عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 20 - (بابٌ إذَا اجْتَهَدَ العامِلُ أوِ
الحاكِمُ فأخْطأ خِلاَفَ الرَّسولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ
فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَليْهِ أمْرُنا
فَهْوَ رَدُّ) .)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا اجْتهد الْعَامِل، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: إِذا اجْتهد الْعَالم. قَوْله:
الْعَامِل قَالَ الْكرْمَانِي: أَي عَامل الزَّكَاة. قلت:
لفظ الْعَامِل أَعم من آخذ الزَّكَاة، وَقَالَ الْحَاكِم:
أَي القَاضِي، وَهَذَا أَيْضا أَعم من القَاضِي. قَوْله:
أَو الْحَاكِم كلمة: أَو، فِيهِ للتنويع. فَإِن قلت: قد
مضى فِي كتاب الْأَحْكَام: بَاب إِذا قضى الْحَاكِم بجور
وَخلاف أهل الْعلم فَهُوَ مَرْدُود، فَمَا فَائِدَة ذكر
هَذِه التَّرْجَمَة هُنَا؟ قلت: تِلْكَ التَّرْجَمَة
معقودة لمُخَالفَة الْإِجْمَاع، وَهَذِه التَّرْجَمَة
معقودة لمُخَالفَة الرَّسُول قَوْله: فَأَخْطَأَ، أَي: فِي
أَخذ وَاجِب الزَّكَاة، أَو فِي قَضَائِهِ. قَالَه
الْكرْمَانِي: قلت: هُوَ أَعم من ذَلِك. قَوْله: خلاف
الرَّسُول، أَي: مُخَالفا للسّنة. قَوْله: من غير علم أَي:
جَاهِلا. قَالَ الْكرْمَانِي: وَحَاصِله إِن حكم بِغَيْر
السّنة ثمَّ تبين لَهُ أَن السّنة بِخِلَاف حكمه وَجب
عَلَيْهِ الرُّجُوع مِنْهُ إِلَيْهَا وَهُوَ الِاعْتِصَام
بِالسنةِ، ثمَّ قَالَ: وَفِي التَّرْجَمَة نوع تعجرف. قلت:
كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى قَوْله: فَأَخْطَأَ، لِأَن
ظَاهره يُنَافِي الْمَقْصُود. لِأَن من أَخطَأ خلاف
الرَّسُول لَا يذم بِخِلَاف من أَخطَأ وفاقه. وَقَالَ
بَعضهم ردا عَلَيْهِ. وَتَمام الْكَلَام عِنْد قَوْله:
فَأَخْطَأَ، وَيتَعَلَّق بقوله: اجْتهد. وَقَوله: خلاف
الرَّسُول، أَي: فَقَالَ خلاف الرَّسُول، فَأَي عجرفة فِي
هَذَا. انْتهى. قلت: فِيمَا قَالَه عجرفة أَكثر مِمَّا
قَالَه الْكرْمَانِي لِأَن تَقْدِيره بقوله: فَقَالَ خلاف
الرَّسُول، يكون عطفا على أَخطَأ
(25/65)
فَيُؤَدِّي إِلَى نفي الْمَقْصُود الَّذِي
ذَكرْنَاهُ الْآن، وَوجد بِخَط الْحَافِظ الدمياطي فِي
حَاشِيَة نسخته: الصَّوَاب فَأَخْطَأَ بِخِلَاف الرَّسُول.
قَوْله: لقَوْل النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَآله وَسلم، إِلَى آخِره قد تقدم هَذَا مَوْصُولا فِي
كتاب الصُّلْح عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
بِلَفْظ آخر، وَرَوَاهُ مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَقَالَ ابْن بطال: مُرَاده أَن
من حكم بِغَيْر السّنة جهلا أَو غَلطا يجب عَلَيْهِ
الرُّجُوع إِلَى حكم السّنة وَترك مَا خالفها امتثالاً
لأمر الله بِإِيجَاب طَاعَة رَسُوله، وَهَذَا هُوَ نفس
الِاعْتِصَام بِالسنةِ.
7350 -، 7351 حدّثنا إسْماعِيلُ، عنْ أخِيهِ عنْ
سُلَيْمانَ بنِ بِلاَلٍ، عنْ عبْدِ المَجِيدِ بنِ سُهَيْلِ
بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنّهُ سَمِعَ سَعيد بنَ
المُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ
وَأَبا هُرَيْرَةَ حدَّثاهُ أنَّ رسولَ الله بَعَثَ أَخا
بَنِي عَدِيَ الأنْصارِيَّ واسْتَعْمَلَهُ عَلى خَيْبَرَ،
فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيب، فَقَالَ لهُ رسولُ الله أكُلُّ
تَمْرِ خَيْبَرَ هاكَذا؟ قَالَ: لَا وَالله يَا رسولَ
الله، إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بالصَّاعَيْنِ مِنَ
الجَمِعِ. فَقَالَ رسولُ الله لَا تَفْعَلُوا، ولَكِنْ
مِثْلاً بِمِثْلٍ، أوْ بِيعُوا هاذَا واشْتَرُوا
بِثَمَنِهِ مِنْ هاذَا، وَكَذَلِكَ المِيزَانُ.
اما
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الصَّحَابِيّ اجْتهد
فِيمَا فعل من غير علم فَرده النَّبِي، وَنَهَاهُ عَمَّا
فعل.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَخُوهُ أَبُو بكر
واسْمه عبد الحميد بِتَقْدِيم الْحَاء الْمُهْملَة على
الْمِيم وَهُوَ يروي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال أبي أَيُّوب
الْقرشِي التَّيْمِيّ عَن عبد الْمجِيد بِالْمِيم قبل
الْجِيم ابْن سُهَيْل ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
الزُّهْرِيّ الْمدنِي، وَقَالَ الغساني: سقط من كتاب
الْفربرِي من هَذَا الْإِسْنَاد: سُلَيْمَان بن بِلَال،
وَذكر أَبُو زيد الْمروزِي أَنه لم يكن فِي أصل الْفربرِي،
وَالصَّوَاب رِوَايَة النَّسَفِيّ فَإِنَّهُ ذكره وَلَا
يتَّصل السَّنَد إلاَّ بِهِ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب إِذا أَرَادَ
بيع تمر بِتَمْر خير مِنْهُ.
قَوْله: أَخا بني عدي يَعْنِي: وَاحِدًا مِنْهُم كَمَا
يُقَال: يَا أَخا هَمدَان، أَي: وَاحِدًا مِنْهُم، وَاسم
هَذَا المنعوت سَواد بن غزيَّة بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَكسر الزَّاي وَتَشْديد التَّحْتِيَّة.
قَوْله: جنيب بِفَتْح الْجِيم وَكسر النُّون هُوَ نوع من
التَّمْر وَهُوَ أَجود تمرهم وَالْجمع رَدِيء. وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: كل لون من النّخل لَا يعرف اسْمه فَهُوَ
جمع، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْجمع الدقل، وَقَالَ
الْقَزاز: الْجمع أخلاط أَجنَاس التَّمْر. قَوْله: لَا
تَفعلُوا أَي: هَذَا الْفِعْل، وَفِي مُسلم: هُوَ الرِّبَا
فَردُّوهُ ثمَّ بيعوا تمرنا واشتروا لنا هَذَا. قَوْله:
وَكَذَلِكَ الْمِيزَان يَعْنِي: كل مَا يُوزن يُبَاع وزنا
بِوَزْن، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحَدِيث تقدم فِي البيع
وَلَيْسَ فِيهِ ذكر هَذِه الْجُمْلَة، فَمَا مَعْنَاهَا؟
وَأجَاب بقوله: يَعْنِي الموزونات حكمهَا حكم المكيلات لَا
يجوز فِيهَا أَيْضا التَّفَاضُل، فَلَا بُد فِيهَا من
البيع ثمَّ الاشتراء بِثمنِهِ.
21 - (بابُ أجْرِ الحاكِمِ إذَا اجْتَهَدَ فأصابَ أوْ
أخْطأ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أجر الْحَاكِم إِذا اجْتهد فِي
حكمه فَأصَاب أَو أَخطَأ، أما إِذا أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ،
وَأما إِذا أَخطَأ فَلهُ أجر، وتفاوت الْأجر مَعَ
التَّسَاوِي فِي الْعَمَل لكَون الْمُصِيب فَازَ
بِالصَّوَابِ وفاز بتضاعف الْأجر، وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه
من يَشَاء، وَلَعَلَّه للمصيب زِيَادَة فِي الْعَمَل
إِمَّا كمية وَإِمَّا كَيْفيَّة. قيل: لم يكون الْأجر
للمخطىء. وَأجِيب: لأجل اجْتِهَاده فِي طلب الصَّوَاب لَا
على خطئه. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَإِنَّمَا يُؤجر
الْحَاكِم إِذا أَخطَأ إِذا كَانَ عَالما بِالِاجْتِهَادِ
فاجتهد، فَأَما إِذا لم يكن عَالما فَلَا.
7352 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِي
المَكِّيُّ، حدّثنا حَيْوَةَ، حدّثني يَزِيدُ بنُ عَبْدِ
الله بنِ
(25/66)
الهادِ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ بنِ
الحارِثِ، عنْ بُسْرِ بنِ سَعيدٍ، عنْ أبي قَيْسٍ مَوْلاى
عَمْرِو بنِ العاصِ، عنْ عَمْرِو بنِ العاصِ أنَّهُ سَمِعَ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إذَا حَكَم
الحاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أصابَ فَلَهُ أجْرانِ، وإذَا
حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطأ فَلَهُ أجْرٌ قَالَ:
فَحَدَّثْتُ بِهاذَا الحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بنَ عَمْرِو
بنِ حزْمٍ فَقَالَ: هاكَذَا حدّثني أبُو سَلَمَة بنُ
عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ عبْدُ العَزِيزِ بنُ المُطَّلِبِ عنْ عَبْدِ الله
بنِ أبي بَكْرٍ عنْ أبي سَلَمَة، عنِ النبيِّ مِثْلَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح الْإِبْهَام
الَّذِي فِيهِ لِأَنَّهُ لم يبين فِيهَا كمية الْأجر وَلَا
كيفيته.
وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة المقرىء من الإقراء،
وحيوة بن شُرَيْح بِضَم الشين الْمُعْجَمَة، وَيزِيد من
الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد،
وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ
الْمدنِي التَّابِعِيّ ولأبيه صُحْبَة، وَبسر بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سعيد، وَأَبُو قيس من
الْفُقَهَاء. قَالَ فِي الطَّبَقَات اسْمه سعد. وَقَالَ
البُخَارِيّ: لَا يعرف لَهُ اسْم، وَتَبعهُ الْحَاكِم
أَبُو أَحْمد وَجزم ابْن يُونُس فِي تَارِيخ مصر بِأَنَّهُ
عبد الرَّحْمَن بن ثَابت وَهُوَ أعرف بالمصريين من غَيره،
وَلَيْسَ لأبي قيس هَذَا فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا
الحَدِيث.
وَفِي هَذَا السَّنَد أَرْبَعَة من التَّابِعين أَوَّلهمْ:
يزِيد بن عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَحْكَام عَن يحيى بن يحيى
وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْقَضَاء عَن
القواريري. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن
همام بن عمار.
قَوْله: إِذا حكم الْحَاكِم فاجتهد الْقيَاس أَن يُقَال:
إِذا اجْتهد فَحكم، لِأَن الحكم مُتَأَخّر عَن
الِاجْتِهَاد، وَلَكِن معنى: حكم، إِذا أَرَادَ أَن يحكم.
قَوْله: ثمَّ أصَاب وَفِي رِوَايَة أَحْمد: فَأصَاب،
وَهُوَ الأصوب، وَمَعْنَاهُ: صَادف مَا فِي نفس الْأَمر من
حكم الله. قَوْله: فَأَخْطَأَ أَي: ظن أَن الْحق فِي
جِهَته فصادف أَن الَّذِي فِي نفس الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك.
قَوْله: قَالَ فَحدثت أَي: قَالَ عبد الله بن يزِيد أحد
رُوَاة الحَدِيث. قَوْله: هَكَذَا حَدثنِي أَبُو سَلمَة
يَعْنِي: مثل حَدِيث أبي قيس مولى عَمْرو بن الْعَاصِ.
قَوْله: وَقَالَ عبد الْعَزِيز بن الْمطلب بِضَم الْمِيم
وَتَشْديد الطَّاء ابْن عبد الله بن حنْطَب المَخْزُومِي
قَاضِي الْمَدِينَة، وكنيته أَبُو طَالب وَهُوَ من
أَقْرَان مَالك، وَمَات قبله وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع الْوَاحِد الْمُعَلق
الْمُرْسل لِأَن أَبَا سَلمَة تَابِعِيّ، وَعبد الله بن
أبي بكر يروي عَن شيخ أَبِيه وَهُوَ ولد الرَّاوِي
الْمَذْكُور فِي السَّنَد الَّذِي قبله أَبُو بكر بن
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَكَانَ قَاضِي الْمَدِينَة
أَيْضا.
22
- (بابُ الحُجَّةِ عَلى مَنْ قَالَ: إنَّ أحكامَ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَتْ ظاهِرَةً، وَمَا كانَ
يَغِيبُ بَعْضُهُمْ عنْ مَشاهِدِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وأمُورِ الإسْلامِ) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحجَّة إِلَى آخِره، عقد
هَذَا الْبَاب لبَيَان أَن كثيرا من أكَابِر الصَّحَابَة
كَانَ يغيب عَن مشَاهد النَّبِي ويفوت عَنْهُم مَا يَقُوله
أَو يَفْعَله من الْأَفْعَال التكليفية، فيستمرون على مَا
كَانُوا اطلعوا عَلَيْهِ إِمَّا على الْمَنْسُوخ لعدم
اطلاعهم على النَّاسِخ، وَإِمَّا على الْبَرَاءَة
الْأَصْلِيَّة، ثمَّ أَخذ بَعضهم من بعض مِمَّا رَوَاهُ
عَن رَسُول الله فَهَذَا الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، على جلالة قدره لم يعلم النَّص فِي الْجدّة حَتَّى
أخبرهُ مُحَمَّد بن مسلمة والمغيرة بِالنَّصِّ فِيهَا،
وَهَذَا عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
رَجَعَ إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فِي الاسْتِئْذَان، وَهُوَ حَدِيث الْبَاب
وأمثال هَذَا كَثِيرَة، وَيرد بِهَذَا الْبَاب على الرافضة
وَقوم من الْخَوَارِج زَعَمُوا أَن أَحْكَامه وسنته منقولة
عَنهُ نقل تَوَاتر، وَأَنه لَا يجوز الْعَمَل بِمَا لم
ينْقل متواتراً، وَهُوَ مَرْدُود بِمَا صَحَّ أَن
الصَّحَابَة كَانَ يَأْخُذ بَعضهم من بعض، وَيرجع بَعضهم
إِلَى رِوَايَة غَيره عَن رَسُول الله وانعقد الْإِجْمَاع
على القَوْل بِالْعَمَلِ بأخبار الْآحَاد. قَوْله: كَانَت
ظَاهِرَة أَي: للنَّاس لَا تخفى إلاَّ على النَّادِر.
قَوْله: وَمَا كَانَ يغيب، عطف على مقول القَوْل، وَكلمَة:
مَا، نَافِيَة أَو عطف على الْحجَّة فَمَا مَوْصُولَة.
قَوْله: عَن
(25/67)
مشَاهد النَّبِي وَوَقع فِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ: مُشَاهدَة، ويروى: عَن مشْهد النَّبِي
بِالْإِفْرَادِ، وَوَقع فِي مستخرج أبي نعيم: وَمَا كَانَ
يُفِيد بَعضهم بَعْضًا، بِالْفَاءِ وَالدَّال من الإفادة.
7353 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، عنِ ابنِ
جُرَيْجٍ، حدْثني عطَاءٌ، عَن عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ
قَالَ: اسْتَأْذَنَ أبُو مُوساى عَلى عُمَرَ فَكأنّهُ
وَجَدَهُ مَشْغُولاً، فَرَجَعَ فَقَالَ عُمَرُ: ألَمْ
أسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ الله بن قَيسٍ؟ ائْذَنُوا لهُ؟
فَدُعِي لهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلى مَا صَنَعْتَ؟
فَقَالَ: إنّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهاذَا، قَالَ: فأتِنِي
عَلى هاذا بِبَيِّنَةٍ أوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ، فانْطَلَقَ
إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأنْصارِ فقالُوا: لَا يَشْهَدُ إلاّ
أصاغِرُنا، فَقامَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ فَقَالَ: قَدْ
كُنَّا نُؤْمَرُ بِهاذَا، فَقَالَ عُمَرُ: خَفيَ عَلَيَّ
هاذا مِنْ أمْر النبيِّ ألْهاني الصَّفْقُ بِالأسْوَاقِ.
انْظُر الحَدِيث 2062 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، لما خَفِي عَلَيْهِ أَمر الاسْتِئْذَان
رَجَعَ إِلَى قَول أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي قَوْله:
قد كُنَّا نؤمر بِهَذَا أَي: بالاستئذان، فَدلَّ هَذَا على
أَن خبر الْوَاحِد يعْمل بِهِ، وَأَن بعض السّنَن كَانَ
يخفى على بعض الصَّحَابَة، وَأَن الشَّاهِد مِنْهُم يبلغ
الْغَائِب مَا شهد، وَإِن الْغَائِب كَانَ يقبله مِمَّن
حَدثهُ ويعتمده وَيعْمل بِهِ. فَإِن قلت: طلب عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، الْبَيِّنَة يدل على أَنه لَا يحْتَج
بِخَبَر الْوَاحِد. قلت: فِيهِ دَلِيل على أَنه حجَّة
لِأَنَّهُ بانضمام خبر أبي سعيد إِلَيْهِ لَا يصير
متواتراً. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب بَدْء
الْإِسْلَام: أَرَادَ عمر التثبت لَا أَنه لَا يُجِيز خبر
الْوَاحِد.
وَيحيى فِي السَّنَد هُوَ الْقطَّان يروي عَن عبد الْملك
بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن
عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ. قَالَ: اسْتَأْذن
أَبُو مُوسَى وَهُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مَضَت قَضِيَّة أبي مُوسَى مَعَ
عمر بن الْخطاب فِي كتاب الاسْتِئْذَان فِي: بَاب
التَّسْلِيم والاستئذان ثَلَاثًا. مَا حملك على مَا صنعت؟
أَي: من الرُّجُوع وَعدم التَّوَقُّف. قَوْله: قد كُنَّا
نؤمر قَالَ الأصوليون: مثله يحمل على أَن الْآمِر بِهِ
هُوَ النَّبِي، وَهُوَ قَوْله: إِذا اسْتَأْذن أحدكُم
ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع. قَوْله: فَقَالُوا
الْقَائِل أَولا هُوَ أُبي بن كَعْب ثمَّ تبعه الْأَنْصَار
فِي ذَلِك. قَوْله: فَقَامَ أَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ
سعد بن مَالك. قَوْله: ألهاني أَي: شغلني الصفق وَهُوَ ضرب
الْيَد على الْيَد للْبيع.
7354 - حدّثنا عَليٌّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثني
الزُّهرِيُّ أنّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأعْرَجِ يَقُولُ
أَخْبرنِي أبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إنَّكُمْ تَزْعُمُونَ
أَن أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَلى رسولِ الله
وَالله المَوْعِدُ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكيناً ألْزَمُ
رسُولَ الله عَلى ملْءِ بَطْنِي، وَكَانَ المُهاجِرُونَ
يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأسْواقِ، وكانَتِ الأنْصارُ
يَشْغَلُهُمُ القِيامُ عَلى أمْوالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ
رَسُول الله ذاتَ يَوْمٍ وَقَالَ: مَنْ يَبْسُطْ رِداءَهُ
حتَّى أقْضِيَ مَقالَتِي ثُمَّ يَقْبِضُهُ فَلَنْ يَنْسَى
شَيْئاً سَمِعَهُ مِنِّي فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كانَتْ
عَلَيَّ فَوَالّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا نَسِيتُ
شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا هُرَيْرَة أخبر
عَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، من
أَقْوَاله وأفعاله مَا غَابَ عَنهُ كثير من الصَّحَابَة،
وَلما بَلغهُمْ مَا سَمعه قبلوه وَعمِلُوا بِهِ فَدلَّ على
أَن خبر الْوَاحِد يقبل وَيعْمل بِهِ. وَفِيه حجَّة على
الَّذين يشترطون التَّوَاتُر فِي أَخْبَار النَّبِي، صلى
الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم.
وَعلي هُوَ ابْن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، والأعرج
عبد الرحمان بن هُرْمُز.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب الْبيُوع بأطول مِنْهُ من
وَجه آخر وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب حفظ
الْعلم من حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج.
قَوْله: وَالله
(25/68)
الْموعد جملَة مُعْتَرضَة، وَمرَاده من
هَذَا يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي: يظْهر أَنكُمْ على الْحق
فِي الْإِنْكَار أَو إِنِّي عَلَيْهِ فِي الْإِكْثَار.
قَوْله: على ملْء بَطْني بِكَسْر الْمِيم والهمزة فِي
آخِره، أَرَادَ بِهِ سد جوعته. قَوْله: على أَمْوَالهم
أَي: على مَزَارِعهمْ وَالْمَال وَإِن كَانَ عَاما لكنه قد
يخص بِنَوْع مِنْهُ وَلم يكن للْأَنْصَار إِلَّا
الْمزَارِع. قَوْله: ثمَّ يقبضهُ بِالرَّفْع. قَوْله:
فَلَنْ ينسى هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَنقل ابْن
التِّين أَنه وَقع فِي الرِّوَايَة: فَلَنْ ينس، بالنُّون
والجزم وروى عَن الْكسَائي أَنه قَالَ: الْجَزْم بلن لُغَة
لبَعض الْعَرَب، ويروى: فَلم ينس. قَوْله: سَمعه مني
ويروى: يسمعهُ، بِصُورَة الْمُضَارع.
23 - (بَاب مَنْ رَأى تَرْكَ النَّكِيرِ مِنَ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حُجَّةً لَا مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى ترك النكير أَي
الْإِنْكَار وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَكسر الْكَاف
مُبَالغَة فِي الْإِنْكَار غَرَضه أَن تَقْرِير الرَّسُول،
حجَّة إِذْ هُوَ نوع من فعله وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ
مُنْكرا للزمه التَّغْيِير وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي
ذَلِك، لِأَنَّهُ، لَا يجوز لَهُ أَن يرى أحدا من أمته
يَقُول قولا أَو يفعل فعلا مَحْظُورًا فيقرره عَلَيْهِ
لِأَن الله تَعَالَى فرض عَلَيْهِ النَّهْي عَن الْمُنكر.
قَوْله: لَا من غير الرَّسُول، يَعْنِي: لَيْسَ بِحجَّة
ترك الْإِنْكَار من غير الرَّسُول لجَوَاز أَنه لم
يتَبَيَّن لَهُ حينئذٍ وَجه الصَّوَاب. وَقَالَ ابْن
التِّين: التَّرْجَمَة تتَعَلَّق بِالْإِجْمَاع السكوتي
وَأَن النَّاس اخْتلفُوا فِيهِ، وَقد علم ذَلِك فِي
مَوْضِعه.
7355 - حدّثنا حَمَّادُ بنُ حُمَيْدٍ، حدّثنا عُبَيْدُ
الله بنُ مُعاذٍ، حدّثنا أبي، حَدثنَا شعبْةُ، عنْ سَعْدِ
ابنِ إبْراهِيمَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ:
رَأيْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَحْلِفُ بِالله أنَّ ابنَ
الصَّيَّادِ الدَّجَّالُ. قُلْتُ: تَحْلِفُ بِالله؟ قَالَ:
إنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلى ذالِكَ عِنْدَ
النبيِّ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النبيُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحَمَّاد بن حميد
بِالضَّمِّ الْخُرَاسَانِي وَذكر الْحَافِظ الْمزي فِي
التَّهْذِيب أَن فِي بعض النّسخ الْقَدِيمَة من
البُخَارِيّ: حَدثنَا حَمَّاد بن حميد صَاحب لنا حَدثنَا
بِهَذَا الحَدِيث. وَعبيد الله بن معَاذ فِي الْإِحْيَاء.
وَقد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن عبيد الله بن معَاذ
بِلَا وَاسِطَة، قيل: هُوَ أحد الْأَحَادِيث الَّتِي نزل
فِيهَا البُخَارِيّ عَن مُسلم، أخرجهَا مُسلم عَن شيخ
وأخرجها البُخَارِيّ بِوَاسِطَة بَينه وَبَين ذَلِك
الشَّيْخ. قلت: عبيد الله بن معَاذ من مَشَايِخ مُسلم روى
عَنهُ فِي غير مَوضِع، وروى البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن
النَّضر وَحَمَّاد بن حميد وَأحمد غير مَنْسُوب عَنهُ فِي
ثَلَاث مَوَاضِع فِي كِتَابه: فِي تَفْسِير سُورَة
الْأَنْفَال فِي موضِعين، وَفِي آخر الِاعْتِصَام، وروى
البُخَارِيّ هُنَا عَن حَمَّاد عَن عبيد الله عَن أَبِيه
معَاذ بن حسان الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ عَن شُعْبَة عَن
سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن مُحَمَّد
بن الْمُنْكَدر عَن جَابر. وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد
كِلَاهُمَا عَن عبيد الله بن معَاذ، فَمُسلم أخرجه فِي
الْفِتَن، وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَلَاحِم.
قَوْله: إِن ابْن الصياد كَذَا لأبي ذَر بِصِيغَة
الْمُبَالغَة، وَوَقع عِنْد ابْن بطال مثله لَكِن بِغَيْر
الْألف وَاللَّام، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي
رِوَايَة البَاقِينَ ابْن الصَّائِد، بِوَزْن الظَّالِم
واسْمه صَاف، وَإِنَّمَا حلف عمر بِالظَّنِّ وَلَعَلَّه
سَمعه من النَّبِي، أَو فهمه بالعلامات والقرائن. فَإِن
قلت: جَاءَ فِي خَبره أَن عمر قَالَ لرَسُول الله، دَعْنِي
أضْرب عُنُقه، فَقَالَ: إِن يكن هُوَ فَلَنْ تسلط
عَلَيْهِ، وَإِن لم يكن فَلَا خير لَك فِي قَتله، فَهَذَا
يدل على شكه فِيهِ، وَترك الْقطع عَلَيْهِ أَنه
الدَّجَّال. قلت: يُمكن أَن يكون هَذَا الشَّك مِنْهُ
كَانَ مُتَقَدما على يَمِين عمر بِأَنَّهُ الدَّجَّال،
ثمَّ أعلمهُ الله أَنه الدَّجَّال، وَجَوَاب آخر أَن
الْكَلَام، وَإِن خرج مخرج الشَّك، فقد يجوز، أَن يُرَاد
بِهِ الْيَقِين وَالْقطع. كَقَوْلِه: لَئِن أشركت ليحبطن
عَمَلك وَقد علم تَعَالَى أَن ذَلِك لَا يَقع مِنْهُ
فَإِنَّمَا خرج هَذَا مِنْهُ على الْمُتَعَارف عِنْد
الْعَرَب فِي مخاطبتها قَالَ الشَّاعِر:
(أيا ظَبْيَة الوعساء بَين جلاجل ... وَبَين النقا أَأَنْت
أم أم سَالم؟)
(25/69)
فَأخْرج كَلَامه مخرج الشَّك مَعَ كَونه
غير شَاك فِي أَنَّهَا لَيست بِأم سَالم، وَكَذَلِكَ
كَلَامه خرج مخرج الشَّك لطفاً مِنْهُ بعمر فِي صرفه عَن
عزمه على قَتله.
24 - (بابُ الأحْكامِ الَّتي تُعْرَفُ بِالدّلائِلِ،
وكَيْفَ مَعْنَى الدِّلالَةِ وتَفْسِيرُها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْأَحْكَام الَّتِي تعرف
بالدلائل أَي بالملازمات الشَّرْعِيَّة أَو الْعَقْلِيَّة.
وَقَالَ ابْن الْحَاجِب وَغَيره: الْمُتَّفق عَلَيْهَا
خَمْسَة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس
وَالِاسْتِدْلَال، وَذَلِكَ كلما علم ثُبُوت الْمَلْزُوم
شرعا أَو عقلا علم ثُبُوت لَازمه عقلا أَو شرعا، قَوْله:
بالدلائل، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: بِالدَّلِيلِ، بِالْإِفْرَادِ
وَالدَّلِيل مَا يرشد إِلَى الْمَطْلُوب وَيلْزم من الْعلم
بِهِ الْعلم بِوُجُود الْمَدْلُول. قَوْله: وَكَيف، معنى
الدّلَالَة، بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا وَحكي ضمهَا أَيْضا
وَالْفَتْح أَعلَى، وَمعنى الدّلَالَة هُوَ كإرشاد
النَّبِي أَن الْخَاص وَهُوَ الْحمر حكمه دَاخل تَحت حكم
الْعَام. وَهُوَ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْراً يَرَهُ} فَإِن من ربطها فِي سَبِيل الله فَهُوَ
عَامل للخير يرى جزاءه خيرا، وَمن ربطها فخراً ورياء
فَهُوَ عَامل للشر يرى جزاءه شرا. قَوْله: وتفسيرها يجوز
بِالرَّفْع والجر، وتفسيرها يَعْنِي: تبيينها كتعليم
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، للْمَرْأَة
السائلة التَّوَضُّؤ بالفرصة.
وقَدْ أخْبَرَ النبيُّ أمْرَ الخَيْلِ وغَيْرِها ثُمَّ
سُئِلَ عنِ الحُمُرِ فَدَلَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالى:
{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}
قد بَينا مَعْنَاهُ الْآن.
وسُئِلَ النبيُّ عنِ الضَّبِّ فَقَالَ: لَا آكُلُهُ وَلَا
أُحَرِّمُهُ وأُكِلَ عَلى مائِدَةِ النبيِّ الضَّبُّ
فاسْتَدَلَّ ابنُ عَبَّاسٍ بِأنَّهُ لَيْسَ بِحَرامٍ
فِيهِ أَيْضا بَيَان تَقْرِيره، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَأَنه يُفِيد الْجَوَاز إِلَى أَن يُوجد
مِنْهُ قرينَة تصرفه إِلَى غير ذَلِك. قَوْله: فاستدل ابْن
عَبَّاس بِأَنَّهُ أَي: بِأَن أكل الضَّب لَيْسَ بِحرَام،
وَذَلِكَ لما رأى أَنه يُؤْكَل على مائدته بِحَضْرَتِهِ
وَلم يُنكره وَلَا منع مِنْهُ، وَلقَائِل أَن يَقُول: لَا
آكله، قرينَة على عدم جَوَاز أكله مَعَ قَوْله تَعَالَى:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ
الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى
التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلَالَ الَّتِى
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَءَامَنُواْ بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى
أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَلَا
شكّ أَن الضَّب من الْخَبَائِث لِأَن النَّفس الزكية لَا
تقبله، أَلا ترى كَيفَ قَالَ إِنِّي أعافه؟ وَأما قَوْله:
وَلَا أحرمهُ فَيحْتَمل أَنه يكون قبل نزُول الْآيَة،
وَيحْتَمل أَنه كَانَ الَّذين أكلوه فِي ذَلِك الْوَقْت
فِي مجاعَة وَكَانَ الْوَقْت فِي ضيق شَدِيد من عدم مَا
يُؤْكَل من الْحَيَوَان.
7356 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ، عنْ زَيْدِ بنِ
أسْلَمَ، عنْ أبي صالِحٍ السَّمَّانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ،
رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله قَالَ: الخَيْلُ
لِثَلاثَةٍ لِرَجُلٍ أجْرٌ ولِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعلَى رَجُلٍ
وِزْرٌ. فأمَّا الذِي لهُ أجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها فِي
سَبِيلِ الله، فأطالَ فِي مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ فَمَا
أصابَتْ فِي طِيَلِها ذالِكَ المَرْجِ أوْ الرَّوْضَةِ
كانَ لهُ حَسَناتٍ، ولَوْ أنْها قَطَعَتْ طَيَلَها
فاسْتَنَّتْ شَرَفاً أَو شَرَفَيْنِ كانَت آثارُها
وأرْواثُها حَسَناتٍ لهُ، ولوْ أنّها مَرَّتْ بِنَهَرٍ
فَشَرِبَتْ مِنْهُ ولَمْ يُرِدْ أنْ يَسْقِيَ بِهِ كانَ
ذالِكَ حَسَناتٍ لَهُ، وهِيَ لِذالِكَ الرَّجُلِ أجْرٌ.
ورَجُلٌ رَبَطَها تَغَنِّياً وَتَعَفُّفاً ولَمْ يَنْسَ
حَقَّ الله فِي رِقابِها وَلَا ظُهُورِها فَهْيَ لَهُ
سِتْرٌ، ورَجُلٌ رَبَطَها فَخْراً ورِياءً فَهْيَ عَلَى
ذالِكَ وِزْرٌ وسُئِلَ رسولُ الله عنِ الحُمُرِ قَالَ: مَا
أنْزَلَ الله عَلَيَّ فِيها إلاّ هاذِهِ الآيَةَ
الفَّاذَّةَ الجامِعَةَ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً
يَرَهُ}
ا
(25/70)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن
النَّبِي لما بَين أُمُور الْخَيْر وَسُئِلَ عَن الْحمر
عرف حكم الْحمر بِالدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: 0
الزلزلة: 7 ف الْآيَة، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو صَالح ذكْوَان
الزيات السمان.
والْحَدِيث قد مضى فِي الشّرْب عَن عبد الله بن يُوسُف
وَفِي الْجِهَاد وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن
القعْنبِي وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل وَعَن يحيى
بن سُلَيْمَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وزر هُوَ الِاسْم. قَوْله: فَأطَال مَفْعُوله
مَحْذُوف. أَي: أَطَالَ لَهَا الَّذِي يشد بِهِ. قَوْله:
فِي مرج هُوَ الْموضع الَّذِي ترعى فِيهِ الدَّوَابّ.
قَوْله: أَو رَوْضَة شكّ من الرَّاوِي قَوْله: فِي طيلها
بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ
الْحَبل الطَّوِيل الَّذِي تشد بِهِ الدَّابَّة عِنْد
الرَّعْي. قَوْله: فاستنت من الاستنان وَهُوَ الْعَدو.
قَوْله: شرفاً بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الشوط، قَوْله: يسْقِي
بِهِ أَي: يسْقِيه، وَالْيَاء زَائِدَة ويروى: تسقى،
بِلَفْظ الْمَجْهُول. قَوْله: تغَنِّيا قَالَ ابْن نَافِع:
أَي يَسْتَغْنِي بهَا عَمَّا فِي أَيدي النَّاس، وانتصابها
على التَّعْلِيل. قَوْله: وَتَعَفُّفًا أَي: يتعفف بهَا
عَن الافتقار إِلَيْهِم بِمَا يعْمل عَلَيْهَا ويكسبه على
ظهرهَا. قَوْله: فِي رقابها فِيهِ دَلِيل على أَن فِيهَا
الزَّكَاة، وَاعْتمد عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّة فِي إِيجَاب
الزَّكَاة فِي الْخَيل والخصم فسره بقوله: لَا ينسى
التَّصَدُّق بِبَعْض كَسبه عَلَيْهَا الله تَعَالَى.
قَوْله: وَسُئِلَ رَسُول الله قيل: يُمكن أَن يكون
السَّائِل هُوَ صعصعة بن مُعَاوِيَة عَم الْأَحْنَف
التَّمِيمِي لِأَن لَهُ حَدِيثا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي
التَّفْسِير وَصَححهُ الْحَاكِم وَلَفظه: قدمت على
النَّبِي فَسَمعته يَقُول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} إِلَى آخر السُّورَة، قَالَ: مَا
أُبَالِي أَن لَا أسمع غَيرهَا، حسبي حسبي. قَوْله: الفاذة
بتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة: المفردة فِي مَعْنَاهَا،
وَمعنى الجامعة الَّتِي تجمع أَعمالهَا الْبر كلهَا دقيقها
وجليلها، وَكَذَلِكَ أَعمال الْمعاصِي.
7357 - حدّثنا يَحَياى، حدَّثنا ابْن عُيَيْنَةَ، عنْ
مَنْصُورِ بنِ صَفِيَّةَ، عنْ أُمِّهِ عنْ عائِشَةَ أنَّ
امْرَأةً سَألَتِ النبيَّ.
أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: أخرجه
مُخْتَصرا عَن يحيى، قَالَ الكلاباذي: هُوَ يحيى بن
جَعْفَر البيكندي، وَقَالَ بَعضهم: صَنِيع ابْن السكن،
يَقْتَضِي أَنه يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي. قلت: تبع
الكلاباذي فِي هَذَا جمَاعَة مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ،
وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان، وَمَنْصُور بن عبد
الرحمان بن طَلْحَة بن الْحَارِث بن أبي طَلْحَة بن عبد
الدَّار الْعَبدَرِي الحَجبي يروي عَن أمه صَفِيَّة بنت
شيبَة بن عُثْمَان بن أبي طَلْحَة، ولصفية ولأبيها
صُحْبَة.
وَالطَّرِيق الثَّانِي: هُوَ قَوْله:
حدّثنا مُحَمَّدٌ هُوَ ابنُ عُقْبَةَ، حدّثنا الفُضَيْلُ
بنُ سُلَيْمانَ النُّمَيْرِيُّ البَصْرِيُّ، حدّثنا
مَنْصُورُ بن عَبْدِ الرَّحْمانِ بنُ شَيْبَةَ،
حدَّثْتَنِي أُمِّي عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا،
أنَّ امْرَأةً سَألَتِ النبيَّ عنِ الحَيْضِ كَيْفَ
تَغْتَسِلُ مِنْهُ قَالَ: تأْخُذِينَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً
فَتَوَضَّئِينَ بِها قالَتْ كَيْفَ أتَوَضَّأُ بِها يَا
رسولَ الله؟ قَالَ النبيُّ تَوَضَّئِي قالَتْ كَيْفَ
أتَوَضَّأ بِها يَا رسولَ الله؟ قَالَ النبيُّ تَوَضَّئينَ
بِها قالَتْ عائِشَةُ فَعَرَفْتُ الّذِي يُرِيدُ رسولُ
الله فَجَذبْتُها إلَيَّ فَعَلَّمْتُها.
انْظُر الحَدِيث 314 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لما سَأَلته
الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة عَن كَيْفيَّة الِاغْتِسَال
علمهَا بِالدَّلِيلِ.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن عقبَة الشَّيْبَانِيّ
الْكُوفِي، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمشهور، ورد
عَلَيْهِ بِأَنَّهُ روى عَنهُ مَعَ البُخَارِيّ يَعْقُوب
بن سُفْيَان، وَأَبُو كريب وَآخَرُونَ، وَوَثَّقَهُ
جمَاعَة مِنْهُم ابْن عدي، وَقَالَ الكلاباذي: هُوَ من
قدماء شُيُوخ البُخَارِيّ وَمَا لَهُ عِنْده سوى هَذَا
الْموضع، ورد عَلَيْهِ بِأَن لَهُ موضعا آخر مضى فِي
الْجُمُعَة وَآخر فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع وَله فِي
الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة عِنْده متابع، فَمَا أخرج لَهُ
شَيْئا اسْتِقْلَالا وَلكنه سَاقه الْمَتْن هُنَا
بِلَفْظِهِ. وَأما لفظ ابْن عُيَيْنَة فقد مضى فِي
الطَّهَارَة قَالَه بَعضهم، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ فِي
كتاب
(25/71)
الْحيض فِي: بَاب دلك الْمَرْأَة نَفسهَا
إِذا طهرت من الْحيض، أخرجه عَن يحيى الْمَذْكُور فِي
الطَّرِيق الأول عَن ابْن عُيَيْنَة إِلَى آخِره، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِن امْرَأَة هِيَ: أَسمَاء بنت شكل بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَالْكَاف وَاللَّام. قَوْله: كَيفَ
تَغْتَسِل مِنْهُ على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: تأخذين
ويروى: تأخذي، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب. قَوْله: فرْصَة
بِتَثْلِيث الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة
وَهِي الْقطعَة من الْقطن أَو الخروق تتمسح بهَا
الْمَرْأَة من الْحيض. قَوْله: ممسكة أَي: مطيبة بالمسك.
وَقَالَ الْخطابِيّ: قد تَأَول الممسكة على معنى
الْإِمْسَاك دون الطّيب، يُرِيد أَنَّهَا تمسكها بِيَدِهَا
فتستعملها. قَوْله: فتوضئين بهَا أَي: تتنظفين وتتطهرين
أَي: أَرَادَ مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ. قَوْله: فجذبتها
إِلَيّ بتَشْديد الْيَاء.
7358 - حدّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو
عَوَانَةَ، عنْ أبي بِشْرٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَن
ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الحارثِ بنِ
حَزْنٍ أهْدَتْ إِلَى النبيِّ سَمْناً وأقِطاً وأضُباً
فَدَعا بِهِنَّ النبيُّ فأُكِلْنَ عَلى مائِدَتِهِ،
فَتَرَكَهُنَّ النبيُّ كالمُتَقَذِّرِ لَهنَّ ولوْ كُنَّ
حَراماً مَا أُكِلْنَ عَلى مائِدَتِهِ وَلَا أمَرَ
بِأكْلِهِنَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لما تركهن كالمتقذر
لَهُنَّ رُبمَا امْتَنعُوا عَن أكلهَا ثمَّ إِنَّه لما
دَعَا بِهن وأكلن على مائدته صَار ذَلِك دَلِيلا على
إباحتهن.
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي،
وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة فِي: بَاب الأقط عَن
مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: أَن أم حفيد بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح
الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال
الْمُهْملَة وَاسْمهَا هزيلة مصغر هزلة بالزاي بنت
الْحَارِث الْهِلَالِيَّة أُخْت مَيْمُونَة أم
الْمُؤمنِينَ، وَهِي خَالَة ابْن عَبَّاس وَخَالَة خَالِد
بن الْوَلِيد، وَاسم أم كل مِنْهُمَا لبَابَة بِضَم
اللَّام وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى. قَوْله:
وأضباً بِفَتْح الْهمزَة وَضم الضَّاد الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة جمع ضَب وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: وضباً، بِالْإِفْرَادِ. وَقَالَ صَاحب
التَّوْضِيح أصل أضباً أضبباً على وزن أفلس اجْتمع مثلان
متحركان وأسكن الأول ونقلت حركته إِلَى السَّاكِن الَّذِي
قبله. انْتهى. قلت: كَأَنَّهُ اسْتغْرب هَذَا وَطول
الْكَلَام فِيهِ، وَمن قَرَأَ مُخْتَصرا فِي علم التصريف
يعلم هَذَا، وَمَعَ هَذَا لم يكمل مَا قَالَه فِيهِ وتتمته
أَنه لما اجْتمع فِيهِ حرفان مثلان نقلت حَرَكَة الأول
إِلَى الضَّاد وأدغم فِي الثَّانِي. قَوْله: كالمتقذر
بِالْقَافِ والذال الْمُعْجَمَة. قَوْله: لَهُنَّ أَي:
لهَذِهِ الْمَذْكُورَات الثَّلَاث، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني لَهُ بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ الْأَوْجه
لِأَنَّهُ لم يكن يتقذر السّمن والأقط، وَكَذَا الْكَلَام
فِي دَعَا بِهن وَفِي الْبَاقِي وَذكرنَا الْخلاف فِي
الضَّب فِيمَا مضى.
7359 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ، حدّثنا ابنُ وَهْبٍ،
أَخْبرنِي يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي عَطاءُ بنُ
أبي رِباحٍ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ
النبيُّ مَنْ أكَلَ ثُوماً أوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنا
أوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنا ولْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ
وإنّهُ أُتِيَ بِبَدْرٍ قَالَ ابنُ وَهْبٍ: يَعْنِي:
طَبَقاً فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا
رِيحاً، فَسألَ عَنْها، فأُخْبِرَ بِما فِيها مِنَ
البُقُولِ، فَقَالَ: قَرِّبُوها فَقَرَّبُوها إِلَى بَعْضِ
أصْحابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كرِهَ أكْلَهَا
قَالَ: فإنِّي أُناجِي مِنْ لَا تُناجِي
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي، لما امْتنع
من الخضرات الْمَذْكُورَة لأجل رِيحهَا امْتنع الرجل
الَّذِي كَانَ مَعَه، فَلَمَّا رَآهُ قد امْتنع قَالَ لَهُ
كل وَفسّر كَلَامه بقوله: فَإِنِّي أُنَاجِي من لَا تناجي.
وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس
هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن سعيد بن عفير، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وليقعد فِي بَيته وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَو
ليقعد، بِزِيَادَة الْألف فِي أَوله. قَوْله: ببدر بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ الطَّبَق على مَا يَأْتِي، سمي
(25/72)
بَدْرًا لاستدارته تَشْبِيها بالقمر،
قَوْله: قَالَ ابْن وهب مَوْصُول بِسَنَد الحَدِيث
الْمَذْكُور. قَوْله: فِيهِ خضرات بِفَتْح أَوله وَكسر
ثَانِيه، وَقَالَ ابْن التِّين: وَضبط فِي بعض
الرِّوَايَات بِفَتْح الضَّاد وَضم الْخَاء. قَوْله:
قربوها بِكَسْر الرَّاء أَمر للْجَمَاعَة. وَقَوله:
فقربوها بِصِيغَة الْجمع للماضي. قَوْله: إِلَى بعض
أَصْحَابه مَنْقُول بِالْمَعْنَى لِأَن لَفظه قربوها لأبي
أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَأَن الرَّاوِي لم
يحفظه، فكنى عَنهُ بذلك، وعَلى تَقْدِير أَن لَا يكون عينه
فَفِيهِ الْتِفَات، لِأَن نسق الْعبارَة أَن يَقُول: إِلَى
بعض أَصْحَابِي قَوْله: كَانَ مَعَه من كَلَام الرَّاوِي،
أَي: مَعَ النَّبِي قَوْله: فَلَمَّا رَآهُ كره أكلهَا
فَاعل: كره، بِمُقْتَضى ظَاهر الْكَلَام هُوَ بعض
أَصْحَابه وَلكنه فِي الْحَقِيقَة هُوَ أَبُو أَيُّوب.
وَفِيه حذف تَقْدِيره: فَلَمَّا رَآهُ امْتنع من أكلهَا
وَأمر بتقريبها إِلَيْهِ كره أكلهَا، وَيحْتَمل أَن يكون
التَّقْدِير: فَلَمَّا رَآهُ لم يَأْكُل مِنْهَا كره
أكلهَا. قَالَ ابْن بطال: قَوْله: قربوها نَص على جَوَاز
الْأكل، وَكَذَا قَوْله: أُنَاجِي إِلَى آخِره وَقَالُوا:
يدْخل فِي حكم الثوم والبصل الكراث والفجل، وَقد ورد فِي
الفجل حَدِيث، وَعلل ذَلِك بِأَن الْمَلَائِكَة تتأذى
مِمَّا يتَأَذَّى بِهِ بَنو آدم، قيل: يُرِيد غير
الحافظين.
وَقَالَ ابنُ عُفَيْرٍ عنِ ابنِ وَهْبٍ: بِقِدْرٍ فِيهِ
خَضِراتٌ، ولَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وأبُو صَفْوانَ عنْ
يُونُسَ قِصَّةَ القِدْرِ، فَلَا أدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ
الزُّهْرِيِّ أوْ فِي الحَدِيثِ؟ .
أَي: قَالَ سعيد بن كثير بن عفير بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَفتح الْفَاء نسب لجده عَن عبد الله بن وهب: بِقدر،
بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال. قَوْله: وَلم يذكر
اللَّيْث، أَي: ابْن سعد، وَأَبُو صَفْوَان عبد الله بن
سعيد الْأمَوِي قَالَ الْكرْمَانِي: وَالظَّاهِر أَن لفظ:
وَلم يذكر، وَكَذَا لفظ؛ فَلَا أَدْرِي، لِأَحْمَد ابْن
صَالح، وَيحْتَمل أَن يكون لعبد الله بن وهب أَو لِابْنِ
عفير، وللبخاري تَعْلِيقا. قَوْله: فَلَا أَدْرِي هُوَ من
قَول الزُّهْرِيّ أَو فِي الحَدِيث مَعْنَاهُ أَن
الزُّهْرِيّ نَقله مُرْسلا عَن رَسُول الله، وَلِهَذَا لم
يروه يُونُس، وَاللَّيْث وَأَبُو صَفْوَان، أَو مُسْندًا
كَمَا فِي الحَدِيث، وَلِهَذَا نَقله يُونُس لِابْنِ وهب،
وَمضى الحَدِيث فِي آخر كتاب الْجَمَاعَة فِي: بَاب مَا
جَاءَ فِي الثوم.
7360 - حدّثني عُبَيْدُ الله بنُ سَعْدِ بنِ إبْراهِيمَ،
حدّثنا أبي وَعَمِّي قَالَا: حدّثنا أبي عنْ أبِيهِ
أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرٍ أنَّ أباهُ جُبَيْرَ بنَ
مُطْعِمٍ أخبرَهُ أنَّ امْرأةً مِنَ الأنْصارِ أتَتْ رسولَ
الله فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيءٍ، فأمَرَها بِأمْرٍ فقالَتْ:
أرَأيْتَ يَا رسولَ الله إنْ لمْ أجِدْكَ؟ قَالَ: إنْ لَمْ
تَجِدِينِي فأْتِي أَبَا بَكْرٍ
انْظُر الحَدِيث 3659 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، قَالَ للْمَرْأَة
الْمَذْكُورَة فِيهِ: إِنَّهَا إِن لم تَجدهُ تَأتي أَبَا
بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ الْكرْمَانِي: مَا
وَجه مُنَاسبَة هذَيْن الْحَدِيثين بالترجمة؟ . قلت: أما
الأول: فيستدل مِنْهُ أَن الْملك يتَأَذَّى بالرائحة
الكريهة. وَأما الثَّانِي: فيستدل بِهِ على خلَافَة أبي
بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قلت: بَاب الْأَحْكَام
الَّتِي تعرف بالدلائل لَيْسَ بَينهَا وَبَين الْحَدِيثين
مُطَابقَة بِالْوَجْهِ الَّذِي ذكره من استنباط الحكم من
الْحَدِيثين، وَإِنَّمَا وَجه الْمُطَابقَة مَا ذكرته من
الْفَيْض الرحماني.
وَشَيْخه عبيد الله بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف، وَأَبوهُ سعد وَعَمه
يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقَالَ الدمياطي: مَاتَ يَعْقُوب
سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَصْغَر من أَخِيه سعد،
انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ واتفقا على أَخِيه، وَجبير بِضَم
الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مطعم اسْم فَاعل
من الْإِطْعَام ابْن عدي بن نَوْفَل الْقرشِي
النَّوْفَلِي.
والْحَدِيث مضى فِي فضل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، عَن الْحميدِي وَفِي الْأَحْكَام عَن عبد الْعَزِيز
بن عبد الله وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِن امْرَأَة لم يدر اسْمهَا. قَوْله: فِي شَيْء
يَعْنِي: سَأَلته فِي شَيْء يَخُصهَا.
(25/73)
زادَ الحُمَيْدِيُّ عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ
سَعْد: كأنَّها تَعْنِي المَوْتَ.
يرْوى: زَاد لنا الْحميدِي، أَي: زَاد الْحميدِي عبد الله
بن الزبير بن عِيسَى الْمَنْسُوب إِلَى أحد أجداده حميد،
يَعْنِي: زَاد على الحَدِيث الَّذِي قبله لفظ: كَأَنَّهَا
تَعْنِي الْمَوْت، يَعْنِي: تَعْنِي بِعَدَمِ وجدانها
النَّبِي مَوته وَقد مضى فِي مَنَاقِب الصّديق: حَدثنَا
الْحميدِي وَمُحَمّد بن عبد الله قَالَا: حَدثنَا
إِبْرَاهِيم بن سعد، وَسَاقه بِتَمَامِهِ، وَفِيه
الزِّيَادَة، وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنه إِذا قَالَ: زادنا،
أَو: زَاد لنا، أَو زادني أَو زَاد لي فَهُوَ كَقَوْلِه:
حَدثنَا، وَكَذَلِكَ: قَالَ لنا، وَقَالَ لي وَنَحْو
ذَلِك.
(بِسم الله الرحمان الرَّحِيم)
25 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا
تَسْألوا أهْلَ الكِتابِ عنْ شَيْءٍ))
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول النَّبِي إِلَى آخِره هَذِه
التَّرْجَمَة. حَدِيث أخرجه أَحْمد وَابْن أبي شيبَة
وَالْبَزَّار من حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أُتِي بِكِتَاب
أَصَابَهُ من بعض أهل الْكتاب، فقرأه عَلَيْهِ فَغَضب
فَقَالَ: لقد جِئتُكُمْ بهَا بَيْضَاء نقية، لَا تسألوهم
عَن شَيْء فيخبرونكم بِحَق فتكذبوا بِهِ، أَو بباطل
فتصدقوا بِهِ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن مُوسَى
كَانَ حَيا مَا وَسعه إلاَّ أَن يَتبعني. وَرِجَاله ثِقَات
إلاَّ أَن فِي مجَالد ضعفا. قَوْله: لَا تسألوا أهل
الْكتاب أَي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى. قَوْله: عَن شَيْء
أَي: مِمَّا يتَعَلَّق بالشرائع لِأَن شرعنا مكتفٍ وَلَا
يدْخل فِي النَّهْي سُؤَالهمْ عَن الْأَخْبَار المصدقة
لشرعنا وَعَن الْأَخْبَار عَن الْأُمَم السالفة. وَأما
قَوْله تَعَالَى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ
أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ
الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن
رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}
فَالْمُرَاد بِهِ من آمن مِنْهُم، وَالنَّهْي إِنَّمَا
هُوَ عَن سُؤال من لم يُؤمن مِنْهُم.
7361 - وَقَالَ أبُو اليَمانِ: أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ
سَمِعَ مُعاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطاً مِنْ قُرَيْشٍ
بِالمَدِينَةِ، وذَكَرَ كَعْبَ الأحْبارِ، فَقَالَ: إنْ
كانَ مِنْ أصْدَق هاؤُلاءِ المُحَدِّثِينَ الّذِين
يُحَدِّثونَ عنْ أهْلِ الكِتابِ، وإنْ كُنَّا مَعَ ذالِكَ
لَنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي ذكر كَعْب الْأَحْبَار الَّذِي
كَانَ يتحدث من الْكتب الْقَدِيمَة، وَيسْأل عَنهُ من
أخبارهم.
وَكَعب هُوَ ابْن ماتع بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق بعْدهَا عين مُهْملَة ابْن عَمْرو بن قيس من آل ذِي
رعين، وَقيل: ذِي الكلاع الْحِمْيَرِي، وَقيل: غير ذَلِك
فِي اسْم جده، ويكنى أَبَا إِسْحَاق كَانَ فِي حَيَاة
النَّبِي رجلا وَكَانَ يَهُودِيّا عَالما بكتبهم حَتَّى
كَانَ يُقَال لَهُ: كَعْب الحبر، وَكَعب الْأَحْبَار، أسلم
فِي عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقيل: فِي
خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقيل: أسلم
فِي عهد النَّبِي، وتأخرت هجرته، وَالْأول أشهر، وغزا
الرّوم فِي خلَافَة عمر ثمَّ تحول فِي خلَافَة عُثْمَان،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الشَّام إِلَى أَن مَاتَ
بحمص. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَغَيره: مَاتَ سنة
اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقَالَ ابْن سعد: ذَكرُوهُ
لأبي الدَّرْدَاء فَقَالَ: إِن عِنْد ابْن الحميرية لعلماً
كثيرا. وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق عبد الرحمان بن جُبَير
بن نفير قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: إلاَّ إنَّ كَعْب
الْأَحْبَار أحد الْعلمَاء إِن كَانَ عِنْده لعلم كالبحار،
وَإِن كُنَّا مفرطين، وروى عَن النَّبِي، مُرْسلا وَعَن
عمر بن الْخطاب وَعَائِشَة وَآخَرين من الصَّحَابَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، وروى عَن عبد الله بن عمر وَعبد
الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير وَمُعَاوِيَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، وروى لَهُ البُخَارِيّ
وَالْأَرْبَعَة: ابْن مَاجَه فِي التَّفْسِير.
وَشَيخ البُخَارِيّ أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع،
وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم،
وَحميد بِالضَّمِّ ابْن عبد الرحمان بن عَوْف،
وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان.
قَوْله: سمع مُعَاوِيَة أَي: أَنه سمع مُعَاوِيَة، وَحذف
أَنه يَقع كثيرا. قَوْله: بِالْمَدِينَةِ يَعْنِي: لما حج
فِي خِلَافَته. قَوْله: وَذكر على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: إِن كَانَ كلمة: إِن، مُخَفّفَة من المثقلة.
قَوْله: من أصدق هَؤُلَاءِ الْمُحدثين ويروى: لمن أصدق
هَؤُلَاءِ الْمُحدثين بِزِيَادَة لَام التَّأْكِيد.
قَوْله: الْكتاب يَشْمَل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
والصحف. قَوْله: وَإِن كُنَّا مَعَ ذَلِك أَي: مَعَ كَونه
أصدق الْمُحدثين. أَرَادَ بالمحدثين أنظار كَعْب مِمَّن
كَانَ من أهل الْكتاب لنبلو أَي: لنختبر عَلَيْهِ الْكَذِب
يَعْنِي: يَقع بعض مَا يخبرنا عَنهُ بِخِلَاف مَا يخبرنا
بِهِ. وَقَالَ ابْن حبَان فِي كتاب الثِّقَات أَرَادَ
مُعَاوِيَة أَنه يخطىء أَحْيَانًا فِيمَا يخبر بِهِ وَلم
يرد أَنه كَانَ كذابا، وَقَالَ غَيره: الضَّمِير فِي
قَوْله: لنبلو عَلَيْهِ الْكَذِب
(25/74)
للْكتاب لَا لكعب، وَإِنَّمَا يَقع فِي كِتَابهمْ الْكَذِب
لكَوْنهم بدلوه وحرفوه. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ:
الْمَعْنى الَّذِي يخبر بِهِ كَعْب عَن أهل الْكتاب يكون
كذبا لَا أَنه يتَعَمَّد الْكَذِب، وإلاَّ فقد كَانَ كَعْب
من أخيار الْأَحْبَار.
7362 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا عُثمانُ بنُ
عُمَرَ، أخبرنَا عَلِيُّ بنُ المُبارَكِ، عنْ يَحْياى بن
أبي كَثِيرٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كَانَ أهْلُ الكِتابِ يَقْرَأونَ التَّوْراةَ
بِالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَها بِالعَرَبِيَّةِ
لِأهلِ الإسْلامِ، فَقَالَ رسولُ الله لَا تُصَدِّقُوا
أهْلَ الكِتابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ {قُولُو اْءَامَنَّا
بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَآ
أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ
بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
الْآيَة.
انْظُر الحَدِيث 4485
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أَمرهم بِعَدَمِ
التَّصْدِيق وَعدم التَّكْذِيب فَيَقْتَضِي ترك السُّؤَال
عَنْهُم.
وَمُحَمّد بن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد
الشين الْمُعْجَمَة، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث بِعَيْنِه سنداً ومتناً مضى فِي تَفْسِير
سُورَة الْبَقَرَة فِي: بَاب قَوْله: {قُولُوا آمنا
بِاللَّه} الْآيَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
7363 - حدّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا إبْراهِيمُ،
أخبرنَا ابنُ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله أنَّ ابنَ
عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَيْفَ تَسْألُونَ
أهْلَ الكِتابِ عنْ شَيءٍ وكِتابُكُمْ الّذِي أُنْزِلَ
عَلى رسولِ الله أحْدَثُ تَقْرأونَهُ مَحْضاً لَمْ يُشَبْ
وقَدْ حَدَّثَكُمْ أنَّ أهْلَ الكِتاب بَدَّلُوا كِتابَ
الله وغَيَّرُوهُ، وكَتَبُوا بِأيْدِيهِمُ الكِتابَ
وقالُوا هوَ مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً
قَلِيلاً. أَلا يَنْهاكُمْ مَا جاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عنْ
مَسْألَتِهِمْ؟ لَا وَالله مَا رَأيْنا مِنْهُمْ رَجُلاً
يَسْألُكُمْ عنِ الّذِي أُنْزِلَ عَليْكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور قَرِيبا، وَعبيد الله بن عبد الله
بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات عَن يحيى بن بكير عَن
اللَّيْث، وَيَأْتِي فِي الوحيد عَن أبي الْيَمَان.
قَوْله: أحدث أَي: الْكتب، وَكَذَا تقدم فِي كتاب
الشَّهَادَات. قيل: كتَابنَا قديم فَمَا معنى أحدث؟ أُجِيب
بِأَنَّهُ أحدث نزولاً مَعَ أَن اللَّفْظ حَادث،
وَإِنَّمَا الْقَدِيم هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِذَات
الله تَعَالَى. قَوْله: مَحْضا أَي: صرفا خَالِصا. قَوْله:
لم يشب أَي: لم يخلط من شَاب يشوب شوباً لِأَنَّهُ لم
يتَطَرَّق إِلَيْهِ تَحْرِيف وَلَا تَبْدِيل بِخِلَاف
التَّوْرَاة. قَوْله: وَقد حَدثكُمْ أَي: الْكتاب الَّذِي
أنزل على النَّبِي ويروى: وَقد حدثتم على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: أَلا يَنْهَاكُم؟ كلمة: أَلا،
للتّنْبِيه، ويروى: لَا يَنْهَاكُم، بِدُونِ الْهمزَة فِي
أَوله اسْتِفْهَام مَحْذُوف الأداة. بِدَلِيل مَا تقدم فِي
الشَّهَادَات. أَو: لَا يَنْهَاكُم. قَوْله: مَا جَاءَكُم
فَاعل: يَنْهَاكُم، والإسناد مجازي. قَوْله: من الْعلم
أَي: الْكتاب وَالسّنة. قَوْله: لَا وَالله كلمة: لَا،
تَأْكِيد للنَّفْي. وَالْمَقْصُود أَنهم لَا يسألونكم مَعَ
أَن كِتَابهمْ محرف فَأنْتم بِالطَّرِيقِ الأولى أَن لَا
تسألوهم، لَكِن يجوز لكم السُّؤَال عَنْهُم. |