّصْرِيح بذلك، وَلَفظه: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... وَكَذَا أخرجه مُسلم
عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان.
قَوْله: (لم يَحْنَث) بالثاء الْمُثَلَّثَة المُرَاد
بِعَدَمِ الْحِنْث عدم وُقُوع ماأراد، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: ويروي: لم يخب، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
من الخيبة وَهِي الحرمان. قَوْله: (وَكَانَ دركاً)
بِفَتْح الرَّاء وسكونها. أَي: إدراكاً أَو لحَاقًا
أَو بُلُوغ أمل فِي حَاجته. قَوْله: (وَقَالَ مرّة)
أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو اسْتثْنى مَعْنَاهُ أَيْضا،
لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، وَلَكِن قَالَ مرّة: لَو
قَالَ: إِن شَاءَ الله، وَمرَّة أُخْرَى قَالَ: لَو
اسْتثْنى، فاللفظ مُخْتَلف وَالْمعْنَى وَاحِد.
وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَي: لَو اسْتثْنى لم
يَحْنَث، وَقَالَ ابْن التِّين: لَيْسَ الِاسْتِثْنَاء
فِي قصَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، الَّذِي
يرفع حكم الْيَمين وَيحل عقده، وَإِنَّمَا هُوَ
بِمَعْنى الْإِقْرَار لله بِالْمَشِيئَةِ
وَالتَّسْلِيم لحكمه، فَهُوَ نَحْو قَوْله: {وَلَا
تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن
يَشَاء الله} (الْكَهْف: 32) وَإِنَّمَا يرفع حكم
الْيَمين إِذا نوى بِهِ الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين.
وحدّثنا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ مِثْلَ حَدِيثٍ
أبي هُرَيْرَةَ
الْقَائِل بقوله: وَحدثنَا، هُوَ سُفْيَان بن
عُيَيْنَة، وَقد أفْصح بِهِ مُسلم فِي رِوَايَته،
وَهُوَ مَوْصُول بالسند الأول. وَأَبُو الزِّنَاد
بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ
عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. قَوْله: (مثل حَدِيث أبي
هُرَيْرَة) أَي: مثل الَّذِي سَاقه من طَرِيق طَاوُوس
عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن
لِسُفْيَان فِيهِ سندان إِلَى أبي هُرَيْرَة: هِشَام
عَن طَاوس، وَأَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج.
01 - (بابُ الكَفَّارَة قَبْلَ الحِنْثِ وبَعْدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْكَفَّارَة قبل
الْحِنْث وَبعده وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز
الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث، فَقَالَ ربيعَة وَمَالك
وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ: تجزىء قبل
الْحِنْث، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو
ثَوْر، وَرُوِيَ مثله عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة
وَابْن عمر، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز تَقْدِيم
الرَّقَبَة وَالْكِسْوَة وَالطَّعَام قبل الْحِنْث،
وَلَا يجوز تَقْدِيم الصَّوْم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة
وَأَصْحَابه: لَا تجزىء الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح: لَا سلف لأبي حنيفَة
فِيهِ، وَاحْتج لَهُ الطَّحَاوِيّ بقوله تَعَالَى:
{ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم}
(الْمَائِدَة: 98) وَالْمرَاد إِذا حلفتم وحنثتم.
قلت: أَبُو حنيفَة مَا انْفَرد بِهَذَا، وَقَالَ بِهِ
أَيْضا أَشهب من الْمَالِكِيَّة، وَدَاوُد
الظَّاهِرِيّ وَصَاحب (التَّوْضِيح) : مَا يَقُول
فِيمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي وَهُوَ أَن
الْكَفَّارَة اسْم لجَمِيع أَنْوَاعهَا فَبعد الْحِنْث
حمل اللَّفْظ على جَمِيعهَا، وَقبل الْحِنْث خصص
اللَّفْظ بِبَعْضِهَا، فَترك الظَّاهِر من ثَلَاثَة
أوجه أَحدهَا تَسْمِيَتهَا كَفَّارَة وَلَيْسَ هُنَاكَ
مَا يكفر. وَالثَّانِي: صرف الْأَمر عَن الْوُجُوب
إِلَى الْجَوَاز. وَالثَّالِث: تَخْصِيص الْكَفَّارَة
بِبَعْض الْأَنْوَاع.
1276 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ حدّثنا إسْماعِيلُ
بنُ إبْراهِيمَ عنْ أيُّوبَ عنِ القاسِمِ
التَّمِيمِيِّ عنْ زَهْدَمٍ الجَرْمِيِّ قَالَ: كنَّا
عِنْدَ أبي مُوسى وَكَانَ بَيْننا وبَيْنَ هاذا
الحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إخَاءٌ ومَعْرُوفٌ، وَقَالَ:
فَقُدِّمَ طَعَام، قَالَ: وقُدِّمَ فِي طَعامِهِ
لَحْمُ دَجاجٍ، قَالَ: وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي تَيْمِ الله أحْمَرُ كأنَّهُ مَوْلًى، قَالَ:
فَلَمْ يَدْنُ، فَقَالَ لهُ أبُو مُوسى: ادْنُ فإنِّي
قَدْ رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يأكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إنِّي رَأيْتُهُ يَأْكلُ
شَيْئاً قَذِرَتُهُ فَحَلَفْتُ أنْ لَا أطْعَمَهُ
أبدا، فَقَالَ: أدْنُ أُخْبِرْكَ عنْ ذالِكَ: أتَيْنا
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَهْطٍ مِنَ
الأشْعَرِيِّينَ أسْتَحْملُهُ وهْوَ يَقْسِمُ نَعَماً
مِنْ نَعَمِ الصَّدَقةِ قَالَ أيُّوبُ أحْسِبُهُ
قَالَ: وهْوَ غَضْباُ قَالَ: (وَالله لَا أحْمِلُكُمْ
وَمَا عِنْدِي
(23/225)
مَا أحْمِلُكُمْ) قَالَ: فانَطَلْقَنا،
فأُتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَهْبٍ
إبِلٍ، فَقِيلَ: أيْنَ هاؤلاءِ الأشْعَرِيُّونَ؟ أيْنَ
هاؤُلاءِ الأشْعَرِيُّونَ؟ فأتَينا فأمَرَ لَنا
بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرى، قَالَ: فانْدَفَعْنا،
فَقُلْتُ لأصْحابي: أتَيْنا رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أنْ لَا
يَحْمِلَنا، ثُمَّ أرْسَلَ إلَيْنا فَحَمَلَنا، نَسِيَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينَهُ،
وَالله لَئِنْ تَغَفَّلْنا رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ أبَداً،
ارْجِعُوا بِنا إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَلْنُذَكَرْهُ يَمِينَهُ، فَرَجَعْنا فَقُلْنا:
يَا رسولَ الله {أتَيْناكَ نَسْتَحْمِلُكَ فَحَلَفَتَ
أنْ لَا تَحْمِلَنا، ثُمَّ حَمَلْتَنا فَظَنَنَّا أوْ
فعَرَفْنا أنّكَ نَسِيتَ يَمِينَك. قَالَ: (انْطِلقوا}
فإنَّما حَمَلَكُمُ الله! إنِّي وَالله إنْ شاءَ الله
لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينِ فأرَى غَيْرَها خَيْراً
مِنْها إلاّ أتَيْتَ الّذِي هُوَ خَيْرٌ
وتَحَلّلْتُها) .
هَذَا الحَدِيث لَا يدل إلاَّ على أَن الْكَفَّارَة
بعد الْحِنْث، فحينئذٍ لَا تكون الْمُطَابقَة بَينه
وَبَين التَّرْجَمَة إلاَّ فِي قَوْله: (وَبعده) أَي:
وَبعد الْحِنْث، وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر الَّذِي
يَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب لَا يدل إلاَّ على أَن
الْكَفَّارَة بعد الْحِنْث، وَلم يذكر شَيْئا فِي
هَذَا الْبَاب يدل على أَن الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث
أَيْضا، فَكَأَنَّهُ اكْتفى بِمَا ذكره قبل هَذَا
الْبَاب عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد.
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي فرض
الْخمس عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب وَفِي
الْمَغَازِي عَن أبي نعيم وَفِي الذَّبَائِح عَن أبي
معمر وَعَن يحيى عَن وَكِيع وَفِي النذور عَن أبي معمر
وَعَن قُتَيْبَة، وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد عَن عبد
الله بن عبد الْوَهَّاب، وَمضى أَكثر الْكَلَام فِي
شَرحه فِي: بَاب لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ.
وَعلي بن حجر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْجِيم وبالراء السَّعْدِيّ مَاتَ سنة أَربع
وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَإِسْمَاعِيل بن
إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن علية اسْم أمه، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَالقَاسِم بن عَاصِم التَّمِيمِي،
وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال
الْمُهْملَة الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون
الرَّاء، وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس
الْأَشْعَرِيّ.
قَوْله: (وَكَانَ بَيْننَا وَبَين هَذَا الْحَيّ)
إِلَى قَوْله: (أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) من كَلَام زَهْدَم مَعَ تخَلّل بعض
القَوْل عَن أبي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
لَا يخفى على النَّاظر المتأمل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: وَكَانَ بَيْننَا وَبينهمْ هَذَا الْحَيّ.
. قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن يُقَال: بَينه،
يَعْنِي: أَبَا مُوسَى، كَمَا تقدم: فِي: بَاب لَا
تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، حَيْثُ قَالَ: كَانَ بَين هَذَا
الْحَيّ من جرم وَبَين الْأَشْعَرِيين ... ثمَّ قَالَ:
لَعَلَّه جعل نَفسه من أَتبَاع أبي مُوسَى كواحد من
الأشاعرة؟ وَأَرَادَ بقوله: بَيْننَا، أَبَا مُوسَى
وَأَتْبَاعه الْحَقِيقَة والأدعائية. قَوْله: (إخاء)
بِكَسْر الْهمزَة وبالخاء الْمُعْجَمَة وبالمد أَي:
صداقة. قَوْله: (ومعروف) أَي: إِحْسَان وبر. قَوْله:
(فَقدم طَعَام) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: فَقدم طَعَامه، أَي: وضع بَين
يَدَيْهِ. قَوْله: (رجل من بني تيم الله) هواسم
قَبيلَة يُقَال لَهُم أَيْضا تيم اللات، وهم من قصاعة.
قَوْله: (أَحْمَر) صفة رجل أَي: لم يكن من الْعَرَب
الخلص. قَوْله: (كَأَنَّهُ مولى) قد تقدم فِي فرض
الْخمس: كَأَنَّهُ من الموَالِي. قَوْله: (فَلم يدن)
أَي: فَلم يقرب إِلَى الطَّعَام. قَوْله: (أدن) ،
بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الدَّال أَمر من دنا يدنو.
قَوْله: (قذرته) بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة
وَفتحهَا أَي: كرهته لِأَنَّهُ كَانَ من الْجَلالَة.
قَوْله: (أخْبرك) مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر.
قَوْله: (عَن ذَلِك) أَي: عَن الطَّرِيق فِي حل
الْيَمين. قَوْله: (استحمله) أَي: أطلب مِنْهُ مَا
نركبه. قَوْله: (نعما) بِفَتْح النُّون وَالْعين
الْمُهْملَة. قَوْله: (قَالَ أَيُّوب) هُوَ
السّخْتِيَانِيّ أحد الروَاة. قَوْله: (وَالله لَا
أحملكم) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِيهِ جَوَاز الْيَمين
عِنْد الْمَنْع ورد السَّائِل الْمُلْحِف. قَوْله:
(بِنَهْب) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء بعْدهَا
بَاء مُوَحدَة، وَأَرَادَ بِهِ الْغَنِيمَة. قَوْله:
(بِخمْس ذود) قد مر تَفْسِيره عَن قريب وَقد مر فِي
الْمَغَازِي: بِسِتَّة أَبْعِرَة، وَلَا مُنَافَاة
إِذْ ذكر الْقَلِيل لَا يَنْفِي الْكثير. قَوْله: (غر
الذرى) أَي: بيض الأسنمة، والغر بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء جمع أغر. أَي: أَبيض،
والذرى بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء
المخففة جمع ذرْوَة، وذروة الشَّيْء أَعْلَاهُ.
وَأَرَادَ بهَا السنام. قَوْله: (فاندفعنا) أَي: سرنا
مُسْرِعين، وَالدَّفْع السّير بِسُرْعَة. قَوْله:
(وَالله لَئِن تغفلنا) أَي: لَئِن طلبنا غفلته فِي
يَمِينه
(23/226)
من غير أَن نذكرهُ (لَا نفلح أبدا) وَفِي
رِوَايَة عبد الْوَهَّاب وَعبد السَّلَام: فَلَمَّا
قبضناها قُلْنَا: تغفلنا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لَا نفلح أبدا، وَفِي رِوَايَة
حَمَّاد: فَلَمَّا انطلقنا قُلْنَا: مَا صنعنَا؟ لَا
يُبَارك لنا. وَلم يذكر النسْيَان. وَفِي رِوَايَة
غيلَان: لَا يُبَارك الله لنا، وخلت رِوَايَة يزِيد
عَن هَذِه الزِّيَادَة كَمَا خلت عَمَّا بعْدهَا إِلَى
آخر الحَدِيث. قَوْله: (فلنذكره) من الإذكار أَو من
التَّذْكِير، أَي: فلنذكر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَمِينه. قَوْله: (أَو فَعرفنَا) شكّ
من الرَّاوِي. قَوْله: (أَحْلف على يَمِين) أَي: محلوف
يَمِين، فَأطلق عَلَيْهِ لفظ يَمِين للملابسة. وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: أطلق الْيَمين فَقَالَ: أَحْلف أَي:
أعقد شَيْئا بالعزم وَالنِّيَّة. وَقَوله: (على
يَمِين) تَأْكِيد لعقده وإعلام بِأَنَّهُ لَيْسَ
لَغوا. قَوْله: (غَيرهَا) يرجع الضَّمِير للْيَمِين
الْمَقْصُود مِنْهَا الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مثل
الْخصْلَة المفعولة أَو المتروكة، إِذْ لَا معنى
لإِطْلَاق إلاَّ أَحْلف على الْحلف. قَوْله:
(وتحللتها) أَي: كفرتها.
وَفِيه: حجَّة للحنفية، قَالَ الْكرْمَانِي: الْحِنْث
مَعْصِيّة، ثمَّ قَالَ: لَا خلاف فِي أَنه إِذا أَتَى
بِمَا هُوَ خير من الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لَا يكون
مَعْصِيّة.
تابَعَهُ حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي
قِلاَبَةَ والقاسِمِ بنِ عاصِمٍ الْكُلَيْبِيِّ
أَي: تَابع إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الَّذِي يُقَال
لَهُ ابْن علية حَمَّاد بن زيد، وَهُوَ مَرْفُوع
بالفاعلية فِي رِوَايَته، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ
عَن أبي قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد
الْجرْمِي، وَالقَاسِم بن عَاصِم، وَالقَاسِم مجرور
لِأَنَّهُ عطف على أبي قلَابَة، يَعْنِي أَن أَيُّوب
روى عَنْهُمَا جَمِيعًا، والكلبي بِضَم الْكَاف وَفتح
اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء
الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى كُلَيْب بن حبشية فِي
خُزَاعَة، وَإِلَى كُلَيْب بن وَائِل فِي تغلب،
وَإِلَى كُلَيْب بن يَرْبُوع فِي تَمِيم، وَإِلَى
كُلَيْب بن ربيعَة فِي نخع، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
هَذَا يحْتَمل التَّعْلِيق، وَقَالَ بَعضهم: كَلَامه
هَذَا يسْتَلْزم عدم التَّعْلِيق، وَلَيْسَ كَذَلِك،
بل هُوَ فِي حكم التَّعْلِيق.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْكَلَام، بل هَذِه
مُتَابعَة وَقعت فِي الرِّوَايَة عَن الْقَاسِم،
وَلَكِن حماداً ضم إِلَيْهِ أَبَا قلَابَة.
حدّثنا قُتَيْبَةَ حَدثنَا عَبْدُ الوَهَّابِ عنْ
أيُّوبَ عنْ أبي قِلاَبَةَ، والقاسِمِ التَّمِيميِّ
عنْ زَهْدَمِ بِهَذا.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. أخرجه عَن
قُتَيْبَة بن سعيد عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ ... الخ،
وَقد مر هَذَا فِي: بَاب لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ،
وَسَيَجِيءُ أَيْضا فِي كتاب التَّوْحِيد عَن عبد الله
بن عبد الْوَهَّاب. قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِجَمِيعِ
الحَدِيث.
حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حَدثنَا
أيُّوبُ عنِ القاسِمِ عنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين
عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج التَّمِيمِي
المقعد الْبَصْرِيّ عَن عبد الْوَارِث بن سعيد
رِوَايَته عَن أَيُّوب إِلَى آخِره ... وَقد مضى هَذَا
فِي كتاب الذَّبَائِح، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم قَالَ
أَولا تَابعه، وَثَانِيا وثالثاً: حَدثنَا؟ ثمَّ أجَاب
بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن الْأَخيرينِ حَدَّثَاهُ
بالاستقلال وَالْأول مَعَ غَيره بِأَن قَالَ هُوَ
كَذَلِك أَو صَدَقَة أَو نَحوه قلت قَالَ بَعضهم لم
يظْهر لي معنى قَوْله مَعَ غَيره قلت مَعْنَاهُ أَنه
سمع غَيره يذكر هَذَا الحَدِيث، وَصدقه هُوَ، أَو
قَالَ هُوَ كَذَلِك بِخِلَاف قَوْله: حَدثنَا فِي
الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُ سَمعه فيهمَا اسْتِقْلَالا
بِنَفسِهِ، وَفِي نفس الْأَمر هَذَا كُله كَلَام حَشْو
لِأَن الأول مُتَابعَة ظَاهرا والأخيرين تحديثه:
إيَّاهُمَا ظَاهرا.
2276 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا
عُثْمانُ بنُ عُمَرَ بنِ فارِسٍ أخبرنَا ابنُ عَوْنٍ
عنِ الحَسَنِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ سَمُرَةَ
قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(لَا تَسْألِ الإمارَةَ فَإِن إنْ أُعْطِيتَها عَنْ
غَيْرِ مَسألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها، وإنْ أعْطِيتَها
عنْ مَسألَة وُكِلْتَ إلَيْها، وإذَا حَلَفْتَ عَلى
يَمِينٍ فَرَأيْتُ غَيْرها خَيْراً مِنْها فأْت الّذِي
هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) .
قد ذكرنَا على رَأس الحَدِيث السَّابِق أَن هَذَا
أَيْضا يُطَابق من التَّرْجَمَة قَوْله: (أَو بعده)
أَي: بعد الْحِنْث.
وَمُحَمّد بن عبد الله
(23/227)
هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن
خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب الذهلي النَّيْسَابُورِي
الْحَافِظ الْمَشْهُور، وَقَالَ صَاحب كتاب (رجال
الصَّحِيحَيْنِ) : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي قريب من
ثَلَاثِينَ موضعا وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى
الذهلي مُصَرحًا بل يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد تَارَة
وَلَا يزدْ عَلَيْهِ، وَتارَة يَقُول: حَدثنَا
مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَتارَة
يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد فينسبه إِلَى جد
أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل
نيسابور، شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي
مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ وَكَانَ قد سمع مِنْهُ وَلم
يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه. وَمَات
مُحَمَّد بن يحيى بعد البُخَارِيّ بِيَسِير، تَقْدِيره
نَحْو سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَعُثْمَان بن
عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ مر فِي الْغسْل يروي عَن عبد
الله بن عون عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عبد
الرَّحْمَن بن سَمُرَة الْقرشِي سكن الْبَصْرَة وَمَات
بِالْكُوفَةِ سنة خمسين.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد
بن الْفضل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الْإِمَارَة) ، بِكَسْر الْهمزَة أَي:
الْأَمر قَوْله: (إِن أعطيتهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ
على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله (أعنت)
(ووكلت) وَهُوَ بتَخْفِيف الْكَاف وَمَعْنَاهُ: وكلت
إِلَى نَفسك وعجزت. قَوْله: (فَرَأَيْت) من الرَّأْي
لَا من الرُّؤْيَة بالبصر. قَوْله: (غَيرهَا) قد
ذكرنَا عَن قريب أَن مرجع الضَّمِير للْيَمِين وَلكنه
بالتأويل وَهُوَ بِاعْتِبَار الْخصْلَة الْمَوْجُودَة
فِيهِ. قَوْله: (وَكفر عَن يَمِينك) هَكَذَا بِالْوَاو
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ويروى: فيكفر،
بِالْفَاءِ.
تابَعَهُ أشْهَلُ عنِ ابْن عَوْنِ
أَي: تَابع عُثْمَان بن عمر فِي رِوَايَته عَن عبد
الله بن عون أشهل على وزن أَحْمد بالشين الْمُعْجَمَة
ابْن حَاتِم، وَفِي بعض النّسخ صرح باسم أَبِيه، وأشهل
مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل وَالضَّمِير فِي: تَابعه،
مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول ووصول هَذِه الْمُتَابَعَة
أَبُو عوَانَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق
أبي قلَابَة الرقاشِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله
الْأنْصَارِيّ، وأشهل بن حَاتِم قَالَا: حَدثنَا ابْن
عون بِهِ.
وتابَعَهُ يُونُسُ وسِماكُ بنُ عَطِيّةَ وسِماكُ بنُ
حَرْبٍ وحُمَيْدٌ وقَتادةُ ومَنْصُورٌ وهِشامٌ
والرَّبِيعُ
يَعْنِي هَؤُلَاءِ الثَّمَانِية تابعوا عبد الله بن
عون فِي رِوَايَته عَن الْحسن عَن سَمُرَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قيل: وَقع فِي نُسْخَة من رِوَايَة
أبي ذَر: وَحميد عَن قَتَادَة، وَهُوَ خطأ
وَالصَّوَاب: وَحميد وَقَتَادَة، بواو الْعَطف.
أما مُتَابعَة يُونُس وَهُوَ ابْن عبيد بن دِينَار
الْعَبْدي الْبَصْرِيّ فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب
الْأَحْكَام فِي: بَاب من سَأَلَ الْإِمَارَة وكل
إِلَيْهَا. قَالَ: حَدثنَا أَبُو معمر حَدثنَا عبد
الْوَارِث حَدثنَا يُونُس عَن الْحسن قَالَ: حَدثنِي
عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ لي رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عبد الرَّحْمَن بن
سَمُرَة! لَا تسْأَل الْإِمَارَة ... الحَدِيث. وَأما
مُتَابعَة سماك بِكَسْر السِّين المهلمة وَتَخْفِيف
الْمِيم وبكاف ابْن عَطِيَّة المربدي من أهل
الْبَصْرَة. فوصلها مُسلم، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو
كَامِل الجحدري حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن سماك بن
عَطِيَّة وَيُونُس بن عبيد وَهِشَام بن حسان كلهم عَن
الْحسن عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أَحَالهُ على حَدِيث
جرير بن حَازِم، فَإِنَّهُ أخرجه عَنهُ فَقَالَ:
حَدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا جرير بن حَازِم
حَدثنَا الْحسن حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة
قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
يَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة ... الحَدِيث. وَأما
مُتَابعَة سماك بن حَرْب ضد الصُّلْح أبي الْمُغيرَة
الْكُوفِي فوصلها عبد الله بن أَحْمد فِي (زياداته)
وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من طَرِيق حَمَّاد
بن زيد عَنهُ عَن الْحسن. وَأما مُتَابعَة حميد بن أبي
حميد الطَّوِيل فوصلها مُسلم من طَرِيق هشيم قَالَ:
حَدثنِي عَليّ بن حجر السَّعْدِيّ حَدثنَا هشيم عَن
يُونُس وَمَنْصُور وَحميد عَن الْحسن. وَأما مُتَابعَة
قَتَادَة فوصلها مُسلم أَيْضا قَالَ: حَدثنَا عقبَة بن
المكرم الْعمي حَدثنَا سعيد بن عَامر عَن سعيد عَن
قَتَادَة، وَذكر جمَاعَة آخَرين قبله، ثمَّ قَالَ:
كلهم عَن الْحسن عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة ...
الحَدِيث. وَأما مُتَابعَة مَنْصُور هُوَ ابْن
الْمُعْتَمِر فوصلها مُسلم أَيْضا، وَقد مر الْآن.
وَأما مُتَابعَة هِشَام هُوَ ابْن حسان الفردوسي
فوصلها أَبُو نعيم فِي (مستخرج مُسلم) من طَرِيق
حَمَّاد بن زيد عَن هِشَام عَن الْحسن. وَأما
مُتَابعَة الرّبيع بِفَتْح الرَّاء ابْن مُسلم
الجُمَحِي
(23/228)
الْبَصْرِيّ جزم بِهِ الْحَافِظ الدمياطي وَهُوَ من
رجال مُسلم. وَقَالَ بَعضهم بِالظَّنِّ: إِنَّه
الرّبيع بن صبيح بِفَتْح الصَّاد وَهُوَ من رجال
التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، فوصلها أَبُو عوَانَة من
طَرِيق الْأسود بن عَامر عَن الرّبيع بن صبيح عَن
الْحسن، وَوَصلهَا الْحَافِظ يُوسُف بن خَلِيل فِي
الْجُزْء الَّذِي جمع فِيهِ طرق هَذَا الحَدِيث من
طَرِيق وَكِيع عَن الرّبيع عَن الْحسن وَلم ينْسب
الرّبيع، فَيحْتَمل أَن يكون مثل مَا قَالَ الْحَافِظ
الدمياطي، وَيحْتَمل أَن يكون مثل مَا روى أَبُو
عوَانَة، وَلَكِن يُؤَكد قَول من يَقُول بِالْجَزْمِ
دون الظَّن. وَالله أعلم.