عمدة القاري شرح صحيح البخاري

27 - (بابٌ إِذا أقَرَّ بالحَدِّ ولَمْ يُبَيِّنْ هَلْ لِلإمامِ أنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؟)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا أقرّ شخص بِالْحَدِّ عِنْد الإِمَام بِأَن قَالَ: إِنِّي أصبت مَا يُوجب الْحَد، هَل للْإِمَام أَن يستر عَلَيْهِ؟ فَجَوَابه: لَهُ أَن يستر عَلَيْهِ. وَلم يذكر الْجَواب بِنَاء على عَادَته اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب أَلا ترى إِلَى قولهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرجل الَّذِي قَالَ: إِنِّي أصبت حدا فأقمه عليّ: أَلَيْسَ قد صليت مَعنا؟ فَلم يستكشفه عَنهُ، فَدلَّ على أَن السّتْر أولى. لِأَن فِي الْكَشْف عَنهُ نوع نجسس مَنْهِيّ عَنهُ، وَجعلهَا شُبْهَة دارئة للحد.

6823 - ح دّثنا عَبْدُ القُدُّوسِ بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثني عَمْرُو بنُ عاصِمٍ الكِلاَبِيُّ، حَدثنَا هَمَّامُ بنُ يَحْياى، حَدثنَا إسْحاقُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ فَجاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله إنِّي أصَبْتُ حَدّاً فأقِمْهُ عَلَيَّ. قَالَ: ولَمْ يَسألْهُ عنْهُ، قَالَ: وحَضَرَتِ الصَّلاَة فَصَلَّى مَعَ النبيِّ فَلمَّا قَضَى النبيُّ قامَ إلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله إنِّي أصَبْتُ حَدّاً فأقِمْ فِيَّ كِتابَ الله قَالَ ألَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فإنَّ الله قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أوْ: حَدَّكَ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها وَيبين الحكم فِيهَا.
وَعبد القدوس بن مُحَمَّد بن عبد الْكَبِير بن شُعَيْب بن الحبحاب بمهملتين وبموحدتين الْبَصْرِيّ الْعَطَّار وَهُوَ من أَفْرَاده وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد وَقد طعن فِيهِ الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن هَارُون البرذنجي فَقَالَ: هَذَا عِنْدِي حَدِيث مُنكر، وَهَمَ فِيهِ عَمْرو بن عَاصِم مَعَ أَن هماماً كَانَ يحيى بن سعيد لَا يرضاه وَهُوَ عِنْدِي صَدُوق يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، وَأَبَان الْعَطَّار أمثل مِنْهُ. وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لم يبين الْوَهم وَكَونه مُنْكرا على طَرِيقَته فِي تَسْمِيَته مَا ينْفَرد بِهِ الرَّاوِي مُنْكرا إِذا لم يكن فِيهِ متابع.
والْحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم أَيْضا فِي التَّوْبَة عَن حسن بن عَليّ الْحلْوانِي عَن عَمْرو بن عَاصِم.
قَوْله: إِنِّي أصبت حدا أَي: فعلت فعلا يُوجب الْحَد. قَوْله: فأقمه عَليّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: وَلم يسْأَله عَنهُ أَي: لم يستفسره. قَوْله: فَلَمَّا قضى النَّبِي أَي: فَلَمَّا أدّى: وَقَالَهَا بعد الصَّلَاة لَا قبلهَا لِأَن الصَّلَاة مكفرة للخطايا 8 9 0 هود: 114 قَوْله: أَو: حدك شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو مَا يُوجب حدك.

28 - (بابٌ هَلْ يَقُولُ الإمامُ لِلْمُقِرِّ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أوْ غَمَزْتَ)

(24/2)


أَي: هَذَا بَاب فِيهِ: هَل يَقُول الإِمَام للْمقر بِالزِّنَا: لَعَلَّك لمست الْمَرْأَة أَو غمزتها بِعَيْنَيْك أَو بيديك؟ وَفِي بعض النّسخ بعد هَذَا: أَو نظرت، يَعْنِي: أَو نظرت إِلَيْهَا. وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مُقَدّر يُوضحهُ حَدِيث الْبَاب.

6824 - ح دّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، حدّثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ، حدّثنا أبي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بنَ حَكِيمٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: لمَّا أتَى ماعِزُ بنُ مالِكٍ النَّبيَّ قَالَ لهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أوْ غَمَزْتَ أوْ نَظَرْتَ قَالَ: لَا يَا رسولَ الله. قَالَ: أنِكْتَها؟ لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أمَرَ بِرَجْمِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووهب يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم بن زيد الْبَصْرِيّ، ويعلى بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام بِوَزْن يرضى ابْن حَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة الثَّقَفِيّ مَوْلَاهُم من أهل الْبَصْرَة مَاتَ بِالشَّام.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن عَليّ وَغَيره.
قَوْله: لَعَلَّك قبَّلت؟ حذف مَفْعُوله للْعلم بِهِ أَي: الْمَرْأَة الْمَعْهُودَة.
قَوْله: أنكتها؟ بِكَسْر النُّون من النيك. قَوْله: لَا يكني أَي: لَا يُصَرح بِغَيْر هَذِه اللَّفْظَة، حَاصله أَنه صرح بِلَفْظ النيك لِأَن الْحُدُود لَا تثبت بالكنايات.
وَفِيه: جَوَاز تلقين الْمقر فِي الْحُدُود، إِذْ لفظ الزِّنَى يَقع على نظر الْعين وَغَيره.

29 - (بابُ سُؤالِ الإمامِ المُقِرَّ: هَلْ أحْصَنْتَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ سُؤال الإِمَام الْمقر: هَل أحصنت؟ لِأَن الْإِحْصَان شَرط الرَّجْم، وَهُوَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة وَيدخل بهَا.

22 - (حَدثنَا سعيد بن عفير قَالَ حَدثنِي اللَّيْث حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل من النَّاس وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فناداه يَا رَسُول الله إِنِّي زَنَيْت يُرِيد نَفسه فَأَعْرض عَنهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَتنحّى لشق وَجهه الَّذِي أعرض قبله فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي زَنَيْت فَأَعْرض عَنهُ فجَاء لشق وَجه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِي أعرض عَنهُ فَلَمَّا شهد على نَفسه أَربع شَهَادَات دَعَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أبك جُنُون قَالَ لَا يَا رَسُول الله فَقَالَ أحصنت قَالَ نعم يَا رَسُول الله قَالَ اذْهَبُوا بِهِ فارجموه) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَقَالَ أحصنت وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَابْن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف والْحَدِيث مر عَن قريب فِي بَاب لَا يرْجم الْمَجْنُون والمجنونة قَوْله " رجل من النَّاس " يَعْنِي لَيْسَ من أكَابِر النَّاس وَلَا من الْمَشْهُورين فيهم قَوْله " يُرِيد نَفسه " فَائِدَة هَذَا الْكَلَام بَيَان أَنه لم يكن مستفتيا من جِهَة الْغَيْر مُسْندًا إِلَى نَفسه على سَبِيل الْفَرْض كَمَا هُوَ عَادَة المستفتي للْغَيْر هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَغَيره قلت الظَّاهِر أَنه يُرِيد بِهِ التَّأْكِيد بِأَنَّهُ هُوَ الزَّانِي قَوْله فَتنحّى أَي بعد الرجل للجانب الَّذِي أعرض مُقَابلا لَهُ وَقَبله بِكَسْر الْقَاف أَي مُقَابلا ومعاينا لَهُ
(قَالَ ابْن شهَاب أَخْبرنِي من سمع جَابِرا قَالَ فَكنت فِيمَن رجمه فرجمناه بالمصلى فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة جمز حَتَّى أدركناه بِالْحرَّةِ فرجمناه) أَي قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور قَوْله " من سمع " قيل أَنه أَبُو سَلمَة قَوْله " جمز " بِالْجِيم وَالْمِيم وَالزَّاي المفتوحات أَي عدا وأسرع وَبَقِيَّة الشَّرْح مرت فِي بَاب لَا يرْجم الْمَجْنُون

(24/3)


30 - (بابُ الاعْتِرافِ بالزِّنى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الِاعْتِرَاف بِالزِّنَا.

6827 - 6828 ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفيانُ، قَالَ: حَفِظْناهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله أنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وزَيْدَ بنَ خالِدٍ قَالَا: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ فقامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أنْشُدُكَ الله إلاّ مَا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتابِ الله، فقامَ خَصْمُهُ وكانَ أفْقَهَ منْهُ فَقَالَ: اقضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله وأذَنْ لي. قَالَ: قلْ قَالَ: إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفاً عَلى هاذَا، فَزَنَي بِامْرَأتِهِ، فافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمائَةِ شاةٍ وخادِمٍ، ثُمَّ سَألْتُ رِجالاً مِنْ أهْلِ العِلْمِ، فأخْبَرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وتَغْرِيبَ عامٍ، وعَلى امْرَأتِهِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ الله جَلَّ ذِكْرُهُ، المِائَةُ شاةٍ والخادِمُ رَدٌّ، وعَلى ابْنِكَ. جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، واغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلى امْرَأةِ هاذا، فإنِ اعْتَرَفَت فارْجُمْها فَغَدا عَلَيْها فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها. قُلْتُ لِسُفْيانَ: لَمْ يَقُلْ: فأخْبَرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي الرَّجْمَ. فَقَالَ: أشُكُّ فِيها مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَرُبَّما قُلْتُها وَرُبَّمَا سَكَتُّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَاعْترفت فرجمها
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة وَفِي النذور عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَغير ذَلِك فِي مَوَاضِع كَثِيرَة. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ مفرقاً.
قَوْله من فِي الزُّهْرِيّ أَي: من فَمه، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي: حَدثنَا الزُّهْرِيّ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: سَمِعت الزُّهْرِيّ. قَوْله: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: بَيْنَمَا نَحن عِنْد النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب: وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد. قَوْله: فَقَامَ رجل فِي رِوَايَة الشُّرُوط: أَن رجلا من الْأَعْرَاب جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة شُعَيْب فِي الْأَحْكَام: إِذا قَامَ رجل من الْأَعْرَاب. قَوْله: أنْشدك الله بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَضم الشين الْمُعْجَمَة من قَوْلهم: نشده إِذا سَأَلَهُ رَافعا نشيدته وَهِي صَوته، وَضمن معنى: أنْشدك أذكرك. قَالَ سِيبَوَيْهٍ معنى: وأنشدك إلاَّ فعلت مَا أطلب مِنْك إلاَّ فعلك. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون: إلاَّ، جَوَاب الْقسم لما فِيهَا من معنى الْحصْر، وَتَقْدِيره: أَسأَلك بِاللَّه لَا تفعل شَيْئا إلاَّ الْقَضَاء بِكِتَاب الله. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة هَذَا وَالنَّبِيّ لَا يحكم إلاَّ بِكِتَاب الله؟ . قلت: هَذَا من خَفَاء وَجه الحكم عَلَيْهِ حِين سَأَلَ أهل الْعلم الَّذين أجابوا بِمِائَة جلدَة وتغريب عَام، وَهَذَا من قبيل قَول الْملكَيْنِ لداود عَلَيْهِ السَّلَام. ص: 22 وَمن هَذَا قَالُوا: يجوز قَول الْخصم للْإِمَام الْعَادِل: اقْضِ بَيْننَا بِالْحَقِّ، على أَن النَّبِي لم يُنكر عَلَيْهِ قَوْله ذَلِك. قَوْله: إلاَّ قضيت بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام وَهِي كلمة اسْتثِْنَاء، وَالْمعْنَى: مَا أطلب مِنْك إلاَّ الْقَضَاء بِحكم الله. قَوْله: بِكِتَاب الله قَالَ شَيخنَا زين الدّين: هَل المُرَاد بقوله: بِكِتَاب الله، أَي بِقَضَائِهِ وَحكمه؟ أَو المُرَاد بِهِ الْقُرْآن؟ يحْتَمل كلا الْأَمريْنِ. قَوْله: فَقَامَ خَصمه، وَكَانَ أفقه مِنْهُ الْوَاو فِي: وَكَانَ، للْحَال وَفِي رِوَايَة مَالك: وَقَالَ الآخر وَهُوَ أفقههما. إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا فِي هَذِه الْقَضِيَّة الْخَاصَّة. قَوْله: وائذن لي أَي: فِي التَّكَلُّم، وَهَذَا من جملَة كَلَام الرجل لَا الْخصم، وَهَذَا من جملَة أفقهيته حَيْثُ اسْتَأْذن بِحسن الْأَدَب وَترك رفع الصَّوْت، وَقد ورد حَدِيث مَرْفُوع، وَإِن كَانَ ضَعِيفا: أَن حسن السُّؤَال نصف الْعلم. قَوْله: إِن ابْني ويروى: إِن ابْني هَذَا. فَإِن قلت: إِقْرَار الْأَب عَلَيْهِ لَا يقبل. قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا أَيْضا جَوَاب لاستفتائه، أَي: إِن كَانَ ابْنك زنى وَهُوَ بكر فَعَلَيهِ كَذَا. قلت: الْأَحْسَن مَا قَالَه النَّوَوِيّ، على مَا يَجِيء عَن قريب. قَوْله: كَانَ عسيفاً بِفَتْح الْمُهْملَة الأولى: الْأَجِير، قَالَه مَالك، وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد يكون العَبْد والسائل، وَفِي الْمُحكم العسيف الْأَجِير المستهان، وَقيل: هُوَ الْمَمْلُوك المستهان، وَقيل: كل خَادِم عسيف وَالْجمع عسفاء على الْقيَاس وعسفة على غير قِيَاس، وَفِي شرح الْمُوَطَّأ لعبد الْملك

(24/4)


بن حبيب: العسيف الْغُلَام الَّذِي لم يبلغ الْحلم. قَوْله: وخادم الْخَادِم الْجَارِيَة الْمعدة للْخدمَة بِدَلِيل لفظ مَالك: وَجَارِيَة لي. قَوْله: ثمَّ سَأَلت رجَالًا من أهل الْعلم وَفِيه إِشْعَار بِأَن الصَّحَابَة كَانُوا يفتون فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ذكر مُحَمَّد بن سعد مِنْهُم أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعليّاً وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وَزيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُم. قَوْله: الْمِائَة شَاة على مَذْهَب الْكُوفِيّين. قَوْله: وخادم عطف عَلَيْهِ. قَوْله: رد أَي: مَرْدُود، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: رد عَلَيْك وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: هُوَ مَحْمُول على أَنه علم أَن الابْن كَانَ بكرا وَأَنه اعْترف بالزنى، وَيحْتَمل أَنه أضمر اعترافه، وَالتَّقْدِير: وعَلى ابْنك إِن اعْترف، وَالْأول أليق وَأَنه كَانَ فِي مقَام الحكم، فَلَو كَانَ فِي مقَام الْإِفْتَاء لم يكن فِيهِ إِشْكَال لِأَن التَّقْدِير إِن كَانَ زنى وَهُوَ بكر، وقرينة اعترافه حُضُوره مَعَ أَبِيه وسكوته على مَا نسبه إِلَيْهِ. وَأما الْعلم بِكَوْنِهِ بكرا فَوَقع صَرِيحًا من كَلَام أَبِيه فِي رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، وَلَفظه: كَانَ ابْني أَجِيرا لامْرَأَة هَذَا وَابْني لم يحصن. قَوْله: واغد يَا أنيس كلمة: غَدا، أَمر من غَدا غدواً وَهُوَ الذّهاب هُنَا والتوجه وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَة الغدو، وَهُوَ التَّأْخِير إِلَى أول النَّهَار. وَحكى عِيَاض أَن بَعضهم اسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز تَأْخِير إِقَامَة الْحَد عِنْد ضيق الْوَقْت، واستضعفه بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَر أَن ذَلِك كَانَ فِي آخر النَّهَار، وأنيس مصغر أنس وَاخْتلف فِيهِ فِي هَذَا الحَدِيث: فَالْمَشْهُور أَنه أنيس بن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ وَكَانَت الْمَرْأَة أَيْضا أسلمية كَمَا ذهب ابْن عبد الْبر إِلَى هَذَا، وَقيل: أنيس بن مرْثَد، وَقيل: ابْن أبي مرْثَد، وَهُوَ غير صَحِيح لِأَن أنيس بن أبي مرْثَد صَحَابِيّ مَشْهُور غنوي بالغين الْمُعْجَمَة وَالنُّون الْأَسْلَمِيّ وَهُوَ بِفتْحَتَيْنِ غير مصغر وَلم يَصح أَيْضا قَول من قَالَ: إِنَّه أنس بن مَالك وصغرهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ أَنْصَارِي لَا أسلمي، وَوَقع فِي رِوَايَة شُعَيْب وَابْن أبي ذِئْب: وَأما أَنْت يَا أنيس لرجل من أسلم، فاغدُ. قيل: حد الزِّنَى لَا يثبت بالتجسس والاستكشاف عَنهُ فَمَا وَجه إرْسَال أنيس إِلَى الْمَرْأَة؟ وَأجِيب: بِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ إعلامها بِأَن هَذَا الرجل قَذفهَا وَلها عَلَيْهِ حد الْقَذْف، فإمَّا أَن تطالبه بِهِ أَو تَعْفُو عَنهُ أَو تعترف بالزنى. قَوْله: قلت لِسُفْيَان الْقَائِل لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة هُوَ عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: لم يقل: فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني الرَّجْم أَي: لم يقل الرجل الَّذِي قَالَ: إِن ابْني كَانَ عسيفاً، فِي كَلَامه، فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني الرَّجْم. قَوْله: فَقَالَ أَي: سُفْيَان: أَشك فِيهَا أَي: فِي سماعهَا من الزُّهْرِيّ، فَتَارَة أذكرها وَتارَة أسكت عَنْهَا.
وَفِي الحَدِيث فَوَائِد: الترافع إِلَى السُّلْطَان الْأَعْلَى فِيمَا قد قضى فِيهِ غَيره مِمَّن هُوَ دونه إِذا لم يُوَافق الْحق، وَفسخ كل صلح وَقع على خلاف السّنة، وَمَا قَبضه الَّذِي قضى لَهُ بِالْبَاطِلِ لَا يصلح أَن يكون ملكا لَهُ، وللعالم أَن يُفْتِي فِي مصر فِيهِ من هُوَ أعلم مِنْهُ. وَفِيه: جَوَاز عدم الِاقْتِصَار على قَول وَاحِد من الْعلمَاء، وَجَوَاز قَول الْخصم للْإِمَام الْعدْل: اقضِ بَيْننَا بِالْحَقِّ. وَفِيه: النَّفْي والتغريب للبكر الزَّانِي استدلت بِهِ الشَّافِعِيَّة وَأَبُو حنيفَة لَا يَقُول بِالنَّفْيِ لِأَن إِيجَابه زِيَادَة على النَّص وَالزِّيَادَة على النَّص بِخَبَر الْوَاحِد نسخ، فَلَا يجوز وَفِيه رجم الثّيّب بِلَا جلد، على مَا ذهب إِلَيْهِ أَئِمَّة الْفَتْوَى فِي الْأَمْصَار. وَفِيه: إرْسَال الْوَاحِد لتنفيذ الحكم. وَفِيه: أَن المخدرة الَّتِي لَا تعتاد البروز لَا تكلّف الْحُضُور لمجلس الحكم بل يجوز أَن يُرْسل إِلَيْهَا من يحكم لَهَا وَعَلَيْهَا، وَقد ترْجم النَّسَائِيّ فِي ذَلِك.

6829 - ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُبَيْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَقَدْ خَشِيتُ أنْ يَطُولَ بالنَّاسِ زَمانٌ حتَّى يَقُولَ قائِلٌ: لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتابِ الله فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَها الله، أَلا وإنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلى مَنْ زَنَى وقَدْ أحْصَنَ، إِذا قامَتِ البَيِّنَةُ أوْ كَانَ الحَمْلُ أَو الاعْتِرَافُ.
قَالَ سُفْيانُ: كَذا حَفِظْتُ، أَلا وقَدْ رَجَمَ رسولُ الله ورَجَمْنا بَعْدَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أَلا وَإِن الرَّجْم إِلَى آخِره. وَرِجَاله هم المذكورون فِي الحَدِيث السَّابِق.
قَوْله: فيضلوا

(24/5)


من الضلال. قَوْله: أنزلهَا الله أَي: بِاعْتِبَار مَا كَانَ الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا، من الْقُرْآن فنسخت تِلَاوَته، أَو بِاعْتِبَار أَنه 3 هَا 0 النَّجْم: 3 4 قَوْله: وَقد أحصن على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِحْصَان فِي مَوضِع الْحَال، وَقد علم أَن الْمَاضِي إِذا وَقع حَالا لَا بُد فِيهِ من كلمة: قد، إِمَّا تَحْقِيقا وَإِمَّا تَقْديرا. قَوْله: أَو كَانَ الْحمل أَي: أَو ثَبت الْحمل، ويروى: الْحَبل، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة مَوضِع الْمِيم.
قَوْله: قَالَ سُفْيَان مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: كَذَا حفظت جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: أَو الِاعْتِرَاف وَقَوله: أَلا وَقد رجم

31 - (بابُ رَجْمِ الحُبْلَى مِنَ الزِّنى إِذا أحْصَنَتْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رجم الْمَرْأَة الَّتِي حبلت من الزِّنَى إِذا أحصنت أَي: تزوجت. قَوْله: من الزِّنَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فِي الزِّنَى، وَالْإِجْمَاع على أَنَّهَا ترْجم وَلَكِن بعد الْوَضع عِنْد الْكُوفِيّين، وَقيل: بعد الْفِطَام، وَقَالَ مَالك: إِذا وضعت حدث إِذا وجد للمولود من يرضعه وإلاَّ أخرت حَتَّى ترْضِعه وتفطمه خشيَة هَلَاكه. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا ترْجم حَتَّى تفطمه، كَمَا جرى للمرجومة.
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة تُوجد حَامِلا وَلَا زوج لَهَا، فَقَالَ مَالك: إِن قَالَت: استكرهت أَو تزوجت، فَلَا يقبل مِنْهَا ويقام عَلَيْهَا الْحَد إلاَّ أَن تقيم بَيِّنَة على مَا ادَّعَت من ذَلِك، أَو تَجِيء بِنِدَاء أَو استغاثة. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ: لَا حد عَلَيْهَا إلاَّ أَن تقرّ بالزنى أَو تقوم عَلَيْهَا بَيِّنَة.
6830 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنِي إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِىءُ رِجالاً مِنَ المُهاجِرِينَ منْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَما أَنا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَةٍ حَجَّها، إذْ رَجَعَ إلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمانِ فَقَالَ: لوْ رَأيْتَ رَجُلاً أتَى أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَوْمَ فَقَالَ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلانٍ؟ يَقُولُ: لوْ قَدْ ماتَ عُمَرُ لَقَدْ بايَعْتُ فُلاناً، فَوَالله مَا كانَتْ بَيْعَة أبي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إنِّي، إنْ شاءَ الله، لَقَائِمٌ العشِيَّةَ فِي النَّاس فَمُحَذِّرُهُمْ، هاؤُلاء الّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَغْصبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ: فَقُلْتُ: يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ لَا تَفعلْ فإنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وغَوْغاءَهُمْ، فإنَّهُمْ هُمُ الّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلى قُرْبِكَ، حِينَ تَقُومُ فِي النَّاس، وَأَنا أخْشَى أنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقالَةً يُطَيِّرُها عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وأنْ لَا يَعُوها وأنْ لَا يَضَعُوها عَلى مَواضِعِها، فأمْهِلْ حتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ فإنَّها دارُ الهِجْرَةِ والسُّنةِ، فَتَخْلُصَ بِأهْلِ الفِقْهِ وأشْرافِ النَّاسِ، فَتَقُول ماقُلْتَ مُتَمَكِّناً، فَيَعِي أهْلُ العِلْمِ مَقالَتَكَ ويَضَعُونَها عَلى مَواضِعها. فَقَالَ عُمَرُ: أما وَالله، إنْ شاءَ الله، لأقومَنَّ بِذالِكَ أوَّلَ مَقَامٍ أقُومُهُ بِالمدِينَةِ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنا المَدِينَةَ فِي عَقِيبِ ذِي الحِجَّةِ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ عَجَّلْنا الرَّواحَ حِينَ زاغَتِ الشَّمْسُ، حتَّى أجِدَ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ جالِساً إِلَى رُكْنِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي، رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أنْشَبْ أنْ خَرَجَ عُمَرُ بنُ الخطّابِ، فَلمَّا رأيْتُهُ مُقْبِلاً قُلْتُ لِسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بن نُفَيْلٍ: ليَقُولَنَّ العَشِيَّةَ مَقالَةً لَمْ يَقُلْها مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فأنْكَرَ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أنْ يَقُولَ مَا لَمْ

(24/6)


يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلى المِنْبَرِ، فَلمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ قامَ فأثْنى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنِّي قائِلٌ لَكُمْ مَقالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أنْ أقُولَها، لَا أدْرِي لَعَلَّها بَيْنَ يَدَيْ أجَلِي، فَمَنْ عَقَلَها وَوعاها فَلْيُحَدِّثْ بِها حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ راحِلَتُهُ، ومَنْ خَشِيَ أنْ لَا يَعْقِلَها فَلا أُحِلُّ لأِحَدٍ أنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إنَّ الله بعَثَ مُحَمَّداً بالحَقِّ وأنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتابَ فَكانَ مِمَّا أنْزَلَ الله آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْناها وعَقَلْناها وَوَعَيْناها، فَلِذَا رَجَمَ رسولُ الله وَرَجَمْنا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طالَ بالنَّاسِ زَمانٌ أنْ يَقُولَ قائِلٌ: وَالله مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتابِ الله فَيَضِلُّوا بِتَرْك فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا الله، والرَّجْمُ فِي كِتابِ الله حَقٌّ عَلى مَنْ زَنَى، إِذا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إِذا قامَتِ البَيِّنَةُ أوْ كَانَ الحَبَلُ أَو الاعِتْرِافُ، ثُمَّ إنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيما نَقْرَأُ مِنْ كِتابِ الله: أنْ لَا تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ فإنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ، أوْ إنَّ كُفْراً بِكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ، أَلا ثُمَّ إنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسى ابنُ مَرْيَمَ وقُولُوا عَبْدُ الله ورسُولُهُ ثُمَّ إنّهُ بَلَغَنِي أنَّ قائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ: وَالله لوْ ماتَ عُمَرُ بايَعْتُ فُلاناً، فَلا يَغْتَرَّنَ امْرُؤٌ أنْ يَقُولَ: إنّما كانَتْ بَيْعَةُ أبي بَكْرٍ فَلْتَةً، وتَمَّتْ، ألاَّ وإنَّها قَدْ كانَتْ كَذالِكَ، ولاكِنَّ الله وَقاى شَرَّها ولَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأعْناقُ إلَيْهِ مِثْلُ أبي بَكْرٍ، مَنْ بايَعَ رَجُلاً مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلا يُبايَعُ هُوَ، وَلَا الّذِي بايَعَهُ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلاَ، وإنهُ قَدْ كانَ منْ خَيْرِنا حِينَ تُوَفَّي الله نَبيَّهُ أَلا إنَّ الأنْصارَ، خالَفُونا واجْتَمَعُوا بِأسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةَ بَنِي ساعِدَةَ، وخالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ والزُّبَيْرُ ومَنْ مَعَهُما، واجْتَمَعَ المُهاجِرُون إِلَى أبي بَكْرٍ فَقُلْتُ لأبي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْر انْطَلِقْ بِنا إِلَى إخْوانِنا هاؤلاءِ مِنَ الأنْصارِ، فانْطَلَقْنا نُريدهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنا مِنْهُمْ لَقِينا مِنْهُمْ رَجُلانِ صالِحانِ فَذَكَرا مَا تَمالاى عَلَيْهِ القَوْمُ فَقالا: أيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ؟ فَقُلْنا: نُرِيدُ إخْوانَنا هاؤلاءِ مِنَ الأنْصارِ، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَالله لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فانْطَلَقْنا حتَّى أتيْناهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ، فَإِذا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هاذا؟ فَقالُوا: هاذا سَعْدُ بنُ عُبادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لهُ؟ قالُوا: يُوعَكُ، فَلمَّا جَلَسْنا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فأثْناى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أما بَعْدُ فَنَحْنُ أنْصارُ الله وكَتِيبَةُ الإسْلامِ، وأنْتُمْ مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ رَهطٌ، وقَدْ دَفَّتْ دافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذا هُمْ يُرِيدُونَ أنْ يَخْتَزِلونا مِنْ أصْلِنا، وأنْ يَحْضُنُونا مِنَ الأمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ وكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقالَةً أعْجَبَتَنِي أُريدُ أنْ أُقَدِّمَها بَيْنَ يَدَيْ أبي بَكْرٍ، وكُنْتُ أُدارِي مِنْهُ بَعْضَ الحَدِّ، فَلَمَّا أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ قَالَ أبُو بَكْرٍ: عَلى رِسْلِكِ ... فكَرِهْتُ أَن أغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أبُو بَكْرٍ فَكانَ هُوَ أحْلَمَ مِنِّي وأوْقَرَ، وَالله مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِيِ إلاَّ قَالَ فِي بَديهَتِهِ مِثْلَها، أوْ أفْضَلَ مِنْها حتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ

(24/7)


فأنْتُمْ لهُ أهلٌ، ولَنْ يُعْرَفَ هاذا الأمْرُ إلاْ لِهاذا الحيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ نَسَباً وداراً، وقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أحَدَ هاذِينِ الرَّجُلَيْنِ فَبايِعُوا أيَّهُما شِئْتُمْ، فأخَذَ بِيَدِي وبِيَدِ أبي عُبَيْدَةَ بن الجَرَّاحِ وهْوَ جالِسٌ بَيْنَنا، فَلَمْ أكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كانَ وَالله أنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنْقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذالِكَ مِنْ إثْمٍ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ أنْ أتَأمَّر عَلى قَوْمٍ فِيهمْ أبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إلاّ أنْ تُسَوِّلَ إلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شَيْئاً لَا أجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ قائِلٌ مِنَ الأنْصارِ: أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ وعُذَيْقُها المُرَجَّبُ مِنَّا أمِيرٌ ومِنْكُمْ أمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ وارْتَفَعَتِ الأصْواتُ حتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاخْتِلافِ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ وبايَعَهُ المُهاجِرُونَ ثُمَّ بايَعَتْهُ الأنْصارُ ونَزَوْنا عَلى سَعْدِ بنِ عُبادَةَ، فَقَالَ قائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ، فَقُلْتُ: قَتَلَ الله سَعْدَ بنَ عُبادَةَ. قَالَ عُمَرُ: وإنَّا وَالله مَا وَجَدْنا فِيما حَضْرنا مِنْ أمْرٍ أقْواى مِنْ مُبايَعَةِ أبي بَكْرٍ، خَشِينا إنْ فارَقْنا القَوْمَ ولَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أنْ يُبايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنا، فإمَّا بايَعْناهُمْ عَلى مَا لَا نَرْضاى وإمَّا نُخالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسادٌ، فَمَنْ بايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلا يُتابَعُ هُوَ وَلَا الّذِي بايَعَهُ تَغِرَّةَ أنْ يُقْتَلاَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِذا أحصن من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا قَامَت الْبَيِّنَة
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، وَصَالح بن كيسَان.
قَوْله كنت أقرىء بِضَم الْهمزَة من الإقراء أَي: كنت اقرىء قُرْآنًا وَفِيه دلَالَة على أَن الْعلم يَأْخُذهُ الْكَبِير عَن الصَّغِير، وَأغْرب الدَّاودِيّ فَقَالَ: يَعْنِي يقْرَأ عَلَيْهِم ويلقنونه، وَاعْتَرضهُ ابْن التِّين وَقَالَ: هَذَا خُرُوج عَن الظَّاهِر. قَوْله: فِي آخر حجَّة حَجهَا يَعْنِي عمر رَضِي الله عَنهُ، وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين. قَوْله: إِذْ رَجَعَ جَوَاب قَوْله: فَبَيْنَمَا قَوْله: إِلَيّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: لَو رَأَيْت رجلا جَزَاؤُهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: لرأيت عجبا، أَو كلمة: لَو، لِلتَّمَنِّي فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب. قَوْله: هَل لَك فِي فلَان؟ لم يدر اسْمه. قَوْله: لَو قد مَاتَ عمر كلمة: قد، مقحمة لِأَن لَو، لَازم أَن يدْخل على الْفِعْل، وَقيل: قد، فِي تَقْدِير الْفِعْل وَمَعْنَاهُ: لَو تحقق موت عمر. قَوْله: لقد بَايَعت فلَانا يَعْنِي: طَلْحَة بن عبيد الله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ رجل من الْأَنْصَار وَكَذَا نَقله ابْن بطال عَن الْمُهلب، لَكِن لم يذكر مُسْتَنده فِي ذَلِك. قَوْله: إلاَّ فلتة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون اللَّام وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: فَجْأَة يَعْنِي: بَايعُوهُ فَجْأَة من غير تدبر. قَوْله: وتمت أَي: وتمت الْمُبَايعَة عَلَيْهِ. قَوْله: أَن يغصبوهم أَمرهم كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْجمع بغين مُعْجمَة وصاد مُهْملَة، وَفِي رِوَايَة مَالك: يغتصبوهم بِزِيَادَة تَاء الافتعال ويروى: أَن يغصبونهم، وَهِي لُغَة كَقَوْلِه تَعَالَى: الْبَقَرَة: 237 بِالرَّفْع وَهُوَ تشبيههم أَن بِمَا المصدرية فَلَا ينصبون بهَا، أَي: الَّذين يقصدون أموراً لَيْسَ ذَلِك وظيفتهم وَلَا لَهُم مرتبَة ذَلِك فيريدون مباشرتها بالظلم وَالْغَصْب، وَحكى ابْن التِّين أَنه رُوِيَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَضم أَوله: من أعصب، أَي: صَار لَا نَاصِر لَهُ، والمعصوب الضَّعِيف من أعصبت الشَّاة إِذا انْكَسَرَ أحد قرنيها أَو قرنها الدَّاخِل وَهُوَ المشاش، وَالْمعْنَى: أَنهم يغلبُونَ على الْأَمر فيضعف لضعفهم. قَوْله: رعاع النَّاس بِفَتْح الرَّاء وبعينين مهملتين وهم الجهلة الأراذل والغوغاء بغينين معجمتين بَينهمَا وَاو سَاكِنة، وَهُوَ فِي الأَصْل: الْجَرَاد الصغار حِين يبْدَأ فِي الطيران وَيُطلق على السفلة المتسرعين إِلَى الشَّرّ. قَوْله: يغلبُونَ على قربك أَي: هم الَّذين يكونُونَ قَرِيبا مِنْك عِنْد قيامك للخطبة لغلبتهم، وَلَا يتركون الْمَكَان الْقَرِيب إِلَيْك لأولي النهى من النَّاس، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني وَأبي زيد الْمروزِي: قرنك، بِكَسْر الْقَاف وبالنون وَهُوَ خطأ، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن مَالك: على مجلسك إِذا قُمْت فِي النَّاس. قَوْله: يطيرها بِضَم الْيَاء من الإطارة يُقَال: أطار الشَّيْء إِذا أطلقهُ. قَوْله: كل مطير بِالرَّفْع فَاعل: يطيرها وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْمقَالة، و: مطير، بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من الإطارة،

(24/8)


وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ، يطير بهَا، بِفَتْح الْيَاء وبالياء الْمُوَحدَة بعد الرَّاء أَي: يحملون مَقَالَتك على غير وَجههَا. قَوْله: وَأَن لَا يعوها أَي: وَأَن لَا يحفظوها، من الوعي وَهُوَ الْحِفْظ. قَوْله: وَأَن لَا يضعونها وَترك النصب جَائِز مَعَ الناصب لكنه خلاف الْأَفْصَح. قَوْله: فأمهل أَمر من الْإِمْهَال هُوَ التؤدة والرفق والتأني يُقَال: أمهلته إِذا انتظرته وَلم تعاجله. قَوْله: فتخلص بِضَم اللَّام وبالصاد الْمُهْملَة أَي: تصل. قَوْله: مُتَمَكنًا حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: قلت. قَوْله: فيعي أَي: يحفظ أهل الْعلم مَقَالَتك. قَوْله: أقومه وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: أقوم، بِدُونِ الضَّمِير. قَوْله: فِي عقب ذِي الْحجَّة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف أَو السّكُون، وَالْأول أولى لِأَنَّهُ يُقَال لما بعد التكملة وَالثَّانِي لما قرب مِنْهَا، يُقَال: جَاءَ عقب الشَّهْر بِالْوَجْهَيْنِ، وَالْوَاقِع الثَّانِي لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قدم قبل أَن يَنْسَلِخ ذُو الْحجَّة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله: عقب ذِي الْحجَّة أَي: يَوْم هُوَ آخِره، أَو الشَّهْر المعاقب لَهُ، أَي: أول الْمحرم. وَفِي التَّوْضِيح يُقَال: جَاءَ على عقب الشَّهْر وَفِي عقبه بِضَم الْعين وَإِسْكَان الْقَاف إِذا جَاءَ بعد تَمَامه. قَوْله: عجلنا الرواح ويروى: عجلنا بالرواح، وَهَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عجلت الرواح، بِدُونِ الْبَاء. قَوْله: حِين زاغت الشَّمْس أَي: حِين زَالَت الشَّمْس عَن مَكَانهَا، وَالْمرَاد بِهِ اشتداد الْحر. قَوْله: حَتَّى أجد قَالَ الْكرْمَانِي: أجد، بِالرَّفْع. قلت: لَا يرْتَفع الْفِعْل بعد حَتَّى إلاَّ إِذا كَانَ حَالا ثمَّ إِذا كَانَ الْحَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمن التَّكَلُّم فالرفع وَاجِب وَإِن كَانَ محكياً جَازَ الرّفْع وَالنّصب كَمَا فِي قِرَاءَة نَافِع: حَتَّى يَقُول الرَّسُول، بِالرَّفْع. قَوْله: سعيد بن زيد هُوَ أحد الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: حوله وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: حذوه، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْفربرِي عَن مَالك: حذاه، وَفِي رِوَايَة معمر: فَجَلَست إِلَى جنبه تمس ركبتي ركبته. قَوْله: فَلم أنشب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة أَي: فَلم أمكث وَلم أتعلق بِشَيْء حَتَّى خرج عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من مَكَانَهُ إِلَى جِهَة الْمِنْبَر. قَوْله: مَا عَسَيْت أَن يَقُول الْقيَاس أَن يَقُول: مَا عَسى أَن يَقُول، فَكَأَنَّهُ فِي معنى: رَجَوْت وتوقعت. قَوْله: لَعَلَّهَا بَين يَدي أَجلي أَي: بِقرب موتِي، وَهُوَ من الْأُمُور الَّتِي وَقعت على لِسَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَوَقَعت كَمَا قَالَ. قَوْله: وعاها أَي: حفظهَا. قَوْله: فليحدث بهَا يَعْنِي: على حسب مَا وعى وعقل. وَفِيه: الحض لأهل الْعلم على تبليغه ونشره. قَوْله: فَلَا أحل بِضَم الْهمزَة من الْإِحْلَال وَذَلِكَ نهي لأجل التَّقْصِير وَالْجهل عَن الحَدِيث بِمَا لم يعلموه وَلَا ضبطوه. قَوْله: لأحد ظَاهره يَقْتَضِي أَن يُقَال: لَهُ، ليرْجع الضَّمِير إِلَى الْمَوْصُول، وَلَكِن الشَّرْط هُوَ الارتباط وَعُمُوم الْأَحَد قَائِم مقَامه. قَوْله: إِن الله بعث مُحَمَّد قَالَ الطَّيِّبِيّ: قدم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا الْكَلَام قبل مَا أَرَادَ أَن يَقُول تَوْطِئَة لَهُ ليتيقظ السَّامع لما يَقُول. قَوْله: آيَة الرَّجْم مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ، وَخَبره هُوَ قَوْله: مِمَّا أنزل الله مقدما وَكلمَة: من للتَّبْعِيض وَآيَة الرَّجْم هِيَ قَوْله: الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَهُوَ قُرْآن نسخت تِلَاوَته دون حكمه. قَوْله: مِمَّا أنزل الله وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيمَا أنزل الله. قَوْله: ووعيناها أَي: حفظناها. قَوْله: رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ورجم، بِزِيَادَة الْوَاو. قَوْله: إِن طَال بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: أَن يَقُول بِفَتْح الْهمزَة. قَوْله: بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله أَي: فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة الَّتِي نسخت تلاوتها وَبَقِي حكمهَا، وَقد وَقع مَا خشيه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن طَائِفَة من الْخَوَارِج أَنْكَرُوا الرَّجْم، وَكَذَا بعض الْمُعْتَزلَة أنكروه. قَوْله: وَالرَّجم فِي كتاب الله حق أَي: فِي قَوْله تَعَالَى: النِّسَاء: 15 وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن المُرَاد بِهِ رجم الثّيّب وَجلد الْبكر. قَوْله: أَو كَانَ الْحَبل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي رِوَايَة معمر: الْحمل، بِالْمِيم. قَوْله: أَو الِاعْتِرَاف أَي: الْإِقْرَار بالزنى. قَوْله: ثمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ من كتاب الله أَي: مِمَّا نسخت تِلَاوَته وَبَقِي حكمه. قَوْله: لَا ترغبوا عَن آبائكم أَي: لَا تتركوا النِّسْبَة عَن آبائكم فتنسبون إِلَى غَيرهم. قَوْله: فَإِنَّهُ كفر بكم أَي: فَإِن انتسابكم إِلَى غير آبائكم كفر بكم أَي: كفر حق ونعمة. قَوْله: أَو إِن كفرا بكم شكّ من الرَّاوِي، قَالَ الْكرْمَانِي: أَو إِن كفرا، شكّ فِيمَا كَانَ فِي الْقُرْآن، وَهُوَ أَيْضا من الْمَنْسُوخ التِّلَاوَة دون الحكم. قَوْله: ألاَّ ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام حرف افْتِتَاح كَلَام غير الَّذِي قبله، وَفِي رِوَايَة مَالك: أَلا وَإِن، بِالْوَاو بدل: ثمَّ، قَوْله: لَا تطروني من الإطراء وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي الْمَدْح. قَوْله: كَمَا أطري عِيسَى على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، حَيْثُ قَالُوا: هُوَ ابْن الله، وَمِنْهُم من ادّعى أَنه هُوَ الله. قَوْله: أَلا وَإِنَّهَا أَي: وَإِن بيعَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: كَانَت كَذَلِك أَي: فلتة، وَصرح بذلك فِي

(24/9)


رِوَايَة إِسْحَاق بن عِيسَى عَن مَالك. وَقَالَ الدَّاودِيّ: معنى قَوْله: قَوْله: كَانَت فلتة أَنَّهَا وَقعت من غير مشورة مَعَ جَمِيع من كَانَ يَنْبَغِي أَن يشاوروا، وَأنكر هَذَا الْكَرَابِيسِي، وَقَالَ: المُرَاد أَن أَبَا بكر وَمن مَعَه تفلتوا فِي ذهابهم إِلَى الْأَنْصَار فَبَايعُوا أَبَا بكر بحضرتهم، وَالْمرَاد بالفلتة مَا وَقع من مُخَالفَة الْأَنْصَار وَمَا أرادوه من مبايعة سعد بن عبَادَة، وَقَالَ ابْن حبَان: معنى قَوْله: قَوْله: كَانَت فلتة أَن ابتداءها كَانَ عَن غير مَلأ كثير. وَفِي التَّوْضِيح قَالَ عمر: وَالله مَا وجدنَا فِيمَا حَضَرنَا من أَمر أقوى من بيعَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلِأَن أقدم فَيضْرب عنقِي أحب إليّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر، فَهَذَا يبين أَن قَول عمر: كَانَت فلتة، لم يرد مبايعة أبي بكر، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا وَصفه من خلَافَة الْأَنْصَار عَلَيْهِم، وَمَا كَانَ من أَمر سعد بن عبَادَة وَقَومه. قَوْله: وَلَكِن الله وقى شَرها أَي: وَلَكِن الله رفع شَرّ خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، وَمَعْنَاهُ: أَن الله وقاهم مَا فِي العجلة غَالِبا من الشَّرّ، وَقد بَين عمر سَبَب إسراعهم ببيعة أبي بكر، وَذَلِكَ أَنه لما خَشوا أَن يُبَايع الْأَنْصَار سعد بن عبَادَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: عجلوا بيعَة أبي بكر خيفة انتشار الْأَمر وَأَن يتَعَلَّق بِهِ من لَا يسْتَحق فَيَقَع الشَّرّ. قَوْله: من تقطع الْأَعْنَاق أَي: أَعْنَاق الْإِبِل يَعْنِي: تقطع من كَثْرَة السّير، حَاصله لَيْسَ فِيكُم مثل أبي بكر فِي الْفضل والتقدم فَلذَلِك مَضَت بيعَته على حَال فَجْأَة وَوقى شَرها فَلَا يطمعن من أحد فِي مثل ذَلِك. قَوْله: عَن غير مشورة بِفَتْح الْمِيم وَضم الشين الْمُعْجَمَة وبفتح الْمِيم وَسُكُون الشين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من غير مشورة. قَوْله: فَلَا يُبَايع جَوَاب: من، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُبَايعَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة ويروى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق: من الْمُتَابَعَة، وَهَذِه أولى لقَوْله: وَلَا الَّذِي تَابعه بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق فِي أَوله وبالياء الْمُوَحدَة بعد الْألف. قَوْله: تغرة أَن يقتلا أَي: المبايع والمتابع بِالْمُوَحَّدَةِ وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي الأول، وبالمثناة من فَوق وَكسر الْمُوَحدَة فِي الثَّانِي، وتغرة بالغين الْمُعْجَمَة مصدر يُقَال: غرر نَفسه تغريراً وتغرة إِذا عرضهَا للهلاك، وَفِي الْكَلَام مُضَاف مَحْذُوف تَقْدِيره: خوف تغرة أَن يقتلا، أَي: خوف وقوعهما فِي الْقَتْل فَحذف الْمُضَاف الَّذِي هُوَ الْخَوْف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ تغرة مقَامه وانتصب على أَنه مفعول لَهُ. قَوْله: وَإنَّهُ قد كَانَ أَي: وَإِن أَبَا بكر قد كَانَ من خيرنا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْبَاء الْمُوَحدَة، فعلى رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي يقْرَأ إِن الْأَنْصَار، بِكَسْر همزَة: إِن، على أَنه ابْتِدَاء كَلَام، وعَلى رِوَايَة غَيره بِفَتْحِهَا على أَنه خبر كَانَ، وَكلمَة: أَلا مُعْتَرضَة. قَوْله: ألاَّ إِن الْأَنْصَار قد ذكرنَا غير مرّة أَن كلمة: أَلا، لافتتاح الْكَلَام يُنَبه بهَا الْمُخَاطب على مَا يَأْتِي. قَوْله: بأسرهم أَي: بكليتهم. قَوْله: فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وَهِي الصّفة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ لَهُم طاق يَجْتَمعُونَ فِيهِ لفصل القضايا وتدبير الْأُمُور. قَوْله: وَخَالف عَنَّا أَي: معرضًا عَنَّا. وَقَالَ الْمُهلب: أَي فِي الْحُضُور والاجتماع لَا بِالرَّأْيِ وَالْقلب. وَفِي رِوَايَة مَالك وَمعمر: أَن عليّاً وَالزُّبَيْر وَمن كَانَ مَعَهُمَا تخلفوا فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان، لَكِن قَالَ: الْعَبَّاس، بدل: الزبير رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: فَانْطَلَقْنَا نريدهم زَاد جوَيْرِية: فلقينا أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخذ أَبُو بكر بِيَدِهِ يمشي بيني وَبَينه. قَوْله: لَقينَا رجلَانِ فعل وفاعل وهما: عويم بن سَاعِدَة ومعن بن عدي الْأنْصَارِيّ. قَوْله: صالحان صفة: رجلَانِ، وَفِي رِوَايَة معمر عَن ابْن شهَاب: شَهدا بَدْرًا، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: رجلا صدق: عويم بن سَاعِدَة ومعن بن عدي، كَذَا أدرج تسميتهما وَبَين مَالك أَنه قَول عُرْوَة وَلَفظه، قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي عُرْوَة أَنَّهُمَا معن بن عدي وعويم بن سَاعِدَة، قلت: معن بن عدي بن الْجد بن عجلَان بن ضبيعة البلوي من بلي ابْن الْحَارِث بن قضاعة شهد الْعقبَة وبدراً وأحداً وَالْخَنْدَق وَسَائِر مشَاهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وعويم بن سَاعِدَة بن عايش بن قيس شهد العقبتين جَمِيعًا فِي قَول الْوَاقِدِيّ وَغَيره، وَشهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق، وَمَات فِي خلَافَة عمر بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: مَا تمالأ عَلَيْهِ الْقَوْم أَي: مَا اتّفق عَلَيْهِ الْقَوْم وَهُوَ بِفَتْح اللَّام وبالهمزة من بَاب التفاعل. قَوْله: لَا عَلَيْكُم أَن لَا تقربوهم كلمة: لَا، بعد: أَن، زَائِدَة. قَوْله: رجل مزمل على وزن اسْم الْمَفْعُول من التزميل وَهُوَ الْإخْفَاء واللف فِي الثَّوْب. قَوْله: بَين ظهرانيهم بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالنُّون أَي: بَينهم، وَأَصله بَين ظهريهم فزيدت الْألف وَالنُّون للتَّأْكِيد. قَوْله: يوعك بِضَم الْيَاء وَفتح الْعين أَي: يحصل لَهُ الوعك وَهُوَ الْحمى بنافض وَلذَلِك زمل. قَوْله: تشهد خطيبهم أَي: قَالَ كلمة الشَّهَادَة، قيل: كَانَ ثَابت بن قيس بن شماس خطيب الْأَنْصَار

(24/10)


فَيحْتَمل أَن يكون الْخَطِيب. قَوْله: وكتيبة الْإِسْلَام بِفَتْح الْكَاف وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ الْجَيْش الْمُجْتَمع الَّذِي لَا ينتشر وَيجمع على كتائب. قَوْله: معشر الْمُهَاجِرين كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره معاشر الْمُهَاجِرين. قَوْله: رَهْط أَي: قَلِيل. قَالَ الْخطابِيّ: رَهْط، أَي: نفر يسير بِمَنْزِلَة الرَّهْط وَهُوَ من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، أَي: عددكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَنْصَار قَلِيل، وَرَفعه على الخبرية. قَوْله: وَقد دفت دافة بتَشْديد الْفَاء أَي: عدد قَلِيل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الدافة الرّفْقَة يَسِيرُونَ سيراً لينًا. أَي: وأنكم قوم طراد غرباء أقبلتم من مَكَّة إِلَيْنَا تُرِيدُونَ أَن تختزلونا من الاختزال بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي وَهُوَ الاقتطاع أَي: تقتطعونا عَن الْأَمر وتنفردون بِهِ دُوننَا. قَوْله: وَأَن يحضنونا بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة. أَي: يخرجوننا من الْأَمر أَي: الْإِمَارَة والحكومة ويستأثرون علينا، يُقَال: حضنت الرجل عَن الْأَمر إِذا اقتطعته دونه وعزلته عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن السكن: يحتصونا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، وَالصَّاد الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني يحصونا بِضَم الْحَاء بِدُونِ التَّاء وَهُوَ بِمَعْنى الاقتطاع والاستئصال، وَفِي رِوَايَة أبي بكر الْحَنَفِيّ عَن مَالك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: ويخطفونا، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وبالفاء. واتفقت الرِّوَايَات على أَن قَوْله: فَإِذا هم الخ بَقِيَّة كَلَام خطيب الْأَنْصَار. قَوْله: فَلَمَّا سكت أَي: خطيب الْأَنْصَار. قَوْله: زورت من التزوير بالزاي وَالْوَاو، وَهُوَ التهيئة والتحسين، وَفِي رِوَايَة مَالك: رويت، برَاء وواو مُشَدّدَة ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف من الروية ضد البديهة. قَوْله: وَكنت أداري مِنْهُ بعض الْحَد أَي: أدفَع عَنهُ بعض مَا يعتري لَهُ من الْغَضَب وَنَحْوه. قَوْله: على رسلك بِكَسْر الرَّاء أَي: اتئد وَاسْتعْمل الرِّفْق والتؤدة. قَوْله: أَن أغضبهُ بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة من الإغضاب، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بمهملتين وياء آخر الْحُرُوف من الْعِصْيَان. قَوْله: هُوَ أحلم مني أَي: أَشد حلماً مني والحلم هُوَ الطُّمَأْنِينَة عِنْد الْغَضَب. قَوْله: وأوقر أَي: أَكثر وقاراً وَهُوَ الثَّانِي فِي الْأُمُور والرزانة عِنْد التَّوَجُّه إِلَى الْمطلب. قَوْله: مَا ذكرْتُمْ أَي: من النُّصْرَة وكونكم كَتِيبَة الْإِسْلَام. قَوْله: وَلنْ يعرف على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: هَذَا الْأَمر أَي: الْخلَافَة، وَفِي رِوَايَة مَالك: وَلنْ تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إلاَّ لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش. قَوْله: هم أَوسط الْعَرَب وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: هُوَ، بدل: هم، وَالْأول أوجه، وَمعنى أَوسط: أعدل وَأفضل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: الْبَقَرَة: 143 أَي: عدلا. قَوْله: أحد هذَيْن الرجلَيْن هما عمر وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح بَين ذَلِك بقوله: فَأخذ بيَدي وَيَد أبي عُبَيْدَة بن الْجراح والآخذ بِيَدِهِ هُوَ أَبُو بكر وَالضَّمِير فِي: يَده، يرجع إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ لَهُ أَن يَقُول هَذَا القَوْل وَقد جعله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، إِمَامًا فِي الصَّلَاة وَهِي عُمْدَة الْإِسْلَام؟ ثمَّ قَالَ: قَالَه تواضعاً وتأدباً وعلماً بِأَن كلاًّ مِنْهُمَا لَا يرى نَفسه أَهلا لذَلِك بِوُجُودِهِ، وَأَنه لَا يكون للْمُسلمين إلاّ إِمَام وَاحِد. قَوْله: وَهُوَ جَالس أَي: أَبُو بكر جَالس بَيْننَا. قَوْله: فَلم أكره مِمَّا قَالَ غَيرهَا هَذَا قَول عمر رَضِي الله عَنهُ. أَي: لم أكره مِمَّا قَالَ أَبُو بكر غير هَذِه الْمقَالة، وَهِي قَوْله: وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن فَبَايعُوا أَيهمَا شِئْتُم قَوْله: كَانَ وَالله أَن أقدم على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّقْدِيم وَكلمَة: أَن، مَفْتُوحَة لِأَنَّهَا اسْم: كَانَ، وَلَفْظَة: وَالله، مُعْتَرضَة بَينهمَا. قَوْله: فَتضْرب عنقِي بِالنّصب عطف على: أَن أقدم، قَوْله: لَا يقربنِي ذَلِك أَي: تَقْدِيم عنقِي وضربه من الْإِثْم. قَوْله: أحب إليّ بِالنّصب خبر كَانَ. قَوْله: من أَن أتامر كلمة، إِن، مَصْدَرِيَّة أَي: من كوني أَمِيرا على قوم فيهم أَبُو بكر مَوْجُود. قَوْله: أَن تسول بِضَم التَّاء وَفتح السِّين وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة أَي: أَن تزين نَفسِي، يُقَال: سَوَّلت لَهُ نَفسه شَيْئا أَي: زينته، وَيَقُول لَهُ الشَّيْطَان: افْعَل كَذَا وَكَذَا. قَوْله: إِلَيّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: شَيْئا مَنْصُوب بقوله: أَن تسول قَوْله: لَا أَجِدهُ الْآن من الوجدان أَي: السَّاعَة هَذِه. قَوْله: فَقَالَ قَائِل من الْأَنْصَار كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَقَالَ قَائِل الْأَنْصَار، بِإِضَافَة قَائِل إِلَى الْأَنْصَار، وَقد سمى سُفْيَان هَذَا الْقَائِل فِي رِوَايَته عِنْد الْبَزَّار فَقَالَ: حباب بن الْمُنْذر، وحباب بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْمُنْذر على وزن اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ابْن الجموح بن يزِيد بن حرَام الْأنْصَارِيّ شهد بَدْرًا وَاحِدًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: منا أَمِير إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْعَرَب لم تكن تعرف الْإِمَارَة، إِنَّمَا كَانَت

(24/11)


تعرف السِّيَادَة بِكَوْن لكل قَبيلَة سيد لَا تطيع إلاَّ سيد قَومهَا، فَجرى هَذَا القَوْل مِنْهُ على الْعَادة الْمَعْهُودَة حِين لم يعرف أَن حكم الْإِسْلَام بِخِلَافِهِ، فَلَمَّا بلغه أَن الْخلَافَة فِي قُرَيْش أمسك عَن ذَلِك. وَأَقْبَلت الْجَمَاعَة إِلَى الْبيعَة. قَوْله: إِنَّا جذيلها بِضَم الْجِيم. مصغر الجذل بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَسُكُون الذَّال وَهُوَ أصل الشّجر، وَالْمرَاد بِهِ عود ينصب فِي العطن للجربى لتحتك. أَي: أَنا مِمَّن يستشفى فِيهِ برأيي كَمَا يستشفى الْإِبِل الجربى بالاحتكاك بِهِ، والتصغير للتعظيم، والمحكك صفة: جذيل. قَوْله: وعذيقها مصغر العذق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة النّخل وبالكسر القنو مِنْهَا. قَوْله: المرجب من الترجيب وَهُوَ التَّعْظِيم وَهُوَ أَنَّهَا إِذا كَانَت كَرِيمَة فمالت بنوا لَهَا من جَانبهَا المائل بِنَاء رفيعاً كالدعامة ليعتمدها وَلَا يسْقط، وَلَا يعْمل ذَلِك إلاَّ لكرمها، وَقيل: هُوَ ضم عذاقها إِلَى سعفاتها وشدها بالخوص لِئَلَّا ينفضها الرّيح، أَو يوضع الشوك حولهَا لِئَلَّا تصل إِلَيْهَا الْأَيْدِي المتفرقة. قَوْله: اللَّغط بالغين الْمُعْجَمَة الصَّوْت والجلبة. قَوْله: حَتَّى فرقت بِكَسْر الرَّاء أَي: حَتَّى خشيت، وَفِي رِوَايَة مَالك: حَتَّى خفت، وَفِي رِوَايَة جوَيْرِية: حَتَّى أشفقنا الِاخْتِلَاف. قَوْله: ونزونا بِفَتْح النُّون وَالزَّاي وَسُكُون الْوَاو أَي: وثبنا عَلَيْهِ وغلبنا عَلَيْهِ. قَوْله: قتلتم سعد بن عبَادَة قيل: مَا مَعْنَاهُ وَهُوَ كَانَ حَيا؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا كِنَايَة عَن الْإِعْرَاض والخذلان والاحتساب فِي عدد الْقَتْلَى لِأَن من أبطل فعله وسلب قوته فَهُوَ كالمقتول. قَوْله: فَقلت: قتل الله سعد بن عبَادَة الْقَائِل هُوَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوجه قَوْله هَذَا إِمَّا إِخْبَار عَمَّا قدر الله عَن إهماله وَعدم صَيْرُورَته خَليفَة، وَإِمَّا دُعَاء صدر عَنهُ عَلَيْهِ فِي مُقَابلَة عدم نصرته للحق. قيل: إِنَّه تخلف عَن الْبيعَة وَخرج إِلَى الشَّام فَوجدَ مَيتا فِي مغتسله وَقد اخضر جسده وَلم يشعروا بِمَوْتِهِ حَتَّى سمعُوا قَائِلا يَقُول وَلَا يرَوْنَ شخصه.
الْخَزْرَج سعد بن عبَادَة فرميناه بسهمين فَلم نخط فُؤَاده.
قَوْله: مَا وجدنَا أَي: من دفن رَسُول الله قَوْله: من أَمر فِي مَوضِع الْمَفْعُول. قَوْله: أقوى مفعول. قَوْله: مَا وجدنَا قَوْله: وَلم تكن بيعَة جملَة حَالية. قَوْله: أَن يبايعوا بِفَتْح همزَة أَن لِأَنَّهُ مفعول قَوْله: خشينا قَوْله: فإمَّا بايعناهم من الْمُبَايعَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف قبل الْعين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تابعناهم بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة قبل الْعين. قَوْله: على مَا لَا نرضى ويروى: على مَا نرضى، وَالْأول هُوَ الْوَجْه وَهُوَ رِوَايَة مَالك أَيْضا. قَوْله: فَمن بَايع رجلا بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة مَالك: بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: فَلَا يُتَابع هُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُتَابَعَة بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: وَلَا الَّذِي بَايعه بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: تغرة أَن يقتلا أَي خوف وقوعهما فِي الْقَتْل، وَقد مر تَفْسِير هَذَا عَن قريب.

32 - (بابٌ البِكْرَانِ يُجْلَدانِ ويُنْفَيانِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ البكران يجلدان وينفيان، وَهُوَ تَثْنِيَة بكر وَهُوَ الَّذِي لم يُجَامع فِي نِكَاح صَحِيح وَإِنَّمَا ثنَّاه ليشْمل الرجل وَالْمَرْأَة. فَقَوله: البكران، مُبْتَدأ: ويجلدان، على صِيغَة الْمَجْهُول خَبره وَقد ورد خبر بِلَفْظ التَّرْجَمَة أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثله.
النُّور: 2 3 ف
سَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة إِلَى قَوْله: الْمُؤْمِنُونَ كَمَا ذكر هُنَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر سَاق من قَوْله: الزَّانِيَة إِلَى قَوْله: فِي دين الله ثمَّ قَالَ الْآيَة، ثمَّ إِنَّه ذكر الْآيَة الأولى لبَيَان أَن الْجلد ثَابت بِكِتَاب الله عز وَجل، وَذكر الْآيَة الثَّانِيَة لتعلقها بِمَا قبلهَا وَذَلِكَ لِأَن قَوْله: الزاينة وَالزَّانِي يدلان على الجنسين المنافيين لجنسي الْعَفِيف والعفيفة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى هَذَا {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة} يَعْنِي لَا يرغب فِي نِكَاح الصوالح من النِّسَاء، وَكَذَا الزَّانِيَة لَا ترغب فِي نِكَاح الصلحاء من الرِّجَال.
وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا قَالَه مُجَاهِد: إِنَّه كَانَ فِي

(24/12)


الْجَاهِلِيَّة نسَاء يَزْنِين فَأَرَادَ أنَاس من الْمُسلمين نِكَاحهنَّ، فَنزلت. وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة، وَعَن سعيد بن الْمسيب: إِن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: {وَانْكِحُوا الايامى مِنْكُم} (0 النُّور: 32 ف وَالْآيَة الأولى ناسخة لقَوْله تَعَالَى: واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم} 0 النِّسَاء: 15 ف الْآيَة وَلقَوْله: {واللذان يأتيانها مِنْكُم فأذوها} 0 النِّسَاء: 16 ف فَكل من زنى مِنْهُمَا أوذي إِلَى الْمَوْت، قَالَه مُجَاهِد، وَقَالَ النّحاس: لَا خلاف فِي ذَلِك بَين الْمُفَسّرين قَوْله: {لَا تأخذكم بهما رأفة} أَي: لَا تأخذكم بسببهما رَحْمَة، وَالْمعْنَى: لَا تخففوا الْعَذَاب وَلَكِن أوجعوهما. قَوْله: إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يَعْنِي: إِن كُنْتُم تصدقُونَ بتوحيد الله وبالبعث الَّذِي فِيهِ جَزَاء الْأَعْمَال.
قَوْله: طَائِفَة اخْتلفُوا فِي مبلغ عَددهَا، فَعَن النَّخعِيّ وَمُجاهد: أَقَله رجل وَاحِد فَمَا فَوْقه، وَعَن عَطاء وَعِكْرِمَة: رجلَانِ فَصَاعِدا، وَعَن الزُّهْرِيّ: ثَلَاثَة فَصَاعِدا وَعَن ابْن زيد: أَرْبَعَة بِعَدَد من تقبل شَهَادَته على الزِّنَى، وَعَن قَتَادَة نفر من الْمُسلمين. وَقَالَ الزّجاج: لَا يجوز أَن تكون الطَّائِفَة وَاحِدًا لِأَن مَعْنَاهَا معنى الْجَمَاعَة، وَالْجَمَاعَة لَا تكون أقل من اثْنَيْنِ، وَقَالَ غَيره: لَا يمْنَع ذَلِك على قَول أهل اللُّغَة، لِأَن معنى طَائِفَة: قِطْعَة، يُقَال أكلت طَائِفَة من الشَّاة أَي: قِطْعَة مِنْهَا.
وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: رَأْفَةٌ فِي إقامَةِ الحُدُودِ.
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} 0 النُّور: 2 يَعْنِي: رَحْمَة فِي إِقَامَة الْحُدُود، ويروى: رأفة ويروى: رأفة إِقَامَة الْحُدُود بِدُونِ لفظ فِي، ويروى: قَالَ ابْن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَعَلِيهِ جرى ابْن بطال، وَالْمُعْتَمد هُوَ الأول، وَابْن علية اسْمه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْأَسدي الْبَصْرِيّ، وَعَلِيهِ اسْم أمه مولاة لبني أَسد.

6831 - حدّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ، حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ، أخبرنَا ابنُ شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى ولَمْ يُحْصَنْ جَلْدَ مِائَةٍ وتَغْرِيبَ عامٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي سَلمَة الْمَاجشون.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله ... الخ. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة.
قَوْله: وَلم يحصن على صِيغَة الْمَجْهُول والمعلوم. قَوْله: جلد مائَة بِالنّصب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بجلد مائَة. قَوْله: وتغريب عَام عطف عَلَيْهِ.
وَفِي التَّوْضِيح فِي الحَدِيث تغريب الْبكر مَعَ الْجلد وَهُوَ حجَّة على أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِي إِنْكَار التَّغْرِيب. قلت: أَبُو حنيفَة يحْتَج بِظَاهِر الْقُرْآن فَإِنَّهُ لَا نفي فِيهِ، وَقَالَ مَالك: ينفى الْبكر الْحر وَلَا تغرب الْمَرْأَة وَلَا العَبْد، وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: يغرب الْمَرْأَة وَالرجل. وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي نفي العَبْد، وَعند الشَّافِعِيَّة: لَا تغرب الْمَرْأَة وَحدهَا بل مَعَ زوج أَو محرم وَاخْتلف فِي الْمسَافَة الَّتِي تغرب إِلَيْهَا، فَروِيَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: إِلَى فدك، وَمثله عَن ابْنه، وَبِه قَالَ عبد الْملك، وَزَاد: إِلَى مثل الجيار من الْمَدِينَة، وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: من الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة، وَقَالَ الشّعبِيّ: يَنْفِيه من عمله إِلَى غَيره. وَقَالَ مَالك: يغرب عَاما فِي بلد يحبس فِيهِ لِئَلَّا يرجع إِلَى الْبَلَد الَّذِي نفي مِنْهُ، وَعَن أَحْمد: إِلَى قدر مَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِلَى ميل وَأَقل مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: يجزىء من ذَلِك مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم النَّفْي قل أَو كثر.

(قَالَ ابْن شهَاب وَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن عمر بن الْخطاب غرب ثمَّ لم تزل تِلْكَ السّنة) هَذَا مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور أَي قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام أَن عمر إِلَى آخِره وَهَذَا مُنْقَطع لِأَن عُرْوَة لم يسمع من عمر رَضِي الله عَنهُ لكنه ثَبت عَن عمر من وَجه آخر أخرجه التِّرْمِذِيّ حَدثنِي أَبُو كريب وَيحيى بن أكتم قَالَا حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضرب وَغرب وَأَن أَبَا بكر ضرب وَغرب وَأَن عمر ضرب وَغرب وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا وَابْن خُزَيْمَة وَصَححهُ الْحَاكِم وَذكر التِّرْمِذِيّ أَن أَكثر أَصْحَاب عبيد الله بن عمر رَوَوْهُ عَنهُ مَوْقُوفا على أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَوْله " ثمَّ لم تزل " بِفَتْح الزَّاي قَوْله " تِلْكَ "

(24/13)


السّنة بِالرَّفْع وَالنّصب أَي دَامَت وَزَاد عبد الرَّزَّاق عَن مَالك ثمَّ لم تزل تِلْكَ السّنة حَتَّى غرب مَرْوَان ثمَّ ترك النَّاس ذَلِك يَعْنِي أهل الْمَدِينَة -
6833 - ح دّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلِ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله قَضاى فِيمَنْ زَنَى ولَمْ يُحْصَنْ بِنَفْي عامٍ بِإقامَةِ الحَدِّ عَليْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: وَلم يحصن بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول. قَوْله: بِإِقَامَة الْحَد أَي: ملتبساً جَامعا بَينهمَا، ويروى: وَإِقَامَة الْحَد.

33 - (بابُ نَفْيِ أهْلِ المَعاصِي والمُخَنَّثِينَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نفي أهل الْمعاصِي وَهُوَ جمع مَعْصِيّة. قَوْله: والمخنثين أَي: وَفِي بَيَان نفي المخنثين وَهُوَ جمع مخنث بتَشْديد النُّون الْمَفْتُوحَة وبكسرها وَالْفَتْح أشهر، وَهُوَ الْقيَاس مَأْخُوذ من خنثت الشَّيْء فتخنث أَي: عطفته فتعطف، وَمِنْه سمي المخنث، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَفِي الْمغرب تركيب الخنث يدل على لين وتكسر وَمِنْه المخنث وَهُوَ الْمُشبه فِي كَلَامه بِالنسَاء تكسراً وتعطفاً. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْغَرَض من ذكر هَذَا الْبَاب هُنَا التَّنْبِيه على أَن التَّغْرِيب على المذنب الَّذِي لَا حد عَلَيْهِ ثَابت، وعَلى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَد بِالطَّرِيقِ الأولى. قلت: يفهم من هَذَا أَن المرتكب لمعصية من الْمعاصِي يجوز نَفْيه. والترجمة أَيْضا تدل عَلَيْهِ، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: لَا ينفى إلاَّ ثَلَاثَة: بكر زَان، ومخنث، ومحارب، والمخنث إِذا كَانَ يُؤْتى رجم مَعَ الْفَاعِل أحصنا أَو لم يحصنا عِنْد مَالك، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ غير مُحصن فَعَلَيهِ الْحَد، وَكَذَا عِنْد مَالك إِذا كَانَا كَافِرين أَو عَبْدَيْنِ، وَقيل: يرقى بالمرجوم على رَأس جبل ثمَّ يتبع بِالْحِجَارَةِ، وَهُوَ نوع من الرَّجْم وَفعله جَائِز، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِير، وَعند بعض أَصْحَابنَا: إِذا تكَرر يقتل. وَحَدِيث: ارجموا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ، مُتَكَلم فِيهِ، وَقَالَ بعض أهل الظَّاهِر: لَا شَيْء على من فعل هَذَا الصَّنِيع، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا أبعد الْأَقْوَال من الصَّوَاب.

28 - (حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا هِشَام حَدثنَا يحيى عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لعن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المخنثين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء وَقَالَ أخرجوهم من بُيُوتكُمْ وَأخرج فلَانا وَأخرج فلَانا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث وَهِشَام هُوَ الدستوَائي وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا قَوْله والمترجلات أَي النِّسَاء الشبيهات بِالرِّجَالِ المتكلفات فِي الرجولة وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ ضد المخنثين لأَنهم المتشبهون بِالنسَاء قَوْله " وَأخرج فلَانا " قَالَ الْكرْمَانِي هما ماتع بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة وهيت بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق قَوْله " وَأخرج فلَانا " فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأخرج عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فلَانا قلت فعلى هَذَا فَاعل أخرج الأول هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفاعل أخرج الثَّانِي هُوَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعَلى رِوَايَة غير أبي ذَر الْفَاعِل فِي كليهمَا هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أبي دَاوُد الحَدِيث عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور وَفِيه فَقَالَ أخرجوهم من بُيُوتكُمْ وأخرجوا فلَانا وَفُلَانًا من المخنثين وَأَرَادَ بقوله فلَانا وَفُلَانًا هما اللَّذين سماهما الْكرْمَانِي وَأما اسْم فلَان الَّذِي أخرجه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقيل أَنه أَبُو ذُؤَيْب وَقيل جعدة السّلمِيّ وَعَن مسلمة بن محَارب عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم أَن أُميَّة بن يزِيد الْأَسدي وَمولى مزينة كَانَا يحكران الطَّعَام بِالْمَدِينَةِ فأخرجهما عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

(24/14)


وَذكر بَعضهم يحْتَمل أَن يُفَسر قَوْله " وَأخرج " عمر فلَانا أَن يكون وَاحِد هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين الَّذين أخرجهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -
34 - (بابُ مَنْ أمَرَ غَيْرَ الإِمَام بإقامَةِ الحَدِّ غائِباً عَنْهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أَمر ... الخ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي عِبَارَته تعسف وَالْأولَى أَن يُقَال: من أمره الإِمَام وغائباً حَال من فَاعل الْإِقَامَة وَهُوَ الْغَيْر، وَيحْتَمل أَن يكون حَالا من الْمَحْدُود الْمقَام عَلَيْهِ.

6835 - 6836 حدّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيَ، حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وزَيْدِ بنِ خالِدٍ أنَّ رَجُلاً مِنَ الأعْرَابِ جاءَ إِلَى النَّبيِّ وهْوَ جالِسٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله اقْضِ بِكتاب الله. فقامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ لهُ يَا رسولَ الله بِكِتابِ الله، إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفاً عَلى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأتِهِ، فأخْبرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي الرَّجْم، فافْتَديْتُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَألْتُ أهْلَ العِلْمِ فَزَعَمُوا أنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْريب عامٍ، فَقَالَ: والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ الله، أمَّا الغَنَمُ والوَلِيدَةُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وعلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، وأمَّا أنْتَ يَا أُنَيْسُ فاغْدُ عَلى امْرَأةِ هاذا فارْجُمْها فَغَدَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرحمان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي النذور عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الصُّلْح وَالْأَحْكَام عَن آدم وَفِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة وسيجىء فِي الِاعْتِصَام وَخبر الْوَاحِد. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد مر تَفْسِيره غير مرّة وَقد مر عَن قريب أَيْضا فِي: بَاب الِاعْتِرَاف بالزنى.
قَوْله: إِن ابْني هَذَا كَلَام الْأَعرَابِي لَا خَصمه، مر فِي كتاب الصُّلْح هَكَذَا: جَاءَ الْأَعرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله اقضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ خَصمه فَقَالَ: صدق، فَقَالَ الْأَعرَابِي: إِن ابْني. . هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم: بل الَّذِي قَالَ: اقْضِ بَيْننَا هُوَ وَالِد العسيف. قلت: الِاخْتِلَاف فِي هَذَا على ابْن أبي ذِئْب يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ. قَوْله: كَانَ عسيفاً أَي أَجِيرا. قَوْله: فارجمها فِيهِ اخْتِصَار أَي: فَإِن اعْترفت بالزنى فارجمها، تشهد عَلَيْهِ سَائِر الرِّوَايَات وَالْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة.

35 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فمما ملكت أيمانكن من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات وَالله أعلم بإيمانكم بَعْضكُم من بعض فانكحوهن بِإِذن أهلهن وآتوهن أُجُورهنَّ بِالْمَعْرُوفِ محصنات غير مسافحات وَلَا متخذاتت أخدان فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم وَأَن تصبروا خير لكم وَالله غَفُور رجيم} )

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {وَمن لم يسْتَطع} الخ، هَكَذَا سَاقه وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا} ء آالآية، وَهَكَذَا وَقع فِي أصُول البُخَارِيّ وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا. وَابْن بطال أَدخل فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده ثمَّ ذكره فِيهِ أَيْضا. لَكِن من طَرِيق آخر وأباه ابْن التِّين فَذكره كَمَا ذكرنَا قَوْله: طولا أَي: فضلا وسعة وقدرة. قَوْله: {الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات} أَي: الْحَرَائِر العفائف الْمُؤْمِنَات. قَوْله: {فمما} أَي: فتزوجوا مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم أَي: من إمائكم الْمُؤْمِنَات، والفتيات جمع فتاة وَهِي الْأمة، فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا يجوز نِكَاح الْأمة الْكَافِرَة من دَلِيل

(24/15)


الْخطاب. وَالْمَعْرُوف من مَذْهَب مَالك: أَن نِكَاح الْأمة الذِّمِّيَّة لَا يجوز وَأَجَازَهُ الْآخرُونَ. قَوْله: {وَالله اعْلَم بإيمانكم} يَعْنِي: هُوَ الْعَالم بحقائق الْأُمُور وسرائرها وَإِنَّمَا لكم أَيهَا النَّاس الظَّاهِر من الْأُمُور. قَوْله: {بَعْضكُم من بعض} فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنكُمْ مُؤمنُونَ وَأَنْتُم إخْوَة. وَالثَّانِي: أَنكُمْ بَنو آدم، وَإِنَّمَا قيل لَهُم هَذَا فِيمَا رُوِيَ لأَنهم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يعيرون بالهجانة ويسمون ابْن الْأمة هجيناً فَقَالَ تَعَالَى: {بَعْضكُم من بعض} قَوْله: {فانكهوهن بِإِذن اهلهن} يدل على أَن السَّيِّد هُوَ ولي أمته لَا تزوج إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ ولي عَبده وَلَا يتَزَوَّج إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَإِن كَانَ مَالك الْأمة امْرَأَة زَوجهَا من يُزَوّج الْمَرْأَة بِإِذْنِهَا لما جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا، فَإِن الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوج نَفسهَا. قَوْله: {وآتوهن أُجُورهنَّ} أَي: وأعطوهن مهورهن أَي: عَن طيب نفس مِنْكُم وَلَا تبخسوهن مِنْهُ شَيْئا استهانة بِهن لكونهن إِمَاء مملوكات. قَوْله: {محصنات} أَي: عفائف عَن الزِّنَى لَا يتعاطينه، وَلِهَذَا قَالَ: {غير مسافحات} أَي: غير زواني اللَّاتِي لَا يمنعن أَنْفسهنَّ من أحد. قَوْله: 0 أَي: أخلاه، وَهُوَ جمع خدن بِكَسْر الْخَاء وَهُوَ الصّديق وَكَذَلِكَ الْخَدين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده: غير مسافحات زواني وَلَا متخذات أخدان أخلاء. قَوْله: فَإِذا أحصن فِيهِ قراءتان إِحْدَاهمَا: بِضَم الْهمزَة وَكسر الصَّاد. وَالْأُخْرَى: بِفَتْح الْهمزَة وَالصَّاد فعل لَازم، فَقيل: معنى الْقِرَاءَتَيْن وَاحِد. وَاخْتلفُوا فِيهِ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: إِن المُرَاد بالإحصان هُنَا الْإِسْلَام، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأنس وَالْأسود بن زيد وزر بن حُبَيْش وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَالسُّديّ، وَبِه قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ. وَالْآخر: أَن المُرَاد هَاهُنَا التَّزَوُّج، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَطَاوُس وَالْحسن وَقَتَادَة. قَوْله: يَعْنِي: الزِّنَى. قَوْله: {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} يَعْنِي: الْحَد كَمَا فِي قَوْله: 0 النُّور: 8 وَهُوَ خَمْسُونَ جلدَة وتغريب نصف سنة. قَوْله: إِشَارَة إِلَى نِكَاح الْإِمَاء عِنْد عدم الطول. قَوْله: {الْعَنَت} يَعْنِي: الْإِثْم وَالضَّرَر بِغَلَبَة الشَّهْوَة، هَكَذَا فسره الثَّعْلَبِيّ، وَيُقَال: الْعَنَت الزِّنَى وَهُوَ فِي الأَصْل الْمَشَقَّة. قَوْله: {وَإِن تصبروا} كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: وصبركم عَن نِكَاح الْإِمَاء خبر لكم

36 - (بابٌ إِذا زَنَتِ الأمَةُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا زنت الْأمة وَلم يذكر جَوَاب إِذا الَّذِي هُوَ الحكم اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الحَدِيث على عَادَته، وَلم يذكر الْأصيلِيّ هَذِه التَّرْجَمَة، وَجرى على ذَلِك ابْن بطال.

6838 - ح دّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالكٌ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خالِدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الأمَةِ إِذا زَنَتْ ولمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: إِذا زَنَتْ فاجْلدُوها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها ثمَّ بيعُوها ولوْ بِضَفِيرٍ
قَالَ ابنُ شِهابٍ: لَا أدْرِي بَعْد الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: سُئِلَ عَن الْأمة إِذا زنت
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَفِي الْعتْق عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله " وَلم تحصن " من الْإِحْصَان الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْعِفَّة عَن الزِّنَا وَفِي التَّلْوِيح اخْتلف الْعلمَاء فِي إِحْصَان الْإِمَاء غير ذَات الْأزْوَاج مَا هُوَ فَقَالَت طَائِفَة إِحْصَان الْأمة تَزْوِيجهَا فَإِذا زنت وَلَا زوج لَهَا فعلَيْهَا الْأَدَب وَلَا حد عَلَيْهَا هَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَطَاوُس وَقَتَادَة وَبِه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَت طَائِفَة إحصانها إسْلَامهَا فَإِذا كَانَت الْأمة مسلمة وزنت وَجَبت عَلَيْهَا خَمْسُونَ جلدَة سَوَاء كَانَت ذَات زوج أَو لم تكن رُوِيَ هَذَا عَن عمر بن الْخطاب فِي رِوَايَة وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأنس وَإِلَيْهِ ذهب النَّخعِيّ وَمَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَزعم أهل الْمقَالة الأولى أَنه لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث وَلم تحصن غير مَالك وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا لِأَنَّهُ رَوَاهُ يحيى بن سعيد عَن ابْن شهَاب كَمَا رَوَاهُ مَالك وَرَوَاهُ كَذَلِك طَائِفَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ وَإِذا اتّفق مَالك وَيحيى وسُفْيَان على شَيْء فهم حجَّة على من خالفهم قَوْله " وَلَو

(24/16)


بضفيرة " بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء وبالراء وَهُوَ الشّعْر المنسوج وَالْحَبل المفتول بِمَعْنى المضفور فعيل بِمَعْنى مفعول قَوْله " ثمَّ بيعوها " أَمر ندب وحث على مباعدة الزَّانِيَة وَخرج اللَّفْظ فِي ذَلِك على الْمُبَالغَة وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة بِوُجُوب بيعهَا إِذا زنت الرَّابِعَة وجلدت وَلم يقل بِهِ أحد من السّلف قَوْله " قَالَ ابْن شهَاب " مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور قَوْله " لَا أَدْرِي " بعد الثَّالِثَة أَي لَا أَدْرِي هَل يجلدها ثمَّ يَبِيعهَا وَلَو بضفير بعد الزنية الثَّالِثَة أَو بعد الزنية الرَّابِعَة وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا زنت أمة أحدكُم فليجلدها ثَلَاثًا بِكِتَاب الله فَإِن عَادَتْ فليبعها وَلَو بِحَبل من شعر فَهَذَا يدل على أَن بيعهَا بعد الرَّابِعَة وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل فَقَالَ جاريتي زنت فَتبين زنَاهَا قَالَ أجلدها خمسين فَأَتَاهُ وَقَالَ عَادَتْ فَتبين زنَاهَا قَالَ أجلدها خمسين ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ عَادَتْ فَتبين زنَاهَا قَالَ بعها وَلَو بِحَبل من شعر فَهَذَا يدل على أَن بيعهَا بعد الثَّالِثَة

(بَاب لَا يثرب على الْأمة إِذا زنت وَلَا تنفى)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يثرب على صِيغَة الْمَجْهُول من التثريب بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ التوبيخ والملامة والتعيير وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم} قَوْله " وَلَا تنفى " على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا واستنبط عدم النَّفْي من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ بيعوها لِأَن الْمَقْصُود من النَّفْي الإبعاد عَن الوطن الَّذِي وَقعت فِيهِ الْمعْصِيَة وَهُوَ لَا يلْزم حُصُوله من البيع
31 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا اللَّيْث عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سَمعه يَقُول قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا زنت الْأمة فَتبين زنَاهَا فليجلدها وَلَا يثرب ثمَّ إِن زنت فليجلدها وَلَا يثرب ثمَّ إِن زنت الثَّالِثَة فليبعها وَلَو بِحَبل من شعر) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَلَا يثرب وَسَعِيد المَقْبُري يروي عَن أَبِيه كيسَان مولى بني لَيْث عَن أبي هُرَيْرَة والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود وَالنَّسَائِيّ فِي الرَّجْم جَمِيعًا عَن عِيسَى بن حَمَّاد وَقَالَ الْمزي رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله " فَتبين " أَي تحقق زنَاهَا وَثَبت وَفِيه إِقَامَة السَّيِّد الْحَد على عَبده وَأمته وَهِي مَسْأَلَة خلافية فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْر يعم الْحُدُود كلهَا وَهُوَ قَول جمَاعَة من الصَّحَابَة أَقَامُوا الْحُدُود على عبيدهم مِنْهُم ابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَأنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ يحده الْمولى فِي الزِّنَا وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يحده فِي الزِّنَا وَالشرب وَالْقَذْف إِذا شهد عِنْده الشُّهُود لَا بِإِقْرَار العَبْد إِلَّا الْقطع خَاصَّة فَإِنَّهُ لَا يقطعهُ إِلَّا الإِمَام وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا يقيمها إِلَّا الإِمَام خَاصَّة وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن الْحسن وَعبد الله بن محيريز وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَنهم قَالُوا الْجُمُعَة وَالْحُدُود وَالزَّكَاة وَالنَّفْي إِلَى السُّلْطَان خَاصَّة وَفِيه دَلِيل على التغابن فِي البيع وَأَن الْمَالِك الصَّحِيح الْملك جَائِز لَهُ أَن يَبِيع مَاله الْقدر الْكَبِير بالتافه الْيَسِير وَهَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ بَين الْعلمَاء إِذا عرف قدر ذَلِك وَاخْتلفُوا فِيهِ إِذا لم يعرف قدر ذَلِك قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض
(تَابعه إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي تَابع اللَّيْث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة وَهَذِه الْمُتَابَعَة فِي الْمَتْن لَا فِي السَّنَد لِأَنَّهُ نقص مِنْهُ قَوْله عَن أَبِيه وَوَصلهَا النَّسَائِيّ من طَرِيق بشر بن الْمفضل عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة