عمدة القاري شرح صحيح البخاري

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

58 - (كتابُ الفَرَائِضِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْفَرَائِض، وَهُوَ جمع فَرِيضَة، وَهِي فِي اللُّغَة اسْم مَا يفْرض على الْمُكَلف، وَمِنْه فَرَائض الصَّلَوَات والزكوات، وَسميت أَيْضا الْمَوَارِيث فَرَائض وفروضاً لما أَنَّهَا مقدرات لأصحابها ومبينات فِي كتاب الله تَعَالَى ومقطوعات لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَلَا النُّقْصَان مِنْهَا، وَهِي فِي الأَصْل مُشْتَقَّة من الْفَرْض وَهُوَ الْقطع وَالتَّقْدِير وَالْبَيَان، يُقَال: فرضت لفُلَان كَذَا أَي: قطعت لَهُ شَيْئا من المَال. وَقَالَ الله تَعَالَى: {سُورَة أنزلناها وفرضناها} (النُّور: 1) أَي: قَدرنَا فِيهَا الْأَحْكَام، وَقد قَالَ تَعَالَى: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} (التَّحْرِيم: 2) أَي: بيَّن كَفَّارَة أَيْمَانكُم.

1 - (بَاب وقَوْلِهِ تَعَالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلاَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُِمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلاُِمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍءَابَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُو اْ أَكْثَرَ مِن ذالِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (النِّسَاء: 11 21)

وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله الْفَرَائِض، والآيتان المذكورتان سبقتا بتمامهما فِي رِوَايَة أبي ذَر وَغَيره، سَاق الْآيَة الأولى وَقَالَ بعده قَوْله: {عليماً حكيماً} إِلَى قَوْله: {وَالله عليم حَلِيم} هَاتَانِ الْآيَتَانِ الكريمتان وَالْآيَة الَّتِي هِيَ خَاتِمَة السُّورَة الَّتِي هما مِنْهَا، وَهِي سُورَة النِّسَاء، آيَات علم الْفَرَائِض وَهُوَ مستنبط من هَذِه الْآيَات وَمن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك مِمَّا هِيَ كالتفسير لذَلِك، وَكَانَت الوراثة فِي الْجَاهِلِيَّة بالرجولية وَالْقُوَّة، أَي: كَانُوا يورثون الرِّجَال دون النِّسَاء، وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام أَيْضا بالمحالفة قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذين عَاقَدَتْ أَيْمَانكُم} يَعْنِي: الحلفاء {آتوهم نصِيبهم} (النِّسَاء: 33) أَي: أعطوهم حظهم من الْمِيرَاث، فَصَارَت بعده بِالْهِجْرَةِ، فنسخ هَذَا كُله وَصَارَت الوراثة بِوَجْهَيْنِ: بِالنّسَبِ وَالسَّبَب، فالسبب النِّكَاح وَالْوَلَاء، وَالنّسب الْقَرَابَة. وَبحث ذَلِك فِي علم الْفَرَائِض. وَالَّذين لَا يسقطون من الْمِيرَاث أصلا سِتَّة: الأبوان والولدان والزوجان، وَالَّذين لَا يَرِثُونَ أصلا سِتَّة: العَبْد وَالْمُرْتَدّ وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد وَقَاتل الْعمد وَأهل الملتين. وَزَاد بَعضهم أَرْبَعَة أُخْرَى هِيَ: التبني وجهالة الْوَارِث وجهالة تَارِيخ الْمَوْتَى والارتداد، وَسَيَجِيءُ تَفْسِير هَذِه الْآيَات وَبَيَان سَبَب نُزُولهَا فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تذكر هَهُنَا، ولنذكر بعض شَيْء.

(23/229)


قَوْله: {يُوصِيكُم الله} أَي: يَأْمُركُمْ بِالْعَدْلِ فِي أَوْلَادكُم، وَبِذَلِك نسخ مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ من عدم تَوْرِيث النِّسَاء، فَجعل للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ لاحتياج الرجل إِلَى مُؤمنَة النَّفَقَة والكلفة ومقاساة التِّجَارَة والتكسب وَتحمل الْمَشَقَّة. قَوْله: {فَإِن كن نسَاء} أَي: فَإِن كَانَت المتروكات نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ يَعْنِي اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا، قيل: لفظ فَوق صلَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق} وَقيل: هَذَا غير مُسلم لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن شَيْء زَائِد لَا فَائِدَة فِيهِ. قَوْله: {وَإِن كَانَت وَاحِدَة} أَي: وَإِن كَانَت المتروكة وَاحِدَة بِنْتا كَانَت أَو امْرَأَة، وَوَاحِدَة نصب على أَنه خبر: كَانَت، وقرىء بِالرَّفْع على معنى: وَإِن وَقعت وَاحِدَة، فحينئذٍ لَا خبر لَهُ لِأَن كَانَ تكون تَامَّة. قَوْله: {ولأبويه} أَي: ولابوي الْمَيِّت، كِنَايَة عَن غير مَذْكُور، والقرينة دَالَّة عَلَيْهِ. قَوْله: {لكل وَاحِد مِنْهُمَا} أَي: من الْأَبَوَيْنِ {السُّدس مِمَّا ترك} أَي: الْمَيِّت إِن كَانَ لَهُ أَي للْمَيت ولد. وَقَوله: {ولد} يَشْمَل ولد الابْن، وَالْأَب هُنَا صَاحب فرض فَإِن لم يكن لَهُ أَي للْمَيت ولد، وَالْحَال أَن أَبَوَيْهِ يرثانه فلأمه الثُّلُث من التَّرِكَة، وَيعلم مِنْهُ أَن الْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ للْأَب. قَوْله: {فَإِن كَانَ لَهُ} أَي للْمَيت إخْوَة اثْنَيْنِ كَانَ أَو أَكثر ذكراناً أَو إِنَاثًا فلإمه السُّدس، هَذَا قَول عَامَّة الْفُقَهَاء، وَكَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لَا يحجب الْأُم عَن الثُّلُث إِلَى السُّدس بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أخوة، وَكَانَ يَقُول فِي أبوين وأخوين: للْأُم الثُّلُث وَمَا بَقِي فللأب، اتبع ظَاهر اللَّفْظ. قَوْله: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا} أَي: الْمَيِّت. قَوْله: {أَو دين} أَي: بعددين. أجمع الْعلمَاء سلفا وخلفاً على أَن الدَّين مقدم على الْوَصِيَّة، وَلَكِن الدَّين على نَوْعَيْنِ: دين الله وَدين الْعباد، فدين الله إِن لم يوص بِهِ يسْقط عندنَا، سَوَاء كَانَ صَلَاة أَو زَكَاة، وَيبقى عَلَيْهِ المأثم والمطالبة يَوْم الْقِيَامَة، وَعند الشَّافِعِي: يلْزم قَضَاؤُهُ كَدين الْعباد، أوصى أَولا: وَإِن بعض الدّين أولى من بعض، فدين الصِّحَّة وَمَا ثَبت بالمعاينة فِي الْمَرَض أَو بِالْبَيِّنَةِ أولى مِمَّا يثبت عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ عندنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: دين الصِّحَّة وَمَا أقرّ بِهِ فِي مَرضه سَوَاء، وَمَا أقرّ بِهِ فِيهِ مقدم على الْوَصِيَّة، وَلَا يَصح إِقْرَاره فِيهِ لوَارِثه بدين أَو عين عندنَا، خلافًا قَالَه فِي أحد قوليه: إلاَّ أَن تجيزه بَقِيَّة الْوَرَثَة فَيجوز، وَإِذا اجْتمع الدَّينان فدين الْعباد أولى عندنَا، وَعِنْده دين الله أولى، وَعنهُ: أَنَّهُمَا سَوَاء. وَأما الْوَصِيَّة فِي مِقْدَار الثُّلُث فمقدمة على الْمِيرَاث بعد قَضَاء الدُّيُون فَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة الْوَرَثَة. قَوْله: {آباؤكم وأبناؤكم} أَي: لَا تَدْرُونَ من أَنْفَع لكم من آبائكم وأبنائكم الَّذين يموتون أَمن أوصى مِنْهُم أم من لم يوص؟ يَعْنِي: إِن من أوصى بِبَعْض مَاله فعركضم لثواب الْآخِرَة بإمضاء الْوَصِيَّة فَهُوَ أقرب لكم نفعا. قَالَ مُجَاهِد: فِي الدُّنْيَا وَقَالَ الْحسن: لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أسعد فِي الدّين وَالدُّنْيَا. قَوْله: {فَرِيضَة} نصب على الصَّدْر أَي: هَذَا الَّذِي ذكرنَا من تَفْصِيل الْمِيرَاث وَإِعْطَاء بعض الْوَرَثَة أَكثر من بعض هُوَ فرض من الله حَاصله: فرض الله ذَلِك فَرِيضَة وَحكم بِهِ وَقَضَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم الَّذِي يضع الْأَشْيَاء فِي محلهَا وَيُعْطِي كلَاما يسْتَحقّهُ بحسه. قَوْله: {وَلكم} أَي: وَلكم أَيهَا الرِّجَال {نصف مَا ترك أزواجكم} إِذا متن وَلم يكن لَهُنَّ ولد. قَوْله: {ولهن} أَي: المزوجات، وَسَوَاء فِي الرّبع أَو الثّمن الزَّوْجَة والزوجتان وَالثَّلَاث والأربع يشتركن فِيهِ قَوْله: {وَإِن كَانَ رجل يُورث} صفة لرجل، وكلالة نصب على أَنه خبر: كَانَ، وَهِي مُشْتَقَّة من الإكليل وَهُوَ الَّذِي يُحِيط بِالرَّأْسِ من جوانبه، وَالْمرَاد هُنَا من يَرِثهُ من حَوَاشِيه لَا أُصُوله وَلَا فروعه: وَهُوَ من لَا وَالِد لَهُ وَلَا ولد، وَهَكَذَا قَالَ عَليّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَجَابِر بن زيد وَالْحكم، وَبِه يَقُول أهل الْمَدِينَة والكوفة وَالْبَصْرَة، وَهُوَ قَول الْفُقَهَاء السَّبْعَة والأثمة الْأَرْبَعَة وَجُمْهُور الْخلف وَالسَّلَف بل جَمِيعهم، وَقد حكى الْإِجْمَاع على ذَلِك غير وَاحِد. وَقَالَ طَاوُوس: الْكَلَالَة مَا دون الْوَلَد، وَقَالَ عَطِيَّة: هِيَ الْأُخوة للْأُم: وَقَالَ عبيد بن عُمَيْر: هِيَ الْأُخوة للْأَب، وَقيل: هِيَ الْأُخوة وَالْأَخَوَات. وَقيل: هِيَ مَا دون الْأَب. قَوْله: {أَو امْرَأَة} عطف على رجل. قَوْله: {وَله أَخ أَو أُخْت} وَلم يقل: وَلَهُمَا، لِأَن الْمَذْكُور الرجل وَالْمَرْأَة لِأَن الْعَرَب إِذا ذكرت اسْمَيْنِ وأخبرت عَنْهُمَا وَكَانَا فِي الحكم سَوَاء رُبمَا أضافت إِلَى أَحدهمَا وَرُبمَا أضافت إِلَيْهِمَا جَمِيعًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { (2) وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة إِنَّهَا لكبيرة} (الْبَقَرَة: 54) . قَوْله: {وَله أَخ} أَي: لأم أَو أُخْت لأم، دَلِيله قِرَاءَة سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَله أَخ أَو أُخْت من أم. قَوْله: {فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث} بَينهم بِالسَّوِيَّةِ ذكورهم وإناثهم سَوَاء. قَوْله: {أَو دين} غير مضار يَعْنِي: على الْوَرَثَة وَهُوَ أَن يُوصي بدين لَيْسَ عَلَيْهِ. وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة من الْكَبَائِر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قَوْله: غير مضار، حَال أَي: يُوصي بهَا وَهُوَ غير مضار لوَرثَته، وَذَلِكَ بِأَن يُوصي بِزِيَادَة على الثُّلُث.

(23/230)


3276 - حدّثنا قتيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا سُفيْانُ عنْ مُحَمَّدِ بن المُنْكَدِرِ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: مَرِضْتُ فَعادَني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وهُما ماشيان فأتياني وقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَبَّ عَلَيَّ وَضُوءَهُ فأفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رسُولَ الله! كَيْفَ أصْنَعُ فِي مَالِي؟ كَيْفَ أقْضِي فِي مَالِي؟ فلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المَوَارِيثِ.
مطابقته للآيتين المذكورتين اللَّتَيْنِ هما كالترجمة ظَاهِرَة لِأَن فيهمَا ذكر الْمَوَارِيث. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن عبد الله بن مُحَمَّد.
قَوْله: (وهما ماشيان) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فأتياني) ويروى فَأَتَانِي أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَقد أغمى) بِلَفْظ الْمَجْهُول، (وَعلي) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (وضوءه) بِفَتْح الْوَاو على الْمَشْهُور. قَوْله: (آيَة الْمَوَارِيث) ويروى: آيَة الْمِيرَاث، وَهِي قَوْله: {يُوصِيكُم الله} (النِّسَاء: 11)
إِلَى آخِره. فَإِن قلت: رُوِيَ أَنَّهَا نزلت فِي سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: لَا مُنَافَاة لاحْتِمَال أَن بَعْضهَا نزل فِي هَذَا وَبَعضهَا فِي ذَلِك، أَو كَانَ فِي وَقت وَاحِد.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ: أَنه كَانَ ينْتَظر الْوَحْي وَلَا يحكم بِالِاجْتِهَادِ ثمَّ أجَاب بقوله: وَلَا يلْزم من عدم اجْتِهَاده فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عدم اجْتِهَاده مُطلقًا، أَو كَانَ يجْتَهد بعد الْيَأْس من الْوَحْي، أَو حَيْثُ مَا تيَسّر عَلَيْهِ، أَو لم يكن من الْمسَائِل التعبدية. وَفِيه: عِيَادَة الْمَرِيض وَالْمَشْي فِيهَا والتبرك بآثار الصَّالِحين وطهارة المَاء الْمُسْتَعْمل وَظُهُور بركَة أثر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

2 - (بابُ تَعْلِيمِ الفَرائِضِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَعْلِيم الْفَرَائِض. قيل: لَا وَجه لدُخُول هَذَا فِي هَذَا الْبَاب، ورد بِأَنَّهُ حث على تَعْلِيم الْعلم وَمن الْعلم الْفَرَائِض، وَقد ورد حَدِيث فِي الْحَث على تَعْلِيم الْفَرَائِض وَلَكِن لم يكن على شَرطه فَلذَلِك لم يذكرهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس، فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض، وَإِن الْعلم سيقبض حَتَّى يخْتَلف الإثنان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يفصل بَينهمَا.
وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بالظَّنِّ
عقبَة بِالْقَافِ ابْن عَامر الْجُهَنِيّ وَالِي مصر من قبل مُعَاوِيَة، وَليهَا سنة أَربع وَأَرْبَعين ثمَّ عَزله بِمسلمَة بن مخلد، وَجمع لَهُ مُعَاوِيَة بَين مصر وَالْمغْرب، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بِمصْر، وَقَالَ ابْن يُونُس: توفّي بإسكندرية، وَكَانَ عقبَة ابتنى بِمصْر دَارا وَقَالَ أَبُو عمر: توفّي فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَدفن فِي المقطم. وَقَالَ خَليفَة: توفّي سنة ثَمَان وَخمسين. قَوْله: (تعلمُوا) أَي الْعلم حذف مَفْعُوله ليشْمل كل علم وَيدخل فِيهِ علم الْفَرَائِض أَيْضا، وَهَذَا وَجه الْمُنَاسبَة، وَبِهَذَا يرد كَلَام (التَّوْضِيح) : حَيْثُ قَالَ: وَأما كَلَام عقبَة والْحَدِيث الَّذِي بعده فَلَا مُنَاسبَة بَينهمَا لما ذكره.
قلت: من لَهُ أدنى فهم يَقُول بالمناسبة لما ذكرنَا، على أَنه يجوز أَن يكون مُرَاد عقبَة من قَوْله: تعلمُوا، أَي: علم الْفَرَائِض، يُرِيد بِهِ هَذَا الْعلم الْمَخْصُوص شدَّة الاهتمام بِهِ لِأَن الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن يدل على شدَّة الاعتناء بِعلم الْفَرَائِض وبتعلمه وتعليمه، وَكَيف لَا وَقد جعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصف الْعلم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم، وَهُوَ أول شَيْء ينسى من أمتِي) وروى الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْعلم ثَلَاثَة مَا سوى ذَلِك فَهُوَ فضل: آيَة محكمه، أَو سنة قَائِمَة، أَو فَرِيضَة عادلة. قَوْله: (قبل الظانين) فسره بقوله: يَعْنِي الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي قبل اندراس الْعلم وَالْعُلَمَاء وحدوث الَّذين لَا يعلمُونَ شَيْئا ويتكلمون بِمُقْتَضى ظنونهم الْفَاسِدَة.

4276 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا ابنُ طاوُوس عَنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إيَّاكُمْ والظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا

(23/231)


تَجَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وكُونُوا عِبادَ الله إخْواناً) .
مطابقته لأثر عقبَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالظَّن) ووهيب مصغر وهب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، يروي عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب لَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه.
قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالظَّن) مَعْنَاهُ: اجتنبوه، قَالَ الْمُهلب: هَذَا الظَّن لَيْسَ هُوَ الِاجْتِهَاد على الظَّن وَإِنَّمَا هُوَ الظَّن الْمنْهِي عَنهُ فِي الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ الَّذِي لَا يسْتَند إِلَى أصل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْأَظْهَر أَن المُرَاد بِهِ ظن السوء بِالْمُسْلِمين لَا مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ. قَوْله: (أكذب الحَدِيث) قيل: الْكَذِب لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان. فَكيف جَاءَ مِنْهُ أفعل التَّفْضِيل؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ الظَّن أَكثر كذبا من سَائِر الْأَحَادِيث. قيل: الظَّن لَيْسَ بِحَدِيث. وَأجِيب: بِأَنَّهُ حَدِيث نفساني وَمَعْنَاهُ: الحَدِيث الَّذِي منشؤه الظَّن أَكثر كذبا من غَيره. وَقَالَ الْخطابِيّ أَي: الظَّن منشأ أَكثر الْكَذِب. (وَلَا تجسسوا) بِالْجِيم وَهُوَ مَا تطلبه لغيرك (وَلَا تحسسوا) بِالْحَاء وَهُوَ مَا تطلبه لنَفسك. وَقيل: التَّجَسُّس بِالْجِيم الْبَحْث عَن بواطن الْأُمُور وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي الشَّرّ، وَقيل: بِالْجِيم فِي الْخَيْر وَبِالْحَاءِ فِي الشَّرّ، وَقَالَ الْجرْمِي: مَعْنَاهُمَا وَاحِد وهما تطلب معرفَة الْأَخْبَار. قَوْله: (وَلَا تدابروا) أَي: وَلَا تقاطعوا وَلَا تهاجروا.

3 - (بابُ قَوْل النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَةٌ))

: أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نورث) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلَو رُوِيَ بِكَسْر الرَّاء على صِيغَة الْمَعْلُوم لَكَانَ لَهُ وَجه لصِحَّة الْمَعْنى.
قلت: وَوجه هَذَا أَن الله عز وَجل لما بَعثه إِلَى عباده ووعده على التَّبْلِيغ لدينِهِ والصدع بأَمْره الْجنَّة، وَأمره أَن لَا يَأْخُذ أجرا وَلَا شَيْئا من مَتَاع الدُّنْيَا بقوله: { (25) قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر} (الْفرْقَان: 75، وص: 68) أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا ينْسب إِلَيْهِ من مَتَاع الدُّنْيَا شَيْء يكون عِنْد النَّاس فِي معنى الْأجر وَالثمن، فَلم يحل لَهُ شَيْء مِنْهَا، وَمَا وصل إِلَى الْمَرْء وَأَهله فَهُوَ وَاصل إِلَيْهِ فَلذَلِك حرم الْمِيرَاث على أَهله لِئَلَّا يظنّ بِهِ أَنه جمع المَال لوَرثَته، كَمَا حرم عَلَيْهِم الصَّدقَات الْجَارِيَة على يَدَيْهِ فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا ينْسب إِلَى مَا تَبرأ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ سَائِر الرُّسُل على مَا عرف فِي مَوْضِعه. قَوْله: (مَا تركنَا صَدَقَة) كلمة: مَا، مَوْصُولَة (تركنَا) صلَة (وَصدقَة) بِالرَّفْع خَبره أعنى: خبر: مَا، وَيجوز أَن يقدر فِيهِ لَفْظَة هُوَ: أَي الَّذِي تَرَكْنَاهُ هُوَ صَدَقَة، وَهُوَ معنى قَوْله: إِن آل مُحَمَّد لَا تحل لَهُم الصَّدَقَة، وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَنا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة) فَهَذَا عَام فِي جَمِيع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَلَا يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى: {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} (النَّمْل: 61) لِأَن المُرَاد إِرْث النُّبُوَّة وَالْعلم وَالْحكم، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} (مَرْيَم: 6) .

5276 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامٌ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ فاطِمَة والعَبَّاسَ عَلَيْهِما السّلامُ، أتَيا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسانِ مِيرَاثَهُما مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُما حِينَئِذٍ يَطْلُبان أرْضَيْهِما مِنْ فَدَكٍ وسَهْمَهُما مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ لَهما أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال قَالَ أَبُو بكر وَالله لَا أدع أمرا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصنعه فِيهِ إِلَّا صَنعته قَالَ فَهجرَته فَاطِمَة فَلم تكَلمه حَتَّى مَاتَت) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الْيَمَانِيّ قاضيها وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي بَاب فرض الْخمس وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله من فدك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة وبالكاف مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من الْمَدِينَة كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَالح أَهله على نصف أرضه وَكَانَ خَالِصا لَهُ قَوْله من خَيْبَر كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتحهَا عنْوَة وَكَانَ خمسها لَهُ لكنه كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يستأثر بِهِ بل ينْفق حَاصله

(23/232)


على أَهله وعَلى الْمصَالح الْعَامَّة قَوْله من هَذَا المَال أَشَارَ بِهِ إِلَى المَال الَّذِي يحصل من خمس خَيْبَر وَكلمَة من للتَّبْعِيض أَي يَأْكُلُون الْبَعْض من هَذَا المَال مِقْدَار نَفَقَتهم قَوْله " لَا أدع " أَي لَا أترك قَوْله فَهجرَته فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَي هجرت أَبَا بكر يَعْنِي انقبضت عَن لِقَائِه وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الهجران الْمحرم من ترك الْكَلَام وَنَحْوه وَهِي مَاتَت قَرِيبا من ذَلِك بِسِتَّة أشهر بل أقل مِنْهَا -
7276 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ أبانَ أخبرنَا ابنُ المُبارَكِ عنْ يُونسَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَةٌ) . (انْظُر الحَدِيث 434 وطرفه) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور أخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن أبان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاب الْمُوَحدَة وبالنون أبي إِسْحَاق الْوراق الْأَزْدِيّ الْكُوفِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.

8276 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عَقِيْلٍ عَن ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ الحَدَثانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْراً مِنْ حَدِيثِهِ ذالِك، فانْطَلقْتُ حتَّى دَخَلْتُ عَلَيْه فَسألْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حتَّى أدْخُلَ على عُمَرَ فأتاهُ حاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمانَ وعَبْدِ الرَّحْمانِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فأذِنَ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أميرَ المؤْمِنِينَ {اقْضه بَيْنِي وبيْنَ هاذا. قَالَ: أنْشدُكُمْ بِالله الّذِي بإذْنِهِ تَقُوم السَّماءُ والأرضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَةُ) يُرِيدُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفْسَهُ، فَقَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذالِكَ، فأقْبَلَ عَلى عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمانِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ عُمَرُ: فإنِّي أُحدِّثُكُمْ عنْ هاذا الأمْرِ، إنَّ الله قَدْ كَانَ خَصَّ رسولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذا الفَيْءه بِشَيءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَداً غَيْرَهُ، فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} إِلَى قَوْلِهِ {قدير} (الْحَشْر: 6) فكانَتْ خالصَةَ لرسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا احْتازَها دُونَكُمْ وَلَا اسْتَأْثَرَ بِها عَليْكُمْ، لَقَدْ أعْطاكُمُوهُ وبَثَّها فِيكُمْ حتَّى بَقِيَ مِنْها هاذا المالُ، فَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ مِنْ هاذا المَال نَفَقَة سَنتِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ الله، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ، أنْشُدُكُمْ بِاللَّه} هَلْ تَعْلَمُون ذالِكَ؟ قالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَليٍّ وعَبَّاسٍ: أنْشدُكُما بِاللَّه! هَلْ تَعْلَمانِ ذالِك؟ قَالَا: نَعمْ. فَتَوفَّى الله نَبِيِّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبُو بَكْر: أَنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَبَضَها فَعَمِلَ بِما عَمِلَ بِهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ تَوَفَّى الله أَبَا بَكْر، فَقُلْتُ: أَنا وَلِيُّ وَلِيِّ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَبَضْتُها سَنَتَيْنِ أعْمَلُ فِيهَا مَا عَمِلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ، ثمَّ جِئتُمانِي وكَلِمَتُكُما واحِدٌ وأمْرُكُما جَمِيعٌ، جِئتَنِي تَسْألُنِي نَصِيبَكَ مِن ابنِ أخِيكَ. وأتانِي هاذا يَسْألنِي نَصِيبَ امْرأتِهِ مِنْ أبِيها، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتُما دَفَعْتُها إلَيْكُما بِذالِكَ، فَتَلْتَمِسانِ مِنِّي قَضاءً غَيْرَ ذالِكَ فَوَالله الّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ لَا أقْضِي فِيها قَضاءً غَيْرَ

(23/233)


ذالِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فإنْ عَجَزْتُما فادْفعاها إلَيَّ فَأَنا أكْفِيكُماها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة) وَيحيى بن بكير وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر بكر الْمصْرِيّ، يروي عَن لَيْث بن سعد الْمصْرِيّ عَن عقيل بِضَم الْعين المهلمة ابْن خَالِد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان بِفَتْح الْحَاء المهلمة وَالدَّال الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة إِلَى آخِره.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فرض الْخمس بأطول مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي: حَدثنَا مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان وَمُحَمّد بن جُبَير ذكر لي من حَدِيثه ذَلِك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (من حَدِيثه) أَي: من حَدِيث مَالك ابْن أَوْس. قَوْله: (يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مَهْمُوز وَغير مهموزاً وَهُوَ علم حَاجِب عمر رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (هَل لَك فِي عُثْمَان؟) يَعْنِي ابْن عَفَّان (وَعبد الرَّحْمَن) يَعْنِي ابْن عَوْف (وَالزُّبَيْر) يَعْنِي: ابْن الْعَوام (وَسعد) يَعْنِي: ابْن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَرَادَ: هَل لَك رَغْبَة من دُخُولهمْ عَلَيْك؟ قَوْله: (أنْشدكُمْ الله) بِضَم الشين أَي: أَسأَلكُم بِاللَّه. قَوْله: (يُرِيد نَفسه) وَسَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام: فَلذَلِك قَالَ: لَا نورث، بالنُّون. قَوْله: (قَالَ الرَّهْط) أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَة الْمَذْكُورين. قَوْله: (وَلم يُعْطه غَيره) حَيْثُ خصص الْفَيْء كُله برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: أَي حَيْثُ حلل الْغَنِيمَة لَهُ وَلم تحل لسَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (فَكَانَت خَالِصَة) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: خَاصَّة. قَوْله: (مَا احتازها) بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي أَي: مَا جمعهَا لنَفسِهِ دونكم. قَوْله: (وَلَا أستأثر) أَي: وَلَا استبد بهَا وَتفرد. قَوْله: (لقد أعطاكموه) أَي: المَال وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لقد أعطاكموها أَي الْخَالِصَة. قَوْله: (وبثها فِيكُم) أَي: نشرها وفرقها عَلَيْكُم. قَوْله: (هَذَا المَال) أَشَارَ بِهِ إِلَى الْمِقْدَار من المَال الَّذِي يطلبان حصتهما مِنْهُ. قَوْله: (مجعل مَال الله) أَي: الْموضع الَّذِي جعل مَال الله فِي جِهَة مصَالح الْمُسلمين. قَوْله: (وكلمتكما وَاحِدَة) أَي: متفقان لَا نزاع بَيْنكُمَا. قَوْله: (بذلك) أَي: بِأَن تعملا فِيهِ كَمَا عمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمل أَبُو بكر فِيهَا، فدفعتها، إلَيْكُمَا هَذَا الْوَجْه فاليوم جئتما وتسألان مني قَضَاء غير ذَلِك، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه الْقَضِيَّة مشكلة لِأَنَّهُمَا إِذا كَانَا قد أخذا هَذِه الصَّدَقَة من عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الشريطة فَمَا الَّذِي بدا لَهما بعد حَتَّى تخاصما؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْجَواب أَنه كَانَ شقّ عَلَيْهِمَا الشّركَة فطلبا أَن تقسم بَينهمَا ليستقل كل مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّصَرُّف فِيمَا يصير إِلَيْهِ، فمنعهما عمر الْقِسْمَة لِئَلَّا يجْرِي عَلَيْهَا اسْم الْملك، لِأَن الْقِسْمَة إِنَّمَا تقع فِي الْأَمْلَاك ويتطاول الزَّمَان يظنّ بِهِ الملكية. قَوْله: (فتلتمسان) أَي: فتطلبان. قَوْله: (فوَاللَّه الَّذِي) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فوالذي بِحَذْف الْجَلالَة.

9276 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَقْتَسِمُ وَرَثتِي دِيناراً، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسِائِي ومَؤُونَةِ عامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ) . (انْظُر الحَدِيث 6772 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس والوصايا عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك.
قَوْله: (لَا يقتسم) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: لَا يقسم بِحَذْف التَّاء الْفَوْقِيَّة وَهُوَ بِرَفْع الْمِيم على أَن لَا للنَّفْي. وَقَالَ ابْن التِّين: كَذَلِك قرأته، وَكَذَلِكَ فِي (الْمُوَطَّأ) وَرُوِيَ: لَا يقسم، بِالْجَزْمِ كَأَنَّهُ نَهَاهُم إِن خلف شَيْئا أَن لَا يقسم بعده. فَإِن قلت: يُعَارضهُ مَا تقدم فِي الْوَصَايَا من حَدِيث عَمْرو ابْن الْحَارِث الْخُزَاعِيّ: مَا ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَارا وَلَا درهما.
قلت: نَهَاهُم هُنَا عَن الْقِسْمَة على غير قطع بِأَنَّهُ لَا يخلف دِينَارا وَلَا درهما، لِأَنَّهُ يجوز أَن يملك ذَلِك قبل مَوته وَلكنه نَهَاهُم عَن قسمته. وَفِي حَدِيث الْخُزَاعِيّ: الْمَعْنى مَا ترك دِينَارا وَلَا درهما لأجل الْقِسْمَة فيتحد مَعْنَاهُمَا. قَوْله: (لَا يقتسم ورثتي) أَي: لَا يقتسمون بِالْقُوَّةِ لَو كنت مِمَّن يُورث، أَو لَا يقتسمون مَا تركته لجِهَة الْإِرْث، فَلذَلِك أَتَى بِلَفْظ: الْوَرَثَة، وقيدها ليَكُون اللَّفْظ مشعراً بِمَا بِهِ الِاشْتِقَاق، وَهُوَ الْإِرْث، فَظهر أَن الْمَنْفِيّ الاقتسام

(23/234)


بطرِيق الْإِرْث عَنهُ. قَوْله: (دِينَارا) التَّقْيِيد بالدينار من بَاب التَّنْبِيه على مَا سواهُ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (الزلزلة: 7) قَوْله: (بعد نَفَقَة نسَائِي) يُرِيد أَنه تُؤْخَذ نَفَقَة نِسَائِهِ لأَنهم محبوسات عِنْده مُحرمَات على غَيره بِنَصّ الْقُرْآن قَوْله: (ومؤونة عَامِلِي) قيل: هُوَ الْقَائِم على هَذِه الصَّدقَات والناظر فِيهَا، وَقيل: كل عَامل للْمُسلمين من خَليفَة وَغَيره، لِأَنَّهُ عَامل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وناب عَنهُ فِي أمته. وَقيل: خادمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: حافر قَبره، وَقيل: الْأَجِير. فَإِن قيل: كَيفَ اخْتصّت النِّسَاء بِالنَّفَقَةِ وَالْعَامِل بالمؤونة وَهل بَينهمَا فرق؟ قيل لَهُ: بِأَن المؤونة الْقيام بالكفاية، والإنفاق بذل الْقُوَّة، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النَّفَقَة دون المؤونة وَكَانَ لَا بُد من النَّفَقَة لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاقتصر على مَا يدل عَلَيْهِ. وَالْعَامِل فِي صُورَة الْأَجِير فَيحْتَاج إِلَى مَا يَكْفِيهِ فاقتصر على مَا يدل عَلَيْهِ. قَوْله: (فَهُوَ صَدَقَة) يَعْنِي: لَا تحل لآله.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث: جَوَاز الْوَقْف وَأَن يجْرِي بعد الْوَفَاة كالحياة فَلَا يُبَاع وَلَا يملك حكم الشَّارِع فِيمَا أَفَاء الله عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُورث، وَلَكِن يصرف لما ذكره وَالْبَاقِي لمصَالح الْمُسلمين، وَهَهُنَا أَسَاءَ الْأَدَب صَاحب (التَّوْضِيح) : حَيْثُ قَالَ: وبيَّن أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور فَسَاد قَول أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: الْفساد قَول من لَا يدْرك الْأُمُور، فَأَبُو حنيفَة لم ينْفَرد بِبُطْلَان الْوَقْف ولإقالة بِرَأْيهِ، وَهَذَا شُرَيْح قَالَ: جَاءَ مُحَمَّد بِبيع الْحَبْس وَلِأَن الْملك فِيهِ باقٍ، وَلِأَنَّهُ يتَصَدَّق بالغلة وبالمنفعة المعدومة وَهُوَ غير جَائِز إلاَّ فِي الْوَصِيَّة.

0376 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة عنْ مالكٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ أزْوَاجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ تُوُفِّيَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَدْنَ أنْ يَبْعَثْنَ عُثْمانَ إِلَى أبي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فقالَتْ عائِشَةُ: ألَيْسَ قَدْ قَالَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَة) (انْظُر الحَدِيث 4304 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن قُتَيْبَة، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك بِهِ.

4 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ تَرَكَ مَالا فِلأهْلِهِ))

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من ترك مَالا فلأهله) أَي: فَهُوَ لأَهله.

1376 - حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهاب حدّثني أبُو سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَنا أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، فَمَنْ ماتَ وعَلَيْهِ دَيْنٌ ولَمْ يَتْرُكْ وَفَاء فعَلَيْنا قَضاؤُهُ، ومَنْ تَرَك مَالا فَلِوَرَثَتِهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث، لِأَن ورثته هم أَهله.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، يروي عَن: عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْفَرَائِض عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ) هَكَذَا أوردهُ مُخْتَصرا، وَقد مضى فِي الْكفَالَة من طَرِيق عقيل عَن ابْن شهَاب وَلَفظه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُؤْتى بِالرجلِ المتوفي عَلَيْهِ الدّين فَيَقُول: هَل ترك لدينِهِ قَضَاء؟ فَإِن قيل: نعم صلى عَلَيْهِ، وإلاَّ قَالَ: صلوا على صَاحبكُم، فَلَمَّا فتح الله عَلَيْهِ الْفتُوح قَالَ: أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم ... الحَدِيث. قَوْله: (فَمن مَاتَ) يَعْنِي من الْمُسلمين، وَالْحَال أَن عَلَيْهِ دينا وَلم يتْرك وَفَاء أَي: مَا بَقِي بِدِينِهِ. قَوْله: (فعلينا قَضَاؤُهُ) قَالَ الْمُهلب: هَذَا، لوعد مِنْهُ لما وعد الله بِهِ من الفتوحات من ملك الكسرى وَقَيْصَر، وَلَيْسَ على الضَّمَان بِدَلِيل تَأَخره عَن الصَّلَاة على الْمديَان حَتَّى ضمنه بعض من حضر، وَقَالَ غَيره: إِنَّه نَاسخ لترك الصَّلَاة على من مَاتَ وَعَلِيهِ دين. وَقَوله: (فعلينا قَضَاؤُهُ) أَي: فعلينا الضَّمَان اللَّازِم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَضَاء دين الْمُعسر الْمَيِّت كَانَ من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من خَالص مَاله

(23/235)


وَقيل: من بَيت المَال، وَفِيه: أَنه قَائِم بمصالح الْأمة حَيا وَمَيتًا وَولي أَمرهم فِي الْحَالين. قَوْله: (وَمن ترك مَالا فلورثته) وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ وَكَذَا ثَبت فِي رِوَايَة الْكشميهني هُنَا، يَعْنِي: لوَرثَته. وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عمْرَة: فلورثة عصبته من كَانُوا، قَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد بالعصبة هُنَا الْوَرَثَة لَا من يَرث بِالتَّعْصِيبِ، لِأَن العاصب فِي الِاصْطِلَاح من لَيْسَ لَهُ سهم مُقَدّر من الْمجمع على توريثهم، وَيَرِث كل المَال إِذا انْفَرد، وَيَرِث مَا فضل بعد الْفُرُوض، وَقيل: المُرَاد من الْعصبَة هُنَا قرَابَة الرجل وَهُوَ من يلتقي مَعَ الْمَيِّت فِي أَب وَلَو علا.

5 - (بابُ مِيرَاث الوَلَدِ مِنْ أبِيهِ وأُمِّهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْوَلَد من أَبِيه وَأمه، وَالْولد يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى وَولد الْوَلَد وَإِن سفل.
وَقَالَ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ: إذَا تَرَكَ رجُلٌ أوِ امْرَأةٌ بِنْتاً فَلَها النِّصْفُ، وإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ أوْ أكْثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثانِ، وإنْ كانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِيءَ بِمَنْ شَرِكَهُمْ، فَيُؤْتَى فَرِيضَتَهُ فَما بَقِيَ {فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النِّسَاء: 671) .
زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ النجاري الْمدنِي كَاتب وَحي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَمن أَصْحَاب الْفَتْوَى، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، سنة خمس وَأَرْبَعين، وَقَالَ أَبُو عمر: أصل مَا بنى عَلَيْهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأهل الْحجاز وَمن وافقهم فِي الْفَرَائِض قَول زيد بن ثَابت، وأصل مَا بنى عَلَيْهِ أهل الْعرَاق وَمن وافقهم فِيهَا قَول عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وكل من الْفَرِيقَيْنِ لَا يُخَالف صَاحبه إلاَّ فِي الْيَسِير النَّادِر، إِذا ظهر، وَوصل أَثَره سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أَبِيه فَذكر مثله. قَوْله: فلهَا النّصْف، أَي: فللبنت الْوَاحِدَة النّصْف، هَذَا قَول الْجَمَاعَة إلاَّ من يَقُول بِالرَّدِّ، وَكَذَا فِي الابنتين فَأكْثر إلاَّ من يَقُول بِالرَّدِّ، وإلاَّ ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَل للبنتين النّصْف. قَوْله: وَإِن كَانَ مَعَهُنَّ، أَي: مَعَ الْبَنَات ذكر بدىء على صِيغَة الْمَجْهُول بِمن شركهم أَي: بِمن شرك الْبَنَات وَالذكر، فغلب التَّذْكِير على التَّأْنِيث يَعْنِي: إِن كَانَ مَعَ الْبَنَات أَخ لَهُنَّ وَكَانَ مَعَهم غَيرهم فَمن لَهُ فرض مُسَمّى كالأم مثلا، كَمَا لَو مَاتَ عَن بَنَات وَابْن وَأم، يبْدَأ بِالْأُمِّ فتعطى فَرضهَا وَمَا بَقِي فَهُوَ بَين الْبَنَات وَالِابْن {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَقَالَ ابْن بطال: قَوْله: وَإِن كَانَ مَعَهُنَّ ذكر، يُرِيد: إِن كَانَ مَعَ الْبَنَات أَخ من أبيهن وَكَانَ مَعَهم غَيرهم مِمَّن لَهُ فرض مُسَمّى كَالْأَبِ مثلا، قَالَ: فَلذَلِك قَالَ: شركهم، وَلم يقل: شركهن. فَيعْطى الْأَب مثلا فَرْضه وَيقسم مَا بَقِي بَين الابْن وَالْبَنَات {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} قَالَ: وَهَذَا تَأْوِيل حَدِيث الْبَاب، وَهُوَ قَوْله ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا.

2376 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا ابنُ طَاوُوس عنْ أبِيهِ عَن ابْن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ألْحَقُوا الفَرائِضَ بأهْلِها، فَمَا بَقِيَ فَهْوَ لأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدْخل فِيهِ مِيرَاث الابْن على مَا لَا يخفى.
ووهيب هوابن خَالِد يروي عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَرَائِض أَيْضا عَن أُميَّة بن بسطَام وَعَن غَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ أَيْضا عَن أَحْمد بن صَالح وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عبد بن حميد بِهِ وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره، وَقيل: تفرد بوصله وهيب وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن طَاوُوس وَلم يذكر ابْن عَبَّاس، بل أرْسلهُ. أخرجه النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي، وَأَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى تَرْجِيح الْإِرْسَال والمرجح فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : الْوَصْل وَإِذا تعَارض الْوَصْل والإرسال وَلم يرجح أحد الطَّرفَيْنِ قدم الْوَصْل.
قَوْله: (ألْحقُوا الْفَرَائِض) أَي: الْأَنْصِبَاء الْمقدرَة فِي كتاب الله، وَهِي النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس، وأصحابها مَذْكُورَة فِي الْفَرَائِض. قَوْله: (بِأَهْلِهَا) هُوَ من يَسْتَحِقهَا بِنَصّ الْقُرْآن، وَوَقع فِي رِوَايَة روح بن الْقَاسِم عَن ابْن طَاوُوس: اقسموا المَال بَين أهل الْفَرَائِض على كتاب الله، أَي: على وفْق مَا أنزل الله فِي كِتَابه. قَوْله: (فَمَا بَقِي) أَي: من أَصْحَاب الْفَرَائِض. قَوْله: (فَهُوَ لأولى رجل) قَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد بِالْأولَى الْأَقْرَب وإلاَّ لخلا عَن الْفَائِدَة، لأَنا لَا نَدْرِي من هُوَ

(23/236)


الأحق. وَقَالَ الْخطابِيّ الأولى الْأَقْرَب رجل من الْعصبَة.
وَفِي (التَّلْوِيح) : قَوْله: (فَهُوَ لأولى رجل) يُرِيد إِذا كَانَ فِي الذُّكُور من هُوَ أولى من صَاحبه بِقرب أَو بطن فَأَما إِذا اسْتَووا فِي التَّعَدُّد، وأدلوا بالإناث والأمهات مَعًا كالإخوة وشبههم فَلم يقصدوا بِهَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَنِينَ من هُوَ أولى مِنْهُم، لأَنهم قد اسْتَووا فِي الْمنزلَة وَلَا يجوز أَن يُقَال: أولى، وهم سَوَاء فَلم يرد الْبَنِينَ بِهَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيرهم. وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلأولى رجل، بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام بَينهمَا وَاو سَاكِنة على وزن: أفعل التَّفْضِيل من الْوَلِيّ بِسُكُون اللَّام وَهُوَ الْقرب، أَي: لمن يكون أقرب فِي النّسَب إِلَى الْمَوْرُوث، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا الأحق. وَقَالَ عِيَاض: إِن فِي رِوَايَة ابْن الْحذاء عَن ابْن ماهان فِي (مُسلم) : فَهُوَ لأدنى، بدال وَنون، وَهُوَ بِمَعْنى الْأَقْرَب، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا المُرَاد بِهِ الْعمة مَعَ الْعم وَبنت الْأَخ مَعَ ابْن الْأَخ وَبنت الْعم مَعَ ابْن الْعم، وَخرج من ذَلِك الْأَخ وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَإِنَّهُم يَرِثُونَ. بِنَصّ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النِّسَاء: 671) وَيسْتَثْنى من ذَلِك من يحجب، كالأخ للْأَب مَعَ الْبِنْت ولأخت الشَّقِيقَة، وَكَذَا يخرج الْأَخ وَالْأُخْت لأم بقوله تَعَالَى: {فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} (النِّسَاء: 11) وَقد نقل الْإِجْمَاع على أَن المُرَاد بهَا الْأُخوة من الْأُم. قَوْله: (رجل ذكر) فِيهِ أَقْوَال كَثِيرَة، أَعنِي: فِي توصيف الرجل بالذكورة.
الأول: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمُنْذِرِي: هَذِه اللَّفْظَة لَيست بمحفوظة، وَقَالَ ابْن الصّلاح: فِيهَا بعد عَن الصِّحَّة من حَيْثُ اللُّغَة، فضلا عَن الرِّوَايَة. الثَّانِي: إِنَّمَا وصف الرجل بِالذكر للتّنْبِيه على سَبَب اسْتِحْقَاقه وَهِي الذُّكُورَة الَّتِي هِيَ سَبَب الْعُصُوبَة وَسبب التَّرْجِيح فِي الْإِرْث. الثَّالِث: قَالَ السُّهيْلي: قَوْله: (ذكر) صفة لأولي لَا: لرجل، والأولي بِمَعْنى: الْقَرِيب الْأَقْرَب فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَهُوَ لقريب الْمَيِّت ذكر من جِهَة الرجل وصلب لَا من جِهَة بطن ورحم، فالأولي من حَيْثُ الْمَعْنى مُضَاف إِلَى الْمَيِّت. وَقد أُشير بِذكر الرجل إِلَى جِهَة الْأَوْلَوِيَّة، فأفيد بذلك نفي الْمِيرَاث عَن الأولي الَّذِي هُوَ من جِهَة الْأُم كالخال، وَبِقَوْلِهِ: ذكر، إِلَى نَفيهَا عَن النِّسَاء بالعصوبة، وَإِن كن من الْأَوَّلين للْمَيت من جِهَة الصلب، وَلَو جَعَلْنَاهُ صفة لرجل يلْزم اللَّغْو، وَأَن لَا يبْقى مَعَه حكم الطِّفْل الرَّضِيع إِذْ لَا يُطلق الرجل إلاّ على الْبَالِغ، وَقد علم أَنه يَرث وَلَو ابْن سَاعَة، وَأَن لَا تحصل التَّفْرِقَة بَين قرَابَة الْأَب وقرابة الْأُم. الرَّابِع: قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا قَالَ: (ذكر) لبَيَان إِرْثه بالذكورة ليعلم أَن الْعصبَة إِذا كَانَ عَمَّا أَو ابْن عَم مثلا وَكَانَ مَعَه أُخْت لَهُ لَا تَرث وَلَا يكون المَال بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، ورد بِأَنَّهُ ظَاهر من التَّعْبِير بقوله: (رجل) الْخَامِس: قَالَ ابْن التِّين: إِنَّه للتَّأْكِيد كَمَا فِي قَوْله: ابْن لبون ذكر، ورد بِأَن هَذَا لَيْسَ بتأكيد لَفْظِي وَلَا معنوي. السَّادِس: قَالَ غَيره: هَذَا التَّأْكِيد لمتعلق الحكم وَهُوَ الذُّكُورَة، لِأَن الرجل قد يُرَاد بِهِ معنى النجدة وَالْقُوَّة فِي الْأَمر، فقد حكى سِيبَوَيْهٍ: مَرَرْت بِرَجُل رجل أَبوهُ، فَلهَذَا احْتَاجَ الْكَلَام إِلَى زِيَادَة التوكيد: بِذكر حَتَّى لَا يظنّ أَن المُرَاد بِهِ خُصُوص الْبَالِغ. السَّابِع: إِنَّمَا قيد: بِذكر، خشيَة أَن يظنّ أَن المُرَاد من الرجل الشَّخْص، وَهُوَ أَعم من الذّكر وَالْأُنْثَى، وَفِيه مَا فِيهِ على مَا لَا يخفى. الثَّامِن: مَا قَالَه بعض الفرضيين: إِنَّه احْتِرَاز عَن الْخُنْثَى. التَّاسِع: مَا قيل: إِن المُرَاد بِالرجلِ الْمَيِّت لِأَن الْغَالِب فِي الْأَحْكَام أَن تذكر الرِّجَال وَتدْخل النِّسَاء فيهم بالتبعية. الْعَاشِر: أَنه للْإِشَارَة إِلَى الْكَمَال فِي ذَلِك، كَمَا يُقَال: امْرَأَة أُنْثَى، وَفِيه مَا فِيهِ. وَقيل غير ذَلِك مِمَّا الْغَالِب فِيهِ النّظر والتردد.

6 - (بَاب مِيرَاثِ البَناتِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْبَنَات، وَالْأَصْل فِيهِ الْآيَة الَّتِي تقدّمت فِي أول الْكتاب وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} الْآيَة وَإِن الْجَاهِلِيَّة كَانُوا لَا يورثون الْبَنَات فَأبْطل الله ذَلِك وشاركهن مَعَ الذُّكُور وَقد مر بَيَانه هُنَاكَ.

3376 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا الزُّهرِيُّ قَالَ: أَخْبرنِي عامِر بنُ سَعْدِ بنِ أبِي وِقَاصٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضاً فأشْفَيْتُ مِنْهُ عَلى المَوْتِ، فَأَتَانِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُونِي فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! إنَّ لِي مَالا كَثِيراً ولَيْسَ يَرِثُنْي إلاّ ابْنَتِي، أفأتَصَدَّقُ بِثلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: (لَا) . قَالَ:

(23/237)


قُلْتُ: فالشَّطْرُ؟ قَالَ: (لَا) . قُلْتُ: الثُّلُثَ؟ قَالَ: (الثُّلُثُ كَبِيرٌ، إنّكَ إنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ أغْنياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةَ إلاّ أُجِرْتَ عَلَيْها، حَتَّى اللُّقمَةَ تَرْفَعُها إِلَى فِي امْرَأتِكَ) فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! آاخَلَّفُ عنْ هِجْرَتِي؟ فَقَالَ: (لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلاً تُرِيدُ بِهِ وجْهَ الله إلاّ ازْدَدْتَ بِهِ رفْعَةً ودَرَجَةً، ولَعَلَّ أنْ تُخَلَّفَ بَعْدي حتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أقْوَامٌ ويُضَرَّبِكَ آخَرُونَ) . لَكِنِ البائِسُ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ ماتَ بِمَكَةَ. قَالَ سُفْيانُ: وسَعْدُ بنُ خَوْلَةَ رَجلٌ مِنْ بَنِي عامِرِ بنِ لُؤَي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسَ يَرِثنِي إلاَّ ابْنَتي) والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى نِسْبَة إِلَى حميد بِالضَّمِّ أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب رثاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سعد بن خَوْلَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص ... إِلَى آخِره، وَأَيْضًا مضى فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب أَن تتْرك وَرثتك أَغْنِيَاء، أخرجه فِيهِ عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فأشفيت) أَي: فَأَشْرَفت قَوْله: (مَالا كثيرا) بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة قَوْله: (فَالشَّطْر) بِالْجَرِّ وَالرَّفْع، قَالَه الْكرْمَانِي وَلم يبين وجههما.
قلت: أما الْجَرّ فبالعطف على قَوْله: (بِثُلثي مَالِي) وَأما الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: فَالشَّطْر أَتصدق بِهِ، أَي: النّصْف. قَوْله: (إِن تركت) بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا. قَوْله: (خير) أَي: فَهُوَ خير ليَكُون جَزَاء للشّرط. قَوْله: (عَالَة) جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (يَتَكَفَّفُونَ) أَي يمدون إِلَى النَّاس أكفهم للسؤال. قَوْله: (أجرت) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْأجر. قَوْله: (وأخلف) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أبقى بِمَكَّة مُتَخَلِّفًا عَن الْهِجْرَة؟ قَوْله: (لَعَلَّ) ويروى: ولعلك، اسْتعْمل هُنَا اسْتِعْمَال عَسى. قَوْله: (ويضربك) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (البائس) بِالْبَاء الْمُوَحدَة شَدِيد الْحَاجة أَو الْفَقِير. قَوْله: (يرثي) بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة أَي: يرق وَيرْحَم. قيل: هُوَ كَلَام سعد، وَقيل: كَلَام الزُّهْرِيّ، وَسعد بن خَوْلَة مَاتَ بِمَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع وَتَقَدَّمت فِيهِ مبَاحث فِي كتاب الْجَنَائِز.

4376 - حدّثني مَحْمُودٌ حدّثنا أبُو النضْرِ حَدثنَا أبُو مُعاوِيَةَ شَيْبانُ عنْ أشْعَثَ عنِ الأسْوَدِ بن يَزِيدَ قَالَ: أَتَانَا مُعاذُ بنُ جُبَلٍ باليَمنِ مُعَلِّماً وأمِيراً، فَسألْناهُ عنْ رجُلٍ تُوُفِّيَ وتَرَكَ ابْنَتَهُ وأُخْتَهُ، فأعْطَى الإبْنَةَ النِّصْفَ والأُخْتَ النِّصْفَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أعْطى الِابْنَة النّصْف) ومحمود هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَبُو أَحْمد الْمروزِي، وَأَبُو النَّضر هُوَ هَاشم التَّمِيمِي الملقب بقيصر، وَأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن سليم يكنى بالشعثاء الْكُوفِي، وَالْأسود ابْن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (فَأعْطى الِابْنَة النّصْف) أجمع الْعلمَاء على أَن مِيرَاث الْبِنْت الْوَاحِدَة النّصْف، وَللْأُخْت النّصْف، بِنَصّ الْقُرْآن.

7 - (بابُ مِيرَاثِ ابنِ الابِنِ إذَا لَمْ يَكُنِ ابنٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِرْث ابْن ابْن الرجل إِذا لم يكن لَهُ ابْن لصلبه.
وَقَالَ زَيْدٌ: ولَدُ الأبْناءِ بِمَنْزِلَةِ الوَلَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ ذَكَرٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وأُنْثاهُمْ كأُنْثاهُمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ ويَحْجُبُونَ كَما يَحْجُبُونَ، وَلَا يَرِثُ ولَدُ الابِنِ مَعَ الابِنِ.
أَي: قَالَ زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ ... إِلَى آخِره، وَهَذَا الَّذِي قَالَه زيد إِجْمَاع، وَوصل أَثَره سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن

(23/238)


ابْن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه. وَأخرجه عَن خَارِجَة بن زيد عَن أَبِيه أَيْضا يزِيد بن هَارُون عَن مُحَمَّد بن سَالم عَن الشّعبِيّ عَنهُ. قَوْله: بِمَنْزِلَة الْوَلَد، أَي: بِمَنْزِلَة الْوَلَد للصلب، قَوْله: (دونهم) أَي: إِذا لم يكن بَينهم وَبَين الْمَيِّت ولد للصلب. قَوْله: (ذكر) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ: ذكر. وَاحْترز بِالذكر عَن الأثنى. قَوْله: (ذكرهم كذكرهم) أَي: ذكر ولد الْأَبْنَاء كذكر الْأَبْنَاء، وأنثاهم أَي أُنْثَى ولد الْأَبْنَاء كأنثى الْأَبْنَاء، يَرِثُونَ أَي ولد الْأَبْنَاء كَمَا يَرث الْأَبْنَاء، وَهُوَ ظَاهر. قَوْله: (ويحجبون) أَي: يَرِثُونَ جَمِيع المَال إِذا انفردوا ويحجبون دونهم فِي الطَّبَقَة مِمَّن بَينهم وَبَين الْمَيِّت. وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ أَكثر الْفُقَهَاء فِيمَن خلفت زوجا وَأما وبنتاً وَابْن ابْن وَبنت ابْن: يقدم الْفَرْض: للزَّوْج الرّبع، وَللْأُمّ السُّدس، وللبنت النّصْف، وَمَا بَقِي بَين وَلَدي الابْن للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِن كَانَت الْبِنْت أَسْفَل من الابْن فالباقي لَهُ دونهَا، وَقيل الْبَاقِي لَهُ مُطلقًا. لقَوْله: فَمَا بَقِي فَلَا ولي رجل ذكر. قَوْله: (وَلَا يَرث ولد الابْن مَعَ الابْن) ذكر هَذَا تَأْكِيدًا لما تقدم فَإِن حجب أَوْلَاد الابْن بالابن إِنَّمَا يُؤْخَذ من قَوْله: إِذا لم يكن دونهم ... إِلَى آخِره، بطرِيق الْمَفْهُوم.

8 - (بابُ مِيرَاثِ ابْنَةِ ابنٍ مَعَ ابْنَةٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث ابْنة ابْن مَعَ وجود ابْنة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَعَ بنت.

6376 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا أبُو قَيْسٍ سَمِعْتُ هُزَيْلَ بنَ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أبُو مُوسَى عَنْ ابْنَةٍ وابْنَةٍ ابنٍ وأُخْتٍ فَقَالَ: لِلابْنَةِ النِّصْفُ، وللاخْتِ النِّصْفُ وأتِ ابنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتابِعُنِي، فَسُئِلَ ابنُ مَسْعُودٍ وأُخْبِرَ بِقَوْلِ أبي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ { (6) ضَلَلْتُ إذَا وَمَا أَنا مِنَ المُهْتَدِين} (الْأَنْعَام: 65) أقْضِي فِيها بِما قَضَي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للابْنَةِ النِّصْفُ ولابْنَةِ الابنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فلِلأخْتِ. فأتَيْنا أَبَا مُوسَى فأخْبرَناهُ بِقَوْلِ ابنِ مسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسألوني مَا دَامَ هاذَا الخَبْرُ فِيكُمْ. (الحَدِيث 6376 طرفه فِي: 2476) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَأَبُو قيس بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة واسْمه عبد الرَّحِم بن ثروان بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الرَّاء وبالواو وَالنُّون الأودي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة، مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَة، وهزيل بِضَم الْهَاء وَفتح الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام، وَلَقَد صحف من قَالَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة مَوضِع الزَّاي، ابْن شُرَحْبِيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام، قَالَ الْكرْمَانِي: وَلم يتَقَدَّم ذكرهمَا.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض عَن عبد الله بن عَامر بن زُرَارَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَرَفَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع.
قَوْله: (سُئِلَ أَبُو مُوسَى) وَرِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة عَن النَّسَائِيّ: جَاءَ رجل إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ الْأَمِير، وَإِلَى سلمَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ فَسَأَلَهُمَا. . وَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد، وَكَذَا لِلتِّرْمِذِي وَابْن مَاجَه والطَّحَاوِي والدارمي من طرق عَن سُفْيَان الثَّوْريّ بِزِيَادَة: سلمَان بن ربيعَة، مَعَ أبي مُوسَى، وَقد ذكرُوا أَن سلمَان الْمَذْكُور كَانَ على قَضَاء الْكُوفَة. قَوْله: (وائتِ ابْن مَسْعُود) ، قَالَ ذَلِك للاستثبات. قَوْله: {لقد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين} (الْأَنْعَام: 65) قَالَ الْكرْمَانِي: غَرَض عبد الله بن مَسْعُود من قِرَاءَة هَذِه الْآيَة هُوَ أَنه لَو قَالَ بحرمان بنت الابْن لَكَانَ ضَالًّا.
قلت: الْحَاصِل من ذَلِك أَن قَول ابْن مَسْعُود

(23/239)


هَذَا جَوَاب عَن قَول أبي مُوسَى أَنه سيتابعني، وَأَشَارَ إِلَى أَنه لَو تَابعه لخالف صَرِيح السّنة الَّتِي عِنْده، وَأَنه لَو خالفها عَامِدًا لضل. قَوْله: (أقضى فِيهَا) أَي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَو فِي هَذِه الْقَضِيَّة (بِمَا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَالَّذِي قَضَاهُ هُوَ قَوْله: (للابنة النّصْف) إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق حجاج بن أَرْطَأَة عَن عبد الرَّحْمَن بن ثروان: فَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَيفَ أَقُول يَعْنِي مثل قَول أبي مُوسَى وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول؟ ... فَذكره، وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أمَّر أَبَاهُ مُوسَى على الْكُوفَة، وَكَانَ ابْن مَسْعُود قبل ذَلِك أميرها ثمَّ عزل قبل ولَايَة أبي مُوسَى عَلَيْهَا بِمدَّة. قَوْله: (فأتينا أَبَاهُ مُوسَى) فِيهِ إِشْعَار بِأَن هزيلاً الرَّاوِي الْمَذْكُور توجه مَعَ السَّائِل إِلَى ابْن مَسْعُود فَسمع جَوَابه، فَعَاد، إِلَى أبي مُوسَى مَعَه فَأخْبرهُ، فَلذَلِك ذكر الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) : هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة هزيل عَن ابْن مَسْعُود. قَوْله: (مَا دَامَ هَذَا الحبر) بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء، وَأَرَادَ بِهِ ابْن مَسْعُود، والحبر هُوَ الَّذِي يحسن الْكَلَام ويزينه. وَذكر الْجَوْهَرِي الحبر بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَرجح الْكسر، وَجزم الْفراء بِالْكَسْرِ، وَقَالَ سمي: بالحبر الَّذِي يكْتب بِهِ. قلت: هُوَ بِالْفَتْح فِي رِوَايَة جَمِيع الْمُحدثين، وَأنكر أَبُو الْهَيْثَم الْكسر.
وَفِيه: أَن الْحجَّة عِنْد التَّنَازُع سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيجب الرُّجُوع إِلَيْهَا. وَفِيه: بَيَان مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْإِنْصَاف وَالِاعْتِرَاف بِالْحَقِّ وَالرُّجُوع إِلَيْهِ وَشَهَادَة بَعضهم لبَعض بِالْعلمِ وَالْفضل وَكَثْرَة إطلاع ابْن مَسْعُود على السّنة، وَتثبت أبي مُوسَى عَن الْفتيا حَيْثُ دلّ على من ظن أَنه أعلم مِنْهُ. قَالَ ابْن بطال: وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِيمَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود، وَفِي جَوَاب أبي مُوسَى إِشْعَار بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالَه، وَقَالَ أَبُو عمر: لم يُخَالف فِي ذَلِك إلاَّ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وسلمان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ، وَقد رَجَعَ أَبُو مُوسَى عَن ذَلِك، وَلَعَلَّ سلمَان أَيْضا رَجَعَ كَأبي مُوسَى، وسلمان هَذَا مُخْتَلف فِي صحبته وَله أثر فِي فتوح الْعرَاق أَيَّام عمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَاسْتشْهدَ فِي زمَان عُثْمَان وَكَانَ يُقَال لَهُ: سلمَان الْخَيل، لمعرفته بهَا، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يُؤْخَذ من قصَّة أبي مُوسَى وَابْن مَسْعُود جَوَاز الْعَمَل بِالْقِيَاسِ قبل معرفَة الْخَبَر وَالرُّجُوع إِلَى الْخَبَر بعد مَعْرفَته، وَنقض الحكم إِذا خَالف النَّص.

9 - (بابُ مِيراثِ الجَدِّ مَعَ الأبِ والإخْوَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مِيرَاث الْجد الَّذِي من قبل الْأَب مَعَ الْأَب والأخوة الأشقاء، وَمن الْأَب وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن الْجد لَا يَرث مَعَ وجود الْأَب.
وَقَالَ أبُو بَكْرٍ ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ الزُّبَيْرِ: الجَدُّ أبٌ
أَي: الْجد الصَّحِيح أَب أَي: حكمه حكم الْأَب عِنْد عَدمه بِالْإِجْمَاع. وَالْجد الصَّحِيح هُوَ الَّذِي لَا يدْخل فِي نسبته إِلَى الْمَيِّت أم، وَقد يُطلق على الْجد أَب فِي قَوْله عز وَجل: {كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة} (الْأَعْرَاف: 72) والمخرج من الْجنَّة آدم جدنا الْأَعْلَى فَإِذا أطلق على الْجد الْأَعْلَى أَب فإطلاقه على أَب الْأَب بطرِيق الأولى، فَإِذا كَانَ أَبَا فَلهُ أَحْوَال ثَلَاث: الْفَرْض الْمُطلق وَالْفَرْض والنصيب والتعصيب الْمَحْض فَهُوَ كَالْأَبِ فِي جَمِيع أَحْوَاله إلاَّ فِي أَربع مسَائِل فَإِنَّهُ لَا يقوم مقَام الْأَب فِيهَا. الأولى: أَن بني الْأَعْيَان والجدات كلهم يسقطون بِالْأَبِ بِالْإِجْمَاع وَلَا يسقطون بالجد إلاَّ عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الثَّالِثَة: أَن الْأُم مَعَ أحد الزَّوْجَيْنِ وَالْأَب تَأْخُذ ثلث مَا يبْقى، وَمَعَ الْجد تَأْخُذ ثلث الْجَمِيع إلاَّ عِنْد أبي يُوسُف فَإِن عِنْده الْجد كَالْأَبِ فِيهِ. وَالثَّانيَِة: أَن أم الْأَب، وَإِن علت تسْقط بِالْأَبِ وَلَا تسْقط بالجد وَإِن علت. الرَّابِعَة: أَن الْمُعْتق إِذا ترك أَبَا الْمُعْتق وَابْنه فسدس الْوَلَاء للْأَب وَالْبَاقِي للِابْن عِنْد أبي يُوسُف، وَعِنْدَهُمَا: كُله للِابْن، وَلَو ترك ابْن الْمُعْتق وجده فَالْولَاء كُله للِابْن بالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا هُوَ شرح كَلَام هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح ذكر شَيْئا من ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (الْجد أَب) أَي: هُوَ أَب حَقِيقَة.
قلت: لم يقل بذلك أحد مِمَّن يُمَيّز بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَأما قَول أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فوصله الدَّارمِيّ بِسَنَد على شَرط مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن أَبَا بكر جعل الْجد أَبَا. وَأما قَول ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ

(23/240)


مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الْفَرَائِض من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الْجد أَب، وَأما قَول عبد الله بن الزبير فَمضى فِي المناقب مَوْصُولا من طَرِيق ابْن أبي مليكَة، قَالَ: كتب أهل الْكُوفَة إِلَى ابْن الزبير فِي الْجد فَقَالَ: إِن أَبَا بكر أنزلهُ أَبَا.
وقَرَأ ابنُ عَبَّاسٍ {يَا بني آدم} (الْأَعْرَاف: 62، وَغَيرهَا) {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} (يُوسُف: 83) ولَمْ يَذْكُرْ أنَّ أحَداً خالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمانِهِ وأصْحابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَافِرُونَ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي ابنُ ابْني دُونَ إخْوَتِي وَلَا أرِثُ أَنا ابنَ ابْنِي.
أَشَارَ بقوله: وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس {يَا بني آدم} إِلَى احتجاجه بِأَن الْجد أَب بقوله تَعَالَى: {يَا بني آدم} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} فَإِنَّهُ أطلق على هؤلا الْأَب مَعَ أَنهم أجداد، وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْجد أَب، وَقَرَأَ {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم} الْآيَة. قَوْله: وَلم يذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: خَالف أَبَا بكر أَي: فِيمَا قَالَه من الْجَسَد حكمه حكم الْأَب. قَوْله: (وَأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (متوافرون) أَي: فيهم كَثْرَة وَعدد، وَهُوَ إِجْمَاع سكوتي. وَمِمَّنْ قَالَ مثل قَول ابْن عَبَّاس: معَاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو مُوسَى وَأبي بن كَعْب وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَمن التَّابِعين أَيْضا: عَطاء وطاووس وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ، وَقَالَ أَيْضا من الْفُقَهَاء: عُثْمَان البتي وَأَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد والمزني وَابْن شُرَيْح، وَذهب عمر وَعلي وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود إِلَى تَوْرِيث الْإِخْوَة مَعَ الْجد، لَكِن اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك، وموضعه كتب الْفَرَائِض.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَرِثنِي)
إِلَى آخِره أَرَادَ بِهِ الْإِنْكَار أَي: لم لَا يَرث الْجد فَيكون ردا على من حجب الْجد بالإخوة، أَو مَعْنَاهُ: فَلم لَا يَرث الْجد وَحده دون الْإِخْوَة، كَمَا فِي الْعَكْس، فَهُوَ رد على من قَالَ بِالشّركَةِ بَينهمَا. وَقَالَ أَبُو عمر: وَجه قِيَاس ابْن عَبَّاس أَن ابْن الابْن لما كَانَ كالابن عِنْد عدم الابْن كَانَ أَبُو الْأَب عِنْد عدم الْأَب كَالْأَبِ.
ويُذْكَرُ عنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ وابنِ مَسْعُودٍ وزَيْدٍ أقاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ
وَيذكر على صِيغَة الْمَجْهُول إِشَارَة إِلَى التمريض، وَقد ذكرنَا الْآن أَنهم ذَهَبُوا إِلَى تَوْرِيث الْإِخْوَة مَعَ الْجد وَلَكِن باخْتلَاف بَينهم فِي ذَلِك. وَقَول عمر: إِنَّه كَانَ يقاسم الْجد مَعَ الْأَخ والأخوين فَإِذا زادوا أعطَاهُ الثُّلُث وَكَانَ يُعْطِيهِ مَعَ الْوَلَد السُّدس، رَوَاهُ الدَّارمِيّ من طَرِيق عِيسَى الحناط عَن الشّعبِيّ فَذكره، وَقَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ الشّعبِيّ: كتب ابْن عَبَّاس إِلَى عَليّ يسْأَله عَن سِتَّة إخْوَة وجد، فَكتب إِلَيْهِ أَن أجعله كأحدهم وامح كتابي، وروى الْحسن الْبَصْرِيّ أَن عليا كَانَ يُشْرك الْجد مَعَ الْإِخْوَة إِلَى السُّدس، وَله أَقْوَال أخر، وَقَول ابْن مَسْعُود رُوِيَ فِي امْرَأَة تركت زَوجهَا وَأمّهَا وجدهَا وأخاها لأَبِيهَا أَن للزَّوْج ثَلَاثَة أسْهم: النّصْف وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَهُوَ السُّدس من رَأس المَال، وللأخ سهم وللجد سهم. وَقَول زيد بن ثَابت فَرَوَاهُ الدَّارمِيّ من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: كَانَ زيد يُشْرك الْجد مَعَ الْأُخوة إِلَى الثُّلُث، وَأخرج عبد الرَّزَّاق من طَرِيق إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ زيد يُشْرك الْجد مَعَ الْإِخْوَة إِلَى الثُّلُث، فَإِذا بلغ الثُّلُث أعطَاهُ إِيَّاه وللأخوة مَا بَقِي ويقاسم الْأَخ للْأَب ثمَّ يرد على أَخِيه ويقاسم الْأُخوة من الْأَب مَعَ الْأُخوة الأشقاء، وَلَا يُورث الْأُخوة للْأَب شَيْئا، وَلَا يُعْطي أَخا لأم مَعَ الْجد شَيْئا، وَله أَقْوَال أُخْرَى طوينا ذكرهَا طلبا للاختصار.

7376 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا وُهَيْبٌ عَن ابنِ طاوُوسٍ عَن أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ألْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها، فَما بَقِيَ فَلأولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) .
وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا، مَعَ أَنه تقدم عَن قريب وَتقدم شَرحه، هُوَ أَن الَّذِي يبْقى بعد الْفَرْض يصرف لأَقْرَب النَّاس إِلَى الْمَيِّت، فَكَانَ الْجد أقرب فَيقدم. وَقَالَ ابْن بطال: وَقد احْتج بِهِ من يُشْرك بَين الْجد وَالْأَخ فَإِنَّهُ أقرب إِلَى الْمَيِّت وَهُوَ ظَاهر

(23/241)


ووهيب هُوَ ابْن خَالِد يروي عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس.

8376 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عَبْدُ الوارِثِ حدّثنا أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أمَّا الّذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً مِنْ هاذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُهُ ولاكِنْ خلَّةُ الإسْلامِ أفْضَلُ) أوْ قَالَ: خَيْرٌ فإنَّهُ أنْزَلَهُ أَبَا، أوْ قَالَ قَضاهُ أَبَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِنَّهُ أنزلهُ أَبَا) فَإِن أَبَا بكر أنزل الْجد أَبَا.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الخوخة فِي الْمَسْجِد.
قَوْله: (لَو كنت متخذاً) يَعْنِي: لَو كنت مُنْقَطِعًا إِلَى غير الله لانقطعت إِلَى أبي بكر، لَكِن هَذَا مُمْتَنع لِامْتِنَاع ذَلِك (وَلَكِن خلة الْإِسْلَام) مَعَه أفضل من الْخلَّة مَعَ غَيره. قَوْله: (أَو قَالَ خير) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (أَو قَالَ: قَضَاء أَبَا) أَيْضا شكّ من الرَّاوِي أَي: حكم بِأَنَّهُ أَب.

01 - (بابُ مِيراثِ الزَّوْجِ مَعَ الوَلَدِ وغَيْرِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الزَّوْج مَعَ الْوَلَد وَغَيره من الْوَارِثين، فَلَا يسْقط الزَّوْج بِحَال، وَإِنَّمَا ينحط بِالْوَلَدِ من النّصْف إِلَى الرّبع.

11 - (بابُ مِيراثِ المَرْأةِ والزَّوْجِ مَعَ الوَلَدِ وغَيْرِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْمَرْأَة ... إِلَى آخِره، قَوْله: وَغَيره، أَي: من الْوَارِثين، فَلَا يحط إِرْث وَاحِد من الْمَرْأَة وَالزَّوْج بِحَال، بل يحط الْوَلَد الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع، ويحط الْمَرْأَة من الرّبع إِلَى الثّمن.

0476 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عَن ابْن المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قَالَ: قضَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنِينِ امْرَأةٍ منْ بَي لَحْيانَ سَقَطَ مَيِّتاً بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أوْ أمَةٍ، ثمَّ إنَّ المَرْأةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْها بالغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وزَوْجِها، وأنَّ العَقْلَ علَى عَصَبَتِها. (انْظُر الحَدِيث 8575 وأطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَابْن الْمسيب سعيد.
والْحَدِيث ذكره أَيْضا فِي الدِّيات عَن عبد الله بن يُوسُف. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة مَا خلا ابْن مَاجَه كلهم عَن قُتَيْبَة، فَمُسلم فِي الْحُدُود، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْفَرَائِض، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي الدِّيات، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسلا.
قَوْله: (فِي جَنِين امْرَأَة) قَالَ البُخَارِيّ فِي الدِّيات: اقْتتلَتْ امْرَأَتَانِ من هُذَيْل فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر

(23/242)


فَقَتلهَا وَمَا فِي بَطنهَا ... الحَدِيث يُقَال: إِن الضاربة يُقَال لَهَا أم عفيف بنت مسروج، والمضروبة مليكَة بنت عويم، وَقيل: عُوَيْمِر، برَاء ذكره أَبُو عمر، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل رمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فطرحت جَنِينهَا ... الحَدِيث، وَهنا قَالَ: إِن المضروبة من بني لحيان. وَلَا تخَالف بَينهمَا. فَإِن لحيان بِكَسْر اللَّام وَقيل بِفَتْحِهَا بطن من هُذَيْل وَهُوَ لحيان بن هُذَيْل بن مدركة. قَالَ الْجَوْهَرِي: لحيان أَبُو قَبيلَة وَضَبطه بِكَسْر اللَّام، وَفِي رِوَايَة: هذلية وعامرية، وَفِي إسنادها ابْن أبي فَرْوَة وَهُوَ ضَعِيف، وظاهرهما التَّعَارُض، وَفِي (الصَّحِيح) : أَن إِحْدَاهمَا كَانَت ضرَّة الْأُخْرَى، وَفِي رِوَايَة من طَرِيق مجَالد: وكل مِنْهُمَا تَحت زوج، وَلَا مُنَافَاة أَيْضا لاحْتِمَال إِرَادَة كَونهمَا ليستا ضرتين، وَجَاء أَيْضا أَنَّهَا ضربتها بعمود فسطاط، وَجَاء: فحذفتها، وَجَاء: فدقت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر، وَلَا تخَالف لاحْتِمَال تكَرر الْفِعْل. قَوْله: (سقط) أَي: الْجَنِين حَال كَونه مَيتا. قَوْله: (بغرة) مُتَعَلق بقوله: (قضى) قَوْله: (عبد) بِالتَّنْوِينِ بَيَان لغرة ويروى، بِالْإِضَافَة أَيْضا. قَوْله: (أَو أمة) كلمة: أَو، للتنويع وَلَيْسَت للشَّكّ، وَعَن أبي دَاوُد: فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جَنِينهَا بغرة عبد أَو أمة أَو فرس أَو بغل أَو حمَار، والْحَدِيث مَعْلُول، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي شبيبة من حَدِيث عَطاء مُرْسلا: أَو بغل، فَقَط وَأُخْرَى: أَو فرس من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه، وَقَالَ بِهِ مُجَاهِد وطاووس. وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه أَن عمر قَالَ: أَو فرس، وَقَالَ ابْن سِيرِين: يجزىء مائَة شَاة، وَفِي بعض طرق أبي دَاوُد: وَخَمْسمِائة شَاة، وَهُوَ وهم، وَصَوَابه: مائَة شَاة كَمَا نبه عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد. وَفِي (مُسْند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة) من حَدِيث حمل بن مَالك: أَو عشر من الْإِبِل، أَو مائَة شَاة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو الْمليح أَيْضا عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ أَنه قَالَ: أَو عشرُون وَمِائَة شَاة، وَإسْنَاد ضَعِيف، وروى وَكِيع عَن عبد الله بن أبي بكر عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ قَالَ: كَانَت تَحت حمل بن مَالك امْرَأَتَانِ: امْرَأَة من بني سعد، وَامْرَأَة من بني لحيان. فرمت السعدية اللحيانية فقتلتها وأسقطت غُلَاما، فَقضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين بغرة. فَقَالَ عُوَيْمِر، أحد من قضى عَلَيْهِم بالغرة: يَا رَسُول الله {لَا غرَّة لي قَالَ: فعشر من الْإِبِل. قَالَ: يَا رَسُول الله} لَا إبل لي قَالَ: فعشرون وَمِائَة من الشَّاة لَيْسَ فِيهَا عوراء وَلَا فارض وَلَا عضباء، قَالَ: يَا رَسُول الله! فاعني بهَا من صَدَقَة بني لحيان. فَقَالَ لرجل: فأعنه بهَا، وروى عبد الرَّزَّاق عَن أبي جَابر البياضي وَهُوَ واهٍ عَن سعيد بن الْمسيب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جَنِين يقتل فِي بطنن الْمَرْأَة بغرة فِي الذّكر غُلَام وَفِي الْأُنْثَى جَارِيَة، وَقَالَ أَبُو عمر: الْغرَّة مَعْنَاهَا الْأَبْيَض فَلَا يُؤْخَذ فِيهَا الْأسود. وَقَالَ مَالك: الحمران أحب إِلَيّ من السودَان، وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: يَعْنِي الْبيض، فَإِن لم يكن عبيد تِلْكَ الْبَلدة بيضًا كَانَ من السودَان، وَقَالَ مَالك: وَيكون من أَوسط عبيد تِلْكَ الْبَلدة فَإِن كَانَ أَكْثَرهم الحمران فَمن أوسطهم وَقَالَ مَالك هُوَ عبد أَو وليدة. قَوْله: (بِأَن مِيرَاثهَا) أَي: مِيرَاث هَذِه الْمَرْأَة المقتولة لبنيها وَزوجهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: جُمْهُور النَّاس على الْمِيرَاث فِي هَذِه الْغرَّة للْوَرَثَة وَالْعقل على الْعصبَة.
وَاخْتلفُوا على من تجب الْغرَّة؟ فَقَالَت طَائِفَة، مِنْهُم مَالك وَالْحسن بن حَيّ: هِيَ فِي مَال الْجَانِي ثمَّ الْكَفَّارَة، وَهُوَ قَول الْحسن وَالشعْبِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه جزم إِبْرَاهِيم وَعَطَاء وَالْحكم. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ على الْعَاقِلَة، وَمِمَّنْ قَالَ: الثَّوْريّ وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وأصحابهم، وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة، وحجتهم حَدِيث الْمُغيرَة الَّذِي فِيهِ: وَجعل الْغرَّة عل عَاقِلَة الْمَرْأَة، وَقَالَ أَبُو عمر: وَهُوَ نَص ثَابت صَحِيح فِي مَوضِع الْخلاف يجب الحكم بِهِ.
وَاخْتلفُوا فِي قيمَة الْغرَّة، فَقَالَ مَالك: تقوم بِخَمْسِينَ دِينَارا أَو بستمائة دِرْهَم نصف عشر دِيَة الْحر الْمُسلم الذّكر، وَعشر دِيَة الْحرَّة، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ. وَرَبِيعَة وَسَائِر أهل الْمَدِينَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَسَائِر الْكُوفِيّين: قيمتهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ. وَاخْتلفُوا فِي صفة الْجَنِين الَّذِي تجب فِيهِ الْغرَّة مَا هِيَ؟ فَقَالَ مَالك: مَا طرحته من مُضْغَة أَو علقَة أَو مَا علم أَنه ولد فَفِيهِ الْغرَّة. فَإِن سقط وَلم يستهل فَفِيهِ غرَّة وَسَوَاء تحرّك أَو عطس فَفِيهِ الْغرَّة أَيْضا حَتَّى يستهل فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء فِيهِ حَتَّى يتَبَيَّن من خلقه شَيْء. فَإِن علمت حَيَاته بحركة أَو بعطاس أَو باستهلال أَو بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يستيقن بِهِ حَيَاته ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَة، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهُوَ قَول سَائِر الْفُقَهَاء، وَأجْمع الْفُقَهَاء على أَن الْجَنِين إِذا خرج ثمَّ مَاتَ كَانَت فِيهِ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة مَعهَا، فَقَالَ مَالك: بقسامة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بِدُونِهَا. وَاخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة إِذا خرج مَيتا، فَقَالَ مَالك: فِيهِ الْغرَّة وَالْكَفَّارَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فَفِيهِ

(23/243)


الْغرَّة وَلَا كَفَّارَة وَبِه. قَالَ دَاوُد: قَوْله: (وَإِن الْعقل على عصبتها) الْعقل الدِّيَة. وَأَصله أَن الْقَاتِل كَانَ إِذا قتل قَتِيلا جمع الدِّيَة من الْإِبِل فعقلها بِفنَاء أَوْلِيَاء الْمَقْتُول. أَي: شدها فِي عقالها ليسلمها إِلَيْهِم ويقبضوها مِنْهُ، فسميت الدِّيَة: عقلا، بِالْمَصْدَرِ يُقَال: عقل الْبَعِير يعقله عقلا وَجمعه عقول والعصبة الْأَقَارِب من جِهَة الْأَب لأَنهم يعصبونه ويعتصب بهم أَي: يحيطون بِهِ ويشد بهم.

21 - (بابُ مِيراثِ الأخَوَاتِ مَعَ البَناتِ عَصَبَةٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْأَخَوَات مَعَ اجْتِمَاع الْبَنَات. قَوْله: عصبَة، بِالنّصب حَال وبالرفع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ عصبَة وَأَجْمعُوا على أَن الْأَخَوَات عصبَة الْبَنَات، فَمن مَاتَ وَترك بِنْتا وأختاً فللبنت النّصْف وَللْأُخْت النّصْف.

1476 - حدّثنا بِشْرُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ شعْبَةَ عَن سَلَيْمانَ عنْ إبْراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ قَالَ: قَضَي فِينا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النِّصْفُ للابْنَةِ والنِّصُفُ لْلأخْتِ، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمانُ: قَضَى فِينا ولمْ يَذْكُرْ: عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 4376) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد العسكري وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وسلميان هُوَ الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود بن يزِيد خَال إِبْرَاهِيم الرَّاوِي عَنهُ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب مِيرَاث الْبَنَات.
قَوْله: (قضى فِينَا معَاذ بن جبل) أَرَادَ أَنه قضى فِي الْيَمين وَكَانَ أرْسلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم أَمِيرا ومعلماً. قَوْله: (قَالَ سُلَيْمَان) أَي: قَالَ شُعْبَة: ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان أَي: الْأَعْمَش (قضى فِينَا) وَلم يذكر: على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحَاصِل أَن الْأَعْمَش روى الحَدِيث أَولا بِإِثْبَات قَوْله: (على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَيكون مَرْفُوعا على الرَّاجِح، وَمرَّة بِدُونِهَا فَيكون مَوْقُوفا.

2476 - حدّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ حدّثنا سُفْيانُ عَنْ أبي قيْسٍ عنْ هُذَيْلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: لأقْضِينَّ فِيها بِقَضاءِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَوْله: (لابْنَةِ النِّصْفُ ولابْنَةِ الابنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلأخْتِ) . (انْظُر الحَدِيث 6376) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عَبَّاس بالمهملتين الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو قيس هُوَ عبد الرَّحْمَن بن ثروان، وهذيل مصغر هذل هُوَ ابْن شُرَحْبِيل وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبَاب بأَرْبعَة أَبْوَاب.
قَوْله: (لأقضين فِيهَا) أَي: فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا، وَمرَاده: الْقَضَاء بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بطرِيق الْفَتْوَى فَإِن ابْن مَسْعُود يومئذٍ لم يكن قَاضِيا وَلَا أَمِيرا. قَوْله: (وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هُوَ شكّ من بعض الروَاة، فَفِي رِوَايَة وَكِيع وَغَيره عَن سُفْيَان عِنْد النَّسَائِيّ وَغَيره سأقضي فِيهَا بِمَا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمَاعَة الْعلمَاء إلاَّ من شَذَّ على أَن الْأَخَوَات عصبات الْبَنَات يرثن مَا فضل عَن الْبِنْت كَبِنْت وَأُخْت للْبِنْت النّصْف وَللْأُخْت الْبَاقِي، وكبنتين وَأُخْت لَهما الثُّلُثَانِ وَللْأُخْت مَا بَقِي، وكبنت وَبنت ابْن وَأُخْت وَهِي فَتْوَى ابْن مَسْعُود: للأولى النّصْف وللثانية السُّدس وللثالثة الْبَاقِي.

31 - (بابُ مِيراثِ الأخَواتِ والإخْوَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْأَخَوَات وَهِي جمع أُخْت، وَالإِخْوَة جمع أَخ.

(23/244)


3476 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عُثْمانَ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جابِراً رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَرِيضٌ فَدَعا بِوَضُوءِ فَتَوَضَّأ ثُمَّ نَضَحَ عَلَيَّ مِنْ وُضُوئِهِ، فأفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! إنّما لِي أخَواتٌ ... فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرائِضِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنَّمَا لي أَخَوَات) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنه لم يكن لَهُ ولد. واستنبط البُخَارِيّ الْإِخْوَة وَقدم الْأَخَوَات فِي التَّرْجَمَة للتصريح بِهن فِي الحَدِيث.
وَعبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الملقب بعبدان الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي ... إِلَى آخِره.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْفَرَائِض بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (بِوضُوء) بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (ثمَّ نضح) بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: رش. قَوْله: (فَنزلت آيَة الْفَرَائِض) أَي: آيَة الْمَوَارِيث، وَبَين فِيهَا أَن الْأَخَوَات يرثن، وَأَجْمعُوا على أَن الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا لَا يَرِثُونَ مَعَ الابْن وَلَا مَعَ ابْن الابْن وَإِن سفل وَلَا مَعَ الْأَب.
وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاث الْأَخَوَات مَعَ الْجد على مَا سبق وَمَا عدا ذَلِك فللواحدة من الْأَخَوَات النّصْف وللبنتين فَصَاعِدا الثالثان إلاَّ فِي الأكدرية وَهِي زوج وَأم وجد وَأُخْت شَقِيقَة، أَو لأَب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وللجد السُّدس وَللْأُخْت النّصْف وتعول إِلَى تِسْعَة، ثمَّ يجمع نصيب الْجد وَنصِيب الْأُخْت وَهُوَ أَرْبَعَة فَيقسم بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَأَرْبَعَة على ثَلَاثَة لَا يَصح فَيضْرب ثَلَاثَة فِي تِسْعَة يكون سَبْعَة وَعشْرين للزَّوْج تِسْعَة وَللْأُمّ سِتَّة وللجد ثَمَانِيَة وَللْأُخْت أَرْبَعَة، وَإِنَّمَا سميت أكدرية، لِأَن عبد الْملك بن مَرْوَان سَأَلَ عَنْهَا رجلا. يُقَال لَهُ أكدر فأخطا فِيهَا فنسبت إِلَيْهِ. وَقيل: كَانَ اسْم الْمَيِّت أكدر، وَقيل: سميت بذلك لِأَنَّهَا كدرت على زيد بن ثَابت أَصْلهَا لِأَنَّهُ لَا يفْرض للْأُخْت مَعَ الْجد إلاَّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.

41

- (بابٌ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُو اْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} (النِّسَاء: 671) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله عز وَجل: {يستفتونك} الْآيَة، وَإِنَّمَا ترْجم بِهَذِهِ الْآيَة لِأَن فِيهَا التَّنْصِيص على مِيرَاث الْأُخوة قَوْله: {يستفتونك} من الإستفتاء وَهُوَ طلب الْفَتْوَى وَهِي جَوَاب الْحَادِثَة وَالتَّقْدِير: يستفتونك فِي الْكَلَالَة. {قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} فَحذف الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ. قَوْله: {إِن امْرُؤ هلك} أَي: إِن هلك امْرُؤ فَحذف لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ أَي: إِن امْرُؤ مَاتَ، وَقد مر تَفْسِير الْكَلَالَة عَن قريب قَوْله: {وَله أُخْت} أَي: من أَبِيه وَأمه أَو أَبِيه لِأَن ذكر أَوْلَاد الْأُم قد سبق فِي أول السُّورَة. قَوْله: {فلهَا نصف مَا ترك} بَيَان فَرضهَا عِنْد الِانْفِرَاد. قَوْله: {أَن تضلوا} أَي: لِئَلَّا تضلوا. وَقَالَ البصريون: هَذَا خطأ لَا يجوز إِضْمَار وَالْمعْنَى عِنْدهم: كَرَاهِيَة أَن تضلوا، وَقيل: مَعْنَاهُ يبين الله لكم الضلال كَمَا فِي قَوْلك: يُعجبنِي أَن تقوم، أَي: قيامك.
حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى عنْ إسْرائِيلَ عنْ أبي إسْحاق عنِ البَراءِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: آخِرُ آيَة نَزَلَتْ خاتِمَةُ سُورَةِ النِّساءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُو اْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} (النِّسَاء: 671) .
الْمُطَابقَة بَين الْآيَة وَحَدِيث الْبَاب ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن موس بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْكُوفِي، وروى عَنهُ مُسلم بالواسطة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن رَجَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: تقدم فِي الْبَقَرَة أَن آخر آيَة نزلت آيَة الرِّبَا؟ .
قلت: الرَّاوِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ لم ينْقل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل قَالَ ثمَّة: ابْن عَبَّاس عَن ظَنّه وَهنا الْبَراء، عَن ظَنّه. انْتهى.
قلت: وَجَاء عَن

(23/245)


ابْن عَبَّاس أَيْضا: إِن آخر آيَة نزلت {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} (التَّوْبَة: 821) وَجَاء عَنهُ أَيْضا: إِن آخر آيَة نزلت {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 182) وَهَذِه ثَلَاث رِوَايَات عَن ابْن عَبَّاس، فَهَل قَالَهَا كُله بِالظَّنِّ؟ فَلَا يُقَال ذَلِك.

51 - (بَاب ابْنَيْ عَمٍّ أحَدُهُما أخٌ لِلأمِّ والآخَرُ زَوْجٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي شَأْن امْرَأَة مَاتَت عَن ابْني عَم: أَحدهمَا أَخُوهَا لأمها وَالْآخر زَوجهَا، وَهَذِه التَّرْجَمَة مثل اللغز لَيْسَ فِيهَا بَيَان صورتهَا وَلَا بَيَان حكمهَا وَلَكِن حكمهَا يظْهر من قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصورتهَا: رجل تزوج بِامْرَأَة فَجَاءَت مِنْهُ بِابْن ثمَّ تزوج بِأُخْرَى فَجَاءَت مِنْهُ بِابْن، ثمَّ فَارق الْمَرْأَة الثَّانِيَة فَتَزَوجهَا أَخُوهُ فَجَاءَت مِنْهُ ببنت فَهِيَ أُخْت الإبن الثَّانِي لأمه وَابْنَة عَمه، فَتزوّجت هَذِه الْبِنْت الابْن الأول وَهُوَ ابْن عَمها ثمَّ مَاتَت عَن ابْني عَم أَحدهمَا أَخُوهَا لأمها وَالْآخر زَوجهَا.
وَقَالَ عَلِيٌّ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ولِلأخِ منَ الأُمِّ السُّدْسُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُما نِصْفانِ
أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة: للزَّوْج النّصْف لِأَنَّهُ زوج وفرضه النّصْف، وللأخ من الْأُم السُّدس لكَونه أَخا من أم وفرضه السُّدس، وَمَا بَقِي وَهُوَ الثُّلُث بَينهمَا أَي: بَين ابْني عَمها أَحدهمَا الزَّوْج وَالْآخر أَخُوهَا من أمهَا نِصْفَانِ بطرِيق الْعُصُوبَة فَيصح للْأولِ الَّذِي هُوَ الزَّوْج الثُّلُثَانِ النّصْف بطرِيق الْفَرْض وَالسُّدُس بطرِيق التَّعْصِيب، وَيصِح للثَّانِي وَهُوَ ابْن عَمها الآخر الثُّلُث بطرِيق الْفَرْض والتعصيب. قَالَ ابْن بطال: وَبقول عَليّ قَالَ المدنيون وَالثَّوْري وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ عَمْرو بن مَسْعُود: جَمِيع المَال للَّذي جمع القرابتين لِأَنَّهُمَا قَالَا فِي ابْني الْعم أَحدهمَا أَخ لَام أَن الْأَخ للْأُم أَحَق بِالْمَالِ لَهُ السُّدس بِالْفَرْضِ وَبَاقِي المَال بِالتَّعْصِيبِ، وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَابْن سِيرِين وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، وَتَعْلِيق عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَوْس بن ثَابت عَن حَكِيم بن عقال قَالَ: أفتى شُرَيْح فِي امْرَأَة تركت ابْني عَمها أَحدهمَا زَوجهَا وَالْآخر أَخُوهَا لأمها، فَأعْطِي الزَّوْج النّصْف وَأعْطِي الْأَخ من الْأُم مَا بَقِي فَبلغ ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ: ادْع لي العَبْد لأنظر، فَدَعَا شُرَيْح فَقَالَ: مَا قضيت أبكتاب الله أَو بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ شُرَيْح: بِكِتَاب الله. قَالَ: أَيْن؟ قَالَ: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} (الْأَحْزَاب: 33) فَقَالَ عَليّ، فَهَل قَالَ للزَّوْج النّصْف وَله مَا بَقِي؟ ثمَّ أعْطى الزَّوْج النّصْف وَالْأَخ من الْأُم السُّدس ثمَّ قسم مَا بَقِي بَينهمَا.

5476 - حدّثنا مَحْمُودٌ أخبرنَا عُبَيْدُ الله عنْ إسْرائِيلَ عنْ أبي حَصِينٍ عنْ أبي صالحٍ عنْ أبي هُرَّيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنا أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، فَمَنْ ماتَ وتَرَكَ مَالا فَمالُهُ لِمَوالِي العَصَبَةِ، ومَنْ تَرَك كَلاًّ أوْ ضَياعاً فَأَنا وَلِيُّهُ فَلأُدْعى لهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة بالتعسف تُؤْخَذ من قَوْله: (فَمَاله لموَالِي الْعصبَة) لِأَن التَّرْجَمَة الَّتِي صورتهَا مَا ذكرنَا فِيهَا الْفَرْض والتعصيب فيطابق قَوْله: (لموَالِي الْعصبَة) ، وَالْإِضَافَة فِيهِ للْبَيَان نَحْو: شجر الْأَرَاك أَي: الموَالِي الَّذين هم الْعصبَة. قيل: قد يكون لأَصْحَاب الْفُرُوض، قيل لَهُ: أَصْحَاب الْفُرُوض مقدمون على الْعصبَة فَإِذا كَانَ للأبعد فبالطريق الأولى يكون للأقرب.
ومحمود شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة يروي عَن عبيد الله بن مُوسَى وَهُوَ أَيْضا شيخ البُخَارِيّ يروي عَنهُ كثيرا بِلَا وَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عِصَام، وَأَبُو صَالح هُوَ ذكْوَان السمان.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.
قَوْله: (أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم) يَعْنِي: الأولولية النُّصْرَة أَي: أَنا أتولى أُمُورهم بعد وفاتهم فأنصرهم فَوق مَا كَانَ مِنْهُم لَو عاشوا، فَإِن تركُوا شَيْئا من المَال فأذب المستأكل من الظلمَة أَن يحوم حوله فيخلص لورثتهم، وَإِن لم يتْركُوا وَتركُوا ضيَاعًا وكلاًّ من الْأَوْلَاد

(23/246)


فَأَنا كافلهم وَإِلَى ملجؤهم ومأواهم، وَإِن تركُوا دينا فعلي أَدَاؤُهُ فَلذَلِك وَصفَة الله فِي كِتَابه بقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} (التَّوْبَة: 821) وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن تفسر الْآيَة أَيْضا وَزَاد فِي رِوَايَة الْأَصْلِيّ هُنَا: {وأزواجه أمهاتهم} (الْأَحْزَاب: 6) وَقَالَ عِيَاض: وَهِي زِيَادَة فِي الحَدِيث لَا معنى لَهَا هُنَا، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا يلتئم قَوْله: {وأزواجه أمهاتهم} إِذا قُلْنَا إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَالْأَبِ المشفق لَهُم بل هُوَ أراف وأرحم بهم. قَوْله: (فَمن مَاتَ) الْفَاء فِيهِ تفسيرية مفصلة لما أجمل من قَوْله: (أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ) قَوْله: (فَمَاله لموَالِي الْعصبَة) قد مر تَفْسِيره الْآن قَوْله: (وَمن ترك كلاًّ) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام وَهُوَ الثّقل، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ} (النَّحْل: 67) . وَجمعه: كلول، وَهُوَ يَشْمَل الدّين والعيال. قَوْله: (أَو ضيَاعًا) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة مصدر من ضَاعَ الشَّيْء يضيع ضَيْعَة وضياعاً أَي: هلك، قيل: فَهُوَ على تَقْدِير مَحْذُوف أَي: ذَا ضيَاع، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الضّيَاع اسْم مَا هُوَ فِي معرض أَن يضيع إِن لم يتعهد: كالذرية الصغار والزمن الَّذين لَا يقومُونَ بِكُل أنفسهم وَمن يدْخل فِي معناهم، وَقَالَ أَيْضا: رُوِيَ الضّيَاع بِالْكَسْرِ على أَنه جمع ضائع كجياع فِي جمع جَائِع. قَوْله: (فلأدعى لَهُ) بِلَفْظ أَمر الْغَائِب الْمَجْهُول، وَالْأَصْل فِي لَام الْأَمر أَن تكون مَكْسُورَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: 92) قرىء بِكَسْر اللَّام وإسكانها وَقد تسكن مَعَ الْفَاء أَو الْوَاو غَالِبا فيهمَا، وَإِثْبَات الْألف بعد عين (لادعى) جَائِز على قَول من قَالَ:
ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي
وَكَانَ الْقيَاس: فلادع لَهُ أَي: فادعوني لَهُ حَتَّى أقوم بكله وضياعه، لِأَن حذفهَا عَلامَة الْجَزْم لِأَنَّهُ مجزوم بلام الْأَمر، لِأَن كل فعل فِي آخِره واوا وياء أَو ألف فجزمه بِحَذْف آخِره، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اللُّغَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ كثير أَنه قَرَأَ: {من يَتَّقِي ويصبر} (يُوسُف: 09) بِإِثْبَات الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَهِي لُغَة أَيْضا.

6476 - حدّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطامٍ حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ رَوح عنْ عَبْدِ الله بنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها فَما تَرَكَتِ الفَرائِضُ فَلأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن يُوَجه مثل مَا وَجه فِي تَرْجَمَة الحَدِيث السَّابِق. وَأُميَّة بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن بسطَام بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا الْبَصْرِيّ، وروح بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو ابْن الْقَاسِم الْعَنْبَري.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب مِيرَاث الْوَلَد من أَبِيه وَأمه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.