عمدة القاري شرح
صحيح البخاري بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
68 - (كِتابُ الحُدُودِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْحُدُود، وَهُوَ
جمع حد وَهُوَ الْمَنْع لُغَة وَلِهَذَا يُقَال للبواب
حداداً لمَنعه النَّاس عَن الدُّخُول، وَفِي الشَّرْع:
الْحَد عُقُوبَة مقدرَة لله تَعَالَى وَإِنَّمَا جمعه
لاشْتِمَاله على أَنْوَاع وَهِي: حد الزِّنَا وحد الْقَذْف
وحد الشّرْب، وَالْمَذْكُور فِيهِ حد الزِّنَا وَالْخمر
وَالسَّرِقَة، وَقد تطلق الْحُدُود وَيُرَاد بهَا نفس
الْمعاصِي كَقَوْلِه تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُود الله فَلَا
تقربوها} (الْبَقَرَة: 781) وعَلى فعل فِيهِ شَيْء
مُقَدّر، وَمِنْه {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم
نَفسه} (الطَّلَاق: 1) والبسملة ثَابِتَة قبل. قَوْله:
كتاب الْحُدُود فِي غير رِوَايَة أبي ذَر
(23/264)
وَلَا تتْرك الْبَسْمَلَة عِنْد ذكر كل
أَمر ذِي بَال. وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ جعل
الْبَسْمَلَة بَين الْكتاب وَالْبَاب، ثمَّ قَالَ: لَا
يشرب الْخمر ... وَقَالَ ابْن عَبَّاس.
(بابُ مَا يُحْذَرُ مِنَ الحُدُودِ)
أَي: بَاب فِي ذكر مَا يحذر من الْحُدُود وَلم يذكر فِيهِ
حَدِيثا، وَفِي رِوَايَة غَيره: كتاب الْحُدُود وَمَا يحذر
من الْحُدُود. عطفا على الْحُدُود، وَتَقْدِيره: كتاب فِي
بَيَان الْحُدُود وَفِي بَيَان مَا يحذر من الْحُدُود.
1 - (بابٌ لاَ يُشْرَبُ الخَمْرُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ لَا يشرب الْمُسلم الْخمر، وَهَذَا
مِمَّا حذف فَاعله، قَالَه ابْن مَالك، وَيجوز أَن يكون:
لَا يشرب، على صِيغَة الْمَجْهُول وَفِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي: بَاب الزِّنَا وَشرب الْخمر. أَي: هَذَا
بَاب فِي بَيَان حكم الزِّنَا وَشرب الْخمر.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ يُنْزِعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَان
فِي الزِّنا.
هَذَا مُطَابق للجزء الأول للتَّرْجَمَة. قَوْله: (ينْزع
مِنْهُ) أَي: من الزَّانِي، وَوَصله أَبُو بكر بن أبي
شيبَة فِي كتاب الْإِيمَان من طَرِيق عُثْمَان بن أبي
صَفِيَّة قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَدْعُو بغلمانه
غُلَاما غُلَاما فَيَقُول: أَلا أزَوجك؟ مَا من عبد
يَزْنِي إلاَّ نزع الله مِنْهُ نور الْإِيمَان. وَقد روى
مَرْفُوعا أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن
عَبَّاس: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
من زنى نزع الله نور الْإِيمَان من قلبه، فَإِن شَاءَ أَن
يردهُ إِلَيْهِ رده.
2776 - حدّثني يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ
عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي بَكْرِ بن عَبدِ
الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ
يَزْنِي وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ
يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، ولاَ يَسْرِق حِينَ يَسْرِقُ
وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ
النَّاسُ إلَيْهِ فِيها أبْصارَهُمْ وهْوَ مُؤْمِنٌ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن
خَالِد، وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن
هِشَام المَخْزُومِي وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق
شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده: حَدثنِي عقيل بن
خَالِد قَالَ: قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي أَبُو بكر ابْن
عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم كَمَا ذكرنَا من طَرِيق عقيل عَن
ابْن شهَاب. وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي الْفِتَن من
طَرِيق عقيل عَن الزُّهْرِيّ.
وَذكر الطَّبَرِيّ أَن من قبلنَا اخْتلفُوا فِي هَذَا
الحَدِيث: فَأنْكر بَعضهم أَن يكون رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَه، قَالَ عَطاء: اخْتلف الروَاة فِي
أَدَاء لفظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك،
فَقَالَ مُحَمَّد بن زيد بن وَاقد بن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب، وَسُئِلَ عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ:
إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا
يَزْنِين مُؤمن وَلَا يَسْرِقن مُؤمن. . وَقَالَ آخَرُونَ.
عَنى بذلك لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مستحل للزنى غير
مُؤمن بِتَحْرِيم الله ذَلِك عَلَيْهِ، فَأَما إِن زنى
وَهُوَ مُعْتَقد تَحْرِيمه فَهُوَ مُؤمن، روى ذَلِك
عِكْرِمَة من مَوْلَاهُ، وحجتهم فِيهِ حَدِيث أبي ذَر
يرفعهُ: من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَإِن زنى وَإِن سرق، وَقَالَ آخَرُونَ: ينْزع مِنْهُ
الْإِيمَان فيزول عَنهُ، فَيُقَال لَهُ: مُنَافِق وفاسق،
رُوِيَ هَذَا عَن الْحسن قَالَ: النِّفَاق نفاقان:
تَكْذِيب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا لَا
يغْفر، ونفاق خَطَايَا وذنوب يُرْجَى لصَاحبه، وَعَن
الْأَوْزَاعِيّ: كَانُوا لَا يكفرون أحدا بذنب وَلَا
يشْهدُونَ على أحد بِكفْر ويتخوفون نفاق الْأَعْمَال على
أنفسهم، وَقَالَ آخَرُونَ: إِذا أَتَى الْمُؤمن كَبِيرَة
نزع مِنْهُ الْإِيمَان فَإِذا فَارقهَا عَاد إِلَيْهِ
الْإِيمَان. وَقَالَ بعض الْخَوَارِج والرافضة والأباضية:
من فعل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ كَافِر خَارج عَن
الْإِيمَان لأَنهم يكفرون الْمُؤمن بالذنب ويوجبون
عَلَيْهِ التخليد فِي النَّار بِالْمَعَاصِي، وحجتهم ظَاهر
حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا، وَقَالَ الْمُهلب: قَوْله:
(ينْزع مِنْهُ نور الْإِيمَان) يَعْنِي: ينْزع نور بصيرته
فِي طَاعَة الله لغَلَبَة شَهْوَته عَلَيْهِ، فَكَأَن
تِلْكَ البصيرة نور طفته الشَّهْوَة من قلبه، يشْهد لهَذَا
قَوْله عز وَجل {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} (المطففين: 41) وَقيل: هَذَا من بَاب
التَّغْلِيظ أَو مَعْنَاهُ نفي الْكَمَال. وَقَالَ ابْن
عَبَّاس: المُرَاد مِنْهُ الْإِنْذَار بِزَوَال الْإِيمَان
إِذا اعتاده، فَمن حام حول الْحمى أَو شكّ أَن يَقع
(23/265)
فِيهِ) قَوْله: (حِين يَزْنِي) قَالَ
الْكرْمَانِي كلمة: حِين مُتَعَلقَة بِمَا قبلهَا أَو
بِمَا بعْدهَا ثمَّ قَالَ: تحتملهما أَي: لَا يَزْنِي فِي
أَي حِين كَانَ أَو وَهُوَ مُؤمن حِين يَزْنِي. وَفِيه:
تَنْبِيه على جَمِيع أَنْوَاع الْمعاصِي لِأَنَّهَا إِمَّا
بدنية كَالزِّنَا، أَو مَالِيَّة إِمَّا سرا كالسرقة أَو
جَهرا كالنهب أَو عقلية كَالْخمرِ فَإِنَّهَا مزيلة لَهُ.
قَوْله: (نهبة) بِضَم النُّون وَهُوَ المَال المنهوب،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: النهبة، بِالْفَتْح مصدر
وَبِضَمِّهَا المَال المنهوب يَعْنِي: لَا يَأْخُذ الرجل
مَال غَيره قهرا وظلماً وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ ويتضرعون
ويبكون وَلَا يقدرُونَ على دَفعه، ثمَّ قَالَ: مَا
فَائِدَة ذكر الْأَبْصَار؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ إِخْرَاج
الْمَوْهُوب الْمشَاع والموائد الْعَامَّة، فَإِن رَفعهَا
لَا يكون عَادَة إلاّ فِي الغارات ظلما صَرِيحًا. انْتهى.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون كِنَايَة عَن عدم التستر بذلك،
فَيكون صفة لَازِمَة للنهب بِخِلَاف السّرقَة والاختلاس
فَإِنَّهُ يكون فِي خُفْيَة والانتهاب أَشد لما فِيهِ من
مزِيد الجرأة وَعدم المبالاة.
وعنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَّيبِ وَأبي
سَلَمَةَ عَن أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِمِثْلِهِ، إلاَّ النُّهْبَةَ.
هَذَا مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور أَي: وَرُوِيَ عَن
مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن
الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي
هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مثله
أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور إلاَّ لفظ: النهبة لَيْسَ
فِيهِ، وَأخرجه مُسلم من طَرِيق شُعَيْب بن اللَّيْث
بِلَفْظ: قَالَ ابْن شهَاب. وحَدثني سعيد بن الْمسيب
وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل حَدِيث أبي بكر
هَذَا إلاَّ النهبة.
2 - (بابُ مَا جاءَ فِي ضَرْبِ شارِبِ الخَمْر)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مَا جَاءَ من الْخَبَر فِي ضرب
شَارِب الْخمر.
3776 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا هِشام عنْ
قَتادَةَ عنْ أنَسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(الحَدِيث 4776 طرفَة فِي: 6776) .
(ح) وحدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا قَتادَةُ عنْ
أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ضَرَبَ فِي الخَمْرِ بالجَرِيده النِّعالِ،
وجَلَدَ أبُو بَكْرِ أرْبَعِين.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين.
الأول: عَن حَفْص بن عمر عَن هِشَام الدستوَائي عَن
قَتَادَة.
وَالثَّانِي: عَن آدم بن إِيَاس عَن شُعْبَة الخ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود أَيْضا عَن أبي
مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه أَبُو دادو فِيهِ عَن مُسلم بن
إِبْرَاهِيم. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد
مُخْتَصرا، وَلم يذكر: (وَجلد أَبُو بكر أَرْبَعِينَ)
وَاحْتج الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأهل الظَّاهِر
على أَن حد السَّكْرَان أَرْبَعُونَ سَوْطًا. وَقَالَ ابْن
حزم: وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَالْحسن
بن عَليّ وَعبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم. وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وَأَبُو سُلَيْمَان
وأصحابنا، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَأَبُو
حنيفَة وَمَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي
رِوَايَة: ثَمَانُون سَوْطًا، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ
وخَالِد بن الْوَلِيد وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، قَالَ
أَبُو عمر: الْجُمْهُور من عُلَمَاء السّلف وَالْخلف على
أَن الْحَد فِي الشّرْب ثَمَانُون، وَهُوَ قَول مَالك
وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَعبيد الله بن الْحسن
وَالْحسن بن حَيّ وَإِسْحَاق وَأحمد، وَهُوَ أحد قولي
الشَّافِعِي. وَقَالَ: اتّفق إِجْمَاع الصَّحَابَة فِي زمن
عمر على الثَّمَانِينَ فِي حد الْخمر وَلَا مُخَالف لَهُم
مِنْهُم وعَلى ذَلِك جمَاعَة التَّابِعين وَجُمْهُور
فُقَهَاء الْمُسلمين. وَالْخلاف فِي ذَلِك كالشذوذ المحجوج
بالجمهور، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ
حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من
بعدِي، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يحيى بن فليح عَن
مُحَمَّد بن يزِيد عَن عِكْرِمَة عَن مَوْلَاهُ أَن
الشُّرَّاب كَانُوا يضْربُونَ فِي عهد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْأَيْدِي وَالنعال والعصي حَتَّى
توفّي، وَكَانَ فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فجلدهم أَرْبَعِينَ ثمَّ عمر كَذَلِك ... الحَدِيث
إِلَى أَن قَالَ: فَقَالَ عمر: مَاذَا ترَوْنَ؟ فَقَالَ
عَليّ: إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا هذى افترى
وعَلى المفتري ثَمَانُون جلدَة، فَأمر عمر فجلده
ثَمَانِينَ أَي: جلد السَّكْرَان ثَمَانِينَ سَوْطًا.
(23/266)
3 - (بابُ مَنْ أمَرَ بِضَرْبِ الحَدِّ فِي
البَيْتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من أَمر بِضَرْب الْحَد فِي
الْبَيْت فَكَأَنَّهُ ترْجم هَذَا الْبَاب ردا على من
قَالَ: لَا يضْرب الْحَد سرا، وروى ابْن سعد عَن عمر رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قصَّة وَلَده أبي شحمة لما شرب
بِمصْر فحده عَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْبَيْت فَأنْكر عمر
عَلَيْهِ وأحضره إِلَى الْمَدِينَة وضربه الْحَد جَهرا،
وَحمل الْعلمَاء على الْمُبَالغَة فِي تَأْدِيب وَلَده لَا
لِأَن إِقَامَة الْحَد لَا تصح إلاَّ جَهرا.
4 - (بابُ الضَّربِ بالجَرِيدِ والنِّعالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الضَّرْب فِي شرب الْخمر
بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَأَشَارَ بذلك إِلَى جَوَاز
الِاكْتِفَاء فِي شرب الْخمر بِالضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ
وَالنعال، وَقَالَ النَّوَوِيّ: أجمعو على الِاكْتِفَاء
فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وأطراف الثِّيَاب، ثمَّ
قَالَ: وَالأَصَح جَوَازه بِالسَّوْطِ، وشذ من قَالَ: هُوَ
شَرط وَهُوَ غلط منابذ للأحاديث الصَّحِيحَة.
قلت: اخْتلف فِيهِ بعض الْأَئِمَّة من الشَّافِعِيَّة
فَصرحَ أَبُو الطّيب وَمن تبعه بِأَنَّهُ لَا يجوز
بِالسَّوْطِ، وَصرح القَاضِي حُسَيْن بِتَعْيِين السَّوْط،
وَاحْتج بِأَنَّهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة.
5776 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا وُهَيْبُ بنُ
خالِدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ
عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أُتِيَ بِنُعَيْمانَ أَو: بابنِ نُعَيْمانِ وهْوَ
سَكْرَان فَشَقَّ عَلَيْهِ وأمَرَ مَنْ فِي البَيْتِ أنْ
يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بالجَرِيدِ والنِّعال، وكُنْتُ
فِيمَنْ ضَرَبَهُ. (انْظُر الحَدِيث 6132 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي
تقدم فِي الْبَاب الَّذِي قبله، أخرجه عَن قُتَيْبَة بن
عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب إِلَى
(23/267)
آخِره، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ.
6776 - حدّثنا مُسْلِمٌ حدّثنا هِشامٌ حدّثنا قَتادَةُ عنْ
أنَسِ، قَالَ: جَلدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الخَمْرِ بالجَرِيدِ والنِّعالِ، وجَلَدَ أبُو بَكْرِ
أرْبَعِينَ. (انْظُر الحَدِيث 3776) .
مُطَابقَة هَذَا أَيْضا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد تقدم
هَذَا أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي ضرب شَارِب
الْخمر. فَإِن قلت: ذكر هُنَاكَ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ضرب فِي الْخمر وَهَهُنَا قَالَ: جلد؟ .
قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَن المُرَاد هُنَا من
قَوْله: (جلد ضربه) فَأصَاب جلده، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ:
ضربه بِالْجلدِ، وَمُسلم شيخ البُخَارِيّ وَهُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ وَهِشَام هُوَ الدستوَائي.
7776 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا أبُو ضَمْرَةَ أنَسٌ عنْ
يَزِيدَ بنِ الهادِ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبي
سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
أُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجلٍ قَدْ
شَرِبَ قَالَ: (اضْرِبُوه) قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ:
فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ والضَّارِبُ بِنَعْلِهِ
والضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فلمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ
القَوْمِ: أحْزَاكَ الله. قَالَ: لَا تَقُولُوا هكَذا، لَا
تُعينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطانَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو ضَمرَة بِفَتْح
الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء اسْمه أنس
بن عِيَاض، وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ يزِيد بن عبد الله
بن أُسَامَة بن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد نسب إِلَى
جده الْأَعْلَى، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث بن
خَالِد التَّيْمِيّ، وَسَلَمَة بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، وَيزِيد وَشَيْخه وَشَيخ شَيْخه مدنيون تابعيون.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود أَيْضا عَن
قُتَيْبَة بِهِ وَعَن غَيره. قَوْله: (بِرَجُل) قيل:
يحْتَمل أَن يكون هَذَا عبد الله الَّذِي كَانَ يلقب
حمارا، وَسَيَأْتِي فِي الحَدِيث عَن عمر فِي الْبَاب
الَّذِي بعده، وَيحْتَمل أَن يكون نعيمان وَيحْتَمل أَن
يكون ثَالِثا. قَوْله: (قَالَ: اضْرِبُوهُ) لم يعين فِيهِ
الْعدَد لِأَنَّهُ لم يكن مؤقتاً حينئذٍ، وَقد روى أَبُو
دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لم يقت فِي الْخمر حدا أَي لم: يُوَقت،
وَيُقَال أَي: لم يقدر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لَهُ مِقْدَارًا، وَلم يحدده بِعَدَد مَخْصُوص.
قَوْله: (أخزاك الله) أَي: لَا تدعوا عَلَيْهِ بالخزي
بالمعجمتين، وَهُوَ الذل والهوان، يُقَال: خزى يخزى من
بَاب علم بِعلم خزياً بِالْكَسْرِ وَأما خزي يخزى خزاية
بِالْفَتْح فَمَعْنَاه اسْتَحى. قَوْله: (لَا تعينُوا
عَلَيْهِ الشَّيْطَان) يَعْنِي: إِذا دعوتم عَلَيْهِ
بالخزي فقد اعنتم الشَّيْطَان، فَإِنَّهُ إِذا دعِي
عَلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم ينْه
عَنهُ ينفر عَنهُ، أَو لِأَنَّهُ يتَوَهَّم أَنه مُسْتَحقّ
لذَلِك، فيوقع الشَّيْطَان فِي قلبه وساوس.
8776 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ عبْدِ الوَهَّابِ حدّثنا
خالِدُ بنُ الحارِثِ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا أَبُو
حَصِينٍ: سَمِعْتُ عُمَيْرَ بنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ
قَالَ: سَمِعْتُ عَلَيَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضِي الله عَنهُ،
قَالَ: مَا كُنْتُ لأقِيمَ حَدًّا عَلَى أحَدٍ فَيَمُوتَ
فأجدَ فِي نَفْسِي إلاَّ صاحِبَ الخَمْرِ، فإنَّه لوْ ماتَ
ودَيْتُهُ وذالِكَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَمْ يَسُنَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث لِأَن معنى قَوْله:
(لم يسنه) لم يقدر فِيهِ حدا، مضبوطاً كَذَا فسره
النَّوَوِيّ، وَقيل: مَعْنَاهُ لم يُعينهُ بِضَرْب
السِّيَاط، وَهُوَ مُطَابق للتَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ حد مَعْلُوم.
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح
الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان
بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي، وَعُمَيْر بِضَم الْعين
وَفتح الْمِيم بن سعيد بِالْيَاءِ بعد الْعين النَّخعِيّ
كَذَا ضَبطه الْكرْمَانِي وَقَالَ: لم يتَقَدَّم ذكره،
ويروى: سعد، بِدُونِ الْيَاء، وَهُوَ سَهْو قَالَه
الغساني، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع
النّسخ من (الصَّحِيحَيْنِ) : وَوَقع للحميدي فِي
الْجَمِيع: سعد، بِسُكُون الْعين وَهُوَ غلط، وَوَقع فِي
(الْمُهَذّب) : عمر بن سعد بِحَذْف الْيَاء
(23/268)
مِنْهُمَا وَهُوَ غلط فَاحش، وَقَالَ
بَعضهم: وَوَقع للنسائي والطَّحَاوِي: عمر، بِضَم الْعين
وَفتح الْمِيم.
قلت: لم يَقع للطحاوي مَا ذكره فَإِنِّي شرحت (مَعَاني
الْآثَار) : لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ عُمَيْر بن سعيد،
مثل مَا وَقع للْبُخَارِيّ وَغَيره، وَهُوَ تَابِعِيّ
كَبِير ثِقَة مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود أَيْضا عَن مُحَمَّد
بن الْمنْهَال وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
إِسْمَاعِيل بن مُوسَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن
إِسْمَاعِيل بِهِ وَعَن غَيره.
قَوْله: (مَا كنت لأقيم) اللَّام فِيهِ مَكْسُورَة لتأكيد
النَّفْي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله
لِيُضيع أَيْمَانكُم} (الْبَقَرَة: 341) وأقيم مَنْصُوب
بِأَن الْمقدرَة فِيهِ. قَوْله: (فَيَمُوت) ، بِالنّصب.
قَوْله: (فأجد) بِالرَّفْع قَالَه الْكرْمَانِي من وجد
الرجل يجد إِذا حزن، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ. قَوْله:
(فَيَمُوت) مسبب عَن أقيم. وَقَوله: (فأجد) مسبب عَن
مَجْمُوع السَّبَب، والمسبب وَالِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله:
(إلاَّ صَاحب الْخمر) ، مُنْقَطع أَي: لَكِن أجد من صَاحب
الْخمر إِذا مَاتَ شَيْئا وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير:
مَا أجد من موت أحد يُقَام عَلَيْهِ الْحَد شَيْئا، إلاَّ
من موت صَاحب الْخمر فَيكون مُتَّصِلا. قَوْله: (وديته)
أَي: أَعْطَيْت دِيَته وغرمتها من ودى يَدي دِيَة أَصْلهَا
ودية. قَوْله: (وَذَلِكَ) إِشَارَة إِلَى مَا قَالَه: (مَا
كنت لأقيم. .) إِلَى آخِره. قَوْله: (لم يسنه) قد مر
تَفْسِيره الْآن، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه فَإِن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسن فِيهِ شَيْئا
إِنَّمَا هُوَ شَيْء جَعَلْنَاهُ نَحن. فَإِن قلت: روى
الطَّحَاوِيّ حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد قَالَ: حَدثنَا
مُسَدّد بن مسرهد قَالَ: حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنَا
سعيد بن أبي عرُوبَة عَن الداناج عَن حُصَيْن بن الْمُنْذر
الرقاشِي أبي ساسان عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
قَالَ: جلد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْخمر أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، أَرْبَعِينَ وكملها عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
ثَمَانِينَ وكل سنة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد
نَحوه. قَوْله: (وكل سنة) أَي: كل وَاحِد من الْأَرْبَعين
والثمانين سنة. وَقَالَ الْخطابِيّ: تَقول: إِن
الْأَرْبَعين سنة قد عمل بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي زَمَانه، والثمانين سنة قد عمل بهَا عمر رَضِي
الله عَنهُ، فِي زَمَانه.
قلت: وَلما روى الطَّحَاوِيّ هَذَا قَالَ: ذهب قوم إِلَى
أَن الْحَد الَّذِي يجب على شَارِب الْخمر إِنَّمَا هُوَ
أَرْبَعُونَ، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ:
وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَادعوا فَسَاد هَذَا
الحَدِيث، وأنكروا أَن يكون عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ
من ذَلِك شَيْئا، لِأَنَّهُ قد روى عَنهُ مَا يُخَالف
ذَلِك، ويدفعه ثمَّ روى حَدِيث عُمَيْر بن سعيد عَنهُ
الَّذِي مضى الْآن، ثمَّ أَطَالَ الْكَلَام فِي دفع هَذَا
الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الداناج الْمَذْكُور عَن حُصَيْن
عَنهُ، وَقَالَ غَيره: حَدِيث الداناج غير صَحِيح لِأَن
حَدِيث البُخَارِيّ، أَعنِي: الْمَذْكُور هُنَا يردهُ
وَيُخَالِفهُ، وَفِي قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ: مَا كنت
لأقيم حدا ... الخ حجَّة لمن قَالَ: لَا قَود على أحد إِذا
مَاتَ الْمَحْدُود فِي الضَّرْب. وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا
دِيَة فِيهِ على الإِمَام وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة، وَقيل:
على بَيت المَال، لكِنهمْ اخْتلفُوا فِيمَن مَاتَ من
التَّعْزِير، فَقَالَ الشَّافِعِي: عقله على عَاقِلَة
الإِمَام وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة، وَقيل: على بَيت المَال،
وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَنه: لَا يجب شَيْء على أحد.
وَفِي (التَّوْضِيح) : اخْتلف إِذا مَاتَ فِي ضربه على
أَقْوَال: فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا ضَمَان على الإِمَام
وَالْحق قَتله. وَقَالَ الشَّافِعِي إِن مَاتَ الْمَحْدُود
وَكَانَ ضربه بأطراف الثِّيَاب وَالنعال لَا يضمن الإِمَام
قولا وَاحِدًا، وَإِن كَانَ ضربه بِالسَّوْطِ فَإِنَّهُ
يضمن، وَفِي صفة مَا يضمن وَجْهَان: أَحدهمَا: يضمن جَمِيع
الدِّيَة، وَالثَّانِي: لَا يضمن إلاَّ مَا زَاد على ألم
النِّعَال، وَعنهُ أَيْضا إِن ضرب بالنعال وأطراف
الثِّيَاب ضربا يُحِيط الْعلم أَنه لَا يبلغ الْأَرْبَعين،
أَو يبلغهَا أَو لَا يتجاوزها فَمَاتَ، فَالْحق قَتله.
فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَا عقل وَلَا دِيَة وَلَا
كَفَّارَة على الإِمَام، وَإِن ضربه أَرْبَعِينَ سَوْطًا
فَمَاتَ، فديته على عَاقِلَة الإِمَام دون بَيت المَال.
9776 - حدّثنا مَكْيٌّ بنُ إبْراهِيمَ عنِ الجُعَيْدِ عنْ
يَزِيدَ بنِ خُصَيْفَةَ عنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ قَالَ:
كُنَّا نُؤْتَى بالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وإمْرَةِ أبي بَكْرٍ وصَدْراً مِنْ
خِلاَفَةِ عُمَر، فَنَقُومُ إلَيْهِ بأيْدِينا ونعالِنا
وأرْدِيَتِنا حتَّى كانَ آخِرُ إمْرَةِ عُمَرَ فَجلَدَ
أرْبَعِينَ، حتَّى إذَا عَتَوْا وفَسَقُوا جَلَدَ
ثَمانِينَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والجعيد بِضَم الْجِيم
وَفتح الْعين الْمُهْملَة مصغر جعد بن عبد الرَّحْمَن
التَّابِعِيّ من صغَار التَّابِعين وَسَنَد البُخَارِيّ
هَذَا فِي غَايَة الْعُلُوّ لِأَن بَينه وَبَين
التَّابِعِيّ فِيهِ وَاحِد فَهُوَ فِي حكم الثلاثيات،
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن خصيفَة بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وبالفاء الْكُوفِي، والسائب بِالْهَمْزَةِ
بعد
(23/269)
الْألف ابْن يزِيد من الزِّيَادَة
الْكِنْدِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (كُنَّا نؤتى) على صِيغَة الْمَجْهُول. فَإِن قلت:
كَانَ السَّائِب صَغِيرا جدا على عهد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ابْن سِتّ سِنِين فَكيف أَدخل
نَفسه فِي جمَاعَة الْحَاضِرين وَقت إتْيَان الشَّارِب فِي
زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ .
قلت: الظَّاهِر أَن مُرَاده من قَوْله: كُنَّا
الصَّحَابَة، وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون قد حضر هُنَاكَ
مَعَ أَبِيه أَو غَيره فشاركهم فِيهِ فَيكون الْإِسْنَاد
على الْحَقِيقَة. قَوْله: (وإمرة أبي بكر) بِكَسْر
الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم أَي: إمارته. قَوْله: (وصدراً)
من خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: أَوَائِل
خِلَافَته. قَوْله: (وأرديتنا) جَمِيع رِدَاء. قَوْله:
(حَتَّى كَانَ آخر إمرة عمر) أَي آخر خِلَافَته. قَوْله:
(حَتَّى إِذا عتوا) أَي: إِذا انهمكوا فِي الطغيان وبالغوا
فِي الْفساد. قَوْله: (وفسقوا) أَي: خَرجُوا عَن الطَّاعَة
فَلم يرتدعوا جلدهمْ ثَمَانِينَ جلدَة، وَلَو أدْرك هَذَا
الزَّمَان لجلدهم أَضْعَاف ذَلِك، وروى عبد الرَّزَّاق
بِسَنَد صَحِيح عَن عبيد بن عُمَيْر، أحد كبار
التَّابِعين، نَحْو حَدِيث السَّائِب وَفِيه: أَن عمر جعله
أَرْبَعِينَ سَوْطًا، فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يتناهون جعله
سِتِّينَ سَوْطًا، فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يتناهون جعله
ثَمَانِينَ سَوْطًا. وَقَالَ: هَذَا أدنى الْحُدُود.
5 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شارِبِ الخَمْرِ
وإنَّهُ لَيْسَ بِخارجٍ مِنَ المِلَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من لعن شَارِب
الْخمر، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَجه
التَّوْفِيق بَين حَدِيث الْبَاب الَّذِي فِيهِ النَّهْي
عَن لعن الشَّارِب وَبَين قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لَا يشرب الْخمر وَهُوَ مُؤمن، وَقد مر عَن قريب، وَهُوَ
أَن المُرَاد بِحَدِيث: لَا يشرب الْخمر وَهُوَ مُؤمن نفي
كَمَال الْإِيمَان لَا أَنه يخرج عَن الْإِيمَان، وَهُوَ
معنى قَوْله: (وَإنَّهُ) أَي: إِن شَارِب الْخمر لَيْسَ
بِخَارِج عَن الْملَّة، فَإِذا لم يكن خَارِجا عَن
الْملَّة لَا يسْتَحق اللَّعْن. فَإِن قلت: قد لعن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَارِب الْخمر وَكَثِيرًا من
أهل الْمعاصِي مِنْهُم: المصورون وَمن ادّعى إِلَى غير
أَبِيه وَغير ذَلِك.
قلت: أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، باللعنة
الملازمين لَهَا غير التائبين مِنْهَا ليرتدع بذلك من
فعلهَا، وَالَّذِي نهى عَن لَعنه هَهُنَا قد كَانَ أَخذ
مِنْهُ حد الله تَعَالَى الَّذِي جعله مطهراً لَهُ من
الذُّنُوب فَنهى عَن ذَلِك خشيَة أَن يُوقع الشَّيْطَان
فِي قلبه أَن من لعن بِحَضْرَتِهِ وَلم يُغير ذَلِك وَلَا
نهى عَنهُ أَنه مُسْتَحقّ الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة،
وَأَنه يقره على ذَلِك ويقويه، وَقيل: الَّذِي لعن
الشَّارِع إِنَّمَا لعن الْجِنْس على معنى الإرداع وَلم
يعين أحدا، وَمِنْهُم من منع مُطلقًا فِي الْمعِين وَجوز
فِي حق غير الْمعِين لِأَن فِيهِ زجرا عَن تعَاطِي ذَلِك
الْفِعْل وَفِي حق الْمعِين أَذَى وَسَب وَقد ثَبت
النَّهْي عَن أَذَى الْمُسلم.
0876 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ
قَالَ: حدّثني خالِدُ بنُ يَزِيدَ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي
هِلالٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ عنْ عُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ: أنَّ رَجُلاً كانَ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ اسْمُهُ عَبْدَ الله وَكَانَ
يُلَقَّبُ حِماراً. وَكَانَ يُضْحِكُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرابِ، فأُتِيَ بِهِ يَوْماً فأمَرَ
بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ
الْعَنْهُ مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَلْعَنُوهُ فَوَالله مَا
عَلِمْتُ إلاّ أنَّهُ يُحِبُّ الله ورسُولَهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن بكر مصغر بكير
هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا
المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وخَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة
البَجلِيّ الْفَقِيه، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ
الْمدنِي، وَزيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب يروي عَن
أَبِيه أسلم مولى عمر الحبشي البُخَارِيّ كَانَ من سبي عين
التَّمْر ابتاعه عمر بن الْخطاب بِمَكَّة سنة إِحْدَى عشر
لما بَعثه أَبُو بكر الصّديق ليقيم للنَّاس الْحَج
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَكَانَ يلقب حمارا) لَعَلَّه كَانَ لَا يكره
ذَلِك اللقب وَكَانَ قد اشْتهر بِهِ، وَجوز ابْن عبد الْبر
أَنه ابْن النُّعْمَان الْمُبْهم فِي حَدِيث عقبَة بن
الْحَارِث، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ يهدي إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، العكة من السّمن والعكة
من الْعَسَل، فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا يتقاضاه جَاءَ بِهِ،
وَقَالَ: يَا رَسُول الله! أعْط هَذَا ثمن
(23/270)
مَتَاعه، فَمَا يزِيد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، على أَن يتبسم وَيَأْمُر بِهِ فَيعْطى
ثمنه.
قلت: هَذَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي من طَرِيق
هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم. قَوْله: (وَكَانَ يضْحك)
بِضَم الْيَاء من الإضحاك. وَفِيه: جَوَاز إضحاك الإِمَام
والعالم بنادرة من الْحق لَا من الْبَاطِل. قَوْله:
(فَقَالَ رجل) قيل: هُوَ عمر بن الْخطاب. لِأَنَّهُ جَاءَ
فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: فَقَالَ عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ
أَيْضا: لَا تفعل يَا عمر فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله،
وَذَلِكَ عِنْد قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا
تلعنوه) . قَوْله: (ماأكثر مَا يُؤْتى بِهِ) فِيهِ دلَالَة
على تكرره مِنْهُ. قَوْله: (فوَاللَّه مَا علمت إلاَّ
أَنه) أَي: الملقب بِحِمَار (يحب الله وَرَسُوله) ويروى:
فوَاللَّه مَا علمت أَنه يحب الله وَرَسُوله. قَالَ
الْكرْمَانِي: مَا، مَوْصُولَة لَا نَافِيَة فَكيف وَقع
جَوَابا بالقسم. ثمَّ أجَاب بقوله: (أَنه يحب الله
وَرَسُوله) وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ مَا
علمت مِنْهُ، وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين الْقسم
وَجَوَابه، أَو: مَا، نَافِيَة ومفعول: علمت، مَحْذُوف.
قلت: إِذا كَانَ: مَا، نَافِيَة يكون همزَة أَنه
مَفْتُوحَة مَعَ أَن رِوَايَة الْأَكْثَرين أَن الْهمزَة
مَكْسُورَة إلاَّ على رِوَايَة ابْن السكن فَإِنَّهُ جوز
الْفَتْح وَالْكَسْر. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : مَا
مَوْصُولَة وَإنَّهُ بِكَسْر الْهمزَة مُبْتَدأ، وَقيل:
بِفَتْحِهَا وَهُوَ مفعول: علمت، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ شيخ
شَيْخي: فعلى هَذَا علمت بِمَعْنى عرفت، وَأَنه خبر
الْمَوْصُول، وَقيل: مَا، زَائِدَة أَي: فوَاللَّه علمت
والهمزة على هَذَا مَفْتُوحَة وَقيل يحْتَمل أَن يكون
الْمَفْعُول محذوفاً أَي مَا علمت عَلَيْهِ أَو فِيهِ سوءا
ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ إِنَّه يجب الله وَرَسُوله، وَقيل:
مَا زَائِدَة للتَّأْكِيد وَالتَّقْدِير: علمت، وَقد جَاءَ
هَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَات وعَلى هَذَا فالهمزة
مَفْتُوحَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: جعل: مَا، نَافِيَة
أظهر لاقْتِضَاء الْقسم أَن يتقى بِحرف النَّفْي وَبِأَن
وباللام بِخِلَاف الموصولة، وَيُؤَيِّدهُ أَنه وَقع فِي
(شرح السّنة) : فوَاللَّه مَا علمت إلاَّ أَنه. قَالَ:
فَمَعْنَى الْحصْر فِي هَذِه الرِّوَايَة بِمَنْزِلَة تَاء
الْخطاب فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لإِفَادَة مزِيد
الْإِنْكَار على الْمُخَاطب، وَقيل: قد وَقع فِي رِوَايَة
أبي ذَر عَن الْكشميهني مثل مَا وَقع فِي (شرح السّنة) .
1876 - حدّثنا عَلِيٌّ بنُ عَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ
حدّثنا أنَسُ بنُ عِياض حدّثنا ابنُ الهادِ عنْ مُحَمَّدِ
بنِ إبْراهِيمَ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
قَالَ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِسَكْرَانَ فأمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ
بِيَدِهِ، ومنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، ومِنَّا
مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ
رَجُلٌ: مالَهُ أخْزاهُ الله؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطانِ عَلَى
أخِيكُمْ) . (انْظُر الحَدِيث 7776) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ
ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن الْهَاد هُوَ عبد الله بن
شَدَّاد بن الْهَاد وَاسم الْهَاد أُسَامَة اللَّيْثِيّ
الْكُوفِي، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث
التَّيْمِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب الضَّرْب بِالْجَرِيدِ
وَالنعال، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
6 - (بابُ السَّارِقِ حِينَ يَسْرِقُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ السَّارِق حِين يسرق مَا يكون
حَاله، وَقد بَينه فِي الحَدِيث بقوله: وَلَا يسرق
السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن، وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر: بَاب لَا يسرق السَّارِق، وَفِي رِوَايَة غَيره سقط
لفظ: السَّارِق.
2876 - حدّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ
دَاوُدَ حدّثنا فُضَيْلُ بنُ غَزْوانَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ
يَزْنِي وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ
يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ) .
مطابقته للترجمتة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها لِأَنَّهُ اختصر
التَّرْجَمَة بِحَيْثُ إِنَّهَا لَا تفِيد إِلَّا بِحَدِيث
الْبَاب.
وَعَمْرو بن عَليّ ابْن بَحر الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ
مُسلم أَيْضا، وَعبد الله بن دَاوُد بن عَامر الْكُوفِي
سكن الخريبة من الْبَصْرَة وَهُوَ من أَفْرَاده، وفضيل
بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان
بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي
الْكُوفِي.
والْحَدِيث يَأْتِي فِي الْمُحَاربين عَن مُحَمَّد بن
الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عبد
الرَّحْمَن بن سَلام، وَمضى شَرحه فِي حَدِيث أبي
(23/271)
هُرَيْرَة فِي أول: بَاب الْحُدُود.
7 - (بابُ لَعْنِ السَّارِقِ إِذا لَمْ يُسَمَّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم لعن السَّارِق إِذا لم
يُعينهُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى
وَجه التَّوْفِيق بَين النَّهْي عَن لعن الشَّارِب
الْمعِين وَبَين حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) : قَوْله فِي التَّرْجَمَة: بَاب لعن
السَّارِق إِذا لم يسم، كَذَا فِي جَمِيع النّسخ فَإِن صحت
التَّرْجَمَة فَهُوَ أَنه لَا يَنْبَغِي تعيير أهل
الْمعاصِي ومواجهتهم باللعن، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن
يلعن فِي الْجُمْلَة من فعل فعلهم ليَكُون ذَلِك ردعاً
وزحراً عَن انتهاك شَيْء مِنْهَا، فَإِذا وَقعت من معِين
لم يلعن بِعَيْنِه لِئَلَّا يقنط وييأس، ولنهي النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن لعن النعيمان، وَقَالَ ابْن
بطال: فَإِن كَانَ البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى هَذَا فَهُوَ
غيرصحيح، لِأَن الشَّارِع إِنَّمَا نهى عَن لَعنه بعد
إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، فَدلَّ على أَن الْفرق بَين من
يجب لَعنه وَبَين من لَا يجب، وَبِأَن بَيَانه أَن من أقيم
عَلَيْهِ الْحَد لَا يَنْبَغِي لعنته، وَأَن من لم يقم
عَلَيْهِ فاللعنة متوجهة إِلَيْهِ سَوَاء سمي وَعين أم
لَا، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يلعن
إلاَّ من تجب عَلَيْهِ اللَّعْنَة مَا دَامَ على تِلْكَ
الْحَالة الْمُوجبَة لَهَا، فَإِذا تَابَ مِنْهَا وطهره
الْحَد فَلَا لعنة تتَوَجَّه إِلَيْهِ.
3876 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ حدّثني أبي
حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صالحِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
(لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ
يَدُهُ، ويَسْرقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) . قَالَ
الأعْمَشُ: كانُوا يَرَوْنَ أنَّهُ بَيْضُ الحَدِيدِ،
والحَبْلُ كانُوا يَرَوْنَ أنَّهُ مِنْها مَا يُساوِي
دَرَاهِمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأخرج الحَدِيث عَن عمر
بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق النَّخعِيّ
الْكُوفِي قاضيها عَن سلميان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح
ذكْوَان الزيات عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود أَيْضا عَن أبي بكر
وَأبي كريب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقطع عَن عبد الله
بن مُحَمَّد المَخْزُومِي وَأحمد بن حَرْب. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي الْحُدُود عَن أبي بكر.
قَوْله: (قَالَ الْأَعْمَش) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور. قَوْله: (كَانُوا يرَوْنَ) بِفَتْح الرَّاء
من الرَّأْي يُرِيد بِهِ أَن الَّذين رووا هَذَا الحَدِيث
كَانُوا يَقُولُونَ: إِن المُرَاد بالبيضة بيض الْحَدِيد
وَهُوَ الْبَيْضَة الَّتِي تكون على رَأس الْمقَاتل،
وبالحبل مَا يُسَاوِي مِنْهَا دَرَاهِم، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: يُرَاد بِهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم.
قلت: نظر فِي ذَلِك إِلَى أَن أقل الْجمع ثَلَاثَة وَأَنه
أَيْضا أَشَارَ بِهِ إِلَى مذْهبه، فَإِن عِنْده يقطع يَد
السَّارِق فِي ربع دِينَار وَهُوَ ثَلَاثَة دَرَاهِم، ثمَّ
قَالَ: وغرضه أَنه لَا قطع فِي الشَّيْء الْقَلِيل بل
مَاله نِصَاب كربع الدِّينَار، وَعِنْدنَا لَا قطع فِي أقل
من عشر دَرَاهِم على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله
تَعَالَى. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَول الْأَعْمَش:
الْبَيْضَة هُنَا بَيْضَة الْحَدِيد الَّتِي تغْفر
الرَّأْس فِي الْحَرْب، وَالْحَبل من حبال السفن، تَأْوِيل
لَا يجو عِنْد من يعرف صَحِيح كَلَام الْعَرَب، لِأَن كل
وَاحِد من هذَيْن بِدَنَانِير كَثِيرَة وَفِي
الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي خباب الدَّلال: حَدثنَا
مُخْتَار بن نَافِع حَدثنَا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ عَن
أَبِيه عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قطع فِي بَيْضَة من
حَدِيد قيمتهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ درهما، وَلَيْسَ من
عَادَة الْعَرَب والعجم أَن يَقُولُوا: قبح الله فلَانا
عرض نَفسه للضرب فِي عقد جَوْهَر وَتعرض للعقوبة بالغلول
فِي جراب مسك، وَإِنَّمَا الْعَادة فِي مثل هَذَا أَن
يُقَال: لَعنه الله تعرض لقطع الْيَد فِي حَبل رت، أَو كبة
شعر، أَو رِدَاء خلق. وَكلما كَانَ من هَذَا الْفَنّ
أَحْقَر فَهُوَ أبلغ. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِن ذَلِك من
بَاب التدريج لِأَنَّهُ إِذا اسْتمرّ ذَلِك بِهِ لم
يَأْمَن أَن يُؤَدِّيه ذَلِك إِلَى سَرقَة مَا فَوْقهَا
حَتَّى يبلغ فِيهِ الْقطع فتقطع يَده فليحذر هَذَا
الْفِعْل وليتركه قبل أَن تملكه الْعَادة وَيَمُوت
عَلَيْهَا ليسلم من سوء عاقبته، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَا
قَالَه الْأَعْمَش مُحْتَمل، وَقد يحْتَمل أَن يكون هَذَا
قبل أَن يبين الشَّارِع الْقدر الَّذِي يقطع فِيهِ
السَّارِق، وَقيل: هَذَا مَحْمُول على الْمُبَالغَة فِي
التَّنْبِيه على عظم مَا خسر وحقر مَا حصل، وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: وَنَظِير حمله على الْمُبَالغَة مَا حمل
عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من بنى لله
مَسْجِدا وَلَو كمفحص قطاة فَإِن أحدا لم يقل فِيهِ إِنَّه
أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي ذَلِك، وإلاَّ فَمن الْمَعْلُوم
أَن مفحص الْقُضَاة وَهُوَ قدر مَا تحصن بِهِ بيضها لَا
يتَصَوَّر أَن يكون مَسْجِدا. وَمِنْه: تصدقن وَلَو
(23/272)
بظلف محرق، وَهُوَ مِمَّا لَا يتَصَدَّق
بِهِ، وَمثله كثير فِي كَلَامهم. وَاحْتج الْخَوَارِج
بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْقطع يجب فِي قَلِيل
الْأَشْيَاء وكثيرها وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك لِأَن
قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا
أَيْدِيهِمَا} (الْمَائِدَة: 83) لما نزل قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك على ظَاهر مَا نزل، ثمَّ أعلمهُ
الله أَن الْقطع لَا يكون إلاَّ فِي مِقْدَار مَعْلُوم،
فَكَانَ بَيَانا لما أجمل فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ،
وَفِي هَذَا الْمِقْدَار اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء على مَا
يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
8 - (بابٌ الحُدُودُ كَفَّارَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ معنى الْحُدُود كَفَّارَة،
فَقَوله: الْحُدُود مُبْتَدأ، أَو كَفَّارَة خَبره.
4876 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدّثنا ابنُ
عُيَيْنَةَ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ أبي إدْرِيسَ
الخَوْلانِيِّ عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: (بايعُونِي عَلى أنْ لَا
تُشْرِكُوا بِالله شَيْئاً وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا
تَزُنُوا) وقَرَأ هاذِهِ الآيَةَ كُلَّها فَمَنْ وَفَى
مِنْكُمْ فأجْرُهُ عَلى الله ومَنْ أصابَ مِنْ ذالِكَ
شَيْئاً فَعُوقِبَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَتُهُ ومَنْ أصابَ
مِنْ ذالِكَ شَيْئاً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ إنْ شاءَ
غَفَرَ لهُ وإنْ شاءَ عَذَّبَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَعُوقِبَ بِهِ
فَهُوَ كَفَّارَته) .
وَمُحَمّد بن يُوسُف جزم بِهِ أَبُو نعيم أَنه
الْفرْيَابِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون البيكندي، وَابْن
عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن أبي إِدْرِيس عَائِذ الله بِالْعينِ
الْمُهْملَة وبالهمزة بعد الْألف وبالذال الْمُعْجَمَة
الْخَولَانِيّ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْوَاو وبالنون فِي آخِره. يروي عَن عبَادَة بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن
الصَّامِت.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب حَدثنَا
أَبُو الْيَمَان قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن الزُّهْرِيّ
قَالَ: أخبرنَا أَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله بن عبد الله:
أَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَكَانَ شهد بَدْرًا وَهُوَ أحد
النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة. أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَحَوله عِصَابَة من أَصْحَابه:
بايعوني ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة) قَالَ الْكرْمَانِي:
وَهَذِه الْآيَة هِيَ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك
الْمُؤْمِنَات يبايعنك} (الممتحنة: 21)
الْآيَة.
قلت: قد مر فِي كتاب الْإِيمَان: بايعوني على أَن لَا
تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا
تَزْنُوا وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم وَلَا تَأْتُوا
بِبُهْتَان تفترونه بَين أَيْدِيكُم وأرجلكم، وَلَا تعصوا
فِي مَعْرُوف. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة أم لَا؟ .
قلت: قَالَ ابْن بطال: سَنَد حَدِيث عبَادَة أصح من
إِسْنَاد حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ ابْن التِّين:
حَدِيث أبي هُرَيْرَة قبل حَدِيث عبَادَة، ثمَّ أعلمهُ
الله تَعَالَى أَنَّهَا مطهرة على مَا فِي حَدِيث عبَادَة.
فَإِن قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة مُتَأَخّر لِأَنَّهُ
مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن بيعَة الْعقبَة لِأَن بيعَة
الْعقبَة كَانَت قبل إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بست سِنِين.
قلت: أجابوا بِأَن الْبيعَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث
الْبَاب كَانَت متراخية عَن إِسْلَام أبي هُرَيْرَة
بِدَلِيل أَن الْآيَة الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله:
(وَقَرَأَ الْآيَة) وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا
النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا
يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} (الممتحنة: 21)
إِلَى آخرهَا كَانَ نُزُولهَا فِي فتح مَكَّة، وَذَلِكَ
بعد إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِ سنتَيْن، والإشكال
إِنَّمَا وَقع من قَوْله هُنَاكَ: إِن عبَادَة بن
الصَّامِت، وَكَانَ أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة،
قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا ... الحَدِيث، فَإِنَّهُ
يُوهم أَن ذَلِك كَانَ لَيْلَة الْعقبَة، وَلَيْسَ
كَذَلِك، بل الْبيعَة الَّتِي وَقعت فِي لَيْلَة الْعقبَة
كَانَت على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر والمنشط
وَالْمكْره الخ. فَإِن قلت: آيَة الْمُحَاربَة تعَارض
حَدِيث عبَادَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لَهُم خزي
فِي الدُّنْيَا} يَعْنِي الْحُدُود {وَلَهُم فِي الْآخِرَة
عَذَاب عَظِيم} (الْمَائِدَة: 33) فدلت على أَن الْحُدُود
لَيست كَفَّارَة.
قلت: الْوَعيد فِي الْمُحَاربَة عِنْد جَمِيع الْمُؤمنِينَ
مُرَتّب على قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن
يُشْرك بِهِ} (النِّسَاء: 84 و 611)
الْآيَة فَتَأْوِيل الْآيَة: إِن شَاءَ الله ذَلِك
لقَوْله: {لمن يَشَاء} فَهَذِهِ الْآيَة تبطل نَفاذ
الْوَعيد على غير أهل الشّرك إلاَّ أَن ذكر الشّرك فِي
حَدِيث عبَادَة مَعَ سَائِر الْمعاصِي لَا يُوجب أَن من
عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُشْرك كَانَ ذَلِك
كَفَّارَة لَهُ، لِأَن الْأمة
(23/273)
مجمعة على تخليد الْكفَّار فِي النَّار،
وَبِذَلِك نطق الْكتاب وَالسّنة، فَحَدِيث عبَادَة
مَعْنَاهُ الْخُصُوص فِيمَن أقيم عَلَيْهِ الْحَد من
الْمُسلمين خَاصَّة أَن ذَلِك كَفَّارَة لَهُ، وَالله
أعلم.
9 - (بابٌ ظَهْرُ المُؤْمِنِ حِمًى إلاّ فِي حَدٍّ أوْ
حَقٍّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن ظهر الْمُؤمن حمى بِكَسْر
الْحَاء أَي: محمي أَي: مَحْفُوظ عَن الإيذا. وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: أحميت الْمَكَان فَهُوَ محمي إِذا جعلته حمى
أَي: مَحْظُورًا لَا يقرب وحميته حماية إِذا دفعت عَنهُ
ومنعت مِنْهُ من يقربهُ.
قلت: أصل حمى حمى على وزن فعل قَوْله: إلاَّ فِي حق أَي:
لَا يحمي فِي حد وَجب عَلَيْهِ أَو حق أَي أَو فِي حق أحد.
وَقَالَ الْمُهلب: قَوْله: (ظهر الْمُؤمن حمى) يَعْنِي:
أَنه لَا يحل للْمُسلمِ أَن يستبيح ظهر أَخِيه وَلَا
بَشرته لنائرة تكون بَينه وَبَينه أَو عَدَاوَة كَمَا
كَانَت الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ وتستبيحه من الْأَعْرَاض
والدماء، وَإِنَّمَا يجوز اسْتِبَاحَة ذَلِك فِي حُقُوق
الله أَو حُقُوق الْآدَمِيّين أَو فِي أدب لمن قصر فِي
الدّين كتأديب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالدرةِ،
وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي
كتاب السّرقَة من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن
الزُّهْرِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن
عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (ظُهُور الْمُسلمين حمى إلاَّ فِي حُدُود الله) ،
وَمُحَمّد ابْن عبد الْعَزِيز ضَعِيف. وَأخرجه
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عصمَة بن الْملك الخطمي بِلَفْظ:
ظهر الْمُؤمن حمى إلاَّ بِحقِّهِ، وَفِي سَنَده الْفضل بن
مُخْتَار وَهُوَ ضَعِيف، وَمن حَدِيث أبي أُمَامَة: (من
جرد ظهر مُسلم بِغَيْر حق لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ
غَضْبَان) ، وَفِي سَنَده أَيْضا مقَال.
5876 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا عاصِمُ
بنُ عَلِيٍّ حدّثنا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ عنْ واقِدٍ ابنِ
مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أبي قَالَ، عَبْدُ الله: قَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَداعِ: (ألاَ
أيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا:
ألاَ شَهْرُنا هاذا. قَالَ: (أَلا أيُّ بَلَدٍ
تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ بَلَدُنا
هَذَا. قَالَ: (أَلا أيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ
حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ يَوْمُنا هاذا. قَالَ: (فإنَّ
الله تَبارَكَ وتَعالى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِماءَكُمْ
وأمْوالَكُمْ وأعْراضَكُمْ إلاّ بِحَقِّها كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هاذا فِي بَلَدِكُمْ هاذا فِي شَهْرِكُمْ هاذا
ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ) ثَلاَثاً كُلُّ ذالِكَ يُجِيبُونهُ:
ألاَ نَعَمْ، قَالَ: (وَيْحَكُمْ أوْ وَيْلَكُمْ لَا
تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ
بَعْضٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِن الله
تَعَالَى قد حرم عَلَيْكُم دماءكم وَأَمْوَالكُمْ
وَأَعْرَاضكُمْ) بَيَان ذَلِك أَن دم الْمُؤمن وَمَاله
وَعرضه حمى لِلْمُؤمنِ، وَلَا يحل لأحد أَن يستبيحه إلاَّ
بِحَق.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن عبد الله. قَالَ
الْحَاكِم: مُحَمَّد بن عبد الله هَذَا هُوَ الذهلي.
قلت: هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن
فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي،
روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّوْم والطب والجنائز
وَالْعِتْق وَغَيرهَا فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم
يقل مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا. وَيَقُول: حَدثنَا
مُحَمَّد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَرُبمَا يَقُول: مُحَمَّد
بن عبد الله ينْسبهُ إِلَى جده، وَيَقُول: مُحَمَّد بن
خَالِد ينْسبهُ إِلَى جد أَبِيه. قَوْله: حَدثنِي مُحَمَّد
بن عبد الله، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع، وَعَاصِم بن
عَليّ بن عَاصِم بن صُهَيْب أَبُو الْحُسَيْن مولى قريبَة
بنت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، الْقرشِي من أهل وَاسِط وَهُوَ أحد مَشَايِخ
البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الصَّلَاة ومواضع بِغَيْر
وَاسِطَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ،
وَعَاصِم الثَّانِي هُوَ ابْن مُحَمَّد ابْن زيد بن عبد
الله بن عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْقرشِي، يروي عَن
أَخِيه وَاقد بن مُحَمَّد بن زيد يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد
بن زيد بن عبد الله بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر بن الْخطاب جد
الرَّاوِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب الْخطْبَة أَيَّام
منى فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن
يزِيد بن هَارُون عَن عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد عَن
(23/274)
أَبِيه عَن ابْن عمر ... الخ. وَأخرجه فِي
مَوَاضِع كَثِيرَة ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ أَيْضا.
قَوْله: (أَلا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام تزاد
فِي أول الْكَلَام للتّنْبِيه لما يُقَال، وَقد ذكر هُنَا
سؤالاً وجواباً. قَوْله: (أَي شهر؟) قَالَ ابْن التِّين:
أَي: هُنَا مَرْفُوعَة وَيجوز نصبها وَالِاخْتِيَار
الرّفْع. قَوْله: (يونا هَذَا) يَعْنِي: يَوْم النَّحْر،
قيل: صَحَّ أَن أفضل الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة. وَأجِيب:
بِأَن المرا د بِالْيَوْمِ وَقت أَدَاء الْمَنَاسِك، وهما
فِي حكم شَيْء وَاحِد. قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي: قَالَه
ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (أَو وَيْلكُمْ) شكّ من
الرَّاوِي، وويحكم كلمة رَحْمَة وويلكم كلمة عَذَاب.
قَوْله: (وَلَا ترجعن) بِضَم الْعين وبالنون الثَّقِيلَة
خطاب للْجَمَاعَة ويروى: لَا ترجعوا، وَكَذَا فِي رِوَايَة
مُسلم. قَوْله: (بعدِي) قَالَ الطَّبَرِيّ، مَعْنَاهُ بعد
فراقي من موقفي، وَكَانَ يَوْم النَّحْر فِي حجَّة
الْوَدَاع أَو يكون: بعدِي، بِمَعْنى خلا فِي أَي: لَا
تخلفوا فِي أَنفسكُم بِغَيْر الَّذِي أَمرتك بِهِ، أَو
يكون تحقق، عَلَيْهِ السَّلَام، أَن هَذَا لَا يكون فِي
حَيَاته فنهاهم عَنهُ بعد مماته. قَوْله: (كفَّارًا يضْرب
بَعْضكُم رِقَاب بعض) وَفِي مَعْنَاهُ سَبْعَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَن ذَلِك كفر فِي حق المستحل بِغَيْر حق
وَالثَّانِي: أَن المُرَاد كفر النِّعْمَة وَحقّ
الْإِسْلَام وَالثَّالِث: أَنه يقرب من الْكفْر وَيُؤَدِّي
إِلَيْهِ وَالرَّابِع: أَنه فعل كَفعل الْكفَّار.
وَالْخَامِس: المُرَاد حَقِيقَة الْكفْر وَمَعْنَاهُ لَا
تكفرُوا بل دوموا مُسلمين. وَالسَّادِس: حَكَاهُ
الْخطابِيّ وَغَيره: المُرَاد المتكفرون بِالسِّلَاحِ،
وَقَالَ الْأَزْهَرِي: يُقَال للابس السِّلَاح: كَافِر
وَالسَّابِع: مَعْنَاهُ: لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا
فتستحلوا قتال بَعْضكُم بَعْضًا، وَأظْهر الْأَقْوَال
القَوْل الرَّابِع، قَالَه النَّوَوِيّ وَاخْتَارَهُ
القَاضِي عِيَاض. قَوْله: (يضْرب) بِضَم الْبَاء كَذَا
رَوَاهُ المتقدمون والمتأخرون وَبِه يَصح الْمَقْصُود
هُنَا، وَحكى عِيَاض عَن بَعضهم ضَبطه بِإِسْكَان الْبَاء،
وَكَذَا قَالَه أَبُو الْبَقَاء العكبري على تَقْدِير شَرط
مُضْمر أَي: أَن ترجعوا يضْرب وَصوب عِيَاض وَالنَّوَوِيّ
الأول.
01 - (بابُ إقامَةِ الحُدُودِ والإنتِقامِ لِحُرُماتِ
الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب إِقَامَة الْحُدُود
وَوُجُوب الانتقام لحرمات الله تَعَالَى، وَهِي جمع
حُرْمَة كظلمات جمع ظلمَة، وَالْحُرْمَة مَا لَا يحل
انتهاكه. وَقَالَ الْمُهلب: لَا يحل لأحد من الْأَئِمَّة
ترك حرمات الله أَن تنتهك وَعَلَيْهِم تَغْيِير ذَلِك،
والانتقام افتعال من نقم ينقم من بَاب علم يعلم، ونقم ينقم
من بَاب ضرب يضْرب، ونقم من فلَان الْإِحْسَان إِذا جعله
مِمَّا يُؤَدِّيه إِلَى كفر النِّعْمَة، وَمعنى الانتقام
لحرمات الله الْمُبَالغَة فِي عُقُوبَة من ينتهكها.
6876 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ
عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي
الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا خُيِّرَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أمْرَيْنِ إلاّ اخْتارَ أيْسَرَهُما
مَا لَمْ يَأَثَمْ، فَإِذا كانَ الإثْجمُ كانَ
أبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَالله مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي
شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ قَطُّ حتَّى تُنْتَهَكُ حُرَماتُ
الله فَيَنْتَقِمُ لله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَالله مَا
انتقم لنَفسِهِ) أَي: مَا عاقب أحدا على مَكْرُوه أَتَاهُ
من قبله.
وَأخرج الحَدِيث عَن يحيى بن عبد الله بن بكير الْمصْرِيّ
عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد
عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة
بن الزبير الخ، وَمضى فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن
يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة الخ.
قَوْله: (مَا خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
قَالَ ابْن بطال: هَذَا التَّخْيِير لَيْسَ من الله، لِأَن
الله لَا يُخَيّر رَسُوله بَين أَمريْن أَحدهمَا إِثْم
إلاَّ إِن كَانَ فِي الدّين أَحدهمَا يؤول إِلَى الْإِثْم
كالغلو فَإِنَّهُ مَذْمُوم كَمَا لَو أوجب على نَفسه
شَيْئا شاقاً من الْعِبَادَة فيعجر عَنهُ، وَمن ثمَّة نهى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الترهب. وَقَالَ
ابْن التِّين: المُرَاد التخير فِي أَمر الدُّنْيَا، وَأما
أَمر الْآخِرَة فَكل مَا صَعب كَانَ أعظم ثَوابًا. وَقَالَ
الْكرْمَانِي رَحمَه الله: إِن كَانَ التَّخْيِير من
الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله وَالْمُسْلِمين
فَمَعْنَاه مَا لم يؤده إِلَى إِثْم كالتخيير فِي المجاهدة
والاقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ تنجر إِلَى
الْهَلَاك لَا تجوز. قَوْله: (مَا لم يَأْثَم) وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مَا لم يكن إِثْم قَوْله: (كَانَ
أبعدهُمَا مِنْهُ) أَي: كَانَ الْإِثْم أبعد الْأَمريْنِ
من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يُؤْتى)
على
(23/275)
صِيغَة الْمَجْهُول بِالنّصب حول قَوْله:
(فيتقم) يجوز فِيهِ النصب وَالرَّفْع فالنصب عطف على تنتهك
وَالرَّفْع على التَّقْدِير فَهُوَ ينْتَقم لله
11 - (بابُ إقامَةِ الحُدُودِ على الشَّرِيفِ والوضِيعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب إِقَامَة الْحُدُود على
الشريف أَي: على الرجل الْوَجِيه الْمُحْتَرَم عِنْد
النَّاس، والوضيع أَي: الحقير الَّذِي لَا يُبَالِي بِهِ
يَعْنِي: لَا يفرق بَينهمَا فَيتْرك الشريف وَيحد الوضيع.
وَقَالَ الْمُهلب: لَا يحل للأئمة ترك الْحُدُود على
الشريف لوضيع وَأَن من ترك ذَلِك من الْأَئِمَّة فقد خَالف
سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرغب عَن
اتِّبَاع سَبيله.
7876 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابْن
شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ أُسامَةَ كَلَّمَ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأةٍ فَقَالَ:
قَوْله: (إنّما هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ
كانُوا يُقيمُونَ الحَدَّ عَلى الوَضِيعِ وَيَتُرُكُونَ
الشرِيفَ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ {لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ
فَعَلَتْ ذالِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر بني إِسْرَائِيل وَفِي فضل
أُسَامَة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة،
وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة مولى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من أَبَوَيْهِ.
قَوْله: (كلم النَّبِي فِي امْرَأَة) يَعْنِي: شفع فِيهَا،
وَهِي فَاطِمَة المخزومية. قَوْله: (والوضيع) وَقع هُنَا
بِلَفْظ: الوضيع، وَفِي الطَّرِيق الَّذِي يَلِيهِ
بِلَفْظ: الضَّعِيف. وَهِي رِوَايَة الْأَكْثَرين فِي
هَذَا الحَدِيث، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا بِلَفْظ:
الضَّعِيف، وَفِي رِوَايَة لَهُ بِلَفْظ: الدون الضَّعِيف.
قَوْله: (ويتركون الشريف) أَي: يتركون إِقَامَة الْحَد على
الشريف، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: ويتركون
على الشريف، أَي: يتركون الْحَد الَّذِي وَجب عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَن فَاطِمَة فعلت ذَلِك) كَذَا وَقع فِي
الْأُصُول، وَأوردهُ ابْن التِّين بِحَذْف: أَن، ثمَّ
قَالَ: تَقْدِيره: لَو فعلت ذَلِك لِأَن: لَو، يَليهَا
الْفِعْل دون الِاسْم، وَقد أنكر بَعضهم على ابْن التِّين
إِيرَاده هُنَا بِحَذْف: أَن، وَلَيْسَ بموجه، لِأَن ذَلِك
ثَابت هُنَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني،
وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَوَقع عِنْد
النَّسَائِيّ: لَو سرقت فَاطِمَة، وَفَاطِمَة هَذِه هِيَ
بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
21 - (بابُ كَراهِيَةِ الشَّفاعَةِ فِي الحَدِّ إِذا
رُفِعَ إِلَى السُّلْطانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهِيَة الشَّفَاعَة فِي
الْحَد يَعْنِي فِي تَركه إِذا رفع إِلَى السُّلْطَان،
وتقييده بقوله: إِذا رفع إِلَى السُّلْطَان، يدل على
جَوَاز الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود قبل وصولها إِلَى
السُّلْطَان، رُوِيَ ذَلِك عَن أَكثر أهل الْعلم، وَبِه
قَالَ الزبير بن الْعَوام وَابْن عَبَّاس وعمار، وَقَالَ
بِهِ من التَّابِعين: سعيد بن جُبَير وَالزهْرِيّ، وَهُوَ
قَول الْأَوْزَاعِيّ، قَالُوا: لَيْسَ على الإِمَام
التَّجَسُّس على مَا لم يبلغهُ، وَكره ذَلِك طَائِفَة،
فَقَالَ ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: من حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله
فقد ضاد الله فِي حكمه، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأحمد
وَالْحَاكِم وَصَححهُ.
8876 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا اللَّيْثُ
عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، أنَّ قُرَيْشاً أهَمَّهُمُ المَرْأةُ
المَخْزُومِيةُ الّتِي سَرَقَتْ، فقالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ومَنْ يَجْترِى
عَلَيهِ إلاّ أسُامَةُ حِبُّ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم؟ فَكَلَّمَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: (أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟)
ثُمَّ قامَ فَخَطَبَ، قَالَ: (يَا أيُّها النَّاس} إنّما
ضَلَّ مِنْ قَبْلَكُمْ أنّهُمْ كانُوا إِذا سَرَقَ
الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذا سَرقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ
أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وأيْمُ الله لَوْ أنَّ فاطِمَةَ
بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا) .
(23/276)
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة
الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله بأتم مِنْهُ، أخرجه
عَن سعيد بن سُلَيْمَان الْبَزَّاز بتَشْديد الزَّاي
الأولى الْبَغْدَادِيّ عَن اللَّيْث بن سعد ... الخ، كَذَا
هُوَ عَن عَائِشَة عِنْد الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن شهَاب،
وشذ عمر بن قيس الماصر بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة،
فَقَالَ: عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن أم سَلمَة، فَذكر
كَحَدِيث الْبَاب سَوَاء. وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب
السّرقَة وَالطَّبَرَانِيّ، وَقَالَ: تفرد بِهِ عمر بن
قيس، يَعْنِي: من حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب رِوَايَة
الْجَمَاعَة.
قلت: مَا الْمَانِع من رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن
عَائِشَة وَعَن أم سَلمَة كلتيهما.
قَوْله: (أَن قُريْشًا) أَي: الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة،
وَلَكِن الظَّاهِر أَن المُرَاد بهم هَهُنَا من أدْرك،
مِنْهُم الْقِصَّة الَّتِي بِمَكَّة. قَوْله: (أهمتهم)
أَي: جلبت إِلَيْهِم هما، أَو صيرتهم فِي هموم بِسَبَب مَا
وَقع مِنْهَا، يُقَال: أهمني الْأَمر أَي: أقلقني،
وَالْمعْنَى: أهمتهم شَأْن الْمَرْأَة الَّتِي سرقت وَهِي
فَاطِمَة بنت الْأسود بن عبد الْأسد بن عبد الله بن عمر بن
مَخْزُوم، وَهِي بنت أخي أبي سَلمَة بن عبد الْأسد
الصَّحَابِيّ الْجَلِيل الَّذِي كَانَ زوج أم سَلمَة قبل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قتل أَبوهَا كَافِرًا
يَوْم بدر قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب، وَوهم من زعم أَن
لَهُ صُحْبَة، وَقيل: هِيَ أم عمر وَبنت سُفْيَان بن عبد
الْأسد وَهِي بنت عمر الْمَذْكُورَة، وَفِيه نظر. قَوْله:
(الَّتِي سرقت) زَاد يُونُس فِي رِوَايَته: فِي عهد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الْفَتْح،
وَبَين ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته أَن الْمَسْرُوق القطيفة
من بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي
مُرْسل حبيب بن أبي ثَابت أَنَّهَا سرقت حليا، وَيُمكن
الْجمع بِأَن الْحلِيّ كَانَ فِي القطيفة، وَوَقع فِي
رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَن
الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة كَانَت تستعير الْمَتَاع وتجحده،
أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد، وَقد تعلق بِهِ قوم
فَقَالُوا: من اسْتعَار مَا يجب الْقطع فِيهِ وجحده
فَعَلَيهِ الْقطع، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ
أَحْمد: لَا أعلم شَيْئا يَدْفَعهُ، وَخَالفهُم المدنيون
والكوفيون وَجُمْهُور الْعلمَاء وَالشَّافِعِيّ،
وَقَالُوا: لَا قطع فِيهِ، وحجتهم حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ
ابْن الْمُنْذر: قد يجوز أَن تستعير الْمَتَاع وتجحده،
ثمَّ سرقت فَوَجَبَ الْقطع للسرقة. قَوْله: (من يكلم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) أَي: من يشفع
عِنْده فِيهَا أَن لَا تقطع إِمَّا بفعو وَإِمَّا
بِفِدَاء، وَأمر الْفِدَاء جَاءَ فِي حَدِيث مَسْعُود بن
الْأسود، وَلَفظه بعد قَوْله: (أعظمنا ذَلِك فَجِئْنَا
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: نَحن
نفديها بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة، فَقَالَ: تطهر خير لَهَا،
وَكَأَنَّهُم ظنُّوا أَن الْحَد يسْقط بالفدية. قلت:
مَسْعُود بن الْأسود بن حَارِثَة الْقرشِي الْعَدوي كَانَ
من أَصْحَاب الشَّجَرَة وأستشهد يَوْم مُؤْتَة قَوْله:
(وَمن يجترىء عَلَيْهِ) من الاجتراء وَقَالَ بَعضهم يجترىء
يفتعل من الجرأة
قلت: بل من الاجتراء كَمَا قُلْنَا، والجرأة الْإِقْدَام
على الشَّيْء. قَوْله: (حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة أَي: محبوبه، وَكَانَ السَّبَب فِي اخْتِصَاص
أُسَامَة بذلك مَا أخرجه ابْن سعد من طَرِيق جَعْفَر بن
مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، رضوَان الله عَلَيْهِم،
عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لأسامة فِي حد، وَكَانَ إِذا شفع شفعه بتَشْديد الْفَاء
أَي: قيل شَفَاعَته. قَوْله: (فَكلم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) بِالنّصب، وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة:
فَكَلمهُ أُسَامَة. قَوْله: (أَتَشفع؟) بِهَمْزَة
الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (وأيم
الله) بِهَمْزَة الْوَصْل وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي
كتاب الْأَيْمَان، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَة يُونُس،
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، قَوْله: (لَو أَن
فَاطِمَة بنت مُحَمَّد) إِنَّمَا خص فَاطِمَة ابْنَته
رَضِي الله عَنْهَا، لِأَنَّهَا أعز أَهله عِنْده. قَوْله:
(لقطع مُحَمَّد يَدهَا) وَفِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد
والأكثرين: لقطعتُ يَدهَا. وَفِي الأول تَجْرِيد.
31 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة
فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} (الْمَائِدَة: 83)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {وَالسَّارِق
والسارقة} ... إِلَى آخِره، إِنَّمَا ترْجم الْبَاب
بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة لبَيَان أَن قطع يَد
السَّارِق ثَبت بِالْقُرْآنِ وبالأحاديث أَيْضا، وَأطلق
الْيَد، وَالْمرَاد مِنْهَا: الْيَمين، يدل عَلَيْهِ
قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا
أيمانهما} رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن جَابر بن يزِيد عَن
عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ عَن ابْن مَسْعُود.
وَالسَّرِقَة على وزن فعلة بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين
من سرق يسرق من بَاب ضرب يضْرب وَهِي فِي اللُّغَة: أَخذ
الشَّيْء خُفْيَة بِغَيْر إِذن صَاحبه مَالا كَانَ أَو
غَيره، وَفِي الشَّرْع: هِيَ أَخذ مُكَلّف خُفْيَة قدر
عشرَة دَرَاهِم مَضْرُوبَة محرزة بمَكَان أَو حَافظ، وَفِي
الْمِقْدَار خلاف سَنذكرُهُ.
(23/277)
وَفِي كمْ يُقْطَعُ.
أَي: فِي مِقْدَار كم من المَال يقطع؟ وَفِيه خلاف كثير،
فَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: يقطع فِي الْقَلِيل وَالْكثير
وَلَا نِصَاب لَهُ، وَعند الْحَنَفِيَّة: عشرَة دَرَاهِم،
وَعند الشَّافِعِي: ربع دِينَار، وَعند مَالك: قدر
ثَلَاثَة دَرَاهِم، وروى ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة
وَعَن أبي سعيد أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تقطع الْيَد إلاَّ
فِي أَرْبَعَة دَرَاهِم فَصَاعِدا، أَو قطع ابْن الزبير
فِي نَعْلَيْنِ، وَقَالَ ابْن معمر: كَانُوا يتسارقون
السِّيَاط، فَقَالَ عُثْمَان: لَئِن عدتم لأقطعن فِيهِ،
وَكَانَ عُرْوَة بن الزبير وَالزهْرِيّ وَسليمَان بن يسَار
يَقُولُونَ: ثمن الْمِجَن خَمْسَة دَرَاهِم، وَحكى أَبُو
عمر فِي (استذكاره) : عَن عُثْمَان البتي: يقطع فِي
دِرْهَم، وروى مَنْصُور عَن الْحسن أَنه كَانَ لَا يُوَقت
فِي السّرقَة شَيْئا وَيَتْلُو {وَالسَّارِق والسارقة}
وَفِي رِوَايَة قَتَادَة عَنهُ: أجمع على دِرْهَمَيْنِ،
وَذكر عَن النَّخعِيّ: أَرْبَعُونَ درهما، وَعَن ابْن
الزبير: أَنه قطع فِي نصف دِرْهَم، وَعَن زِيَاد: فِي
دِرْهَمَيْنِ، وَعَن أبي سعيد: فِي أَرْبَعَة، وَقيل: تقطع
فِي كل مَاله قمية قل أَو كثر.
وقَطَع عَلَيٌّ رَضِي الله عَنهُ مِنَ الكَفِّ.
أَي: قطع عَليّ بن أبي طَالب يَد السَّارِق من الْكَفّ،
رَوَاهُ أَبُو بكر عَن وَكِيع عَن سَمُرَة ابْن معبد أبي
عبد الرَّحْمَن. قَالَ: رَأَيْت أَبَا خيرة مَقْطُوعًا من
الْمفصل، فَقلت: من قَطعك؟ فَقَالَ: الرجل الصَّالح عَليّ،
أما أَنه لم يظلمني. وَحكى ابْن التِّين عَن بَعضهم قطع
الْيَد من الْإِبِط، وَهُوَ بعيد عَجِيب، وروى سعيد بن
مَنْصُور عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ:
كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقطع عَن الْمفصل،
وَعلي يقطع من مشط الْقدَم، وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق
أبي خبْرَة أَن عليا قطعه من الْمفصل، وَذكر الشَّافِعِي
فِي كتاب (اخْتِلَاف عَليّ وَابْن مَسْعُود) : أَن عليا
كَانَ يقطع من يَد السَّارِق الْخِنْصر والبنصر
وَالْوُسْطَى خَاصَّة، وَيَقُول: أستحي من الله أَن أتركه
بِلَا عمل، وَوَقع فِي بعض نسخ البُخَارِيّ: وَقطع عَليّ
الْكَفّ بِدُونِ كلمة: من.
وَقَالَ قَتادَةُ فِي امْرَأةٍ سَرَقَتْ: فَقُطِعَتْ
شِمالُها لَيْسَ إلاّ ذالِكَ.
وَصله أَحْمد فِي (تَارِيخه) : عَن مُحَمَّد بن الْحسن
الوَاسِطِيّ عَن عَوْف الْأَعرَابِي عَنهُ هَكَذَا،
وَقَالَ قَتَادَة: قَالَ مَالك وَابْن الْمَاجشون: لَا
يجزىء ذَلِك، وَإِذا تعمد الْقَاطِع قطع شِمَاله قَالَ
الْأَبْهَرِيّ: فِيهِ نظر، وَيجوز أَن يُقَال: عَلَيْهِ
الْقود. وَعَن مَالك وَأبي حنيفَة: إِذا غلط الْقَاطِع
فَقطع الْيُسْرَى أَنه يجزىء عَن قطع الْيَمين وَلَا
إِعَادَة عَلَيْهِ، وَعَن الشَّافِعِي وَأحمد: على
الْقَاطِع المخطىء الدِّيَة وَفِي وجوب إِعَادَة الْقطع
قَولَانِ عِنْد الشَّافِعِي، وروايتان عِنْد أَحْمد،
رَحمَه الله.
9876 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدّثنا
إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عَمْرَةَ عنْ
عائِشَةَ قالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبُعٍ دِينارٍ فَصاعِداً) .
مطابقته لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: فِي كم يقطع؟ ظَاهِرَة.
والْحَدِيث يوضحها أَيْضا لِأَنَّهَا مُبْهمَة.
وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف عَن ابْن شهَاب عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن
الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة: فَمُسلم فِي
الْحُدُود أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَآخَرين. وَأَبُو
دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَالتِّرْمِذِيّ
فِيهِ عَن عَليّ بن حجر. وَالنَّسَائِيّ فِي الْقطع عَن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَابْن مَاجَه فِي
الْحُدُود عَن أبي مَرْوَان مُحَمَّد بن عُثْمَان، وَقَالَ
الْمزي: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ عَن
عُرْوَة وَحده، وَرُوِيَ عَنهُ عَن عمْرَة وَحدهَا،
وَرُوِيَ عَنهُ وعنها جَمِيعًا، وَرُوِيَ عَنهُ عَن عمْرَة
عَن عَائِشَة.
قَوْله: (الْيَد) أَي: يَد السَّارِق. قَوْله: (فَصَاعِدا)
، نصب على الْحَال الْمُؤَكّدَة أَي: ذهب ربع دِينَار حَال
كَونه صاعداً إِلَى مَا فَوْقه، وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقع فِي
رِوَايَة مُسلم عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن عمْرَة فَمَا
فَوْقه. وَقَالَ صَاحب (الْمُحكم) : يخْتَص هَذَا
بِالْفَاءِ وَيجوز ثمَّ بدلهَا وَلَا يجوز الْوَاو ...
واحتجت الشَّافِعِيَّة بِهَذَا الحَدِيث على أَن ربع
الدِّينَار أصل فِي الْقطع، وَنَصّ فِيهِ لَا فِيمَا
سواهُ.
(23/278)
قَالُوا: وَحَدِيث ثمن الْمِجَن أَنه كَانَ
ثَلَاثَة دَرَاهِم لَا يُنَافِي هَذَا لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك
كَانَ الدِّينَار اثْنَي عشر درهما فَهِيَ ثمن ربع دِينَار
فَأمكن الْجمع بِهَذَا الطَّرِيق، ويروى هَذَا عَن عمر بن
الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه يَقُول عمر ابْن عبد
الْعَزِيز وَمَالك وَاللَّيْث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ
وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة، وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد بن عَليّ
الظَّاهِرِيّ، وَقَالَ أَحْمد: إِذا سرق من الذَّهَب ربع
دِينَار قطعت، وَإِذا سرق من الدَّرَاهِم ثَلَاثَة
دَرَاهِم قطعت، وَعنهُ: أَن نصابها ربع دِينَار أَو
ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمَة ثَلَاثَة دَرَاهِم من
الْعرُوض والتقويم بِالدَّرَاهِمِ خَاصَّة والأثمان أصُول
لَا يقوم بَعْضهَا بِبَعْض، وَعنهُ: أَن نصابها ثَلَاثَة
دَرَاهِم أَو قيمَة ذَلِك من الذَّهَب وَالْعرُوض، وَقَالَ
عَطاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان
الثَّوْريّ وأيمن الحبشي وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان
وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر: لَا تقطع
حَتَّى يكون عشرَة دَرَاهِم مَضْرُوبَة، وَقَالَ الكاساني:
وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود
مثل مَذْهَبنَا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد وَعبد الرَّحْمَن
بن عمر والدمشقي قَالَا: نَا أَحْمد بن خَالِد الْوَهْبِي
قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أَيُّوب بن
مُوسَى عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قيمَة
الْمِجَن الَّذِي قطع فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عشرَة دَرَاهِم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ: حَدثنَا
عبيد الله بن سعد أَنا عمي حَدثنَا أبي عَن ابْن إِسْحَاق
حَدثنِي عَمْرو بن شُعَيْب أَن عَطاء بن أبي رَبَاح حَدثهُ
أَن عبد الله بن عَبَّاس كَانَ يَقُول: ثمنه عشرَة
دَرَاهِم. وَأخرج النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن
شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: كَانَ ثمن الْمِجَن
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عشرَة
دَرَاهِم.،
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ وابنُ أخِي
الزُّهْرِيِّ ومَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ.
أَي: تَابع إِبْرَاهِيم بن سعد عبد الرَّحْمَن بن خَالِد
الفهمي الْمصْرِيّ واليها، وَتَابعه أَيْضا ابْن أخي
الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم.
وَتَابعه أَيْضا معمر بن رَاشد، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة
تابعوا إِبْرَاهِيم بن سعد فِي روايتهم عَن الزُّهْرِيّ
فِي الِاقْتِصَار على عمْرَة، أما مُتَابعَة عبد
الرَّحْمَن بن خَالِد وَابْن أخي الزُّهْرِيّ فَقَالَ
صَاحب (التَّلْوِيح) : وَتَبعهُ صَاحب (التَّوْضِيح) :
فرواها مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي كِتَابه (علل
أَحَادِيث الزُّهْرِيّ) : عَن روح بن عبَادَة وَمُحَمّد بن
بكر عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعضهم: قَرَأت بِخَط مغلطاي وقلده
شَيخنَا ابْن الملقن: أَن الذهلي أخرجه فِي (علل أَحَادِيث
الزُّهْرِيّ) : عَن مُحَمَّد بن بكر وروح بن عبَادَة
جَمِيعًا عَن عبد الرَّحْمَن وَهَذَا الَّذِي قَالَه لَا
وجود لَهُ بل لَيست لروح وَلَا لمُحَمد بن بكر عَن عبد
الرَّحْمَن رِوَايَة أصلا.
قلت: أَرَادَ بمغلطاي صَاحب (التَّلْوِيح) : وبشيخه صَاحب
(التَّوْضِيح) : وَهَذَا مِنْهُ كَلَام لَا وَجه لَهُ من
وُجُوه: الأول: أَنه نافٍ والمثبت مقدم وَالثَّانِي: أَن
عدم اطِّلَاعه على ذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم اطلَاع صَاحب
(التَّلْوِيح) : عَلَيْهِ أَيْضا وَالثَّالِث: فِيهِ
الْقدح لصَاحب (التَّلْوِيح) : مَعَ أَنه تبعه شَيْخه
باعترافه، فَلَا يتْرك كَلَام شيخين عارفين بِهَذِهِ
الصَّنْعَة مَعَ اطلاعهما عل كتب كَثِيرَة من هَذَا
الْفَنّ ويصغى إِلَى كَلَام من يعطن فِي الأكابر.
وَالرَّابِع: أَن نفي رِوَايَة روح وَرِوَايَة مُحَمَّد بن
بكر عَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد يحْتَاج إِلَى معرفَة
تَارِيخ زمانهم، فَلَا يحكم بذلك بِلَا دَلِيل. وَأما
مُتَابعَة معمر فرواها مُسلم فِي (صَحِيحه) : عَن إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم وَابْن حميد كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق
عَن معمر، وَلَكِن لم يسق لَفظه.
0976 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ عنِ ابنِ
وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ ابنِ
الزُّبَيْرِ وعمْرَةَ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي
رُبُع دِينارٍ) . (انْظُر الحَدِيث 9876 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة وَلَكِن فِيهِ: عَن
ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير وَعمرَة بنت عبد
الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن عَائِشَة بِخِلَاف الطَّرِيق
الَّذِي مضى فَإِن فِيهِ الِاقْتِصَار على عمْرَة، وَهَذَا
أَيْضا مِمَّا يحْتَج بِهِ الشَّافِعِيَّة فِي قطع يَد
السَّارِق فِي ربع دِينَار. وَقَالُوا: هَذَا إِخْبَار من
عَائِشَة عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَدلَّ ذَلِك على أَن مَا ذكر عَنْهَا فِي الحَدِيث
السَّابِق من قطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
ربع دِينَار فَصَاعِدا أَنَّهَا إِنَّمَا أخذت ذَلِك عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا وَقفهَا
عَلَيْهِ، على مَا فِي هَذَا الحَدِيث، لَا من جِهَة
تقويمها لما كَانَ
(23/279)
قطع فِيهِ. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن ذَلِك
بِأَنا كُنَّا نسلم مَا ذكترم من ذَلِك لَو لم يخْتَلف فِي
ذَلِك عَن عَائِشَة، فقد روى ابْن عُيَيْنَة عَن
الزُّهْرِيّ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ يقطع
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي ربع دِينَار
فَصَاعِدا. فَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
الزُّهْرِيّ عَن عمْرَة عَنْهَا إِخْبَار عَن قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَيُونُس هَذَا لَا يُقَارب عنْدكُمْ وَلَا عِنْد
غَيْركُمْ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَكيف تحتجون بقول يُونُس
وتتركون قَول سُفْيَان؟ وَقَالَ بَعضهم: نقل الطَّحَاوِيّ
عَن الْمُحدثين أَنهم يقدمُونَ ابْن عُيَيْنَة فِي
الزُّهْرِيّ على يُونُس، فَلَيْسَ مُتَّفقا عَلَيْهِ
عِنْدهم بل أَكْثَرهم على الْعَكْس، وَمِمَّنْ جزم
بِتَقْدِيم يُونُس على سُفْيَان فِي الزُّهْرِيّ يحيى بن
معِين وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ. انْتهى.
قلت: سُفْيَان إِمَام عَالم ورع زاهد حجَّة ثَبت مجمع على
صِحَة حَدِيثه، وَكَيف يقارنه يُونُس بن يزِيد، وَقد قَالَ
ابْن سعد: كَانَ يُونُس حُلْو الحَدِيث وَكَثِيره،
وَلَيْسَ بِحجَّة، وَرُبمَا جَاءَ بالشَّيْء الْمُنكر.
1976 - حدّثنا عِمْرانُ بنُ مَيْسَرَةَ حَدثنَا عبْدُ
الوارِثِ حَدثنَا الحُسَيْنُ عنْ يَحْيَاى عنْ محَمَّدِ
بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ الأنْصارِيِّ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ
عبْدِ الرَّحْمانِ حدَّثَتْهُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنَّا، حدَّثَتْهُمْ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبُعِ دِينارٍ) . (انْظُر
الحَدِيث 9876 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عمرَان بن
ميسرَة ضد الميمنة عَن عبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ
عَن الْحُسَيْن ابْن ذكْوَان الْمعلم الْبَصْرِيّ عَن يحيى
بن كثير ضد الْقَلِيل عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
الْأنْصَارِيّ عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن، وَهِي بنت
عمته. وَأجَاب الْحَنَفِيَّة عَن هَذَا بِأَنَّهُ روى
أَيْضا مَوْقُوفا على عَائِشَة، رَوَاهُ أَيُّوب عَن عبد
الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة،
وَقَالُوا أَيْضا: إِنَّه تعارضه الْأَحَادِيث الَّتِي
فِيهَا الْقطع فِيمَا دون الْعشْرَة، وَهَذَا يبيحه، وَخبر
الْحَظْر أولى من خبر الْإِبَاحَة.
2976 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا عَبْدَةَ
عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: أخبرَتْني عائِشَةُ أنَّ
يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ
أوْ تُرْسٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عَن عُثْمَان
بن أبي شيبَة هُوَ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة
واسْمه إِبْرَاهِيم الْعَبْسِي الْكُوفِي أَخُو أبي بكر بن
أبي شيبَة عَن عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة
عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن عُثْمَان فِي
الْحُدُود.
قَوْله: (مجن) بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْجِيم من الاجتنان
وَهُوَ الاستتار، وَقَالَ صَاحب (الْمغرب) : الْمِجَن
الترس لِأَن صَاحبه يسْتَتر بِهِ. وَفِي (التَّوْضِيح) :
الْمِجَن والحجفة والترس وَاحِد، والحجفة بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالْفَاء وَهِي الدرفة، وَالَّذِي
يدل عَلَيْهِ لفظ الحَدِيث أَن الْمِجَن والحجفة وَاحِد
لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا بِالتَّنْوِينِ، فالجحفة بَيَان
لَهُ. قَوْله: (أَو ترس) كلمة: أَو، للشَّكّ لِأَن الترس
يطارق فِيهِ بَين جلدين والحجفة قد تكون من خشب أَو عظم
وتغلف بِالْجلدِ وَغَيره، وَلم يعين فِيهِ مِقْدَار ثمن
هَذِه الْأَشْيَاء فَيحْتَمل أَن تكون كل قيمَة وَاحِد
مِنْهَا ربع دِينَار، وَيحْتَمل أَن تكون عشرَة دَرَاهِم،
فَلَا تقوم بِهِ حجَّة لأحد فِيمَا ذهب إِلَيْهِ.
حدّثنا عُثْمانُ حَدثنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ
حَدثنَا هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ مِثْلَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن
عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن حميد بِضَم الْحَاء ابْن عبد
الرَّحْمَن بن حميد الرواسِي ابْن رواس بن كلاب الْكُوفِي
عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. وَأخرجه
مُسلم أَيْضا عَن عُثْمَان. قَوْله: (مثله) أَي: مثل
الحَدِيث السَّابِق عَن عُثْمَان أَيْضا.
3976 - حدّثنا مُحمَّدُ بنُ مُقاتلٍ أخبرنَا عَبْد الله
أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ
قالَتْ: لَمْ تَكُنْ تُقْطَعْ يَدُ السَّارِقِ فِي أدْنَى
مِنْ حَجَفَةٍ أوْ تُرْسٍ كلُّ واحِدٍ مِنْهُما ذُو
ثَمَنٍ. (انْظُر الحَدِيث 2976 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة وَهُوَ مَوْقُوف
أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي عَن عبد الله بن
الْمُبَارك الْمروزِي إِلَى
(23/280)
آخِره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقطع
عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك.
قَوْله: (فِي أدنى) أَي: فِي أقل. قَوْله: (كل وَاحِد
مِنْهُمَا) أَي: من الحجفة والترس، وكل وَاحِد كَلَام
إضافي مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ. قَوْله: (ذُو ثمن)
خَبره وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا ذَا
ثمن، وَزَاد فِيهِ لفظ: كَانَ، وَنصب: ذَا ثمن، ثمَّ
قَالَ: كَذَا ثَبت فِي الْأُصُول ثمَّ قَالَ: وَأفَاد
الْكرْمَانِي أَنه وَقع فِي بعض النّسخ: وَكَانَ كل وَاحِد
مِنْهُمَا ذُو ثمن، بِالرَّفْع وخرجه على تَقْدِير ضمير
الشان فِي كَانَ. انْتهى.
قلت: هَذَا التَّصَرُّف مِنْهُمَا مَا أبعده، أما قَول
هَذَا الْقَائِل: كَذَا ثَبت فِي الْأُصُول غير مُسلم، بل
الَّذِي ثَبت فِي الْأُصُول هُوَ الْعبارَة الَّتِي
ذَكرنَاهَا لِأَنَّهَا على الْقَاعِدَة السالمة عَن
الزِّيَادَة فِيهِ المؤدية إِلَى تَقْدِير شَيْء، وَأما
كَلَام الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ وَقع فِي بعض النّسخ غير
مُسلم أَيْضا، لِأَن مثل هَذَا الَّذِي يحْتَاج فِيهِ
إِلَى تَأْوِيل غَالِبا من النساخ الجهلة، وَقَالَ
الْكرْمَانِي أَيْضا: قَوْله: (ذُو ثمن) إِشَارَة إِلَى
أَن الْقطع لَا يكون فِيمَا قل بل يخْتَص بِمَالِه ثمن
ظَاهر.
قلت: زَاد الْإِبْهَام على مَا فِي الحَدِيث من
الْإِبْهَام فَإِذا كَانَ الترس الْمَسْرُوق يُسَاوِي أقل
من ربع دِينَار يَنْبَغِي أَن يقطع لِأَنَّهُ ثمن ظَاهر،
وَلَو كَانَ درهما وَاحِدًا، وإمامه لم يقل بِهِ.
روَاهُ وكِيعٌ وَابْن إدْرِيسَ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ
مُرْسلاً.
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور وَكِيع بن الْجراح
الْكُوفِي وَعبد الله بن إِدْرِيس الأودي الْكُوفِي عَن
هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا، لِأَنَّهُ لم يرفع إِسْنَاده،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّه خلاف الِاصْطِلَاح
الْمَشْهُور فِي المرسلات، أما رِوَايَة وَكِيع فأخرجها
ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَنهُ وَلَفظه: عَن هِشَام
عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ السَّارِق فِي عهد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يقطع فِي ثمن الْمِجَن، وَكَانَ
الْمِجَن يومئذٍ لَهُ ثمن وَلم يكن قطع فِي الشَّيْء
التافه، وَأما رِوَايَة عبد الله بن إِدْرِيس فأخرجها
الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) : وَالْبَيْهَقِيّ من
طَرِيق يُوسُف بن مُوسَى عَن جرير ووكيع وَعبد الله بن
إِدْرِيس ثَلَاثَتهمْ عَن هِشَام عَن أَبِيه، فَذكره.
4976 - حدّثني يُوسُفُ بنُ مُوسَى حَدثنَا أبُو أُسامَةَ
قَالَ هِشامُ بنُ عُرْوةَ: أخبرنَا عنْ أبِيهِ عنْ
عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: لَمْ تُقْطَعْ يَدُ
سارِقٍ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
أدْنَى مِنْ ثَمَنِ المِجَنَّ تَرْسٍ أوْ حَجَفَةٍ وكانَ
كلُّ واحِدٍ مِنْهُما ذَا ثَمَن. (انْظُر الحَدِيث 2976
وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عَن يُوسُف بن
مُوسَى بن رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الْكُوفِي سكن
بَغْدَاد عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن هِشَام
... الخ وَأخرجه مُسلم عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة
بِهِ.
قَوْله: (أخبرنَا) أَي: أخبرنَا هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة
عَن عَائِشَة، وَبَقِيَّة الشَّرْح قد مرت عَن قريب.
5976 - حدّثني إسْماعِيلُ حدّثني مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ
نافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ عَبْدِ الله
بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ
دَراهَمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي أويس واسْمه عبد الله ابْن أُخْت مَالك.
وَأخرجه مُسلم عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك. وَأخرجه
الطَّحَاوِيّ من خمس طرق صِحَاح بينتها فِي (شرح مَعَاني
الْآثَار) : قَالَ ابْن حزم: لم يروه عَن عمر إلاَّ
نَافِع، وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ أصح حَدِيث رُوِيَ فِي
ذَلِك، وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ قيمَة الْمِجَن الَّذِي قطع بِهِ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة دَرَاهِم، وَعَن عمر بن شُعَيْب
عَن أَبِيه عَن جده مثله. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا،
وروى عَن أم أَيمن مثله، وَلما وَقع الِاخْتِلَاف فِي
مِقْدَار قيمَة الْمِجَن اختبط فِي ذَلِك، فَلم يقطع إلاَّ
فِيمَا أجمع عَلَيْهِ، وَهُوَ عشرَة دَرَاهِم أَو دِينَار.
تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ إسْحاقَ.
يَعْنِي عَن نَافِع فِي قَوْله: عَنهُ، وَوَصلهَا
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَن
مَالك وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَعبيد الله بن عمر
(23/281)
ثَلَاثَتهمْ عَن نَافِع عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قطع فِي مجن ثمنه ثَلَاثَة
دَرَاهِم.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني نافِعٌ: قِيمَتُهُ.
أَرَادَ أَن اللَّيْث بن سعد رَوَاهُ عَن نَافِع كالجماعة
لَكِن قَالَ: قِيمَته، بدل قَوْلهم: ثمنه، وَرَوَاهُ مُسلم
عَن قُتَيْبَة، وَمُحَمّد بن رمج عَن اللَّيْث عَن نَافِع
عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع
سَارِق فِي مجن، قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم، قَوْله: قطع،
مَعْنَاهُ أَمر بِالْقطعِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يُبَاشر الْقطع بِنَفسِهِ، وَقد رُوِيَ أَن
بِلَالًا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ الَّذِي بَاشر
قطع يَد الْمَرْأَة المخزومية، فَيحْتَمل أَنه كَانَ
موكلاً بذلك، وَيحْتَمل غَيره. قَوْله: (قِيمَته) قيمَة
الشَّيْء مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الرَّغْبَة فِيهِ، وَمن
رَوَاهُ بِلَفْظ الثّمن متجوز، وَأما أَن الْقيمَة وَالثمن
كَانَا حينئذٍ مستويين.
6976 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا جُوَيْرِيَةُ
عنْ نافعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَطَعَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَة دَراهِمَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن عمر أخرجه عَن
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي عَن جوَيْرِية بن
أَسمَاء الضبعِي عَن نَافِع ... الخ. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
7976 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَاى عنْ عُبَيْدِ
الله قَالَ: حدّثني نافِعٌ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَطَعَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ
ثَلاَثةُ دَرَاهِمَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن مُسَدّد
عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن
عَاصِم بن عمر بن الْخطاب عَن نَافِع. وَأخرجه مُسلم عَن
ابْن نمير عَن أَبِيه عَن عبيد الله نَحوه.
8976 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدّثنا أبُو
ضَمْرَةَ حدّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ عبدَ
الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَطَعَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَ سارِقٍ فِي مِجَنٍّ
ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ درَاهِمِ.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر
الْحزَامِي الْمَدِينِيّ عَن أبي ضَمرَة بِفَتْح الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء واسْمه أنس بن
عِيَاض عَن مُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف
... الخ، وَهُوَ من أَفْرَاده.
9976 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلُ حَدثنَا عَبْدُ
الوَاحِدِ حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَعِنَ الله السَّارِقَ
يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، ويَسْرِقُ
الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) . (انْظُر الحَدِيث 3876) .
هَذَا حَدِيث قد مضى عَن قريب فِي: بَاب لعن السَّارِق
إِذا لم يسم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص
عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي
هُرَيْرَة. وَهنا أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
الْمنْقري الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي
عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش
عَن أبي صَالح ذكْوَان الزيات عَن أبي هُرَيْرَة ... الخ
وَوجه إِعَادَته فِي هَذَا الْبَاب يُمكن أَن يكون
إِشَارَة إِلَى أَن الْبَيْضَة وَالْحَبل الْمَذْكُور
فيهمَا الْقطع مِمَّا يبلغ قيمتهمَا ربع دِينَار أَو عشرَة
دَرَاهِم على الِاخْتِلَاف بِقَرِينَة الْأَحَادِيث
الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب، فَلذَلِك خَتمهَا
بِهَذَا الحَدِيث، وَقد ذكر بَعضهم هُنَا كلَاما لَا يعجب
سامعه فَلذَلِك تركته.
41 - (بابُ تَوْبَةِ السَّارِقِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَوْبَة السَّارِق إِذا تَابَ
أَي: هَل تفيده فِي رفع اسْم الْفسق عَنهُ حَتَّى تقبل
شَهَادَته أم لَا؟ فَحَدِيث الْبَاب يدل
(23/282)
على قبُول تَوْبَته لقَوْل عَائِشَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا: فتابت وَحسنت توبتها، فَإِذا كَانَ
كَذَلِك تسمع شَهَادَته، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي قبُول
شَهَادَته فِي كل شَيْء مِمَّا حد فِيهِ وَفِي غَيره
فَقَالَ مَالك فِي الْقَذْف وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة
وَغَيرهَا، إِذا تَابُوا قبلت شَهَادَتهم إِذا زادوا فِي
الصّلاح، وَعنهُ: تقبل فِي كل شَيْء إلاَّ فِي الْقَذْف
وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة، وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا تقبل
شَهَادَة الْقَاذِف وَإِن تَابَ وَحسنت تَوْبَته وحاله،
وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: يحْتَمل
أَن يسْقط كل حق لله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ، وَعَن
اللَّيْث وَالْحسن: لَا يسْقط شَيْء من الْحُدُود، وَعَن
الطَّحَاوِيّ: لَا يسْقط إلاَّ قطع الطَّرِيق لوُرُود
النَّص فِيهِ.
0086 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدّثني
ابنُ وهْبٍ عنْ يُونسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ
عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَطَعَ
يَدَ امْرأةٍ، قالَتْ عائِشَةَ وكانَتْ تأتِي بَعْدَ ذلِكَ
فأرْفَعُ حاجَتَها إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فتابَتْ وحَسُنَتْ تَوْبَتُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث لِأَن
الْوَصْف بالْحسنِ يَقْتَضِي أَن هَذَا الْوَصْف إِنَّمَا
يثبت للتائب مثل هَذَا.
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس
يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد
عَن مُحَمَّد بن مُسلم ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة
بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الشَّهَادَات عَن
إِسْمَاعِيل ابْن عبد الله إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
1086 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ
حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ عنْ أبي إدْرِيسَ عنْ عُبادَةَ بن الصَّامِتِ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بايَعْتُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي رَهْطٍ فَقَالَ: (أُبايِعُكُمْ عَلى
أنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئاً وَلَا تَسْرِقُوا
وَلَا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ وَلَا تَأْتوا بِبُهْتانٍ
تَفْتَرُونهُ بَيْنَ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلِكُمْ، وَلَا
تَعْصُونِي فِي مَعْرُوف، فَمَنْ وَفاى مِنْكُمْ فأجْرُهُ
عَلى الله، ومَنْ أصابَ من ذالِكَ شَيْئاً فأُخِذَ بِهِ
فِي الدُّنيْا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لهُ وطهُورٌ، ومَنْ
سَتَرَهُ الله فَذالِكَ إِلَى الله إنْ شاءَ عَذَّبَهُ
وإنْ شاءَ غَفَرَ لهُ) .
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من أقيم عَلَيْهِ
الْحَد وصف بالتطهر فَإِذا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك أَنه
تَابَ فَإِنَّهُ يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فيقتضى
ذَلِك قبُول شَهَادَته أَيْضا.
وَأخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْيَمَان أبي
جَعْفَر الْجعْفِيّ بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جَعْفَر بن سعد
الْعَشِيرَة من مذْحج، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ أَبُو
قَبيلَة من الْيمن وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك وَهُوَ
الْمَعْرُوف بالمسندي، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن
رَاشد، وَأَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله.
والْحَدِيث مضى فِي الْإِيمَان عقيب: بَاب عَلامَة
الْإِيمَان فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن
شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي إِدْرِيس عَائِد الله بن
عبد الله عَن عبَادَة بن الصَّامِت إِلَى آخِره، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: إِذا تابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا
قُطِعَ يَدُهُ قُبِلَتْ شَهادَتُهُ، وكُلُّ مَحْدُودٍ
كَذالِكَ إِذا تَابَ قُبِلَتْ شَهادَتُهُ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، هَذَا ثَبت فِي
رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني وَحده، وَفِيه خلاف،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (إِذا تَابَ قبلت
شَهَادَته) وَفِي بعض النّسخ: إِذا تَابَ أَصْحَابهَا قبلت
شَهَادَتهم، وَالله أعلم.
(23/283)
51 - (كِتابُ المُحارِبِينَ مِنْ أهْلِ
الكُفْرِ والرِّدَّةِ)
أَي هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْمُحَاربين من أهل
الْكفْر وَالرِّدَّة، وَقَالَ بَعضهم فِي كَون هَذِه
التَّرْجَمَة فِي هَذَا الْموضع إِشْكَال وأظنها مِمَّا
انْقَلب على الَّذين نسخوا كتاب الْبَارِي من المسودة،
وَالَّذِي يظْهر أَن محلهَا بَين كتاب الدِّيات وَبَين
اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين، وَأطَال الكلامم فِيهِ.
قلت: هَذَا بعيد جدا لتوفر الدَّوَاعِي من ضباط هَذَا
الْكتاب من حِين أَلفه البُخَارِيّ إِلَى يَوْمنَا وَلَا
سِيمَا اطلَاع خلق كثير من أكَابِر الْمُحدثين وأكابر
الشُّرَّاح عَلَيْهِ. والمناسبة فِي وضع هَذِه
التَّرْجَمَة هُنَا مَوْجُودَة لِأَن كتاب الحدودالذي قبله
مُشْتَمل على أَبْوَاب مُشْتَمِلَة على شرب الْخمر
وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا، وَهَذِه معاصٍ دَاخِلَة فِي
محاربة الله وَرَسُوله. وَأَيْضًا قد ثَبت فِي بعض النّسخ
فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد قَوْله: من أهل الْكفْر
وَالرِّدَّة، وَمن يجب عَلَيْهِ حد الزِّنَا، وقدضم حد
الزِّنَا إِلَى الْمُحَاربين فَيكون دَاخِلا فِيهَا
لإفضائه إِلَى الْقَتْل فِي بعض الصُّور، وَقَالَ هَذَا
الْقَائِل أَيْضا: وعَلى هَذَا فَالْأولى أَن يُبدل لفظ
كتاب بِبَاب وَتَكون الْأَبْوَاب كلهَا دَاخِلَة فِي كتاب
الْحُدُود.
قلت: فِيهِ أَبْوَاب لَا تتَعَلَّق إلاَّ بِغَيْر مَا
تتَعَلَّق بالمحاربين فحينئذٍ ذكره بِلَفْظ كتاب أولى
لِأَنَّهُ يشْتَمل على أَبْوَاب.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ
يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى
الاَْرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُو اْ أَوْ يُصَلَّبُو اْ
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ
أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الاَْرْضِ ذاَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى
الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
(الْمَائِدَة: 33) [/ ح.
وَقَول الله: بِالْجَرِّ عطف على الْمُحَاربين، سيقت هَذِه
الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى {من الأَرْض} فِي رِوَايَة
كَرِيمَة وَغَيرهَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {إِنَّمَا
جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} . . الْآيَة.
وَظَاهر كَلَام البُخَارِيّ أَنه يُرِيد بالذين
يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله فِي الْآيَة الْكَرِيمَة
الْكفَّار لَا قطاع الطَّرِيق. وَقَالَ الْجُمْهُور: هِيَ
فِي حق القطاع، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَمِمَّنْ قَالَ: إِن هَذِه
الْآيَة نزلت فِي أهل الشّرك: الْحسن وَالضَّحَّاك
وَعَطَاء وَالزهْرِيّ، وَقَالَ ابْن الْقصار: وَقيل: نزلت
فِي أهل الذِّمَّة الَّذين نقضوا الْعَهْد، وَقيل: فِي
الْمُرْتَدين، وَكله خطأ، وَلَيْسَ قَول من قَالَ: إِن
الْآيَة، وَإِن كَانَت نزلت فِي الْمُسلمين، منَاف فِي
الْمَعْنى لقَوْل من قَالَ: إِنَّهَا نزلت فِي أهل
الرِّدَّة وَالْمُشْرِكين، لِأَن الْآيَة، وَإِن كَانَت
نزلت فِي الْمُرْتَدين بأعيانهم فلفظها عَام يدْخل فِي
مَعْنَاهُ كل من فعل مثل فعلهم من الْمُحَاربَة وَالْفساد
فِي الأَرْض.
وَأما تَرْتِيب أَقْوَال الْعلمَاء الَّذين جعلُوا الْآيَة
نزلت فِي الْمُسلمين فِي حد الْمُحَارب الْمُسلم. فَقَالَ
مَالك: إِذا أشهر السِّلَاح وأخاف السَّبِيل وَلم يقتل
وَلم يَأْخُذ مَالا كَانَ الإِمَام مُخَيّرا فِيهِ، فَإِن
رأى أَن يقْتله أَو يصلبه أَو يقطع يَده وَرجله من خلاف،
أَو يَنْفِيه فعل ذَلِك. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ
وَالشَّافِعِيّ: إِذا لم يقتل وَلَا أَخذ مَالا لم يكن
عَلَيْهِ إلاَّ التعزيز وَإِنَّمَا يقْتله الإِمَام إِن
قتل ويقطعه إِن سرق ويصلبه إِذا أَخذ المَال وَقتل وينفيه
إِذا لم يفعل شَيْئا من ذَلِك، وَلَا يكون الإِمَام
مُخَيّرا فِيهِ، وَالنَّفْي عِنْد الشَّافِعِي التَّعْزِير
بِالْإِخْرَاجِ من بَلَده. وَقَالَ: الْجُمْهُور من
الْمَالِكِيَّة: النَّفْي الْحَبْس فِي بلد آخر وَفِي
(التَّلْوِيح) : قَول أبي حنيفَة: الْحَبْس ضد النَّفْي
وَالنَّفْي هُوَ الْإِخْرَاج عَن الوطن لِأَنَّهُ أبلغ فِي
الردع ثمَّ يحبس فِي الْمَكَان الَّذِي يخرج إِلَيْهِ
حَتَّى تظهر تَوْبَته، هَذِه حَقِيقَة النَّفْي.
2086 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا الوَلِيدُ
بنُ مُسْلِمٍ حدّثنا الأوْزاعِيُّ حدّثني يَحْيَاى بنُ أبي
كَثِير قَالَ: حدّثني أبُو قِلابَةَ الجرْمِيُّ عنْ أنَسٍ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَدِمَ عَلى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَفَرٌ منْ عُكْلٍ فأسْلَمُوا، فاجْتَوَوْا
المَدِينَة فأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ
فَيَشْرَبُوا مِنْ أبْوالِها وألْبانِها، فَفَعَلُوا
فَصَحُّوا فارْتَدُّوا وقَتلُوا رُعاتَها واسْتاقوها،
فَبَعَثَ فِي آثارِهمْ فأُتِي بِهِمْ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ
وأرْجُلَهُمْ وسَمَلَ أعْيُنَهُمْ ثمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ
حَتَّى ماتُوا.
(23/284)
قَالَ ابْن بطال: ذهب البُخَارِيّ إِلَى
أَن آيَة الْمُحَاربَة نزلت فِي أهل الْكفْر وَالرِّدَّة،
وسَاق حَدِيث العرنيين، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بذلك،
وَلَكِن روى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة حَدِيث
العرنيين وَفِي آخِره قَالَ: فَبَلغنَا أَن هَذِه الْآيَة
نزلت فيهم: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله
وَرَسُوله} (الْمَائِدَة: 33)
الْآيَة. وَوَقع مثله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
وَشَيخ البُخَارِيّ عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن
الْمَدِينِيّ، والوليد بن مُسلم الْأمَوِي،
وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَأَبُو
قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن الْجرْمِي بِفَتْح
الْجِيم وَسُكُون الرَّاء أُرِيد على الْقَضَاء
بِالْبَصْرَةِ فهرب إِلَى الشَّام فَمَاتَ بهَا سنة أَربع
أَو خمس وَمِائَة فِي ولَايَة يزِيد بن عبد الْملك.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب أَبْوَال
الْإِبِل وَالدَّوَاب وَالْغنم، عَن سُلَيْمَان بن حَرْب
وَفِي الْجِهَاد عَن مُعلى بن أَسد وَفِي التَّفْسِير عَن
عَليّ بن عبد الله وَفِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (نفر من عكل) النَّفر رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته
وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة
مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَلَا وَاحِد لَهُ
من لَفظه، وعكل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف
قَبيلَة. قَوْله: (فاجتووا) من الاجتواء أَي: كَرهُوا
الْإِقَامَة بِالْمَدِينَةِ لسقم أَصَابَهُم. قَوْله:
(وسمل أَعينهم) ، أَي: فقأها وأذهب مَا فِيهَا. قَوْله:
(وَلم يحسمهم) يُقَال: حسم الْعرق كواه بالنَّار لينقطع
دَمه، وقدمرا لكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
61 - (بابٌ لَمْ يَحْسِمِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
المُحارِبِينَ مِنْ أهْلِ الرِّدَّةِ حتَّى هَلَكُوا)
أَي: هَذَا بَاب يذكرفيه لم يحسم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وقدمر تَفْسِير الحسم الْآن، وَقَالَ
الدَّاودِيّ: الحسم هُنَا أَن تُوضَع اليدبعد الْقطع فِي
زَيْت حَار، هَذَا من صور الحسم وَلَيْسَ مَقْصُورا
عَلَيْهِ.
3086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ أبُو يَعْلَى
حدّثنا الوَلِيدُ حدّثني الأوْزاعِيُّ عنْ يَحْيَاى عنْ
أبي قِلابَةَ عَن أنَسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَطَعَ العُرَنِيِّينَ ولَمْ يحسِمْهُمْ حتَّى
ماتُوا.
(23/285)
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس وضع لَهُ
تَرْجَمَة سمر الْأَعْين.
وَأخرجه عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب
السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة عبد الله عَن أنس.
قَوْله: (بلقاح) بِكَسْر اللَّام جمع اللقحة وَهِي
النَّاقة الحلوب. قَوْله: (حَتَّى إِذا برئوا) من برأت من
الْمَرَض أَبْرَأ بِالْفَتْح فَأَنا بارىء، وأبرأني الله
من الْمَرَض وغي أهل الْحجاز يَقُولُونَ: بَرِئت
بِالْكَسْرِ برأَ بِالضَّمِّ. قَوْله: (النعم)
بِفتْحَتَيْنِ واحدالأنعام وَهِي المَال الراعية وَأكْثر
مَا يَقع هَذَا الِاسْم على الْإِبِل، قَالَ الْفراء:
هَذَا ذكر لَا يؤنث، يقولو: هَذَا نعم وَارِد، وَيجمع على:
نعْمَان، مثل: جمل وجملان، والإنعام يذكر وَيُؤَنث.
قَوْله: (حَتَّى جِيءَ بهم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
حَتَّى أُتي بهم. قَوْله: (وألقوا) بِضَم الْهمزَة على
صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (قَالَ أَبُو قلَابَة) هُوَ عبد الله الرَّاوِي.
قَوْله: (هَؤُلَاءِ) أَي: العكليون أَو العرنيون (قوم
سرقوا)
الخ.
(23/286)
91 - (بابُ فَضْلِ مَنْ تَرَكَ الفَواحِشَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من ترك الْفَوَاحِش جمع
فَاحِشَة وَهِي كل مَا اشْتَدَّ قبحه من الذُّنُوب فعلا
أَو قولا، وَكَذَا الْفَحْشَاء وَالْفُحْش، وَمِنْه
الْكَلَام الْفَاحِش، وَيُطلق غَالِبا على الزِّنَا
وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه
كَانَ فَاحِشَة} (الْإِسْرَاء: 23) .
6086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامِ أخبرنَا عَبْدُ الله
عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ خُبَيْبِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمانِ عنْ حَفْصٍ بنِ عاصِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمُ الله يَوْمَ القِيامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ
لَا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأ فِي
عِبادَةِ الله، ورَجُلٌ ذَكَرَ الله فِي خَلاءِ فَفاضَتْ
عَيْناهُ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسْجِدِ،
ورَجُلانِ تَحابَّا فِي الله، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرأةٌ
ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ إِلَى نَفْسِها، قَالَ: إِنِّي
أخافُ الله، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفاها حتَّى
لَا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَرجل دَعَتْهُ
امْرَأَة) إِلَى قَوْله: (وَرجل تصدق) وَلَا يخفى فضل
هَذَا، عِنْد الله تَعَالَى.
قَوْله: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام ويروى حَدثنِي مُحَمَّد
بن سَلام، وَقد وَقع فِي غَالب النّسخ: مُحَمَّد، غير
مَنْسُوب فَقَالَ أَبُو عَليّ الغساني: وَقع فِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِي رِوَايَة
الْقَابِسِيّ مُحَمَّد بن سَلام. قَالَ الْكرْمَانِي:
وَالْأول هُوَ الصَّوَاب.
قلت: لِأَنَّهُ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد أخبرنَا عبد الله
هُوَ ابْن الْمُبَارك وَمُحَمّد بن مقَاتل مَشْهُور
بالرواية عَنهُ وَكِلَاهُمَا مروزيان، وَعبيد الله بن عمر
بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ بَاء
مُوَحدَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن خبيب الْأنْصَارِيّ
الْمدنِي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن مُسَدّد، وَفِي
الصَّلَاة وَفِي الرقَاق عَن مُحَمَّد بن بشار، ومضي
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (إلاَّ ظله) إِضَافَة الظل إِلَى الله تَعَالَى
إِضَافَة تشريف إِذْ الظل الْحَقِيقِيّ هُوَ منزه عَنهُ
لِأَنَّهُ من خَواص الْأَجْسَام، وَقيل: ثمَّة مَحْذُوف
أَي: ظلّ عَرْشه، وَقيل: المُرَاد مِنْهُ الكنف من المكاره
فِي ذَلِك الْموقف الَّذِي تَدْنُو الشَّمْس مِنْهُم ويشتد
عَلَيْهِم الْحر ويأخذهم الْعرق، يُقَال: فلَان فِي ظلّ
فلَان أَي: فِي كنفه وحمايته. قَوْله: (عَادل) هُوَ
الْوَاضِع كل شَيْء فِي مَوْضِعه. قَوْله: (وشاب) قيل: لم
يقل: رجل، لِأَن الْعِبَادَة فِي الشَّاب أشق وَأَشد
لغَلَبَة الشَّهَوَات. قَوْله: (فِي خلاء) أَي: فِي مَوضِع
هُوَ وَحده إِذْ لَا يكون فِيهِ شَائِبَة الرِّيَاء.
قَوْله: (فَفَاضَتْ عَيناهُ) قيل: الْعين لَا تقبض بل
الدمع. وَأجِيب: أَنه أسْند الْفَيْض إِلَيْهَا مُبَالغَة
كَقَوْلِه تَعَالَى: {ترى أَعينهم تفيض من الدمع}
(الْمَائِدَة: 38) قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) أَي:
بِالْمَسْجِدِ، وَمَعْنَاهُ شَدِيد الْمُلَازمَة
للْجَمَاعَة فِيهِ. قَوْله: (تحابا) أَصله: تحابيا أدغمت
الْبَاء فِي الْبَاء قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ نَحْو
تبَاعد، إِلَّا نَحْو: تجاهلا، قَوْله: (فِي الله) أَي:
بِسَبَبِهِ كَمَا ورد: فِي النَّفس المؤمنة مائَة من إبل
أَي: بِسَبَبِهَا أَي: لَا تكون الْمحبَّة لغَرَض
دُنْيَوِيّ. قَوْله: (ذَات منصب) أَي: ذَات حسب وَنسب
وخصصها بِالذكر لِكَثْرَة الرَّغْبَة فِيهَا. قَوْله: (لَا
تعلم) يجوز بِالرَّفْع وَالنّصب وَذكر الْيَمين وَالشمَال
مُبَالغَة فِي الْإخْفَاء أَي: لَو قدرت الشمَال رجلا
متيقظاً لما علم صَدَقَة الْيَمين لمبالغته فِي
الْإِسْرَار وَهَذَا فِي صَدَقَة التَّطَوُّع.
7086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ حدّثنا عُمَرُ بنُ
عَلِيٍّ.
(ح) وحدّثني خَلِيفَةُ حدّثنا عُمَرُ بنُ عَليٍّ حدّثنا
أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا
بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ تَوَكَّلْتُ
لهُ بالجَنَّةِ) . (انْظُر الحَدِيث 4746) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من حفظ لِسَانه وفرجه
يكون لَهُ فضل من ترك الْفَوَاحِش.
وَمُحَمّد بن أبي بكر الْمقدمِي بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول
من التَّقْدِيم، يروي عَن عَمه عمر بن عَليّ وَهُوَ
مَوْصُوف بالتدليس، لكنه صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي هَذِه
(23/287)
الرِّوَايَة، وَقد أوردهُ فِي الرقَاق عَن
مُحَمَّد بن أبي بكر وَحده وقرنه هُنَا بخليفة بن خياط.
وسَاق الحَدِيث على لفظ خَليفَة وَهُوَ أَيْضا من مشايخه،
وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي واسْمه
سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد
بن عبد الْأَعْلَى وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب.
قَوْله: (من توكل) أَي: من تكفل، وأصل التَّوْكِيل
الِاعْتِمَاد على الشَّيْء والوثوق بِهِ. قَوْله: (مَا
بَين رجلَيْهِ) أَي: فرجه. قَوْله: (وَمَا بَين لحييْهِ)
أَي: لِسَانه، وَقيل: نطقه ولحييه بفت اللَّام وَهُوَ مبنت
اللِّحْيَة والأسنان وَيجوز كسر اللَّام، وَإِنَّمَا ثنى
لِأَن لَهُ أَعلَى وأسفل، وَأكْثر بلَاء الْإِنْسَان من
هذَيْن العضوين، فَمن سلم من ضررهما فقد سلم من الْعَذَاب.
قَوْله: (لَهُ بِالْجنَّةِ) ، بِالْبَاء عِنْد
الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي
والسرخسي بِحَذْف الْبَاء.
02 - (بابُ إثْمِ الزُّناةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم الزناة، وَهُوَ جمع زانٍ
كعصاة جمع عَاص، وَتعلق هَذَا الْبَاب بِالْكتاب ارْتِكَاب
مَا حرم الله وَهُوَ دَاخل فِي محاربة الله وَرَسُوله.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَا يزنون} (الْفرْقَان: 86)
{وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء
سَبِيلا} (الْإِسْرَاء: 23)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على إِثْم الزناة. قَوْله:
{وَلَا يزنون} من الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان وأولها:
{وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا
يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلاّ بِالْحَقِّ وَلَا
يزنون} ... الْآيَة وَعَن ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من أهل
الشّرك قد قتلوا فَأَكْثرُوا وزنوا فَأَكْثرُوا ثمَّ
أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالُوا: إِن
الَّذِي تَقول وتدعونا إِلَيْهِ لحسن لَو تخبرنا أَن لما
عَمِلْنَاهُ كَفَّارَة، فَنزلت: {وَالَّذين لَا يدعونَ}
الْآيَة وَقيل: نزلت فِي وَحشِي غُلَام بن مطعم. قَوْله:
{وَلَا تقربُوا} الْآيَة بِالْقصرِ على الْأَكْثَر
والمدلغة، وَالْمرَاد مِنْهُ النَّهْي عَن مُقَدمَات
الزِّنَا كالمس والتقبيل وَنَحْوهمَا، وَلَو كَانَ
المُرَاد مِنْهُ نفس الزِّنَا لقَالَ: لَا تَزْنُوا.
9086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى أخبرنَا إسْحاقُ
بنُ يُوسُفَ أخبرنَا الفُضَيْلُ بنُ غَزْوانَ عنْ
عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا،
قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا
يَزْنِي العَبْدُ حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمنٌ،
(23/288)
وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ
مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حينَ يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ،
وَلَا يَقْتُلُ وهْوَ مُؤْمِنٌ) . (انْظُر الحَدِيث 2876)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث وَإِسْحَاق بن
يُوسُف الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بالأزرق، والفضيل مصغر فضل
بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان بِفَتْح الْعين
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي.
والْحَدِيث مر فِي أول كتاب الْحُدُود وَهُنَاكَ فِيهِ:
قَضِيَّة النهبة، وَهنا قَوْله: وَلَا يقتل وَهُوَ مُؤمن
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ
يُنْزَعُ الإيمانُ مِنْهُ؟ قَالَ: هاكَذَا، وشَبَّكَ
بَيْنَ أصابِعِهِ ثُمَّ أخْرَجَها، فإنْ تابَ عادَ إلَيْهِ
هاكَذا، وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ.
قَوْله: (قَالَ عِكْرِمَة) ، مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: (كَيفَ ينْزع الْإِيمَان مِنْهُ؟) يَعْنِي: عِنْد
ارْتِكَاب إِحْدَى هَذِه الْأُمُور الْمَذْكُورَة وَهِي
الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَقتل النَّفس
الْمُحرمَة. قَوْله: (فَإِن تَابَ) أَي: المرتكب من هَذِه
الْأُمُور عَاد أَي الْإِيمَان إِلَيْهِ.
0186 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ
ذَكْوَان عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَزْنِي
الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ
حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ
يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ
بَعْدُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا يَزْنِي الزَّانِي
حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن) .
وآدَم هوابن أبي إِيَاس يروي عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان
الْأَعْمَش عَن ذكْوَان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ
أَبُو صَالح الزيات.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان، وَالنَّسَائِيّ
فِي الْقطع وهما جَمِيعًا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
قَوْله: (وَالتَّوْبَة معروضة بعد) أَي: معروضة على فاعلها
بعد ذَلِك، يَعْنِي: بَاب التَّوْبَة مَفْتُوح عَلَيْهِ
بعد فعلهَا.
1186 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عَليٍّ حَدثنَا يَحْيَاى
حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: حدّثني مَنْصُورٌ وسُلَيْمانُ عنْ
أبي وائِلٍ عنْ أبي مَيْسَرَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رسُولَ الله {أيُّ الذَّنْبِ
أعْظَمُ؟ قَالَ: قَوْله: (أنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وهْوَ
خَلَقَكَ) قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: (أنْ تَقْتُلَ
وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) . قُلْتُ: ثُمَّ
أيٌّ؟ قَالَ: (أنْ تُزَانِيَ حَليلَةَ جارِكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَن تُزَانِي حَلِيلَة
جَارك) . وَعَمْرو بِالْوَاو ابْن عَليّ هُوَ الفلاس،
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسليمَان
هُوَ ابْن مهْرَان الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق
بن سَلمَة، وَأَبُو ميسرَة ضد الميمنة اسْمه عمر بن
شُرَحْبِيل، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
قَوْله: (أَي الذَّنب أعظم؟) هَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَقع فِي رِوَايَة عَاصِم عَن أبي وَائِل عَن عبد الله:
أعظم الذَّنب عِنْد الله. وَفِي رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن
معن عَن الْأَعْمَش: أَي الذُّنُوب أكبر عِنْد الله؟ وَفِي
رِوَايَة الْأَعْمَش عِنْد أَحْمد وَغَيره: أَي الذَّنب
أكبر؟ وَفِي رِوَايَة الْحُسَيْن بن عبد الله عَن وَائِل:
أكبر الْكَبَائِر.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن عُثْمَان ابْن أبي
شيبَة. وَفِيه أَيْضا: عَن مُسَدّد وَفِي الْأَدَب عَن
مُحَمَّد بن كثير وَسَيَجِيءُ فِي التَّوْحِيد عَن
قُتَيْبَة.
قَوْله: (من أجل) فِي كثير من النّسخ: أجل، بِدُونِ كلمة:
من، بِفَتْح اللَّام وَفَسرهُ الشُّرَّاح بِمن أجل فَحذف
الْجَار وانتصب، وَذكر الْأكل لِأَنَّهُ كَانَ الْأَغْلَب
من حَال الْعَرَب. قَوْله: (أَن تُزَانِي) ويروى: أَن
تَزني بحليلة جَارك قَوْله: (حَلِيلَة جَارك) أَي:
امْرَأَة جَارك، وَالرجل حليل لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا
يحل على صَاحبه. وَقيل: حَلِيلَة بِمَعْنى محللة من
الْحَلَال، وَإِنَّمَا عظم الزِّنَا بحليلة جَاره وَإِن
كَانَ الزِّنَا كُله عَظِيما لِأَن الْجَار لَهُ من
الْحُرْمَة وَالْحق مَا لَيْسَ لغيره، وَقَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يُؤمن من لم يَأْمَن جَاره بوائقه) .
قَالَ يَحْيَاى وحدّثنا سُفْيانُ حدّثني واصلٌ عنْ أبي
وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله قلْتُ: يَا رسولَ الله} ...
مِثْلهُ.
(23/289)
أَي: قَالَ يحيى الْمَذْكُور وَحدثنَا
سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: حَدثنِي وَاصل بن حَيَّان
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف الْمَعْرُوف بالأحدب عَن أبي وَائِل شَقِيق عَن
عبد الله بن مَسْعُود. قَالَ: قلت يَا رَسُول الله! أَي
الذَّنب أعظم؟ ... فَذكر الحَدِيث مثله، أَي: مثل حَدِيث
أبي وَائِل عَن ميسرَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَهنا لم
يذكر أَبُو وَائِل أَبَا ميسرَة.
قَالَ عَمْرٌ و: فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ، وكانَ
حدّثنا عنْ سُفْيانَ عنِ الأعْمَشِ ومَنْصُورٍ وواصِلٍ عنْ
أبي وائِلٍ عنْ أبي مَيْسَرَةَ، قَالَ: دَعْهُ دعْهُ.
أَي: قَالَ عَمْرو بن عَليّ الْمَذْكُور: فَذَكرته، أَي:
الحَدِيث الْمَذْكُور لعبد الرَّحْمَن بن مهْدي، وَكَانَ
أَي: وَالْحَال أَن عبد الرَّحْمَن كَانَ حَدثنَا بِهَذَا
الحَدِيث عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان
الْأَعْمَش وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وواصل الأحدب
ثَلَاثَتهمْ شَقِيق عَن أبي ميسرَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل
قَوْله: (قَالَ دَعه دَعه) أَي قَالَ عبد الرَّحْمَن دع
الْإِسْنَاد أَي الْإِسْنَاد الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ذكر أبي
ميسرَة بَين أبي وَائِل وَعبد الله بن مَسْعُود، وَحَاصِله
أَن أَبَا وَائِل، وَإِن كَانَ قد روى كثيرا، عَن عبد الله
بن مَسْعُود، إِلَّا أَن هَذَا الحَدِيث لم يروه عَنهُ،
قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ الطعْن عَلَيْهِ وَقد
ثبتَتْ رِوَايَته عَنهُ كثيرا؟ . وَأجَاب بقوله: لم يطعن
عَلَيْهِ وَلكنه أَرَادَ تَرْجِيح طَرِيق ترك الْوَاسِطَة
لموافقة الْأَكْثَرين.
12 - (بابُ رَجْمِ المُحْصَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم رجم الْمُحصن. وَوَقع
هُنَا قبل ذكر الْبَاب عِنْد ابْن بطال: كتاب الرَّجْم،
ثمَّ قَالَ: بَاب الرَّجْم، وَلم يَقع ذَلِك فِي
الرِّوَايَات الْمُعْتَمدَة، والمحصن بِفَتْح الصَّاد على
صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من الْإِحْصَان وَهُوَ الْمَنْع
فِي اللُّغَة. وَجَاء فِيهِ كسر الصَّاد، فَمَعْنَى
الْفَتْح أحصن نَفسه بالتزوج عَن عمل الْفَاحِشَة، وَمعنى
الْكسر على الْقيَاس وَهُوَ ظَاهر، وَالْفَتْح على غير
الْقيَاس. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة
الَّتِي جئن نَوَادِر، يُقَال: أحصن فَهُوَ مُحصن، وأسهب
فَهُوَ مسهب، والفج فَهُوَ ملفج: وَقَالَ ابْن فَارس
والجوهري: هَذَا أحد مَا جَاءَ: أفعل فَهُوَ مفعل،
بِالْفَتْح يَعْنِي فتح الصَّاد، وَقَالَ ثَعْلَب: كل
امرىء عفيف فَهُوَ مُحصن، وكل امْرَأَة متزوجة فبالفتح لَا
غير.
وَقَالَ أَصْحَابنَا: شُرُوط الْإِحْصَان فِي الرَّجْم
سَبْعَة: الْحُرِّيَّة وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِسْلَام
وَالْوَطْء وَالسَّادِس الْوَطْء بِنِكَاح صَحِيح
وَالسَّابِع كَونهمَا محصنين حَالَة الدُّخُول بِنِكَاح
صَحِيح. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَأحمد:
الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رجم يهوديين. قُلْنَا: كَانَ ذَلِك بِحكم
التَّوْرَاة قبل نزُول آيَة الْجلد فِي أول مَا دخل صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، فَصَارَ مَنْسُوخا بهَا.
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يكون
الْإِحْصَان بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد وَلَا الشُّبْهَة،
وَخَالفهُم أَبُو ثَوْر فَقَالَ: يكون مُحصنا، وَاخْتلفُوا
إِذا تزوج الْحر أمة هَل تحصنه؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ:
نعم، وَعَن عَطاء وَالْحسن وَقَتَادَة وَالثَّوْري
والكوفيين وَأحمد وَإِسْحَاق لَا. وَاخْتلفُوا إِذا تزوج
كِتَابِيَّة، فَقَالَ إِبْرَاهِيم وطاووس وَالشعْبِيّ: لَا
تحصنه، وَعَن الْحسن: لَا تحصنه حَتَّى يطَأ فِي
الْإِسْلَام، وَعَن جَابر ابْن زيد وَابْن الْمسيب: تحصنه،
وَبِه قَالَ عَطاء وَسَعِيد بن جُبَير.
وَقَالَ الحَسَنُ: مَنْ زَنَى بأُخْتِهِ حَدُّهُ حدُّ
الزَّانِي.
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَعَن الْكشميهني وَحده قَالَ: مَنْصُور،
بدل الْحسن، وزيفوه. قَوْله: (حد الزَّانِي) أَي: كَحَد
الزِّنَا وَهُوَ الْجلد، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَده
حد الزِّنَا، وروى ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص بن غياث
قَالَ: سَأَلت عمر: مَا كَانَ الْحسن يَقُول فِيمَن تزوج
ذَات محرم وَهُوَ يعلم؟ قَالَ: عَلَيْهِ الْحَد، وروى
أَيْضا من طَرِيق جَابر بن زيد، وَهُوَ أَبُو الشعْثَاء
التَّابِعِيّ الْمَشْهُور فِيمَن أَتَى ذَات محرم مِنْهُ
قَالَ: يضْرب عُنُقه.
2186 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا سَلَمَةُ بنُ
كُهيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يحَدِّثُ عنْ عَليٍّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِينَ رجَمَ المَرْأةَ يَوْمَ
الجُمُعَةِ، وَقَالَ: قَدْ رجَمتُها بِسُنَّةِ رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(23/290)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وآدَم هُوَ
ابْن أبي إِيَاس، وَسَلَمَة بن كهيل مصغر كهل وَالشعْبِيّ
عَامر بن شرَاحِيل، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن يزِيد
وَغَيره، وقصتها أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جلد
شراحة يَوْم الْخَمِيس ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، فَقيل
لَهُ: أَجمعت بَين حَدَّيْنِ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: جلدتها
بِكِتَاب الله ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: شراحة بنت مَالك بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
الرَّاء ثمَّ حاء مُهْملَة الهمدانية بِسُكُون الْمِيم،
وَقَالَ الْحَازِمِي: بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، لم
تثبت الْأَئِمَّة سَماع الشّعبِيّ من عَليّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وَقيل للدارقطني: سمع الشّعبِيّ عَن
عَليّ؟ قَالَ: سمع مِنْهُ حرفا مَا سمع مِنْهُ غير هَذَا،
فَإِن قلت: ذكر البُخَارِيّ فِي كتاب الْحيض: وَيذكر عَن
عَليّ، فَذكر فِي الْحيض أثرا صَحِيحا، قَالُوا: إِذا ذكر
البُخَارِيّ أثرا ممرضاً كَانَ غير صَحِيح عِنْده، وَلَئِن
سلمنَا مَا قَالُوا فَتكون رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عَليّ
مُنْقَطِعَة لِأَنَّهُ لَا عِلّة فِي السَّنَد الممرض غير
رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عَليّ.
قلت: لَعَلَّ البُخَارِيّ لم يَصح عِنْده سَماع الشّعبِيّ
عَن عَليّ إلاَّ هَذَا الْحَرْف، كَمَا ذكر
الدَّارَقُطْنِيّ، فَأتي بِهِ هُنَا مُسْندًا، وَالَّذِي
فِي الْحيض لم يَصح عِنْده سَماع الشّعبِيّ مِنْهُ فمرضه!
وَاحْتج جمَاعَة بأثر عَليّ هَذَا على جَوَاز الْجمع بَين
الْجلد وَالرَّجم، وَقَالَ الْحَازِمِي: وَهُوَ قَول
أَحْمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر، وَقَالَ
الْجُمْهُور: لَا يجمع بَينهمَا، وَهُوَ رِوَايَة عَن
أَحْمد. وَقَالَت طَائِفَة: ندب الْجمع إِذا كَانَ
الزَّانِي شَيخا ثَيِّبًا لَا شَابًّا ثَيِّبًا وَقَالُوا:
إِنَّه قَول بَاطِل.
3186 - حدّثني إسْحاقُ حدّثنا خالِدٌ عنِ الشَّيْبانِيِّ
سألْتُ عَبْدَ الله بنَ أبي أوْفَى: هَلْ رجمَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: قَبْلَ
سُورَةِ النُّور أمْ بَعْدُ؟ قَالَ: لَا أدْرِي. (الحَدِيث
3186 طرفه فِي: 0486) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (حَدثنِي) وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع.
وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ، قَالَ الكلاباذي: ابْن شاهين
الوَاسِطِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان،
والشيباني بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة سُلَيْمَان بن أبي
سُلَيْمَان واسْمه فَيْرُوز، مَشْهُور بكنيته أبي إِسْحَاق
الشَّيْبَانِيّ، وَعبد الله بن أبي أوفى واسْمه عَلْقَمَة
الْأَسْلَمِيّ شهد بيعَة الرضْوَان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي كَامِل
وَأبي بكر بن أبي شيبَة. قَوْله: (سُورَة النُّور) يُرِيد
بِهِ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدا كل
وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} (النُّور: 2) وَهل: هُوَ
نَاسخ لحكم الْآيَة أم لَا؟ وَقد وَقع الدَّلِيل على أَن
الرَّجْم وَقع بعد سُورَة النُّور لِأَن نُزُولهَا كَانَ
فِي قصَّة الْإِفْك. وَاخْتلف: هَل كَانَ سنة أَربع أَو
خمس أَو سِتّ؟ وَالرَّجم كَانَ بعد ذَلِك، وَقد حَضَره
أَبُو هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا أسلم سنة سبع.
13 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل أخبرنَا عبد الله
أخبرنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ حَدثنِي أَبُو سَلمَة
بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ
أَن رجلا من أسلم أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فحدثه أَنه قد زنى فَشهد على نَفسه
أَربع شَهَادَات فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرجم وَكَانَ قد أحصن) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي
وَشَيْخه عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي وَيُونُس هُوَ
ابْن يزِيد قَوْله " حَدثنَا " وَفِي رِوَايَة أبي ذَر "
أخبرنَا " والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن
إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن المتَوَكل وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن يحيى وَفِي الرَّجْم عَن ابْن
السَّرْح وَغَيره قَوْله " أَن رجلا " هُوَ مَاعِز بن
مَالك قَوْله " من أسلم " أَي من بني أسلم وَهِي
الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة قَوْله وَشهد على نَفسه أَي
أقرّ على نَفسه أَربع مَرَّات وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط
تكْرَار إِقْرَاره أَربع مَرَّات فَقَالَ أَبُو حنيفَة
وَأَصْحَابه لَا يجب إِلَّا باعترافه أَربع مَرَّات فِي
أَربع مجَالِس وَهُوَ أَن يغيب عَن القَاضِي حَتَّى لَا
يرَاهُ ثمَّ يعود إِلَيْهِ فَيقر
(23/291)
كَمَا فِي حَدِيث مَاعِز فَإِن اعْترف فِي
مجْلِس وَاحِد ألف مرّة فَهُوَ اعْتِرَاف وَاحِد وَقَالَ
ابْن أبي ليلى وَأحمد وَإِسْحَاق وَالثَّوْري وَالْحسن بن
حييّ وَالْحكم بن عتيبة يجب باعترافه أَربع مَرَّات فِي
مجْلِس وَاحِد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يَكْفِي مرّة
وَاحِدَة وَحَدِيث الْبَاب حجَّة عَلَيْهِمَا قَوْله "
وَكَانَ قد أحصن " أَي وَكَانَ تزوج فَهُوَ مُحصن وَيجوز
أحصن بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول -
22 - (بابٌ لَا يُرْجَمُ المَجْنُونُ والمَجْنُونَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يرْجم الرجل الْمَجْنُون
وَلَا الْمَرْأَة الْمَجْنُونَة وَهَذَا إِذا وَقع
الزِّنَا فِي حَالَة الْجُنُون، وَهَذَا إِجْمَاع، وَأما
إِذا وَقع فِي حَالَة الصِّحَّة ثمَّ طَرَأَ الْجُنُون هَل
يُؤَخر إِلَى وَقت الْإِفَاقَة؟ قَالَ الْجُمْهُور: لَا
لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ التّلف بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ
يقْصد بِهِ الإيلام فيؤخر حَتَّى يفِيق.
وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ: أما علِمْتَ أنَّ القَلَمَ
رُفِعَ عنِ المَجْنُونِ حتَّى يُفِيقَ وعنِ الصَّبِيِّ
حتَّى يُدْرِكَ وعنِ النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقظَ؟ .
أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب لعمر بن الْخطاب، وَهَذَا
التَّعْلِيق رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَرْفُوعا فَقَالَ:
أَنبأَنَا أَحْمد بن السَّرْح فِي حَدِيثه عَن ابْن وهب
أَخْبرنِي جرير بن حَازِم عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان عَن
أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مر عَليّ بن أبي
طَالب بمجنونة بني فلَان قد زنت، فَأمر عمر برجمها فَردهَا
عَليّ وَقَالَ لعمر: أما تذكر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن
الْمَجْنُون المغلوب على عقله، وَعَن النَّائِم حَتَّى
يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم قَالَ:
صدقت، فخلاعنها.
5186 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ
عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سلَمَةَ وسَعِيدِ بنِ
المسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
أتَى رجُلٌ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ فِي
المَسْجدِ فَناداهُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! إنِّي
زَنَيْتُ، فأعْرَضَ عَنْهُ حتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أرْبَعَ
مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ
دعاهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أبكَ
جُنُونٌ) . قَالَ: لاَ. قَالَ: (فَهَلْ أحْصَنْتَ؟) قَالَ:
نَعَمْ. فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(إذهَبُوا بِهِ فارْجُمُوهُ) . قَالَ ابنُ شِهابٍ:
فَأَخْبرنِي مَنْ سَمِعَ جابرَ بنَ عَبْدِ الله قَالَ:
فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْناهُ بالمُصَلَّى،
فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجارَةُ هَربَ فأدْرَكْناهُ
بالحَرَّةِ فَرَجَمْناهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (أبك جُنُون؟) لِأَن الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنه إِذا
كَانَ مَجْنُونا لَا يرْجم.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة قَرِيبا وبعيداً.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عبد الْملك بن
شُعَيْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن مُحَمَّد
بن عبد الله.
قَوْله: (أَتَى رجل) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب بن اللَّيْث
رجل من الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة ابْن مُسَافر: رجل من
النَّاس، وَفِي رِوَايَة يُونُس وَمعمر: أَن رجلا من أسلم،
وَفِي رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة عِنْد مُسلم: رَأَيْت
مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ حِين جِيءَ بِهِ إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث،
وَفِيه: رجل قصير أعضل لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاء، وَفِي لفظ:
ذُو عضلات، وَهُوَ جمع عضلة، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ
مَا اجْتمع من اللَّحْم فِي أَعلَى بَاطِن السَّاق،
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كل عصبَة مَعهَا لحم فَهِيَ عضلة.
قَوْله: (حَتَّى ردد عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني
حَتَّى رد بدال وَاحِدَة. قَوْله: (أَربع مَرَّات) هَكَذَا
فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَربع
شَهَادَات. قَوْله: (أبك جُنُون؟) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب
عَن عَاصِم فِي الطَّلَاق: وَهل بك جُنُون؟ وَقَالَ
عِيَاض: فَائِدَة سُؤَاله: أبك جُنُون؟ استقراء لحاله
واستبعاد أَن يلح عَاقل بالاعتراف بِمَا يَقْتَضِي إهلاكه،
أَو لَعَلَّه يرجع عَن قَوْله. قَوْله: (فَهَل أحصنت؟)
أَي: تزوجت.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) أَي: قَالَ مُحَمَّد بن
(23/292)
مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ رَاوِي
الحَدِيث، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: (فَأخْبرنَا) بِفَتْح الرَّاء. قَوْله: (من سمع)
فَاعل أخبرنَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: من سمع قيل يشبه أَن
يكون ذَلِك هُوَ أَبُو سَلمَة لما صرح باسمه فِي
الرِّوَايَات الْأُخَر. قَوْله: (بالمصلى) أَي: مصلى
الْجَنَائِز وَهُوَ بَقِيع الْغَرْقَد. قَوْله: (فَلَمَّا
أذلقته) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وبالقاف أَي: فَلَمَّا
أقلقته وأصابته بحرها. قَوْله: (بِالْحرَّةِ) بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي أَرض ذَات
حِجَارَة سود. وَالْمَدينَة بَين حرتين.
32 - (بابٌ لِلْعاهِرِ الحَجَرُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ للعاهر أَي: للزاني الْحجر
أَي: الخيبة والحرمان، وَقيل: الرَّجْم.
7186 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا اللَّيثُ عنِ ابنِ
شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا،
قالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدٌ وابنُ زَمْعَةَ فَقَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هُوَ لَكَ يَا عبْدُ بنُ
زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِراشِ، واحتَجِبِي مِنْهُ يَا
سَوْدَةُ) زَادَ لَنا قُتَيْبَةَ عنِ اللَّيْثِ:
ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك. وَقد أخرجه مُخْتَصرا، وَمضى بِتَمَامِهِ
فِي كتاب الْفَرَائِض فِي: بَاب الْوَلَد للْفراش حرَّة
كَانَت أَو أمة، أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك
عَن ابْن شهَاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، وَابْن زَمعَة: هُوَ عبد بن
زَمعَة، وَسَوْدَة: هِيَ بنت زَمعَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (زَاد لنا) يَعْنِي: قَالَ
البُخَارِيّ زَاد لنا قُتَيْبَة بن سعيد أحد مشايخه عَن
اللَّيْث بن سعد بعد قَوْله: قَوْله: (الْوَلَد للْفراش
وللعاهر الْحجر) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وزادنا.
42 - (بابُ الرَّجْمِ فِي البَلاطِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الرَّجْم فِي البلاط، وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بالبلاط وَالْبَاء فِيهِ ظرفية
أَيْضا، وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا وَقد اسْتعْمل
فِي مَعَاني كَثِيرَة على مَا نذكرهُ الْآن، لَكِن
المُرَاد بِهِ هَهُنَا مَوضِع مَعْرُوف عِنْد: بَاب
الْمَسْجِد النَّبَوِيّ، وَكَانَ مفروشاً بالبلاط يدل
عَلَيْهِ كَلَام ابْن عمر فِي آخر حَدِيث الْبَاب: وَزعم
بعض النَّاس أَن المُرَاد بالبلاط الْحجر الَّذِي يرْجم
بِهِ، وَهُوَ مَا يفرش بِهِ الدّور حَتَّى اسْتشْكل ابْن
بطال هَذِه التَّرْجَمَة فَقَالَ: البلاط وَغَيره سَوَاء،
وَهُوَ بعيد، لِأَن المُرَاد بالبلاط مثل مَا ذَكرْنَاهُ.
وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: البلاط مَوضِع
بِالْمَدِينَةِ بَين الْمَسْجِد النَّبَوِيّ والسوق،
وَقيل: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ عدم اشْتِرَاط الْحفر
للمرجوم لِأَن البلاط لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْحفر،
وَهَذَا أَيْضا احْتِمَال بعيد، وَقد ثَبت فِي (صَحِيح
مُسلم) أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر فحفرت لماعز بن
مَالك حفيرة فرجم فِيهَا، وَقَالَ ياقوت الْحَمَوِيّ فِي
(الْمُشْتَرك) : البلاط بِفَتْح أَوله وبكسره قَرْيَة
بغوطة دمشق، وبلاط عَوْسَجَة حصن من أَعمال شنتبرية
بالأندلس، والبلاط أَيْضا مَدِينَة خربَتْ كَانَت قَصَبَة
كورة الحوار من نواحي حلب، والبلاط مَوضِع
بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ كَانَ مَجْلِسا للأسرى أَيَّام
سيف الدولة بن حمدَان، ذكره أَبُو فراس فِي شعره، وَقَالَ
أَيْضا البلاط مَوضِع بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مَوضِع مبلط
بِالْحِجَارَةِ بَين مَسْجِد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، والسوق.
9186 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمانَ حدّثنا خالِدُ بنُ
مَخْلَد عنْ سلَيْمانَ حدّثني عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أُتِيَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَهُودِيٍّ ويَهُودِيَّةٍ
قَدْ أحْدَثا جَمِيعاً، فَقَالَ لَهُمْ: (مَا تَجِدُونَ
فِي كِتابِكُمْ) قالُوا: إنَّ أحْبارَنا أحْدَثُوا
تَحْمِيمَ الوَجْهِ والتَّجْبِيَةَ. قَالَ عَبْدُ الله بنُ
سَلامٍ: ادْعُهُمْ يَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بالتَّوْرَاةِ، فأُتِيَ بِها فَوَضع أحَدُهُمْ يَدَهُ عَلى
آيَةِ الرَّجْمِ وجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَها وَمَا
بَعْدَها، فَقَالَ لهُ ابنُ سَلامٍ: إرْفَعْ يَدَكَ،
فَإِذا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ، فأمَرَ بِهِما
(23/293)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَرُجِما:
قَالَ ابنُ عُمَرَ: فَرُجِما عِنْدَ البَلاطِ، فَرَأيْتُ
اليَهُودِيَّ أجْنَأ عَلَيْها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث وَمُحَمّد بن
عُثْمَان شيخ البُخَارِيّ زَاد فِيهِ أَبُو ذَر بن
كَرَامَة الْعجلِيّ الْكُوفِي وَهُوَ من أَفْرَاده،
وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون
الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا الْقَطوَانِي الْكُوفِي،
وَهُوَ أَيْضا أحد مَشَايِخ البخارى روى عَنهُ فِي
مَوَاضِع بِلَا وَاسِطَة، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال
أَبُو أَيُّوب مولى عبد الله بن أبي عَتيق.
والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة نَافِع أَن عبد الله
بن عمر أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أُتِي بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّة قد زَنَيَا، فَانْطَلق
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جَاءَ يهود
فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة على من زنى؟
قَالُوا: نسود وُجُوههمَا وَنُحَمِّمهُمَا وَنُخَالِف بَين
وُجُوههمَا وَيُطَاف بهما، قَالَ: فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ
إِن كُنْتُم صَادِقين، فجاؤوا بهَا فقرؤوها حَتَّى إِذا
مروا بِآيَة الرَّجْم وضع الْفَتى الَّذِي يقْرَأ يَده على
آيَة الرَّجْم وَقَرَأَ مَا بَين يَديهَا وَمَا
وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام، وَهُوَ مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَليرْفَعْ يَده،
فَرَفعهَا فَإِذا تحتهَا آيَة الرَّجْم، فَأمر بهَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرجمهما. قَالَ عبد الله بن
عمر: كنت فِيمَن رجمهما فَلَقَد رَأَيْته يَقِيهَا من
الْحِجَارَة بِنَفسِهِ، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زيد
بن أسلم عَن ابْن عمر: أَتَى نفر من الْيَهُود فدعو رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الأسقف، فَأَتَاهُم
فِي بَيت الْمدَارِس فَقَالُوا: إِن رجلا منا زنى
بِامْرَأَة، فاحكم بَينهمَا، وَوَضَعُوا لَهُ وسَادَة
فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَقَالَ: ائْتُونِي بِالتَّوْرَاةِ،
فَأتي بهَا فَنزع الوسادة من تَحْتَهُ وَوضع التَّوْرَاة
عَلَيْهَا، وَقَالَ: آمَنت بك وبمن أنزلك. ثمَّ قَالَ:
ائْتُونِي بأعلمكم، فَأتي بفتى شَاب، ثمَّ ذكر قصَّة
الرَّجْم ... الحَدِيث.
قَوْله: (أُتِي) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِتْيَان.
قَوْله: (بِيَهُودِيٍّ) وَيَهُودِيَّة قَالَ الزّجاج:
كَانَا من أهل خَيْبَر وَعَن ابْن الطلاع ذكر البُخَارِيّ
أَنهم أهل ذمَّة. قَوْله: (أحدثا) أَي: زَنَيَا من أحدث
إِذا زنى، وَيُقَال مَعْنَاهُ: فعلا فعلا فَاحِشا،
وَأُرِيد بِهِ الزِّنَا. قَوْله: (إِن أحبارنا) أَي:
علماءنا وَهُوَ جمع حبر وَهُوَ الْعَالم الَّذِي يزين
الْكَلَام. قَوْله: (أَحْدَثُوا) أَي: ابتكروا، قَالَ
الْكرْمَانِي: هُوَ من الإحداث وَهُوَ الإبداء وَهُوَ
الْإِظْهَار أَي: أظهرُوا تحميم الْوَجْه وَهُوَ تسجيمه
بِالْجِيم أَي: تسويده بالفحم والحمم بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم المخففة، قَالَ ابْن الْأَثِير:
هُوَ جمع حمة وَهِي الفحمة. قَوْله: (وَالتَّجْبِيَة)
بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة من بَاب تخرجه وَهُوَ
الإركاب معكوساً. وَقيل: أَن يحمل الزانيان على حمَار
مُخَالفا بَين وُجُوههمَا. قَوْله: (فَأتى بهَا) أَي:
بِالتَّوْرَاةِ قَوْله: (فَقَالَ لَهُ ابْن سَلام) هُوَ
عبد الله بن سَلام. قَوْله: (أجنأ عَلَيْهَا) ، بِالْجِيم
يُقَال: أجنا عَلَيْهِ يجنىء إجناء إِذا أكب عَلَيْهِ
يَقِيه شَيْئا، وَقَالَ ابْن التِّين: ورويناه هُنَا
أجنابالجيم والهمزة وَفِي رِوَايَة فرأيته يجاني عَلَيْهَا
من بَاب المفاعلة ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة أحنى
عَلَيْهَا أَي اكب عَلَيْهَا وَقَالَ الْخطابِيّ الَّذِي
جَاءَ فِي كتاب السّنَن أجنا، يَعْنِي بِالْجِيم،
وَالْمَحْفُوظ إِنَّمَا هُوَ أحنى، بِالْحَاء يُقَال: حنا
يحنو حنوا، وأحنى يحني أَي: يعْطف ويشفق، قيل: فَهِيَ سبع
رِوَايَات كلهَا رَاجِعَة إِلَى الْوِقَايَة.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الحكم بَينهم إِذا ترافعوا
إِلَيْنَا أواجب ذَلِك علينا أم نَحن فِيهِ مخيرون؟
فَقَالَ جمَاعَة من فُقَهَاء الْحجاز وَالْعراق: إِن
الإِمَام أَو الْحَاكِم مُخَيّر إِن شَاءَ حكم بَينهم إِذا
تحاكموا بِحكم الْإِسْلَام، وَإِن شَاءَ أعرض عَنْهُم.
وَقَالُوا: إِن قَوْله تَعَالَى: {فَإِن جاؤك} محكمَة لم
ينسخها شَيْء، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: مَالك وَالشَّافِعِيّ
فِي أحد قوليه، وَهُوَ قَول عَطاء وَالشعْبِيّ
وَالنَّخَعِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا، فِي قَوْله: {فَإِن جاؤك} قَالَ: نزلت فِي
بني قُرَيْظَة وَهِي محكمَة. وَقَالَ عَامر وَالنَّخَعِيّ:
إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ لم يحكم، وَعَن ابْن الْقَاسِم:
إِذا تحاكم أهل الذِّمَّة إِلَى حَاكم الْمُسلمين وَرَضي
الخصمان بِهِ جَمِيعًا فَلَا يحكم بَينهمَا إلاَّ بِرِضا
من أساقفتهما، فَإِن كره ذَلِك أساقفتهم فَلَا يحكم
بَينهم، وَكَذَلِكَ إِن رَضِي الأساقفة وَلم يرض الخصمان
أَو أَحدهمَا لم يحكم بَينهم. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت
السّنة أَن يرد أهل الذِّمَّة فِي حُقُوقهم ومعاملاتهم
ومواريثهم إِلَى أهل دينهم، إِلَّا أَن يَأْتُوا راغبين
فِي حكمنَا فَيحكم بَينهم بِكِتَاب الله عز وَجل، وَقَالَ
آخَرُونَ: وَاجِب على الْحَاكِم أَن يحكم بَينهم إِذا
تحاكموا إِلَيْهِ بِحكم الله تَعَالَى، وَزَعَمُوا أَن
قَوْله تَعَالَى: {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله
تَعَالَى} نَاسخ للتَّخْيِير فِي الحكم بَينهم فِي الْآيَة
الَّتِي قبل هَذِه، وَرُوِيَ ذَلِك
(23/294)
عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ
وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالسُّديّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو
حنيفَة وَأَصْحَابه، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي، إلاَّ
أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا جَاءَت الْمَرْأَة
وَالزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يحكم بَينهمَا بِالْعَدْلِ،
وَإِن جَاءَت الْمَرْأَة وَحدهَا وَلم يرض الزَّوْج لم
يحكم، وَقَالَ صَاحِبَاه: يحكم، وَكَذَا اخْتلف أَصْحَاب
مَالك، وَاخْتلف الْفُقَهَاء أَيْضا فِي الْيَهُودِيين من
أهل الذِّمَّة إِذا زَنَيَا: هَل يرجمان إِن رفعهم حكامهم
إِلَيْنَا أم لَا؟ فَقَالَ مَالك: إِذا زنى أهل الذِّمَّة
وَشَرِبُوا الْخمر فَلَا يتَعَرَّض لَهُم الإِمَام إلاَّ
أَن يظهروا ذَلِك فِي ديار الْمُسلمين فَيدْخلُونَ
عَلَيْهِم الضَّرَر فيمنعهم السُّلْطَان من الضَّرَر
بِالْمُسْلِمين قَالَ مَالك: وَإِنَّمَا رجم رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اليهودين لِأَنَّهُ لم يكن
للْيَهُود يومئذٍ ذمَّة، وتحاكموا إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَأَصْحَابه: يحدان إِذا زَنَيَا كَحَد الْمُسلمين،
وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي.
52 - (بابُ الرَّجْمِ بالمُصَلَّى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الرَّجْم الَّذِي وَقع فِي
قَضِيَّة مَاعِز بن مَالك كَانَ بالمصلى أَي: مصلى
الْجَنَائِز، ويوضحه مَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى:
ببقيع الْغَرْقَد، وَاعْترض ابْن بطال وَابْن التِّين على
هَذَا التَّبْوِيب بِأَنَّهُ لَا معنى لَهُ، لِأَن
الرَّجْم فِي الْمصلى وَغَيره من سَائِر الْمَوَاضِع
سَوَاء. وَأجِيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ ذكر ذَلِك لوُقُوعه
مَذْكُورا فِي حَدِيث الْبَاب، وَقيل: معنى: بالمصلى، أَي
عِنْد الْمصلى، لِأَن المُرَاد الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي
عِنْده الْعِيد والجنائز، وَهُوَ من نَاحيَة بَقِيع
الْغَرْقَد، وَقد وَقع فِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم:
فَأمرنَا أَن نرجمه فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيع
الْغَرْقَد، وَفهم عِيَاض من قَوْله: بالمصلى، أَن
الرَّجْم وَقع فِي دَاخل الْمصلى.
قلت: كَأَنَّهُ فهم ذَلِك من الْبَاء الظَّرْفِيَّة، فعلى
هَذَا لَيْسَ لمصلى الأعياد والجنائز حكم الْمَسْجِد،
وَقَالَ آخَرُونَ: لَهُ حكم الْمَسْجِد، لِأَن الْبَاء
فِيهِ بِمَعْنى عِنْد كَمَا ذكرنَا، وَفِيه نظر.
0286 - حدّثنا مَحْمُودٌ حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ
جابِرٍ أنَّ رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ جاءَ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فاعْتَرَفَ بالزِّنا، فأعْرَضَ عَنْهُ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى شَهدَ على نَفْسِهِ
أرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (أبِكَ جُنُونٌ؟) قَالَ: لَا قَالَ: (آحْصَنْتَ؟)
قَالَ: نَعَمْ. فأمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بالمُصَلى، فَلَمَّا
أذْلَقَتْهُ الحِجارَةُ فَرَّ فأُدْرِكَ فَرُجِمَ حتَّى
مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَيْراً وصَلَّى عَلَيْهِ.
لَمْ يَقُلْ يُونُسُ وابنُ جُرَيْجٍ عنْ الزُّهْرِيِّ:
فَصَلَّى عَلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فرجم بالمصلى) ومحمود
هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة
الْمروزِي، وَأكْثر البُخَارِيّ عَنهُ، وَمعمر بِفَتْح
الميمين هُوَ ابْن رَاشد يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق. وَأخرجه الْجَمَاعَة مَا
خلا ابْن مَاجَه.
قَوْله: (حَدثنَا مَحْمُود) هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر،
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: حَدثنِي، وَفِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، بِذكر أَبِيه
صَرِيحًا. قَوْله: (أَن رجلا من أسلم) اسْمه مَاعِز بن
مَالك الْأَسْلَمِيّ، وَقد مر هَكَذَا فِي حَدِيث جَابر
أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب رجم الْمُحصن، وَلَيْسَ فِي
هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي مَضَت فرجم بالمصلى. قَوْله:
(فَلَمَّا أذلقته) أَي: أقلقته، وَقد مر عَن قريب. قَوْله:
(فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خيرا)
أَي: ذكره بجميل. وَوَقع فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن
بُرَيْدَة عَن أَبِيه عِنْد مُسلم: فَكَانَ النَّاس فِيهِ.
أَي: فِي مَاعِز فرْقَتَيْن فَقَائِل يَقُول: لقد هلك لقد
أحاطت بِهِ خطيئته، وَقَائِل يَقُول: مَا تَوْبَة أفضل من
تَوْبَة مَاعِز؟ الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: لقد تَابَ
تَوْبَة لَو قسمت بَين أمة لوسعتهم. وَفِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة عِنْد النَّسَائِيّ: لقد رَأَيْته بَين أَنهَار
الْجنَّة ينغمس قَالَ: يَعْنِي يتنعم وَفِي حَدِيث جَابر
عِنْد أبي عوَانَة لقد رَأَيْته يتخضخض فِي أَنهَار
الْجنَّة، وَفِي حَدِيث اللجاج عِنْد أبي دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ: لَا تقل لَهُ خَبِيث، لَهو عِنْد الله
أطيب من ريح الْمسك وَفِي حَدِيث أبي ذَر عِنْد أَحْمد: قد
غفر لَهُ وَأدْخلهُ الْجنَّة.
قَوْله: (وَصلى عَلَيْهِ) هَكَذَا وَقع هُنَا عَن مَحْمُود
بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ:
رَوَاهُ ثَمَانِيَة أنفس عَن عبد الرَّزَّاق فَلم يذكرُوا
قَوْله: (فصلى
(23/295)
عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يحيى
الذهلي وَجَمَاعَة عَن عبد الرَّزَّاق فَقَالُوا فِي
آخِره: وَلم يصلى عَلَيْهِ، وَالْجمع بَين
الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن رِوَايَة الْمُثبت مُقَدّمَة على
رِوَايَة النَّافِي، أَو يحمل رِوَايَة من قَالَ: وَلم
يصلى عَلَيْهِ، يَعْنِي حِين رجم لم يصل عَلَيْهِ، ثمَّ
صلى عَلَيْهِ بعد ذَلِك، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ عبد
الرَّزَّاق من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف فِي
قصَّة مَاعِز، قَالَ: فَقيل: يَا رَسُول الله! أَتُصَلِّي
عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ من الْغَد
قَالَ: صلوا على صَاحبكُم، فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس. فَهَذَا الحَدِيث يجمع
الِاخْتِلَاف.
قَوْله: (لم يقل يُونُس) يَعْنِي: ابْن يزِيد وَابْن جريج
يَعْنِي عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز عَن مُحَمَّد بن
مُسلم الزُّهْرِيّ (فصلى عَلَيْهِ) فرواية يُونُس وَصلهَا
البُخَارِيّ فِي: بَاب رجم الْمُحصن، وَلَفظه: فَأمر بِهِ
فرجم، وَكَانَ قد أحصن، وَرِوَايَة ابْن جريج رَوَاهَا
مُسلم مقرونة بِرِوَايَة معمر وَلم يسق الْمَتْن، وأحاله
على رِوَايَة إِسْحَاق شيخ مُسلم فِي سَنَده، فَلم يذكر
فِيهِ، فصلى عَلَيْهِ.
وسُئِلَ أبُو عَبْدِ الله: فَصَلَّى عَلَيهِ، يَصِحُّ؟
قَالَ: رواهُ مَعْمَرٌ، قِيلَ لهُ: رواهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ؟
قَالَ: لَا.
وَقع هَذَا الْكَلَام فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده
عَن الفريري: وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه
قَوْله: (فصلى عَلَيْهِ يَصح) يَعْنِي: لفظ: فصلى
عَلَيْهِ، أَي: على مَاعِز هَل يَصح أم لَا؟ فَقَالَ:
رَوَاهُ معمر بن رَاشد، وَقيل لَهُ: هَل رَوَاهُ غير معمر؟
قَالَ: لَا. وَاعْترض على البُخَارِيّ فِي جزمه بِأَن
معمراً روى هَذِه الزِّيَادَة، وَأجِيب بِأَن معمراً من
الثِّقَات المأمونين. وَالْفُقَهَاء الْمُتَّقِينَ
الورعين، وَمن رجال الْكتب السِّتَّة، وَمثل هَذَا تقبل
زِيَادَته وانفراده بهَا.
62 - (بابُ مَنْ أصابَ ذَنْباً دُونَ الحَدِّ فأُخْبَرَ
الإمامَ فَلاَ عُقُوبَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ التوْبَةِ إِذا
جاءَ مُسْتَفْتِياً.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أصَاب ذَنبا أَي:
ارْتَكَبهُ دون الْحَد أَي: ذَنبا لَا حد لَهُ نَحْو
الْقبْلَة والغمزة. قَوْله: (فَأخْبر) ، على صِيغَة
الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى
قَوْله: من. وَقَوله: (الإِمَام) بِالنّصب مَفْعُوله،
وَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِ بعد التَّوْبَة، يَعْنِي: يسْقط
عَنهُ مَا أصَاب من الذُّنُوب الَّذِي لَا حد لَهُ،
وَلَيْسَ للْإِمَام الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ، بل يُؤَكد
بصيرته فِي التَّوْبَة ويأمره بهَا لينتشر ذَلِك، فيتوب
المذنب، وَأما من أصَاب ذَنبا فِيهِ حد فَإِن التَّوْبَة
لَا ترفعه وَلَا يجوز للْإِمَام الْعَفو عَنهُ إِذا بلغه،
وَمن التَّوْبَة عِنْد الْعلمَاء أَن يطهر وَيكفر
بِالْحَدِّ، إلاَّ الشَّافِعِي فَذكر عَنهُ ابْن الْمُنْذر
أَنه قَالَ: إِذا تَابَ قبل أَن يُقَام عَلَيْهِ الْحَد
سقط عَنهُ، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَيْسَ
مُرَاده بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَاطِن، وَأما
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظَّاهِر فَالْأَظْهر من مذْهبه عدم
سُقُوطه. قَوْله: مستفتياً، حَال من الضَّمِير الَّذِي
فِي: جَاءَ، وَهُوَ من الأستفتاء وَهُوَ طلب الْفَتْوَى
وَهُوَ جَوَاب الْحَادِثَة. وَهَكَذَا هَذِه اللَّفْظَة
عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مستغيثاً
من الاستغاثة، وَهُوَ طلب الْغَوْث بالغين الْمُعْجَمَة
والثاء الْمُثَلَّثَة، ويروى: مستعتباً من الاستعتاب،
وَهُوَ طلب الرِّضَا وَطلب إِزَالَة العتب، وَفِي بعض
النّسخ: مستقيلاً من طلب الْإِقَالَة.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعاقِبْهُ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: لم يُعَاقب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّذِي أخبر أَنه وَقع فِي
مَعْصِيّة، بل أمهله حَتَّى صلى مَعَه، ثمَّ أخبر بِأَن
صلَاته كفرت ذنُوبه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يُعَاقِبهُ،
أَي: من أصَاب ذَنبا لَا حد عَلَيْهِ وَتَابَ، وَقيل:
يَعْنِي المحترق المجامع فِي نَهَار رَمَضَان، وَقد تقدم.
فَإِن قلت: هَذَا إِضْمَار قبل الذّكر.
قلت: لَا، لِأَن الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِيهِ يرجع
إِلَى كلمة: من أصَاب فِي التَّرْجَمَة.
وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: ولَمْ يُعاقِبِ الذِي جامَعَ فِي
رَمَضَانَ.
أَي: قَالَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج لم
يُعَاقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل الَّذِي
جَامع فِي نَهَار رَمَضَان، بل أعطَاهُ مَا يكفر بِهِ،
وَهَذَا الْأَثر وَالَّذِي قبله يوضحان معنى التَّرْجَمَة.
ولَمْ يُعاقِبْ عُمَرُ صاحِبَ الظبْيِ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
هَذَا إِيضَاح للتَّرْجَمَة أَي: لم يُعَاقب عمر بن
الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، صَاحب الظبي وَهُوَ
قبيصَة بن جَابر وَكَانَ محرما واصطاد
(23/296)
ظَبْيًا وَأمره عمر بالجزاء وَلم
يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ، وَوَصله سعيد بن مَنْصُور عَن قبيصَة
بن جَابر.
وفِيهِ عنْ أبي عُثْمانَ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ.
أَي: وَفِي معنى الحكم الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة جَاءَ
حَدِيث عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ
عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَوَقع فِي بعض النّسخ عَن أبي
مَسْعُود: وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَالصَّوَاب ابْن مَسْعُود،
وَهُوَ الَّذِي وَصله البُخَارِيّ فِي أَوَائِل كتاب
مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة من
رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان عَن
ابْن مَسْعُود: أَن رجلا أصَاب من امْرَأَة قبْلَة، فَأتى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبرهُ، فَأنْزل
الله: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من
اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} فَقَالَ
يَا رَسُول الله إِلَيّ هَذَا؟ قَالَ: لجَمِيع أمتِي كلهم.
قَوْله: مثله، إِنَّمَا وَقع هَذَا فِي روية الْكشميهني
وَحده أَي: مثل مَا وَقع فِي التَّرْجَمَة.
1286 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ
شِهابٍ عنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رَجُلاً وَقَعَ
بِامْرَأتِهِ فِي رَمَضَانَ فاسْتَفْتَى رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟)
قَالَ: لَا. قَالَ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ صِيامَ شَهْرَيْنِ؟)
قَالَ: لَا. قَالَ: (فأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لم يُعَاقب هَذَا الْوَاقِع فِي رَمَضَان.
وَحميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصّيام عَن أبي الْيَمَان، وَفِي
الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن القعْنبِي وَفِي
النّذر عَن عَليّ بن عبد الله وَعَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب،
وَكَذَا فِي الْهِبَة عَنهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
2286 - وَقَالَ اللَّيْثُ: عنْ عَمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ
عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ
جَعْفَرٍ ابنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَبَّادِ بن عَبْدِ الله
بنِ الزُّبَيْرِ عَن عائِشَةَ: أتاى رَجُلٌ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ قَالَ: احْتَرَقْتُ.
قَالَ: (مِمَّ ذَاك؟) قَالَ: وقَعَتُ بِامْرَأتِي فِي
رَمَضَانَ. قَالَ لهُ: (تَصَدَّقْ) قَالَ: مَا عِنْدِي
شَيْءٌ، فَجَلَسَ. وأتاهُ إنْسانٌ يَسُوقُ حِماراً،
ومَعَهُ طَعامٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ مَا أدْرِي مَا
هُو إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
(أيْنَ المُحْتَرِقُ؟) فَقَالَ: هَا أَنا ذَا. قَالَ:
(خُذْ هاذا فَتَصَدَّقَ بِهِ) قَالَ: عَلَى أحْوَجَ
مِنِّي؟ مَا لإهْلِي طَعامٌ. قَالَ: (فَكُلُوهُ) . (انْظُر
الحَدِيث 5391) .
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ
الصَّغِير) قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن صَالح حَدثنِي
اللَّيْث بِهِ.
قَوْله: (تصدق) فِيهِ اخْتِصَار إِذا الْكَفَّارَة مرتبَة
وَهُوَ بعد الْإِعْتَاق وَالصِّيَام. قَوْله: (فكلوه) ،
ويروى: فكله، الأول رِوَايَة ابْن وهب.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: الحَدِيثُ الأوَّلُ أبْيَنُ؛
قَوْلُهُ: أطْعِمْ أهْلَكَ.
أَبُو عبد الله هُوَ الْبَارِي. وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ
الأول حَدِيث أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، وَهُوَ أبين شَيْء
فِي الْبَاب، وَلم يَقع هَذَا فِي كثير من النّسخ.
(23/297)
|