عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 61 - (بابُ ذَوِي الأرْحامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذَوي الْأَرْحَام هَل
يَرِثُونَ أم لَا؟ وَمن هم؟ وذوو الْأَرْحَام جمع ذِي
الرَّحْمَن وَهُوَ خلاف الْأَجْنَبِيّ، والأرحام جمع
الرَّحِم وَالرحم فِي الأَصْل منبت الْوَلَد ووعاؤه فِي
الْبَطن ثمَّ سميت الْقَرَابَة والوصلة من جِهَة الْولادَة
رحما وَفِي الشَّرِيعَة: عبارَة عَن كل قريب لَيْسَ بِذِي
سهم وَلَا عصبَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وذوو الرَّحِم
هم الأقراب، وَيَقَع على كل من يجمع بَيْنك وَبَينه نسب
وَيُطلق فِي الْفَرَائِض على الْأَقَارِب من جِهَة
النِّسَاء، يُقَال: ذَوُو رحم محرم ومحرم هُوَ من لَا يحل
نِكَاحه كالأم وَالْبِنْت وَالْأُخْت والعمة وَالْخَالَة.
انْتهى. وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : ذَوُو الْأَرْحَام هم
الَّذين لَا سهم لَهُم فِي الْكتاب وَالسّنة من قرَابَة
الْمَيِّت وَلَيْسوا بعصبة الْبَنَات كأولادها وَأَوْلَاد
الْأَخَوَات وَأَوْلَاد الْأُخوة لأم وَبَنَات الْأَخ
والعمة وَالْخَالَة وعمة الْأَب وَالْعم أَخُو الْأَب لأمه
وَالْجد أبي الْأُم وَالْجدّة أم أبي الْأُم وَمن أدلى
بهم.
وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب. فَقَالَت طَائِفَة: إِذا
لم يكن للْمَيت وَارِث لَهُ فرض مُسَمّى فَمَاله لموَالِي
الْعتَاقَة الَّذين أعتقوه، فَإِن لم يكن فَمَاله لبيت
مَال الْمُسلمين، وَلَا يَرث من فرض لَهُ من ذَوي
الْأَرْحَام، رُوِيَ هَذَا عَن أبي بكر وَزيد بن ثَابت
وَابْن عمر، وَرِوَايَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، وَهُوَ قَول أهل الْمَدِينَة وَالزهْرِيّ وَأبي
الزِّنَاد وَرَبِيعَة وَمَالك وروى عَن مَكْحُول
وَالْأَوْزَاعِيّ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَكَانَ عمر
بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس ومعاذ وَأَبُو
الدَّرْدَاء يورثون ذَوي الْأَرْحَام وَلَا يُعْطون
الْوَلَاء مَعَ الرَّحِم شَيْئا، وبتوريث ذَوي الْأَرْحَام
قَالَ ابْن أبي ليلى وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَجَمَاعَة من
التَّابِعين، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَأحمد وَإِسْحَاق.
(23/247)
7476 - حدّثني إسْحَاقُ بنُ إبْراهِيمَ
قَالَ: قُلْتُ ل أبي أُسامَةَ: حَدَّثَكُمْ إدْرِيسُ
حدّثنا طَلْحَةُ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ: {وَلكُل جعلنَا موالى وَالَّذين عاقلت
أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 33) قَالَ: كَانَ المُهاجِرُونَ
حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ الأنْصارِيُّ
المُهاجِرِيُّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لْلأُخُوَّةِ الّتِي
آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَهُمْ
فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلكُل جعلنَا موالى} قَالَ:
نَسَخَتْها: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله:
{جعلنَا موالى} لِأَن الموالى الْوَرَثَة، وَكَذَا فسر
ابْن عَبَّاس فِي هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ ذكره فِي
الْكفَالَة بقوله: حَدثنَا الصَّلْت بن مُحَمَّد حَدثنَا
أَبُو أُسَامَة بن إِدْرِيس عَن طَلْحَة بن مصرف عَن سعيد
بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَك جعلنَا موالى}
(النِّسَاء: 33) قَالَ: وَرَثَة ... الحَدِيث، وَلَفظ
الْوَرَثَة يُطلق على ذَوي الْأَرْحَام، فترجم بقوله: بَاب
ذَوي الْأَرْحَام، لكنه مُبْهَم لَا يفهم مِنْهُ أَنهم
يَرِثُونَ أم لَا، وَلَكِن ذكره هَذَا الحَدِيث بِهَذَا
السِّيَاق يدل على أَنهم لَا يَرِثُونَ، وَلَكِن فِي هَذَا
السِّيَاق نظر لِأَنَّهُ يشْعر بِأَن قَوْله: {وَالَّذين
عاقدت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 33) هُوَ نَاسخ،
وَالصَّوَاب أَنه هُوَ الْمَنْسُوخ نبه عَلَيْهِ
الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس،
وَجُمْهُور السّلف على أَن النَّاسِخ لهَذِهِ الْآيَة هُوَ
قَوْله تَعَالَى: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى
بِبَعْض} (الْأَحْزَاب: 33) رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس
وَقَتَادَة وَالْحسن وَهُوَ الَّذِي أثْبته أَبُو عبيد فِي
ناسخه ومسوخه.
وَفِيه قَول آخر: روى الزُّهْرِيّ عَن الْمسيب قَالَ: أَمر
الله تَعَالَى الَّذين تبنوا غير أبنائهم فِي
الْجَاهِلِيَّة وورثوهم فِي الْإِسْلَام أَن يجْعَلُوا
لَهُم نَصِيبا فِي الْوَصِيَّة، ورد الْمِيرَاث إِلَى ذِي
الرَّحِم والعصبة. وَقَالَت طَائِفَة: قَوْله تَعَالَى:
{وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} محكمَة وَإِنَّمَا أَمر
الله الْمُؤمنِينَ أَن يُعْطوا الحلفاء أنصبائهم من
النُّصْرَة والنصيحة والرفادة وَمَا أشبه ذَلِك دون
الْمِيرَاث، ذكره أَيْضا الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس،
وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَالسُّديّ، وَقَالَ فُقَهَاء
الْأَمْصَار وَالْعراق والكوفة وَالْبَصْرَة وَجَمَاعَة من
الْعلمَاء فِي سَائِر الْآفَاق بتوريث ذَوي الْأَرْحَام،
وَقد روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من
حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب: الْخَال وَارِث من لَا
وَارِث لَهُ يعقل عَنهُ ويرثه وَصَححهُ ابْن حبَان
وَالْحَاكِم، وروى التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا محسناً، عَن
عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (الْخَال وَارِث من لَا
وَارِث لَهُ) ، وَأخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة،
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن ابْن جريج عَن عَمْرو
بن مُسلم حَدثنَا طَاوُوس عَنْهَا رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا. فَإِن قلت: روى الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن
جَعْفَر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ: أقبل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على حمَار
فَلَقِيَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله {رجل ترك عمَّة
وَخَالَة لَا وَارِث لَهُ غَيرهمَا، فَرفع رَأسه إِلَى
السَّمَاء فَقَالَ: اللَّهُمَّ} رجل ترك عمته وخالته لَا
وَارِث لَهُ غَيرهمَا، ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل؟
قَالَ: هَا أَنا ذَا. قَالَ: لَا مِيرَاث لَهما، وَقَالَ
الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ فِيهِ مقَال، قَالَ
أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث جدا يحدث عَن الثِّقَات
بِالْمَنَاكِيرِ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ
الْجِرْجَانِيّ: واهي الحَدِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ:
مَتْرُوك الحَدِيث، وَعنهُ: لَيْسَ بِثِقَة. وَأخرجه
الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي عَاصِم مَوْقُوفا.
وَشَيخ البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَأَبُو
أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة وَإِدْرِيس هُوَ ابْن
يزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الرَّحْمَن الأودي،
وَطَلْحَة هُوَ ابْن مصرف بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة
وبالفاء.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد جَمِيعًا
فِي الْفَرَائِض عَن هَارُون بن عبد الله عَن أبي
أُسَامَة.
قَوْله: (يَرث الْأنْصَارِيّ) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل.
وَقَوله: (الْمُهَاجِرِي) بِالنّصب مَفْعُوله، ولسيت
الْيَاء فِيهِ للنسبة وَإِنَّمَا هِيَ للْمُبَالَغَة كَمَا
يُقَال الأحمري فِي الْأَحْمَر، وَقيل: زيدت فِيهِ يَاء
النِّسْبَة للمشاكلة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَيْن
الْعَائِد إِلَى اسْم كَانَ؟ .
قلت: وضع الْمُهَاجِرِي مَكَانَهُ وَاللَّازِم فِي مثله
الارتباط بَينهمَا سَوَاء كَانَ بالضمير أَو بِغَيْرِهِ،
وَقَالَ أَيْضا: تقدم فِي سُورَة النِّسَاء بِالْعَكْسِ،
وَقَالَ: يَرث الْمُهَاجِرِي الْأنْصَارِيّ.
قلت: الْمَقْصُود مِنْهُمَا بَيَان إِثْبَات الوراثة
بَينهمَا فِي الْجُمْلَة ثمَّ قَالَ: وَفِيه آخر عكس ذَلِك
وَهُوَ أَنه قَالَ ثمَّة: {وَلكُل جعلنَا} والمنسوخ
{وَالَّذين عاقدت} وَالْمَفْهُوم هُنَا عَكسه.
قلت: فَاعل نسختها آيَة {وَلكُل جعلنَا} {وَالَّذين عاقدت}
مَنْصُوب على الْعِنَايَة أَي: أَعنِي {وَالَّذين عاقدت}
وَقيل: الضَّمِير فِي نسختها عَائِد على المؤاخاة لَا على
الْآيَة وَالضَّمِير فِي نسختها وَهُوَ الْفَاعِل
الْمُسْتَتر يعود على قَوْله: {وَلكُل جعلنَا موالى}
وَقَوله: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} يدل
(23/248)
من الضَّمِير، وأصل الْكَلَام: لما نزلت
{لكل جعلنَا موَالِي} نسخت {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم}
.
71 - (بابُ ميراثِ المُلاعَنَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مِيرَاث الْمُلَاعنَة
بِكَسْر الْعين وَهِي الَّتِي وَقع اللّعان بَينهَا وَبَين
زَوجهَا. وَقَالَ بَعضهم بِفَتْح الْعين، وَيجوز كسرهَا.
قلت: الْأَمر بِالْعَكْسِ وَالْمَقْصُود من مِيرَاث
الْمُلَاعنَة بَيَان من يَرث ولد الْمُلَاعنَة وَمَا تَرث
الْمُلَاعنَة من ابْنهَا، فَقَالَ مَالك: بَلغنِي أَنه
قَالَ عُرْوَة فِي ولد الْمُلَاعنَة وَولد الزِّنَا: إِذا
مَاتَ ورثت أمه حَقّهَا فِي كتاب الله وَإِخْوَته للْأُم
حُقُوقهم. وَيُورث الْبَقِيَّة مولى أَبِيه إِن كَانَ
مَوْلَاهُ، وَإِن كَانَت عَرَبِيَّة ورثت حَقّهَا وورثت
إخْوَته لأمه حُقُوقهم وَكَانَ مَا بَقِي للْمُسلمين.
قَالَ مَالك: وَبَلغنِي عَن سُلَيْمَان بن يسَار كَذَلِك،
قَالَ: وعَلى ذَلِك أدْركْت أهل الْعلم ببلدنا، وَقَالَ
أَبُو عمر: هَذَا مَذْهَب زيد بن ثَابت، وَرُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس مثل ذَلِك، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود:
أَن مَا بَقِي يكون لعصبة أمه إِذا لم يخلف ذَا رحم لَهُ
سهم وَإِن خَلفه جعل فَاضل المَال ردا عَلَيْهِ، وَحكى عَن
عَليّ أَيْضا أَنه ورث ذَوي الْأَرْحَام برحمهم وَلَا
شَيْء لبيت المَال، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة
وَأَصْحَابه، وَمن قَالَ بِالرَّدِّ يرد الْبَاقِي على
أمه، وَيَقُول زيد: قَالَ جُمْهُور أهل الْمَدِينَة وَابْن
الْمسيب وَعُرْوَة وَسليمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز
وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَمَالك، وَبِه
قَالَ الشَّافِعِي وَالْأَوْزَاعِيّ.
8476 - حدّثني يَحْيَاى بنُ قَزَعَةَ حدّثنا مالِكٌ عنْ
نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رَجلاً
لَا عَنَ امْرَأتَهُ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وانْتَفى منْ وَلَدِها، فَفَرَّقَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُما وألْحَقَ الوَلَدَ بالمَرْأةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث، لِأَن
المُرَاد من إِلْحَاق الْوَلَد بِالْأُمِّ جَرَيَان
الْإِرْث بَينهمَا لِأَنَّهُ لما ألحقهُ بهَا قطع نسب
أَبِيه فَصَارَ كمن لَا أَب لَهُ من أَوْلَاد الْفَيْء
الَّذِي لم يخْتَلف أَن الْمُسلمين عصبته.
وَيحيى بن قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة
المفتوحات الْحِجَازِي.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن بكير عَن مَالك،
وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن
أَبِيه عَن جده قَالَ: جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة لأمه ولورثتها من
بعْدهَا، وروى أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن وَاثِلَة
رَفعه: تحوز الْمَرْأَة ثَلَاثَة مَوَارِيث: عتيقها
ولقيطها وَوَلدهَا الَّذِي لاعنت عَلَيْهِ، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ بِثَابِت، ورد عَلَيْهِ بِأَن
التِّرْمِذِيّ حسنه وَالْحَاكِم صَححهُ وَلَيْسَ فِيهِ سوى
عَمْرو بن رؤبة بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وبباء
مُوَحدَة مُخْتَلف فِيهِ، قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر،
وَوَثَّقَهُ جمَاعَة.
81 - (بابٌ الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كانَتْ أوْ
أمَةً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْوَلَد للْفراش أَي الصاحب
الْفراش، قَالَ أَصْحَابنَا: الْفراش كِنَايَة عَن
الزَّوْج، وَقَالَ جرير.
(باتت تعانقه وَبَات فراشها)
يَعْنِي: زَوجهَا وَيُقَال: الْفراش وَإِن كَانَ يَقع على
الزَّوْج فَإِنَّهُ يَقع على الزَّوْجَة أَيْضا لِأَن كل
وَاحِد مِنْهُمَا فرَاش لصَاحبه. قَوْله: حرَّة كَانَت أَي
الْمَرْأَة، أَو أمة، فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تصير
الْأمة فراشا لسَيِّدهَا بِوَطْئِهِ إِيَّاهَا أَو
بِإِقْرَارِهِ أَنه وَطئهَا، وَبِهَذَا حكم عمر بن الْخطاب
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَول ابْن عمر أَيْضا،
فَمَتَى أَتَت بِولد لسِتَّة أشهر من يَوْم وَطئهَا ثَبت
نِسْبَة مِنْهُ وَصَارَت بِهِ أم ولد لَهُ، وَله أَن
يَنْفِيه إِذا ادّعى الِاسْتِبْرَاء، وَلَا يكون فراشا
بِنَفس الْملك دون الْوَطْء عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون فراشا بِالْوَطْءِ وَلَا
بِالْإِقْرَارِ بِهِ أصلا، فَلَو وَطئهَا أَو أقرّ
بِوَطْئِهَا فَأَتَت بِولد لم يلْحقهُ وَكَانَ مَمْلُوكا
وَأمه مَمْلُوكَة لَهُ، وَإِنَّمَا يلْحقهُ وَلَدهَا إِذا
أقرّ بِهِ وَله أَن يَنْفِيه بِمُجَرَّد قَوْله، وَلَا
يحْتَاج أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء.
9476 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالكٌ عنِ
ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أخِيهِ
سَعْدٍ أنَّ ابنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فاقْبِضُهُ
إلَيْكَ، فَلمَّا
(23/249)
كَانَ عامُ الفَتْحِ أخَذَهُ سَعْدٌ،
فَقَالَ: ابنُ أخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، فَقام عَبْدَ بنُ
زَمْعَةَ فَقَالَ: أخِي وابنُ وَلِيدَةِ أبِي، وُلِدَ
عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَساوَقا إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رسولَ الله {ابنُ
أخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بنُ
زَمْعَةَ: أخِي وابنُ وَلِيدَةِ أبي وُلِدَ عَلى فِراشِهِ،
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هُوَ لَكَ يَا
عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرِاشِ وللْعاهِرِ
الحَجَرُ) . ثمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ:
احْتَجِبِي مِنْهُ، لِما رَأى منْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ،
فَما رَآها حتَّى لَقِيَ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْوَلَد للْفراش
وللعاهد الْحجر) .
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك
وَمضى فِي الْوَصَايَا وَفِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي
عَن مَالك، وَسَيَجِيءُ فِي الْأَحْكَام عَن إِسْمَاعِيل
بن عبد الله عَن مَالك وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَلَكِن
نذْكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
وَعتبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة ابْن أبي وَقاص
وَهُوَ أَخُو سعد بن أبي وَقاص، مُخْتَلف فِي صحبته فَذكره
العسكري فِي الصَّحَابَة وَذكر أَنه أصَاب دَمًا بِمَكَّة
فِي قُرَيْش فانتقل إِلَى الْمَدِينَة، وَلما مَاتَ أوصى
إِلَى سعد، وَذكره ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة وَلم يذكر
مُسْتَندا إلاَّ قَول سعد: عهد إِلَى أخي أَنه وَلَده،
وَأنكر أَبُو نعيم ذَلِك وَذكر أَنه الَّذِي شج وَجه
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأحد، وَمَا علمت
لَهُ إسلاماً، بل قد روى عبد الرَّزَّاق من طَرِيق
عُثْمَان الْجَزرِي عَن مقسم أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِأَن لَا يحول على عتبَة الْحول
حَتَّى يَمُوت كَافِرًا فَمَاتَ قبل الْحول، وَهَذَا
مُرْسل، وَجزم الدمياطي وَابْن التِّين بِأَنَّهُ مَاتَ
كَافِرًا، وَأم عتبَة هِنْد بنت وهب بن الْحَارِث ابْن
زهرَة وَأم أَخِيه سعد حمْنَة بنت سُفْيَان بن أُميَّة.
قَوْله: (عهد إِلَى أَخِيه) أَي: أوصى إِلَى أَخِيه سعد بن
أبي وَقاص عِنْد مَوته. قَوْله: (إِن ابْن وليدة زَمعَة
مني) أَي: ابْن أمة زَمعَة مني، وَكَذَا وَقع فِي
الْمَظَالِم والوليدة: فعيلة من الْولادَة. قَالَ
الْجَوْهَرِي: هِيَ الصبية وَالْأمة وَالْجمع ولائد
وَكَانَت أمة يَمَانِية وَزَمعَة آخر غَيره، وَنبهَ
عَلَيْهِ الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَقَالَ: عبد بن زَمعَة،
بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْمِيم وَقد يُحَرك، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: السّكُون أشهر، وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد
الوقشي: التحريك هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ قيس بن عبد شمس
الْقرشِي العامري وَالِد سَوْدَة زوج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ عَام الْفَتْح
أَخذه سعد) أَي: سعد بن أبي وَقاص وَكَانَ رَآهُ يَوْم
الْفَتْح فَعرفهُ بالشبه فَاحْتَضَنَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ:
ابْن أخي وَرب الْكَعْبَة. وَفِي رِوَايَة اللَّيْث قَالَ
سعد: يَا رَسُول الله} هَذَا ابْن أخي عتبَة بن أبي وَقاص،
عهد إِلَى أَنه ابْنه. قَوْله: (فَقَامَ عبد بن زَمعَة،
فَقَالَ: أخي) أَي: هَذَا أخي وَابْن وليدة أبي، أَي: ابْن
أمته ولد على فرَاشه، وَعبد هَذَا بِغَيْر إِضَافَة إِلَى
شَيْء. قيل: وَقع فِي (مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب) : عبد
الله، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غلط لِأَن عبد الله بن
زَمعَة هُوَ ابْن الْأسود بن عبد الْمطلب بن أَسد بن عبد
الْعُزَّى، وَقيل: قد وَقع لِابْنِ مَنْدَه فِيهِ خبط فِي
تَرْجَمَة عبد الرَّحِم بن زَمعَة فَإِنَّهُ زعم أَن عبد
الرَّحْمَن وَعبد الله، وعبداً بِغَيْر إِضَافَة أخوة
ثَلَاثَة أَوْلَاد زَمعَة بن الْأسود وَلَيْسَ كَذَلِك، بل
عبد بِغَيْر إِضَافَة وَعبد الرَّحْمَن أَخَوان عامريان من
قُرَيْش، وَعبد الله بن زَمعَة أسدي من قُرَيْش أَيْضا.
قَوْله: (فتساوقا) من التساوق وَهُوَ الْمُتَابَعَة كَانَ
أَحدهمَا يتبع الآخر ويسوقه. قَوْله: (أخي) أَي: هُوَ أخي
(وَابْن وليدة أبي) أَي: ابْن أمته. قَوْله: (هُوَ لَك يَا
عبد بن زَمعَة) حكم لَهُ بِأَن يَأْخُذهُ، وَيقْرَأ بِنصب
عبد وَرَفعه، قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) وَمَعْنَاهُ:
بِأَنَّهُ يكون لَك أَخا على دعواك فأقره وَلم يقل إِن
الْأمة لَا تكون فراشا. وَقَالَ بَعضهم: وَقد سلك
الطَّحَاوِيّ فِيهِ مسلكاً آخر فَقَالَ: معنى قَوْله:
(هُوَ لَك) أَي: يدك عَلَيْهِ لَا أَنَّك تملكه، وَلَكِن
تمنع غَيْرك مِنْهُ إِلَى أَن يتَبَيَّن أمره كَمَا قَالَ
لصَاحب اللّقطَة: هِيَ لَك، وَقَالَ لَهُ: إِذا جَاءَ
صَاحبهَا فَردهَا إِلَيْهِ، قَالَ: وَلما كَانَت سَوْدَة
شريكة لعبد فِي ذَلِك لَكِن لم يعلم مِنْهَا تَصْدِيق
ذَلِك وَلَا الدَّعْوَى بِهِ ألزم عبدا بِمَا أقربه على
نَفسه وَلم يَجْعَل ذَلِك حجَّة عَلَيْهَا فَأمرهَا
بالاحتجاب ثمَّ قَالَ هَذَا النَّاقِل عَن الطَّحَاوِيّ:
هَذَا الْكَلَام وَكَلَامه متعقب بالرواية الْمُصَرّح،
فِيهَا بقوله: (هُوَ أَخُوك) فَإِنَّهَا رفعت الْإِشْكَال
وَكَأَنَّهُ لم يقف عَلَيْهَا وَلَا على حَدِيث ابْن
الزبير وَسَوْدَة الدَّال على أَن سَوْدَة وَافَقت أخاها:
عبدا فِي الدَّعْوَى بذلك. انْتهى.
قلت: روى أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث عَن سعيد بن
مَنْصُور ومسدد، وَفِيه: وَزَاد مُسَدّد فِي حَدِيثه: هُوَ
أَخُوك، وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ سعيد
(23/250)
ابْن مَنْصُور وَزِيَادَة مُسَدّد لم
يُوَافقهُ عَلَيْهَا أَحْمد، وَلَئِن سلمنَا صِحَة هَذِه
الزِّيَادَة وَلَكِن يُرَاد بِهِ أَخُوك فِي الدّين،
وَيحْتَمل أَن يكون أصل الحَدِيث: هُوَ لَك، فَظن
الرَّاوِي أَن مَعْنَاهُ: أَخُوهُ فِي النّسَب فَحَمله على
الْمَعْنى الَّذِي عِنْده. وَالْخَبَر الَّذِي يرويهِ عبد
الله بن الزبير صرح بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخ. وَقَالَ الْخطابِيّ
وَغَيره: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقررون على ولائدهم
الضرائب فيكتسبن بِالْفُجُورِ وَكَانُوا يلحقون بالزناة
إِذا دعوا كَمَا فِي النِّكَاح، وَكَانَت لزمعة أمة
وَكَانَ يلم بهَا فَظهر بهَا حمل وَزعم عتبَة بن أبي وَقاص
أَنه مِنْهُ وعهد إِلَى أَخِيه سعد أَن يستلحقه، فخاصم
فِيهِ عبد بن زَمعَة فَقَالَ سعد: هُوَ ابْن أخي على مَا
كَانَ الْأَمر فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ عبد هُوَ أخي
على مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الحكم فِي الْإِسْلَام، فَأبْطل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حكم الْجَاهِلِيَّة
وألحقه بزمعة. قَوْله: (الْوَلَد للْفراش) مر تَفْسِيره
عَن قريب. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَعند جُمْهُور
الْعلمَاء أَن الْحرَّة لَا تكون فراشا إلاَّ بِإِمْكَان
الْوَطْء وَيلْحق الْوَلَد فِي مُدَّة تَلد فِي مثلهَا
واقل ذَلِك سِتَّة أشهر، وشذ أَبُو حنيفَة فَقَالَ: إِذا
طَلقهَا عقيب النِّكَاح من غير إِمْكَان وَطْء فَأَتَت
بِولد لسِتَّة أشهر من وَقت العقد فَإِنَّهُ يلْحقهُ،
وَقَالَ أَيْضا وَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة خلاف مَا
أجْرى الله تَعَالَى بِهِ الْعَادة من أَن الْوَلَد
إِنَّمَا يكون من مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة.
قلت: أَبُو حنيفَة لم يشذ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ وَلَا خَالف
مَا أجْرى الله بِهِ الْعَادة، وَأَن صَاحب (التَّوْضِيح)
: وَمن سلك مسلكة لم يدركا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا
أدْركهُ أَبُو حنيفَة، لِأَنَّهُ احْتج فِيمَا ذهب
إِلَيْهِ بقوله: (الْوَلَد للْفراش) أَي: لصَاحب الْفراش،
وَلم يذكر فِيهِ اشْتِرَاط الْوَطْء، وَلَا ذكره وَلِأَن
العقد فِيهَا كَالْوَطْءِ بِخِلَاف الْأمة فَإِنَّهُ
لَيْسَ لَهَا فرَاش فَلَا يثبت نسب مَا وَلدته الْأمة
إلاَّ باعتراف مَوْلَاهَا. قَوْله: (وللعاهر الْحجر) أَي:
وللزاني الخيبة والحرمان والعهر بِفتْحَتَيْنِ الزِّنَا،
وَمعنى الخيبة الحرمان من الْوَلَد الَّذِي يَدعِيهِ،
وَعَادَة الْعَرَب أَن تَقول لمن خَابَ: لَهُ الْحجر
وَبَقِيَّة الْحجر وَالتُّرَاب، وَنَحْو ذَلِك وَقيل:
المُرَاد بِالْحجرِ هُنَا أَنه يرْجم قَالَ النَّوَوِيّ:
وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الرَّجْم مُخْتَصّ بالمحصن. قَوْله:
(ثمَّ قَالَ لسودة بنت زَمعَة) أَي: زوج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: احتجبي مِنْهُ، أَي: من ابْن الوليدة
الْمُدعى تورعاً واحتياطاً، وَذَلِكَ لشبهه بِعتبَة بن أبي
وَقاص.
0576 - حدّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَاى عنْ شُعْبَةَ عنْ
مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الوَلَدُ
لِصاحِبِ الفِراشِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه تَفْسِير لقَوْله
فِي الحَدِيث الْمَاضِي: (الْوَلَد للْفراش) أَي: لصَاحب
الْفراش، وَهَذَا الحَدِيث مُسْتَقل بِنَفسِهِ بِخِلَاف
الحَدِيث الْمَاضِي فَإِنَّهُ ذكر تبعا لحَدِيث عبد بن
زَمعَة. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فِيهِ: فَإِن قيل: فَمَا معنى
قَوْله الَّذِي وَصله بِهَذَا: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر
الْحجر) قيل: لَهُ ذَلِك على التَّعْلِيم مِنْهُ لسعد أَي:
أَنْت تَدعِي لأخيك وأخوك لم يكن لَهُ فرَاش، وَإِنَّمَا
يثبت النّسَب مِنْهُ لَو كَانَ فرَاش فَهُوَ عاهر وللعاهر
الْحجر. انْتهى.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث (الْوَلَد للْفراش) هُوَ
من أصح مَا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
جَاءَ عَن بضعَة وَعشْرين من الصَّحَابَة، فَذكر
البُخَارِيّ هُنَا حَدِيث عَائِشَة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة
هَذَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقيب حَدِيث أبي هُرَيْرَة:
وَفِي الْبَاب عَن عمر وَعُثْمَان وَعبد الله بن مَسْعُود
وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن عَمْرو وَأبي أُمَامَة
وَعَمْرو بن خَارِجَة والبراء وَزيد بن أَرقم فَحَدِيث عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد ابْن مَاجَه، وَحَدِيث
عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد أبي دَاوُد،
وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
عَن النَّسَائِيّ، وَحَدِيث عبد الله بن الزبير عِنْد
النَّسَائِيّ أَيْضا، وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن أبي
دَاوُد، وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد أبي دَاوُد وَابْن
مَاجَه، وَحَدِيث عَمْرو بن خَارِجَة عِنْد التِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَحَدِيث الْبَراء عِنْد
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) ، وَحَدِيث زيد بن أَرقم
عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِيهِ، وَزَاد شَيخنَا زين
الدّين على هَؤُلَاءِ: مُعَاوِيَة وَابْن عمر، فَحَدِيث
مُعَاوِيَة عِنْد أبي يعلى الْموصِلِي، وَحَدِيث ابْن عمر
عِنْد الْبَزَّار، وَوَقع عِنْد هَؤُلَاءِ جَمِيعهم:
(الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر) وَمِنْهُم من اقْتصر
على الْجُمْلَة الأولى.
91 - (بابٌ الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْوَلَاء لمن أعتق، وَفِي
أَكثر النّسخ، بَاب إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق،
الْوَلَاء بِفَتْح الْوَاو مُشْتَقّ من الْولَايَة
بِالْفَتْح
(23/251)
وَهِي النُّصْرَة والمحبة لِأَن فِي وَلَاء
الْعتَاقَة والموالاة تناصر أَو محبَّة من الْوَلِيّ
وَهُوَ الْقرب، وَهِي قرَابَة حكمِيَّة حَاصِلَة من
الْعتْق أَو من الْمُوَالَاة، وَهِي الْمُتَابَعَة لِأَن
فِي وَلَاء الْعتَاقَة إِرْثا يوالي وجود الشَّرْط،
وَكَذَا فِي وَلَاء الْمُوَالَاة، وَفِي الشَّرْع: هُوَ
عبارَة عَن التناصر بولاء الْعتَاقَة، أَو بولاء
الْمُوَالَاة وَمن إثارة الْإِرْث وَالْعقل. قَوْله:
(الْوَلَاء لمن أعتق) ، لفظ الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة
السِّتَّة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
ومِيراثُ اللَّقِيطِ
هُوَ بِالرَّفْع عطف على مَا قبله، وَيجوز بِالْجَرِّ على
تَقْدِير أَن يُقَال: وَفِي مِيرَاث اللَّقِيط، وَلكنه لم
يذكر شَيْئا فِيهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لِأَنَّهُ لم
يتَّفق لَهُ حَدِيث على شَرطه وَأَرَادَ بِهِ أَنه ذكر
هَذِه اللَّفْظَة وبيض لَهَا حَتَّى يذكرهَا فِيهِ فَلم
يجد شَيْئا وَاسْتمرّ على التَّرْجَمَة، وَالظَّاهِر أَنه
اكْتفى بأثر عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن فِيهِ
بَيَان حكمه، كَمَا نقُول الْآن.
وَقَالَ عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب: اللَّقِيط حر فَإِذا كَانَ حرا
يكون وَلَاؤُه فِي بَيت المَال لِأَن ولاءه يكون لجَمِيع
الْمُسلمين، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَالثَّوْري
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر،
وَقَالَ شُرَيْح: إِن ولاءه لملتقطه، وَبِه قَالَ إِسْحَاق
بن رَاهَوَيْه، وَاحْتج بِحَدِيث سِنِين أبي جميلَة عَن
عمر أَنه قَالَ لَهُ فِي المنبوذ: اذْهَبْ فَهُوَ حر وَلَك
وَلَاؤُه، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أَبُو جميلَة مَجْهُول
لَا يعرف لَهُ خبر غير هَذَا الحَدِيث، وَحمل قَول عمر:
لَك وَلَاؤُه، على أَنه أَنْت الَّذِي تتولى تَرْبِيَته
وَالْقِيَام بأَمْره، وَهَذِه ولَايَة الْإِسْلَام لَا
ولَايَة الْعتْق. وَقَالَ عَطاء وَابْن شهَاب، إِنَّه حر،
فَإِن أحب أَن يوالي الَّذِي التقطه فَلهُ أَن يواليه،
وَإِن أحب أَن يوالي غَيره فَلهُ أَن يواليه. وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن ينْقل بولائه حَيْثُ شَاءَ، فَإِن
عقل عَنهُ الَّذِي وَالَاهُ جِنَايَة لم يكن لَهُ أَن
ينْقل ولاءه عَنهُ ويرثه.
قلت: سِنِين، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون أَبُو
جميلَة الضمرِي. وَيُقَال: السّلمِيّ، روى عَنهُ ابْن
شهَاب. قَالَ عَنهُ معمر: حَدثنِي أَبُو جميلَة وَزعم أَنه
أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ
الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ: أدْركْت ثَلَاثَة من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنس بن مَالك، وَسَهل
بن سعد، وَأَبا جميلَة سِنِين، وَقَالَ مَالك عَن ابْن
شهَاب: أَخْبرنِي سِنِين أَبُو جميلَة أَنه أدْرك النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح، وَقَالَ
الذَّهَبِيّ: أَبُو جميلَة سِنِين السّلمِيّ أدْرك
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج مَعَه عَام
الْفَتْح، وَحَدِيثه فِي التِّرْمِذِيّ. وروى عَنهُ
الزُّهْرِيّ.
1576 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ
الحَكَمِ عنْ إبْراهِيمَ عَن الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ
قالَتْ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (اشْتَرِيها فإنَّ الوَلاءَ لِمَنْ
أعْتَقَ) وأُهْدِيَ لَها شاةٌ فَقَالَ: (هُوَ لَها
صَدَقَةٌ ولَنا هَدِيَّةٌ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحَفْص بن عمر بن
الْحَارِث أَبُو عمر الحوضي وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ
ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب وَإِبْرَاهِيم هُوَ
النَّخعِيّ وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد، وَالثَّلَاثَة
تابعيون كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي كَفَّارَة الْأَيْمَان عَن سُلَيْمَان
بن حَرْب وَفِي الطَّلَاق عَن عبد الله بن رَجَاء وَفِيه
وَفِي الزَّكَاة عَن آدم، وَمر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.
قَوْله: (بَرِيرَة) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله:
(وأهدي) على صِيغَة الْمَجْهُول.
وَقَالَ الحَكَمُ: وَكَانَ زَوْجُها حُرًّا، وقَوْلُ
الحَكَمِ مُرْسَلٌ
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَلَكِن
قَوْله: مُرْسل، يَعْنِي: لَيْسَ بِمُسْنَد إِلَى عَائِشَة
صَاحِبَة الحَدِيث، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قَول الحكم
لَيْسَ من الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ مدرج، وَقيل: قَول
البُخَارِيّ مُرْسل مُخَالف للإصلاح إِذْ الْكَلَام
الْمَوْقُوف على بعض الروَاة لَا يُسمى مُرْسلا. قَوْله:
وَكَانَ زَوجهَا، أَي: زوج بَرِيرَة.
(23/252)
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: رَأيْتُهُ عَبْداً
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: رَأَيْت زوج بَرِيرَة
عبدا وَهَذَا أصح لِأَنَّهُ رَآهُ كَمَا سَيَجِيءُ. قَالَ
ابْن عَبَّاس: كَانَ يُقَال لَهُ: مغيث، وَكَانَ عبدا لآل
الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم، فَخير رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَة وأمرها أَن تَعْتَد. قَالُوا:
إِنَّمَا خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لأجل كَون زَوجهَا عبدا. وَقَول ابْن عَبَّاس هَذَا مضى
فِي الطَّلَاق مَوْصُولا فِي: بَاب خِيَار الْأمة تَحت
العَبْد، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ.
02 - (بابُ مِيراثِ السَّائِبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث السائبة بِالسِّين
الْمُهْملَة على وزن فاعلة أَي: الْمُهْملَة كَالْعَبْدِ
يعْتق على أَن لَا وَلَاء لأحد عَلَيْهِ وَقد قيل فِي
قَوْله تَعَالَى: { (5) مَا جعل الله من بحيرة وَلَا
سائبة} (الْمَائِدَة: 301) هُوَ أَن يَقُول لعَبْدِهِ:
أَنْت سائبة لم يكن عَلَيْهِ وَلَاء وَأول من سيب السوائب
عَمْرو بن لحي. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِيرَاث السائبة،
فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق
وَأَبُو ثَوْر: وَلَاؤُه لمعتقه، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث
الْبَاب، وَقَالَت طَائِفَة: مِيرَاثه للْمُسلمين،
وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَرُوِيَ أَيْضا عَن
عمر بن عبد الْعَزِيز وَرَبِيعَة وَأبي الزِّنَاد، وَهُوَ
قَول مَالك وَهُوَ مَشْهُور مذْهبه. وَقَالَ الزُّهْرِيّ:
بوالي الْمُعْتق سائبته من شَاءَ فَإِن مَاتَ وَلم يوالِ
أحدا فولاؤه للْمُسلمين.
3576 - حدّثنا قَبِيصَةُ بنُ عُقْبةَ حدّثنا سُفْيانُ عنْ
أبي قَيْسٍ عنْ هُزَيْلٍ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: إنَّ أهْل
الإسْلامِ لَا يُسَيِّبُونَ وإنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ
كَانُوا يُسَيِّبُون.
وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر ومطابقته للتَّرْجَمَة من
حَيْثُ مَا جَاءَ فِيهِ وَهُوَ أَنه جَاءَ رجل إِلَى عبد
الله فَقَالَ: إِنِّي أعتقت عبدا سائبة فَمَاتَ وَترك
مَالا وَلم يدع وَارِثا، فَقَالَ عبد الله: إِن أهل
الْإِسْلَام لَا يسيبون، وَإِنَّمَا كَانَ أهل
الْجَاهِلِيَّة يسيبون وَأَنت ولي نعْمَته فلك مِيرَاثه.
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ. وسُفْيَان فِي السَّنَد هُوَ
الثَّوْريّ، وَأَبُو قيس هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان،
وهزيل مصغر هزل بالزاي ابْن شُرَحْبِيل يروي عَن عبد الله
بن مَسْعُود.
4576 - حدّثنا مُوسى احدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ مَنْصُورٍ
عنْ إبراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَها واشْتَرَطَ
أهْلُها وَلاءَها، فقالَتْ: يَا رسولَ الله! إنِّي
اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ لأعْتِقَها وإنَّ أهْلها
يَشْتَرِطُونَ وَلاءَها، فَقَالَ: (أعْتَقِيها، فإنَّما
الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ) . أوْ قَالَ: (أعْطى الثَّمَنَ)
قَالَ: فاشْتَرَتْها فأعْتَقَتْها، قَالَ: وخُيِّرَتْ
فاخْتارَتْ نَفْسَها، وقالَتْ: لَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وكَذا
مَا كُنْتُ مَعَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْوَلَاء لما كَانَ
للْمُعْتق اسْتَوَى السائبة وَغَيرهَا.
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَأَبُو
عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو
وَبعد الْألف نون واسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، وَمَنْصُور
هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ،
وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث قد مضى أَكثر من عشْرين مرّة.
قَوْله: (وَاشْترط أَهلهَا) يَعْنِي: يبيعونها بِشَرْط أَن
يكون الْوَلَاء لَهُم.
(23/253)
قَوْله: (أَو قَالَ: أعْطى الثّمن) شكّ من
الرَّاوِي. قَوْله: (وخيرت) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي:
لما عتقت خيرت بَين فسخ نِكَاحهَا وَاخْتِيَار نَفسهَا
وإمضاء النِّكَاح وَاخْتِيَار الزَّوْج، وَقد مر أَن
اسْمه: مغيث. قَوْله: (وَقَالَت: لَو أَعْطَيْت) أَي
قَالَت بَرِيرَة: لَو أَعْطَانِي زَوجي كَذَا وَكَذَا من
المَال مَا كنت مَعَه. أَي: مَا كنت أَصْحَبهُ وَلَا أَقمت
عِنْده، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ حَيْثُ قَالَ:
فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من
زَوجهَا، قَالَت: لَو أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا أَقمت
عِنْده، فَاخْتَارَتْ نَفسهَا وَكَانَ زَوجهَا حرا.
قَالَ الأسْوَدُ: وَكَانَ زَوْجُها حُرًّا. قَوْلُ
الأسْوَدِ مُنْقَطَعٌ
أَي: قَول الْأسود بن يزِيد الرَّاوِي عَن عَائِشَة: كَانَ
زوج بَرِيرَة حرا، ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ: قَول الْأسود
مُنْقَطع، فَقيل: الْمُنْقَطع هُوَ أَن يسْقط من
الْإِسْنَاد رجل أَو يذكر فِيهِ رجل مُبْهَم، وَقَالَ
الْخَطِيب: الْمُنْقَطع مَا روى عَن التَّابِعِيّ فَمن
دونه مَوْقُوفا عَلَيْهِ من قَوْله أَو فعله، وَقيل:
الْمُنْقَطع مثل الْمُرْسل وَهُوَ كل مَا لَا يتَّصل
إِسْنَاده، غير أَن الْمُرْسل أَكثر مَا يُطلق على مَا
رَوَاهُ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَالْمَشْهُور أَن الْمُرْسل قَول غير الصَّحَابِيّ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وقَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ: رَأيْتهُ عَبْداً، أصَحُّ
أَي: قَول ابْن عَبَّاس: رَأَيْت زوج بَرِيرَة عبدا أصح من
قَول الْأسود، لِأَنَّهُ رَآهُ وَشَاهده، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ.
12 - (بابُ إثْمِ مَنْ تَبَرَّأ مِنْ مَوالِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من تَبرأ من موَالِيه
بِأَن نفى كَونه من موَالِي فلَان أَو وَالِي غَيره، وروى
أَحْمد فِي (مُسْنده) : من طَرِيق سهل بن معَاذ بن أنس عَن
أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِن
لله عباداً لَا يكلمهم الله) الحَدِيث وَفِيه: رجل أنعم
عَلَيْهِ قوم فَكفر نعمتهم وتبرأ مِنْهُم.
5576 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا جَرِيرٌ عنِ
الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عنْ أبِيهِ قَالَ:
قَالَ عَلِيُّ رَضِي الله عَنهُ عندنَا كِتابٌ نَقْرَؤُهُ
إلاّ كِتابُ الله غَيْرَ هاذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ:
فأخْرَجَها فَإِذا فِيهَا أشْياءُ مِنَ الجِراحاتِ
وأسْنانِ الإبِلِ. قَالَ وفيهَا: المَدِينَةُ حَرَامٌ مَا
بَيْنَ عَيْرِ إِلَى ثَوْرٍ فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً
أوْ آوَى مُحْدثاً فَعَليْهِ لَعْنَةُ الله والمَلائِكَةِ
والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ
القِيامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، ومَنْ والَى قَوْماً
بِغَيْرِ إذْن مَوالِيهِ فَعَليْهِ لَعْنَةُ الله
والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ
يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وذِمَّةُ
المُسْلِمِينَ واحِدَةٌ يَسْعاى بِها أدْناهُمْ فَمَنْ
أخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله
والمَلاَئِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ
يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَمن والى قوما)
إِلَى قَوْله: (وَذمَّة الْمُسلمين) فَإِن قلت:
التَّرْجَمَة مُطلقَة والْحَدِيث:. (من والى قوما بِغَيْر
إِذن موَالِيه) فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنه إِذا والى
بإذنهم لَا يَأْثَم وَلَا يكون متبرءاً.
قلت: لَيْسَ هَذَا لتقييد الحكم وَإِنَّمَا هُوَ إِيرَاد
الْكَلَام على الْغَالِب، وَقيل: هُوَ للتَّأْكِيد
لِأَنَّهُ إِذا اسْتَأْذن موَالِيه فِي ذَلِك منعُوهُ.
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ
سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ هُوَ إِبْرَاهِيم
بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن شريك التَّيْمِيّ تيم
الربَاب وَلَيْسَ هُوَ إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن الْأسود بن
عَمْرو، وَقيل: ابْن عمر بن يزِيد بن الْأسود بن عمر،
وَأَبُو عمرَان النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ يروي عَن أَبِيه يزِيد بن شريك بن طَارق
التَّيْمِيّ، عداده فِي أهل الْكُوفَة سمع عَليّ بن أبي
طَالب وَغَيره من الصَّحَابَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن بشار وَفِي
الْجِزْيَة عَن مُحَمَّد بن وَكِيع وَسَيَجِيءُ فِي
الِاعْتِصَام عَن عمر بن حَفْص.
قَوْله: (غير هَذِه الصَّحِيفَة) حَال
(23/254)
أَو هُوَ اسْتثِْنَاء آخر، وحرف الْعَطف
مُقَدّر كَمَا فِي: التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات
تَقْدِيره: والصلوات. قَوْله: (أَشْيَاء) جمع شَيْء وَهُوَ
لَا ينْصَرف. قَالَ الْكسَائي: تركُوا صرفه لِكَثْرَة
اسْتِعْمَاله. قَوْله: (من الْجِرَاحَات) أَي: من أَحْكَام
الْجِرَاحَات وأسنان الْإِبِل الدِّيات. قَوْله: (حرَام)
ويروى: حرم. قَوْله: (عير) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء وَهُوَ اسْم جبل
بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (إِلَى ثَوْر) بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: أما ثَوْر
بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور فَمنهمْ من ترك مَكَانَهُ
بَيَاضًا لأَنهم اعتقدوا أَن ذكر ثَوْر خطأ إِذْ لَيْسَ
فِي الْمَدِينَة مَوضِع يُسمى ثوراً وَمِنْهُم من كنى
عَنهُ بِلَفْظ: كَذَا، وَقيل: الصَّحِيح أَن بدله: أحد
أَي: عير إِلَى أحد، وَقيل: إِن ثوراً كَانَ اسْما لجبل
هُنَاكَ أما أحدا وَغَيره فخفى إسمه. قَوْله: (حَدثا)
بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْأَمر الْحَادِث الْمُنكر الَّذِي
لَيْسَ بمعتاد وَلَا مَعْرُوف فِي السّنة. قَوْله: (أَو
أَوَى) الْقصر فِي اللَّازِم وَالْمدّ فِي الْمُتَعَدِّي.
قَوْله: (مُحدثا) بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا على الْفِعْل
وَالْمَفْعُول، فَمَعْنَى الْكسر من نصر جانباً وآواه
وَأَجَارَهُ من خَصمه وَحَال بَينه وَبَين أَن يقْتَصّ
مِنْهُ، وَمعنى الْفَتْح هُوَ الْأَمر المبتدع نَفسه،
وَيكون معنى الإيواء فِيهِ الرِّضَا بِهِ وَالصَّبْر
عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذا رَضِي ببدعته وَأقر فاعلها
عَلَيْهَا وَلم ينكرها فقد آواه. قَوْله: (لعنة الله)
المُرَاد باللعنة الْبعد عَن الْجنَّة الَّتِي هِيَ دَار
الرَّحْمَة فِي أول الْأَمر لَا مُطلقًا. قَوْله: (صرف)
الصّرْف الْفَرِيضَة، وَالْعدْل النَّافِلَة، وَقيل
بِالْعَكْسِ، وَقيل: الصّرْف التَّوْبَة وَالْعدْل
الْفِدْيَة. قَوْله: (من والى قوما) أَي: اتخذهم
أَوْلِيَاء لَهُ. قَوْله: (بِغَيْر إِذن موَالِيه) قد مر
الْكَلَام فِيهِ الْآن. قَوْله: (وَذمَّة الْمُسلمين)
المُرَاد بِالذِّمةِ الْعَهْد والأمان يَعْنِي: أَمَان
الْمُسلم للْكَافِرِ صَحِيح والمسلمون كَنَفس وَاحِدَة
فِيهِ. قَوْله: (أَدْنَاهُم) أَي: مثل الْمَرْأَة
وَالْعَبْد فَإِذا أَمن أحدهم حَرْبِيّا لَا يجوز لأحد أَن
ينْقض ذمَّته. قَوْله: (وَمن أَخْفَر) بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة وَالْفَاء أَي من نقض عَهده، يُقَال: خفرته
أَي كنت لَهُ خفيراً أمْنَعهُ، وأخفرته أَيْضا.
وَفِيه: جَوَاز لعنة أهل الْفسق من الْمُسلمين وَمن تَبرأ
من موَالِيه لم تجز شَهَادَته وَعَلِيهِ التَّوْبَة
وَالِاسْتِغْفَار لِأَن الشَّارِع لَعنه، وكل من لَعنه
فَهُوَ فَاسق.
6576 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيان عنْ عَبْدِ
الله بنِ دِينارٍ عنْ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا،
قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ
الوَلاءِ وعنْ هِبَتِهِ. (انْظُر الحَدِيث 5352) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي هَذَا الحَدِيث قد
صرح بِالنَّهْي عَن بيع الْوَلَاء وهبته فَيُؤْخَذ مِنْهُ
عدم اعْتِبَار الْإِذْن فِي ذَلِك الحَدِيث بِالطَّرِيقِ
الأولى لِأَن السَّيِّد إِذا منع من بيع الْوَلَاء مَعَ
مَا فِيهِ من الْعِوَض، وَعَن الْهِبَة مَعَ مَا فِيهَا من
الْمِنَّة فَمَنعه من الْإِذْن فِيهِ مجَّانا وَبلا منَّة
أولى.
وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان
هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْعتْق عَن مُحَمَّد بن عبد
الله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع عَن بنْدَار عَن
ابْن مهْدي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن
عَليّ بن سعيد بن مَسْرُوق. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن
عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع. وَقَالَ الْمزي: روى يحيى
بن سليم هَذَا عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر
وَهُوَ وهم، وروى الثَّقَفِيّ وَعبد الله بن نمير وَغير
وَاحِد عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر وَهَذَا أصح،
وَإِنَّمَا نهى عَن بيع الْوَلَاء لِأَنَّهُ حق إِرْث
الْمُعْتق من الْعَتِيق، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ غير مَقْدُور
التَّسْلِيم وَنَحْوه. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن
أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن امْرَأَة من
محَارب اعتقت عبدا ووهبت ولاءه لعبد الرَّحْمَن بن أبي
بكر، فَأَجَازَهُ عُثْمَان. وَعَن الشّعبِيّ وَقَتَادَة
وَابْن الْمسيب نَحوه.
قلت: حَدِيث الْبَاب يرد هَذَا، وَقيل: بيع الْوَلَاء
وهبته منسوخان بِحَدِيث الْبَاب، وَيحْتَمل أَن الحَدِيث
مَا بلغ هَؤُلَاءِ، وَالله أعلم.
22 - (بابٌ إذَا أسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته إِذا أسلم على يَدَيْهِ، كَذَا
فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، أَي: إِذا أسلم رجل على يَدي
رجل، وَفِي رِوَايَة الْفربرِي: إِذا أسلم على يَدي رجل،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِذا أسلم على يَدي الرجل،
بِالْألف وَاللَّام، وبدونهما أولى.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَن أسلم على يَدي رجل من
الْمُسلمين، فَقَالَ الْحسن وَالشعْبِيّ: لَا مِيرَاث
للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَوَلَاؤُهُ للْمُسلمين إِذا لم
يدع
(23/255)
وَارِثا، وَلَا ولاءه للَّذي أسلم على
يَدَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَمَالك
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وحجتهم حَدِيث
الْبَاب، وَذكر ابْن وهب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا وَلَاء للَّذي أسلم على
يَدَيْهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَزِيَاد بن
أبي سُفْيَان، وَرُوِيَ عَن النَّخعِيّ وَأَيوب: أَن ولاءه
للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَإنَّهُ يَرِثهُ وَيعْقل عَنهُ
وَله أَن يحول عَنهُ إِلَى غَيره مَا لم يعقل عَنهُ،
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه.
وكَانَ الحَسَنَ لَا يَرَى لهُ ولايَةً
أَي: وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ لَا يرى للَّذي أسلم على
يَدَيْهِ رجل ولَايَة ويروى: وَلَاء عَن الْكشميهني، وَوصل
سُفْيَان الثَّوْريّ أثر الْحسن هَذَا فِي (جَامعه) : عَن
مطرف عَن الشّعبِيّ وَعَن يُونُس هُوَ ابْن عبيد عَن
الْحسن قَالَ فِي الرجل يوالي الرجل، قَالَا: هُوَ بَين
الْمُسلمين. قَالَ سُفْيَان: وَبِذَلِك أَقُول.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الولاءُ لِمَنْ
أعْتَقَ)
احْتج بِهِ الْحسن وَقَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (الْوَلَاء لمن أعتق) يَعْنِي: أَن
الْوَلَاء لَا يكون إلاَّ للْمُعْتق.
ويُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: هُوَ
أوْلَى النَّاسِ بِمَحْياهُ ومَماتِهِ
يذكر على صِيغَة الْمَجْهُول إِشَارَة إِلَى تمريضه.
قَوْله: عَن تَمِيم، هُوَ ابْن أَوْس الدَّارِيّ بِالدَّال
الْمُهْملَة وبالراء نِسْبَة إِلَى بني الدَّار بطن من
لحم. قَوْله: (رَفعه) الضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى
حَدِيث: إِذا أسلم على يَدَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي ذكره
بعده، وَهُوَ قَوْله: أولى النَّاس بمحياه ومماته، وَمعنى:
رَفعه، مثل معنى قَوْله: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَسَنذكر الحَدِيث وَمن أخرجه. قَوْله:
(بمحياه) ، أَي: فِي حَيَاته بالنصرة (ومماته) أَي: فِي
مَوته بِالْغسْلِ والتكفين وَالصَّلَاة عَلَيْهِ لَا فِي
مِيرَاثه، لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق، والمحيا وَالْمَمَات
مصدران ميميان.
واخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الخَبَرِ
أَي: فِي خبر تَمِيم الدَّارِيّ الْمَذْكُور، فَقَالَ
البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم: عَن ابْن موهب سمع تميماً،
وَلَا يَصح لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(الْوَلَاء لمن أعتق) . وَقَالَ الشَّافِعِي: هَذَا
الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت إِنَّمَا يرويهِ عبد الْعَزِيز
بن عمر عَن ابْن موهب، وَابْن موهب لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ
وَلَا نعلمهُ لَقِي تميماً، وَمثل هَذَا لَا يثبت. وَقَالَ
الْخطابِيّ: ضعف هَذَا الحَدِيث أَحْمد، وَقَالَ
التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل قَالَ:
وَأدْخل بَعضهم بَين ابْن موهب وَبَين تَمِيم قبيصَة
رَوَاهُ يحيى بن حَمْزَة، وَقيل: إِنَّه تفرد فِيهِ بِذكر
قبيصَة، وَقد رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَن ابْن
موهب بِدُونِ ذكر تَمِيم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا،
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، هَل
هُوَ عَن ابْن موهب عَن تَمِيم أَو بَينهمَا قبيصَة؟
وَقَالَ بعض الروَاة فِيهِ: عَن عبد الله بن موهب،
وَبَعْضهمْ: ابْن موهب، وَعبد الْعَزِيز رَاوِيه لَيْسَ
بِالْحَافِظِ. وَقَالَ بَعضهم: ابْن موهب لم يدْرك تميماً،
وَقد أَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي
وَقع التَّصْرِيح فِيهَا بِسَمَاعِهِ من تَمِيم خطأ،
وَلَكِن وَثَّقَهُ بَعضهم، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ولاَّه الْقَضَاء بفلسطين.
وَنقل أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي فِي (تَارِيخه) : بِسَنَد
لَهُ صَحِيح عَن الْأَوْزَاعِيّ: أَنه كَانَ يدْفع هَذَا
الحَدِيث وَلَا يرى لَهُ وَجها. انْتهى كَلَامه.
قلت: صحّح هَذَا الحَدِيث أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي
وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن الْمخْرج مُتَّصِل، ورد على
الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِك وَلم أر أحدا من
أهل الْعلم يرفعهُ، وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق ابْن موهب
عَن تَمِيم، ثمَّ قَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم. وَأخرجه
الْأَرْبَعَة فِي الْفَرَائِض: فَأَبُو دَاوُد رَوَاهُ عَن
يزِيد بن خَالِد بن موهب الرَّمْلِيّ وَهِشَام بن عمار
الدِّمَشْقِي قَالَا: حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن حَمْزَة عَن
عبد الْعَزِيز بن عمر قَالَ: سَمِعت عبد الله بن موهب يحدث
عمر بن عبد الْعَزِيز عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب، وَقَالَ
هِشَام: عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه قَالَ: يَا رَسُول
الله {وَقَالَ يزِيد: إِن تميماً قَالَ: يَا رَسُول الله}
مَا السّنة فِي الرجل يسلم على يَدي الرجل من الْمُسلمين؟
فَقَالَ: هُوَ أولى النَّاس بمحياه ومماته. انْتهى. وَقد
علم من عَادَة أبي دَاوُد أَنه إِذا روى حَدِيثا وَسكت
عَنهُ فَإِنَّهُ يدل
(23/256)
على صِحَة عِنْده، وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب قَالَ: حَدثنَا أَبُو
أُسَامَة وَابْن نمير ووكيع عَن عبد الْعَزِيز عَن عبد
الله بن موهب، وَقَالَ بَعضهم: عبد الله بن موهب عَن
تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مَا السّنة؟ ... الحَدِيث، وَرَوَاهُ
النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن عَليّ بن حَفْص قَالَ:
حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد عَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن
عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب عَن تَمِيم الدَّارِيّ
قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
الرجل من الْمُشْركين أسلم على يَدي الرجل من الْمُسلمين،
قَالَ: هُوَ أولى النَّاس بِهِ حَيَاته وَمَوته، وَأخرجه
من طَرِيقين آخَرين وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء مِمَّا قيل
فِيهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي
شيبَة قَالَ: حَدثنَا وَكِيع عَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن
عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب قَالَ: سَمِعت تميماً
الدَّارِيّ يَقُول: قلت: يَا رَسُول الله {مَا السّنة فِي
الرجل من أهل الْكتاب يسلم على يَدي الرجل؟ قَالَ: هُوَ
أولى النَّاس بمحياه ومماته.
وَمِمَّا يُؤَيّد صِحَة حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، مَا رَوَاهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ
فِي (التَّهْذِيب) : وروى خصيف عَن مُجَاهِد قَالَ: جَاءَ
رجل إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن
رجلا أسلم على يَدي وَمَات وَترك ألف دِرْهَم فَلِمَنْ
مِيرَاثه؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو جنى جِنَايَة من كَانَ
يعقل عَنهُ؟ قَالَ: أَنا. قَالَ: فميراثه لَك. وَرَوَاهُ
مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود، وَقَالَهُ إِبْرَاهِيم وَابْن
الْمسيب وَمَكْحُول وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَفِي
(الاستذكار) : هُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه وَرَبِيعَة،
قَالَه يحيى بن سعيد فِي الْكَافِر الْحَرْبِيّ إِذا أسلم
على يَد مُسلم. وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن
مَسْعُود أَنهم أَجَازُوا الْمُوَالَاة وورثوا، وَقَالَ
اللَّيْث عَن عَطاء وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول نَحوه.
وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَه الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث
لَيْسَ بِثَابِت يردهُ كَلَام أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي
الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَحكم الْحَاكِم بِصِحَّتِهِ على شَرط
مُسلم، وَرِوَايَة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي كتبهمْ
أَلا يرى أَن البُخَارِيّ لما ذكره مُعَلّقا لم يجْزم
بضعفه؟ وَكَيف يَقُول: وَابْن موهب لَيْسَ بِمَعْرُوف.
وَقد روى عَنهُ عبد الْعَزِيز بن عمر وَالزهْرِيّ وَابْنه
زيد بن عبد الله وَعبد الْملك بن أبي جميلَة وَعمر بن
مهَاجر؟ وَقَالَ صَاحب (الْكَمَال) : ابْن موهب ولاه عمر
بن عبد الْعَزِيز قَضَاء فلسطين، وَهَذَا كُله يدل على
أَنه لَيْسَ بِمَجْهُول لَا عينا وَلَا حَالا، وَكَفاهُ
شهرة وثقة تَوْلِيَة عمر بن عبد الْعَزِيز إِيَّاه.
وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا
عبد الْعَزِيز بن عمر وَهُوَ ثِقَة عَن ابْن موهب
الْهَمدَانِي وَهُوَ ثِقَة قَالَ: سَمِعت تميماً. .
وَكَذَا ذكر الصريفيني فِي كِتَابه بِخَطِّهِ.
وَكَيف يَقُول: وَلَا نعلمهُ لَقِي تميماً وَقد قَالَ فِي
رِوَايَة يَعْقُوب بن سُفْيَان الْمَذْكُور: سَمِعت
تميماً، وَقد صرح بِالسَّمَاعِ عَنهُ، وَهل يتَصَوَّر
السماع إلاَّ باللقى؟ وَعدم علمه بلقيه تميماً لَا
يسْتَلْزم نفي علم غَيره بلقيه، وَعبد الْعَزِيز بن عمر
ثِقَة من رجال الْجَمَاعَة، وَقَالَ يحيى وَأَبُو دَاوُد:
ثِقَة، وَعَن يحيى: ثَبت، وَقَالَ بَعضهم: عبد الْعَزِيز
لَيْسَ بِالْحَافِظِ كَلَام سَاقِط، لِأَن الِاعْتِبَار
كَونه ثِقَة وَهُوَ مَوْجُود. وَقَالَ مُحَمَّد بن عمار:
الْمُشبه فِي الْحِفْظ بِالْإِمَامِ أَحْمد ثِقَة لَيْسَ
بَين النَّاس فِيهِ اخْتِلَاف، وَقَول الْخطابِيّ: ضعف
أَحْمد هَذَا الحَدِيث، لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لم يبين
وَجه ضعفه. وَقَول التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده
بِمُتَّصِل، يردهُ أَنه سمع من تَمِيم بِوَاسِطَة وَبلا
وَاسِطَة، وَلَئِن سلمنَا أَنه لم يسمع مِنْهُ وَلَا لحقه
فالواسطة هُوَ قبيصَة وَهُوَ ثِقَة أدْرك زمَان تَمِيم
بِلَا شكّ، فعنعنته مَحْمُولَة على الِاتِّصَال. وَقَول
ابْن الْمُنْذر: هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، كَلَام مُضْطَرب
لِأَن رُوَاته كلهم ثقاة فَلَا يضر هَل هُوَ عَن ابْن موهب
عَن تَمِيم أَو بَينهمَا قبيصَة؟ وَالِاضْطِرَاب لَا يضر
الحَدِيث إِذا كَانَت رِجَاله ثقاة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب من حَدِيث
أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن ابْن موهب، تفرد بِهِ عَنهُ
ابْنه يُونُس، وَتفرد بِهِ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ عَنهُ
فَأفَاد الدَّارَقُطْنِيّ مُتَابعًا لعبد الْعَزِيز وَهُوَ
أَبُو إِسْحَاق، والغرابة لَا تدل على الضعْف، فقد تكون
فِي الصَّحِيح والإسناد الَّذِي ذكره صَحِيح على شَرط
الشَّيْخَيْنِ، وَفِيه رد لقَوْل ابْن الْمُنْذر أَيْضا:
وَكَيف يُشِير النَّسَائِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي
وَقع فِيهَا التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ من تَمِيم خطأ؟ ثمَّ
يَقُول: وَلكنه وَثَّقَهُ بَعضهم فآخر كَلَامه ينْقض
أَوله، وَكَيف يحكم بالْخَطَأ وَقد ذكرنَا عَن ثقتين
جليلين أَنَّهُمَا صرحا بِسَمَاع ابْن موهب عَن تَمِيم؟
وروى ابْن بنت منيع عَن جمَاعَة عَن عبد الْعَزِيز
بِلَفْظ: سَمِعت تميماً، فَيجوز أَن تكون رِوَايَته عَن
قبيصَة عَن تَمِيم، وَعَن تَمِيم بِلَا وَاسِطَة؟} .
7576 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعْدٍ عنْ مالِكٍ عنْ نافعٍ
عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أُمَّ
المُؤْمِنِينَ أرادَتْ أنْ تَشْتَرِيَ جارِيَةً
تُعْتِقُها، فَقَالَ أهْلُها: نبِيعُكِها على أنَّ ولاءَها
لنا، فَذَكَرَتْ
(23/257)
لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: (لَا يَمْنعُكِ ذالِكِ فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ
أعْتَقَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا قَالَه الْكرْمَانِي: اللَّام
للاختصاص يَعْنِي الْوَلَاء مُخْتَصّ بِمن أعْتقهُ وبذل
المَال فِي إِعْتَاقه.
قلت: حَاصِل كَلَامه أَن من أسلم على يَده رجل لَيْسَ لَهُ
وَلَاء لِأَنَّهُ مُخْتَصّ بِمن أعْتقهُ واختصاصه بِهِ
بِاللَّامِ وَلَكِن كَون اللَّام فِيهِ للاختصاص فِيهِ نظر
لَا يخفى لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون للاستحقاق، وَهِي
الْوَاقِعَة بَين معنى وَذَات كاللام فِي نَحْو: {ويل
لِلْمُطَفِّفِينَ} (المطففين: 1) وَاسْتِحْقَاق الْمُعْتق
الْوَلَاء لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاق غَيره، وَيجوز أَن
تكون للصيرورة، لِأَن صيرورة الْوَلَاء للْمُعْتق لَا
تنَافِي صَيْرُورَته لغيره، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا
الحَدِيث قد مر غير مرّة.
قَوْله: (تعتقها) أَصله: لِأَن تعتقها. قَوْله: (فَذكرت
ذَلِك) أَي: ذكرت عَائِشَة قَوْلهم: (نبيعكها على أَن
ولاءها لنا) قَوْله: (لَا يمنعك ذَلِك) أَي: قَوْلهم
هَذَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يمنعنك، بنُون
التوكيد.
8576 - حدّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ
عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْودِ عنْ عائشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فاشْتَرَطَ
أهْلُها ولاءَها فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أعْتِقِيها، فإنَّ الوَلاءَ
لِمَنْ أعْطَى الوَرِقَ) قَالَتْ: فاعْتَقْتُها. قالَتْ:
فَدَعاها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخَيَّرَها
مَنْ زَوْجِها، فقالَتْ: لَوْ أعْطانِي كَذَا وكَذَا مَا
بتُّ عِنْدَهُ، فاخْتارَتْ نَفْسَها.
الْكَلَام فِي مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي
الحَدِيث السَّابِق. وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ قَالَ
الغساني: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام وَفِي رِوَايَة أبي ذَر
عَن الْكشميهني: مُحَمَّد بن يُوسُف البيكندي، وَجَرِير
هُوَ ابْن عبد الحميد، وَوَقع فِي الاستقراض: حَدثنَا
مُحَمَّد، حَدثنَا جرير، وَلَيْسَ فِي الْكتاب مُحَمَّد
عَن جرير سوى هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَنْصُور هُوَ
ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ
وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد خَال إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (الْوَرق) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء هُوَ
الْفضة، وَالْبَاقِي ظَاهر، وَفِي بعض النّسخ فِي آخر
الحَدِيث قَالَ: وَكَانَ زَوجهَا حرا.
32 - (بابُ مَا يَرِثُ النِّساءُ مِنَ الوَلاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَرث النِّسَاء من
الْوَلَاء.
9576 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدّثنا هَمَّامٌ عنْ
نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ:
أرَادَتْ عائِشَةُ أنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فقالَتْ
لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ
الوَلاءَ! فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(اشْتَرِيها، فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَق) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ دلَالَة على أَن
النِّسَاء إِذا أعتقن تسْتَحقّ الْوَلَاء وَهَمَّام
بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى. والْحَدِيث كَمَا مر.
0676 - حدّثنا ابنُ سَلاَمٍ أخبرنَا وَكِيعٌ عنْ سُفْيانَ
عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ
قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(الوَلاَءُ لِمَنْ أعْطَى الوَرِقَ وَوَلِيَ النِّعْمَةَ)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا الْآن. وَابْن سَلام
هُوَ مُحَمَّد ابْن سَلام بتَخْفِيف اللَّام على الْأَشْهر
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَالْبَاقِي ظَاهر، وَتفرد
الثَّوْريّ بقوله: (وَولي النِّعْمَة) مَعْنَاهُ: لمن أعتق
بعد إِعْطَاء الثّمن لِأَن ولَايَة النِّعْمَة الَّتِي
تسْتَحقّ بهَا الْمِيرَاث لَا تكون إِلَّا بِالْعِتْقِ،
وكل مَوضِع يكون فِيهِ: الْوَلَاء للْمُعْتق، الرجل
وَالْمَرْأَة الْمُعتقَة كَذَلِك، فَإِذا أعتق رجل
وَامْرَأَة عبدا ثَبت الْوَلَاء لَهما وَوَلَاء وَلَده
ذكورهم وإناثهم، وَوَلَاء ولد الذُّكُور كَذَلِك.
(23/258)
42 - (بابُ مَوْلَى القَوْمِ مِنْ
أنْفْسِهِمْ، وابنُ الأُخْتِ مِنْهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن مولى الْقَوْم أَي: عتيقهم
مِنْهُم فِي النِّسْبَة إِلَيْهِم وَالْمِيرَاث مِنْهُ
قَوْله: (وَابْن الْأُخْت مِنْهُم) أَي: ابْن أُخْت
الْقَوْم مِنْهُم فِي أَنه يرثهم تَوْرِيث ذَوي
الْأَرْحَام. وَفِي (التَّوْضِيح) : أما ابْن أُخْت
الْقَوْم مِنْهُم فَهُوَ مَحْمُول عِنْد أهل الْمَدِينَة
على أَن يكون ابْن أختهم من عتيقهم، وَعند أهل الْعرَاق
الَّذين يورثون ذَوي الْأَرْحَام: ابْن أُخْت الْقَوْم
مِنْهُم يرثهم ويرثونه.
1676 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا شعْبَةُ حدّثنا مُعاوِيَةُ
بنُ قُرَّةَ وقتَادة عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله
عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
(مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أنْفُسِهِم) أوْ كَما قَالَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث هَكَذَا وَقع
فِي رِوَايَة آدم عَن شُعْبَة مَقْرُونا، وَأكْثر الروَاة
قَالُوا: عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة وَحده عَن أنس.
2676 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ
قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (ابنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ) أوْ: مِنْ
أنْفسِهِمْ.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله:
(وَابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم) .
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَاخْتَصَرَهُ
هُنَا وبأتم مِنْهُ مضى فِي مَنَاقِب قُرَيْش فِي: بَاب
ابْن أُخْت الْقَوْم وَمولى الْقَوْم مِنْهُم: حَدثنَا
سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس
قَالَ: دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الْأَنْصَار خَاصَّة فَقَالَ: (هَل فِيكُم أحد من
غَيْركُمْ؟) قَالُوا: لَا إلاَّ ابْن أُخْت لنا. فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ابْن أُخْت
الْقَوْم مِنْهُم) وَاحْتج بِهِ من قَالَ بتوريث ذَوي
الْأَرْحَام، وَبِه قَالَ شُرَيْح وَالشعْبِيّ
وَالنَّخَعِيّ ومسروق وعلقمة بن الْأسود وطاووس
وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو
حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَإِسْحَاق وَيحيى
بن آدم وَضِرَار بن صرد ونوح بن دراج وَغَيرهم من
الْأَئِمَّة، وَهُوَ قَول عَامَّة الصَّحَابَة مِنْهُم
عَليّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس فِي
أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، ومعاذ بن جبل وَأَبُو
الدَّرْدَاء وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَالْخُلَفَاء
الْأَرْبَعَة، على مَا قَالَه القَاضِي أَبُو حَازِم.
وَذهب عُثْمَان بن عَفَّان وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن
الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. إِلَى أَن لَا
مِيرَاث لِذَوي الْأَرْحَام، فَمن مَاتَ وَلم يخلف وَارِثا
فرض أَو عصبَة فَمَاله لبيت المَال، وَبِه أَخذ مَالك
وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول وَسَعِيد بن الْمسيب
وَالشَّافِعِيّ، وَأهل الْمَدِينَة وَأهل الظَّاهِر إِلَّا
أَن أَصْحَاب الشَّافِعِي يفتون الْيَوْم بتوريث ذَوي
الْأَرْحَام على قَول أهل التَّنْزِيل لفساد بَيت المَال.
وَعَن أبي بكر الصّديق رِوَايَتَانِ فِيهِ.
52 - (بابُ مِيراَثِ الأسِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مِيرَاث الْأَسير الَّذِي
فِي أَيدي الْعَدو. وَاخْتلف فِيهِ فَعَن سعيد بن الْمسيب
لَا يُورث الْأَسير الَّذِي فِي أَيدي الْعَدو، وَرَوَاهُ
أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَنهُ، وَفِي رِوَايَة عَنهُ،
يُورث، وَعَن الزُّهْرِيّ رِوَايَتَانِ نَحوه، وَعنهُ: لَا
يجوز للأسير فِي مَاله إلاَّ الثُّلُث، وَنقل ابْن بطال
عَن أَكثر الْعلمَاء أَنهم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْأَسير
إِذا وَجب لَهُ مِيرَاث أَنه يُوقف لَهُ، هَذَا قَول مَالك
والكوفيين وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور، وَذَلِكَ لِأَن
الْأَسير إِذا كَانَ مُسلما فَهُوَ دَاخل تَحت عُمُوم
قَوْله: من ترك مَالا فلورثته الْمُسلمين، وَهُوَ من جملَة
الْمُسلمين الَّذين يجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْمُسلمين،
وَلَا يتَزَوَّج امْرَأَته وَلَا يقسم مَاله مَا تحققت
حَيَاته وَعلم مَكَانَهُ، فَإِذا انْقَطع خَبره وَجَهل
حَاله فَهُوَ مَفْقُود يجْرِي فِيهِ أَحْكَام الْمَفْقُود.
قَالَ: وكانَ شُرَيْحٌ يُوَرِّثُ الأسيرَ فِي أيْدي
العَدُوِّ، ويَقُولُ: هُوَ أحْوَجُ إلَيْهِ
(23/259)
لَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: قَالَ،
فعلى تَقْدِير وجوده يكون فَاعله البُخَارِيّ أَي: قَالَ
البُخَارِيّ، وَكَانَ شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي
الْكِنْدِيّ الْكُوفِي ... إِلَى آخِره، وَوَصله ابْن أبي
شيبَة والدارمي من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن
الشّعبِيّ عَن شُرَيْح، فَذكره.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العزِيزِ: أجِزْ وصِيَّةَ
الأسِير وَعَتاقَهُ وَمَا صَنَعَ فِي مالِهِ مَا لمْ
يَتَغَيَّرْ عنْ دِينِهِ فإنَّما هُوَ مالُهُ يَصْنَعُ
فِيهِ مَا يَشاءُ.
هَذَا أَيْضا يُوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة.
قَوْله: (أجز) أَمر من الْإِجَازَة. قَوْله: (وَصِيَّة
الْأَسير) مَنْصُوب. قَوْله: (وعتاقه) ، عطف عَلَيْهِ
ويروى: عتاقته. قَوْله: (مَا يَشَاء) . بِصُورَة
الْمُضَارع وَعند الْكشميهني: مَا شَاءَ، بِلَفْظ
الْمَاضِي، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق عبد الرَّزَّاق عَن
معمر عَن إِسْحَاق بن رَاشد أَن عمر كتب إِلَيْهِ: أجز
وَصِيَّة الْأَسير.
3676 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيٍّ
عنْ أبي حازِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ تَرَكَ
مَالا فَلِوَرَثَتِهِ ومَنْ تَرَكَ كَلاًّ فإلَيْنا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الْأَسير فِي أَيدي
الْعَدو دَاخل تَحت قَوْله: (من ترك) .
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وعدي هُوَ ابْن
ثَابت الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالزَّاي سلمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الاستقراص عَن أبي الْوَلِيد أَيْضا.
قَوْله: (كلاًّ) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام أَي:
عيالاً.
62 - (بابٌ لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرِ وَلَا الكافِرُ
المُسْلِمَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا يَرث الْكَافِر
الْمُسلم) ، أما الْكَافِر فَإِنَّهُ لَا يَرث الْمُسلم
بِالْإِجْمَاع. وَبِالْحَدِيثِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلنْ يَجْعَل الله للكفارين على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا}
(النِّسَاء: 141) وَفِي الْمِيرَاث إِثْبَات السَّبِيل
للْكَافِرِ على الْمُسلم وَالْمرَاد مِنْهُ نفي السَّبِيل
من حَيْثُ الحكم لَا من حَيْثُ الْحَقِيقَة ليتَحَقَّق
حَقِيقَة السَّبِيل. وَأما الْمُسلم فَهَل يَرث من
الْكَافِر أم لَا؟ فَقَالَت عَامَّة الصَّحَابَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، لَا يَرث، وَبِه أَخذ عُلَمَاؤُنَا
وَالشَّافِعِيّ، وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَالْقِيَاس أَن
يَرث وَهُوَ قَول معَاذ بن جبل وَمُعَاوِيَة بن أبي
سُفْيَان وَبِه أَخذ مَسْرُوق وَالْحسن وَمُحَمّد بن
الْحَنَفِيَّة وَمُحَمّد بن عَليّ بن حُسَيْن، وَأما إِرْث
الْمُسلم من الْمُرْتَد فباعتبار الِاسْتِنَاد إِلَى حَال
الْإِسْلَام، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: إِنَّه يُورث عَنهُ كسب إِسْلَامه دون كسب
ردته، وَلَا يَرث هُوَ من الْمُسلم عُقُوبَة لَهُ على
ردته.
وَإِذا أسْلَمَ قَبْلَ أنْ يُقْسَمَ المِيرَاثُ فَلاَ
مِيرَاثَ لهُ
أَي: إِذا أسلم الْكَافِر قبل أَن يقسم مِيرَاث أَبِيه أَو
أَخِيه مثلا فَلَا مِيرَاث لَهُ لِأَن الِاعْتِبَار
بِوَقْت الْمَوْت لَا بِوَقْت الْقِسْمَة وَهُوَ قَول
جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَقَالَت طَائِفَة: إِذا أسلم قبل
الْقِسْمَة فَلهُ نصِيبه، رُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، من طَرِيق لَا يَصح، وَبِه قَالَ
الْحسن وَعِكْرِمَة وَحَكَاهُ ابْن هُبَيْرَة عَن أَحْمد،
وَحَكَاهُ ابْن التِّين عَن جَابر، وَرُوِيَ عَن الْحسن
أَيْضا: الْإِرْث فِيمَا لم يقسم خَاصَّة.
4676 - حدّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابْن
شِهابٍ عنْ عَليِّ بنِ حُسَيْنِ عنْ عُمَرَ ابنِ عُثْمانَ
عنْ أُسامةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، أَن النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَرِث المُسْلِمَ
الكافِرَ وَلَا الكافِرُ المُسْلِمَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنَّهَا لفظ الحَدِيث.
وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل الْبَصْرِيّ،
وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج،
وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعلي بن
حُسَيْن الْمَعْرُوف بزين العابدين، وَعمر بن عُثْمَان بن
(23/260)
عَفَّان الْقرشِي الْأمَوِي، وكل من
رَوَاهُ عَن ابْن شهَاب قَالَ: عَمْرو، بِالْوَاو إلاَّ
مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: عمر، بِدُونِ الْوَاو وَلم
يَخْتَلِفُوا أَنه كَانَ لعُثْمَان ابْن يُسمى: عمر بِلَا
وَاو وَآخر يُسمى: عمر وبالواو إلاَّ أَن هَذَا الحَدِيث
كَانَ لعَمْرو عِنْد الْجَمَاعَة، قَالَ الكلاباذي: وهم
مَالك فِيهِ فَقَالَ: عمر بِدُونِ الْوَاو.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن سُلَيْمَان بن عبد
الرَّحْمَن عَن سَعْدَان بن يحيى عَن مُحَمَّد ابْن أبي
حَفْصَة عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
72 - (بابُ مِيرَاثِ العَبْدِ النَّصْرَانِيِّ والمُكاتَبِ
النَّصْرَانِيِّ وإثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي مِيرَاث العَبْد النَّصْرَانِي. .
إِلَى آخِره. كَذَا وَقع عَن الْأَكْثَرين بِغَيْر حَدِيث،
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني:
بَاب من ادّعى أَخا وَابْن أَخ. وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُنَا ثَلَاث تراجم مُتَوَالِيَة:
بَاب مِيرَاث العَبْد النَّصْرَانِي، بَاب إِثْم من
انْتَفَى من وَلَده بَاب من ادّعى أَخا. وَقد ذكرُوا أَن
البُخَارِيّ ترْجم الْأَبْوَاب واراد أَن يلْحق بهَا
الْأَحَادِيث وَلم يتَّفق لَهُ وخلا بَين الترجمتين
بَيَاضًا والنقلة ضمُّوا الْبَعْض إِلَى الْبَعْض. انْتهى.
وَجعلُوا فِي: بَاب إِثْم من انْتَفَى من وَلَده قصَّة سعد
وَعبد بن زَمعَة، وَجرى ابْن بطال وَابْن التِّين على حذف:
بَاب من انْتَفَى من وَلَده، وَجعلا قصَّة ابْن زَمعَة
لباب من ادّعى أَخا، وَلم يذكرَا فِي: بَاب مِيرَاث
العَبْد النَّصْرَانِي، حَدِيثا على مَا وَقع عِنْد
الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد النَّسَفِيّ: بَاب مِيرَاث
العَبْد النَّصْرَانِي وَالْمكَاتب النَّصْرَانِي،
وَقَالَ: لم يكْتب فِيهِ حَدِيثا، وَفِي عقبه: بَاب إِثْم
من انْتَفَى من وَلَده وَمن ادّعى، أَخا أَو ابْن أَخ،
وَذكر فِيهِ قصَّة عبد بن زَمعَة، وَقَالَ ابْن بطال:
مَذْهَب الْعلمَاء أَن العَبْد النَّصْرَانِي إِذا مَاتَ
فَمَاله لسَيِّده بِالرّقِّ، لِأَن ملك العَبْد غير صَحِيح
وَهُوَ مَال السَّيِّد يسْتَحقّهُ لَا بطرِيق الْإِرْث،
وَعَن ابْن سِيرِين: مَاله لبيت المَال وَلَيْسَ للسَّيِّد
فِيهِ شَيْء، وَأما الْمكَاتب فَإِذا مَاتَ قبل أَدَاء
الْكِتَابَة وَكَانَ فِي مَاله وَفَاء لباقي كِتَابَته
أَخذ ذَلِك فِي كِتَابَته، فَمَا فضل فَهُوَ لبيت المَال،
وَحكى ابْن التِّين فِي مِيرَاث النَّصْرَانِي إِذا
أعْتقهُ الْمُسلم ثَمَانِيَة أَقْوَال: فَقَالَ عمر بن عبد
الْعَزِيز وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ: هُوَ كالمولى
الْمُسلم إِن كَانَت لَهُ وَرَثَة وإلاَّ فَمَاله
لسَيِّده، وَقيل: يَرِثهُ الْوَلَد خَاصَّة، وَقيل:
الْوَلَد وَالْوَالِد خَاصَّة، وَقيل: هما والأخوة، وَقيل:
هم والعصبة، وَقيل: مِيرَاثه لِذَوي رَحمَه، وَقيل: لبيت
المَال، وَقيل: يُوقف فَمن ادَّعَاهُ من النَّصَارَى كَانَ
لَهُ.
81 - (بابُ مَن ادَّعَى أَخا أوِ ابنَ أخِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من ادّعى أَخا وَابْن أَخ،
وَفِي بعض النّسخ وَقع هَكَذَا: بَاب إِثْم من انْتَفَى من
وَلَده وَمن ادّعى أَخا أَو ابْن أَخ.
5676 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ
ابنِ شهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا،
أَنَّهَا قالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ
وعَبْدُ بنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هاذَا
يَا رسولَ الله ابنُ أخِي عُتْبَةَ بنِ أبي وقَّاصٍ، عَهدَ
إلَيَّ أنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِه. وَقَالَ
عبْدُ بنُ زَمْعَةَ: هاذَا أخِي يَا رسُولَ الله {وُلِدَ
عَلى فِرَاشِ أبي مِنْ ولِيدَتِهِ، فَنَظَر رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَبَهِهِ فَرَأى شبهَاً
بَيِّناً بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ}
الولَدُ لِلْفِرَاشِ لِلْعاهِرِ الحَجَرُ، واحْتَجِبِي
مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمعَةَ) قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ
سَوْدَةَ قَطُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ دَعْوَى أَخ
وَدَعوى ابْن أَخ، وَهُوَ ظَاهر.
والْحَدِيث مر عَن قريب فِي: بَاب الْوَلَد للْفراش وَفِي
غَيره وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (من وليدته) أَي:
أمته. وَسَوْدَة بنت زَمعَة زوج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلم ير سَوْدَة قطّ) أَي: وَلم
ير سَوْدَة ذَلِك الْغُلَام قطّ واسْمه عبد الرَّحْمَن،
وَقد مضى أَنه لَا يجوز استلحاق غير الْأَب.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَا إِذا مَاتَ الرجل وَخلف ابْنا
وَاحِدًا لَا وَارِث لَهُ غَيره فَأقر بِأَخ، فَقَالَ ابْن
الْقصار: عِنْد مَالك والكوفيين لَا يثبت نسبه وَهُوَ
الْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة، وَقَالَ
(23/261)
الشَّافِعِي: يثبت، فَقَالَ: هُوَ قَائِم
مقَام الْمَيِّت فَصَارَ إِقْرَاره كإقراره فِي حَيَاته.
وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ حمل النّسَب على الْغَيْر
فَلَا يجوز، وَأما من انْتَفَى من وَلَده فقد ورد فِيهِ
وَعِيد شَدِيد، وروى مُجَاهِد عَن ابْن عمر رَفعه: من
انْتَفَى من ولد ليفضحه فِي الدُّنْيَا فضحه الله يَوْم
الْقِيَامَة، وَفِي سَنَده: الْجراح وَالِد وَكِيع
مُخْتَلف فِيهِ، وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، من انْتَفَى من وَلَده فَليَتَبَوَّأ
مَقْعَده من النَّار، وَفِي سَنَده: مُحَمَّد بن الزعيزعة،
رَاوِيه عَن نَافِع قَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث،
وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
وَصَححهُ الْحَاكِم وَابْن حبَان بِلَفْظ: وَأَيّمَا رجل
جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ احتجب الله مِنْهُ، وَفِي
سَنَده عبد الله بن يُونُس حجازي، مَا روى عَنهُ سوى يزِيد
بن الْهَاد.
92 - (بَاب مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من انتسب إِلَى غير
أَبِيه، وَجَوَاب: من، مَحْذُوف يظْهر من الحَدِيث.
6676 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا خالِدٌ هُوَ بنُ عَبْدِ
الله حدّثنا خالِدٌ عنْ أبي عُثْمانَ عنْ سَعْدٍ رَضِي
الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُولُ: (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ وهْوَ
يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أبِيهِ فالْجَنَّةُ عَلَيْهِ
حَرَامٌ) فَذَكَرْتُهُ لأبي بَكْرَةَ فَقَالَ: وَأَنا
سَمِعَتْهُ أُذُنايَ ووعاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 7234) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا بعض الحَدِيث.
وخَالِد شيخ شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن عبد الله
الطَّحَّان الوَاسِطِيّ وَشَيْخه خَالِد ابْن مهْرَان
الْحذاء يروي عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن
النَّهْدِيّ، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة حنين من
رِوَايَة عَاصِم الْأَحول عَن أبي عُثْمَان: سَمِعت سَعْدا
وَأَبا بكرَة.
قَوْله: (من ادّعى) أَي: من انتسب إِلَى غير أَبِيه،
وَالْحَال يعلم أَنه غير أَبِيه، وَفِي رِوَايَة مُسلم: من
ادّعى أَبَا فِي الْإِسْلَام غير أَبِيه، وَالْبَاقِي
مثله. قَوْله: (فالجنة عَلَيْهِ حرَام) وَفِي الحَدِيث
الْآتِي: فقد كفر، يَعْنِي: إِذا اسْتحلَّ لِأَن الْجنَّة
مَا حرمت إلاَّ على الْكَافرين، أَو المُرَاد: كفران
النِّعْمَة وإنكار حق الله وَحقّ أَبِيه أَو هُوَ للتغليظ.
كَقَوْلِه: {وَمن كفر فَإِن الله غَنِي} (آل عمرَان: 79،
ولقمان: 21) قَوْله: (فَذَكرته) أَي: قَالَ أَبُو
عُثْمَان: فَذكرت الحَدِيث لأبي بكرَة بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة واسْمه نفيع مصغر نفع الثَّقَفِيّ.
8676 - حدّثنا أصْبَغُ بنُ الفَرَجِ حدّثنا ابْن وَهْب
أخبَرني عمْروٌ وعنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ عنْ عِراكٍ
عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (لَا تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ فَمَنْ رَغبَ عنْ
أبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مَعْنَاهُ: وَابْن وهب
هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعمر وَهُوَ ابْن
الْحَارِث الْمصْرِيّ، وعراك بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الرَّاء وبالكاف هُوَ ابْن مَالك الْغِفَارِيّ،
والْحَدِيث مر فِي مَنَاقِب قُرَيْش.
قَوْله: (لَا ترغبوا) هَذِه الْكَلِمَة إِذا اسْتعْملت
بِكَلِمَة: عَن، تكون بِمَعْنى الْإِعْرَاض وَالتّرْك،
وَإِذا اسْتعْملت بِكَلِمَة: فِي، تكون بِمَعْنى الإقبال
والتوجه. قَوْله: (فقد كفر) قد مر مَعْنَاهُ الْآن، هَذِه
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَهُوَ كفر،
وكذ رِوَايَة مُسلم.
03 - (بابٌ إذَا ادَّعَتِ المَرْأةُ ابْناً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة
ابْنا.
9676 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ:
حدّثنا أَبُو الزِّنادِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ. أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كانَتِ امْرَأتانِ مَعَهُما
ابْناهُما جاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بابْنِ إحْداهُما،
فقالَتْ لِصاحِبَتِها: إنّما ذَهَبَ بابْنِكِ. وقالَتِ
الأُخْرَى: إنّما ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتا إِلَى
داوُدَ عَلَيْهِ السلامُ فَقَضى بِهِ لِلْكُبْرى،
فَخَرَجَتا عَلى سُلَيْمانَ بنِ داوُدَ، عَلَيْهما
السَّلامُ، فأخْبَرَتاهُ
(23/262)
فَقَالَ: ائْتُونِي بالسِّكِين أشُقُّهُ
بَيْنَهُما. فَقالتِ الصُّغْرى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ
الله هُوَ ابْنُها فَقَضى بِهِ لِلصُّغْرَى)
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: وَالله إنْ سَمِعْتُ بالسِّكِينِ
قَطُّ إلاّ يَوْمَئذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إلاّ:
المُدْيَةَ. (انْظُر الحَدِيث 7243) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ دَعْوَى كل
وَاحِدَة من الْمَرْأَتَيْنِ أَن الابْن لَهَا، قيل: مَا
وَجه إِيرَاده هَذَا الحَدِيث وَلَا يتَعَلَّق بِهِ حكم؟ .
قلت: يستنبط مِنْهُ حكم، وَهُوَ أَن امْرَأَة لَا زوج
لَهَا إِذا قَالَت لِابْنِ لَا يعرف لَهُ أَب: هَذَا
ابْني، وَلم ينازعها أحد فَإِنَّهُ يعْمل بقولِهَا: وترثه
ويرثها وترثه إخْوَته لأمه، وَإِذا كَانَ لَهَا زوج،
وَادعت أَن هَذَا ابْني وَأنْكرهُ لَا يعْمل بقولِهَا
إلاَّ إِذا أَقَامَت الْبَيِّنَة فحينئذٍ تقبل.
قَوْله: (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان) أَي: الحكم بن نَافِع.
قَوْله: (حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد) بالزاي وَالنُّون
وَهُوَ عبد الله بن ذكْوَان يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن
هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي تَرْجَمَة سُلَيْمَان من أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
قَوْله: (فتحاكمتا) أَي: الْمَرْأَتَانِ المذكورتان،
ويروى: فتحاكما، بالتذكير بِاعْتِبَار الشَّخْص، قيل:
كَيفَ نقض سُلَيْمَان حكم دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام؟
وَأجِيب: بِأَنَّهُمَا حكما بِالْوَحْي. وَحكم سُلَيْمَان
كَانَ نَاسِخا أَو بِالِاجْتِهَادِ، وَجَاز النَّقْض
لدَلِيل أقوى على أَن الضَّمِير فِي قَوْله: (فَقضى)
يحْتَمل أَن يكون رَاجعا إِلَى دَاوُد.
قلت: فِي الْجَواب الأول نظر، لِأَن عمر سُلَيْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ حينئذٍ أحد عشر سنة وَلم يكن
يُوحى إِلَيْهِ، قَالُوا: اسْتَخْلَفَهُ دَاوُد وعمره
كَانَ اثْنَي عشرَة سنة. وَقَالَ مقَاتل: كَانَ سُلَيْمَان
أقضى من دَاوُد وَكَانَ دَاوُد أَشد تعبداً من سُلَيْمَان.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: لما اعْترف الْخصم بِأَن الْحق
لصَاحبه كَيفَ حكم بِخِلَافِهِ؟ ثمَّ قَالَ: لَعَلَّه علم
بِالْقَرِينَةِ أَنه لَا يُرِيد حَقِيقَة الْأَمر، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: اسْتدلَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام،
بشفقة الصُّغْرَى على أَنَّهَا أمه وَلَعَلَّ الْكُبْرَى
أقرَّت بعد ذَلِك بِهِ للصغرى.
قَوْله: (إِن سَمِعت بالسكين) ، يَعْنِي باسم السكين قطّ
إلاَّ يومئذٍ يَعْنِي: يَوْم سمع الحَدِيث. قَوْله: (إلاَّ
المدية) بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَكسرهَا وَسُكُون الدَّال
سميت بهَا لِأَنَّهَا تقطع مدى حَيَاة الْحَيَوَان،
والسكين لِأَنَّهَا تسكن حركته.
13 - (بابُ القائِفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْقَائِف، وَهُوَ على وزن
فَاعل من القيافة، وَهِي معرفَة الْآثَار. وَفِي اصْطِلَاح
الْفُقَهَاء: هُوَ الَّذِي يعرف الشّبَه ويميز الْأَثر،
وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يقفو الْأَشْيَاء أَي: يتبعهَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الَّذِي يقفو الْأَثر ويقتافه
قفواً وقيافة، وَيجمع الْقَائِف على الْقَافة. قيل: لَا
وَجه لذكر: بَاب الْقَائِف فِي كتاب الْفَرَائِض. وَأجِيب:
بِجَوَاب لَا يمشي إلاَّ على مَذْهَب من يعْمل بالقافة،
وَهُوَ الرَّد على من لَا يعْمل بهَا، وَيلْزم من قَول من
يعْمل بهَا التَّوَارُث بَين الملحق والملحق بِهِ فَلهُ
تعلق بالفرائض من هَذَا الْوَجْه.
0776 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا اللَّيْثُ
عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُوراً تَبْرُقُ أساريرُ وَجْهِهِ،
فَقَالَ: (ألَمْ تَرَيْ أنَّ مُجَزِّزاً نَظَرَ آنِفاً
إِلَى زَيْدِ بنِ حارثَةَ وأُسامَةَ بنِ زَيْدٍ فَقَالَ:
إنَّ هاذِهِ الأقْدامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن مجززاً الْمَذْكُور
حكم بالقيافة فِي زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد،
وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يقدحون فِي نسب أُسَامَة
لِأَنَّهُ كَانَ أسود شَدِيد السوَاد لَكِن أمه كَانَت
سَوْدَاء، وَكَانَ أَبوهُ زيد أَبيض من الْقطن، فَلَمَّا
قَالَ هَذَا الْقَائِف مَا قَالَ مَعَ اخْتِلَاف اللَّوْن
سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لكَونه كافاً
لَهُم عَن الطعْن فِيهِ لاعتقادهم ذَلِك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى
وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق.
وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْوَلَاء. وَالنَّسَائِيّ فِي
الطَّلَاق.
قَوْله: (دخل عليَّ مَسْرُورا) أَي: دخل إِلَى حجرَة
عَائِشَة حَال كَونه مَسْرُورا أَي: فرحاناً. قَوْله:
(تبرق أسارير وَجهه) جملَة حَالية والأسارير هِيَ الخطوط
الَّتِي تجمع فِي الْجَبْهَة وتنكسروا وَاحِدهَا سرو سرر
وجمها أسرار وأسرة وَجمع الْجمع أسارير، وَرُوِيَ عَن
عَائِشَة أَنَّهَا
(23/263)
قَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
تبرق أكاليل وَجهه، جمع إكليل وَهِي نَاحيَة الْجَبْهَة
وَمَا يتَّصل بهَا من الجبين، وَذَلِكَ إِنَّمَا يوضع
الإكليل هُنَاكَ وكل مَا أحَاط بالشَّيْء وتكاله من جوانبه
فَهُوَ إكليل قَالَه الْخطابِيّ. قَوْله: (ألم تري) ويروى:
ألم تَرين، بالنُّون فِي آخِره وَالْمرَاد بِالرُّؤْيَةِ
هُنَا الْإِخْبَار أَو الْعلم. قَوْله: (أَن مجززاً) بِضَم
الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الزَّاي الْمَكْسُورَة
ويحكى فتحهَا وَفِي آخِره زَاي أُخْرَى، وَسمي بذلك
لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أَخذ أَسِيرًا فِي الْجَاهِلِيَّة
جزنا صيته وَأطْلقهُ وَهُوَ ابْن الْأَعْوَر ابْن جعدة
المدلجي نِسْبَة إِلَى مُدْلِج بن مرّة بن عبد منَاف بن
كنَانَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: روى عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَذكره ابْن يُونُس فِيمَن شهد فتح مصر،
وَقَالَ: لَا أعلم لَهُ رِوَايَة. وَقَالَ ابْن مَاكُولَا:
إِن مجززاً لَهُ صُحْبَة روى عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه الطَّبَرِيّ، وَقَالَ الْكَلْبِيّ:
بَعثه عمر بن الْخطاب فِي جَيش إِلَى الْحَبَشَة فهلكوا
كلهم، وَقَالَ ابْن مَاكُولَا أَيْضا، بعد أَن ضبط مجززاً
كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: مُحرز، يَعْنِي:
بِسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره
زَاي. فَإِن قلت: هَل كَانَت القيافة مَخْصُوصَة ببني
مُدْلِج أم لَا؟ .
قلت: كَانَت القيافة فيهم وَفِي بني أَسد وَالْعرب تعترف
لَهُم بذلك، وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَيست خَاصَّة بهم قد
أخرج يزِيد بن هَارُون فِي الْفَرَائِض بِسَنَد صَحِيح
إِلَى سعيد بن الْمسيب أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
كَانَ قائفاً أوردهُ فِي قصَّته وَعمر قرشي لَيْسَ مدلجياً
وَلَا أسدياً لَا أَسد قُرَيْش وَلَا أَسد خُزَيْمَة.
قَوْله: (نظر آنِفا) بِالْمدِّ وَيجوز بِالْقصرِ أَي:
السَّاعَة، من قَوْلك: استأنفت أَي: ابتدأت وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى: {مَاذَا قَالَ آنِفا} (مُحَمَّد: 61) أَي: فِي
وَقت يقرب منا. قَوْله: (إِلَى زيد بن حَارِثَة) الخ ذكر
فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا: دخل عَليّ فَرَأى
أُسَامَة بن زيد وزيداً وَعَلَيْهِمَا قطيفة قد غطيا
رؤوسهما وبدت أقدامهما، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام
بَعْضهَا من بعض. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بعضهما لمن
بعض.
فِيهِ: إِثْبَات الحكم بالقافة، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أنس
بن مَالك وَهُوَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عَطاء وَمَالك
وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْري
وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: الحكم بهَا بَاطِل لِأَنَّهَا
حدس، وَلَا يجوز ذَلِك فِي الشَّرِيعَة وَلَيْسَ فِي
حَدِيث لباب حجَّة فِي إِثْبَات الحكم بهَا لِأَن أُسَامَة
قد كَانَ ثَبت نِسْبَة قبل ذَلِك وَلم يحْتَج الشَّارِع
فِي إِثْبَات ذَلِك إِلَى قَول أحد، وَإِنَّمَا تعجب من
إِصَابَة مجزز كَمَا يتعجب من ظن الرجل الَّذِي يُصِيب
ظَنّه حَقِيقَة الشَّيْء الَّذِي ظَنّه، وَلَا يجب الحكم
بذلك. وَترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الْإِنْكَار عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتعاط بذلك إِثْبَات
مَا لم يكن ثَابتا وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تقف مَا
لَيْسَ لَك بِهِ علم} (الْإِسْرَاء: 63) .
1776 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا سُفْيانُ عنِ
الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: دَخَلَ
عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاتَ يَوْمٍ
وهْوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ: (يَا عائِشَةُ! ألَمْ تَرَيْ
أنَّ مُجَزِّزاً المُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأى
أسامَةَ وزَيْداً وعَلَيْهِما قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيا
رُؤُوسَهُما وبَدَتْ أقْدَامُهُما، فَقَالَ: إنَّ هاذِهِ
الأقْدامَ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) .
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور غير أَنه أخرجه عَن
قُتَيْبَة من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن قُتَيْبَة عَن
اللَّيْث ... الخ. وَالْآخر: عَن قُتَيْبَة أَيْضا عَن
سُفْيَان بن عُيَيْنَة ... الخ. وَفِيه زِيَادَة تَفْسِير
مَا ذكر فِي الحَدِيث السَّابِق من اختصاره على ذكر
الْأَقْدَام. والقطيفة كسَاء، وَفِي (الْمغرب) : دثار
مخمل، وَالْجمع: قطائف وقطف. |