عمدة القاري شرح
صحيح البخاري (كِتابُ الدِّيَاتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الدِّيات وَهُوَ جمع
دِيَة أَصْلهَا: ودى من وديت الْقَتِيل أديه دِيَة إِذا
أَعْطَيْت دِيَته، واتديت أَي: أخذت دِيَته، فحذفت الْوَاو
مِنْهُ وَعوض عَنْهَا الْهَاء، وَإِذا أردْت الْأَمر
مِنْهُ تَقول: د، بِكَسْر الدَّال أَصله: أودِ، فحذفت
الْوَاو مِنْهُ تبعا لفعله فَصَارَ أدِ، وَاسْتغْنى عَن
الْهمزَة فحذفت فَصَارَ، دِ، على وزن: عِ فَتَقول: دِ،
دياً، دو، أُدي، دياً، دين وَيجوز إِدْخَال هَاء السكت فِي
أَمر الْوَاحِد فَيُقَال: ده، كَمَا يُقَال: قه، قِ،
الَّذِي هُوَ أَمر يقي وقِي الْمغرب الدِّيَة مصدر: ودي
الْقَتِيل إِذا أعطي وليه دِيَته، وأصل التَّرْكِيب على
معنى الجري وَالْخُرُوج، وَمِنْه الْوَادي لِأَن المَاء
يَدي فِيهِ أَي: يجْرِي فِيهِ. فَإِن قلت: ترْجم غير
البُخَارِيّ كتاب الْقصاص وَأدْخل تَحْتَهُ الدِّيات،
وَالْبُخَارِيّ بِالْعَكْسِ؟ . قلت: تَرْجَمته أَعم من
تَرْجَمَة غَيره لِأَن مَا يجب فِيهِ الْقصاص يجوز الْعَفو
عَنهُ على مَال، فتشمله الدِّيَة.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ
عَذَاباً عَظِيماً}
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الدِّيات، هَذَا
على وجود الْوَاو، أَي: فِي قَول الله، وعَلى قَول أبي ذَر
والنسفي بِدُونِ الْوَاو، وَكَذَا قَول الله فَيكون حينئذٍ
مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء وَخَبره هُوَ قَوْله: {وَمن
يقتل} فَإِن قلت: مَا وَجه تصدير هَذِه التَّرْجَمَة
بِهَذِهِ الْآيَة؟ . قلت: لِأَن فِيهَا وعيداً شَدِيدا
عِنْد الْقَتْل مُتَعَمدا بِغَيْر حق فَإِن من فعل هَذَا
وصولح عَلَيْهِ بِمَال فتشمله الدِّيَة، وَإِذا احْتَرز
الشَّخْص عَن ذَلِك فَلَا يحْتَاج إِلَى شَيْء، وَاخْتلف
الْعلمَاء فِي تَأْوِيل هَذِه الْآيَة: هَل للْقَاتِل
تَوْبَة فِي ذَلِك أم لَا؟ فَروِيَ عَن ابْن مَسْعُود
وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر أَنه: لَا
تَوْبَة لَهُ، وَأَنَّهَا غير مَنْسُوخَة، وَأَنَّهَا نزلت
بعد الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان الَّتِي فِيهَا
تَوْبَة الْقَاتِل بِسِتَّة أشهر، وَنزلت آيَة الْفرْقَان
فِي أهل الشّرك، وَنزلت آيَة النِّسَاء فِي الْمُؤمنِينَ،
وروى سعيد بن الْمسيب أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، سَأَلَهُ رجل: إِنِّي قتلت فَهَل لي من
تَوْبَة؟ قَالَ: تزَود من المَاء الْبَارِد فَإنَّك لَا
تدخل الْجنَّة أبدا، وَذكره ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي
هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي الدَّرْدَاء،
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر: للْقَاتِل
تَوْبَة من طرق لَا يحْتَج بهَا، وَاحْتج أهل السّنة بِأَن
الْقَاتِل فِي مَشِيئَة الله بِحَدِيث عبَادَة بن
الصَّامِت الَّذِي فِيهِ ذكر بيعَة الْعقبَة، وَفِيه: من
أصَاب ذَنبا فَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ غفر لَهُ
(24/30)
وَإِن شَاءَ عذبه وَإِلَى هَذَا ذهب
جمَاعَة من التَّابِعين وفقهاء الْأَمْصَار، وَقيل:
الْآيَة فِي حق المستحل، وَقيل: المُرَاد بالخلود طول
الْإِقَامَة.
6861 - ح دّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ
عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَمْرِو بنِ
شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ رجُلٌ: يَا
رسُولَ الله أيُّ الذَّنْبِ أكْبَرُ عِنْدَ الله؟ قَالَ:
أنْ تَدْعُو لله نِدّاً وهْوَ خَلَقَك قَالَ: ثُمَّ أَي؟
قَالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ
مَعَكَ قَالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ أنْ تُزَانِيَ
بِحَلِيلَةِ جارِكَ فأنْزَلَ الله عزَّ وجَلَّ تَصْدِيقَها
0 الْفرْقَان: 68 ف الآيَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله:
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ
سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة،
وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن شُرَحْبِيل بِضَم الشين
الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة
وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة
وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن كثير وَسَيَجِيءُ فِي
التَّوْحِيد أَيْضا وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ندا بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الدَّال
الْمُهْملَة، وَهُوَ النظير والمثل وَكَذَلِكَ النديد.
قَوْله: وَهُوَ خلقك الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: ثمَّ
أَي؟ بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء أَي: ثمَّ أَي
ذَنْب بعد ذَلِك؟ قَوْله: خشيَة أَن يطعم أَي: لأجل خشيَة
أَن يطعم مَعَك، قيل: الْقَتْل مُطلقًا أعظم فَمَا وَجه
هَذَا التَّقْيِيد؟ . وَأجِيب: بِأَنَّهُ خرج مخرج
الْغَالِب إِذْ كَانَت عَادَتهم ذَلِك، وَهَذَا
الْمَفْهُوم لَا اعْتِبَار لَهُ، وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن
فِيهِ شَيْئَيْنِ: الْقَتْل وَضعف الِاعْتِقَاد فِي أَن
الله هُوَ الرَّزَّاق، وَهَذَا نَظِير قَوْله تَعَالَى: 8
9 0 الْإِسْرَاء: 31 ف وَقَوله تَعَالَى: 0 1 2 3 4 0
الْأَنْعَام: 140 ف قَوْله: بحليلة أَي: بِزَوْجَة جَارك
وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفِيه الزِّنَى
والخيانة مَعَ الْجَار الَّذِي أوصى الله بِحِفْظ حَقه.
قَوْله: فَأنْزل الله تصديقها أَي: تَصْدِيق هَذِه
الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة فِي سُورَة الْفرْقَان وَهُوَ
قَوْله عز وَجل: 0 1 2 إِلَى آخر الْآيَة. قَوْله: الْآيَة
أَي اقْرَأ تَمام الْآيَة آأقال مُجَاهِد: الأثام وادٍ فِي
جَهَنَّم، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ والخليل: أَي يلق جَزَاء
الأثام، وَقَالَ القتبي: الأثام الْعقُوبَة.
6862 - ح دّثنا عَلِيٌّ، حدّثنا إسْحَاقُ بنُ سَعِيدِ بنِ
عَمْرو بنِ سَعِيدِ بنِ العاصِ، عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ
عُمَر، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَنْ يَزالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ
مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَراماً
هَذَا مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق المطابق لِلْآيَةِ
الْمَذْكُورَة.
وَعلي شيخ البُخَارِيّ ذكر هَكَذَا غير مَنْسُوب وَلم
يذكرهُ أَبُو عَليّ الجياني فِي تَقْيِيده وَلَا نبه
عَلَيْهِ الكلاباذي، وَقيل: إِنَّه عَليّ بن الْجَعْد.
قلت: عَليّ بن الْجَعْد بن عبيد أَبُو الْحسن الْجَوْهَرِي
الْهَاشِمِي مَوْلَاهُم الْبَغْدَادِيّ، قَالَ جَامع رجال
الصَّحِيحَيْنِ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه اثْنَي
عشر حَدِيثا وَذكر فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي هَاشم أَنه
سمع إِسْحَاق بن سعيد الْمَذْكُور. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: لن يزَال كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: لَا يزَال قَوْله: فِي فسحة بِضَم الْفَاء
وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وحاء مُهْملَة أَي: فِي
سَعَة منشرح الصَّدْر وَإِذا قتل نفسا بِغَيْر حق صَار
منحصراً ضيقا لما أوعد الله عَلَيْهِ مَا لم يوعد على
غَيره. قَوْله: من دينه كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين
بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة من الدّين. وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: من ذَنبه، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة
وَسُكُون النُّون وبالباء الْمُوَحدَة، فَمَعْنَى الأول:
أَنه يضيق عَلَيْهِ دينه بِسَبَب الْوَعيد لقَاتل النَّفس
عمدا بِغَيْر حق، وَمعنى الثَّانِي: أَنه يصير فِي ضيق
بِسَبَب ذَنبه.
(24/31)
6863 - ح دّثني أحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ،
حدّثنا إسْحَاقُ سَمِعْتُ أبي يُحَدِّثُ عنْ عَبْدِ الله
بن عُمَرَ قَالَ: إنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي
لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أوْقَعَ نَفْسَهُ فِيها سَفْكَ
الدَّمِ الحَرامِ بِغَيْرِ حلِّهِ. 0 انْظُر الحَدِيث 6862
ف
هَذَا حَدِيث ابْن عمر أَيْضا لكنه مَوْقُوف عَلَيْهِ.
قَوْله: حَدثنِي أَحْمد بن يَعْقُوب ويروى: حَدثنَا بنُون
الْجمع أَحْمد بن يَعْقُوب المَسْعُودِيّ الْكُوفِي وَهُوَ
من أَفْرَاده. قَوْله: حَدثنَا إِسْحَاق يرْوى: أخبرنَا
إِسْحَاق وَهُوَ ابْن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ
الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق.
قَوْله: من ورطات الْأُمُور هِيَ جمع ورطة بِفَتْح الْوَاو
وَسُكُون الرَّاء وَهِي الْهَلَاك يُقَال: وَقع فلَان فِي
ورطة أَي فِي شَيْء لَا ينجو مِنْهُ. قَوْله: الَّتِي لَا
مخرج ... الخ تَفْسِير الورطات. قَوْله: بِغَيْر حلّه أَي:
بِغَيْر حق من الْحُقُوق المحللة للسفك. قَالَ
الْكرْمَانِي: الْوَصْف بالحرام يُغني عَن هَذَا الْقَيْد،
ثمَّ أجَاب بقوله: الْحَرَام يُرَاد بِهِ مَا شَأْنه أَن
يكون حرَام السفك، أَو هُوَ للتَّأْكِيد.
6864 - ح دّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى، عنِ الأعْمَشِ،
عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ النَّبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَّلُ مَا يُقْضاى بَيْنَ
النَّاس فِي الدِّماءِ 0 انْظُر الحَدِيث 6533 ف
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة من حَيْثُ كَون الْوَعيد
الشَّديد فِيهَا يكون أول مَا يقْضى يَوْم الْقِيَامَة
بَين النَّاس فِي الدِّمَاء أَي: فِي الْقَضَاء بهَا
لِأَنَّهَا أعظم الْمَظَالِم فِيمَا يرجع إِلَى الْعباد.
أخرجه عَن عبيد الله بن مُوسَى بن باذام أبي مُحَمَّد
الْعَبْسِي الْكُوفِي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي
وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَفِي
رِوَايَة مُسلم من طَرِيق آخر: أول مَا يقْضى يَوْم
الْقِيَامَة بَين النَّاس، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا السَّنَد
يلْتَحق بالثلاثيات وَهِي أَعلَى مَا عِنْد البُخَارِيّ من
حَيْثُ الْعدَد، وَهَذَا فِي حكمه من جِهَة أَن الْأَعْمَش
تَابِعِيّ وَإِن كَانَ روى هَذَا عَن تَابِعِيّ آخر فَإِن
ذَلِك التَّابِعِيّ أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَإِن لم يكن لَهُ صُحْبَة. انْتهى. قلت: إِذا لم
يكن لَهُ صُحْبَة كَيفَ يكون الحَدِيث من الثلاثيات؟
فَالَّذِي لَيست لَهُ صُحْبَة هُوَ من آحَاد النَّاس
سَوَاء كَانَ تابعياً أَو غَيره. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن
أبي هُرَيْرَة: أول مَا يُحَاسب بِهِ الْمَرْء صلَاته،
أخرجه النَّسَائِيّ وَبَينهمَا تعَارض. قلت: لَا تعَارض
لِأَن حَدِيث عبد الله فِيمَا بَينه وَبَين غَيره،
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي خَاصَّة نَفسه.
6865 - ح دّثنا عَبْدانُ، حدّثنا عَبْدُ الله، حدّثنا
يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثنا عَطاءُ بنُ يَزِيدَ أنَّ
عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيَ حَدَّثَهُ أنَّ المِقْدَادَ بنَ
عَمْرٍ والكِنْدِيَّ حَلِيف بَنِي زُهْرَةَ حَدَّثَهُ
وَكَانَ شَهِدَ بَدْراً مَعَ النبيِّ أنَّهُ قَالَ: يَا
رسولَ الله إنْ لَ قِيتُ كافِراً فَاقْتَتَلْنا فَضَرَبَ
يَدِي بالسَّيْفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ بِشَجَرَةٍ،
وَقَالَ: أسْلَمْتُ لله أقْتُلُهُ بَعْدَ أنْ قالَها؟
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقْتُلُهُ
قَالَ: يَا رسولَ الله فإنَّهُ طَرَحَ إحْداى يَدَيَّ،
ثُمَّ قَالَ ذالِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَها، أقْتُلُهُ؟ .
قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ فإنْ قَتَلْتَهُ، فإنَّهُ
بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وأنْتَ
بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي
قَالَ
0 - انْظُر الحَدِيث 4019 ف
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة من حَيْثُ إِن فِيهِ نهيا
عَظِيما عَن قتل النَّفس الَّتِي أسلمت لله.
وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان يروي عَن عبد الله
بن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد من الزِّيَادَة
اللَّيْثِيّ عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار بِكَسْر
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف
النَّوْفَلِي، لَهُ إِدْرَاك عَن الْمِقْدَاد بن عَمْرو،
وَهُوَ الْمَعْرُوف بالمقداد بن الْأسود، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة بدر عَن أبي
عَاصِم عَن ابْن جريج وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِيهِ جَمِيعًا عَن
قُتَيْبَة: فَأَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد، وَالنَّسَائِيّ
فِي السّير.
قَوْله: إِن لقِيت كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين
بِكَلِمَة، إِن، الشّرطِيَّة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:
إِنِّي لقِيت، بِصِيغَة الْإِخْبَار عَن الْمَاضِي،
وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَن سُؤال الْمِقْدَاد عَن
الَّذِي وَقع لَهُ فِي نفس الْأَمر لِأَنَّهُ سَأَلَ عَن
الحكم فِي ذَلِك إِذا وَقع، وَالَّذِي وَقع فِي غَزْوَة
(24/32)
بدر بِلَفْظ: أَرَأَيْت إِن لقِيت رجلا من الْكفَّار ...
الحَدِيث، وَهَذَا يُؤَيّد رِوَايَة الْأَكْثَرين. قَوْله:
فَضرب بِالسَّيْفِ قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ قطع يَده
وَهُوَ مِمَّن يكتم إيمَانه؟ فَأجَاب بقوله: دفعا للصائل،
أَو السُّؤَال كَانَ على سَبِيل الْفَرْض والتمثيل لَا
سِيمَا وَفِي بعض الرِّوَايَات: إِن لقِيت، بِحرف
الشَّرْط. قَوْله: ثمَّ لَاذَ بشجرة أَي: التجأ إِلَيْهَا،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ لَاذَ مني أَي منع نَفسه
مني، وَقَالَ: أسلمت لله. أَي: دخلت فِي الْإِسْلَام.
قَوْله: أَقتلهُ؟ أَي: أأقتله؟ وهمزة الِاسْتِفْهَام فِيهِ
مقدرَة. قَوْله: بعد أَن قَالَهَا أَي: بعد أَن قَالَ كلمة
الْإِسْلَام. قَوْله: فَإِن قتلته أَي: بعد أَن قَالَ:
أسلمت لله. . الخ قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: بمنزلتك
أَي: الْكَافِر مُبَاح الدَّم قبل الْكَلِمَة، فَإِذا
قَالَهَا صَار مَحْظُور الدَّم كَالْمُسلمِ، فَإِن قَتله
الْمُسلم بعد ذَلِك صَار دَمه مُبَاحا بِحَق الْقصاص
كالكافر بِحَق الدّين، فالتشبيه فِي إِبَاحَة الدَّم لَا
فِي كَونه كَافِرًا. وَقيل: مَعْنَاهُ أَنْت بِقصد قَتله
آثِما كَانَ هُوَ أَيْضا بِقصد قَتلك آثِما، فالتشبيه
بالإثم انْتهى. قلت: قَوْله الأول كَلَام الْخطابِيّ نَقله
عَنهُ وَحَاصِله اتِّحَاد المنزلتين مَعَ اخْتِلَاف
المأخذ، فَالْأول: أَنه مثلك فِي صون الدَّم، وَالثَّانِي:
أَنَّك مثله فِي الهدر. وَقَوله الثَّانِي كَلَام
الْمُهلب، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّك صرت
قَاتلا كَمَا كَانَ هُوَ قَاتلا. قَالَ: وَهَذَا من
المعاريض لِأَنَّهُ أَرَادَ الإغلاظ بِظَاهِر اللَّفْظ دون
بَاطِنه، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن كلاًّ مِنْهُمَا قَاتل
وَلم يرد أَنه صَار كَافِرًا بقتْله إِيَّاه. وَقيل: إِن
قتلته مستحلاً لقَتله فِي الْكفْر فَأَنت مستحل مثله،
وَالْحَاصِل من هَذَا كُله النَّهْي عَن قتل من يشْهد
بِالْإِسْلَامِ. وَاحْتج بَعضهم بقوله: أسلمت لله، على
صِحَة إِسْلَام من قَالَ ذَلِك وَلم يزدْ عَلَيْهِ، ورد
ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي الْكَفّ على أَنه ورد فِي
بعض طرقه أَنه قَالَ: لَا إلاه إلاَّ الله، وَهِي رِوَايَة
معمر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث.
6866 - وَقَالَ حَبِيبُ بنُ أبي عَمْرَةَ: عنْ سَعِيدٍ،
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لِلْمِقْدَادِ إِذا كَانَ رجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفي
إيمانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فأظْهَرَ إيمانَهُ
فَقَتلْتَهُ، فَكَذالِكَ كُنْتَ أنْتَ تُخْفي إيمانَكَ
بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ
مطابقته لحَدِيث الْمِقْدَاد من حَيْثُ إِن الْمَعْنى
قريب. وحبِيب ضد الْعَدو ابْن أبي عمْرَة بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء القصاب الْكُوفِي،
وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ
فِي الْأَفْرَاد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من
رِوَايَة أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم وَالِد
مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي عَن حبيب بن أبي ثَابت.
وَفِي أَوله: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سَرِيَّة فِيهَا الْمِقْدَاد، فَلَمَّا أتوهم وجدوهم
تفَرقُوا، وَفِيهِمْ رجل لَهُ مَال كثير لم يبرح فَقَالَ:
أشهد، أَن لَا إلاه إِلَّا الله، فَأَهوى إِلَيْهِ
الْمِقْدَاد فَقتله ... الحَدِيث. وَفِيه: فَذكرُوا ذَلِك
لرَسُول الله فَقَالَ: يَا مقداد قتلت رجلا قَالَ: لَا
إلاه إِلَّا الله؟ فَكيف لَك: بِلَا إلاه إلاَّ الله؟
فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ
إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ
لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَواةِ
الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذالِكَ
كُنتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيراً} الْآيَة فَقَالَ النَّبِي لِلْمِقْدَادِ: كَانَ
رجل مُؤمن يخفي إيمَانه الخ. 2 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {مِنْ
أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ
مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى
الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ
إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ
لَمُسْرِفُونَ} قَالَ ابنُ عَبَّاس: منْ حَرَّ مَقَتْلَها
إلاّ بِحَقِّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ
ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن
قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى
الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ
إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ
لَمُسْرِفُونَ} وَقع فِي رِوَايَة غير أبي ذَر: بَاب
قَوْله تَعَالَى: وَزَاد الْمُسْتَمْلِي والأصيلي {مِنْ
أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ
مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى
الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ
إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ
لَمُسْرِفُونَ} وَأول الْآيَة:) ( {مَنْ قَتَلَ نَفْسا
بِغَيْرِ نَفْس أوْ فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأنَّما قَتَلَ
النَّاسَ جَميعا وَمن أَحْيَاهَا} {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ
كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ
نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ
جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ
كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ
لَمُسْرِفُونَ} الْآيَة وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس أخرجه
إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد السَّامِي فِي تَفْسِيره عَنهُ،
وَرَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن خصيف عَن مُجَاهِد
عَنهُ فَذكره.
6867 - ح دّثنا قَبِيصةُ، حدّثنا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ،
عنْ عَبْدِ الله بن مُرَّةً، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ
(24/33)
عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تُقْتَلُ
نَفْسٌ إلاّ كَانَ عَلى ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ
مِنْها
مطابقته لصدر الْآيَة الَّتِي فِيهَا ظَاهِرَة، لِأَن
المُرَاد من ذكر وَمن أَحْيَاهَا صدرها وَهُوَ قَوْله: {من
قتل نفسا} الْآيَة.
وَقبيصَة بِفَتْح الْقَاف وَهُوَ ابْن عقبَة، وسُفْيَان
هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَقيل: الثَّوْريّ وَالْأول هُوَ
الظَّاهِر، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَعبد الله بن مرّة
بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الخارفي بخاء مُعْجمَة
وَرَاء مَكْسُورَة وبالفاء الْكُوفِي.
وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق. وهم كوفيون وَعبد
الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي خلق آدم عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي شيبَة،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لَا تقتل نفس زَاد حَفْص فِي رِوَايَته: ظلما.
قَوْله: على ابْن آدم الأول هُوَ: قابيل. قتل هابيل.
قَوْله: كفل بِكَسْر الْكَاف أَي: نصيب. قَالَ، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام: من سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ
وزرها ووزر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
6868 - ح دّثنا أبُو الوليدِ، حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ
وافِدُ بنُ عَبْدِ الله: أَخْبرنِي عنْ أبِيهِ أنّهُ
سَمِعَ عَبْدَ الله بن عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً
يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة تتأتى على قَول من فسر
قَوْله: كفَّارًا بِحرْمَة الدِّمَاء فَإِن فِيهِ
ثَمَانِيَة أَقْوَال مِنْهَا هَذَا، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي
أَوَائِل كتاب الْحُدُود فِي: بَاب ظهر الْمُؤمن حمى،
وَمضى الحَدِيث فِيهِ أَيْضا.
وَأَبُو الْوَلِيد شيخ البُخَارِيّ اسْمه هِشَام بن عبد
الْملك، وواقد بِكَسْر الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة ابْن
مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، نسبه
الرَّاوِي إِلَى جد أَبِيه، فَالْمُرَاد بقولنَا: أَبِيه،
مُحَمَّد لَا عبد الله، وَهُوَ يروي عَن جده عبد الله
فَقَوْل أبي ذَر فِي رِوَايَته: كَذَا وَقع هُنَا وَاقد بن
عبد الله، وَالصَّوَاب: وَاقد بن مُحَمَّد. قلت: نعم،
وَكَذَا وَقع وَاقد بن مُحَمَّد: سَمِعت أبي فِي: بَاب ظهر
الْمُؤمن حمى، لَكِن وَجه هَذِه الرِّوَايَة مَا
ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَوْله: أَخْبرنِي عَن أَبِيه من بَاب تَقْدِيم اسْم
الرَّاوِي على صِيغَة الْإِخْبَار عَنهُ: تَقْديرا
لكَلَام: حَدثنَا شُعْبَة أَخْبرنِي وَاقد بن عبد الله عَن
أَبِيه يَعْنِي: مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر يروي
عَن أَبِيه عَن جده عبد الله كَمَا ذكرنَا، فَافْهَم فَإِن
فِيهِ قلقاً.
6869 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا غُنْدَرٌ،
حدّثنا شعْبَةُ عنْ عَلِيِّ بنِ مدْرِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عنْ جَرِيرٍ
قَالَ: قَالَ النبيُّ فِي حَجَّةِ الوَداعِ: اسْتَنْصِتِ
النَّاسَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ
بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث
السَّابِق.
وَالْحَدِيثَانِ سَوَاء غير أَن الَّذِي سبق عَن عبد الله
بن عمر، وَهَذَا عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ. أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة عَن
غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون
وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد مر غير مرّة.
قَوْله: سَمِعت أَبَا زرْعَة هُوَ هرم بِفَتْح الْهَاء
وَكسر الرَّاء ابْن عبد الله بن جرير بن عبد الله سمع جده
جرير بن عبد الله. والْحَدِيث مضى فِي الْعلم عَن حجاج بن
منهال، وَفِي المغاز عَن حَفْص بن عمر وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ويروى: قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فعلى هَذِه الرِّوَايَة قَوْله: استنصت النَّاس أَمر أَي:
أسكتِ النَّاس ليسمعوا الْخطْبَة، وَالْخطاب لجرير، ويروى:
استنصت النَّاس، بِصِيغَة الْمَاضِي جملَة حَالية، وَمعنى
الْبَاقِي قد مر غير مرّة.
رواهُ أبُو بَكْرَةَ وابنُ عبَّاس عنِ النبيِّ
أَي: روى قَوْله: لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا ... الحَدِيث
أَبُو بكرَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة نفيع بِضَم
النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالعين الْمُهْملَة ابْن الْحَارِث الثَّقَفِيّ صَاحب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى البُخَارِيّ
حَدِيثه هَذَا مطولا فِي كتاب الْحَج.
(24/34)
قَوْله: وَابْن عَبَّاس أَي: وَرَوَاهُ
أَيْضا عبد الله بن عَبَّاس، وَقد مضى فِي الْحَج أَيْضا.
6870 - ح دّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا مُحَمَّدُ
بنُ جَعْفَرٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ فِراسٍ، عنْ
الشَّعْبِيِّ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وعنِ النبيِّ
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الكَبائِرُ الإشْرَاكُ
بِاللَّه، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ أوْ قَالَ: اليَمِينُ
الغَمُوسُ شَكَّ شُعْبَةُ
وَقَالَ معاذٌ: حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: الكَبائِرُ:
الإشْرَاكُ بِاللَّه واليَمِينُ الغَمُوسُ وعُقُوقُ
الوالِدَيْنِ، أوْ قَالَ: وقَتْلُ النَّفْسِ.
انْظُر الحَدِيث 6675 وطرفه
لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: وَقتل النَّفس
وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وَقد مضى الْآن،
وَشَيْخه شُعْبَة يروي عَن فراس بِكَسْر الْفَاء
وَتَخْفِيف الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة ابْن يحيى الخارفي
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالْفَاء عَن عَامر
الشّعبِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور فِي: بَاب
الْيَمين الْغمُوس، أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن
النَّضر عَن شُعْبَة عَن فراس ... الخ.
قَوْله: أَو قَالَ: الْيَمين الْغمُوس شكّ من شُعْبَة.
قَوْله: وَقَالَ معَاذ بِضَم الْمِيم ابْن معَاذ
الْعَنْبَري، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا إِمَّا تَعْلِيق
من البُخَارِيّ وَإِمَّا مقول لِابْنِ بشار. انْتهى. وَقد
وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة عبيد الله بن معَاذ
عَن أَبِيه وَلَفظه: الْكَبَائِر: الْإِشْرَاك بِاللَّه
وعقوق الْوَالِدين، أَو قَالَ: قتل النَّفس وَالْيَمِين
والغموس، والغموس على وزن فعول بِمَعْنى فَاعل أَي: تغمس
صَاحبهَا فِي الْإِثْم أَو النَّار وَهِي الكاذبة الَّتِي
يتعمدها صَاحبهَا عَالما أَن الْأَمر بِخِلَافِهِ.
10 - (حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الصَّمد
حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا عبيد الله بن أبي بكر سمع أنسا
رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ الْكَبَائِر ح وَحدثنَا عَمْرو حَدثنَا
شُعْبَة عَن ابْن أبي بكر عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أكبر
الْكَبَائِر الْإِشْرَاك بِاللَّه وَقتل النَّفس وعقوق
الْوَالِدين وَقَول الزُّور أَو قَالَ وَشَهَادَة الزُّور)
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله وَقتل النَّفس
وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا عَن اسحق بن مَنْصُور بن
بهْرَام الكوسج أبي يَعْقُوب الْمروزِي عَن عبد الصَّمد بن
عبد الْوَارِث الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ عَن شُعْبَة عَن
عبيد الله بن أبي بكر ابْن أنس بن مَالك عَن جده أنس بن
مَالك وَالْآخر عَن عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن
عبيد الله الخ والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات عَن عبد
الله بن نمير وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد
وَالطَّرِيق الثَّانِي أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن
يحيى بن حبيب وَغَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع
وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الْقَضَاء وَالتَّفْسِير وَالْقصاص عَن
اسحق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره وَهنا ذكر عَن شُعْبَة قتل
النَّفس بِغَيْر شكّ وَتارَة ذكرهَا بِالشَّكِّ وَتارَة لم
يذكرهَا أصلا قَوْله " أَو شَهَادَة الزُّور " شكّ من
الرَّاوِي وَلَيْسَ الْعدَد فِيهِ محصورا قيل لِابْنِ
عَبَّاس هِيَ سبع قَالَ هِيَ إِلَى السّبْعين أقرب وَعنهُ
أَيْضا إِلَى السبعمائة أقرب وَقيل هِيَ إِحْدَى عشرَة
وَقَالَت جمَاعَة من أهل السّنة كل الْمعاصِي سَوَاء لَا
يُقَال صَغِيرَة أَو كَبِيرَة لِأَن الْمَعْنى وَاحِد
وظواهر الْكتاب وَالسّنة ترد عَلَيْهِم وَقد قَالَ الله
تَعَالَى {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} الْآيَة
11 - (حَدثنَا عَمْرو بن زُرَارَة أخبرنَا هشيم أخبرنَا
حُصَيْن حَدثنَا أَبُو ظبْيَان قَالَ سَمِعت أُسَامَة بن
زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنْهُمَا يحدث قَالَ بعثنَا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى
الحرقة من جُهَيْنَة قَالَ فصبحنا الْقَوْم فهزمناهم قَالَ
وَلَحِقت أَنا وَرجل من الْأَنْصَار رجلا مِنْهُم قَالَ
فَلَمَّا غشيناه قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَكف
عَنهُ الْأنْصَارِيّ فطعنته برمحي حَتَّى قتلته قَالَ
فَلَمَّا قدمنَا بلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فَقَالَ لي يَا أُسَامَة
أقتلته بعد مَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ قلت يَا
رَسُول
(24/35)
الله إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا قَالَ
أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَمَا
زَالَ يكررها عَليّ حَتَّى تمنيت أَنِّي لم أكن أسلمت قبل
ذَلِك الْيَوْم) مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة تُؤْخَذ
من معنى قَوْله أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا
الله بالتكرر وَفِيه عظم قتل النَّفس المؤمنة وَعَمْرو
ابْن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى
ابْن وَاقد الْكلابِي النَّيْسَابُورِي وَهُوَ شيخ مُسلم
أَيْضا قَالَ الْكرْمَانِي روى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث
بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الْمَغَازِي قبيل غَزْوَة
الْفَتْح إِلَّا أَن ثمَّة عَمْرو بن مُحَمَّد بدل ابْن
زُرَارَة قلت كِلَاهُمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ قَوْله "
أخبرنَا هشيم " هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي
رِوَايَة غَيره وَحدثنَا هشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة ابْن بشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح
الشين الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ قَوْله أخبرنَا حُصَيْن
هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَفِي رِوَايَة
غَيرهمَا حَدثنَا حُصَيْن بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد
الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ من
صغَار التَّابِعين وَأَبُو ظبْيَان بِفَتْح الظَّاء
الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون واسْمه حُصَيْن
أَيْضا ابْن جُنْدُب الْمذْحِجِي بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون
الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم
وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَأُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة
بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة حب رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَابْن حبه
وَابْن مَوْلَاهُ الْقُضَاعِي بِضَم الْقَاف وخفة الضَّاد
الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة قَوْله " إِلَى الحرقة "
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالقاف قَبيلَة
من جُهَيْنَة وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ سموا بذلك
لِوَقْعَة كَانَت بَينهم وَبَين بني مرّة بن عَوْف بن سعد
بن دِينَار فأحرقوهم بِالسِّهَامِ لِكَثْرَة من قتل
مِنْهُم وَكَانَ هَذَا الْبَعْث فِي رَمَضَان سنة سبع أَو
ثَمَان قَوْله " فصبحنا الْقَوْم " أَي أتيناهم صباحا
قَوْله " فَلَمَّا غشيناه " بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَكسر الشين الْمُعْجَمَة أَي لحقنا بِهِ قَوْله " حَتَّى
قتلته " قَالَ الْكرْمَانِي الْمَقْتُول هُوَ مرداس
بِكَسْر الْمِيم ابْن نهيك بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء
وبالكاف قلت هَذَا قَول الْكَلْبِيّ وَقَالَ أَبُو عمر
مرداس بن عَمْرو الفدكي قَوْله " مُتَعَوِّذًا " نصب على
الْحَال قَالَ الْكرْمَانِي أَي لم يكن بذلك قَاصِدا
للْإيمَان بل كَانَ غَرَضه التَّعَوُّذ من الْقَتْل وَفِي
رِوَايَة الْأَعْمَش قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي
رِوَايَة ابْن أبي عَاصِم من وَجه آخر عَن أُسَامَة
إِنَّمَا فعل ذَلِك ليحرز دَمه وَقَالَ الْكرْمَانِي كَيفَ
جَازَ تمني عدم سبق الْإِسْلَام ثمَّ أجَاب بقوله تمنى
إسلاما لَا ذَنْب فِيهِ أَو ابْتِدَاء الْإِسْلَام ليجب
مَا قبله وَقَالَ الْخطابِيّ وَيُشبه أَن أُسَامَة قد أول
قَوْله تَعَالَى {فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما
رَأَوْا بأسنا} وَهُوَ معنى مقَالَته كَانَ مُتَعَوِّذًا
وَلذَلِك لم تلْزمهُ دِيَته وَفِي التَّوْضِيح قتل
أُسَامَة هَذَا الرجل لظَنّه كَافِر أَو جعل مَا سمع
مِنْهُ من الشَّهَادَة تعوذا من الْقَتْل وَأَقل أَحْوَال
أُسَامَة فِي ذَلِك أَن يكون قد أَخطَأ فِي فعله لِأَنَّهُ
إِنَّمَا قصد إِلَى قتل كَافِر عِنْده وَلم يكن عرف
بِحكمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَن
أظهر الشَّهَادَة وَقَالَ ابْن بطال كَانَت هَذِه
الْقِصَّة سَبَب تخلف أُسَامَة أَن لَا يُقَاتل مُسلما بعد
ذَلِك وَمن ثمَّة تخلف عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ فِي الْجمل وصفين قَوْله فَمَا زَالَ يكررها أَي
يُكَرر مقَالَته أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا
الله كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره
بَعْدَمَا قَالَ وَفِيه تَعْظِيم أَمر الْقَتْل بَعْدَمَا
يَقُول الشَّخْص لَا إِلَه إِلَّا الله قَوْله حَتَّى
تمنيت الخ حَاصِل الْمَعْنى أَنِّي تمنيت أَن يكون إسلامي
الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك الْيَوْم بِلَا ذَنْب لِأَن
الْإِسْلَام يجب مَا قبله فتمنيت أَن يكون ذَلِك الْوَقْت
أول دخولي فِي الْإِسْلَام لآمن من جريرة تِلْكَ الفعلة
وَلم يرد أَنه تمنى أَن لَا يكون مُسلما قبل ذَلِك وَقد مر
مَا قَالَه الْكرْمَانِي فِيهِ -
6873 - ح دّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حدّثنا اللّيْثُ،
حدّثنا يَزِيدُ، عنْ أبي الخَيْرِ، عنِ الصُّنابحِيِّ، عنْ
عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: إنِّي
مِنَ النُّقَباءِ الَّذِين بايَعُوا رسولَ الله
بايَعْنَاهُ عَلى أنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّه شَيْئاً،
وَلَا تَسْرِقَ، وَلَا نَزْنيَ، وَلَا نَقْتُلَ النّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ الله، وَلَا نَنْتَهِبَ وَلَا نَعْصِيَ
بالجَنّة، إنْ فَعَلْنا ذَلِكَ، فإنْ غَشِينا مِنْ ذَلِكَ
شَيْئاً كانَ قضاءُ ذَلِكَ إِلَى الله.
(24/36)
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي
قَوْله: وَلَا تقتل النَّفس الَّتِي حرم الله
وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ ابْن أبي حبيب، وَأَبُو
الْخَيْر هُوَ مرْثَد بن عبد الله، والصنابحي بِضَم
الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَكسر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى صنابح
بن زَاهِر بن عَامر بطن من مُرَاد واسْمه عبد الرحمان بن
عسيلة مصغر العسلة بالمهملتين ابْن عسل بن عَسَّال.
والْحَدِيث مضى فِي المناقب فِي: بَاب وُفُود الْأَنْصَار،
أخرجه عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب
عَن أبي الْخَيْر ... الخ، وَمضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي
بَاب مُجَرّد أخرجه عَن أبي الْيَمَان.
قَوْله: بَايعُوا رَسُول الله يَعْنِي: لَيْلَة الْعقبَة.
قَوْله: وَلَا ننتهب ويروى: وَلَا ننهب فَالْأول من
الانتهاب وَالثَّانِي من النهب. قَوْله: وَلَا نعصي أَي:
فِي الْمَعْرُوف بِالْعينِ الْمُهْملَة وَذكر ابْن التِّين
أَنه رُوِيَ بِالْقَافِ على مَا يَأْتِي، وَذكره ابْن
قرقول بِالْعينِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَقَالَ:
كَذَا لأبي ذَر والنسفي وَابْن السكن والأصيلي، وَعند
الْقَابِسِيّ: وَلَا نقضي، أَي: وَلَا نحكم بِالْجنَّةِ من
قبلنَا، وَقَالَ القَاضِي: الصَّوَاب الْعين. كَمَا فِي
آيَة 6 7 8 9 0 الممتحنة: 12 ف قَوْله: بِالْجنَّةِ على
رِوَايَة الْعين وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ يتَعَلَّق
بقوله: بَايَعْنَاهُ أَي: بَايَعْنَاهُ بِالْجنَّةِ، وعَلى
رِوَايَة الْقَابِسِيّ يتَعَلَّق بقوله: وَلَا نقضي
قَوْله: ذَلِك إِشَارَة أَولا إِلَى التروك وَثَانِيا
إِلَى الْأَفْعَال. قَوْله: فَإِن غشينا بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة أَي: إِن أصبْنَا
شَيْئا من ذَلِك، وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى الْأَفْعَال.
قَوْله: كَانَ قَضَاء ذَلِك أَي: حكمه. إِلَى الله إِن
شَاءَ عاقب وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ.
وَفِيه: دَلِيل لأهل السّنة على أَن الْمعاصِي لَا يكفر
بهَا.
6874 - ح دّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا
جُوَيْرِيَةُ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَر،
رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنا
مطابقته لِلْآيَةِ تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَن
المُرَاد من حمل السِّلَاح عَلَيْهِم قِتَالهمْ. قَالَ
الْكرْمَانِي: أَي: قاتلنا من جِهَة الدّين أَو من استباح
ذَلِك، وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة ابْن أَسمَاء.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: فَلَيْسَ منا أَي: فَلَيْسَ على طريقنا.
رَواهُ أَبُو مُوسَى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
واسْمه عبد الله بن قيس، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي كتاب
الْفِتَن فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من حمل علينا السِّلَاح
6875 - ح دّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ المُبَارَكِ،
حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، حدّثنا أيُّوبُ ويُونُسُ عنِ
الحَسَنِ، عنِ الأحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ
لأنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِينِي أبُو بَكْرَة.
فَقَالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أنْصُرُ هاذا الرَّجُلَ،
قَالَ: ارْجِعْ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ إذَا
الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفهما فالقاتلُ والمَقْتُولُ
فِي النّارِ قُلْتُ يَا رَسُول الله هاذَا القاتِلُ فَما
بالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ كانَ حَريصاً عَلى قَتْلِ
صاحِبهِ
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة ظَاهِرَة.
وَعبد الرحمان بن الْمُبَارك بن عبد الله، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد الْبَصْرِيّ،
وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، والأحنف بن قيس السَّعْدِيّ
الْبَصْرِيّ واسْمه الضَّحَّاك، والأحنف لقبه عرف بِهِ
يكنى أَبَا بَحر أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلم يره، قَالَه أَبُو عَمْرو، قَالَ: أسلم على عهد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: فَلذَلِك دَعَا
لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ سنة سبع
وَسِتِّينَ بِالْكُوفَةِ، وَأَبُو بكرَة نفيع بن
الْحَارِث.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب الْمعاصِي
من أَمر الْجَاهِلِيَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لأنصر هَذَا الرجل أَرَادَ بِهِ عَليّ بن أبي
طَالب، رَضِي الله عَنهُ، وَكَانَ الْأَحْنَف تخلف عَنهُ
فِي وقْعَة الْجمل. قَوْله: ارْجع أَمر من الرُّجُوع.
قَوْله: بسيفهما بإفراد السَّيْف رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره بالتثنية. قَوْله: فالقاتل
بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ جَوَاب: إِذا، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
ويروى بِدُونِ الْفَاء، وَهُوَ دَلِيل على جَوَاز حذف
الْفَاء من جَوَاب الشَّرْط نَحْو:
من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها
وَقَالَ: يحْتَمل أَن يُقَال: إِذا، ظرفية وَفِيه تَأمل.
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الْوَعيد إِذا لم يَكُونَا
يتقاتلان على
(24/37)
تَأْوِيل، وَإِنَّمَا يتقاتلان على
عَدَاوَة أَو طلب دنيا وَنَحْوه، وَأما من قَاتل أهل
الْبَغي أَو دفع الصَّائِل فَقتل فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي
هَذَا الْوَعيد لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْقِتَالِ للذب عَن
نَفسه غير قَاصد بِهِ قتل صَاحبه.
3 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {ياأَيُّهَا
الَّذِينَءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالاُْنثَى بِالاُْنْثَى فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ
شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ
بِإِحْسَانٍ ذاَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ
فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذاَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
الْبَقَرَة: 178)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا} إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي
الْقَتْلَى} الْآيَة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَابْن
عَسَاكِر (الْحر بِالْحرِّ) إِلَى قَوْله: عَذَاب أَلِيم
وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة كلهَا وَلم يذكر فِي
هَذَا الْبَاب حَدِيثا، وَذكر بعده أبواباً تشْتَمل على
مَا فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة: من الْأَحْكَام،
وَسَيَأْتِي بَيَان سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة. فَقَالَ:
حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو
عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ فِي بني
إِسْرَائِيل قصاص وَلم تكن فيهم الدِّيَة، فَقَالَ الله
لهَذِهِ الْأمة: كتب عَلَيْكُم الْقصاص إِلَى آخر
الحَدِيث. قَوْله: ج ح خَ أَي: من ترك لَهُ من أَخِيه
شَيْء يَعْنِي بعد اسْتِحْقَاق الدَّم فاتباع أَي: فَذَلِك
الْعَفو اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ، أَي: قتل الطَّالِب
اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ إِذا قبل الدِّيَة. ش ص ض يَعْنِي
من الْقَاتِل يَعْنِي: من غير ضَرَر. قَوْله:؟ أَي: أَخذ
الدِّيَة فِي الْعمد تَخْفيف من الله عَلَيْكُم وَرَحْمَة.
قَوْله: ف أَي: فَمن قتل بعد أَخذ الدِّيَة ف ق أَي: موجع
شَدِيد.
4 - (بابُ سؤالِ القاتِلِ حتَّى يُقِرَّ والإقْرَارِ فِي
الحُدُودِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سُؤال الإِمَام الْقَاتِل
يَعْنِي: من اتهمَ بِالْقَتْلِ وَلم تقم عَلَيْهِ
الْبَيِّنَة، ويسأله حَتَّى يقر فيقيم عَلَيْهِ الْحَد،
هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا وَقعت فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين وَلم يَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وكريمة
لفظ: بَاب، وَإِنَّمَا وَقع بعد قَوْله: ف ق وَإِذا لم يزل
يسْأَل الْقَاتِل حَتَّى أقرّ، وَالْإِقْرَار فِي
الْحُدُود.
6876 - ح دّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا هَمَّامٌ،
عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَس بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ،
أنَّ يَهُودِيّاً رضَّ رأْسَ جاريةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ،
فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا فُلانٌ أَو فُلانٌ؟
حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فأُتِي بهِ النَّبيُّ فَلَمْ
يَزَلْ بِهِ حَتَّى أقَرَّ، فَرُضَّ رأْسُهُ بالْحِجارَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَلم يزل بِهِ حَتَّى
أقرّ وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَشْخَاص عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
وَفِي الْوَصَايَا عَن حسان بن أبي عباد، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: رض بالضاد الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة من رض يرض
رضَا إِذا رضخ ودق وَفِيه الْقصاص بِالْمثلِ. قَوْله: رَأس
جَارِيَة قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون أمة، وَيحْتَمل
أَن تكون حرَّة، لَكِن دون الْبلُوغ. قلت: تقدم فِي
الطَّلَاق بِلَفْظ: عدا يَهُودِيّ على جَارِيَة، فَأخذ
أَوْضَاحًا كَانَت عَلَيْهَا ورضخ رَأسهَا، وَفِيه: فَأتى
أَهلهَا رسولَ الله وَهِي فِي آخر رَمق ... الحَدِيث،
وَهَذَا يدل على أَنَّهَا كَانَت حرَّة، وَقَالَ هَذَا
الْقَائِل الْمَذْكُور: وَهَذَا لَا يعين كَونهَا حرَّة
لاحْتِمَال أَن يُرَاد بِأَهْلِهَا مواليها رقيقَة كَانَت
أَو عتيقة. قلت: هَذَا عدُول عَن الظَّاهِر، فَإِن
الموَالِي لَا يُطلق عَلَيْهِم: أهل، بِالْحَقِيقَةِ
وَالِاحْتِمَال الناشىء عَن غير دَلِيل لَا يثبت الحكم.
والأوضاح جمع وضح وَهِي الْحلِيّ من فضَّة، قَالَه أَبُو
عُبَيْدَة وَغَيره، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الأوضاح حلي من
الدَّرَاهِم الصِّحَاح. قَوْله: فلَان أَو فلَان؟ هَذَا
هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَابْن عَسَاكِر،
وَلأبي ذَر عَن الْكشميهني: أفلان أم فلَان؟ وَفِي
رِوَايَة غَيره: أفلان وَفُلَان؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام
على سَبِيل الاستخبار، وَتقدم فِي الْأَشْخَاص من وَجه آخر
عَن همام: أفلان أفلان؟ بالتكرار بِغَيْر وَاو الْعَطف.
قَوْله: حَتَّى سمي الْيَهُودِيّ بِضَم السِّين على بِنَاء
الْمَجْهُول. قَوْله: فَأتي بِهِ أَي: باليهودي. قَوْله:
حَتَّى أقرّ أَي الْيَهُودِيّ، أَي: حَتَّى أقرّ أَنه فعل
بهَا مَا ذكر، وَفِي رِوَايَة الْوَصَايَا: حَتَّى اعْترف.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: لَا أعلم أحدا
(24/38)
قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: حَتَّى اعْترف
وَلَا حَتَّى أقرّ إلاَّ همام بن يحيى. وَقَالَ غَيره:
هَذِه اللَّفْظَة إِنَّمَا جَاءَت من رِوَايَة قَتَادَة
وَلم ينقلها غَيره، وَهِي مِمَّا عد عَلَيْهِ. قلت: ثبتَتْ
هَذِه اللَّفْظَة فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيرد بِهِ مَا قيل
مِمَّا ذكرنَا، وَيرد بِهِ أَيْضا سُؤال من قَالَ: كَيفَ
قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُودِيّ بِلَا
بَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف؟ وَأجِيب: عَن هَذَا أَيْضا:
بِأَن هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَكَانَ
يقتل الْقَاتِل بقول الْقَتِيل، وَقيل: يُمكن أَنه قَتله
لَا بِبَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف بل بِسَبَب آخر مُوجب
لقَتله، وَقيل: كَانَ علمه بِالْوَحْي فَلذَلِك قَتله.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الْقود. فَقَالَ مَالك: إِنَّه
يقتل بِمثل مَا قتل بِهِ، فَإِن قَتله بعصا أَو بِحجر أَو
بالخنق أَو بالتغريق قتل بِمثلِهِ، وَبِه قَالَ
الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَابْن
الْمُنْذر، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن طَرحه فِي النَّار
عمدا حَتَّى مَاتَ طرح فِي النَّار حَتَّى يَمُوت، وَقَالَ
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْحسن
الْبَصْرِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة
وَأَصْحَابه: لَا يقتل الْقَاتِل فِي جَمِيع الصُّور
إِلَّا بِالسَّيْفِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق حَدثنَا أَبُو عَاصِم
قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر عَن أبي
عَازِب عَن النُّعْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَأَبُو
عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد شيخ البُخَارِيّ وَجَابِر
الْجعْفِيّ، وَأَبُو عَازِب مُسلم بن عَمْرو أَو مُسلم بن
أَرَاك، والنعمان بن بشير. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
وَالطَّيَالِسِي وَلَفظه: لَا قَود إِلَّا بحديدة،
وَأَجَابُوا عَن حَدِيث الْبَاب بِأَنَّهُ نسخ بنسخ
الْمثلَة كَمَا فعل رَسُول الله بالعرنيين. فَإِن قلت:
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت لَهُ
إِسْنَاد، وَجَابِر مطعون فِيهِ. قلت: وَإِن طعن فِيهِ فقد
قَالَ وَكِيع: مهما شَكَكْتُمْ فِي شَيْء فَلَا تَشكوا فِي
أَن جَابِرا ثِقَة. وَقَالَ شُعْبَة: صَدُوق فِي الحَدِيث.
وَأخرج لَهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقد رُوِيَ مثله عَن
أبي بكرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَادِهِ الْجيد عَن
أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث
الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَنهُ نَحوه، وَعَن عبد الله
بن مَسْعُود. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث
إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود
إِلَّا بِالسِّلَاحِ، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، رَوَاهُ مُعلى بن هِلَال عَن أبي إِسْحَاق عَن
عَاصِم بن ضَمرَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود إلاَّ بحديدة،
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من
حَدِيث أبي عَازِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي
قَالَ: الْقود بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة.
وَهَؤُلَاء ستتة أنفس من الصَّحَابَة رووا عَن النَّبِي
صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: أَن الْقود لَا
يكون إلاَّ بِالسَّيْفِ، ويشد بعضه بَعْضًا. وَأَقل
أَحْوَاله أَن يكون حسنا، فصح الِاحْتِجَاج بِهِ.
5 - (بابٌ إذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أوْ بِعَصاً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قتل شخص شخصا بِحجر أَو
قَتله بعصاً. وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: يقتل
بِمَا قتل بِهِ، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا، وَإِن كَانَ
يحْتَمل أَن يُقَال: لَا يقتل إلاَّ بِالسَّيْفِ مُوَافقَة
لحَدِيث الْبَاب، وَلم يذكرهُ على عَادَته اكْتِفَاء
بِحَدِيث الْبَاب. وَقَالَ بَعضهم: كَذَا أطلق وَلم يثبت
الحكم إِشَارَة إِلَى الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك، وَلَكِن
إِيرَاده الحَدِيث يُشِير إِلَى تَرْجِيح قَول
الْجُمْهُور. انْتهى. قلت: الْوَجْه فِي تَركه الْجَواب
مَا ذَكرْنَاهُ، وَأي شَيْء من التَّرْجَمَة يدل على
الِاخْتِلَاف فِيهِ، وَلَا وَجه أَيْضا لقَوْله: إِيرَاده
الحَدِيث يُشِير إِلَى تَرْجِيح قَول الْجُمْهُور.
6877 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا عبدُ الله بن إدْرِيسَ،
عنْ شُعْبَةَ، عنْ هِشام بنِ زَيْدِ بنِ أنَسٍ عنْ جَدِّهِ
أنَس بنِ مالِكٍ قَالَ: خَرَجَتْ جارِيَةٌ عَليْها أوْضاحٌ
بالمَدِينَة، قَالَ: فَرَماها يهُودِيٌّ بِحَجرٍ. قَالَ:
فَجِيءَ بِها إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَبهَا رمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رسولُ الله فُلاَنٌ قتلَكِ
فَرَفَعَتْ رأْسَها، فأعادَ عليْها، قَالَ: فُلاَنٌ
قَتَلَكِ فَرَفَعتْ رأْسَها، فَقَالَ لَهَا فِي
الثّالِثَةِ: فُلاَنٌ قتلَكِ فَخَفَضَتْ رأْسَها، فَدَعا
بِهِ رسُولُ الله فَقَتَلَهُ بَيْنَ الحجَرَيْنِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَرَمَاهَا يَهُودِيّ
بِحجر
وَمُحَمّد هُوَ ابْن عبد الله بن نمير فِي قَول الكلاباذي،
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي مُوسَى
وَبُنْدَار وَغَيرهمَا. وَأخرجه
(24/39)
أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن عُثْمَان بن
أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن
مَسْعُود. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار وَغَيره.
قَوْله: أوضاح جمع وضح وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب.
قَوْله: رَمق وَهُوَ بَقِيَّة الْحَيَاة. قَوْله: فخفضت
أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة برأسها.
6 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وكنبنا عَلَيْهِم فِيهَا
أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين وَالْأنف بالأنف
وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح فصاص فَمن
تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَمن لم يحكم بِمَا أنزل
الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وكتبنا عَلَيْهِم
فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ الْآيَة بكمالها سيقت فِي
رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: بَاب
قَول الله تَعَالَى: وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ كَذَا
وَلَكِن بعده إِلَى قَوْله: وَإِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ
هَذِه الْآيَة لمطابقتها قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب:
النَّفس بِالنَّفسِ، وَاحْتج بهَا أَبُو حنيفَة
وَأَصْحَابه على أَن الْمُسلم يُقَاد بالذمي فِي الْعمد،
وَبِه قَالَ الثَّوْريّ، وَجعلُوا هَذِه الْآيَة ناسخة
لِلْآيَةِ الَّتِي فِي الْبَقَرَة، وَهِي قَوْله تَعَالَى:
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عليكن الْقصاص بالقتلى
الْحر بِالْحرِّ} عَن أبي مَالك أَن هَذِه الْآيَة
مَنْسُوخَة بقوله: {إِن النَّفس بِالنَّفسِ} وَقَالَ
الْبَيْهَقِيّ: بَاب فِيمَن لَا قصاص بَينه باخْتلَاف
الدّين قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
كتب عَلَيْكُم الْقصاص الْحر بِالْحرِّ} إِلَى قَوْله:
{فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} وَقَالَ صَاحب
الْجَوْهَر النقي قلت: هَذِه الْآيَة حجَّة لخصمه لِأَن
عُمُوم الْقَتْل يَشْمَل الْمُؤمن وَالْكَافِر وخوطب
الْمُؤْمِنُونَ بِوُجُوب الْقصاص فِي عُمُوم الْقَتْل
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {الْحر بِالْحرِّ} يشملهما
بِعُمُومِهِ. قَوْله: أَن النَّفس بِالنَّفسِ يُؤْخَذ
مِنْهُ جَوَاز قتل الْحر بِالْعَبدِ وَالْمُسلم بالذمي
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ والكوفيين، وَقَالَ مَالك
وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: لَا يقتل حر بِعَبْد، وَفِي
التَّوْضِيح هَذَا مَذْهَب أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي
وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله:
{وَالْعين بِالْعينِ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: المعطوفات
كلهَا قَرَأت مَنْصُوبَة ومرفوعة، وَالْمعْنَى: فَرضنَا
عَلَيْهِم فِيهَا أَي: فِي التَّوْرَاة: أَن النَّفس
مَأْخُوذَة بِالنَّفسِ مقتولة بهَا إِذا قتلتها بِغَيْر
حق، وَكَذَلِكَ الْعين مفقوءة بِالْعينِ، وَالْأنف مجدوع
بالأنف، وَالْأُذن مصلومة بالأذن وَالسّن مقلوعة
بِالسِّنِّ. قَوْله: والجروح قصاص يَعْنِي: ذَات قصاص،
وَهُوَ المقاصصة وَمَعْنَاهُ: مَا يُمكن فِيهِ الْقصاص
وتعرف الْمُسَاوَاة. قَوْله: فَمن تصدق بِهِ أَي: فَمن
تصدق من أَصْحَاب الْحق بِهِ، أَي: بِالْقصاصِ وَعَفا
عَنهُ. قَوْله: {فَمن تصدق} أَي: التَّصَدُّق بِهِ
كَفَّارَة للمتصدق يكفر الله عَنهُ سيئاته. وَعَن عبد الله
بن عمر: ويهدم عَنهُ ذنُوبه بِقدر مَا تصدق بِهِ. قَوْله:
{وَمن لم يحكم} إِلَى آخِره قَالَ، هُنَا {فَأُولَئِك هم
الظَّالِمُونَ} لأَنهم لم ينصفوا الْمَظْلُوم من الظَّالِم
الَّذين أمروا بِالْعَدْلِ والتسوية بَينهم فِيهِ فخالفوا
وظلموا وتعدوا.
6878 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حَدثنَا أبي، حَدثنَا
الأعْمَشُ، عنْ عبْدِ الله بن مُرَّةَ، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ
عبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله: لَا يَحِلُّ دَمُ
امْرىءٍ مُسْلِمٍ يَشهَدُ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وأنِّي
رسُولُ الله إلاَّ بإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ
بالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزَّاني، والمارِقُ مِنَ
الدِّينِ التارِكُ لِلْجماعَةِ
الْمُطَابقَة بَينه وَبَين الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي
قَوْله: النَّفس بِالنَّفسِ كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة بِضَم الْمِيم
وَتَشْديد الرَّاء عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن عبد الله بن
مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن
عون. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن هناد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن إِسْحَاق بن
مَنْصُور وَفِي
(24/40)
الْقود عَن بشر بن خَالِد.
قَوْله: إلاَّ بِإِحْدَى ثَلَاث أَي: بِإِحْدَى خِصَال
ثَلَاث. قَوْله: وَالنَّفس بِالنَّفسِ أَي: تقتل النَّفس
الَّتِي قتلت عمدا بِغَيْر حق بِمُقَابلَة النَّفس
المقتولة. قَوْله: وَالثَّيِّب الزَّانِي أَي: الثّيّب من
لَيْسَ ببكر يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، يُقَال: رجل
ثيب وَامْرَأَة ثيب، وَأَصله واوي لِأَنَّهُ من ثاب يثوب
إِذا رَجَعَ لِأَن الثّيّب بصدد الْعود وَالرُّجُوع. قلت:
أَصله ثويب، قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء
وَهُوَ الثَّانِي من الثَّلَاث، وَهُوَ بَيَان اسْتِحْقَاق
الزَّانِي الْمُحصن للْقَتْل وَهُوَ الرَّجْم
بِالْحِجَارَةِ. وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك،
وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على أَن الزَّانِي الَّذِي لَيْسَ
بمحصن حَده جلد مائَة. قَوْله: والمارق من الدّين كَذَا
هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر
عَن الْكشميهني: والمفارق لدينِهِ وَفِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ والسرخسي وَالْمُسْتَمْلِي. والمارق لدينِهِ
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هُوَ التارك لدينِهِ من المروق
وَهُوَ الْخُرُوج، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: والتارك لدينِهِ
المفارق للْجَمَاعَة، وَقَالَ شَيخنَا فِي شرح
التِّرْمِذِيّ هُوَ الْمُرْتَد، وَقد أجمع الْعلمَاء على
قتل الرجل الْمُرْتَد إِذا لم يرجع إِلَى الْإِسْلَام،
وأصر على الْكفْر. وَاخْتلفُوا فِي قتل الْمُرْتَدَّة
فَجَعلهَا أَكثر الْعلمَاء كَالرّجلِ الْمُرْتَد، وَقَالَ
أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تقتل
الْمُرْتَدَّة لعُمُوم قَوْله: نهى عَن قتل النِّسَاء
وَالصبيان قَوْله: التارك للْجَمَاعَة قيد بِهِ للإشعار
بِأَن الدّين الْمُعْتَبر هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَة.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الشَّافِعِي يقتل بترك
الصَّلَاة؟ . قلت: لِأَنَّهُ تَارِك للدّين الَّذِي هُوَ
الْإِسْلَام يَعْنِي الْأَعْمَال ثمَّ قَالَ: لم لَا يقتل
تَارِك الزَّكَاة وَالصَّوْم؟ وَأجَاب بِأَن الزَّكَاة
يَأْخُذهَا الإِمَام قهرا، وَأما الصَّوْم فَقيل: تَاركه
يمْنَع من الطَّعَام وَالشرَاب لِأَن الظَّاهِر أَنه ينويه
لِأَنَّهُ مُعْتَقد لوُجُوبه. انْتهى. قلت: فِي كل مَا
قَالَه نظر. أما قَوْله فِي الصَّلَاة: لِأَنَّهُ تَارِك
للدّين الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام، يَعْنِي الْأَعْمَال
فَإِنَّهُ غير موجه، لِأَن الْإِسْلَام هُوَ الدّين
والأعمال غير دَاخِلَة فِيهِ، لِأَن الله عز وَجل عطف
الْأَعْمَال على الْإِيمَان فِي سُورَة الْعَصْر، والمعطوف
غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَلِهَذَا اسْتشْكل إِمَام
الْحَرَمَيْنِ قتل تَارِك الصَّلَاة من مَذْهَب
الشَّافِعِي، وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَنه: لَا يقتل،
وَاسْتدلَّ الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْفضل
الْمصْرِيّ الْمَالِكِي بِهَذَا الحَدِيث على أَن تَارِك
الصَّلَاة لَا يقتل إِذا كَانَ تكاسلاً من غير جحد. فَإِن
قلت: احْتج بعض الشَّافِعِيَّة على قتل تَارِك الصَّلَاة
بقوله أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا
إلاه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا
الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة قلت: قد رد عَلَيْهِ ابْن
دَقِيق الْعِيد بِأَن هَذَا إِن أَخذه من مَنْطُوق قَوْله:
أَن أقَاتل النَّاس فَفِيهِ بعد، فَإِنَّهُ فرق بَين
الْمُقَاتلَة على الشَّيْء وَالْقَتْل عَلَيْهِ، وَإِن
أَخذه من قَوْله: فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد عصموا مني
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فَهَذَا دلَالَة الْمَفْهُوم،
وَالْخلاف فِيهَا مَعْرُوف. وَدلَالَة مَنْطُوق حَدِيث
الْبَاب تترجح على دلَالَة الْمَفْهُوم.
وَأما قَول الْكرْمَانِي بِأَن الزَّكَاة يَأْخُذهَا
الإِمَام قهرا مِنْهُ فَفِيهِ خلاف مَشْهُور فَلَا تقوم
بِهِ حجَّة. وَأما قَوْله: لِأَنَّهُ مُعْتَقد لوُجُوبه
أَي: لِأَن تَارِك الصَّوْم مُعْتَقد لوُجُوبه فَيرد
عَلَيْهِ أَن تَارِك الصَّلَاة أَيْضا يعْتَقد وُجُوبهَا،
وَاسْتدلَّ بعض جمَاعَة بقوله: التارك الْجَمَاعَة، على
أَن مُخَالف الْإِجْمَاع كَافِر فَمن أنكر وجوب مجمع
عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِر، وَالصَّحِيح تَقْيِيده بإنكار مَا
يعلم وُجُوبه من الدّين ضَرُورَة: كالصلوات الْخمس، وَقيد
بَعضهم ذَلِك بإنكار وجوب مَا علم وُجُوبه بالتواتر:
كالقول بحدوث الْعَالم فَإِنَّهُ مَعْلُوم بالتواتر، وَقد
حكى القَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع على تَكْفِير الْقَائِل،
بقدم الْعَالم وَاسْتثنى بَعضهم مَعَ الثَّلَاثَة
الْمَذْكُورَة: الصَّائِل، فَإِنَّهُ يجوز قَتله للدَّفْع؟
وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يجوز دَفعه إِذا أدّى
إِلَى الْقَتْل. فَلَا يحل تعمد قَتله إِذا انْدفع بِدُونِ
ذَلِك، فَلَا يُقَال: يجوز قَتله، بل دَفعه. وَقيل:
الصَّائِل على قتل النَّفس دَاخل فِي قَوْله. التارك
الْجَمَاعَة، وَاسْتدلَّ بِهِ أَيْضا على قتل الْخَوَارِج
والبغاة لدخولهم فِي مُفَارقَة الْجَمَاعَة، وَفِيه حصر
مَا يُوجب الْقَتْل فِي الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة
الْمَذْكُورَة، وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض
أَصْحَابهم: أَن أَسبَاب الْقَتْل عشرَة، وَقَالَ ابْن
الْعَرَبِيّ: وَلَا يخرج عَن هَذِه الثَّلَاثَة بِحَال،
فَإِن من سحر أَو سبّ الله أَو سبّ النَّبِي أَو الْملك
فَإِنَّهُ كَافِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا الحَدِيث
مَنْسُوخ بقوله تَعَالَى: {من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو
فَسَاد فِي الأَرْض فأباح الْقَتْل بِالْفَسَادِ،
وَبِحَدِيث قتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فِي الَّذِي
يعْمل عمل قوم لوط، وَقيل: هما فِي الْفَاعِل بالبهيمة. |