عمدة القاري شرح صحيح البخاري

28 - (بابُ نَزْعِ الماءِ مِنَ البِئْرِ حتَّى يَرْواى النَّاسُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من يرى أَنه ينْزع المَاء أَي: يسْتَخْرج المَاء من الْبِئْر حَتَّى يرْوى، بِفَتْح الْوَاو من روى يروي من بَاب علم يعلم. قَوْله: النَّاس، بِالرَّفْع فَاعله.
رواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ
أَي: روى نزع المَاء من الْبِئْر أَبُو هُرَيْرَة، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي الْبَاب الثَّانِي.

7019 - حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْراهِيمَ بنِ كَثِيرٍ، حدّثنا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، حدّثنا نافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رسولُ الله بَيْنا أَنا عَلَى بِئْرٍ أنْزِعُ مِنْها، إذْ جاءَنِي أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، فأخَذَ أبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ الله لهُ، ثُمَّ أخَذَها ابنُ الخَطَّابِ مِنْ يَدِ أبي بَكْرٍ فاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْباً، فَلَمْ أرَ عَبَقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حتَّى ضَرَبَ النّاسُ بِعَطَنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة الدَّوْرَقِي، وَشُعَيْب بن حَرْب الْمَدَائِنِي يكنى أَبَا صَالح، كَانَ أَصله من بَغْدَاد فسكن المداين فنسب إِلَيْهَا، ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة فنزلها إِلَى أَن مَاتَ بهَا وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وصخر بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالراء ابْن جوَيْرِية مصغر جَارِيَة بِالْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن أَحْمد بن سعيد.
قَوْله: بَينا قد ذكرنَا غير مرّة أَن أصل: بَينا، بَين فأشبعت فَتْحة النُّون فَصَارَت بَينا، وَيُقَال أَيْضا: بَيْنَمَا، ويضاف إِلَى جملَة. قَوْله: إِذْ جَاءَنِي جَوَابه، وَكلمَة: إِذْ، للمفاجأة. قَوْله: ذنوباً بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الدَّلْو الممتلىء. قَوْله: أَو ذنوبين شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: وَفِي نَزعه ضعف بِفَتْح الضَّاد وَضمّهَا لُغَتَانِ. قَوْله: ثمَّ أَخذهَا ابْن الْخطاب أَي: ثمَّ أَخذ الدَّلْو عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: من يَد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيهِ: إِشَارَة إِلَى أَن عمر ولي الْخلَافَة بِعَهْد من أبي بكر، بِخِلَاف أبي بكر فَإِن خِلَافَته لم تكن بِعَهْد صَرِيح من النَّبِي وَلَكِن وَقعت عدَّة إشارات إِلَى ذَلِك فِيهَا مَا يقرب من الصَّرِيح. قَوْله: فاستحالت أَي: تحولت فِي يَد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله: غرباً بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ الدَّلْو الْعَظِيمَة المتخذة من جُلُود الْبَقر فَإِذا فتحت الرَّاء فَهُوَ المَاء الَّذِي يسيل بَين الْبِئْر والحوض. قَوْله: عبقرياً بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْقَاف وَهُوَ الْكَامِل الحاذق فِي عمله. قَوْله: يفري بِسُكُون الْفَاء وَكسر الرَّاء. قَوْله: فريه بِفَتْح الْفَاء وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: يعْمل عمله جيدا صَالحا عجيباً. قَوْله: حَتَّى ضرب

(24/156)


النَّاس بِعَطَن بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخره نون وَهُوَ مَا يعد للشُّرْب حول الْبِئْر من مبارك الْإِبِل، والعطن لِلْإِبِلِ كالوطن للنَّاس لَكِن غلب على مبركها حول الْحَوْض. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي حَدِيث: ضرب النَّاس بِعَطَن، أَي: رويت إبلهم حَتَّى بَركت وأقامت مَكَانهَا.

29 - (بابُ نَزْعِ الذَّنُوبِ والذَّنُوبِيْنِ مِنَ البِئْرِ بِضَعْفٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نزع الذُّنُوب وَهُوَ الدَّلْو الممتلىء كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: بِضعْف، أَي: مَعَ ضعف.

7020 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حدّثنا زُهَيْرٌ، حدّثنا مُوساى بنُ عُقْبَةَ، عنْ سالِمٍ، عنْ أبِيهِ عنْ رُؤيا النبيِّ فِي أبي بَكْرٍ وعُمَرَ قَالَ: رَأيْتُ النّاسَ اجْتَمَعُوا فقامَ أبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ

(24/157)


وَالله يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فاسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَما رَأيْتُ مِنَ النّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ حتّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ
هَذَا الحَدِيث هُوَ الَّذِي مضى فِي الْبَاب السَّابِق غير أَنه أخرجه من طَرِيق آخر عَن أَحْمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْكُوفِي عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.

7021 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرِ، حدّثني اللّيْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي سَعِيدٌ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُ أنَّ رسولَ الله قَالَ: بَيْنما أَنا نائِمٌ رأيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ وعَلَيْها دَلْوٌ. فَنَزَعتُ مِنْها مَا شاءَ الله ثُمَّ أخَذَها ابنُ أبي قُحافَةَ، فَنَزَعَ مِنْها ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغْفِرُ لهُ، ثُمَّ اسْتَحالَتْ غرْباً فأخَذَها عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، حتَّى ضَرَبَ الناسُ بِعَطَنٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ مثل حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث بن سعد عَن أَبِيه عَن جده.
قَوْله: رَأَيْتنِي أَي: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: على قليب هُوَ الْبِئْر المقلوب ترابها قبل الطي. قَوْله: ابْن أبي قُحَافَة هُوَ أَبُو بكر الصّديق وَاسم أبي قُحَافَة: عبد الله بن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: وَالله يغْفر لَهُ لَيْسَ لَهُ نقص فِيهِ وَلَا إِشَارَة إِلَى ذَنْب، وَإِنَّمَا هِيَ كلمة كَانُوا يدعمون بهَا كَلَامهم، ونعمت الدعامة، وَكَذَا لَيْسَ فِي قَوْله: وَفِي نَزعه ضعف حط من فضيلته وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن حَال ولايتهما، وَقد كثر انْتِفَاع النَّاس فِي ولَايَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لطولها واتساع الْإِسْلَام والفتوحات وتمصير الْأَمْصَار.

30 - (بابُ الاسْتِرَاحَةِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر الاسْتِرَاحَة فِي الْمَنَام، قَالَ أهل التَّعْبِير: إِن كَانَ المستريح مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ فَإِنَّهُ يقوى أمره وَتَكون الدُّنْيَا تَحت يَده، لِأَن الأَرْض أقوى مَا يسْتَند إِلَيْهِ بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ منبطحاً فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا وَرَاءه.

7022 - حدّثنا إسْحاقُ بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عنْ هَمَّامٍ أنهُ سَمِع أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَما أَنا نائِمٌ رأيْتُ إِنِّي على حَوْض أسْقِي النَّاسَ، فَأَتَانِي أبُو بَكْرِ فأخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِيَ لِيُرِيحَنِي، فَنَزَعَ ذُنُوباً أَو ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغْفِرُ لَهُ، فأتَى ابنُ الخَطَّابِ فأخَذَ مِنْهُ فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حتَّى تَوَلّى النَّاسُ والحَوْضُ يَتَفَجَّرُ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ليريحني
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ، لِأَن كلّاً مِنْهُمَا يروي عَن عبد الرَّزَّاق، ومعمى بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن مُنَبّه. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: على حَوْض وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: على حَوْضِي، بياء الْمُتَكَلّم وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: على حَوْض فَإِن قلت سبق: على بِئْر وعَلى قليب. قلت: لَا مُنَافَاة. انْتهى. قلت: هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب يُرْضِي سائله، بل الَّذِي يُقَال هُنَا كَأَنَّهُ كَانَ يمْلَأ من الْبِئْر فيسكب فِي الْحَوْض وَالنَّاس يتناولون المَاء لأَنْفُسِهِمْ ولبهائمهم. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين قَوْله: على حَوْض وَقَوله: على حَوْضِي؟ . قلت: على حَوْض أولى يَعْنِي: على حَوْض من الأحواض، وَأما: على حَوْضِي، بِالْيَاءِ فيراد بِهِ حَوْضه الَّذِي أعطَاهُ الله، عز وَجل وَذكره فِي الْقُرْآن. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون لَهُ حَوْض فِي الدُّنْيَا لَا حَوْضه الَّذِي فِي الْآخِرَة. قَوْله: حَتَّى تولى النَّاس أَي: حَتَّى أعرض النَّاس، وَالْوَاو فِي: والحوض للْحَال. قَوْله: يتفجر أَي: يتدفق ويسيل.

31 - (بابُ القَصْرِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْقصر أَو الدُّخُول فِي الْقصر فِي الْمَنَام، قَالَ أهل التَّعْبِير: الْقصر فِي الْمَنَام عمل صَالح لأهل الدّين ولغيرهم حبس وضيق، وَقد يعبر عَن دُخُول الْقصر بِالتَّزْوِيجِ.

7023 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرِ، حدّثني اللَّيْثُ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رسولِ الله قَالَ: بَيْنا أَنا نائِمٌ رأيْتُنِي فِي الجَنّةِ، فإذَا امْرأةٌ تَتَوضَّأُ إِلَى جانِبِ قَصْر، قُلْتُ: لِمِنْ هَذَا القَصْرُ قالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلّيْتُ مُدْبِراً قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ثمَّ قَالَ: أعَلَيْكَ بِأبي أنْتَ وأُمي يَا رسولَ الله أغارُ؟
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب. والْحَدِيث مضى فِي صفة الْجنَّة وَفِي فَضَائِل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن سعيد بن أبي مَرْيَم.
قَوْله: فَإِذا امْرَأَة تتوضأ وَنقل عَن الْخطابِيّ وَابْن قُتَيْبَة أَن قَوْله: تتوضأ، تَصْحِيف وَالْأَصْل: فَإِذا امْرَأَة شوهاء، يَعْنِي حسناء، قَالَه ابْن قُتَيْبَة، قَالَ: وَالْوُضُوء لغَوِيّ وَلَا مَانع مِنْهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْجنَّة لَيست دَار التَّكْلِيف فَمَا وَجه هَذَا الْوضُوء؟ ثمَّ أجَاب بقوله: لَا يكون على وَجه التَّكْلِيف، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا تَوَضَّأت لتزداد حسنا ونوراً لَا أَنَّهَا تزيل وسخاً وَلَا قذراً إِذْ الْجنَّة منزهة عَن ذَلِك، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون وضُوءًا حَقِيقَة وَلَا يمْنَع من ذَلِك كَون الْجنَّة لَيست دَار التَّكْلِيف لجَوَاز أَن يكون على غير وَجه التَّكْلِيف، وَقيل: كَانَت هَذِه الْمَرْأَة أم سليم وَكَانَت فِي قيد الْحَيَاة حينئذٍ فرآها النَّبِي فِي الْجنَّة إِلَى جَانب قصر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَيكون تعبيرها أَنَّهَا من أهل الْجنَّة لقَوْل الْجُمْهُور من أهل التَّعْبِير: إِن من رأى أَنه دخل الْجنَّة فَإِنَّهُ يدخلهَا، فَكيف إِذا كَانَ الرَّائِي لذَلِك أصدق الْخلق؟ وَأما وضوؤها فيعبر بنظافتها حسا وَمعنى وطهارتها جسماً وَحكما، وَأما كَونهَا إِلَى قصر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا تدْرك خِلَافَته، وَكَانَ كَذَلِك. قَوْله: أعليك بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله أغار؟ قيل: إِنَّه مقلوب لِأَن الْقيَاس أَن يَقُول: أعليها أغار مِنْك؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: عَلَيْك، لَيْسَ مُتَعَلقا بأغار بل التَّقْدِير مستعلياً عَلَيْك أغار عَلَيْهَا. قَالَ: وَدَعوى الْقيَاس الْمَذْكُور مَمْنُوعَة إِذْ لَا يخرج إِلَى ارْتِكَاب الْقلب مَعَ وضوح الْمَعْنى بِدُونِهِ، وَيحْتَمل أَن يكون أطلق عَليّ، وَأَرَادَ: من، كَمَا قيل: إِن حُرُوف الْجَرّ تتناوب. قلت: يَجِيء: على، بِمَعْنى: من، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} قَوْله: بِأبي أَنْت وَأمي جملَة مُعْتَرضَة أَي: أَنْت مفدًى بأبى وَأمي.

(24/158)


7024 - حدّثنا عُمَرُ بنُ عَلِيَ، حدّثنا مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا عُبَيْدُ الله بن عُمَرَ، عنْ مُحَمَّدٍ بنِ المُنْكَدِرِ، عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله دَخَلْتُ الجَنّةَ فإذَا أَنا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَما مَنَعَني أنْ أدْخُلَهُ يَا ابنَ الخَطّابِ إلاّ مَا أعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ قَالَ: وعَلَيْكَ أغارُ يَا رسولَ الله؟ .
انْظُر الحَدِيث 3679 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن كثير أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، ومعتمر بن سُلَيْمَان بن طرخان الْبَصْرِيّ، وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن عَمْرو بن عَليّ بِهِ.
قَوْله: لرجل من قُرَيْش قيل: إِنَّه عرف من الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْأَحْسَن مَا قَالَه الْكرْمَانِي: علم النَّبِي أَنه عمر إِمَّا بالقرائن وَإِمَّا بِالْوَحْي.

32 - (بابُ الوُضُوءِ فِي المنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْوضُوء فِي الْمَنَام قَالَ أهل التَّعْبِير: رُؤْيَة الْوضُوء فِي الْمَنَام وَسِيلَة إِلَى سُلْطَان أَو عمل، فَإِن أتمه فِي النّوم حصل مُرَاده فِي الْيَقَظَة، وَإِن تعذر لعجز المَاء مثلا، أَو تَوَضَّأ بِمَا لَا يجوز الصَّلَاة بِهِ، فَلَا. وَالْوُضُوء للخائف أَمَان وَيدل على حُصُول الثَّوَاب وتكفير الْخَطَايَا.

7025 - حدّثني يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رسولِ الله قَالَ: بَيْنَا أَنا نائِمٌ رَأيْتُنِي فِي الجَنّةِ، فَإِذا امْرأةٌ تَتَوضّأُ إِلَى جانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هاذَا القَصْرُ؟ فَقالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْت غَيْرَتَهُ فَوَلّيْتُ مُدبِراً فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ: عَليْكَ بِأبي أنْتَ وأُمِّي يَا رسُولَ الله أغارُ؟ .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَإِذا امْرَأَة تتوضأ. وَرِجَال هَذَا قد مروا عَن قريب، وَفِيمَا مضى أَيْضا مكرراً، والْحَدِيث مضى فِي الْبَاب السَّابِق غير أَنه هُنَاكَ: عَن جَابر، وَهنا: عَن أبي هُرَيْرَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

33 - (بابُ الطَّوَافِ بالكَعْبَةِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى أَنه يطوف بِالْكَعْبَةِ فِي الْمَنَام، قَالَ أهل التَّعْبِير: الطّواف يدل على الْحَج وعَلى التَّزْوِيج وَحُصُول أَمر مَطْلُوب من الإِمَام وعَلى بر الْوَالِدين وعَلى خدمَة عَالم وَالدُّخُول فِي أَمر الإِمَام، فَإِن كَانَ الرَّائِي رَقِيقا دلّ على نصحه لسَيِّده.

7026 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ: أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله بَيْنما أَنا نائِمٌ رأيْتُنِي أطُوفُ بالكَعْبَةِ، فإذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبِطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رجلَيْنِ يَنْطُفُ رأْسُهُ مَاء، فَقلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالُوا: ابنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ ألْتَفِتُ فإذَا رجُلٌ أحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، أقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً ابْنُ قَطَنِ، وابنُ قَطَنٍ رجُلٌ مِنْ بَنِي المُصْطَلِق مِنْ خُزَاعَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: رَأَيْتنِي أَطُوف بِالْكَعْبَةِ
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب رُؤْيا اللَّيْل، وَمضى أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام فِي: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: سبط الشّعْر

(24/159)


بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا. قَوْله: ينطف بِضَم الطَّاء وَكسرهَا قَالَ الْمُهلب: النطف الصب وَكَانَ ينطف لِأَن تِلْكَ اللَّيْلَة كَانَت ماطرة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك أثر غسله بزمزم وَنَحْوه، أَو الْغَرَض مِنْهُ بَيَان لطافته ونظافته لَا حَقِيقَة النطف، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الأندلسي: وصف عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، بالصورة الَّتِي خلقه الله عَلَيْهَا وَرَآهُ يطوف، وَهَذِه رُؤْيا حق لِأَن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صُورَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَلَا شكّ أَن عِيسَى فِي السَّمَاء وَهُوَ حَيّ وَيفْعل الله فِي خلقه مَا يَشَاء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مر فِي الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب مَرْيَم، وَأما عِيسَى فأحمر جعد. قلت: ذَاك لَيْسَ فِي الطّواف بل فِي وَقت آخر، أَو يُرَاد بِهِ جعودة الْجِسْم أَي: اكتنازه. قَوْله: فَذَهَبت ألتفت ... إِلَى آخِره، قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْمَذْكُور، وصف الدَّجَّال بصورته، قَالَ: وَدلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الدَّجَّال يدْخل مَكَّة دون الْمَدِينَة لِأَن الْمَلَائِكَة الَّذين على أنقابها يمنعونه من دُخُولهَا. قَالَ صَاحب التَّوْضِيح أَنْكَرُوا ذَلِك وَقَالُوا: فِي هَذَا الدَّلِيل نظر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الدَّجَّال لَا يدْخل مَكَّة وَقت ظُهُور شوكته وَأَيْضًا لَا يدْخل فِي الْمُسْتَقْبل. قَوْله: ابْن قطن اسْمه عبد الْعُزَّى ابْن قطن بن عَمْرو بن حبيب بن سعيد بن عَائِد بن مَالك بن خُزَيْمَة وَهُوَ المصطلق بن سعد أخي كَعْب وعدي أَوْلَاد عَمْرو بن ربيعَة، وَهُوَ لحي بن حَارِثَة بن عَمْرو مزيقيا، وَقَالَ الزُّهْرِيّ ابْن قطن رجل من خُزَاعَة هلك فِي الْجَاهِلِيَّة.

34 - (بابٌ إذَا أعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أعْطى شخص مَا فضل مِنْهُ من اللَّبن لشخص غَيره فِي الْمَنَام، وَفِي بعض النّسخ: فِي النّوم.

7027 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عَن ابنِ شِهاب أَخْبرنِي حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ: أنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ بَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنِ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حتَّى إنِّي لأرَى الرِّيَّ يَجْرِي، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ قالُوا: فَما أوَّلْتَهُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: العِلْمُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث قد مضى فِي هَذَا الْكتاب فِي: بَاب اللَّبن، وَفِي: بَاب إِذا جرى اللَّبن فِي أَطْرَافه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الرّيّ بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء مَا يرْوى بِهِ يَعْنِي: اللَّبن، أَو هُوَ إِطْلَاق على سَبِيل الِاسْتِعَارَة وَإسْنَاد الْخُرُوج إِلَيْهِ قرينَة. وَقيل: اسْم من أَسمَاء اللَّبن.

(بابُ الأمْنِ وذَهابِ الرَّوْعِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حُصُول الْأَمْن وَذَهَاب الروع فِي الْمَنَام، والروع بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وبالعين الْمُهْملَة الْخَوْف، وَأما الروع بِضَم الرَّاء فَهُوَ النَّفس، قَالَ أهل التَّعْبِير، من رأى أَنه قد أَمن من شَيْء فَإِنَّهُ يخَاف مِنْهُ.

7028 - حدّثني عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِم، حَدثنَا صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، حدّثنا نافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رِجالاً مِنْ أصْحابِ رسولِ الله كانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيا عَلى عَهْدِ رَسُول الله فَيَقُصُّونَها عَلى رسولِ الله فَيَقُولُ فِيها رسولُ الله مَا شاءَ الله، وَأَنا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وبَيْتي المَسْجِدُ قَبْلَ أنْ أنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأيْتَ مِثْلَ مَا يَراى هاؤلاءِ، فَلَمّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً

(24/160)


قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْراً فأرِني رُؤْيا، فَبَيْنَما أَنا كَذالِكَ إذْ جاءَنِي مَلَكانِ فِي يَدِ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلانِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنا بَيْنَهُما أدْعُو الله اللَّهُمَّ، أعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُراني لَقِينَي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُراعَ نِعْمَ الرَّجُلُ أنْت لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاةَ، فانْطَلَقُوا بِي حتَّى وَقَفُوا بِي عَلى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْر لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأرى فِيها رِجالاً مُعَلِّقِينَ بِالسَّلاسِلِ رُؤُوسُهُمْ أسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيها رِجالاً مِنْ قُرَيْشٍ، فانْصَرَفُوا بِي عنْ ذاتِ اليَمِينِ.
فَقَصَصْتُها عَلى حَفْصَةَ فَقَصَّتْها حَفْصَةُ عَلى رسولِ الله فَقَالَ رسولُ الله إنَّ عَبْدَ الله رَجُلٌ صالِحٌ فَقَالَ نافِعٌ: لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذالِكَ يُكْثِرُ الصَّلاة.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لن تراع
وَعبيد الله بن سعيد أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي، وَعَفَّان بن مُسلم الصفار الْبَصْرِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز بِلَا وَاسِطَة، وصخر مر عَن قريب.
والْحَدِيث ذكره الْمزي فِي سَنَد حَفْصَة أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي مَنَاقِب ابْن عمر عَن إِسْحَاق بن نصر وَفِي صَلَاة اللَّيْل عَن يحيى بن سُلَيْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فَيَقُول فِيهَا أَي: يعبرها. قَوْله: حَدِيث السن أَي: صَغِير السن، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حدث السن. قَوْله: وبيتي الْمَسْجِد أَي: كنت أسكن فِي الْمَسْجِد قبل أَن أَتزوّج. قَوْله: فَلَمَّا اضطجعت لَيْلَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ذَات لَيْلَة. قَوْله: فأرني رُؤْيا غير منصرف. قَوْله: مقمعَة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَالْجمع مَقَامِع قَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ العمود أَو شَيْء كالمحجن يضْرب بِهِ رَأس الْفِيل، وَقَالَ غَيره: هِيَ كالسوط من حَدِيد رَأسهَا معوج، وَأغْرب الدَّاودِيّ وَقَالَ: المقمعة والمقرعة وَاحِد. قَوْله: يقبلان بِي من الإقبال ضد الإدبار أَو من أقبلته الشَّيْء إِذا جعلته يَلِي قبالته. قَوْله: لن تراع هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لم ترع، أَي: لم تفزع، وَوَقع عِنْد كثير من الروَاة: لن ترع، بِحرف: لن، مَعَ الْجَزْم والجزم: بلن، لُغَة قَليلَة حَكَاهَا الْكسَائي. قَوْله: لَهُ قُرُون جمع قرن، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَهَا قُرُون، وَهِي جوانبها الَّتِي تبنى من حِجَارَة تُوضَع عَلَيْهَا الْخَشَبَة الَّتِي تعلق فِيهَا البكرة، وَالْعَادَة أَن لكل بِئْر قرنان. قَوْله: رؤوسهم أسفلهم يَعْنِي: منكسين. قَوْله: ذَات الْيَمين أَي: جِهَة الْيَمين.

36 - (بابُ الأخْذِ عَلى اليَمِينِ فِي النَّوْمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيمَن أَخذ فِي نَومه وسير بِهِ على يَمِينه يعبر لَهُ بِأَنَّهُ من أهل الْيَمين، ويروى: بَاب الْأَخْذ بِالْيَمِينِ.

7030 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزّهْرِيِّ، عنْ سالِمٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ غُلاماً شابّاً عَزَباً فِي عَهْدِ النبيِّ وكُنْتُ أبيتُ فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ مَنْ رَأى مَناماً قَصَّهُ عَلى النبيِّ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ إنْ كانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ فأرِنِي مَناماً يُعَبِّرُهُ لِي رسُولُ الله فَنِمْتُ فَرَأيْتُ مَلَكَيْنِ أتَيانِي فانْطَلَقَا بِي، فَلَقَيَهُما مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُراعَ إنَّكَ رَجُلٌ صالِحٌ، فانْطَلَقَا بِي إِلَى النارِ، فَإِذا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وَإِذا فِيها ناسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ، فأخَذا بِي ذاتَ اليَمِينِ، فَلَمَّا أصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَة. فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أنَّها قَصَّتْها عَلى النبيِّ فَقَالَ: إنَّ عَبْدَ الله رجُلٌ صالِحٌ لوْ

(24/161)


كانَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ مِنَ اللَّيْلِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وكانَ عَبْدُ الله بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فأخذا بِي ذَات الْيَمين
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، والْحَدِيث مضى الْآن فِي الْبَاب السَّابِق.
قَوْله: عزباً بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَفتح الزَّاي وبالباء الْمُوَحدَة، وَيُقَال لَهُ: الأعزب بقلة فِي الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ من لَا أهل لَهُ، وَيُقَال: من لَا زَوْجَة لَهُ. قَوْله: فأخذا بِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة بعد. قَوْله: أخذا أَي: الْملكَانِ ويروى: أخذاني، بالنُّون.
وَفِيه: جَوَاز الْمبيت فِي الْمَسْجِد للعزب، كَمَا ترْجم عَلَيْهِ فِي أَحْكَام الْمَسَاجِد، وَجَوَاز النِّيَابَة فِي الرُّؤْيَا، وَقبُول خبر الْوَاحِد الْعدْل.

37 - (بابُ القَدَحِ فِي النَّوْمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من أعطي قدحاً فِي نَومه، قَالَ أهل التَّعْبِير: الْقدح فِي النّوم امْرَأَة، أَو مَال من جِهَة امْرَأَة، وقدح الزّجاج يدل على ظُهُور الْأَشْيَاء الْخفية، وقدح الذَّهَب وَالْفِضَّة ثَنَاء حسن.

7032 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ حَمْزَةَ بنِ عبْدِ الله، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْت رسولَ الله يَقُولُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنا أَنا نائمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قالُوا: فَما أوَّلْتَهُ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: العِلْمُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب إِذا أعْطى فَضله غَيره فِي الْمَنَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

38 - (بابٌ إذَا طارَ الشَّيْءُ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا طَار الشَّيْء من الرَّائِي فِي مَنَامه الَّذِي لَيْسَ من شَأْنه أَن يطير، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: يعبر بِحَسب مَا يَلِيق لَهُ، والترجمة لَيست فِيمَا إِذا رأى أَنه يطير. قَالَ المعبرون: من رأى أَنه يطير فَإِنَّهُ كَانَ إِلَى جِهَة السَّمَاء من غير تعريج ناله ضَرَر، فَإِن غَابَ فِي السَّمَاء وَلم يرجع مَاتَ، وَإِن رَجَعَ أَفَاق من مَرضه، وَإِن كَانَ يطير عرضا سَافر ونال رفْعَة بِقدر طيرانه، فَإِن كَانَ بجناح فَهُوَ مَال أَو سُلْطَان يُسَافر فِي كنفه، وَإِن كَانَ بِغَيْر جنَاح فَهُوَ يدل عل التَّعْزِير فِيمَا يدْخل فِيهِ.

7033 - حدّثني سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ، حدّثنا أبي، عنْ صالحٍ، عنِ أبي عُبَيْدَةَ بنِ نَشِيطٍ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ الله بنُ عبدِ الله: سألْتُ عبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنْ رُؤْيا رسولِ الله الّتي ذَكَرَ؟ .
فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: ذكِرَ لي أنَّ رسولَ الله قَالَ: بَيْنما أَنا نَائِمٌ رأيْتُ أنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُما وكَرِهْتُهُما، فأذِنَ لِي فَنَفَخْتُهمَا فَطارَا، فأوَّلْتُهُما كَذّابَيْنِ يَخْرُجانِ فَقَالَ عُبَيْدُ الله: أحَدُهُما العَنْسيُّ الّذِي قَتَلَهُ فَيَرُوزُ باليَمَنِ والآخَرُ مُسَيْلِمَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَنَفَخْتهمَا فطَارَا وَسَعِيد بن مُحَمَّد الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الرَّاء الْكُوفِي، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن عُبَيْدَة بِضَم الْعين اسْمه عبد الله بن عُبَيْدَة بن نشيط بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة على وزن عَظِيم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: عَن أبي عُبَيْدَة، بالكنية وَالصَّوَاب ابْن عُبَيْدَة عبد الله أَخُو مُوسَى بن عُبَيْدَة، يُقَال: بَينهمَا فِي الْولادَة ثَمَانُون سنة، وَعبد الله الْأَكْبَر قَتله الحرورية بِقديد سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَيُقَال: فيهمَا الربذي بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالذال الْمُعْجَمَة

(24/162)


الْقرشِي العامري مَوْلَاهُم، وينسبون أَيْضا إِلَى الْيمن وَلَيْسَ لعبد الله هَذَا فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
وَمضى الحَدِيث بِهَذَا السَّنَد فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي فِي قصَّة الْعَنسِي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ذكر لي على صِيغَة الْمَجْهُول، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَمَا حكم هَذَا الحَدِيث حَيْثُ لم يُصَرح باسم الذاكر؟ قلت: غَايَته الرِّوَايَة عَن صَحَابِيّ مَجْهُول الِاسْم، وَلَا بَأْس بِهِ، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول.
قَوْله: سواران تَثْنِيَة سوار وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى إسوران، وَفِي التَّوْضِيح وَقع هُنَا إسوران بِالْألف وَفِيمَا مضى وَيَأْتِي بِدُونِ الْألف وَهُوَ الْأَكْثَر عِنْد أهل اللُّغَة، وَقَالَ ابْن التِّين فِي بَاب النفخ. قَوْله: فَوضع فِي يَده سِوَارَيْنِ، كَذَا عِنْد الشَّيْخ أبي الْحسن، وَعند غَيره: إسوران، وَهُوَ الصَّوَاب قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَالَّذِي فِي الْأُصُول: سواران، بِحَذْف الْألف وَإِن كَانَ ابْن بطال ذكره بإثباتها، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: السوار بِالضَّمِّ وَالْكَسْر. قَوْله: ففظعتهما بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة أَي: استعظمت أَمرهمَا. قَوْله: كَذَّابين قَالَ الْمُهلب: أَولهمَا بالكذابين لِأَن الْكَذِب إِخْبَار عَن الشَّيْء بِخِلَاف مَا هُوَ بِهِ وَوَضعه فِي غير مَوْضِعه، والسوار فِي يَده لَيْسَ فِي مَوْضِعه لِأَنَّهُ لَيْسَ من حلي الرِّجَال، وَكَونه من ذهب مشْعر بِأَنَّهُ شَيْء يذهب عَنهُ وَلَا بَقَاء لَهُ، والطيران عبارَة عَن عدم ثبات أَمرهمَا والنفخ إِشَارَة إِلَى زَوَالهَا بِغَيْر كلفة شَدِيدَة لسُهُولَة النفخ على النافخ. قَوْله: فَقَالَ عبيد الله هُوَ الْمَذْكُور فِي السَّنَد. قَوْله: الْعَنسِي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون اسْمه الْأسود الصَّنْعَانِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ ذُو الْحمار لِأَنَّهُ علم حمارا إِذا قَالَ لَهُ اسجد؟ يخْفض رَأسه، قَتله فَيْرُوز الديلمي، ومسيلمة بن حبيب الْحَنَفِيّ الْيَمَانِيّ وَكَانَ صَاحب نيرنجات، وَهُوَ أول من أَدخل الْبَيْضَة فِي القارورة: قَتله وَحشِي قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مُسْتَوفى.

39 - (بابٌ إذَا رأى بَقَراً تُنْحَرُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا رأى فِي الْمَنَام بقرًا تنحر، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا رأى أحد بقرًا تنحر يعبر بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ، وَالنَّبِيّ لما رأى بقرًا تنحر كَانَ تَأْوِيل رُؤْيَاهُ قتل الصَّحَابَة الَّذين قتلوا بِأحد، وَقَالَ الْمُهلب: وَفِي رُؤْيَاهُ بقرًا ضرب الْمثل لِأَنَّهُ رأى بقرًا تنحر فَكَانَت الْبَقر أَصْحَابه فَعبر عَن حَال الْحَرْب بالبقر من أجل مَا لَهَا من السِّلَاح والقرون شبهت بِالرِّمَاحِ، وَلما كَانَ طبع الْبَقر المناطحة والدفاع عَن أَنْفسهَا بقرونها كَمَا يفعل رجال الْحَرْب وَشبه النَّحْر بِالْقَتْلِ.

7035 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ، حَدثنَا أبُو أُسامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَن جَدِّهِ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى أُراهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أُهاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أرْضِ بِها نَخْلٌ، فَذَهَب وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمامَةُ أوْ هَجَرٌ، فَإِذا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، ورَأيْتُ فِيها بَقَراً وَالله خيْرٌ فإذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وإذَا الخَيْرُ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الخَيْرِ وثَوَاب الصِّدْقِ الّذِي آتَانَا الله بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَرَأَيْت فِيهَا بقرًا فَإِن قلت: ترْجم بِقَيْد النَّحْر وَلم يَقع ذَلِك فِي حَدِيث الْبَاب؟ . قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جَابر: أَن النَّبِي قَالَ: رَأَيْت كَأَنِّي فِي درع حَصِينَة وَرَأَيْت بقرًا تنحر ... الحَدِيث، وَقَالَ الثَّوْريّ: بِهَذِهِ الزِّيَادَة على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يتم تَأْوِيل الرُّؤْيَا، فَنحر الْبَقر هُوَ قتل الصَّحَابَة الَّذين قتلوا بِأحد.
وَشَيخ البُخَارِيّ هُوَ أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء الْهَمدَانِي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة اسْمه: الْحَارِث، وَقيل: عَامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا السَّنَد بِتَمَامِهِ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَفرق مِنْهُ

(24/163)


فِي الْمَغَازِي بِهَذَا السَّنَد أَيْضا، وعلق فِيهَا مِنْهُ قِطْعَة فِي الْهِجْرَة، فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو مُوسَى ... وَذكر بعضه هُنَا وَبَعضه بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب، وَلم يذكر بعضه.
قَوْله: أرَاهُ بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ، قيل: إِن الْقَائِل بِهَذِهِ اللَّفْظَة هُوَ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ قَول الرَّاوِي عَن أبي مُوسَى وَرَوَاهُ مُسلم وَغَيره عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء شيخ البُخَارِيّ بالسند الْمَذْكُور بِدُونِ هَذِه اللَّفْظَة، بل جزموا بِرَفْعِهِ. قَوْله: فَذهب وهلي يَعْنِي: وهمي، وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِفَتْح الْهَاء وَالَّذِي ذكره أهل اللُّغَة بسكونها، تَقول: وهلت بِالْفَتْح أهل وهلاً إِذا ذهب وهمك إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غَيره، ووهل يوهل وهلاً بِالتَّحْرِيكِ إِذا فزع، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يُقَال: وَهل، بِفَتْح الْهَاء يهل بِكَسْرِهَا وهلاً بسكونها، مثل ضرب يضْرب ضربا إِذا غلط وَذهب وهمه إِلَى خلاف الصَّوَاب، وَأما: وهلت، بِكَسْرِهَا أَو هَل وهلاً بِالتَّحْرِيكِ فَمَعْنَاه: فزعت. والوهل بِالْفَتْح الْفَزع، وَضَبطه النَّوَوِيّ هُنَا بِالتَّحْرِيكِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ الْوَهم، وَصَاحب النِّهَايَة جزم أَنه بِالسُّكُونِ. قَوْله: الْيَمَامَة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم الأولى وَهِي بِلَاد الجو بَين مَكَّة واليمن. قَوْله: أَو هجر كَذَا وَقع بِدُونِ الْألف وَاللَّام فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: أَو الهجر، بِالْألف وَاللَّام، وهجر بِفتْحَتَيْنِ قَاعِدَة أَرض الْبَحْرين، وَقيل: بلد بِالْيمن. قَوْله: يثرب كَانَ اسْم مَدِينَة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: وَرَأَيْت فِيهَا أَي: فِي الرُّؤْيَا. قَوْله: وَالله خير مُبْتَدأ أَو خبر أَي: ثَوَاب الله للمقبولين خير لَهُم من بقائهم فِي الدُّنْيَا، أَو: صنع الله خير لكم، قيل: وَالْأولَى أَن يُقَال: إِنَّه من جملَة الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا كلمة سَمعهَا عِنْد رُؤْيَاهُ الْبَقر بِدَلِيل تَأْوِيله لَهَا بقوله فَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ قَوْله: بعد بدر هُوَ فتح خَيْبَر ثمَّ فتح مَكَّة، وَوَقع فِي رِوَايَة بعد بِالضَّمِّ أَي: بعد أحد، قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْخَيرِ الْغَنِيمَة، وَبعد أَي: بعد الْخَيْر، وَالثَّوَاب وَالْخَيْر حصلا فِي يَوْم بدر.

40 - (بابُ النّفْخِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ النفخ فِي الْمَنَام، قَالَ المعبرون: النفخ يعبر بالْكلَام، وَقَالَ ابْن بطال: يعبر بِإِزَالَة الشَّيْء المنفوخ بِغَيْر تكلّف شَدِيد لسُهُولَة النفخ على النافخ.

7036 - حدّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، حَدثنَا عبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أبُو هُرَيْرَةَ عنْ رسولِ الله قَالَ: نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُون وَقَالَ رسولُ الله بَيْنَما أَنا نائِمٌ إذْ أُوتِيتُ خَزائنَ الأرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارِنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَ عَلَيَّ وأهْمَّانِي، فأُوحيَ إليَّ أنِ انْفُخْهُما، فَنَفَخْتُهُما فَطارَا، فأوَّلْتُهُما الكذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنا بَيْنَهُما: صاحِبَ صَنْعاءَ وصاحِبَ اليَمامَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه. قَوْله: حَدثنِي فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا.
وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام بِالتَّشْدِيدِ ابْن مُنَبّه اسْم فَاعل من التَّنْبِيه.
قَوْله: (هَذَا مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَة أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هماماً مَا روى هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة على مَا هُوَ الْمَعْهُود فِي الرِّوَايَات، وَاحْترز بِهَذَا عَن رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة صحيفَة كَانَت تعرف بِصَحِيفَة همام. والْحَدِيث كَانَ عِنْد إِسْحَاق من رِوَايَة همام بِهَذَا السَّنَد، وَأول الحَدِيث: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ مضى فِي الْجُمُعَة، وَبَقِيَّة الحَدِيث معطوفة عَلَيْهِ بِلَفْظ: وَقَالَ رَسُول الله وَكَانَ إِسْحَاق إِذا أَرَادَ التحديث بِشَيْء مِنْهَا بَدَأَ بِطرف من الحَدِيث الأول وَعطف عَلَيْهِ مَا يُرِيد، وَتقدم هَذَا الحَدِيث فِي بَاب وَفد بني حنيفَة فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق بن نصر عَن عبد الرَّزَّاق بِهَذَا الْإِسْنَاد لَكِن قَالَ فِي رِوَايَته: عَن همام أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة وَلم يبْدَأ إِسْحَاق بن نصر فِيهِ بقوله: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ قَوْله: إِذا أتيت خَزَائِن الأَرْض من الْإِتْيَان يَعْنِي الْمَجِيء فِي رِوَايَة أبي ذَر وَعند غَيره: إِذْ أُوتيت، بِزِيَادَة الْوَاو من الإيتاء بِمَعْنى: الْإِعْطَاء، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَإِسْحَاق بن

(24/164)


نصر عَن عبد الرَّزَّاق: أُوتيت بخزائن الأَرْض، بِإِثْبَات الْبَاء. قَوْله: فِي يَدي وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق بن نصر: فِي كفي. قَوْله: فَكَبرَا عَليّ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: عظم أَمرهمَا وشق عَليّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا عظما عَلَيْهِ لكَون الذَّهَب من حلية النِّسَاء وَمِمَّا حرم على الرِّجَال. قَوْله: وَأَهَمَّانِي أَي: أحزناني وأقلقاني. قَوْله: فَأُوحي إِلَيّ على بِنَاء الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن نصر، فَأوحى الله ... إِلَى قَوْله: فطَارَا فِي رِوَايَة المَقْبُري زَاد، فَوَقع وَاحِد بِالْيَمَامَةِ وَالْآخر بِالْيمن. قَوْله: اللَّذين أَنا بَينهم الأنهما كَانَا حِين قصّ الرُّؤْيَا موجودين. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: يخرجَانِ بعدِي؟ . قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: إِن المُرَاد بخروجهما بعده ظُهُور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النُّبُوَّة، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَن ذَلِك كُله ظهر للأسود بِصَنْعَاء فِي حَيَاة النَّبِي فادعي النُّبُوَّة وعظمت شوكته وَحَارب الْمُسلمين وفتك فيهم وَغلب على الْبَلَد وَآل أمره إِلَى أَن قتل فِي حَيَاة النَّبِي وَأما مُسَيْلمَة: فَكَانَ ادّعى النُّبُوَّة فِي حَيَاة النَّبِي لَكِن لم تعظم شوكته وَلم تقع محاربته إلاَّ فِي عهد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. انْتهى. قلت: فِي نظره نظر لِأَن كَلَام ابْن عَبَّاس يصدق على أَن خُرُوج مُسَيْلمَة بعد النَّبِي وَأما كَلَامه فِي حق الْأسود فَمن حَيْثُ أَن أَتْبَاعه وَمن لَاذَ بِهِ تبعوا مُسَيْلمَة وقووا شوكته فَأطلق عَلَيْهِ الْخُرُوج من بعد النَّبِي بِهَذَا الِاعْتِبَار.

41 - (بابٌ إذَا رَأى أنَّهُ أخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُورَة فأسْكَنَهُ مَوْضِعاً آخَرَ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا رأى فِي نَومه أَنه أخرج الشَّيْء من كورة بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْوَاو وَهِي النَّاحِيَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: من كوَّة، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الكوة، بِالْفَتْح ثقب الْبَيْت وَقد تضم الْكَاف. قَوْله: فأسكنه أَي: أسكن ذَلِك الشَّيْء فِي مَوضِع آخر.

7038 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله، حدّثني أخِي عبْدُ الحَمِيدِ، عنْ سُلَيْمانَ بنِ بِلاَلٍ، عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ، عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رأيْتُ كأنَّ امْرَأةً سَوْداءٍ ثائِرَةَ الرَّأسِ أُخْرِجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى قامَتْ بمَهْيَعَةَ، وهْيَ الجُحْفَةُ، فأوَّلْتُها أنَّ وباءَ المَدِينَةِ نُقِلَ إلَيْها
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أخرجت مَوضِع خرجت لِأَن فِي رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد: أخرجت، على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ يَقْتَضِي الْمخْرج اسْم الْفَاعِل، وَيصدق عَلَيْهِ أَنه أخرج الشَّيْء من نَاحيَة وَأَسْكَنَهُ فِي مَوضِع آخر.
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس يروي عَن أَخِيه.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّعْبِير عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يُوسُف بن سعيد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ.
قَوْله: ثائرة الرَّأْس أَي: شعر الرَّأْس، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَأبي نعيم: ثائرة الشّعْر، من ثار الشَّيْء إِذا انْتَشَر. قَوْله: بمهيعة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة وفسرها بقوله: وَهِي الْجحْفَة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء وَهِي مِيقَات المصريين قيل: هَذَا التفسر مدرج من قَول مُوسَى بن عقبَة. قَوْله: فَأَوَّلتهَا أَن وباء الْمَدِينَة وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فَأَوَّلتهَا وباء بِالْمَدِينَةِ فَنقل إِلَى الْجحْفَة، والوباء مَقْصُور وممدود، وَقَالَ الْمُهلب: هَذِه الرُّؤْيَا المعبرة وَهِي مِمَّا ضرب بِهِ الْمثل.