عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 19 - (بابٌ السِّنُّ بالسِّنِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ السن يقْلع فِي مُقَابلَة السن إِذا
قلعه أحد، وَقَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على قلع السن
بِالسِّنِّ فِي الْعمد. وَاخْتلفُوا فِي سَائِر عِظَام
الْجَسَد، فَقَالَ مَالك: فِيهَا الْقود إلاَّ مَا كَانَ
مخوفا أَو كَانَ كالمأمومة والمنقلة والهاشمة فَفِيهَا
الدِّيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَاللَّيْث
وَالْحَنَفِيَّة: لَا قصاص فِي عظم غير السن لِأَن دون
الْعظم حَائِل من جلد وَلحم وَعصب تتعذر مَعَه
الْمُمَاثلَة، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: اتَّفقُوا على أَنه
لَا قصاص فِي عظم الرَّأْس فَيلْحق بِهِ سَائِر الْعِظَام،
وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ وجود النَّص
فَإِن فِي حَدِيث الْبَاب أَنَّهَا كسرت الثَّنية فَأمرت
بِالْقصاصِ مَعَ أَن الْكسر لَا تطرد فِيهِ الْمُمَاثلَة.
قلت: لَا يرد مَا ذكره لِأَن مُرَاده من قَوْله: سَائِر
الْعِظَام هِيَ الَّتِي لَا تتَحَقَّق فِيهَا
الْمُمَاثلَة.
6894 - حدّثنا الأنْصارِيُّ، حدّثنا حُمَيْدٌ، عنْ أنسٍ،
رَضِي الله عَنهُ، أنَّ ابْنَةَ النَّضْرِ لَطَمَتْ
جارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَها، فأتَوْا النَّبيَّ
فأمَرَ بِالقِصاصِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والأنصاري هُوَ مُحَمَّد
بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس بن مَالك أَبُو
عبد الله الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ، وَحميد بِالضَّمِّ
الطَّوِيل.
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الموفي للعشرين من ثلاثيات
البُخَارِيّ، وَسَماهُ البُخَارِيّ فِي سُورَة الْبَقَرَة
حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ
حَدثنَا حميد أَن أنسا حَدثهمْ عَن النَّبِي قَالَ: كتاب
الله الْقصاص ...
قَوْله: إِن ابْنة النَّضر هِيَ الرّبيع بِضَم الرَّاء
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف، بنت النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَهُوَ جد أنس بن مَالك بن النَّضر بن
ضَمْضَم، وَالربيع الْمَذْكُورَة عمَّة أنس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَتقدم فِي التَّفْسِير بِهَذَا السَّنَد:
أَن الرّبيع عمته، وَفِي تَفْسِير الْمَائِدَة من رِوَايَة
الْفَزارِيّ عَن حميد عَن أنس: كسرت عمَّة أنس، وَلأبي
دَاوُد من طَرِيق مُعْتَمر عَن حميد عَن أنس: كسرت الرّبيع
أُخْت أنس بن النَّضر. قَوْله: لطمت جَارِيَة وَفِي
رِوَايَة الْفَزارِيّ: جَارِيَة من الْأَنْصَار، وَفِي
رِوَايَة مُعْتَمر: امْرَأَة، بدل: جَارِيَة، وَهَذَا
يُوضح أَن المُرَاد بالجارية الْمَرْأَة الشَّابَّة لَا
الْأمة الرقيقة. قَوْله: فَأتوا النَّبِي أَي: فَأتى أهل
الْجَارِيَة النَّبِي فطلبوا الْقصاص فَأمر بِالْقصاصِ
وَقَالَ الْكرْمَانِي: سبق آنِفا أَنَّهَا جرحت، وَقَالَ
هَاهُنَا: كسرت، وَالْجرْح غير الْكسر، ثمَّ أجَاب عَن
ذَلِك فَنحْن نذكرهُ بِأَحْسَن مِنْهُ. فَقَوله: سبق
آنِفا، أَشَارَ بِهِ
(24/53)
إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور فِي: بَاب
الْقصاص بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَقد مر عَن قريب،
وَالْجَوَاب: أَنه ورد فِي الرّبيع حديثان مُخْتَلِفَانِ
وحكمان اثْنَان فِي قضيتين مختلفتين لجارية وَاحِدَة، أحد
الْحكمَيْنِ فِي جِرَاحَة جرحتها الرّبيع إنْسَانا فَقضى
بِالْقصاصِ من تِلْكَ الْجراحَة، فَحَلَفت أَنه لَا تقتص
مِنْهَا، فأبر الله قسمهَا وَرَضوا بِالدِّيَةِ.
وَالثَّانِي: فِي ثنية امْرَأَة كسرتها فَقضى بِالْقصاصِ،
فَحلف أَخُوهَا أنس بن النَّضر أَن لَا تقتص مِنْهَا،
وَرَضوا بِالْأَرْشِ، وَكَانَ هَذَا قبل أحد، لِأَن أنس بن
النَّضر قتل يَوْم أحد.
20 - (بابُ دِيةِ الأصابِعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دِيَة الْأَصَابِع هَل هِيَ
مستوية أَو مُخْتَلفَة؟ .
6895 - حدّثنا آدَمُ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قتادَةَ، عنْ
عِكْرِمَةَ، عنِ ابْن عَبَّاسٍ عَن النَّبيِّ قَالَ:
هاذِهِ وهاذِهِ سَواءٌ يعْني: الخِنْصَرَ والإبْهامَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الحكم فِي
التَّرْجَمَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن نصر بن
عَليّ وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار
عَن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن نصر بن عَليّ
بِهِ وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن
مُحَمَّد وَغَيره.
قَوْله: سَوَاء يَعْنِي: فِي الدِّيَة، والخنصر
بِالْكَسْرِ الإصبع الصُّغْرَى.
وَثَبت فِي كتاب الدِّيات الَّذِي كتبه سيدنَا رَسُول الله
لآل عَمْرو بن حزم أَنه قَالَ فِي: الْيَد خَمْسُونَ من
الْإِبِل فِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل، وَأجْمع
الْعلمَاء على أَن فِي الْيَد نصف الدِّيَة، وأصابع الْيَد
وَالرجل سَوَاء، وعَلى هَذَا أَئِمَّة الْفَتْوَى، وَلَا
فضل لبَعض الْأَصَابِع عِنْدهم على بعض. وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: روينَا عَن عمر وَعلي وَعُرْوَة بن الزبير
تَفْضِيل بعض الْأَصَابِع على بعض، روى الثَّوْريّ
وَحَمَّاد بن زيد بن يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمسيب: أَن
عمر جعل فِي الْإِبْهَام خمس عشرَة وَفِي البنصر تسعا،
وَفِي الْخِنْصر سِتا، وَفِي السبابَة وَالْوُسْطَى عشرا
عشرا. حَتَّى وجد فِي كتاب الدِّيات عِنْد آل عَمْرو بن
حزم أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ:
الْأَصَابِع كلهَا سَوَاء فَأخذ بِهِ وَترك الأول.
وَرَوَاهُ جَعْفَر بن عون عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن
الْمسيب قَالَ: قضى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي
الْإِبْهَام بِثَلَاث عشرَة وَالَّتِي تَلِيهَا بثنتي
عشرَة وَفِي الْوُسْطَى بِعشْرَة وَفِي الَّتِي تَلِيهَا
بتسع وَفِي الْخِنْصر بست، وَلم يلْتَفت أحد من
الْفُقَهَاء إِلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ لما ثَبت فِي
حَدِيث الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس، وَحَدِيث عَمْرو بن حزم.
وَأما مفاصل الْأَصَابِع فَروِيَ عَن قَتَادَة عَن
عِكْرِمَة عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قضى
فِي كل أُنْمُلَة بِثلث دِيَة الإصبع، وَعَن عبد
الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن رجل عَن مَكْحُول عَن زيد بن
ثَابت أَنه قَالَ: فِي الإصبع الزَّائِدَة ثلث دِيَة
الإصبع، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا شَيْء فِيهَا، وَقَالَ
آخَرُونَ: فِيهَا حكم.
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا ابنُ أبي عَدِيَ،
عنْ شُعْبَةَ، عَن قتادَةَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ نَحْوَهُ
أَي: هَذَا طَرِيق آخر نَازل دَرَجَة من السَّنَد الأول من
أجل وُقُوع التَّصْرِيح بِسَمَاع ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي وَفِي الطَّرِيق الأول نوع إرْسَال صوري لروايته
بِلَفْظَة: عَن.
قَوْله: نَحوه أَي: نَحْو الحَدِيث السَّابِق. وَأخرجه
ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن أبي عدي بِلَفْظ:
الْأَصَابِع سَوَاء، وَابْن أبي عدي مُحَمَّد وَاسم أبي
عدي إِبْرَاهِيم.
21 - (بابٌ إِذا أصابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ هَلْ يُعاقَبُ؟
أوْ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا أصَاب قوم من رجل يَعْنِي:
إِذا فجعوه، قَوْله: يُعَاقب، على بِنَاء الْمَجْهُول
كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة: يعاقبون
بِصِيغَة الْجمع وَفِي رِوَايَة: يعاقبوا، بِحَذْف النُّون
وَهِي لُغَة ضَعِيفَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت:
مَا مفعول قَوْله: يُعَاقب؟ . قلت: هُوَ من تنَازع
الْفِعْلَيْنِ فِي لفظ كلهم. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة
الْجمع بَين المعاقبة والاقتصاص؟ . قلت: الْغَالِب أَن
الْقصاص يسْتَعْمل فِي الدَّم والمعاقبة الْمُكَافَأَة
والمجازاة، مثل مجازاة اللد وَنَحْوه، فَلَعَلَّ غَرَضه
التَّعْمِيم، وَلِهَذَا فسرنا الْإِصَابَة بالتفجيع
(24/54)
ليتناول الْكل. قَوْله: أَو يقْتَصّ
مِنْهُم كلهم يَعْنِي إِذا قتل أَو جرح جمَاعَة شخصا
وَاحِدًا هَل يجب الْقصاص على الْجَمِيع أَو يتَعَيَّن
وَاحِد ليقتص مِنْهُ؟ وَلم يذكر الْجَواب اكْتِفَاء بِمَا
ذكره فِي الْبَاب، ولمكان الِاخْتِلَاف فِيهِ، فَروِيَ عَن
مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه قَالَ، فِي الرجل يقْتله
الرّجلَانِ: يقتل أَحدهمَا، وَيُؤْخَذ الدِّيَة من الآخر.
وَقَالَ الشّعبِيّ، فِي الرجل يقْتله النَّفر: يدْفع إِلَى
أَوْلِيَاء الْمَقْتُول فيقتلون من شاؤوا ويعفون عَمَّن
شاؤوا، وَنَحْوه عَن ابْن الْمسيب وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم.
وَمذهب جُمْهُور الْعلمَاء أَن جمَاعَة إِذا قتلوا
وَاحِدًا قتلوا بِهِ أجمع، وَرُوِيَ نَحوه عَن عَليّ
والمغيرة بن شُعْبَة وَعَطَاء، وَرُوِيَ عَن عبد الله بن
الزبير ومعاذ: أَن لوَلِيّ الْقَتِيل أَن يقتل وَاحِدًا من
الْجَمَاعَة وَيَأْخُذ بَقِيَّة الدِّيَة من البَاقِينَ،
مثل أَن يقْتله عشرَة أنفس فَلهُ أَن يقتل وَاحِدًا
مِنْهُم وَيَأْخُذ من التِّسْعَة تِسْعَة أعشار الدِّيَة،
وَبِه قَالَ ابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ، وَقَالَت
الظَّاهِرِيَّة: لَا قَود على وَاحِد مِنْهُم أصلا
وَعَلَيْهِم الدِّيَة، وَبِه، قَالَ ربيعَة، وَهُوَ خلاف
مَا أَجمعت عَلَيْهِ الصَّحَابَة.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ عنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدا
عَلى رَجُل أنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ عَليٌّ، ثُمَّ جَاءَا
بِآخَرَ وَقَالا: أخْطَأْنا، فأبْطَلَ شَهَادَتْهما
وأُخِذا بِدِيَةِ الأوَّلِ، وَقَالَ: لوْ عَلِمْتُ
أنَّكُما تَعَمَّدْتُما لَقَطعْتُكُما.
مطرف بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من التطريف بِالطَّاءِ
الْمُهْملَة وَالرَّاء ابْن طريف بِفَتْح الطَّاء وَكسر
الرَّاء، يروي عَن عَامر الشّعبِيّ.
قَوْله: شَهدا على رجل كَانَت الشَّهَادَة عِنْد عَليّ بن
أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَن الرجل
الْمَذْكُور سرق، فَقَطعه عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. لثُبُوت سَرقته عِنْده بِشَهَادَة هذَيْن
الِاثْنَيْنِ قَوْله: ثمَّ جَاءَا بآخر بِلَفْظ
التَّثْنِيَة أَي: ثمَّ جَاءَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عِنْد
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِرَجُل آخر، وَقَالا:
أَخْطَأنَا فِي ذَلِك، وَكَانَ السَّارِق هَذَا لَا ذَاك.
قَوْله: فَأبْطل أَي: عَليّ شَهَادَتهمَا هَذِه الَّتِي
وَقعت على الرجل الثَّانِي لِكَوْنِهِمَا صَارا متهمين.
قَوْله: وأخذا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: وَأخذ
الشَّاهِدَانِ الْمَذْكُورَان بدية الأول أَي: الرجل الأول
الَّذِي قطعت يَده، ويروى: وَأخذ بِالْإِفْرَادِ على
صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: وَأَخذهمَا عَليّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، بدية الرجل الأول. قَوْله: وَقَالَ أَي:
عَليّ: لَو علمت أنكما تعمدتما أَي: فِي شهادتكهما
لقطعتكما لِأَنَّهُمَا قد أقرا بالْخَطَأ فِيهِ، وَهَذَا
التَّعْلِيق رَوَاهُ الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أحد مشايخه عَن مطرف
الْمَذْكُور. وَفِي التَّلْوِيح رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن
بنْدَار عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَنهُ.
6896 - وَقَالَ لِي ابنُ بَشَّارٍ: حدّثنا يَحْياى، عنْ
عُبَيْدِ الله، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا، أنَّ غُلاماً قُتِلَ غيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ:
لَوِ اشْتَرَكَ فِيها أهْلُ صَنْعاءَ لَقَتَلْتُهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن بشار بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وبالراء
وَهُوَ مُحَمَّد بن بشار الْمَعْرُوف ببندار، وَيحيى هُوَ
ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
وَهَذَا الْأَثر مَوْصُول إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، بِسَنَد صَحِيح، وَرَوَاهُ ابْن أبي
شيبَة من وَجه آخر: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا الْعمريّ عَن
نَافِع عَن ابْن عمر: أَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قتل سَبْعَة من أهل صنعاء بِرَجُل،
وَقَالَ: لَو اشْترك فِيهِ أهل صنعاء لقتلتهم. قَوْله: قتل
على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: غيلَة بِكَسْر الْغَيْن
الْمُعْجَمَة أَي: غَفلَة وخديعة. قَوْله: فِيهَا أَي: فِي
هَذِه الفعلة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيهِ، وَهُوَ
أوجه. قَوْله: أهل صنعاء بِالْمدِّ بَلْدَة بِالْيمن،
وَهَذَا الْأَثر حجَّة لِلْجُمْهُورِ على أَن الْجمع يقتل
بِوَاحِد، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح كَأَن البُخَارِيّ
أَرَادَ بأثر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الرَّد على
مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: فِي الرجل يقْتله الرّجلَانِ
يقتل أَحدهمَا وَيُؤْخَذ الدِّيَة من الآخر، وَقد
ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَقَالَ مُغيرَةُ بنُ حَكِيمٍ عنْ أبِيهِ: إنَّ أرْبَعةَ
قَتَلُوا صَبِيّاً، فَقَالَ عُمَرُ ... مِثْلَهُ.
مُغيرَة بن حَكِيم الصَّنْعَانِيّ الْأَنْبَارِي،
وَثَّقَهُ يحيى وَالْعجلِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان،
وروى لَهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وأثره هَذَا مُخْتَصر من
الْأَثر الَّذِي وَصله عبد الله بن وهب وَمن طَرِيقه قَاسم
بن إصبغ والطَّحَاوِي
(24/55)
وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ ابْن وهب:
حَدثنِي جرير بن حَازِم أَن الْمُغيرَة بن حَكِيم
الصَّنْعَانِيّ حَدثهُ عَن أَبِيه: أَن امْرَأَة
بِصَنْعَاء غَابَ عَنْهَا زَوجهَا وَترك فِي حجرها ابْنا
لَهُ من غَيرهَا، غُلَاما يُقَال لَهُ: أصيل، فاتخذت
الْمَرْأَة بعد زَوجهَا خَلِيلًا، فَقَالَت لَهُ: إِن
هَذَا الْغُلَام يفضحنا، فاقتله فَأبى فامتنعت مِنْهُ،
فطاوعها فَاجْتمع على قتل الْغُلَام الرجل وَرجل آخر
وَالْمَرْأَة وخادمها، فَقَتَلُوهُ ثمَّ قطعُوا أعضاءه
وجعلوه فِي عَيْبَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْبَاء الْمُوَحدَة
الْمَفْتُوحَة، وَهِي وعَاء من أَدَم فطرحوه فِي ركية
بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَهِي الْبِئْر الَّتِي لم تطوَ فِي نَاحيَة
الْقرْيَة لَيْسَ فِيهَا مَاء ... فَذكر الْقِصَّة.
وَفِيه: فَأخذ خليلها فاعترف، ثمَّ اعْترف الْبَاقُونَ
فَكتب يعلى وَهُوَ يومئذٍ أَمِير بشأنهم إِلَى عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكتب إِلَيْهِ عمر
بِقَتْلِهِم. قَوْله: إِن أَرْبَعَة هم: خَلِيل الْمَرْأَة
وَرجل آخر وَالْمَرْأَة وخادمها. قَوْله: صَبيا هُوَ
الَّذِي ذكرنَا اسْمه الْآن، قَوْله: مثله أَي: مثل
قَوْله: لَو اشْترك فِيهَا أهل صنعاء لقتلتهم.
وأقادَ أبُو بَكْرٍ وابنُ الزُّبَيْرِ وعَلِيٌّ وسُوَيْدُ
بنُ مُقَرِّنٍ مِنْ لَطْمَةٍ.
أَي: أَمر بالقود أَبُو بكر الصّديق وَعبد الله بن الزبير
وَعلي بن أبي طَالب وسُويد بِضَم السِّين الْمُهْملَة ابْن
مقرن بِالْقَافِ وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالنون
الْمُزنِيّ من لطمة أَي: من أجل لطمة. وَهِي الضَّرْب على
الخد بالكف.
فأثر أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ ابْن
أبي شيبَة: عَن شَيبَان عَن شَبابَة عَن يحيى عَن شيبَة بن
الْحَضْرَمِيّ قَالَ: سَمِعت طَارق بن شهَاب يَقُول: لطم
أَبُو بكر يَوْمًا رجلا لطمة، فَقيل: مَا رَأينَا
كَالْيَوْمِ قطّ مَنعه ولطمه؟ فَقَالَ أَبُو بكر: إِن
هَذَا أَتَانِي يستحملني فَحَملته فَإِذا هُوَ يمنعهُم،
فَحَلَفت لَا أحملهُ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ قَالَ لَهُ:
اقْتصّ، فَعَفَا الرجل. وَأثر ابْن الزبير رَوَاهُ ابْن
أبي شيبَة أَيْضا عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَنهُ:
أَنه أقاد من لطمة. وَأثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي عبد الرحمان
المَسْعُودِيّ عبد الله بن عبد الْملك عَن نَاجِية أبي
الْحسن عَن أَبِيه: أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، قَالَ فِي رجل لطم رجلا، فَقَالَ للملطوم: اقْتصّ.
وَأثر سُوَيْد بن مقرن رَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان بن
سعيد عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم عَن الشّعبِيّ عَنهُ.
وأقادَ عُمَرُ منْ ضَرْبَةٍ بالدِّرَّةِ.
أَي: أقاد عمر بن الْخطاب من أجل ضَرْبَة بالدِّرة بِكَسْر
الدَّال وَتَشْديد الرَّاء وَهِي الْآلَة الَّتِي يضْرب
بهَا. وَأخرجه أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي تَارِيخه
بِسَنَد فِيهِ ضعف وَانْقِطَاع.
وأقادَ عَلِيٌّ مِنْ ثَلاثَةِ أسْواطٍ.
أَي: أقاد عَليّ بن أبي طَالب من أجل زِيَادَة الجالد على
المجلود ثَلَاثَة أسواط. وَأخرجه أَبُو بكر ابْن أبي
شيبَة: حَدثنَا أَبُو خَالِد عَن أَشْعَث عَن فُضَيْل عَن
عبد الله بن معقل قَالَ: كنت عِنْد عَليّ فَجَاءَهُ رجل
فساره فَقَالَ عَليّ: يَا قنبر أخرج هَذَا واجلده، ثمَّ
جَاءَهُ المجلود فَقَالَ: إِنَّه زَاد عليّ ثَلَاثَة
أسواط، فَقَالَ لَهُ عَليّ: مَا تَقول؟ قَالَ: صدق يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: خُذ السَّوْط واجلده ثَلَاث
جلدات، ثمَّ قَالَ: يَا قنبر إِذا جلدت فَلَا تتعد
الْحُدُود.
واقْتَصَّ شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ وخُمُوش.
أَي: اقْتصّ شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي من أجل سَوط
وخموش بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الخدوش وزنا
وَمعنى: وَأخرج هَذَا الْأَثر سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى شُرَيْح
فَقَالَ: أقدني من جلوازك فَسَأَلَهُ فَقَالَ: ازدحموا
عَلَيْك فضربته سَوْطًا، فأقاده مِنْهُ. وَأخرج ابْن أبي
شيبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن شُرَيْح أَنه أقاد من لطمة
وخموش. قلت: الجلواز، بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون اللَّام
وَآخره، زَاي هُوَ الشرطي، سمي بذلك لِأَن من شَأْنه حمل
الجلواز بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ السّير الَّذِي يشد فِي
الْوسط، وَعَادَة الشرطي أَن يربطه فِي وَسطه، وَقَالَ
اللَّيْث وَابْن الْقَاسِم: يُقَاد من الضَّرْب
بِالسَّوْطِ وَغَيره إلاَّ اللَّطْمَة فِي الْعين فَفِيهَا
الْعقُوبَة خشيَة على الْعين، وَالْمَشْهُور عَن مَالك،
وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين: لَا قَود فِي اللَّطْمَة إلاّ
(24/56)
َ إِن جرحت فَفِيهَا حُكُومَة، وَالسَّبَب
فِيهِ تعذر الْمُمَاثلَة، وَإِن كَانَت اللَّطْمَة على
الخد فَفِيهَا الْقود. وَقَالَت طَائِفَة: لَا قصاص فِي
اللَّطْمَة، رُوِيَ هَذَا عَن الْحسن وَقَتَادَة، وَهُوَ
قَول مَالك والكوفيين وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ
الشَّافِعِي: إِذا جرح فَفِيهِ حُكُومَة.
6897 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا يَحْياى عنْ سُفْيانَ،
حدّثنا مُوساى بنُ أبي عائشَةَ، عنْ عُبَيْدِ الله بن
عَبْدِ الله قَالَ: قالَتْ عائِشَةُ: لَدَدْنا رسولَ الله
فِي مَرَضِهِ، وجَعَلَ يُشِيرُ إلَيْنا: لَا تَلُدُّونِي.
قَالَ: فقُلْنا: كَراهِيَةُ المَرِيضِ بالدَّواءِ،
فَلَمَّا أفاقَ قَالَ: ألَمْ أنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّونِي؟
قَالَ: قُلْنا: كَراهِيَةٌ لِلدَّواءِ. فَقَالَ رسولُ الله
لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ لُدَّ، وَأَنا أنْظُرُ،
إلاّ العَبَّاسَ فإنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
هَذَا الحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي: بَاب الْقصاص بَين
الرِّجَال وَالنِّسَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو
بن عَليّ عَن يحيى إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه عَن مُسَدّد
عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن
أبي عَائِشَة الْهَمدَانِي عَن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة بن مَسْعُود. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَحَدِيث اللدود
لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقصاص لاحْتِمَال أَن يكون عُقُوبَة
لَهُم حَيْثُ خالفوا أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
شَارِح التراجم أما الْقصاص من اللَّطْمَة والدرة والأسواط
فَلَيْسَ من التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ من شخص وَاحِد، وَقد
يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْقود يُؤْخَذ من
هَذِه المحقرات فَكيف لَا يُقَاد من الْجمع من الْأُمُور
الْعِظَام كَالْقَتْلِ وَالْقطع وَأَشْبَاه ذَلِك.
قَوْله: لَا تلدوني بِالضَّمِّ، وَقيل بِالْكَسْرِ.
قَوْله: قَالَ أَي: قَالَ قَوْله: كَرَاهِيَة بِالنّصب
وَالرَّفْع قَوْله: بالدواء ويروى: للدواء. قَوْله: ألم
أنهكم؟ ويروى: ألم أنهكن؟ قَوْله: إلاَّ لد بِضَم اللَّام
وَتَشْديد الدَّال على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: وَأَنا
أنظر جملَة حَالية أَي: بحضوري وَحَالَة نَظَرِي إِلَيْهِ.
قَوْله: إلاَّ الْعَبَّاس اسْتثِْنَاء من أحد وَهُوَ لم
يكن حَاضرا وَقت اللد فَلَا قصاص عَلَيْهِ، وَمر الْكَلَام
فِيهِ فِي الْبَاب الْمَذْكُور فَليرْجع إِلَيْهِ.
22 - (بابُ القَسامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقسَامَة وأحكامها. والقسامة
بِفَتْح الْقَاف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة مصدر أقسم
قسما وقسامة، وَفِي بعض النّسخ: كتاب الْقسَامَة، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: هِيَ مُشْتَقَّة من الْقسم على الدَّم أَو
من قسمته الْيَمين انْتهى. يُقَال: أَقْسَمت إِذا حَلَفت،
وَقسمت قسَامَة لِأَن فِيهَا الْيَمين، وَالصَّحِيح
أَنَّهَا اسْم للأيمان. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّهَا
اسْم للأولياء الَّذين يحلفُونَ على اسْتِحْقَاق دم
الْمَقْتُول، وَقَالَ ابْن سَيّده: الْقسَامَة الْجَمَاعَة
يقسمون على الشَّيْء أَو يشْهدُونَ بِهِ، وَيَمِين
الْقسَامَة منسوبة إِلَيْهِم ثمَّ أطلقت على الْأَيْمَان
نَفسهَا.
وَقَالَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شَاهِداكَ أوْ يَمِينُهُ
قَالَ بَعضهم: أَشَارَ البُخَارِيّ بِذكرِهِ هُنَا إِلَى
تَرْجِيح رِوَايَة سعيد بن عبيد فِي حَدِيث الْبَاب: أَن
الَّذِي يبْدَأ فِي يَمِين الْقسَامَة الْمُدعى عَلَيْهِم.
قلت: الظَّاهِر أَن البُخَارِيّ ذهب إِلَى ترك الْقَتْل
بالقسامة لِأَنَّهُ صدر هَذَا الْبَاب، أَولا بِحَدِيث
الْأَشْعَث بن قيس وَالْحكم فِيهِ مَقْصُور على
الْبَيِّنَة أَو الْيَمين، ثمَّ ذكر عَن ابْن أبي مليكَة
وَعمر بن عبد الْعَزِيز بِالْإِرْسَال بِغَيْر إِسْنَاد،
وروى ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان عَن
الْحسن: أَن أَبَا بكر وَعمر وَالْجَمَاعَة الأول لم
يَكُونُوا يقتلُون بالقسامة، وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم
بِسَنَدِهِ: الْقود بالقسامة جور، وَفِي رِوَايَة أبي
معشر: الْقسَامَة يسْتَحق فِيهَا الدِّيَة وَلَا يُقَاد
فِيهَا، كَذَا قَالَه قَتَادَة.
والأشعث بِسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن قيس الْكِنْدِيّ
قدم على النَّبِي فِي سِتِّينَ رَاكِبًا من كِنْدَة وَأسلم
ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام بعد النَّبِي ثمَّ رَجَعَ
إِلَى الْإِسْلَام فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَمَات سنة أَرْبَعِينَ بعد قتل عَليّ بن
أبي طَالب،
(24/57)
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَرْبَعِينَ
يَوْمًا، وَصلى عَلَيْهِ الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا. وَحَدِيثه قد مضى مطولا مَوْصُولا فِي
كتاب الشَّهَادَات ثمَّ فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور.
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: لَمْ يُقِدْ بِها
مُعاوَيَةُ.
أَي: قَالَ عبد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه
زُهَيْر وَهُوَ جد عبد الله وَأَبوهُ عبد الرحمان نسب
إِلَى جده وَكَانَ قَاضِي ابْن الزبير، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: لم يقد بِضَم الْيَاء من أقاد
أَي: لم يقْتَصّ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، يَعْنِي: لم
يحكم بالقود فِي الْقسَامَة، وَوَصله حَمَّاد بن سَلمَة
فِي مُصَنفه عَن ابْن أبي مليكَة: سَأَلَني عمر بن عبد
الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن الْقسَامَة
فَأَخْبَرته أَن عبد الله بن الزبير أقاد بهَا، وَأَن
مُعَاوِيَة يَعْنِي ابْن أبي سُفْيَان لم يقد بهَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: روينَا عَن مُعَاوِيَة خِلَافه،
وَقَالَ ابْن بطال: وَقد صَحَّ عَن مُعَاوِيَة أَنه أقاد
بهَا.
وكَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَديِّ بن
أرْطاةُ وَكَانَ أمَّرَهُ عَلى البَصْرَةِ فِي قَتِيلٍ
وُجِدَ عنْدَ بَيْتٍ منْ بُيُوتِ السَّمَّانينَ: إنْ
وَجَدَ أصْحابُهُ بَيِّنةً وإلاَّ فَلا تَظْلِمِ النَّاسَ،
فإنَّ هاذا لَا يُقْضاى فِيهِ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
عدي بن أَرْطَاة غير منصرف الْفَزارِيّ من أهل دمشق.
قَوْله: وَكَانَ أمره أَي: جعله أَمِيرا على الْبَصْرَة
فِي سنة تسع وَتِسْعين وَقَتله مُعَاوِيَة بن يزِيد بن
الْمُهلب فِي آخر سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة. قَوْله: فِي
قَتِيل أَي: فِي أَمر قَتِيل. قَوْله: السمانين جمع سمان
وهم الَّذين يبيعون السّمن. قَوْله: إِن وجد الخ بَيَان
كتاب عمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ إِن وجد أَصْحَاب
الْقَتِيل بَيِّنَة فاحكم بهَا. قَوْله: وإلاَّ أَي: وَإِن
لم يجد أَصْحَاب الْقَتِيل بَيِّنَة فَلَا تظلم النَّاس
أَي: لَا تحكم بِشَيْء فِيهِ، فَإِن هَذِه الْقَضِيَّة من
القضايا الَّتِي لَا يحكم فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
لِأَن فِيهَا الشَّهَادَة على الْغَائِب، وَشَهَادَة من
لَا يصلح لَهَا. وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عبد
الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: دَعَاني عمر
بن عبد الْعَزِيز فَسَأَلَنِي عَن الْقسَامَة، وَقَالَ:
بدا لي أَن أردهَا. أَن الْأَعرَابِي يشْهد وَالرجل
الْغَائِب يَجِيء فَيشْهد. قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
إِنَّك لن تَسْتَطِيع ردهَا، قضى بهَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده، وَحدثنَا ابْن
نمير حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة أَن سُلَيْمَان بن يسَار
حدث أَن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
قَالَ: مَا رَأَيْت مثل الْقسَامَة قطّ أقيد بهَا، وَالله
تَعَالَى يَقُول: {واشهدوا ذوى عدل مِنْكُم} وَقَالَت
الأسباط: {وَمَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا} قَالَ
سُلَيْمَان: فَقلت: الْقسَامَة حق قضى بهَا رَسُول الله
6898 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سَعِيدُ بنُ
عُبَيْدٍ، عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسارٍ زَعَمَ أنَّ رَجُلاً
منَ الأنْصارِ يُقالُ لهُ: سَهْلُ بنُ أبي حَثْمَة
أخْبَرَهُ أنَّ نَفَراً مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى
خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيها، ووَجَدُوا أحَدَهُمْ
قَتِيلاً، وقالُوا لِلّذي وُجدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ
صاحِبَنا قالُوا: مَا قتَلْنا وَلَا عَلِمْنا قاتِلاً
فانْطَلَقُوا إِلَى النَّبيِّ فَقالُوا: يَا رسولَ الله
انْطَلَقْنا إِلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنا أحَدنا قَتيلاً.
فَقَالَ: الكُبْرَ الكُبْرَ فَقَالَ لَهُمْ: تَأْتُونَ
بِالبَيِّنَةِ عَلى مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: مَا لَنا
بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَيَحْلِفُونَ قالُوا: لَا نَرْضاى
بأيْمانِ اليَهُود، فَكَرِهَ رسولُ الله أنْ يُبْطِلَ
دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إبِلِ الصَّدَقَة.
أَي: ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مطابقاً لما قبله فِي
عدم الْقود فِي الْقسَامَة، وَأَن الحكم فِيهَا مَقْصُور
على الْبَيِّنَة وَالْيَمِين كَمَا فِي حَدِيث الْأَشْعَث.
وَأخرجه عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سعيد بن عبيد
أبي الْهُذيْل الطَّائِي الْكُوفِي عَن بشير بِضَم
(24/58)
الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء ابْن
يسَار بِفَتْح الْيَاء، آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين
الْمُهْملَة وبالراء الْمدنِي مولى الْأَنْصَار، وَقَالَ
ابْن سعد: كَانَ شَيخا كَبِيرا فَقِيها أدْرك عَامَّة
الصَّحَابَة، وَوَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ
وكناه مُحَمَّد بن إِسْحَاق: أَبَا كيسَان، وَهُوَ يروي
عَن سهل بن أبي حثْمَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَقَالَ الْحَافِظ
الْمزي: هُوَ سهل بن عبد الله بن أبي حثْمَة بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة واسْمه عَامر بن
سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ وكنيته أَبُو يحيى، وَقيل: أَبُو
مُحَمَّد. والْحَدِيث مضى فِي الصُّلْح وَفِي الْجِزْيَة
عَن مُسَدّد وَفِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَأخرجه
الطَّحَاوِيّ من أَربع طرق صِحَاح. الأول: قَالَ: حَدثنَا
يُونُس قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن يحيى بن سعيد سمع بشير
بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ: وجد عبد الله بن
سهل قَتِيلا فِي قليب من قُلُبِ خَيْبَر، فجَاء أَخُوهُ
عبد الرحمان بن سهل وعماه حويصة ومحيصة ابْنا مَسْعُود
إِلَى رَسُول الله فَذهب عبد الرحمان ليَتَكَلَّم فَقَالَ
النَّبِي الْكبر الْكبر ليَتَكَلَّم أحد عميه إِمَّا حويصة
وَإِمَّا محيصة، فَتكلم الْكَبِير مِنْهُمَا، فَقَالَ: يَا
رَسُول الله إِنَّا وجدنَا عبد الله بن سهل قَتِيلا فِي
قليب من قُلُب خَيْبَر، وَذكر عَدَاوَة الْيَهُود لَهُم،
قَالَ: أفتبرئكم الْيَهُود بِخَمْسِينَ يَمِينا أَنهم لم
يقتلوه؟ قَالَ: فَقلت: وَكَيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون؟
قَالَ: فَيقسم مِنْكُم خَمْسُونَ أَنهم قَتَلُوهُ؟
قَالُوا: كَيفَ نقسم على مَا لم نره، فوداه رَسُول الله من
عِنْده. وَإِنَّمَا ذكرنَا هَذَا لِأَنَّهُ كالشرح لحَدِيث
الْبَاب.
قَوْله: زعم أَي: قَالَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة ابْن نمير:
زعم، بل عِنْده: عَن سهل بن أبي حثْمَة الْأنْصَارِيّ أَنه
أخبرهُ. قَوْله: أَن نَفرا بِفَتْح النُّون وَالْفَاء
وَهُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع
على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة
إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَقد بَين
الطَّحَاوِيّ هَؤُلَاءِ النَّفر وهم: عبد الرحمان بن سهل
وعماه حويصة ومحيصة. قَوْله: ووجدوا أحدهم وَهُوَ عبد الله
بن سهل. قَوْله: وَقَالُوا للَّذي وجد فيهم أَي: للَّذين
وجد فيهم، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {وخضتم كَالَّذي
خَاضُوا} قَوْله: الْكبر الْكبر بِضَم الْكَاف فيهمَا
وَبِالنَّصبِ فيهمَا على الإغراء. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
الْكبر، بِضَم الْكَاف مصدر أَو جمع الْأَكْبَر أَو مُفْرد
بِمَعْنى الْأَكْبَر، يُقَال: هُوَ كبرهم أَي: أكبرهم،
ويروى: الْكبر بِكَسْر الْكَاف وَفتح الْبَاء أَي: كَبِير
السن أَي: قدمُوا الْأَكْبَر سنا فِي الْكَلَام. قَوْله:
أَن يبطل بِضَم الْيَاء من الْإِبْطَال وَيجوز فتحهَا من
الْبطلَان. قَوْله: فوداه مائَة وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني، بِمِائَة، بِزِيَادَة حرف الْبَاء. قَوْله: من
إبل الصَّدَقَة وَزعم بَعضهم أَنه غلط من سعيد بن عبيد
لتصريح يحيى بن سعيد من عِنْده. ووفق قوم بَين
الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه كَانَ اشْتَرَاهُ
من إبل الصَّدَقَة بِمَال دَفعه من عِنْده، أَي: من بَيت
المَال المرصد للْمصَالح، وَأطلق عَلَيْهِ الصَّدَقَة
بِاعْتِبَار الِانْتِفَاع بِهِ مجَّانا لما فِي ذَلِك من
قطع الْمُنَازعَة وَإِصْلَاح ذَات الْبَين.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام:
الأول: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْقسَامَة فِي الدَّم، وَهُوَ
أَمر كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فأقره رَسُول الله فِي
الْإِسْلَام، وتوقفت طَائِفَة عَن الحكم بالقسامة، رُوِيَ
ذَلِك عَن سَالم بن عبد الله بن عمر وَأبي قلَابَة وَعمر
بن عبد الْعَزِيز وَالْحكم بن عتيبة، وَقد ذكرنَا بعض
ذَلِك. الثَّانِي: أَن الْقَوْم إِذا اشْتَركُوا فِي معنى
من معَان الدَّعْوَى وَغَيرهَا كَانَ أولاهم أَن يبْدَأ
بالْكلَام أكبرهم. الثَّالِث: فِيهِ جَوَاز الْوكَالَة فِي
الْمُطَالبَة بالحدود. الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز وكَالَة
الْحَاضِر لِأَن ولي الدَّم فِيهِ هُوَ عبد الرحمان بن سهل
أَخُو الْقَتِيل وحويصة ومحيصة ابْنا عَمه. الْخَامِس:
فِيهِ كَيْفيَّة الْقسَامَة الْوَاجِبَة فِيهِ. وَقد
اخْتلفُوا فِيهَا، فَقَالَ يحيى بن سعيد وَأَبُو الزِّنَاد
وَرَبِيعَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَاللَّيْث بن
سعد: يسْتَحْلف المدعون بِالدَّمِ فَإِذا حلفوا استحقوا
مَا ادعوا، وَهَذَا فِي الْقسَامَة خَاصَّة وَهُوَ يخص
قَوْله الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من
أنكر، لما روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَآله وَسلم: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على
من أنكر إلاَّ فِي الْقسَامَة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ:
هَذَا الحَدِيث مَخْصُوص بِمَا أخبرنَا عَليّ بن بشير
أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ حَدثنَا عَبدة بن
سُلَيْمَان حَدثنَا مطرف بن عبد الله حَدثنَا الزنْجِي عَن
ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ:
الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر إلاَّ
فِي الْقسَامَة وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالْحسن بن صَالح
وسُفْيَان الثَّوْريّ وَعبد الرحمان
(24/59)
بن أبي ليلى وَعبد الله بن شبْرمَة وعامر
الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة
وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، رَحِمهم الله: يبْدَأ بأيمان
الْمُدعى عَلَيْهِم فَيحلفُونَ ثمَّ يغرمون الدِّيَة،
وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
وَأَجَابُوا عَن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب بِأَنَّهُ
مَعْلُول من خَمْسَة وُجُوه. الأول: أَن الزنْجِي هُوَ
مُسلم بن خَالِد شيخ الشَّافِعِي ضَعِيف، كَذَا قَالَ
الْبَيْهَقِيّ نَفسه فِي سنَنه فِي: بَاب من زعم أَن
التَّرَاوِيح بِالْجَمَاعَة أفضل، وَقَالَ ابْن
الْمَدِينِيّ: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ أَبُو زرْعَة
وَالْبُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. الثَّانِي: أَن ابْن جريج
لم يسمع من عَمْرو، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي
سنَنه فِي: بَاب وجوب الْفطْرَة على أهل الْبَادِيَة عَن
البُخَارِيّ: أَن ابْن جريج لم يسمع من عَمْرو. الثَّالِث:
الِاحْتِجَاج بِعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده
مُخْتَلف فِيهِ. الرَّابِع: أَن الزنْجِي مَعَ ضعفه خَالفه
عبد الرَّزَّاق وحجاج وَقَتَادَة فَرَوَوْه عَن ابْن جريج
عَن عَمْرو مُرْسلا، كَذَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي
سنَنه الْخَامِس: أَن الزنْجِي اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ.
قَالَ الذَّهَبِيّ: قَالَ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن
عُثْمَان الرَّازِيّ: حَدثنَا مُسلم بن خَالِد الزنْجِي
عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول
الله قَالَ: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على
من أنكر إلاَّ فِي الْقسَامَة
السَّادِس: من الْأَحْكَام فِيهِ أَن الْقَتِيل إِذا وجد
فِي الْمحلة فالقسامة وَالدية على أهل الْمحلة.
وَقَالَ أَبُو عمر: مَا نعلم فِي شَيْء من الْأَحْكَام
المروية عَن رَسُول الله فِي الِاضْطِرَاب والتضاد مَا فِي
هَذِه الْقَضِيَّة فَإِن الْآثَار فِيهَا متضادة متدافعة،
وَهِي قَضِيَّة وَاحِدَة. وَذكر أَبُو الْقَاسِم
الْبَلْخِي فِي معرفَة الرِّجَال عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ:
سَمِعت عَمْرو بن شُعَيْب يحلف فِي الْمَسْجِد الْحَرَام:
وَالله الَّذِي لَا إلاه إلاَّ هُوَ إِن حَدِيث سهل بن أبي
حثْمَة فِي الْقسَامَة لَيْسَ كَمَا حدث، وَلَقَد وهم.
وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد خطأ جمَاعَة من أهل الحَدِيث
حَدِيث سعيد بن عبيد وذموا البُخَارِيّ فِي تَخْرِيجه
وَتَركه رِوَايَة يحيى بن سعيد. قَالَ الْأصيلِيّ: أسْندهُ
عَن يحيى شُعْبَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الْوَهَّاب
الثَّقَفِيّ وَعِيسَى بن حَمَّاد وَبشر بن الْمفضل
وَهَؤُلَاء سِتَّة نفر أسندوه، وأرسله مَالك عَن يحيى بن
سعيد عَن بشير بن يسَار، وَلم يذكر سهل بن أبي حثْمَة.
وَقَالَ الْأَثْرَم: قَالَ أَحْمد: الَّذِي أذهب إِلَيْهِ
فِي الْقسَامَة حَدِيث بشير من رِوَايَة يحيى فقد وَصله
عَنهُ حفاظ وَهُوَ أصح من حَدِيث سعيد بن عبيد. وَقَالَ
النَّسَائِيّ: لَا أعلم أحدا تَابع سعيد بن عبيد على
رِوَايَته عَن بشير، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح قد ذكره
الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن بشير
مثله.
قلت: حَدِيث يحيى بن سعيد رَوَاهُ مُسلم من طرق عديدة
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ وَقَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد
حَدثنَا لَيْث عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل
بن أبي حثْمَة، قَالَ يحيى: وحسبت قَالَ: وَعَن رَافع بن
خديج أَنَّهُمَا قَالَا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد
ومحيصة بن مَسْعُود بن زيد حَتَّى إِذا كَانَا بِخَيْبَر
تفَرقا فِي بعض مَا هُنَالك، ثمَّ إِذا محيصة يجد عبد الله
بن سهل قَتِيلا، فدفنه ثمَّ أقبل إِلَى رَسُول الله هُوَ
وحويصة بن مَسْعُود وَعبد الرحمان بن سهل وَكَانَ أَصْغَر
الْقَوْم، فَذهب عبد الرحمان ليَتَكَلَّم قبل صَاحبه
فَقَالَ لَهُ رَسُول كبر الْكبر فِي السن، فَصمت وَتكلم
صَاحِبَاه وَتكلم مَعَهُمَا، فَذكرُوا لرَسُول الله مقتل
عبد الله بن سهل، فَقَالَ لَهُم: أتحلفون خمسين يَمِينا
فتستحقون صَاحبكُم؟ قَالُوا: كَيفَ نحلف وَلم نشْهد؟
قَالَ: فتبرئكم يهود بِخَمْسِينَ يَمِينا؟ قَالُوا: وَكَيف
نقبل أَيْمَان كفار؟ فَلَمَّا رأى ذَلِك رَسُول الله أعْطى
عقله.
6899 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا أبُو بِشْرٍ
إسْماعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ الأسَدِيُّ، حدّثنا الحَجَّاجُ
ابنُ أبي عُثمانَ، حدّثني أبُو رجاءٍ مِنْ آلِ أبي
قِلابَةَ، حدّثني أبُو قِلابَةَ أنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ
العزِيزِ أبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْماً لِلنَّاسِ، ثُمَّ
أذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي
القَسامَةِ؟ قَالَ: نَقُولُ: القَسامَةُ القَوَد بِها
حَقٌّ، وقَدْ أقادَتْ بِها الخُلَفاءُ. قَالَ لي: مَا
تَقُولُ يَا أَبَا قلَابَة؟ ونَصَبَنِي لِلنَّاسِ.
فَقُلْتُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُؤُوسُ
الأجْنادِ وأشْرافُ العَرَبِ، أرَأيْتَ لَوْ أنَّ
خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلى رَجُلٍ مُحْصَن
(24/60)
بِدِمَشْقَ أنَّهُ قَدْ زَنَى ولَمْ
يَرَوْهُ، أكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ:
أرَأيْتَ لَوْ أنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلى
رَجُلٍ بِحِمْصَ أنهُ سَرَقَ أكُنْتَ تَقْطَعُهُ ولَمْ
يَرَوْهُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَوَالله مَا قَتَلَ رسولُ
الله أحَداً قَط، إلاّ فِي إحْدَى ثَلاثِ خِصالٍ: رَجُلٌ
قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، أوْ رَجُلٌ زَنَى
بَعْدَ إحْصانٍ، أوْ رَجُلٌ حارَبَ الله ورَسُولَهُ
وارْتَدَّ عَنِ الإسْلاَمِ. فَقَالَ القَوْمُ: أوَ لَيْسَ
قَدْ حَدَّثَ أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله قَطَعَ فِي
السَّرَقِ، وسَمَرَ الأعْيُنَ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي
الشَّمْسِ؟ فَقُلْتُ: أَنا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أنَس.
حدّثني أنَس أنَّ نَفَراً مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً
قَدِمُوا عَلى رسولِ الله فَبَايَعُوهُ عَلى الإسْلامِ
فاسْتَوْخَمُوا الأرْضَ فَسَقِمَتْ أجْسامُهُمْ، فَشَكَوْا
ذالِكَ إِلَى رسولِ الله قَالَ: أفَلا تَخْرُجُونَ مَعَ
راعِينا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ ألْبانِها
وأبْوالِها قالُوا: بَلاى، فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ
ألْبانِها وأبْوالِها فَصَحُّوا فَقَتلُوا راعِيَ رسولِ
الله وأطْرَدُوا النَعَمَ، فَبَلَغَ ذالِكَ رسولَ الله
فأرْسَلَ فِي آثارِهِمْ، فأُدْركُوا فَجِيءَ بِهِمْ فأمَرَ
بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ وسَمَرَ
أعْيُنَهُمْ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ، حتَّى
ماتُوا. قُلْتُ: وأيُّ شيءٍ أشَدُّ مِمَّا صَنَعَ
هَؤُلاءِ؟ ارْتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ، وَقَتَلُوا،
وَسَرَقُوا. فَقَالَ عَنْبَسَةُ بنُ سَعيدٍ: وَالله إنْ
سَمِعْتُ كاليَوْمِ قَطُّ. فَقُلْتُ: أتَرُدُّ عَلَيَّ
حَدِيثِي يَا عَنْبَسَةُ؟ قَالَ: لَا، ولاكِنْ جِئْتَ
بِالحَدِيثِ عَلى وَجْهِهِ، وَالله لَا يَزالُ هاذا
الجُنْدُ بِخَيْرٍ مَا عاشَ هاذا الشَّيْخُ بَيْنَ
أظْهُرِهِمْ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ فِي هاذا سُنَّةٌ مِنْ
رسولِ الله دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِن الأنْصارِ
فَتَحَدَّثُوا عِنْدَهُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَيْن
أيْدِيهِمْ فقُتِلَ، فَخَرَجُوا بَعْدَهُ فَإِذا هُمْ
بِصاحِبِهِمْ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَرَجَعُوا إِلَى
رَسُول الله فقالُوا: يَا رسولَ الله صاحِبنا كَانَ
تَحَدَّثَ مَعَنا فَخَرَجَ بَيْنَ أيْدينا فَإِذا نَحْنُ
بِهِ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَخَرَجَ رسولُ الله
فَقَالَ: بِمَنْ تَظُنَّونَ أوْ تَرَوْنَ قَتْلَهُ؟
قالُوا: نَراى أنَّ اليَهُودَ قَتَلَتْهُ. فأرْسَلَ إِلَى
اليَهُودِ فَدَعاهُمْ، فَقَالَ: آنْتُمْ قَتَلْتُمْ هَذا؟
قالُوا: لَا. قَالَ: أتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنَ
اليَهُودِ مَا قَتَلُوهُ؟ فقالُوا: مَا يُبالُونَ أنْ
يَقْتُلونا أجْمَعِينَ، ثُم يَنْتَفِلُونَ. قَالَ:
أفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأيْمانِ خَمْسِينَ
مِنْكُمْ؟ قالُوا: مَا كنَّا لِنَحْلِفَ. فَوَداهُ مِنْ
عِنْدِهِ. قُلْتُ: وقَدْ كانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا
حَلِيفاً لَهُمْ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَطَرَقَ أهْلَ بَيْتٍ
مِنَ اليَمَنِ بِالبَطْحاءِ فانْتَبَهَ لهُ رَجُلٌ
مِنْهُمْ، فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَجاءَتْ
هُذَيْلٌ فأخَذُوا اليَمانِيَ فَرَفَعُوهُ إِلَى عُمَرَ
بِالمَوْسِمِ، وقالُوا: قَتَلَ صاحِبَنا. فَقَالَ:
إنَّهُمْ قَد خَلَعُوهُ. فَقَالَ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ
هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوهُ؟ قَالَ: فأقْسَمَ مِنْهُمْ
تِسْعَةٌ وأرْبَعُونَ رَجُلاً، وقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ
مِنَ الشَّأمِ، فَسَألُوهُ أنْ يُقْسِمَ فافْتَدَى
يَمِينَهُ مِنْهُمْ بألْفِ دِرْهَمٍ، فأدْخَلُوا مَكانَهُ
رَجُلاً آخَرَ، فَدَفَعَهُ إِلَى أخِي المَقْتُولِ،
فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ. قالُوا: فانْطَلَقْنا
والخَمْسُونَ الّذِينَ أقْسَمُوا، حتَّى إِذا كانُوا
بِنَخْلَةَ
(24/61)
أخَذَتْهُمُ السَّماءُ، فَدَخَلُوا فِي
غارٍ فِي الجَبَلِ فانْهَجَمَ الغارُ عَلى الخَمْسِينَ
الّذِينَ أقْسَمُوا، فَماتُوا جَمِيعاً، وأفْلَتَ
القَرينانِ واتَّبَعَهُما حَجَرٌ، فَكَسَرَ رِجْلَ أخِي
المَقْتُولِ، فَعاشَ حَوْلاً ثُمَّ مَاتَ. قُلْتُ: وقَدْ
كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنِ مَرْوانَ أقادَ رَجُلاً
بِالقَسامَةِ، ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ مَا صَنَعَ، فأمَرَ
بالخَمْسِينَ الذِينَ أقْسَمُوا، فَمَحُوا مِنَ الدِّيوانِ
وسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّامِ.
إِيرَاد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِن
الْحلف فِيهِ توجه أَولا على الْمُدعى عَلَيْهِ لَا على
الْمُدَّعِي كقصة النَّفر من الْأَنْصَار.
وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة هُوَ إِسْمَاعِيل الْمَشْهُور بِابْن علية
اسْم أمه الْأَسدي بِفَتْح السِّين مَنْسُوب إِلَى بني
أَسد بن خُزَيْمَة لِأَن أَصله بل من مواليهم، وَالْحجاج
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْجِيم الأولى
هُوَ الْمَعْرُوف بِالصَّوَابِ، وَاسم أبي عُثْمَان
ميسرَة، وَقيل: سَالم، وكنية الْحجَّاج أَبُو الصَّلْت،
وَيُقَال غير ذَلِك، وَهُوَ بَصرِي وَهُوَ مولى بني
كِنْدَة، وَأَبُو رَجَاء ضد الْخَوْف اسْمه سلمَان وَهُوَ
مولى أبي قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام عبد
الله بن زيد الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء،
وَوَقع هَاهُنَا من آل أبي قلَابَة. وَفِيه تجوز،
فَإِنَّهُ مِنْهُم بِاعْتِبَار الْوَلَاء لَا
بِالْأَصَالَةِ.
وَقد أخرجه أَحْمد فَقَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن
إِبْرَاهِيم حَدثنَا حجاج عَن أبي رَجَاء مولى أبي
قلَابَة، وَكَذَا عِنْد مُسلم عَن أبي شيبَة.
وَعمر بن عبد الْعَزِيز هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ. من
الْخُلَفَاء الرَّاشِدين. قَوْله: أبرز أَي: أظهر سَرِيره
وَهُوَ مَا جرت عَادَة الْخُلَفَاء بالاختصاص بِالْجُلُوسِ
عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بِهِ أَنه أخرجه إِلَى ظَاهر الدَّار
لَا إِلَى جِهَة الشَّارِع، وَكَانَ ذَلِك زمن خِلَافَته
وَهُوَ بِالشَّام. قَوْله: ثمَّ أذن لَهُم أَي: للنَّاس
فَدَخَلُوا عِنْده. قَوْله: الْقسَامَة الْقود بهَا حق
الْقسَامَة مُبْتَدأ. وَقَوله: الْقود مُبْتَدأ ثَان،
وَحقّ خَبره وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأولى وَمعنى
حق وَاجِب. قَوْله: الْخُلَفَاء نَحْو مُعَاوِيَة بن أبي
سُفْيَان وَعبد الله بن الزبير وَعبد الْملك بن مَرْوَان،
لِأَنَّهُ نقل عَنْهُم أَنهم كَانُوا يرَوْنَ الْقود
بالقسامة. قَوْله: يَا با قلَابَة أَصله: يَا أَبَا
قلَابَة، بِالْهَمْزَةِ حذفت للتَّخْفِيف، وَأَبُو قلَابَة
هُوَ الرَّاوِي فِي الحَدِيث. قَوْله: ونصبني قَالَ
الْكرْمَانِي أَي: أجلسني خلف سَرِيره للإفتاء ولإسماع
الْعلم. وَقيل: مَعْنَاهُ أبرزني لمناظرتهم، أَو لكَونه
خلف السرير فَأمره أَن يظْهر، وَهَذَا التَّفْسِير أحسن
ويساعده رِوَايَة أبي عوَانَة: وَأَبُو قلَابَة خلف السرير
قَاعد، فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا تَقول يَا أَبَا
قلَابَة؟ قَوْله: رُؤُوس الأجناد بِفَتْح الْهمزَة
وَسُكُون الْجِيم: جمع جند، وَهُوَ فِي الأَصْل
الْأَنْصَار والأعوان ثمَّ اشْتهر فِي الْمُقَاتلَة،
وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قسم الشَّام بعد
موت أبي عُبَيْدَة ومعاذ على كل أَرْبَعَة أُمَرَاء مَعَ
كل أَمِير جند، فَكَانَ كل من فلسطين ودمشق وحمص وقنسرين
يُسمى جنداً باسم الْجند الَّذين نزلوها. وَقيل: كَانَ
الرَّابِع الْأُرْدُن، وَإِنَّمَا أفردت قنسرين بعد ذَلِك
وَكَانَ أُمَرَاء الأجناد خَالِد بن الْوَلِيد، وَيزِيد بن
أبي سُفْيَان، وشرحبيل بن حَسَنَة، وَعَمْرو بن الْعَاصِ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: وأشراف الْعَرَب
وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن حَرْب: وأشراف النَّاس،
الْأَشْرَاف جمع شرف يُقَال: فلَان شرف قومه، أَي: رئيسهم
وكريمهم وَذُو قدر وَقِيمَة عِنْدهم يرفع النَّاس
أَبْصَارهم للنَّظَر إِلَيْهِ ويستشرفونه. قَوْله:
أَرَأَيْت؟ أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: بِدِمَشْق أَي: كَائِن
بِدِمَشْق بكسرالدال وَفتح الْمِيم وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة الْبَلَد الْمَشْهُور بِالشَّام ديار
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: بحمص بِكَسْر
الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم بلد مَشْهُور
بِالشَّام، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ:
لم يمثل أَبُو قلَابَة بِمَا شبهه لِأَن الشَّهَادَة
طريقها غير طَرِيق الْيَمين. وَقَالَ: وَالْعجب من عمر بن
عبد العزيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مكانته من
الْعلم كَيفَ لم يُعَارض أَبَا قلَابَة فِي قَوْله
وَلَيْسَ أَبُو قلَابَة من فُقَهَاء التَّابِعين، وَهُوَ
عِنْد النَّاس مَعْدُود فِي الْبَلَد؟ وَقَالَ صَاحب
التَّوْضِيح وَيدل على صِحَة مقَالَة الشَّيْخ أبي الْحسن
فِي الْفرق بَين الشَّهَادَة وَالْيَمِين أَنه عرض على
أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الْيَمين وَعلم أَنهم لم يحضروا
بِخَيْبَر. قَوْله: إلاَّ فِي إِحْدَى وَفِي رِوَايَة
أَحْمد بن حَرْب: إلاَّ بِإِحْدَى. قَوْله: قتل بجريرة
نَفسه بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ الذَّنب وَالْجِنَايَة أَي:
قتل نفسا بِمَا يجر إِلَى نَفسه من الذَّنب أَو
الْجِنَايَة أَي: قتل ظلما فَقتل قصاصا. قَوْله: فَقتل على
صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى: فَقتل، على صِيغَة الْمَعْلُوم
أَي: قَتله رَسُول الله
(24/62)
قيل: هَذَا الحَدِيث حجَّة على أبي قلَابَة
لِأَنَّهُ إِذا ثَبت الْقسَامَة فَقتل قصاصا أَيْضا.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ رُبمَا أجَاب بِأَنَّهُ بعد ثُبُوتهَا
لَا يسْتَلْزم الْقصاص لانْتِفَاء الشَّرْط. قَوْله: أَو
لَيْسَ؟ الْهمزَة للاستفهام وَالْوَاو للْعَطْف على
مُقَدّر لَائِق بالْمقَام. قَوْله: فِي السرق بِفَتْح
السِّين وَالرَّاء مصدر سرق سرقاً، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
السرق جمع سَارِق وبالكسر السّرقَة. قَوْله: وَسمر
الْأَعْين بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَمَعْنَاهُ:
كحلها بالمسامير. قَوْله: ثمَّ نبذهم أَي: طرحهم. قَوْله:
من عكل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف وَهِي
قَبيلَة. فَإِن قلت: قد تقدم فِي الطَّهَارَة: من
العرنيين؟ . قلت: كَانَ بَعضهم من عكل وَبَعْضهمْ من
العرنيين، وَثَبت كَذَلِك فِي بعض الطّرق. قَوْله:
ثَمَانِيَة بِالنّصب بدل من نفر. قَوْله: فاستوخموا
الأَرْض أَي: لم توافقهم وكرهوها، وَأَصله من الوخم
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، يُقَال: وخم الطَّعَام إِذا ثقل
فَلم يستمرىء فَهُوَ وخيم. قَوْله: فسقمت بِكَسْر الْقَاف.
قَوْله: أجسامهم وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن حَرْب:
أَجْسَادهم. قَوْله: مَعَ راعينا اسْمه يسَار ضد الْيَمين
النوبي بِضَم النُّون وبالباء الْمُوَحدَة. قَوْله:
واطردوا النعم أَي: ساقوا الْإِبِل. قَوْله: فأدركوا على
صِيغَة الْمَجْهُول وَهَذَا الحَدِيث قد مر أَكثر من عشر
مَرَّات. مِنْهَا فِي كتاب الْوضُوء: قَوْله: فَقَالَ
عَنْبَسَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ بِالسِّين الْمُهْملَة
ابْن سعيد الْأمَوِي أَخُو عَمْرو بن سعيد الْأَشْدَق
وَاسم جده الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة.
وَكَانَ عَنْبَسَة من خِيَار أهل بَيته، وَكَانَ عبد
الْملك بن مَرْوَان بعد أَن قتل أَخَاهُ عَمْرو بن سعيد
يُكرمهُ، وَله رِوَايَة وأخبار مَعَ الْحجَّاج بن يُوسُف،
وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. قَوْله: إِن سَمِعت
كَالْيَوْمِ قطّ كلمة: إِن بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون
النُّون بِمَعْنى: مَا، النافية ومفعول: سَمِعت، مَحْذُوف
تَقْدِيره: مَا سَمِعت قبل الْيَوْم مثل ماسمعت مِنْك
الْيَوْم. قَوْله: فَقلت: أترد عليّ؟ الْقَائِل، أَبُو
قلَابَة كَأَنَّهُ فهم من كَلَام عَنْبَسَة إِنْكَار مَا
حدث بِهِ. قَوْله: قَالَ: لَا أَي: قَالَ عَنْبَسَة: لَا
أرد عَلَيْك. قَوْله: هَذَا الشَّيْخ أَي: أَبُو قلَابَة.
قَوْله: وَقد كَانَ إِلَى قَوْله: فوداه من عِنْده من
كَلَام أبي قلَابَة، أورد فِيهِ لِأَنَّهُ قصَّة عبد الله
بن سهل الْمَذْكُورَة. قَوْله: فِي هَذَا قَالَ
الْكرْمَانِي أَي: فِي مثل هَذَا سنة، وَهِي أَنه يحلف
الْمُدعى عَلَيْهِ أَولا. قَوْله: دخل عَلَيْهِ إِلَى
قَوْله: وَقد كَانَت هُذَيْل بَيَان الْقِصَّة
الْمَذْكُورَة أَي: دخل على رَسُول الله فَقتل على صِيغَة
الْمَجْهُول، قَوْله: فَإِذا هم كلمة ... إِذا، للمفاجأة
قَوْله: يَتَشَحَّط بالشين الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ
والطاء الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي: يضطرب. قَوْله: فَخرج
رَسُول الله لَعَلَّه لما جاؤوه كَانَ فِي دَاخل بَيته أَو
فِي الْمَسْجِد فَخرج إِلَيْهِم فأجابهم. قَوْله: أَو
ترَوْنَ؟ بِضَم أَوله شكّ من الرَّاوِي وَهِي بِمَعْنى
تظنون. قَوْله: نرى بِضَم النُّون أَي: نظن أَن الْيَهُود
قتلته هَكَذَا بتاء التَّأْنِيث فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيره قَتله بِدُونِ
التَّاء، وَقَالَ بَعضهم فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
قتلنه بِصِيغَة الْجمع. قلت: هَذَا غلط فَاحش لِأَنَّهُ
مُفْرد مؤنث وَلَا يَصح أَن يَقُول: قتلنه، بالنُّون بعد
اللاَّم لِأَنَّهُ صِيغَة جمع الْمُؤَنَّث. قَوْله:
أَتَرْضَوْنَ نفل خمسين يَمِينا بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الْفَاء وَبِفَتْحِهَا، وَهُوَ الْحلف. وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: يُقَال نفلته فنفل أَي: حلفته فَحلف، وَنفل
وانتقل إِذا حلف، وأصل النَّفْل النَّفْي، يُقَال: نفلت
الرجل عَن نسبه أَي: نفيته، وَسميت الْيَمين فِي
الْقسَامَة نفلا لِأَن الْقصاص ينفى بهَا. قَوْله: ثمَّ
يَنْتَفِلُونَ من بَاب الافتعال أَي: ثمَّ يحلفُونَ.
قَوْله: بأيمان خمسين بِالْإِضَافَة أَو الْوَصْف. وَهُوَ
أولى. قَوْله: مَا كُنَّا لنحلف بِكَسْر اللَّام وبنصب
الْفَاء أَي: لِأَن نحلف. قَوْله: فَقلت الْقَائِل هُوَ
أَبُو قلَابَة. قَوْله: وَقد كَانَت هُذَيْل بِضَم الْهَاء
وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهِي الْقَبِيلَة
الْمَشْهُورَة، ينسبون إِلَى هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس
بن مُضر، وَهِي قصَّة مَوْصُولَة بالسند الْمَذْكُور إِلَى
أبي قلَابَة لَكِنَّهَا مُرْسلَة لِأَن أَبَا قلَابَة لم
يدْرك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: حليفاً
بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء، هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: خليعاً، بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة على وزن فعيل بِفَتْح
الْفَاء وَكسر الْعين، والخليع يُقَال لرجل قَالَ لَهُ
قومه: مَا لنا مِنْك وَلَا علينا، وَبِالْعَكْسِ. وتخالع
الْقَوْم إِذا نقضوا الْحلف فَإِذا فعلوا ذَلِك لم يطالبوه
بِجِنَايَة، فكأنهم خلعوا الْيَمين الَّتِي كَانُوا كتبوها
مَعَه، وَمِنْه سمي الْأَمِير إِذا عزل: خليعاً. قَوْله:
فطرق بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة أَي: هجم عَلَيْهِم
لَيْلًا. قَوْله: بالبطحاء أَي: ببطحاء مَكَّة، وَهُوَ
وَاد بهَا الَّذِي فِيهِ حَصَاة اللين فِي بطن المسيل،
والبطحاء
(24/63)
الْحَصَى الصغار. قَوْله: فانتبه لَهُ أَي:
للخليع الْمَذْكُور فَحَذفهُ أَي: رَمَاه بِسيف فَقتله.
قَوْله: فاخذوا الْيَمَانِيّ بتَخْفِيف الْيَاء أَي: الرجل
الْيَمَانِيّ. قَوْله: فَرَفَعُوهُ إِلَى عمر أَي:
فَرفعُوا أمره إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. قَوْله: بالموسمي بِكَسْر السِّين وَهُوَ الْوَقْت
الَّذِي يجْتَمع فِيهِ الْحَاج كل سنة كَأَنَّهُ وسم بذلك
الوسم، وَهُوَ مفعل مِنْهُ اسْم للزمان لِأَنَّهُ معلم
لَهُم يُقَال وسمه يسمه وسما وسمة إِذا أثر فِيهِ بَكَى.
قَوْله: قد خلعوا أَي: قد خلعوه. قَوْله: تِسْعَة
وَأَرْبَعُونَ رجلا فَإِن قلت: قَالَ عمر: يقسم خَمْسُونَ
رجلا من هُذَيْل. قلت: مثل هَذَا الْإِطْلَاق جَائِز من
بَاب إِطْلَاق الْكل وَإِرَادَة الْجُزْء، أَو المُرَاد
الْخَمْسُونَ تَقْرِيبًا. قَوْله: بنخلة بِفَتْح النُّون
وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة مَوضِع على لَيْلَة من
مَكَّة وَلَا ينْصَرف. قَوْله: أخذتهم السَّمَاء أَي:
الْمَطَر. قَوْله: فانهجم الْغَار أَي: سقط. قَوْله:
فماتوا جَمِيعًا لأَنهم حلفوا كاذبين. قَوْله: وأفلت
القرينان أَخُو الْمَقْتُول وَالرجل الَّذِي أكمل الْخمسين
وهما اللَّذَان قرنت يَد أَحدهمَا بيد الآخر. وَقَوله:
أفلت على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: تخلص، يُقَال: أفلت
وتفلت وانفلت كلهَا بِمَعْنى تخلص. قَوْله: واتبعهما حجر
بتَشْديد التَّاء أَي: وَقع عَلَيْهِمَا بعد أَن خرجا من
الْغَار. قَوْله: قلت الْقَائِل هُوَ أَبُو قلَابَة.
قَوْله: فمحوا بِضَم الْمِيم من المحو. قَوْله: من
الدِّيوَان بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا وَهُوَ الدفتر
الَّذِي يكْتب فِيهِ أَسمَاء الْجَيْش وأصل الْعَطاء،
وَأول من دون الدِّيوَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَهُوَ فَارسي مُعرب. قَوْله: إِلَى الشَّام أَي: نفاهم،
وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن حَرْب: من الشَّام، وَهَذِه أوجه
لِأَن إِمَامَة عبد الْملك كَانَت بِالشَّام اللَّهُمَّ
إلاَّ أَن يُقَال: لما نفاهم كَانَ بالعراق لمحاربة مُصعب
بن الزبير، فحينئذٍ يكونُونَ من أهل الْعرَاق فنفاهم إِلَى
الشَّام، وَقَالَ الْقَابِسِيّ: عجبا لعمر بن عبد
الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَيفَ أبطل حكم
الْقسَامَة الثَّابِت بِحكم رَسُول الله وَعمل الْخُلَفَاء
الرَّاشِدين بقول أبي قلَابَة، وَهُوَ من جملَة
التَّابِعين؟ وَسمع مِنْهُ فِي ذَلِك قولا مُرْسلا غير
مُسْند مَعَ أَنه انقلبت عَلَيْهِ قصَّة الْأَنْصَار إِلَى
قصَّة خَيْبَر، فَركب إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لقلَّة
حفظه؟ وَكَذَا سمع حِكَايَة مُرْسلَة مَعَ أَنَّهَا لَا
تعلق بهَا بالقسامة إِذْ الْخلْع لَيْسَ قسَامَة، وَكَذَا
محو عبد الْملك لَا حجَّة فِيهِ، وَالله أعلم.
23 - (بابُ مَنِ اطّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقؤوا
عَيْنَهُ فَلاَ دِيَةَ لهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من اطلع فِي بَيت قوم ...
الخ قَوْله: اطلع، بتَشْديد الطَّاء. قَوْله: ففقؤوا عينه
أَي: ففقأ الْقَوْم عين المطلع. قَوْله: فَلَا دِيَة لَهُ،
جَوَاب: من أَي: فَلَا تجب الدِّيَة للمطلع قَالَ
الْجَوْهَرِي: فقأت عينه فَقَأَ وفقأتها تفقئه إِذا
بخصتها، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الفقء الشق والبخص،
وَمِنْه حَدِيث مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، أَنه فَقَأَ
ملك الْمَوْت.
6900 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ،
عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبِي بَكْرِ بنِ أنَسٍ، عنْ أنسٍ،
رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رجلا اطّلَعَ فِي بَعْضِ حُجَرِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ إلَيْهِ
بِمِشْقَصٍ أوْ بِمشاقِصَ وجَعَلَ يَخْتِلُهُ
لِيَطْعُنَهُ.
انْظُر الحَدِيث 6242 وطرفه
قيل: لَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ لَا دِيَة لَهُ. وَأجِيب
بِأَن فِي بعض طرقه التَّصْرِيح بذلك، وَقد جرت عَادَته
بِالْإِشَارَةِ إِلَى مَا ورد فِيهِ من ذَلِك، وَمر مثله
كثيرا.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَفِي بعض النّسخ:
حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان وَهُوَ مُحَمَّد بن الْفضل،
وَعبيد الله بن أبي بكر يروي عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِئْذَان عَن مُسَدّد، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَن رجلا قَالَ ابْن بشكوال عَن الْحسن بن مغيث:
إِنَّه الحكم بن الْعَاصِ بن أُميَّة. قَوْله: اطلع أَي:
نظر من علو. قَوْله: من حجر فِي بعض حجر النَّبِي قَالَ
الْكرْمَانِي: الْحجر أَولا البنية وَثَانِيا جمع
الْحُجْرَة. قلت: الْحجر، بِالْكَسْرِ الْحَائِط
وَالْمعْنَى أَنه اطلع من حَائِط فِي بعض حجر النَّبِي
وَهُوَ بِضَم الْحَاء وَفتح الْجِيم جمع حجرَة الدَّار.
قَوْله: بمشقص بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ النصل العريض.
قَوْله: أَو بمشاقص شكّ من الرَّاوِي هُوَ جمع مشقص،
ويروى: مشاقص، بِدُونِ الْبَاء فِي أَوله. قَوْله: يختله
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: يستغفله ويأتيه من حَيْثُ
يرَاهُ. قَوْله: ليطعنه بِضَم الْعين وَفتحهَا.
(24/64)
6901 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ،
حَدثنَا لَ يْثٌ، عنِ ابنِ شِهابٍ أنَّ سَهْلَ بنَ سَعْد
السَّاعِدِيَّ أخْبَرَهُ أنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ
فِي بابِ رسُولِ الله ومَعَ رسولِ الله مِدرًى يَحُكُّ
بِهِ رأسَهُ، فَلمَّا رآهُ رسولُ الله قَالَ: لَوْ أعْلَمُ
أنْ تَنْتَظِرَني لَطَعَنْتُ بهِ فِي عَيْنَيْكَ قَالَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جُعِلَ
الإذْنُ مِنْ قِبَلِ البَصَرِ
انْظُر الحَدِيث 5924 وطرفه
الْكَلَام فِي وَجه التَّرْجَمَة مثل الْكَلَام فِي
الحَدِيث السَّابِق. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب
الاسْتِئْذَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فِي جُحر بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء وَهُوَ
البخش أَو الشق فِي الْبَاب. قَوْله: فِي بَاب رَسُول الله
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من بَاب رَسُول الله
وَكَذَلِكَ من جُحر عِنْده. قَوْله: مذرى بِكَسْر الْمِيم
وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء مَقْصُورا منوناً
حَدِيدَة يسوى بهَا شعر الرَّأْس، وَقيل: هِيَ شَبيهَة
بالمشط. قَوْله: تنتظرني أَي: تنتظرني يَعْنِي: ماطعنت
لِأَنِّي كنت متردداً بَين نظره وَوَقفه غير نَاظر.
قَوْله: من قبل الْبَصَر بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة يَعْنِي: إِنَّمَا شرع الاسْتِئْذَان فِي
دُخُول الدَّار من جِهَة الْبَصَر لِئَلَّا يطلع على
عَورَة أَهلهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من جِهَة
النّظر.
6902 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ،
حَدثنَا أبُو الزِّناددِ عَن الأعْرَجِ، عنْ أبي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أبُو الْقَاسِم لَوْ أنَّ امْرءاً
اطّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصاةٍ
فَفَقأتَ عَيْنَهُ لمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُناحٌ
انْظُر الحَدِيث 6888
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لم يكن عَلَيْك
جنَاح أَي: حرج.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد
الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرحمان بن هُرْمُز.
قَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مضى فِي: بَاب بَدْء
السَّلَام، وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا. وَقَالَ صَاحب
التَّوْضِيح وَقد سلف فِي: بَاب من أَخذ حَقه أَو اقْتصّ
دون السُّلْطَان، وَلَيْسَ كَذَلِك أَيْضا، وَإِنَّمَا
الَّذِي سلف فِيهِ عَن أنس بن مَالك وَذكره الْمزي فِي
الْأَطْرَاف عَن البُخَارِيّ فِي كتاب الدِّيات وَلم يذكر
شَيْئا غَيره. قَوْله: فخذفته بِالْخَاءِ والذال المعجمتين
أَي: رميته، قيد بالحصاة لِأَنَّهُ لَو رَمَاه بِحجر ثقيل
أَو سهم مثلا تعلق بِهِ الْقصاص، وَفِي وَجه
للشَّافِعِيَّة: لَا ضَمَان مُطلقًا، وَلَو لم ينْدَفع
إلاَّ بذلك جَازَ. قَوْله: جنَاح أَي: خرج كَمَا ذكرنَا،
وَعند مُسلم من هَذَا الْوَجْه: مَا كَانَ عَلَيْك من
جنَاح.
وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز رمي من يتجسس، وَلَو لم
ينْدَفع، بالشَّيْء الْخَفِيف جَازَ بالثقيل، وَأَنه إِن
أُصِيبَت نَفسه أَو بعضه فَهُوَ هدر، وَذهب الْمَالِكِيَّة
إِلَى الْقصاص وَاعْتَلُّوا بِأَن الْمعْصِيَة لَا تدفع
بالمعصية، ورد بِأَن الْمَأْذُون فِيهِ إِذا ثَبت الْإِذْن
لَا يُسمى مَعْصِيّة، وَهل يشْتَرط الْإِنْذَار قبل
الرَّمْي؟ فِيهِ وَجْهَان للشَّافِعِيَّة، قيل: يشْتَرط
كدفع الصَّائِل وأصحهما: لَا.
24 - (بابُ العاقِلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْعَاقِلَة وَهُوَ جمع عَاقل،
وَهُوَ دَافع الدِّيَة وَسميت الدِّيَة عقلا تَسْمِيَة
بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْإِبِل كَانَت تعقل بِفنَاء ولي
الْقَتِيل، ثمَّ كثر الِاسْتِعْمَال حَتَّى أطلق الْعقل
على الدِّيَة، وَلَو لم يكن إبِلا، وَقيل: اشتقاقها من عقل
يعقل إِذا تحمل، فَمَعْنَاه أَنه يحمل الدِّيَة عَن
الْقَاتِل، وَقيل: من عقل يعقل إِذا منع وَدفع يدْفع،
وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة كل من قتل التجأ
إِلَى قومه لِأَنَّهُ يطْلب ليقْتل فيمنعون عَنهُ الْقَتْل
فسميت عَاقِلَة أَي: مَانِعَة. وَقَالَ ابْن فَارس: عقلت
الْقَتِيل أَي: أَعْطَيْت دِيَته، وعقلت عَنهُ إِذا التزمت
دِيَته فأديتها عَنهُ، والعاقلة: أهل الدِّيوَان وهم أهل
الرَّايَات وهم الْجَيْش الَّذين كتبت أَسمَاؤُهُم فِي
الدِّيوَان، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هم أهل
الْعَشِيرَة وَهِي الْعَصَبَات، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة:
عَاقِلَة الرجل من قبل الْأَب وهم عصبته، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْعَاقِلَة أَوْلِيَاء النِّكَاح، وَقَالَ
أَصْحَابنَا: إِن لم يكن الْقَاتِل من أهل الدِّيوَان
فعاقلته أهل حرفته، وَإِن لم يكن فَأهل حلفه.
(24/65)
6903 - حدّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ،
أخبرنَا ابنُ عُيَينَةَ، حدّثنا مُطرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ
الشعْبيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، قَالَ:
سألْتُ عَلِيّاً، رَضِي الله عَنهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ
شَيْءٌ مَا لَيْسَ فِي القُرْآنِ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مَا
لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: والّذِي فَلَقَ
الحَبَّةَ وَبَرَأ النّسَمَةَ مَا عِنْدَنا إلاَّ مَا فِي
القُرْآنِ، إلاّ فَهْماً يُعْطَى رجُلٌ فِي كِتابه وَمَا
فِي الصَّحِيفَةِ؟ . قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟
قَالَ: العَقْلُ، وفِكَاكُ الأسِيرِ، وأنْ لَا يُقْتَلَ
مُسْلِمٌ بِكافِرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْعقل وَهِي الدِّيَة.
وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان، ومطرف بِوَزْن اسْم فَاعل من
التطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة ابْن طريف بِالطَّاءِ
الْمُهْملَة أَيْضا، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل،
وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء
الْمُهْملَة وبالفاء اسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة
الْعلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سَلام
عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مطرف ... الخ.
قَوْله: (قَالَ مطرف كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي
رِوَايَة البَاقِينَ: حَدثنَا مطرف، وَكَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: لَيْسَ
فِي الْقُرْآن أَي: مَا كتبتموه عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء حفظتموه أَو لَا وَلَيْسَ المُرَاد
تَعْمِيم كل مَكْتُوب أَو مضبوط لِكَثْرَة الثَّابِت عَن
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من مرويه عَن النَّبِي
مِمَّا لَيْسَ فِي الصَّحِيفَة الْمَذْكُورَة. قَوْله: فلق
الْحبّ أَي: شقها. قَوْله: وبرأ النَّسمَة أَي: خلق
الْإِنْسَان. قَوْله: إلاَّ فهما اسْتثِْنَاء مُنْقَطع
أَي: لَكِن الْفَهم عندنَا هُوَ الَّذِي أعْطِيه الرجل،
وَقيل: حرف الْعَطف مُقَدّر أَي: وَفهم، وَقد مر فِي كتاب
الْعلم أَنه قَالَ: لَا إِلَّا كتاب الله أَو فهم أعْطِيه
رجل مُسلم، أَو مافي هَذِه الصَّحِيفَة. والفهم
بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَة وَهُوَ مَا يفهم من فحوى
كَلَامه ويستدرك من بَاطِن مَعَانِيه الَّتِي هِيَ غير
الظَّاهِر عَن نَصه، وَيدخل فِيهِ جَمِيع وُجُوه الْقيَاس،
قَالَه الْخطابِيّ. قَوْله: يعْطى رجل بِضَم الْيَاء على
صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: فِي كِتَابه أَي: فِي كتاب
الله عز وَجل. قَوْله: قلت الْقَائِل هُوَ أَبُو
جُحَيْفَة. قَوْله: الْعقل أَي: الدِّيَة أَي أَحْكَام
الدِّيَة. قَوْله: وفكاك الْأَسير بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح،
قَالَ الْكرْمَانِي: مر فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب حرم
الْمَدِينَة أَن فِيهَا أَيْضا: الْمَدِينَة حرم مَا بَين
عائر إِلَى كَذَا ... الحَدِيث، وَأجَاب بِأَن عدم
التَّعْرِيض لَيْسَ تعرضاً للعدم فَلَا مُنَافَاة. قَوْله:
وَأَن لَا يقتل الْمُسلم بِكَافِر احْتج بِهِ عمر بن عبد
الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر
على أَن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر، وَإِلَيْهِ ذهب أهل
الظَّاهِر، وَقَالَ ابْن حزم فِي الْمحلى وَإِن قتل مُسلم
عَاقل بَالغ ذِمِّيا أَو مستأمناً عمدا أَو خطأ فَلَا قَود
عَلَيْهِ وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة، لَكِن يُؤَدب فِي
الْعمد خَاصَّة، ويسجن حَتَّى يَتُوب كفا لضرره. وَقَالَ
الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُحَمّد بن أبي ليلى
وَعُثْمَان البتي وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَزفر، فِيمَا ذكره الرزاي: يقتل الْمُسلم بالكافر،
وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن
مَسْعُود، وَأَجَابُوا عَن ذَلِك: بِأَن المُرَاد لَا يقتل
مُؤمن بِكَافِر غير ذِي عهد، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ
فِي شرحنا لمعاني الْآثَار وللطحاوي، فَليرْجع إِلَيْهِ.
25 - (بابُ جنِينِ المَرأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جَنِين الْمَرْأَة.
والجنين على وزن قَتِيل حمل الْمَرْأَة مَا دَامَ فِي
بَطنهَا سمي بذلك لاستتاره، فَإِن خرج حَيا فَهُوَ ولد،
وَإِن خرج مَيتا فَهُوَ: سقط، سَوَاء كَانَ ذكرا أَو
أُنْثَى مَا لم يستهل صَارِخًا.
6904 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالِكٌ.
وحدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثنا مالِكٌ عَن ابْن شِهابٍ عنْ
أبي سَلمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ،
رَضِي الله عَنهُ، أنَّ امْرَأتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رمَتْ
إحْداهُما الأُخْرَى فَطَرَحَتْ، جَنِينَها، فقَضَى رسولُ
الله فِيها بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أوْ أمَةٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه عَن مَالك عَن
شيخين. أَحدهمَا: عَن عبد الله بن يُوسُف عَنهُ وَالْآخر:
عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَنهُ، وَسَقَطت رِوَايَة
إِسْمَاعِيل هُنَا لأبي ذَر.
وَمضى الحَدِيث فِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.
وَأخرجه مُسلم عَن يحيى
(24/66)
بن يحيى عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ
عَن أبي الطَّاهِر عَن مَالك.
قَوْله: أَن امْرَأتَيْنِ هما كَانَتَا ضرتين تَحت حمل بن
مَالك بن النَّابِغَة الْهُذلِيّ من هُذَيْل بن مدركة بن
إلْيَاس بن مُضر، نزل الْبَصْرَة، ذكره مُسلم فِي
تَسْمِيَة من روى عَن النَّبِي قلت: حمل بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَالْمِيم وَيُقَال حمله. قَوْله: رمت
إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَفِي رِوَايَة يُونُس وَعبد
الرحمان بن خَالِد: فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر،
وَزَاد عبد الرحمان: فَأصَاب بَطنهَا وَهِي حَامِل، وروى
أَبُو دَاوُد من طَرِيق حمل بن مَالك: فَضربت إِحْدَاهمَا
الْأُخْرَى بمسطح، وَعند مُسلم من طَرِيق عبيد بن نَضْلَة
عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: ضربت امْرَأَة ضَرَّتهَا
بعمود فسطاط وَهِي حُبْلَى فقتلتها، وَفِي رِوَايَة أبي
دَاوُد من حَدِيث بُرَيْدَة: أَن امْرَأَة حذفت امْرَأَة
أُخْرَى فطرحت جَنِينهَا، وَفِي رِوَايَة عبد الرحمان بن
خَالِد: فقتلت وَلَدهَا فِي بَطنهَا، وَفِي رِوَايَة
يُونُس: فقتلتها. قَوْله: غرَّة بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء، وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
الْغرَّة العَبْد نَفسه أَو الْأمة، وأصل الْغرَّة
الْبيَاض الَّذِي يكون فِي وَجه الْفرس، وَكَانَ أَبُو
عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: الْغرَّة عبد أَبيض أَو أمة
بَيْضَاء، وَسمي غرَّة لبياضه فَلَا يقبل فِي الدِّيَة عبد
أسود وَلَا جَارِيَة سَوْدَاء، وَلَيْسَ ذَلِك شرطا عِنْد
الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا الْغرَّة عِنْدهم مَا بلغ ثمنه
نصف عشر الدِّيَة من العبيد وَالْإِمَاء. قَوْله: عبد أَو
أمة قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قِرَاءَة الْعَامَّة
بِالْإِضَافَة يَعْنِي: بِإِضَافَة الْغرَّة إِلَى العَبْد
وَغَيرهم بِالتَّنْوِينِ. قلت: على هَذَا الْوَجْه يكون
العَبْد بَدَلا من الْغرَّة، وَحكى القَاضِي عِيَاض
الِاخْتِلَاف، وَقَالَ: التَّنْوِين أوجه لِأَنَّهُ بَيَان
للغرة مَا هِيَ، وَقَالَ الْبَاجِيّ: يحْتَمل أَن يكون:
أَو، شكا من الرَّاوِي فِي تِلْكَ الْوَاقِعَة لمخصوصة،
وَيحْتَمل أَن يكون للتنويع وَهُوَ الْأَظْهر، وَقيل:
الْمَرْفُوع من الحَدِيث قَوْله: بغرة وَأما قَوْله: عبد
أَو أمة فَمن الرَّاوِي، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد
جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات فِي هَذَا الحَدِيث: بغرة عبد
أَو أمة أَو فرس أَو بغل، وَقيل: إِن الْفرس والبغل غلط من
الرَّاوِي، ثمَّ إِن الْغرَّة إِنَّمَا تجب فِي الْجَنِين
إِذا سقط مَيتا وَإِن سقط حَيا ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ
الدِّيَة كَامِلَة.
6905 - حدّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ، حَدثنَا وُهَيْبٌ،
حدّثنا هِشامٌ، عنْ أبِيهِ عنِ المُغيرَةِ بنِ شُعْبَةَ
عنْ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ، أنّهُ اسْتَشارَهُمْ فِي
إملاَصِ المَرأةِ، فَقَالَ المُغِيرَةُ: قَضَى النبيُّ
بالْغُرَّةِ عَبْدٍ أوْ أمَةٍ قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ
مَعَكَ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلمَةَ أنّهُ شَهِدَ
النبيَّ قَضَى بِهِ.
الحَدِيث 6906 طرفه فِي: 6908، 7318
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووهيب هُوَ ابْن خَالِد،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات أَيْضا عَن
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب.
قَوْله: استشارهم أَي: اسْتَشَارَ الصَّحَابَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن هِشَام عَن
أَبِيه عَن الْمسور بن مخرمَة: اسْتَشَارَ النَّاس.
قَوْله: فِي إملاص الْمَرْأَة بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ
إِلْقَاء الْمَرْأَة وَلَدهَا مَيتا، وَسَيَجِيءُ فِي
الِاعْتِصَام من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة: عَن هِشَام عَن
أَبِيه عَن الْمُغيرَة سَأَلَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، عَن إملاص الْمَرْأَة وَهِي الَّتِي تضرب
بَطنهَا فتلقي جَنِينهَا، فَقَالَ: أَيّكُم سمع من
النَّبِي فِيهِ شَيْئا؟ قَوْله: فَقَالَ الْمُغيرَة فِيهِ
تَجْرِيد لِأَن السِّيَاق يَقْتَضِي أَن يَقُول: فَقلت.
قَوْله: فَشهد مُحَمَّد بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم
وَاللَّام الخزرخي البدري الْكَبِير الْقدر، مَاتَ سنة
ثَلَاث وَأَرْبَعين. قَوْله: أَنه شهد النَّبِي أَي:
حَضَره. وَفِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي قَالَ: ائْتِ بِمن
شهد مَعَك. أَي: قَالَ النَّبِي للْمُغِيرَة بن شُعْبَة:
ائْتِ من يشْهد مَعَك، قيل: خبر الْوَاحِد حجَّة يجب
قبُوله، فَلم طلب الشَّاهِد؟ وَأجِيب للتثبيت والتأكيد
وَمَعَ هَذَا فشهادته لم تخرج عَن خبر الْوَاحِد.
6907 - حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، عنْ هِشامٍ، عنْ
أبِيهِ أنَّ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ مَنْ سَمِعَ النبيَّ
قَضَي فِي السِّقْطِ. وَقَالَ المُغِيرَةُ: أَنا
سَمِعْتُهُ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عبْدٍ أوْ أمةٍ. قَالَ:
ائْتِ مَنْ يَشْهَد مَعَكَ عَلى هاذَا، فَقَالَ مُحَمَّدُ
بنُ مسْلَمَة: أَنا أشْهَدُ عَلى النبيِّ بِمِثْلِ هاذَا.
انْظُر الحَدِيث 6906 وطرفه
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهَذَا فِي
حكم الثلاثيات. لِأَن هشاماً تَابِعِيّ.
قَوْله: عَن أَبِيه عَن عمر هَذَا صورته
(24/67)
الْإِرْسَال لِأَن عُرْوَة لم يسمع عمر،
لَكِن تبين من الرِّوَايَة السَّابِقَة واللاحقة أَن
عُرْوَة حمله عَن الْمُغيرَة عَن عمر، وَإِن لم يُصَرح
بِهِ فِي هَذِه الرِّوَايَة. قَوْله: فَقَالَ الْمُغيرَة
كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة
غَيره بِالْوَاو. قَوْله: ائْتِ من يشْهد كَذَا بِصِيغَة
الْأَمر من الْإِتْيَان، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن
غير الْكشميهني: آنت؟ بِأَلف ممدودة ثمَّ نون سَاكِنة ثمَّ
تَاء مثناة من فَوق بِصِيغَة اسْتِفْهَام الْمُخَاطب على
إِرَادَة الاستثبات أَي: اأنت تشهد؟ ثمَّ استفهمه
ثَانِيًا: من يشْهد مَعَك؟ .
قَوْله: بِمثل هَذَا أَي: بِمثل مَا شهد الْمُغيرَة.
6908 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا
مُحَمَّدُ بنُ سابِقٍ، حدّثنا زَائِدةُ، حدّثنا هِشامُ بنُ
عُرْوَةَ، عنْ أبِيهِ أنّهُ سَمِعَ المُغِيرَةَ بنَ
شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عنْ عُمَرَ أنّهُ اسْتَشارَهُمْ فِي
إمْلاصِ المَرْأة. . مِثْلَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن مُحَمَّد بن عبد الله هُوَ
مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله الذهلي عَن مُحَمَّد بن
سَابق الْفَارِسِي الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ
بِدُونِ وَاسِطَة فِي: بَاب الْوَصَايَا، فَقَط وَهُوَ
يروي عَن زَائِدَة من الزِّيَادَة ابْن قدامَة بِضَم
الْقَاف الثَّقَفِيّ ... الخ.
قَوْله: مثله أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ
رِوَايَة وهيب الْمَذْكُورَة.
26 - (بابُ جَنِينِ المَرْأةِ وأنَّ العَقْلَ عَلى
الوالِدِ وعَصَبَةِ الوالِدِ لَا عَلى الوَلَد)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جَنِين الْمَرْأَة وَفِي
بَيَان أَن الْعقل أَي: الدِّيَة أَي: دِيَة الْمَرْأَة
المقتولة على الْوَالِد أَي على وَالِد القاتلة وعَلى
عصبته، وَذكر لفظ: الْوَالِد إِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي
بعض طرق الْقِصَّة. قَوْله: لَا على الْوَلَد قَالَ ابْن
بطال: يُرِيد أَن ولد الْمَرْأَة إِذا لم يكن من عصبتها
لَا يعقل عَنْهَا لِأَن الْعقل على الْعصبَة دون ذَوي
الْأَرْحَام، وَلذَلِك لَا تعقل الْإِخْوَة من الْأُم.
قَالَ: وَمُقْتَضى الْخَبَر أَن من يَرِثهَا لَا يعقل
عَنْهَا إِذا لم يكن من عصبتها، ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن
الْمُنْذر: وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَأبي ثَوْر وكل من أحفظ عَنْهُم.
6909 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ
عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعيدٍ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي
هُرَيْرةَ: أنَّ رسولَ الله قَضَى فِي جَنِينِ امْرأةٍ
مِنْ بَنِي لِحْيانَ بِغُرَّةٍ عبْد أوْ أمَةٍ، ثُمَّ إنَّ
المرْأةَ الّتي قَضَى عَلَيْها بالغُرَّةِ توُفِّيَتْ،
فَقَضَى رسولُ الله أنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وزَوْجِها،
وأنَّ العقْلَ عَلى عَصَبَتِها.
قيل: لَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِيجَاب الْعقل على الْوَالِد.
وَأجِيب بِأَن لفظ: الْوَالِد، قد ورد فِي بعض طرق
الحَدِيث، وعادته أَنه يترجم بِمثل هَذَا.
وَأخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث بن سعد عَن
مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ الخ، وَقد مضى فِي
الْفَرَائِض عَن قُتَيْبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: من بني لحيان بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وهم بطن من
هُذَيْل فَلَا مُنَافَاة بَينه وَبَين قَوْله فِيمَا تقدم:
إِنَّهَا من هُذَيْل. قَوْله: بغرة عبد أَو أمة
بِالْإِضَافَة أَو الْوَصْف كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب،
وَاخْتلفُوا لمن تكون هَذِه الْغرَّة، فَذكر ابْن حبيب أَن
مَالِكًا اخْتلف فِيهِ. قَوْله: فَمرَّة قَالَ: إِنَّهَا
لأمه، وَهُوَ قَول اللَّيْث. وَمرَّة قَالَ: إِنَّهَا بَين
الْأَبَوَيْنِ: الثُّلُثَانِ للْأَب وَالثلث للام. وَهُوَ
قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. قَوْله: وَأَن الْعقل
أَي: الدِّيَة أَي: وَقضى أَن عقل الْمَرْأَة الَّتِي
توفيت على عصبتها، وَهِي الَّتِي قضى عَلَيْهَا بالغرة
هِيَ المتوفاة حتف أنفها.
6910 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ، حدّثنا ابنُ وَهْب،
حَدثنَا يُونُسُ، عنِ ابنِ شِهاب، عنِ ابنِ المُسَيَّبِ
وَأبي سَلَمَة بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: اقْتَتَلَت
امْرَأتانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُما الأخُرَى
بِحَجَرٍ قَتَلَتْها وَمَا فِي بَطْنها، فاخْتَصَمُوا
إِلَى النبيِّ فَقَضَى أنَّ دِيَةَ جَنِينها
(24/68)
غرَّةٌ: عبْدٌ أوْ وَلِيدَةٌ، وقَضَى أنَّ
دِيَةَ المَرْأةِ عَلى عَاقِلَتِها.
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور
وَأخرجه عَن أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عبد
الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب
الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي سَلمَة بن عبد
الرحمان بن عَوْف ... إِلَى آخِره.
قَوْله: وَمَا فِي بَطنهَا أَي: وَقتل مَا فِي بطن
الْمَرْأَة وَهُوَ الْجَنِين. قَوْله: غرَّة بِالرَّفْع
لِأَنَّهُ خبر إِن وَاسْمهَا قَوْله: دِيَة جَنِينهَا
قَوْله: على عاقلتها هِيَ: عصبتها.
27 - (بابُ مَنِ اسْتَعَانَ عَبْداً أوْ صَبِيّاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اسْتَعَانَ من
الِاسْتِعَانَة وَهِي طلب العون هَكَذَا فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين: اسْتَعَانَ، بالنُّون وَفِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ والإسماعيلي: اسْتعَار بالراء من
الِاسْتِعَارَة وَهِي طلب الْعَارِية، وَوجه ذكر هَذَا
الْبَاب فِي كتاب الدِّيات هُوَ أَنه إِذا هلك العَبْد فِي
الِاسْتِعْمَال تجب الدِّيَة. وَاخْتلفُوا فِي دِيَة
الصَّبِي. وَفِي التَّوْضِيح إِن اسْتَعَانَ حرا بَالغا
مُتَطَوعا أَو بِإِجَارَة وأصابه شَيْء فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ عِنْد الْجَمِيع إِن كَانَ ذَلِك الْعَمَل لَا
غرر فِيهِ، وَإِنَّمَا يضمن من جنى وتعدى. وَاخْتلف إِذا
اسْتعْمل عبدا بَالغا فِي شَيْء فَعَطب، فَقَالَ ابْن
الْقَاسِم: إِن اسْتعْمل عبدا فِي بِئْر يحفرها وَلم
يَأْذَن لَهُ سَيّده فِي الْإِجَارَة فَهُوَ ضَامِن إِن
عطب، وَذَلِكَ إِذا بَعثه إِلَى سفر بِكِتَاب، وروى ابْن
وهب عَن مَالك: لَا ضَمَان عَلَيْهِ سَوَاء أذن لَهُ
سَيّده فِي الْإِجَارَة أَو لم يَأْذَن مِمَّا أصَاب،
إلاَّ أَن يَسْتَعْمِلهُ فِي غرر كَبِير لِأَنَّهُ لم
يُؤذن لَهُ فِيهِ.
ويُذْكَرُ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّمِ
الكُتَّابِ: ابْعَثْ إليَّ غِلْماناً يَنْفُشُون صُوفاً
وَلَا تَبْعَثْ إليَّ حُرّاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأم سَلمَة زوج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْمهَا: هِنْد. قَوْله:
قَوْله: معلم الْكتاب وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: معلم
كتاب، وَهُوَ بِضَم الْكَاف وَتَشْديد التَّاء، قَالَ
الْجَوْهَرِي: الْكتاب الكتبة وَالْكتاب أَيْضا والمكتب
وَاحِد، وَالْجمع: الكتاتيب وَالْمكَاتب. قَوْله: ينفشون
بِالْفَاءِ من نفشت الْقطن أَو الصُّوف أنفشه نفشاً وعهن
منفوش. قَوْله: وَلَا تبْعَث إِلَيّ بِكَسْر الْهمزَة
وَتَشْديد الْيَاء، كَذَا فِي رِوَايَة الْجُمْهُور،
وَذكره ابْن بطال بِلَفْظ: إلاَّ، الَّتِي هِيَ حرف
الِاسْتِثْنَاء، وَشَرحه على ذَلِك، وَهَذَا عكس معنى
رِوَايَة الْجُمْهُور، وَاشْتِرَاط أم سَلمَة أَن لَا
يُرْسل إِلَيْهَا حرا لِأَن الْجُمْهُور قَائِلُونَ: بِأَن
من اسْتَعَانَ صَبيا حرا لم يبلغ أَو عبدا بِغَيْر إِذن
مَوْلَاهُ فهلكا فِي ذَلِك الْعَمَل فَهُوَ ضَامِن لقيمة
العَبْد ولدية الصَّبِي الْحر على عَاقِلَته. وَقَالَ
الدَّاودِيّ: يحْتَمل فعل أم سَلمَة لِأَنَّهَا أمّهم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ غرضها من منع الْحر إكرام
الْحر وإيصال الْعِوَض لِأَنَّهُ على تَقْدِير هَلَاكه فِي
ذَلِك الْعَمَل لَا يضمنهُ، بِخِلَاف العَبْد فَإِن
الضَّمَان عَلَيْهَا لَو هلك بِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق
رَوَاهُ وَكِيع بن الْجراح عَن معمر عَن سُفْيَان عَن ابْن
الْمُنْكَدر عَن أم سَلمَة، وَهُوَ مُنْقَطع، لِأَن
مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر لم يسمع من أم سَلمَة، فَلذَلِك
ذكره البُخَارِيّ بِصِيغَة التمريض.
6911 - حدّثنا عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، أخبرنَا إسماعِيلُ
بنُ إبْرَاهِيمَ، عنْ عبْدِ العَزِيز، عنْ أنَسٍ قَالَ:
لمَّا قَدِمَ رسولُ الله المَدِينَةَ أخَذَ أبُو طَلْحَةَ
بِيَدِي فانْطَلَقَ بِي إِلَى رسولِ الله فَقَالَ: يَا
رَسُول الله إنَّ أنسا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ.
قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي الحَضَر والسَّفَر، فَوَالله مَا
قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هاذَا
هَكَذَا وَلَا لِشَيءٍ لَمْ أصْنَعْهُ: قَوْله: لمَ لَمْ
تَصْنَعْ هَذا هاكَذَا
انْظُر الحَدِيث 2768 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْخدمَة مستلزمة
للاستعانة، فيطابق الْجُزْء الْأَخير من التَّرْجَمَة.
وَعَمْرو بن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء الأولى
النَّيْسَابُورِي، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن
علية، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب.
والْحَدِيث مضى فِي الْوَصَايَا عَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: حَدثنَا عَمْرو وَفِي بعض النّسخ: حَدثنِي،
بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: أَخذ
(24/69)
أَبُو طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل
الْأنْصَارِيّ زوج أم سليم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: كيس بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف الْمَكْسُورَة وبالسين الْمُهْملَة أَي: طريف،
وَقيل: أَي عَاقل والكيس خلاف الأحمق. قَوْله: فليخدمك
بِضَم الْمِيم.
وَفِيه: حسن خلق النَّبِي وَأَنه مَا اعْترض عَلَيْهِ لَا
فِي فعل وَلَا فِي ترك.
28 - (بابٌ المَعْدِنُ جُبارٌ والبِئْرُ جُبارٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْمَعْدن جَبَّار بِضَم
الْجِيم وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: هدر لَا
شَيْء فِيهِ، وَمعنى: الْمَعْدن جَبَّار، هُوَ أَن يحْفر
معدناً فِي موَات أَو فِي ملكه فَيهْلك فِيهِ الْأَجِير
أَو غَيره مِمَّن يمر بِهِ، فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي
ذَلِك. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْمَعْدن جَبَّار إِذا
احتفر الرجل معدناً فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَلَا غرم
عَلَيْهِ، ذكره فِي تَفْسِير حَدِيث الْبَاب. قَوْله:
والبئر جَبَّار، يَعْنِي إِذا احتفر بِئْر للسبيل فِي ملك
أَو موَات فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَلَا غرم على صَاحبهَا،
وَيُقَال: المُرَاد بالبئر هُنَا العادية الْقَدِيمَة
الَّتِي لَا يعلم لَهَا مَالك، تكون فِي الْبَادِيَة
فَيَقَع فِيهَا إِنْسَان أَو دَابَّة فَلَا شَيْء فِي
ذَلِك على أحد.
6912 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حَدثنَا اللّيْثُ،
حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسيَّبِ وَأبي
سَلَمَة بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ
رسولَ الله قَالَ: العَجْماءُ جُرْحُها جُبارٌ، والبئْرُ
جُبارٌ، والمَعْدِنُ جُبارٌ، وَفِي الرِّكازِ الخُمُسُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة بعض
الحَدِيث. وَهَذَا الحَدِيث أخرجه بَقِيَّة الْأَئِمَّة
السّنة. فَمُسلم عَن يحيى بن يحيى وَغَيره، وَأَبُو دَاوُد
عَن مُسَدّد، وَالتِّرْمِذِيّ عَن أَحْمد بن منيع.
وَالنَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَابْن
مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِبَعْضِه وَعَن هِشَام
بن عمار وَمُحَمّد بن مَيْمُون بباقيه، وَكلهمْ قَالُوا
فِيهِ: عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة، وَهَكَذَا قَالَ
الإِمَام مَالك بن أنس، وَخَالفهُم يُونُس بن يزِيد
فَرَوَاهُ: عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعبيد
الله بن عبد الله بن عتبَة كِلَاهُمَا عَن أبي هُرَيْرَة،
رَوَاهُ كَذَلِك مُسلم وَالنَّسَائِيّ، وَقَول اللَّيْث
وَمَالك أصح، وَيجوز أَن يكون ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ
سَمعه من الثَّلَاثَة جَمِيعًا.
قَوْله العجماء مُبْتَدأ أَو قَوْله: جرحها بدل مِنْهُ
وَخَبره قَوْله: جَبَّار وَالْجرْح هُنَا بِفَتْح الْجِيم
مصدر، وَالْجرْح بِالضَّمِّ اسْم قَالَ القَاضِي: إِنَّمَا
عبر بِالْجرْحِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَب، أَو هُوَ مِثَال
مِنْهُ على مَا عداهُ، وَأما الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر
فِيهَا لفظ الْجرْح فَمَعْنَاه إِتْلَاف العجماء بِأَيّ
وَجه كَانَ بِجرح أَو غَيره جَبَّار أَي: هدر لَا شَيْء
فِيهِ والعجماء تَأْنِيث الْأَعْجَم وَهِي الْبَهِيمَة،
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فسره بعض أهل الْعلم فَقَالُوا:
العجماء الدَّابَّة المنفلتة من صَاحبهَا فَمَا أَصَابَت
فِي انفلاتها فَلَا غرم على صَاحبهَا. انْتهى. وَاحْتج
بِهِ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على أَنه
لَا ضَمَان فِيمَا أتلفته الْبَهَائِم مُطلقًا سَوَاء
فِيهِ الْجرْح وَغَيره، وَسَوَاء فِيهِ اللَّيْل
وَالنَّهَار، وَسَوَاء كَانَ مَعهَا أَو لَا إلاَّ أَن
يحملهَا الَّذِي مَعهَا على الْإِتْلَاف أَو يَقْصِدهُ
فحينئذٍ يضمن لوُجُود التَّعَدِّي مِنْهُ، وَهُوَ قَول
دَاوُد وَأهل الظَّاهِر، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد: إِن كَانَ مَعهَا أحد من مَالك أَو مُسْتَأْجر أَو
مستعير أَو مُودع أَو وَكيل أَو غَاصِب أَو غَيرهم وَجب
عَلَيْهِ ضَمَان مَا أتلفته، وحملوا الحَدِيث على مَا إِذْ
لم يكن مَعهَا أحد فأتلفت شَيْئا بِالنَّهَارِ أَو انفلتت
بِاللَّيْلِ بِغَيْر تَفْرِيط من مَالِكهَا فأتلفت شَيْئا،
وَلَيْسَ مَعهَا أحد. وَأجَاب أَصْحَاب أبي حنيفَة: بِأَن
الحَدِيث مُطلق عَام فَوَجَبَ الْعَمَل بِعُمُومِهِ، وَأما
التَّعَدِّي فخارج عَنهُ. قَوْله: والبئر جَبَّار قد مر
تَفْسِيره آنِفا، وَفِي رِوَايَة مُسلم: والبئر جرحها
جَبَّار، وَالْمرَاد بجرحها مَا يحصل للْوَاقِع فِيهَا من
الْجراحَة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اتّفقت الرِّوَايَات
الْمَشْهُورَة على التَّلَفُّظ بالبئر وَجَاءَت رِوَايَة
شَاذَّة بِلَفْظ: النَّار جَبَّار بنُون وَألف سَاكِنة قبل
الرَّاء وَمَعْنَاهُ عِنْدهم أَن من استوقد نَارا مِمَّا
يجوز لَهُ فتعدت حَتَّى أتلفت شَيْئا فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: صحفها بَعضهم لِأَن أهل
الْيمن يَكْتُبُونَ النَّار بِالْيَاءِ لَا بِالْألف فَظن
بَعضهم الْبِئْر بِالْبَاء الْمُوَحدَة: النَّار، بالنُّون
فرواها كَذَلِك. قَوْله: والمعدن جَبَّار قد مر تَفْسِيره.
قَوْله: وَفِي الرِّكَاز الْخمس بِكَسْر الرَّاء وَهُوَ
مَا وجد من دفن الْجَاهِلِيَّة مِمَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة
من ذهب أَو فضَّة، أَي: مِقْدَار مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة،
وَهُوَ النّصاب فَإِنَّهُ يجب فِيهِ الْخمس على سَبِيل
الزَّكَاة الْوَاجِبَة، كَذَا
(24/70)
قَالَ شَيخنَا فِي شرح التِّرْمِذِيّ ثمَّ
قَالَ: هَذَا عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء، وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَفِيه حجَّة على أبي حنيفَة
وَغَيره من الْعِرَاقِيّين حَيْثُ: قَالُوا: الرِّكَاز
هُوَ الْمَعْدن وجعلوهما لفظين مترادفين. وَقد عطف
الشَّارِع أَحدهمَا على الآخر، وَذكر لهَذَا حكما غير
الحكم الَّذِي ذكره فِي الأول. انْتهى. قلت: الْمَعْدن
هُوَ الرِّكَاز، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يذكر لَهُ حكما آخر
ذكره بِالِاسْمِ الآخر وَهُوَ: الرِّكَاز، وَلَو قَالَ:
وَفِيه الْخمس بِدُونِ أَن يَقُول: وَفِي الرِّكَاز الْخمس
لحصل الالتباس بِاحْتِمَال عود الضَّمِير إِلَى الْبِئْر،
وَقد أورد أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد عَن عَمْرو بن
شُعَيْب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كنز وجده رجل: إِن كنت وجدته
فِي قَرْيَة مسكونة، أَو فِي غير سَبِيل، أَو فِي سَبِيل
ميتاء فَعرفهُ، وَإِن كنت وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة أَو
فِي قَرْيَة غير مسكونة أَو فِي غير سَبِيل ميتاء، فَفِيهِ
وَفِي الرِّكَاز الْخمس. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَعطف
الرِّكَاز على الْكَنْز دَلِيل على أَن الرِّكَاز غير
الْكَنْز وَأَنه الْمَعْدن كَمَا يَقُوله أهل الْعرَاق،
فَهُوَ حجَّة لمخالف الشَّافِعِي. وَقَالَ الْخطابِيّ:
الرِّكَاز وَجْهَان: فَالْمَال الَّذِي يُوجد مَدْفُونا
لَا يعلم لَهُ مَالك ركاز، وعروق الذَّهَب وَالْفِضَّة
ركاز. قلت: وَعَن هَذَا قَالَ صَاحب الْهِدَايَة الرِّكَاز
يُطلق على الْمَعْدن وعَلى المَال المدفون. وَقَالَ أَبُو
عبيد الْهَرَوِيّ: اخْتلف فِي تَفْسِير الرِّكَاز أهل
الْعرَاق وَأهل الْحجاز، فَقَالَ أهل الْعرَاق: هِيَ
الْمَعَادِن، وَقَالَ أهل الْحجاز: هِيَ كنوز أهل
الْجَاهِلِيَّة، وكلٌّ مُحْتَمل فِي اللُّغَة، وَالْأَصْل
فِيهِ قَوْلهم: ركز فِي الأَرْض إِذا ثَبت أَصله.
29 - (بابٌ العَجْماءُ جُبارٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ العجماء جَبَّار، وَإِنَّمَا
أعَاد ذكر هَذَا بترجمة أُخْرَى لما فِيهَا من التفاريع
الزَّائِدَة على الْبِئْر والمعدن.
وَقَالَ ابنُ سِيرينَ: كانُوا لَا يُضَمِّنُونَ مِنَ
النّفْحَة ويُضَمِّنُونَ مِنْ ردِّ العنانِ.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: كَانُوا، أَي: الْعلمَاء
من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَا يضمنُون
بِالتَّشْدِيدِ من التَّضْمِين من النفحة بِفَتْح النُّون
وَسُكُون الْفَاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَهِي
الضَّرْبَة بِالرجلِ، يُقَال: نفحت الدَّابَّة إِذا ضربت
برجلها، ويضمنون من رد الْعَنَان بِكَسْر الْعين
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَهُوَ مَا يوضع فِي فَم
الدَّابَّة ليصرفها الرَّاكِب لما يخْتَار، وَذَلِكَ لِأَن
فِي الأول لَا يُمكنهُ التحفظ بِخِلَاف الثَّانِي، وَهَذَا
التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم: حَدثنَا
ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.
وَقَالَ حَمَّادٌ: لَا تُضْمَنُ النّفْحَةُ إلاّ أنْ
يَنْخُسَ إنْسانٌ الدَّابَّةَ.
أَي: قَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان الْأَشْعَرِيّ:
وَاسم أبي سُلَيْمَان مُسلم. قَوْله: لَا تضمن على صِيغَة
الْمَجْهُول، والنفحة مَرْفُوع بِهِ لِأَنَّهُ مفعول قَامَ
مقَام الْفَاعِل. قَوْله: إلاَّ أَن ينخس بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتحهَا وَكسرهَا من النخس، وَهُوَ غرز
مُؤخر الدَّابَّة أَو جنبها بِعُود وَنَحْوه.
وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا تُضْمَنُ مَا عاقَبَ أنْ يَضْرِبَها
فَتَضْرِبَ بِرِجْلِها.
أَي: قَالَ شُرَيْح بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ القَاضِي
الْمَشْهُور. قَوْله: مَا عاقب، يرْوى بالتذكير والتأنيث،
فَالْمَعْنى على التَّذْكِير لَا يضمن ضَارب الدَّابَّة
مَا دَامَ فِي تعاقبها بِالضَّرْبِ، وَهِي أَيْضا تضرب
برجلها على سَبِيل المعاقبة أَي: الْمُكَافَأَة مِنْهَا،
وَأما على معنى التَّأْنِيث فَقَوله: لَا تضمن، أَي:
الدَّابَّة بِإِسْنَاد الضَّمَان إِلَيْهَا مجَازًا،
وَالْمرَاد ضاربها. قَوْله: أَن يضْربهَا قَالَ
الْكرْمَانِي: أَن يضْربهَا فَتضْرب برجلها إِمَّا مجرور
بجار مُقَدّر أَي: بِأَن يضْربهَا، أَو مَرْفُوع خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: بِأَن يضْربهَا، أَو مَرْفُوع خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَهُوَ أَن يضْربهَا، وَفِي قَول
شُرَيْح هَذَا قلاقة قل من يُفَسِّرهَا كَمَا يَنْبَغِي،
وأثره هَذَا وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق مُحَمَّد بن
سِيرِين عَن شُرَيْح، قَالَ: يضمن السَّائِق والراكب وَلَا
تضمن الدَّابَّة إِذا عَاقَبت. قلت: وَمَا عَاقَبت. قَالَ
إِذا ضربهَا رجل فأصابته.
(24/71)
وَقَالَ الحَكَمُ وحَمَّادٌ: إذَا ساقَ
المُكارِي حِماراً عَلَيْهِ امْرأةٌ فَتَخِرُّ لَا شَيْءَ
عَلَيهِ.
الحكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار،
وَحَمَّاد هُوَ ابْن أبي سُلَيْمَان. قَوْله: فتخر،
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: فَتسقط لَا شَيْء عَلَيْهِ
أَي: على المكاري أَي: لَا ضَمَان.
وَقَالَ الشَّعْبيُّ: إذَا ساقَ دابّةً فأتْعَبَها فَهُوَ
ضامِنٌ لِما أصابَتْ، وإنْ كانَ خَلْفَها مُترَسلاً لَمْ
يَضْمَنْ.
الشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل الْكُوفِي ونسبته إِلَى
شعب من هَمدَان أدْرك غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَمَات
أول سنة سِتّ وَمِائَة، وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة.
قَوْله: فأتعبها من الإتعاب ويروى: فاتبعها، من الإتباع.
قَوْله: خلفهَا أَي: وَرَاءَهَا، ويروى: خلفهَا، بتَشْديد
اللَّام بماضي التفعيل. قَوْله: مترسلاً نصب على أَنه خبر:
كَانَ، أَي: متسهلاً فِي السّير مَوْقُوفا بهَا لَا
يَسُوقهَا وَلَا يبعثها، لم يضمن شَيْئا مِمَّا أَصَابَته،
وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن سَالم
عَن عَامر الشّعبِيّ، فَذكره.
6913 - حدّثنا مُسْلِمٌ، حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ
بنِ زِياد عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، عَن
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: العَجْماءُ
عَقْلُها جُبارٌ، والبِئْرُ جُبارٌ، والمعْدِنُ جُبارٌ،
وَفِي الرِّكازِ الخُمُسُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُسلم هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب الْبَصْرِيّ، وَمُحَمّد بن
زِيَاد من الزِّيَادَة بتَخْفِيف الْيَاء الجُمَحِي بِضَم
الْجِيم الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عبيد الله بن
معَاذ عَن أَبِيه وَعَن ابْن بشار عَن شُعْبَة.
قَوْله: عقلهَا أَي: دِيَتهَا قيل جرحها هدر لَا دِيَتهَا،
وَأجِيب: بِأَنَّهُمَا متلازمان إِذْ مَعْنَاهُ: لَا دِيَة
لَهَا.
30 - (بابُ إثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيّاً بِغَيْرِ جُرْمٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من قتل ذِمِّيا بِغَيْر
مُوجب شَرْعِي لقَتله.
6914 - حدّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ، حَدثنَا عبْدُ الواحِدِ،
حَدثنَا الحَسَنُ، حَدثنَا مُجاهِدٌ، عنْ عَبْدِ الله بنِ
عَمْرٍ وعنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ
قَتلَ نَفْساً مُعاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ
وإنَّ رِيحَها يُوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ أرْبَعِينَ عَاما.
انْظُر الحَدِيث 3166
مطابقته للتَّرْجَمَة غير ظَاهِرَة لِأَن التَّرْجَمَة
بالذمي وَهُوَ كتابي عقد مَعَه عقد الْجِزْيَة. وَأجَاب
الْكرْمَانِي بِأَن الْمعَاهد أَيْضا ذمِّي بِاعْتِبَار
أَن لَهُ ذمَّة الْمُسلمين وَفِي عَهدهم، وَالذِّمِّيّ
أَعم من ذَلِك.
وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ
وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ مَاتَ سنة تسع وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد،
وَالْحسن هُوَ ابْن عَمْرو الْفُقيْمِي بِضَم الْفَاء
وَفتح الْقَاف.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِزْيَة عَن قيس أَيْضا. وَأخرجه
ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن أبي كريب.
قَوْله: معاهداً ويروى: معاهدة، وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن
التَّأْنِيث بِاعْتِبَار النَّفس، وَالْأول بِاعْتِبَار
الشَّخْص، وَيجوز فتح الْهَاء وَكسرهَا وَالْمرَاد بِهِ:
من لَهُ عهد بِالْمُسْلِمين سَوَاء كَانَ بِعقد جِزْيَة
أَو هدنة من سُلْطَان أَو أَمَان من مُسلم. قَوْله: لم يرح
بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا أَي: لم يجد رَائِحَة الْجنَّة
وَلم يشمها، وَزعم أَبُو عبيد أَنه يُقَال: يرح ويرح أَي:
بِالضَّمِّ من أرحت، وَعند الْهَرَوِيّ يرْوى بِثَلَاثَة
أوجه: يرح يرح يرح، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: رَاح الشَّيْء
يراحه ويريحه، أَي: وجد رِيحه، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
الْمُؤمن لَا يخلد فِي النَّار. وَأجَاب بِأَنَّهُ لم يجد
أول مَا يجدهَا سَائِر الْمُسلمين الَّذين لم يقترفوا
الْكَبَائِر، وَهُوَ وَعِيد تَغْلِيظًا، وَيُقَال: لَيْسَ
على الحتم والإلزام، وَإِنَّمَا هَذَا لمن أَرَادَ الله عز
وَجل إِنْفَاذ الْوَعيد فِيهِ. قَوْله: يُوجد على صِيغَة
الْمَجْهُول، ويروى: ليوجد، بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة،
وَالْأول رِوَايَة الْكشميهني قَوْله: أَرْبَعِينَ عَاما
كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْجَمِيع وَوَقع فِي رِوَايَة
عَمْرو بن عبد الْغفار عَن الْحسن بن عَمْرو سبعين عَاما
هَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَمثله فِي حَدِيث
أبي هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن
عجلَان عَن أَبِيه عَنهُ، وَلَفظه: وَإِن رِيحهَا ليوجد من
مسيرَة سبعين خَرِيفًا وَفِي الْأَوْسَط للطبراني: من
طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: من
مسيرَة مائَة عَام،
(24/72)
وللطبراني عَن أبي بكرَة: خَمْسمِائَة
عَام. وَفِي حَدِيث لجَابِر ذكره صَاحب الفردوس إِن ريح
الْجنَّة يدْرك من مسيرَة ألف عَام، وَهَذَا اخْتِلَاف
شَدِيد. وَتكلم الشُّرَّاح فِي هَذَا كلَاما كثيرا غالبه
بالتعسف، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين فِي شرح
التِّرْمِذِيّ إِن الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات
باخْتلَاف الْأَشْخَاص بتفاوت مَنَازِلهمْ ودرجاتهم،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن لَا يكون الْعدَد
بِخُصُوصِهِ مَقْصُودا بل الْمَقْصُود الْمُبَالغَة
والتكثير.
31 - (بابٌ لَا يُقْتَلُ المُسْلِمُ بالكافِرِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يقتل الْمُسلم
بِمُقَابلَة الْكَافِر.
6915 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حَدثنَا زُهَيْرٌ،
حَدثنَا مُطَرّفٌ أنَّ عامِراً حدَّثَهُمْ عنْ أبي
جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيَ: وحدَّثنا صَدَقَةُ بنُ
الفَضْلِ، أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ، حَدثنَا مُطَرِّفٌ
قَالَ: سَمِعْتُ الشّعْبِيَّ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سألْتُ عَلِيّاً، رَضِي الله
عَنهُ: هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي القُرْآنِ؟
وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ
النَّاسِ؟ فَقَالَ: والّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَبرأ
النّسَمَةَ، مَا عِنْدَنا إلاَّ مَا فِي القُرْآنِ، إلاّ
فَهْماً يُعْطَى رجُلٌ فِي كتابِهِ، وَمَا فِي
الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ:
العقْلُ، وفَكاكُ الأسِيرِ، وأنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ
بِكافِرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن يُونُس هُوَ
أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْكُوفِي، وَزُهَيْر هُوَ
ابْن مُعَاوِيَة الْكُوفِي، ومطرف بتَشْديد الرَّاء
الْمَكْسُورَة بن طريف على وزن كريم الْكُوفِي، وعامر بن
شرَاحِيل الشّعبِيّ، وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم
وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وهب بن عبد الله السوَائِي.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب الْعَاقِلَة فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن صَدَقَة بن الْفضل عَن سُفْيَان بن
عتبَة عَن مطرف ... الخ، وَقد وَقع فِي بعض النّسخ هُنَا:
حَدثنَا صَدَقَة بن الْفضل ... الخ بعد قَوْله: حَدثنَا
أَحْمد بن يُونُس قيل: الصَّوَاب أَن طَرِيق أَحْمد بن
يُونُس تقدم فِي الْجِزْيَة. قلت: وَقد تقدم فِي: بَاب
الْعَاقِلَة، كَمَا ذكرنَا الْآن: عَن صَدَقَة بن الْفضل،
وَتقدم فِي كتاب الْعلم: عَن مُحَمَّد بن سَلام.
قَوْله: وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن
عُيَيْنَة، فِي بعض النّسخ: قَالَ أَحْمد عَن سُفْيَان بن
عُيَيْنَة، أَي: قَالَ أَحْمد بن يُونُس الرَّاوِي عَن
سُفْيَان بالسند الْمَذْكُور، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ
غير مرّة.
32 - (بابٌ إذَا لَطَمَ المُسْلِمُ يَهُودِيّاً عِنْدَ
الغَضَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا لطم الْمُسلم
يَهُودِيّا عِنْد الْغَضَب مَاذَا يكون حكمه؟ وَلم يذكرهُ،
وَلَكِن تَقْدِيره: لم يجب عَلَيْهِ شَيْء لِأَنَّهُ لم
يذكر فِي حَدِيث الْبَاب الْقصاص، فَلَو كَانَ فِيهِ قصاص
لبينه، وَهُوَ قَول جمَاعَة الْفُقَهَاء، وَفِي
التَّوْضِيح هَذِه الْمَسْأَلَة إجماعية لِأَن
الْكُوفِيّين لَا يرَوْنَ الْقصاص فِي اللَّطْمَة وَلَا
الْأَدَب إلاَّ أَن يجرحه فَفِيهِ الْأَرْش.
ورَوَاهَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
أَي: روى أَبُو هُرَيْرَة حَدِيث لطم الْمُسلم
الْيَهُودِيّ عَن النَّبِي وَقد تقدم مَوْصُولا فِي قصَّة
مُوسَى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَمضى شَرحه هُنَاكَ.
6916 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ
عَمْرِو بنِ يَحْياى، عنْ أبِيهِ عنْ أبي سَعِيدٍ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تُخَيِّرُوا
بَيْنَ الأنْبِياءِ.
الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين هَذَا الحَدِيث فِي
تَمَامه فَإِنَّهُ أخرجه مُخْتَصرا وَتَمَامه: جَاءَ رجل
من الْيَهُود فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم ضرب وَجْهي رجل
من أَصْحَابك ... الحَدِيث، قَالَ: لَا تخَيرُوا بَين
الْأَنْبِيَاء وَيَجِيء أَيْضا فِي الحَدِيث الَّذِي
يَلِيهِ.
وَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد
(24/73)
مُخْتَصرا نَحوه، وَقد مضى فِي الْأَشْخَاص عَن مُوسَى بن
وهيب، وَفِي التَّفْسِير وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء
وَفِي التَّوْحِيد على مَا سَيَجِيءُ عَن مُحَمَّد بن
يُوسُف. وَأخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن
أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره، وَأخرجه هُنَا عَن أبي نعيم
الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن
يحيى بن عمَارَة بن أبي الْحسن الْمَازِني الْأنْصَارِيّ
الْمدنِي عَن أَبِيه يحيى عَن أبي سعيد سعد بن مَالك
سِنَان الْخُدْرِيّ.
قَوْله: لَا تخَيرُوا أَي: لَا تَقولُوا بَعضهم خير من
بعض، فَإِن قلت: سيدنَا مُحَمَّد أفضلهم لِأَنَّهُ قَالَ:
أَنا سيد ولد آدم؟ . قلت: قَالَ ذَلِك تواضعاً، أَو
يُقَال: قَالَ ذَلِك قبل علمه بِأَنَّهُ أفضل، وَقيل:
مَعْنَاهُ لَا تخَيرُوا بِحَيْثُ يلْزم نقص على الآخر، أَو
بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَة.
6917 - حدّثنا مُحَمَّدٌ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا سُفْيانُ،
عنْ عَمْرِو بنِ يَحْياى المازِنِي، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي
سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: جاءَ رجُلٌ مِنَ اليَهُودِ
إِلَى النبيِّ قَدْ لُطِمَ وجْهُهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
إنَّ رجُلاً مِنْ أصْحابِكَ، مِنَ الأنْصارِ، قَدْ لَطَمَ
فِي وجْهي، قَالَ: ادْعُوهُ فَدَعَوْهُ قَالَ: لِمَ
لَطَمْتَ وجْهَهُ فَقَالَ: قَالَ: يَا رسولَ الله إنِّي
مَرَرْتُ باليَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: والّذي اصْطفَى
مُوسَى عَلى البَشَرِ، قَالَ: قُلْتُ: وعَلى مُحَمَّدٍ
قَالَ: فأخَذَتْني غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُه، قَالَ: لَا
تُخَيِّرُوني مِنْ بَيْنَ الأنْبِياءِ، فإنَّ النّاسَ
يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، فأكُونُ أوَّلَ مَنْ
يُفِيقُ، فإذَا أَنا بِمُوسَى آخِذٌ بِقائِمَةٍ مِنْ
قَوَائِمِ العَرْش، فَلاَ أدْرِي أفاقَ قَبْلِي أمْ جُزِيَ
بِصَعْقَةِ الطُّورِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي سعيد بأتم من الطَّرِيق
الأول الَّذِي أوردهُ مُخْتَصرا. وَقد ذكرنَا الْمَوَاضِع
الَّتِي مضى فِيهَا.
قَوْله: جَاءَ رجل قَوْله: قد لطم على صِيغَة الْمَجْهُول،
وَهِي جملَة حَالية. قَوْله: إِن رجلا قَوْله: لم لطمت
وَجهه؟ ويروى: ألطمت؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام. قَوْله:
قَالَ: قلت: وعَلى مُحَمَّد ويروى: فَقلت أَعلَى مُحَمَّد؟
بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام. قَوْله: لَا تخيروني قد مر
تَفْسِيره الْآن قَوْله: يصعقون من صعق إِذا غشي عَلَيْهِ
من الْفَزع وَنَحْوه. قَوْله: فَإِذا أَنا كلمة إِذا
للمفاجأة. قَوْله: بآخذ اسْم فَاعل من أَخذ قَوْله: بقائمة
هِيَ كالعمود للعرش. وَفِيه أَن الْعَرْش جسم وَأَنه
لَيْسَ بِعلم، كَمَا قَالَ سعيد بن جُبَير، لِأَن
الْقَائِمَة لَا تكون إلاَّ جسماً قَوْله: فَلَا أَدْرِي
أَفَاق قبلي قد مر فِي كتاب الْخُصُومَات: لَا أَدْرِي
أَفَاق قبلي أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله أَي: فِي
قَوْله تَعَالَى: {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي
السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ
نفخ فِيهِ أُخرى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} والتلفيق
بَينهمَا أَن الْمُسْتَثْنى قد يكون نفس مُوسَى، عَلَيْهِ
السَّلَام، وَلَا أَدْرِي. أَي: هَذِه الثَّلَاثَة:
الْإِفَاقَة أَو الِاسْتِثْنَاء أَو المجازاة. كَانَ.
قَوْله: جزي بِضَم الْجِيم وَكسر الزَّاي، هَذِه رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: جوزي، بِالْوَاو بعد
الْجِيم. قَالَ بَعضهم: هُوَ أولى. قلت: لم يقم دَلِيل على
الأولولية. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: جزيته بِمَا صنع،
وجازيته بِمَعْنى فَلَا تفَاوت بَينهمَا. |