عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 7 - (بابُ مَنْ أقادَ بالحَجَرِ)
(24/41)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أقاد أَي
اقْتصّ بِالْحجرِ من الْقود وَهُوَ الْقصاص.
6879 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا مُحَمَّدُ
بنُ جعْفَرٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ هِشام بنِ زَيْدٍ عنْ
أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ يَهُودِيّاً قَتَلَ
جارِيَةً على أوضاحٍ لَهَا، فَقَتَلَها بحَجَرٍ، فَجِيءَ
بهَا إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبهَا
رمَقٌ، فَقَالَ: أقَتَلَكِ فُلاَنٌ فأشارَتْ بِرَأسِها أنْ
لَا، ثُمَّ قَالَ الثانِيَةَ: فأشارَتْ بِرَأسِها أنْ لَا،
ثُمَّ سألَها الثّالِثَةَ فأشارَتْ بِرَأسِها أنْ نَعَمْ،
فَقَتلَهُ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَجَرَيْن.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ
غنْدر. وَقد مر الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب إِذا قتل
بِحجر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَن لَا كلمة: أَن، فِي الْمَوْضِعَيْنِ تفسيرية
تفسر مَا بعْدهَا. قَوْله: أَن نعم هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: أَي نعم.
8 - (بابٌ مَنْ قُتِلَ لهُ قَتيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ
النَّظَرَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر من قتل لَهُ قَتِيل أَي:
الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق لِأَن قتل
الْقَتِيل محَال. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمثله. يذكر فِي
علم الْكَلَام على سَبِيل المغالطة، قَالُوا: لَا يُمكن
إِيجَاد مَوْجُود لِأَن الموجد إِمَّا أَن يوجده فِي حَال
وجوده فَهُوَ تَحْصِيل الْحَاصِل، وَأما فِي حَال الْعَدَم
فَهُوَ جمع بَين النقيضين، فيجاب بِاخْتِيَار الشق الأول
إِذْ لَيْسَ إيجاداً للموجود بِوُجُود سَابق ليَكُون
تَحْصِيل الْحَاصِل، بل إِيجَاد لَهُ بِهَذَا الْوُجُود،
وَكَذَا حَدِيث: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه. قَوْله:
فَهُوَ أَي: ولي الْقَتِيل بِخَير النظرين أَي: الدِّيَة
أَو الْقصاص.
6880 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا شَيْبانُ، عنْ
يَحْياى، عنْ أبي سَلَمَة، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ
خُزاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ رَجاءٍ: حدّثنا حَرْبٌ، عنْ
يَحْياى، حدّثنا أبُو سَلمَةَ، حدّثنا أبُو هُرَيْرَةَ
أنهُ عامَ فَتحِ مَكَّةَ قَتَلتْ خُزاعَةُ رَجلاً. مِنْ
بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الجاهِلِيَّةِ، فقامَ
رسولُ الله فَقَالَ: إنَّ الله حَبَسَ عنْ مَكَّةَ
الفِيلَ، وسَلَّطَ عَليْهمْ رَسولَهُ والمُؤْمِنِينَ، أَلا
وإنَّها لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ
لأِحَدٍ بَعْدِي، أَلا وإنّما أُحِلَّتْ لِي ساعَةً مِنْ
نَهارٍ، أَلا وإنَّها ساعَتي هاذِهِ حَرامٌ: لَا يُخْتَلاى
شوْكُها، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُها وَلَا يَلْتَقِطُ
ساقِطَتَها إلاّ مُنْشِدٌ، ومَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ
فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إمَّا يُودَى وإمَّا
يُقادُ فقامَ رَجُلٌ مِنْ أهْل اليَمَنِ يُقال لهُ أبُو
شاةٍ، فقالَ: اكْتُبْ لِي يَا رسولَ الله. فَقَالَ رسولُ
الله اكْتُبُوا لأبي شاةٍ ثُمَّ قامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْش
فَقَالَ: يَا رسولَ الله إلاّ الإذْخِرَ، فإنّما
نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنا وقُبُورنا، فَقَالَ رسولُ الله
إلاّ الإذْخِرَ
انْظُر الحَدِيث 112 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة من لفظ
الحَدِيث.
وَأخرجه من طَرِيقين. أَحدهمَا عَن أبي نعيم بِضَم النُّون
الْفضل بن دُكَيْن عَن شَيبَان بن عبد الرحمان النَّحْوِيّ
أَصله بَصرِي سكن الْكُوفَة عَن يحياى بن أبي كثير اليمامي
الطَّائِي وَاسم أبي كثير صَالح بن المتَوَكل عَن أبي
سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة وَمضى
هَذَا فِي الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة الْعلم، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن شَيبَان ... الخ نَحوه.
وَفِيه بعض الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان. وَالطَّرِيق الآخر:
أخرجه عَن عبد الله بن رَجَاء بن الْمثنى الْبَصْرِيّ فِي
صُورَة التَّعْلِيق، وَهُوَ أَيْضا شَيْخه روى عَنهُ فِي
غير مَوضِع، وروى عَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب عَنهُ
(24/42)
عَن حَرْب بن شَدَّاد عَن يحياى عَن أبي
سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق
هِشَام بن عَليّ السيرافي عَنهُ، وسَاق البُخَارِيّ
الحَدِيث هُنَا على لفظ حَرْب، وسَاق الطَّرِيق الأول على
لفظ شَيبَان، كَمَا فِي كتاب الْعلم، وَمرَاده من
الطَّرِيق الثَّانِي تَبْيِين عدم تَدْلِيس يحياى بن أبي
كثير، وَتقدم فِي اللّقطَة من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم
عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحياى عَن أبي سَلمَة مُصَرحًا
بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيع السَّنَد.
قَوْله: أَنه أَي: الشَّأْن. قَوْله: خُزَاعَة بِضَم
الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالزاي وَهِي قَبيلَة كَانُوا غلبوا
على مَكَّة وحكموا فِيهَا، ثمَّ أخرجُوا مِنْهَا فصاروا
فِي ظَاهرهَا، وَكَانَت بَينهم وَبَين بني بكر عَدَاوَة
ظَاهِرَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَت خُزَاعَة حلفاء بني
هَاشم بن عبد منَاف إِلَى عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكَانَت بَنو بكر حلفاء قُرَيْش. قَوْله: رجلا من
بني لَيْث وَاسم الرجل الْقَاتِل من خُزَاعَة: خرَاش،
بِالْخَاءِ والشين المعجمتين ابْن أُميَّة الْخُزَاعِيّ،
وَاسم الْمَقْتُول مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة: أَحْمَر،
وَاسم الْمَقْتُول من بني لَيْث: قَبيلَة، لم يدر اسْمه،
وَبَنُو لَيْث قَبيلَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى لَيْث بن
بكر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر.
قَوْله: حبس عَن مَكَّة الْفِيل أَشَارَ بِهِ إِلَى قصَّة
الْحَبَشَة وَهِي مَشْهُورَة. قَوْله: أَلا بِفَتْح
الْهمزَة وَاللَّام المخففة وَهِي كلمة تَنْبِيه تدل على
تحقق مَا بعْدهَا، وَتَأْتِي لمعان أخر. قَوْله: وَلَا
يخْتَلى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: لَا يجز شَوْكهَا.
قَوْله: وَلَا يعضد أَي: لَا يقطع. قَوْله: وَلَا يلتقط
بِفَتْح الْيَاء من الِالْتِقَاط وفاعله هُوَ قَوْله:
إلاَّ منشد بِالرَّفْع وَهُوَ الْمُعَرّف يَعْنِي: لَا
يجوز لقطتهَا إِلَّا للتعريف. قَوْله: فَهُوَ أَي: ولي
الْقَتِيل بِخَير النظرين، وهما: الدِّيَة وَالْقصاص.
قَوْله: إِمَّا يودَى بِضَم الْيَاء على صِيغَة
الْمَجْهُول ويروى: إِمَّا أَن يُؤدى، أَي: إِمَّا أَن
يعْطى الدِّيَة، وَإِمَّا أَن يُقَاد أَي يقْتَصّ من
الْقود وَهُوَ الْقصاص. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي أَخذ
الدِّيَة من قَاتل الْعمد، فَروِيَ عَن سعيد بن الْمسيب
وَالْحسن وَعَطَاء: أَن ولي الْمَقْتُول بِالْخِيَارِ بَين
الْقصاص وَأخذ الدِّيَة، وَبِه قَالَ اللَّيْث
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق
وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ الثَّوْريّ والكوفيون: لَيْسَ لَهُ
إِذا كَانَ عمدا إلاَّ الْقصاص، وَلَا يَأْخُذ الدِّيَة
إلاَّ إِذا رَضِي الْقَاتِل، وَبِه قَالَ مَالك فِي
الْمَشْهُور عَنهُ. قَوْله: أَبُو شاه بِالْهَاءِ لَا غير
على الْمَشْهُور، وَقيل: بِالتَّاءِ. قَوْله: ثمَّ قَامَ
رجل من قُرَيْش هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا فِي كتاب الْعلم وَكتاب الْحَج.
والإذخر بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة
وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالراء وَهِي: حشيشة طيبَة
الرَّائِحَة تسقف بهَا الْبيُوت فَوق الْخشب، وهمزتها
زَائِدَة.
وتابَعَهُ عُبَيْدُ الله عَنْ شَيْبَانَ فِي الفِيلِ.
أَي: تَابع حَرْب بن شَدَّاد عبيد الله بن مُوسَى بن باذام
الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا، فِي رِوَايَته
عَن شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة
بِلَفْظ: الْفِيل، بِالْفَاءِ وَهُوَ الْحَيَوَان
الْمَشْهُور، وَقد مر فِي كتاب الْعلم حبس مَكَّة عَن
الْقَتْل أَو الْفِيل بِالشَّكِّ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: عنْ أبي نُعَيْمٍ: القَتْلُ.
أَرَادَ بِالْبَعْضِ مُحَمَّد بن يحياى الذهلي فَإِنَّهُ
روى عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن: الْقَتْل، بِالْقَافِ
وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقد مر فِي الْعلم:
وجعلوه على الشَّك، كَذَا قَالَ أَبُو نعيم: الْفِيل أَو
الْقَتْل، وَغَيره يَقُول: الْفِيل، يَعْنِي بِالْفَاءِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ الله: إمَّا أنْ يُقادَ أهْلُ القَتِيلِ.
هُوَ عبيد الله بن مُوسَى الْمَذْكُور شيخ البُخَارِيّ
أَي: قَالَ فِي رِوَايَته. . الحَدِيث الْمَذْكُور عَن
شَيبَان بعد قَوْله: إِمَّا أَن يودى وَإِمَّا أَن يُقَاد
أهل الْقَتِيل، يَعْنِي: زَاد هَذِه اللَّفْظَة، وَهِي فِي
رِوَايَته: إِمَّا أَن يعْطى الدِّيَة وَإِمَّا أَن يُقَاد
أهل الْقَتِيل، وَمَعْنَاهُ: يُؤْخَذ لأهل الْقَتِيل
بثأرهم، هَكَذَا يُفَسر حَتَّى لَا يبْقى الْإِشْكَال،
وَقد استشكله الْكرْمَانِي ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ مفعول
مَا لم يسم فَاعله ليودى لَهُ، وَأما مفعول: يُقَاد، ضمير
عَائِد إِلَى الْقَتِيل، وبالتفسير الَّذِي فسرناه يَزُول
الْإِشْكَال فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّكَلُّف.
6881 - حدّثنا قُتَيْبَة بنُ سَعيدٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ
عَمْرٍ و، عنْ مُجاهدٍ، عَن ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي
(24/43)
الله عَنْهُمَا، قَالَ: كانَتْ فِي بَنِي
إسْرَائِيلَ قِصاصٌ ولَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ،
فَقَالَ الله لِهَذِهِ الأُمّةِ. {كتب عَلَيْكُم الْقصاص
فِي الْقَتْلَى} إِلَى هَذِهِ الْآيَة {فَمن عُفيَ لَهُ من
أَخِيه شَيْء}
قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: فالعَفْوِ أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي
العمدِ، قَالَ: ز س أنْ يَطْلُبَ بِمَعْرُوفٍ ويُؤدِّيَ
بإِحْسانٍ
انْظُر الحَدِيث 4498
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن لوَلِيّ الْقَتِيل ترك
الْقصاص وَالرِّضَا بِالدِّيَةِ وَأَن الِاخْتِيَار فِي
أَخذ الدِّيَة أَو الاقتصاص رَاجع إِلَى ولي الْقَتِيل
وَلَا يشْتَرط فِي ذَلِك رضَا الْقَاتِل، وَكَذَا كَانَ
قصد البُخَارِيّ من التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو بِفَتْح الْعين
ابْن دِينَار وَقد تقدم فِي سُورَة الْبَقَرَة عَن
الْحميدِي عَن سُفْيَان: حَدثنَا عَمْرو سَمِعت مُجَاهدًا
عَن ابْن عَبَّاس، هَكَذَا وَصله ابْن عُيَيْنَة عَن
عَمْرو بن دِينَار وَهُوَ أثبت النَّاس فِي عَمْرو،
وَرَوَاهُ وَرْقَاء بن عمر عَن عَمْرو فَلم يذكر فِيهِ
ابْن عَبَّاس. أخرجه النَّسَائِيّ.
قَوْله كَانَت فِي بني إِسْرَائِيل قصاص كَذَا هُنَا،
كَانَت، بالتأنيث وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن سُفْيَان:
كَانَ، وَهُوَ أوجه وَلكنه أنث هُنَا بِاعْتِبَار معنى
الْمُقَاصَّة، وَلم يكن فِي دين عِيسَى، عَلَيْهِ
السَّلَام، الْقصاص فَكل وَاحِد مِنْهُمَا وَاقع فِي
الطّرف، وَهَذَا الدّين الإسلامي هُوَ الْوَاقِع وسطا.
قَوْله: فَقَالَ الله: إِلَى قَوْله: {فَمن عُفيَ لَهُ من
أَخِيه شَيْء} كَذَا وَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة، وَكَذَا
وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأكثرين، وَوَقع فِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ والقابسي إِلَى قَوْله: {فَمن لَهُ من أَخِيه
شَيْء} وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي عمر فِي مُسْنده
إِلَى قَوْله: فِي هَذِه الْآيَة، وَبِهَذَا يظْهر
المُرَاد وإلاَّ فَالْأول يُوهم أَن قَوْله: {فَمن عُفيَ
لَهُ من أَخِيه شَيْء} فِي آيَة تلِي الْآيَة المبدأ بهَا
وَلَيْسَ كَذَلِك. قَوْله: فالعفو أَن يقبل أَي ولي
الْقَتِيل أَن يقبل الدِّيَة فِي الْعمد، يَعْنِي: يتْرك
لَهُ دَمه ويرضى مِنْهُ بِالدِّيَةِ. قَوْله: {فاتباع
بِالْمَعْرُوفِ} أَي: فِي الْمُطَالبَة بِالدِّيَةِ من
الْقَاتِل وعَلى الْقَاتِل إِذْ ذَاك أَدَاء إِلَيْهِ
بِإِحْسَان وَهُوَ معنى قَوْله: وَيُؤَدِّي بِإِحْسَان
أَي: الْقَاتِل كَمَا ذكرنَا.
9 - (بابُ مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِىءٍ بِغَيْرِ حَقَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من طلب دم رجل بِغَيْر حق.
6882 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنْ
عَبْدِ الله بنِ أبي حُسَيْنٍ، حدّثنا نافِعُ بنُ
جُبَيْرٍ، عَن ابْن عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ قَالَ:
أبْغَضُ النَّاسِ إِلَى الله ثَلاثةٌ: مُلْحِدٌ فِي
الحَرَمِ، ومُبْتَغٍ فِي الإسْلامِ سُنَّةَ الجاهِليَّةِ،
ومُطَّلِبُ دَمِ امْرِىءٍ بِغَيْرِ حَقَ لِيُهَرِيقَ
دَمَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم
بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَعبد الله بن أبي
حُسَيْن هُوَ عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حُسَيْن
الْمدنِي النَّوْفَلِي، نسب إِلَى جده، وَنَافِع بن جُبَير
بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف ابْن مطعم الْقرشِي الْمدنِي. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: أبْغض النَّاس أفعل التَّفْضِيل هُنَا بِمَعْنى
الْمَفْعُول من البغض، والبغض من الله إِرَادَة إِيصَال
الْمَكْرُوه. قَوْله: النَّاس أَي: الْمُسلمين. قَوْله:
ملحد بِضَم الْمِيم وَهُوَ المائل عَن الْحق الْعَادِل عَن
الْقَصْد أَي: الظَّالِم. فَإِن قلت: مرتكب الصَّغِيرَة
مائل عَن الْحق؟ . قلت: هَذِه الصِّيغَة فِي الْعرف
تسْتَعْمل للْخَارِج عَن الدّين فَإِذا وصف بهَا من ارْتكب
مَعْصِيّة كَانَ فِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى عظمها. وَقيل:
إِيرَاده بِالْجُمْلَةِ الاسمية مشْعر بِثُبُوت الصّفة
والتنكير للتعظيم فَيكون فِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى عظم
الذَّنب، وَقيل: مَعْنَاهُ الظُّلم فِي أَرض الْحرم
بتغييرها عَن وصفهَا أَو تَبْدِيل أَحْكَامهَا. قَوْله:
ومبتغ فِي الْإِسْلَام سنة الْجَاهِلِيَّة أَي: طَالب فِي
الْإِسْلَام طَريقَة الْجَاهِلِيَّة كالنياحة مثلا. وَفِي
التَّوْضِيح ومبتغ رُوِيَ بالغين يَعْنِي من الابتغاء
وَهُوَ الطّلب وبالعين الْمُهْملَة من التتبع وَالَّذِي
شَرحه ابْن بطال الأول. فَإِن قيل: هَذِه صَغِيرَة؟ أُجِيب
بِأَن معنى الطّلب سنيتها لَيْسَ فعلهَا بل إِرَادَة
بَقَاء تِلْكَ الْقَاعِدَة وإشاعتها وتنفيذها، بل جَمِيع
قواعدها لِأَن اسْم الْجِنْس الْمُضَاف عَام، وَلِهَذَا لم
يقل: فاعلها. قَوْله: ومطلب بِضَم الْمِيم وَتَشْديد
الطَّاء وَكسر اللَّام، وَأَصله: متطلب، لِأَنَّهُ من بَاب
الافتعال فأبدلت التَّاء طاء وأدغمت الطَّاء فِي الطَّاء،
وَمَعْنَاهُ: متكلف للطلب. قَوْله: بِغَيْر حق احْتِرَازًا
عَمَّن يفعل ذَلِك بِحَق كَالْقصاصِ
(24/44)
مثلا. قَوْله: ليهريق بِفَتْح الْهَاء
وسكونها وَقَالَ الْكرْمَانِي: الإهراق هُوَ الْمَحْظُور
الْمُسْتَحق لمثل هَذَا الْوَعيد لَا مُجَرّد الطّلب، ثمَّ
أجَاب بقوله: المُرَاد الطّلب الْمُرَتّب عَلَيْهِ
الْمَطْلُوب، أَو ذكر الطّلب ليلزم فِي الإهراق
بِالطَّرِيقِ الأولى، وَقَالَ الْمُهلب: المُرَاد بهؤلاء
الثَّلَاثَة أَنهم أبْغض أهل الْمعاصِي إِلَى الله
تَعَالَى فَهُوَ كَقَوْلِه: أكبر الْكَبَائِر، وإلاَّ
فالشرك أبْغض إِلَى الله من جَمِيع الْمعاصِي.
10 - (بابُ العَفْوِ فِي الخَطَإِ بَعْدَ المَوْتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عَفْو ولي الْمَقْتُول عَن
الْقَاتِل فِي الْقَتْل الْخَطَأ بعد موت الْمَقْتُول،
وَلَيْسَ المُرَاد عَفْو الْمَقْتُول لِأَنَّهُ محَال،
وَإِنَّمَا قَيده بِمَا بعد الْمَوْت لِأَنَّهُ لَا يظْهر
أَثَره إلاَّ فِيهِ إِذْ لَو عَفا الْمَقْتُول ثمَّ مَاتَ
لم يظْهر لعفوه أثر لِأَنَّهُ لَو عَاشَ تبين أَن لَا
شَيْء لَهُ بعفوه عَنهُ. وَقَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على
أَن عَفْو الْوَلِيّ إِنَّمَا يكون بعد موت الْمَقْتُول،
وَأما قبل ذَلِك فالعفو للقتيل خلافًا لأهل الظَّاهِر
فَإِنَّهُم أبطلوا عَفْو الْقَتِيل.
6883 - حدّثنا فَرْوَةُ، حدّثنا عليُّ بنُ مُسْهِرٍ، عنْ
هِشَام، عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ: هُزِمَ المُشْرِكُونَ
يَوْمَ أُحُدٍ.
وحدّثني مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا أبُو مَرْوانَ
يَحْيى بنُ أبي زَكَرِيَّاءَ، عنْ هِشامٍ، عنْ عُرْوَةَ،
عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: صَرَخَ
إبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي النَّاسِ: يَا عِبادَ الله
أُخْراكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاهُمْ عَلى أُخْرَاهُمْ حتَّى
قَتَلُوا اليَمانَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أبي أبي
فَقَتَلُوهُ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قَالَ: وقَدْ كَانَ انْهَزَمَ مِنْهُم قَوْمٌ حتَّى
لَحِقوا بالطائِفِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: غفر الله لكم
لِأَن مَعْنَاهُ: عَفَوْت عَنْكُم، لِأَن الْمُسلمين
كَانُوا قتلوا الْيَمَان أَبَا حُذَيْفَة خطأ يَوْم أحد
فَعَفَا حُذَيْفَة عَنْهُم بعد قَتله.
وَقد أخرج أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ فِي السّير عَن
الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخطَأ
الْمُسلمُونَ بِأبي حُذَيْفَة يَوْم أحد حَتَّى قَتَلُوهُ،
فَقَالَ حُذَيْفَة: يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم
الرَّاحِمِينَ: فبلغت النَّبِي فزاده عِنْده خيرا ووداه من
عِنْده.
وفروة شيخ البُخَارِيّ بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء
وبالواو ابْن أبي المغراء أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ
الْكُوفِي وَعلي بن مسْهر بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من
الإسهار بِالسِّين المهلمة وَالرَّاء، وَهِشَام هُوَ ابْن
عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ،
وَسقط هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر. وَالثَّانِي: عَن
مُحَمَّد بن حَرْب بياع النشا بالنُّون والشين
الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ عَن أبي مَرْوَان يحيى بن أبي
زَكَرِيَّا الغساني الشَّامي سكن وَاسِط. قيل: ظَاهره أَن
الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاء، وَلَيْسَ كَذَلِك، وسَاق
الْمَتْن هُنَا على لفظ أبي مَرْوَان، وَأما لفظ عَليّ بن
مسْهر فقد تقدم فِي: بَاب من حنث نَاسِيا، فِي كتاب
الْأَيْمَان وَالنُّذُور. وَمر الحَدِيث فِي: بَاب صفة
إِبْلِيس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى
عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة،
وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أخراكم أَي: اقْتُلُوا أَو احْذَرُوا. قَوْله:
حَتَّى قتلوا الْيَمَان أَي: قتل الْمُسلمُونَ الْيَمَان
بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم وبالنون
وَهُوَ وَالِد حُذَيْفَة. قَوْله: أبي أبي أَي: قَالَ
حُذَيْفَة: هَذَا أبي، أبي لَا تقتلوه، وَلم يسمعوا مِنْهُ
فَقَتَلُوهُ ظانين أَنه من الْمُشْركين فَدَعَا لَهُم
حُذَيْفَة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَدَعَا لَهُم وَتصدق
بديته على الْمُسلمين. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: أَن
الْمُسلم إِذا قتل صَاحبه خطأ عِنْد اشتباك الْحَرْب لَا
شَيْء عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع الازدحامات إلاَّ
إِذا فعله قَاصِدا لهلاكه. قَوْله: مِنْهُم أَي: من
الْمُشْركين. قَوْله: بِالطَّائِف وَهُوَ الْبَلَد
الْمَشْهُور وَرَاء مَكَّة، شرفها الله.
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن
يقتل مُؤمنا إِلَّا خطئا وَمن قتل مُؤمنا خطئاً فَتَحْرِير
رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن
يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن
فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم
وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى ؤهله
(24/45)
وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد
فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله وَكَانَ
الله عليماً حكيماً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل. . إِلَى
آخِره، كَذَا سيقت الْآيَة بِتَمَامِهَا عِنْد
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا: بَاب قَول
الله تَعَالَى: {مَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا
إِلَّا خطأ} وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر، وَلم
يذكر معظمهم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا هَذِه الْآيَة أصل
فِي الدِّيات فَذكر فِيهَا ديتين وَثَلَاث كَفَّارَات ذكر
الدِّيَة وَالْكَفَّارَة بقتل الْمُؤمن فِي دَار
الْإِسْلَام وَذكر الْكَفَّارَة دون الدِّيَة بقتل
الْمُؤمن فِي دَار الْحَرْب فِي صف الْمُشْركين إِذا حضر
مَعَهم الصَّفّ فَقتله مُسلم، وَذكر الدِّيَة
وَالْكَفَّارَة بقتل الذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام،
وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة: هَذِه الْآيَة نزلت فِي
عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي، قتل رجلا مُسلما وَلم
يعلم بِإِسْلَامِهِ وَكَانَ ذَلِك الرجل يعذبه بِمَكَّة
مَعَ أبي جهل ثمَّ أسلم وَخرج مُهَاجرا إِلَى النَّبِي
فَلَقِيَهُ عَيَّاش فِي الطَّرِيق فَقتله وَهُوَ يحسبه
كَافِرًا، ثمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله تَعَالَى
عَلَيْهِ وَآله وَسلم، فَأخْبرهُ بذلك فَأمره أَن يعْتق
رَقَبَة، وَنزلت الْآيَة، حَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَنْهُمَا.
وَقَالَ السّديّ: قَتله يَوْم الْفَتْح، وَقد خرج من
مَكَّة وَلَا يعلم بِإِسْلَامِهِ، وَقيل: نزلت فِي أبي
عَامر وَالِد أبي الدَّرْدَاء، خرج إِلَى سَرِيَّة فَعدل
إِلَى شعب فَوجدَ رجلا فِي غنم فَقتله وَأَخذهَا، وَكَانَ
يَقُول: لَا إلاه إلاَّ الله، فَوجدَ فِي نَفسه من ذَلِك
فَذكره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْكر
عَلَيْهِ قَتله إِذْ قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله، فَنزلت
الْآيَة. وَقيل: نزلت فِي وَالِد حُذَيْفَة بن الْيَمَان
قتل خطأ يَوْم أحد، وَقد مضى عَن قريب.
قَوْله: إلاَّ خطأ ظَاهره غير مُرَاد فَإِنَّهُ لَا يشرع
قَتله خطأ وَلَا عمدا لَكِن تَقْدِيره: إِن قَتله خطأ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عبيد: الْمَعْنى إلاَّ أَن
يقْتله مخطئاً، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع. قَوْله: 0
لَا تجوز الْكَافِرَة، وَحكى ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن
الْبَصْرِيّ أَنهم قَالُوا: لَا يجزىء الصَّغِير إلاَّ أَن
يكون قَاصِدا للْإيمَان، وَاخْتَارَ ابْن جرير أَنه إِن
كَانَ مولوداً بَين أبوين مُسلمين جَازَ وإلاَّ فَلَا،
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه مَتى كَانَ مُسلما
صَحَّ عتقه عَن الْكَفَّارَة سَوَاء كَانَ صَغِيرا أَو
كَبِيرا. قَوْله: {إِلَّا أَن يصدقُوا} أَي: إلاَّ أَن
يتصدقوا بِالدِّيَةِ فَلَا يجب. قَوْله: {فَإِن كَانَ من
قوم عدوٍ لكم} أَي: إِذا كَانَ الْقَتِيل مُؤمنا وَلَكِن
أولياؤه من الْكفَّار أهل الْحَرْب فَلَا دِيَة لَهُم
وعَلى قَاتله تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة لَا غير. قَوْله:
مِيثَاق أَي: عهد وهدنة فَالْوَاجِب دِيَة مسلمة إِلَى أهل
الْقَتِيل وتحرير رَقَبَة. قَوْله: مُتَتَابعين يَعْنِي
لَا إفطار بَينهمَا فَإِن أفطر من غير عذر من مرض أَو حيض
أَو نِفَاس اسْتَأْنف الصَّوْم. وَاخْتلفُوا فِي السّفر:
هَل يقطع أم لَا؟ عل قَوْلَيْنِ. قَوْله: تَوْبَة أَي:
رَحْمَة رَحْمَة من الله بكم أَي: التَّيْسِير عَلَيْكُم
بتَخْفِيف عَنْكُم بتحرير الرَّقَبَة المؤمنة إِذا أيسرتم
بهَا. قَوْله: {وَكَانَ الله عليماً حكيماً} أَي: لم يزل
عليماً بِمَا يصلح عباده فِيمَا يكلفهم من فَرَائِضه،
حكيماً بِمَا يقْضِي فِيهِ وَيَأْمُر.
12 - (بابٌ إِذا أقَرَّ بالقَتْلِ مَرَّةً قُتلَ بِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أقرّ شخص بِالْقَتْلِ
مرّة وَاحِدَة قتل بِهِ أَي: بذلك الْإِقْرَار، كَذَا
وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي
رِوَايَة النَّسَفِيّ لم تذكر هَذِه التَّرْجَمَة بل قَالَ
بعد قَوْله خطأ: الْآيَة وَإِذا أقرّ إِلَى آخِره.
6884 - حدّثني إسْحَاقُ، أخبرنَا حَبَّانُ، حدّثنا
هَمَّامٌ، حدّثنا قتادَةُ، حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ: أنَّ
يَهُودِياً رَضَّ رَأسَ جَارِيةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ،
فَقِيلَ لَها: مَنْ فَعَلَ بِكِ هاذا؟ أفُلانٌ أفُلانٌ؟
حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ فأوْمَأتْ بِرَأسِها، فَجِيءَ
باليَهُودِيِّ فاعْتَرَفَ، فأمَرَ بِهِ النَّبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَرُضَّ رَأسُهُ بالحِجارَةِ وقَدْ قَالَ
هَمَّامٌ: بِحَجَرَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق شيخ
البُخَارِيّ قَالَ الغساني: لم أَجِدهُ مَنْسُوبا عِنْد
أحد، وَيُشبه أَن يكون ابْن مَنْصُور. قلت: إِسْحَاق بن
مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي،
انْتقل بآخرة إِلَى نيسابور وَهُوَ شيخ
(24/46)
مُسلم أَيْضا، مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ، وَقيل: لَا يبعد أَن يكون إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه فَإِنَّهُ كثير الرِّوَايَة عَن حبَان بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن
هِلَال الْبَاهِلِيّ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم بن يحيى
بن دِينَار الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي مَوَاضِع فِي الْأَشْخَاص وَفِي
الْوَصَايَا وَفِي الدِّيات، وَمضى عَن قريب فِي: بَاب من
أقاد بِالْحجرِ. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة.
قَوْله: فَقيل لَهَا أَي: لِلْجَارِيَةِ، أَي: سُئِلَ
عَنْهَا وَإِنَّمَا سُئِلَ عَنْهَا مَعَ أَنه لَا يثبت
بإقرارها شَيْء عَلَيْهِ لِأَن يعرف الْمُتَّهم من غَيره
فَيُطَالب فَإِن اعْترف ثَبت عَلَيْهِ. قَوْله: فَأمر بِهِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: بعد موت
الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة.
وَفِي التَّوْضِيح فِيهِ: حجَّة على الْكُوفِيّين فِي
قَوْلهم: لَا بُد من الْإِقْرَار مرَّتَيْنِ، وَهُوَ خلاف
الحَدِيث لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ أَن الْيَهُودِيّ أقرّ
أَكثر من مرّة وَاحِدَة، وَلَو كَانَ فِيهِ حد مَعْلُوم
لبينه، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ. انْتهى. قلت:
اشْتِرَاط الْكُوفِيّين مرَّتَيْنِ فِي الْإِقْرَار قِيَاس
على اشْتِرَاط الْأَرْبَع فِي الزِّنَى، وَمُطلق
الِاعْتِرَاف لَا ينْحَصر على الْمرة.
13 - (بابُ قَتْل الرَّجُلِ بالمَرْأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب قتل الرجل بِمُقَابلَة
قَتله الْمَرْأَة، وَهُوَ قَول فُقَهَاء عَامَّة
الْأَمْصَار وَجَمَاعَة الْعلمَاء، وشذ الْحسن وَرَوَاهُ
عَن عَطاء فَقَالَا: إِن قتل أَوْلِيَاء الْمَرْأَة الرجل
بهَا أَدّوا نصف الدِّيَة، وَإِن قتل أَوْلِيَاء الرجل
الْمَرْأَة أخذُوا من أوليائها نصف دِيَة الرجل، وَرُوِيَ
مثله عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَبِه قَالَ عُثْمَان البتي، وَحجَّة الْجَمَاعَة حَدِيث
الْبَاب أخرجه غير مرّة.
6885 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ،
حدّثنا سَعِيدٌ، عنْ قَتادَة، عنْ أنسٍ بن مالِكٍ، رَضِي
الله عَنهُ، أنَّ النَّبيَّ قَتَلَ يَهُودِيّاً بِجارِيَةٍ
قَتَلَها عَلى أوْضاحٍ لَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح حكمهَا.
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع وَسَعِيد
هُوَ ابْن أبي عرُوبَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَضم
الرَّاء، وَذكر غير مرّة مَعَ شَرحه.
والأوضاح جمع وضح نوع من الْحلِيّ يعْمل من فضَّة سميت
بهَا لبياضها لِأَن الوضح الْبيَاض من كل شَيْء.
14 - (بابُ القِصاص بَيْنَ الرِّجالِ والنَّساءِ فِي
الجراحاتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الْقصاص ... الخ،
والجراحات جمع جِرَاحَة وَوُجُوب الْقصاص فِي ذَلِك قَول
الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا قصاص بَين الرِّجَال
وَالنِّسَاء فِيمَا دون النَّفس من الْجِرَاحَات، لِأَن
الْمُسَاوَاة مُعْتَبرَة فِي النَّفس دون الْأَطْرَاف،
ألاَّ ترى أَن الْيَد الصَّحِيحَة لَا تُؤْخَذ بيد شلاء؟
وَالنَّفس الصَّحِيحَة تُؤْخَذ بالمريضة؟ .
وَقَالَ أهْلُ العِلْمِ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالمْرَأةِ.
أَرَادَ بِأَهْل الْعلم الْجُمْهُور من الْعلمَاء فَإِن
عِنْدهم: يقتل الرجل بِالْمَرْأَةِ، بِالنَّصِّ.
ويُذْكَرُ عنْ عُمَرَ: تُقادُ المَرأةُ مِنَ الرَّجُلِ فِي
كلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَما دُونَها مِنَ
الجِراحِ.
أَي: يذكر عَن عمر بن الْخطاب: تقتص الْمَرْأَة من الرجل،
يَعْنِي: إِذا قتلت الرجل فِي قتل الْعمد الَّذِي يبلغ نفس
الرجل فَمَا دونهَا من الْجراح، يَعْنِي فِي: كل عُضْو من
أعضائها عِنْد قطعهَا من أَعْضَاء الرجل، وَفِيه الْخلاف
الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا.
وَهَذَا الْأَثر وَصله سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق
النَّخعِيّ قَالَ: فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَة الْبَارِقي
إِلَى شُرَيْح من عِنْد عمر، قَالَ: جروح الرِّجَال
وَالنِّسَاء سَوَاء. قلت: لم يَصح سَماع النَّخعِيّ من
شُرَيْح فَلذَلِك ذكر البُخَارِيّ أثر عمر هَذَا بِصِيغَة
التمريض.
وبِهِ قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ وإبْراهِيمُ
وأبُو الزِّنادِ عنْ أصْحابِهِ.
أَي: وَبِمَا رُوِيَ عَن عَمْرو بن الْخطاب قَالَ عَمْرو
بن عبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو
الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن
(24/47)
ذكْوَان الْمدنِي. قَوْله: عَن أَصْحَابه
أَي: عَن أَصْحَاب أبي الزِّنَاد مثل عبد الرحمان بن
هُرْمُز الْأَعْرَج وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن
الزبير وَغَيرهم. وَأثر عمر بن عبد الْعَزِيز
وَإِبْرَاهِيم أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الثَّوْريّ
عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَعَن
مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَا: الْقصاص بَين
الرجل وَالْمَرْأَة فِي الْعمد سَوَاء. وَأثر أبي
الزِّنَاد أخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرحمان بن
أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه. قَالَ: كل من أدْركْت من
فقهائنا وَذكر السَّبْعَة فِي مشيخة سواهُم أهل فقه وَفضل
وَدين، قَالَ: رُبمَا اخْتلفُوا فِي الشَّيْء فأخذنا بقول
أَكْثَرهم وأفضلهم رَأيا أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ:
الْمَرْأَة تقاد بِالرجلِ عينا بِعَين وأذناً بأذن وكل
شَيْء من الْجَوَارِح على ذَلِك وَإِن قَتلهَا قتل بهَا.
وجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إنْساناً فَقَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القِصاصُ
هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ: وَالربيع بِضَم الرَّاء
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف مصغر الرّبيع ضد الخريف بنت النَّضر بِفَتْح
النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَالصَّوَاب: بنت
النَّضر عمَّة أنس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل صَوَابه حذف
لفظ الْأُخْت وَهُوَ الْمُوَافق لما مر فِي سُورَة
الْبَقَرَة فِي آيَة: {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} أَن الرّبيع
نَفسهَا كسرت ثنية جَارِيَة ... إِلَى آخِره اللَّهُمَّ
إلاَّ أَن يُقَال: هَذِه امْرَأَة أُخْرَى، لكنه لم ينْقل
عَن أحد. انْتهى. قلت: وَقد ذكر جمَاعَة أَنَّهُمَا
قضيتان، وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء:
الْمَعْرُوف رِوَايَة البُخَارِيّ وَيحْتَمل أَن تَكُونَا
قضيتين، وَجزم ابْن حزم أَنَّهُمَا قضيتان صحيحتان وقعتا
لامْرَأَة وَاحِدَة. إِحْدَاهمَا أَنَّهَا جرحت إنْسَانا
فقضي عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا كسرت
ثنية جَارِيَة فقضي عَلَيْهَا بِالْقصاصِ، وَحلفت أمهَا
فِي الأولى وأخوها فِي الثَّانِيَة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ
بعد أَن أورد الرِّوَايَتَيْنِ: ظَاهر الْخَبَرَيْنِ يدل
على أَنَّهُمَا قضيتان. قَوْله: الْقصاص، بِالنّصب على
الإغراء وَهُوَ التحريض على الْأَدَاء أَي: أدوه، وَفِي
رِوَايَة النَّسَفِيّ: كتاب الله الْقصاص، قيل: الْجراحَة
غير مضبوطة فَلَا يتَصَوَّر التكافؤ فِيهَا. وَأجِيب قد
تكون مضبوطة، وَجوز بَعضهم: الْقصاص، على وَجه
التَّحَرِّي.
6886 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيَ، حدّثنا يَحْياى، حدّثنا
سُفْيانُ، حدّثنا مُوساى بنُ أبي عائِشَةَ، عنْ عُبَيْدِ
الله بنِ عَبْدِ الله عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا،
قالَتْ: لَدَدْنا النبيَّ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: لَا
تَلُدُّونِي فَقُلْنا: كَراهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّواءِ
فَلمَّا أفاقَ قَالَ: لَا يَبْقَى أحَدٌ مِنْكُمْ إلاّ
لُدَّ غَيْرَ العَبَّاسِ فإنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ قصاص الرجل من
الْمَرْأَة لِأَن الَّذين لدوه كَانُوا رجَالًا وَنسَاء،
بل أَكثر الْبَيْت كَانُوا نسَاء.
وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ
الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَيحيى
هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
ومُوسَى بن أبي عَائِشَة الْهَمدَانِي الْكُوفِي أَبُو
بكر، وَعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب
ابْن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مرض النَّبِي ووفاته.
قَوْله: لددنا مُشْتَقّ من اللدود وَهُوَ مَا يصب فِي
المسعط من الدَّوَاء فِي أحد شقي الْفَم، وَقد لد الرجل
فَهُوَ ملدود وألددته أَنا والتد هُوَ. قَوْله: لَا تلدوني
بِضَم اللَّام. قَوْله: كَرَاهِيَة الْمَرِيض للدواء
يَعْنِي: لم ينهنا نهي تَحْرِيم بل نهي تَنْزِيه لِأَنَّهُ
كرهه كَرَاهِيَة الْمَرِيض الدَّوَاء. قَوْله: إلاَّ لد
بِلَفْظ الْمَجْهُول أَي: لَا يبْقى أحد إلاَّ لد قصاصا
ومكافأة لفعلهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون
ذَلِك عُقُوبَة لَهُم لمخالفتهم نَهْيه، وَقَالَ
الْخطابِيّ. فِيهِ: حجَّة لمن رأى فِي اللَّطْمَة
وَنَحْوهَا من الإيلام وَالضَّرْب الْقصاص على جِهَة
التَّحَرِّي، وَإِن لم يُوقف على حَده، لِأَن اللدود
يتَعَذَّر ضَبطه وَتَقْدِيره: على حد لَا يتَجَاوَز وَلَا
يُوقف عَلَيْهِ إلاَّ بِالتَّحَرِّي. قَوْله: فَإِنَّهُ لم
يشهدكم أَي: لم يحضركم.
(مَنْ أخَذَ حَقَّهُ أوِ اقْتَصَّ دُونَ السُّلْطانِ)
(24/48)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أَخذ حَقه
من جِهَة غَرِيمه بِغَيْر حكم حَاكم. قَوْله: أَو اقْتصّ
مِمَّن وَجب لَهُ قصاص فِي نفس أَو طرف. قَوْله: دون
السُّلْطَان يَعْنِي بِغَيْر أَمر السُّلْطَان، وَمرَاده
بالسلطان الْحَاكِم لِأَن من لَهُ حكم لَهُ تسلط وَالنُّون
فِيهِ زَائِدَة، وَجَوَاب: من، غير مَذْكُور، وَفِيه
بَيَان الحكم وَلم يذكرهُ على عَادَته إِمَّا اكْتِفَاء
بِمَا ذكر فِي حَدِيث الْبَاب، وَإِمَّا اعْتِمَادًا على
ذهن مستنبط الحكم من الْخَبَر. وَقَالَ ابْن بطال: اتّفق
أَئِمَّة الْفَتْوَى على أَنه لَا يجوز لأحد أَن يقْتَصّ
من حَقه دون السُّلْطَان. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتلفُوا
فِيمَن أَقَامَ الْحَد على عَبده، وَقد تقدم. قَالَ: وَأما
أَخذ الْحق فَإِنَّهُ يجوز عِنْدهم أَن يَأْخُذ حَقه من
المَال خَاصَّة إِذا جَحده إِيَّاه وَلَا بَيِّنَة لَهُ
عَلَيْهِ، وَقيل: إِذا كَانَ السُّلْطَان لَا ينصر
الْمَظْلُوم وَلَا يوصله إِلَى حَقه جَازَ لَهُ أَن
يقْتَصّ دون الإِمَام.
6887 - حدّثنا أَبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حدّثنا
أبُو الزِّنادِ أنَّ الأعْرَجَ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله
يَقُولُ نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ
قيل: لَا مُطَابقَة أصلا بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث
الْمَذْكُور. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح أَدخل هَذَا
الحَدِيث فِي الْبَاب وَلَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهُ سمع
الْحَدِيثين مَعًا. قلت: يَعْنِي: سمع هَذَا الحَدِيث
والْحَدِيث الَّذِي بعده فِي نسق وَاحِد فَحدث بهما
جَمِيعًا كَمَا سمعهما، وَبِهَذَا أجَاب الْكرْمَانِي
قبله، وَأجَاب الْكرْمَانِي بجوابين أَيْضا: أَحدهمَا: أَن
الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة سمع مِنْهُ أَحَادِيث أَولهَا
ذَلِك فَذكرهَا على التَّرْتِيب الَّذِي سَمعه مِنْهُ،
وَالْآخر: كَانَ أول الصَّحِيفَة ذَلِك فَاسْتَفْتَحَ
بِذكرِهِ. انْتهى.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذَا الحَدِيث عَن أبي الْيَمَان الحكم
بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أبي الزِّنَاد
بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرحمان بن
هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَاخْتَصَرَهُ، وَقد
مر فِي آواخر كتاب الْوضُوء فِي: بَاب الْبَوْل فِي المَاء
الدَّائِم، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي الْيَمَان
... الخ.
قَوْله: نَحن الْآخرُونَ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا
وَالسَّابِقُونَ فِي الْآخِرَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:
نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة.
6888 - وبِإسْنادِهِ: لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أحَدٌ،
ولَمْ تَأذَنْ لهُ خَذَفْتَهُ بِحَصاةٍ فَفَقَأتَ عَيْنَهُ
مَا كانَ عَلَيْكَ مِنْ جُناحٍ
هَذَا الحَدِيث يُطَابق التَّرْجَمَة وَسَيَأْتِي عَن
قريب. قَوْله: وبإسناده أَي: بِإِسْنَاد الحَدِيث
الْمُتَقَدّم.
قَوْله لَو اطلع بتَشْديد الطَّاء. وَقَوله: أحد فَاعله
قَوْله: وَلم يَأْذَن لم قيد بِهِ لِأَنَّهُ لَو أذن لَهُ
بذلك ففقأ عينه بحصاة أَو نواة وَنَحْوهمَا يلْزمه
الْقصاص. قَوْله: خذفته بِالْخَاءِ والذال المعجمتين،
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والقابسي بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالْأول أوجه لِأَنَّهُ ذكر الْحَصَاة وَالرَّمْي بالحصاة
الْخذف بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:
الرِّوَايَة بِالْمُهْمَلَةِ خطأ لِأَن فِي نفس الْخَبَر
أَنه الرَّمْي بالحصاة وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ جزما،
وَهَذَا الرَّمْي إِمَّا أَن يكون بَين الْإِبْهَام
والسبابة، وَإِمَّا بَين السبابتين. قَوْله: ففقأت عينه
أَي: فقلعتها. وَقَالَ ابْن القطاع: فَقَأَ عينه أطفأ
ضوءها. قَوْله: من جنَاح بِالضَّمِّ أَي: من إِثْم أَو
مُؤَاخذَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي عَاصِم: من حرج بدل
جنَاح، ويروى: مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك من شَيْء،
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: يحل لَهُم فقء عينه، ويروى من
حَدِيث ثَوْبَان مَرْفُوعا. لَا يحل لأمرىء من الْمُسلمين
أَن ينظر فِي جَوف بَيت حَتَّى يسْتَأْذن فَإِن فعل فقد
دخل. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لم أجد لِأَصْحَابِنَا فِي
الْمَسْأَلَة نصا غير أَن أصلهم أَن من فعل شَيْئا دفع
بِهِ عَن نَفسه مِمَّا لَهُ فعله أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ
مِمَّا تلف مِنْهُ، كالمعضوض: إِذا انتزع يَده من فِي
العاض لِأَنَّهُ دفع عَن نَفسه. وَقَالَ أَبُو بكر
الرَّازِيّ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء، ومذهبهم أَنه يضمن
لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يَدْفَعهُ عَن الِاطِّلَاع من غير
فقء الْعين، بِخِلَاف المعضوض لِأَنَّهُ لم يُمكنهُ خلاصه
إلاَّ بِكَسْر سنّ العاض، وروى ابْن عبد الحكم عَن مَالك:
أَن عَلَيْهِ الْقود، وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: الحَدِيث
خرج مخرج التَّغْلِيظ.
6889 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْيى، عنْ حُمَيْد:
أنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي بَيْتِ النَّبيّ
(24/49)
ِ فَسَدَّدَ إلَيْهِ مِشْقَصاً فَقُلْتُ
مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذا؟ قَالَ: أنَسُ بنُ مالِكٍ.
(انْظُر الحَدِيث 6242 وطرفه)
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث لَا
يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ هُوَ الإِمَام الْأَعْظَم
فَلَا يدل على جَوَاز ذَلِك لآحاد النَّاس. قلت: حكم
أَقْوَاله وأفعاله عَام متناول للْأمة إلاَّ مَا دلّ
دَلِيل على تَخْصِيصه بِهِ.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل أَولا وَمُسْندًا آخرا. قَالَ
الْكرْمَانِي. قلت: كَونه مُرْسلا أَولا لِأَن حميدا لم
يدْرك الْقِصَّة، وَكَونه مُسْندًا آخرا لِأَنَّهُ قَالَ:
من حَدثَك بِهَذَا؟ قَالَ: أنس
قَوْله: أَن رجلا اطلع بتَشْديد الطَّاء. قَوْله: فسدد
إِلَيْهِ بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال الأولى
أَي: صوب وفاعله النَّبِي ومشقصاً مَفْعُوله وَهُوَ
بِكَسْر الْمِيم وبالقاف وبالصاد الْمُهْملَة النصل العريض
أَو السهْم الَّذِي فِيهِ ذَلِك، وَقَالَ ابْن التِّين:
روينَاهُ بتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة أَي: أوثقه. قَالَ:
وَرُوِيَ بِالسِّين الْمُهْملَة أَي قومه وهداه إِلَى
ناحيته. قَوْله: من حَدثَك الْقَائِل يحيى لحميد. قَوْله:
قَالَ: أنس بن مَالك أَي: حَدثنِي أنس بن مَالك، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
16 - (بابٌ إِذا ماتَ فِي الزِّحامِ أوْ قُتِلَ)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بِمَا إِذا مَاتَ شخص فِي الزحام
أَو قتل، وَفِي رِوَايَة ابْن بطال: أَو قتل بِهِ، أَي:
بالزحام، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، الَّذِي هُوَ الحكم
لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ، على مَا سَيَجِيءُ بَيَانه
عَن قريب إِن شَاءَ الله.
6890 - حدّثني إسْحاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنَا أبُو
أُسامَة قَالَ: هِشامٌ أخبرنَا عَن أبِيهِ، عنْ عائِشَةَ
قالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ،
فَصاحَ إبْلِيسُ: أيْ عِبادَ الله أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ
أولاهُمْ فاجْتَلَدَتْ هِيَ وأُخْراهُمْ، فَنَظَرَ
حُذَيْفَةُ فَإِذا هُوَ بِأبِيهِ اليَمانِ فَقَالَ: أيْ
عِبادَ الله أبي أبي قالَتْ: فَوَالله مَا احْتَجَزُوا
حتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ الله لَكُمْ.
قَالَ عُرْوَةُ: فَما زالَتْ فِي حُذَيْفَةَ منْهُ
بَقيَّةٌ حتَّى لَحِقَ بِالله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فوَاللَّه مَا
احتجزوا حَتَّى قَتَلُوهُ لأَنهم كَانُوا متزاحمين
عَلَيْهِ.
قَوْله: حَدثنِي إِسْحَاق ويروى: أخبرنَا. وَأما إِسْحَاق
هَذَا فقد قَالَ الغساني: لَا يَخْلُو أَن يُرَاد بِهِ
إِمَّا ابْن مَنْصُور وَإِمَّا ابْن نصر وَإِمَّا ابْن
إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي. قلت: وَقع فِي بعض النّسخ:
إِسْحَاق بن مَنْصُور، بِذكر أَبِيه، وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن
الزبير.
قَوْله: قَالَ: هِشَام أخبرنَا عَن أَبِيه من تَقْدِيم
اسْم الرَّاوِي على الصِّيغَة.
قَوْله: هزم على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله: أَي عباد
الله أَي: يَا عباد الله أخراكم أَي: قَاتلُوا أخراكم.
قَوْله: فاجتلدت من الْجلد وَهُوَ الْقُوَّة وَالصَّبْر.
قَوْله: الْيَمَان اسْم أبي حُذَيْفَة. قَوْله: أبي أبي
أَي: هَذَا أبي لَا تقتلوه. قَوْله: فَمَا احتجزوا أَي:
فَمَا امْتَنعُوا وَمَا انفكوا، وَيُقَال: فَمَا
تَرَكُوهُ، وَمن ترك شَيْئا فقد انحجز عَنهُ. قَوْله:
قَتَلُوهُ أَي: الْمُسلمُونَ قَتَلُوهُ. قَوْله: مِنْهُ
قَالَ بَعضهم: أَي من ذَلِك الْفِعْل، وَهُوَ الْعَفو.
قلت: الظَّاهِر أَن الْمَعْنى أَي: من قَتلهمْ الْيَمَان.
قَوْله: بَقِيَّة أَي: بَقِيَّة خير، قَالَه الْكرْمَانِي،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب فِي: بَاب الْعَفو عَن
الْخَطَأ، وَمر مطولا فِي غَزْوَة أحد.
وَاخْتلفُوا فِي حكم التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة، فَروِيَ
عَن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن دِيَته
تجب فِي بَيت المَال، وَبِه قَالَ إِسْحَاق، وَقَالَ
الْحسن الْبَصْرِيّ: إِن دِيَته تجب على من حضر، وَقَالَ
الشَّافِعِي: يُقَال لوَلِيِّه، أدع على من شِئْت واحلف،
فَإِن حلف اسْتحق الدِّيَة، وَإِن نكل حلف الْمُدعى
عَلَيْهِ على النَّفْي، وَسَقَطت الْمُطَالبَة. وَقَالَ
مَالك: دَمه هدر.
17 - (بابٌ إِذا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطأَ فَلا دِيَةَ لهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا قتل شخص نَفسه خطأ أَي: مخطئاً
أَي: قتلا خطأ فَلَا دِيَة لَهُ أَي: فَلَا تجب الدِّيَة
لَهُ، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ
(24/50)
وَلَا إِذا قتل نَفسه عمدا. وَقَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَلَيْسَ مطابقاً لما بوب لَهُ. قلت:
إِنَّمَا قَالَ: خطأ، لمحل الْخلاف فِيهِ. قَالَ ابْن
بطال، قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: تجب دِيَته
على عَاقِلَته فَإِن عَاشَ فَهِيَ لَهُ عَلَيْهِم وَإِن
مَاتَ فَهِيَ لوَرثَته. وَقَالَ الْجُمْهُور، مِنْهُم:
ربيعَة وَمَالك وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ: لَا شَيْء فِيهِ. وَحَدِيث الْبَاب حجَّة
لَهُم حَيْثُ لم يُوجب الشَّارِع لعامر بن الْأَكْوَع
دِيَة على عَاقِلَته وَلَا على غَيرهَا، وَلَو وَجب
عَلَيْهَا شَيْء لبينه لِأَنَّهُ مَكَان يحْتَاج فِيهِ
إِلَى الْبَيَان، إِذْ لَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن
وَقت الْحَاجة، وَالنَّظَر يمْنَع أَن يجب للمرء على نَفسه
شي بِدَلِيل الْأَطْرَاف فَكَذَا الْأَنْفس. وَأَجْمعُوا
على أَنه إِذا قطع طرفا من أَطْرَافه عمدا أَو خطأ لَا يجب
فِيهِ شَيْء. قَالَ الْكرْمَانِي: إِن لفظ: فَلَا دِيَة
لَهُ، فِي التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة لَا وَجه لَهُ،
وموضعه اللَّائِق بِهِ التَّرْجَمَة السَّابِقَة أَي: إِذا
مَاتَ فِي الزحام فَلَا دِيَة لَهُ على المزاحمين
عَلَيْهِ، لظُهُور: أَن قَاتل نَفسه لَا دِيَة لَهُ،
وَلَعَلَّه من تَصَرُّفَات النقلَة عَن نُسْخَة الأَصْل.
وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: دِيَته على عَاقِلَته، فَرُبمَا
أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا ردهم. انْتهى. قلت: على هَذَا
لَا وَجه لقَوْله: وموضعه اللَّائِق بِهِ التَّرْجَمَة
السَّابِقَة، بل اللَّائِق بِهِ أَن يذكر فِي الترجمتين
جَمِيعًا. فَافْهَم.
6891 - حدّثنا المَكّيُّ بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا يَزيدُ
بنُ أبي عُبَيْدٍ، عنْ سَلَمَةَ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ
النَّبيِّ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ:
أسْمِعْنا يَا عامِرُ مِنْ هُنَيَّاتِكَ، فَحَدَا بِهِمْ
فَقَالَ النبيُّ مَنْ السَّائِقُ قالُوا: عامِرٌ. فَقَالَ:
رَحِمَهُ الله فقالُوا: يَا رسولَ الله هَلاَّ أمْتَعْتَنا
بِهِ؟ فأُصيبَ صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ فقالَ القَوْمُ: حَبطَ
عَمَلُهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلمَّا رَجَعْتُ وهُمْ
يَتَحَدَّثُونَ أنَّ عامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ، فَجِئْتُ
إِلَى النَّبيِّ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله فَداكَ أبي
وأُمِّي زَعَمُوا أَن عامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ؟ فقالَ:
كَذَبَ مَنْ قالَها، إنَّ لهُ لأجْرَيْنِ اثْنَيْنِ:
إنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجاهِدٌ وأيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ
عَلَيْهِ؟
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لم يحكم
بِالدِّيَةِ لوَرَثَة عَامر على عَاقِلَته أَو على بَيت
مَال الْمُسلمين.
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد مولى سَلمَة بن
الْأَكْوَع بِفتْحَتَيْنِ ابْن عَمْرو بن الْأَكْوَع
واسْمه سِنَان الْأَسْلَمِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ التَّاسِع عشر من ثلاثيات
البُخَارِيّ، وَقد مضى فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي،
وَفِي الْأَدَب عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْمَظَالِم عَن أبي
عَاصِم النَّبِيل، وَفِي الذَّبَائِح عَن مكي بن
إِبْرَاهِيم، وَفِي الدَّعْوَات عَن مُسَدّد. وَأخرجه
مُسلم وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِلَى خَيْبَر هِيَ قَرْيَة كَانَت للْيَهُود
نَحْو أَربع مراحل من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام. قَوْله:
أسمعنا بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الإسماع. وعامر هُوَ عَم
سَلمَة، وَقيل: أَخُوهُ. قَوْله: من هنياتك بِضَم الْهَاء
وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع هنيَّة
وَقد تبدل الْيَاء هَاء فَيُقَال: هنيهة، وَيجمع على
هنيهات، وَأَرَادَ بهَا الأراجيز، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي بِحَذْف الْيَاء. قَوْله: فحدا بهم أَي:
ساقهم منشداً للأراجيز. قَوْله: أمتعتنا بِهِ أَي: وَجَبت
لَهُ الشَّهَادَة بدعائك وليتك تركته لنا وَكَانُوا قد
عرفُوا أَنه لَا يَدْعُو لأحد خَاصَّة عِنْد الْقِتَال
إلاَّ اسْتشْهد. قَوْله: فأصيب على صِيغَة الْمَجْهُول
أَي: فأصيب عَامر صَبِيحَة ليلته تِلْكَ. قَوْله: فَلَمَّا
رجعت الْقَائِل بِهِ عَامر. قَوْله: وهم يتحدثون الْوَاو
فِيهِ للْحَال. قَوْله: اثْنَيْنِ تَأْكِيد لقَوْله:
أَجْرَيْنِ قَوْله: لجاهد مُجَاهِد كِلَاهُمَا اسْم
الْفَاعِل الأول من جهد وَالثَّانِي من جَاهد مجاهدة،
وَمَعْنَاهُ: جَاهد فِي الْخَيْر مُجَاهِد فِي سَبِيل
الله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى أَنه لجاهد بِلَفْظ
الْمَاضِي مُجَاهِد بِفَتْح الْمِيم جمع مجهد يَعْنِي: حضر
مَوَاطِن من الْجِهَاد عدَّة مُجَاهِد. قَوْله: وَأي قتل
يزِيدهُ عَلَيْهِ أَي: أَي قتل يزِيدهُ الْأجر على أجره؟
ويروى: يزِيد، بِدُونِ الْهَاء، وَقيل: أَي أَنه بلغ أرقى
الدَّرَجَات وَفضل النِّهَايَة. وَفِي التَّوْضِيح
وَإِنَّمَا قَالُوا: حَبط عمله، لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا
تقتلُوا أَنفسكُم} وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَن يتَعَمَّد
قتل نَفسه، إِذْ الْخَطَأ لَا ينْهَى عَنهُ أحد، وَقَالَ
الدَّاودِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل قَوْله
تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا
خطأ}
(24/51)
18 - (بابٌ إِذا عَضَّ رَجُلاً فَوَقَعَتْ
ثَناياهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا عض رجل رجلا، والعض هُوَ
الْقَبْض بالأسنان، يُقَال: عضه وعض بِهِ وعض عَلَيْهِ.
قَوْله: فَوَقَعت ثناياه أَي: ثنايا العاض. وَهُوَ جمع
ثنية وَهُوَ مقدم الْأَسْنَان، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف
تَقْدِيره: هَل يلْزمه شَيْء أم لَا؟ وَاخْتلف الْعلمَاء
فِيهِ فَقَالَت طَائِفَة: من عض يَد رجل فَانْتزع المعضوض
يَده من فَم العاض فَقلع شَيْئا من أَسْنَان العاض فَلَا
شَيْء عَلَيْهِ فِي السن، رُوِيَ هَذَا عَن أبي بكر
الصّديق وَشُرَيْح، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين
وَالشَّافِعِيّ، قَالُوا: وَلَو جرحه المعضوض فِي مَوضِع
آخر فَعَلَيهِ ضَمَانه. وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك:
هُوَ ضَامِن لدية السن، وَقَالَ عُثْمَان البتي: إِن كَانَ
انتزعها من ألم أَو وجع أَصَابَهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ،
وَإِن انتزعها من غير ألم فَعَلَيهِ الدِّيَة، وَحَدِيث
الْبَاب حجَّة الْأَوَّلين.
6892 - حدّثنا آدَمُ، حدّثنا شُعْبَةُ، حدّثنا قَتادَةُ
قَالَ: سَمِعْتُ زُرارَةَ بن أوْفاى عنْ عِمْرانَ بنِ
حَصَيْنٍ: أنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ
مِن فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتاهُ، فاخْتَصَمُوا إِلَى
النَّبيِّ فَقَالَ: يَعَضُّ أحَدُكُمْ أخاهُ كَمَا يَعَضُّ
الفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَكَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح مَا فِيهَا
من الْإِبْهَام.
وزرارة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن أوفى
بِالْفَاءِ من الْوَفَاء أَبُو حَاجِب العامري قَاضِي
الْبَصْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي مُوسَى
وَبُنْدَار، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن عَليّ
بن حشرم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقصاص عَن ابْن بشار
وَابْن الْمثنى وَغَيرهمَا. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الدِّيات عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: أَن رجلا عض يَد رجل كِلَاهُمَا هُنَا مبهمان،
وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم بِهَذَا السَّنَد عَن عمرَان
قَالَ: قَاتل يعلى بن أُميَّة رجلا فعض أَحدهمَا صَاحبه
... الحَدِيث وَيُسْتَفَاد مِنْهُ تعْيين أحد المبهمين،
وَأَنه يعلى بن أُميَّة، وَلَكِن لم يُمَيّز العاض من
المعضوض. وَوَقع فِي صَحِيح مُسلم فِي حَدِيث عمرَان
قَالَ: قَاتل يعلى بن منية أَو ابْن أُميَّة رجلا فعض
أَحدهمَا صَاحبه، وَوَقع أَيْضا فِيهِ وَفِي البُخَارِيّ
من حَدِيث يعلى بن أُميَّة. قَالَ كَانَ لي أجِير فقاتل
إنْسَانا فعض أَحدهمَا يَد الآخر، قَالَ: لقد أَخْبرنِي
صَفْوَان أَيهمَا عض الآخر فَنسيته، وَلمُسلم من رِوَايَة
صَفْوَان بن يعلى أَن أَجِيرا ليعلى بن أُميَّة عض رجل
ذراعه فجذبها. انْتهى فَتعين من هَذَا أَن يعلى هُوَ العاض
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ لي
أجِير فقاتل إنْسَانا، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكنى عَن نَفسه
وَلَا يبين للسامعين أَنه العاض، كَمَا قَالَت عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: قبَّل النَّبِي صلى الله
تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، امْرَأَة من نِسَائِهِ،
فَقَالَ لَهَا الرَّاوِي: وَمن هِيَ إلاَّ أَنْت؟ فَضَحكت.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ الْحفاظ:
الصَّحِيح الْمَعْرُوف أَن المعضوض هُوَ أجِير يعلى لَا
يعلى، قَالَ: وَيحْتَمل أَنَّهُمَا قضيتان جرتا ليعلى
وأجيره فِي وَقت أَو وَقْتَيْنِ، وَقَالَ شَيخنَا زين
الدّين فِي شرح التِّرْمِذِيّ لَيْسَ فِي شَيْء من طرق
مُسلم أَن يعلى هُوَ المعضوض، بل وَلَا فِي شَيْء من
الْكتب السِّتَّة، وَالَّذِي عِنْد مُسلم: أَن أجِير يعلى
هُوَ المعضوض وَيتَعَيَّن أَن يعلى هُوَ العاض، وَالله
أعلم. قَوْله: فَنزع يَده من فَمه هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني: من فَمه، وَفِي رِوَايَة غَيره: من فِيهِ.
قَوْله: فَوَقَعت ثنيتاه كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
ثنيتاه، بالتثنية وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثناياه
بِصِيغَة الْجمع وَوَقع فِي رِوَايَة هِشَام عَن قَتَادَة:
فَسَقَطت ثنيته، بِالْإِفْرَادِ، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: فندرت ثنيته، والتوفيق بَين هَذِه
الرِّوَايَات أَن الِاثْنَيْنِ يُطلق عَلَيْهِمَا صِيغَة
الْجمع وَأَن رِوَايَة الْإِفْرَاد على إِرَادَة الْجِنْس،
كَذَا قيل، وَلَكِن يُعَكر عَلَيْهِ رِوَايَة مُحَمَّد بن
عَليّ: فَانْتزع إِحْدَى ثنيتيه، فعلى هَذَا يحمل على
التَّعَدُّد. قَوْله: كَمَا يعَض الْفَحْل هُوَ الذّكر من
الْحَيَوَان. قَوْله: لَا دِيَة لَك هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني: لَا دِيَة لَك وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا
دِيَة لَهُ، وَفِي رِوَايَة هِشَام: فأبطله، وَقَالَ:
أردْت أَن تَأْكُل لَحْمه؟ .
6893 - حدّثنا أبُو عَاصِمِ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنْ
عَطاءٍ، عنْ صَفْوانَ بنِ يَعْلَى، عنْ أبِيهِ قَالَ:
خَرَجْتُ فِي غَزْوَةٍ فَعَضَّ رَجُلٌ فانْتَزَعَ
ثَنِيَّتَهُ، فأبْطَلَها النبيُّ
(24/52)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِيضَاح مَا
أبهم فِي الحَدِيث السَّابِق.
وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل، وَابْن
جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج
الْمَكِّيّ، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ،
وَصَفوَان بن يعلى يروي عَن أَبِيه يعلى بِوَزْن يرضى من
الْعُلُوّ بِالْعينِ الْمُهْملَة ابْن منية بِضَم الْمِيم
وَسُكُون النُّون وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي أمه،
وَأما اسْم أَبِيه: فأمية، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقَالَ أَبُو عمر: يعلى
بن أُميَّة بن أبي عُبَيْدَة التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي
وَيُقَال لَهُ: يعلى بن منية، ينْسب حينا إِلَى أَبِيه
وحيناً إِلَى أمه، أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنيناً
والطائف وتبوك، وَقتل سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ مَعَ عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بصفين بعد أَن شهد الْجمل مَعَ
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهَذَا السَّنَد
وَقع هُنَا بعلو دَرَجَة وَمضى فِي الْإِجَارَة وَالْجهَاد
والمغازي من طَرِيق ابْن جريج بنزول، لَكِن سَاقه فِيهَا
بأتم مِمَّا هُنَا.
قَوْله فِي غَزْوَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي غزَاة،
وَثَبت ذَلِك فِي رِوَايَة سُفْيَان أَنَّهَا غَزْوَة
تَبُوك، وَمثله فِي رِوَايَة ابْن علية بِلَفْظ: جَيش
الْعسرَة، وَأبْعد من قَالَ: إِنَّه كَانَ فِي سفر كَانَ
فِيهِ الْإِحْرَام بِعُمْرَة، وَاعْتمد فِي هَذَا على مَا
رُوِيَ من حَدِيث يعلى فِي: بَاب من أحرم جَاهِلا
وَعَلِيهِ قَمِيص ... الحَدِيث وَفِيه: عض رجل يَد رجل
فَانْتزع ثنيته فأبطله النَّبِي صلى الله تَعَالَى
عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن هَذَا مَحْمُول على أَن الرَّاوِي
سمع الْحَدِيثين فأوردهما مَعًا عاطفاً لأَحَدهمَا على
الآخر بِالْوَاو الَّتِي لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب.
قَوْله: فعض رجل فَانْتزع ثنيته كَذَا وَقع هُنَا عِنْد
البُخَارِيّ بالاختصار المجحف، وَقد بَينه
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن ابْن جريج
وَلَفظه: قَاتل رجل آخر فعض يَده فَانْتزع يَده فاندرت
ثنيته. قَوْله: فأبطلها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: حكم بِأَن لَا ضَمَان على المعضوض. |