عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 6 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {مَلِكِ
النَّاسِ} فِيهِ ابنُ عُمَر عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {مَلِكِ النَّاسِ}
فِيهِ وَجْهَان. أَحدهمَا: أَن يكون رَاجعا إِلَى صفة ذَات
وَهُوَ الْقُدْرَة لِأَن الْملك بِمَعْنى الْقُدْرَة.
وَالْآخر: أَن يكون رَاجعا إِلَى صفة فعل وَذَلِكَ
بِمَعْنى الْقَهْر وَالصرْف لَهُم عَمَّا يريدونه إِلَى
مَا يُريدهُ. قَوْله: فِيهِ عَن ابْن عمر أَي: فِي هَذَا
الْبَاب عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي، وَهُوَ قَوْله:
إِن الله يقبض يَوْم الْقِيَامَة الأَرْض وَتَكون
السَّمَوَات بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك
وَسَيَأْتِي هَذَا بعد أَبْوَاب بِسَنَدِهِ.
7382 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ، حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ،
أَخْبرنِي يُونُسُ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
يَقبِضُ الله الأرْضَ يَوْمَ القِيامَةِ، ويَطْوِي
السَّماءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنا المَلِكُ أيْنَ
مُلُوكُ الأرْضِ؟
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن وهب هُوَ عبد الله،
وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب.
والْحَدِيث مضى فِي الرقَاق فِي: بَاب يقبض الله الأَرْض،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: يقبض الله الأَرْض أَي: يجمعها وَتصير كلهَا
شَيْئا وَاحِدًا. قَوْله: بِيَمِينِهِ من المتشابهات
فإمَّا أَن يُفَوض وَإِمَّا أَن يؤول بقدرته، وَفِيه
إِثْبَات الْيَمين لله تَعَالَى صفة لَهُ من صِفَات ذَاته
وَلَيْسَت بجارحة، خلافًا للجهمية.
وَعَن أَحْمد بن سَلمَة عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قَالَ:
صَحَّ أَن الله يَقُول بعد فنَاء خلقه: لمن الْملك
الْيَوْم فَلَا يجِيبه أحد، فَيَقُول لنَفسِهِ: {وَهُوَ
الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ
وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ}
وَفِيه: الرَّد على من زعم أَن الله يخلق كلَاما فيسمعه من
شَاءَ بِأَن الْوَقْت الَّذِي يَقُول فِيهِ: لمن الْملك
الْيَوْم، لَيْسَ هُنَاكَ أحد.
وَقَالَ شُعَيْبٌ والزُّبَيْدِيُّ وابنُ مُسافِرٍ وإسْحاق
بنُ يَحْياى عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي سَلَمَةَ مِثْلَهُ.
وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، والزبيدي هُوَ مُحَمَّد
بن الْوَلِيد صَاحب الزُّهْرِيّ نسبه إِلَى زبيد بِضَم
الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف قَبيلَة، وَابْن مُسَافر هُوَ عبد الرَّحْمَن بن
خَالِد بن مُسَافر الفهمي الْمصْرِيّ واليها، وَإِسْحَاق
بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَأَبُو سَلمَة عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، قَوْله: مثله وَقع لأبي ذَر وَسقط
لغيره، وَلَيْسَ المُرَاد أَن أَبَا سَلمَة أرْسلهُ بل
مُرَاده أَنه اخْتلف على الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن
مُسلم فِي شَيْخه، فَقَالَ: يُونُس سعيد بن الْمسيب،
وَقَالَ الْبَاقُونَ: أَبُو سَلمَة، وكل مِنْهُمَا يرويهِ
عَن أبي هُرَيْرَة، فرواية شُعَيْب وَصلهَا الدَّارمِيّ
قَالَ: حَدثنَا الحكم بن نَافِع وَهُوَ أَبُو الْيَمَان
فَذكره، وَفِيه: سَمِعت أَبَا سَلمَة يَقُول: قَالَ أَبُو
هُرَيْرَة ... وَرِوَايَة الزبيدِيّ وَصلهَا ابْن
خُزَيْمَة من طَرِيق عبد الله بن سَالم عَنهُ عَن
الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَرِوَايَة
ابْن مُسَافر قد تقدّمت مَوْصُولَة فِي تَفْسِير سُورَة
الزمر من طَرِيق اللَّيْث بن سعد عَنهُ، كَذَلِك،
وَرِوَايَة إِسْحَاق بن يحيى وَصلهَا الذهلي، رَحمَه الله،
فِي الزهريات.
(25/88)
7
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُوَ الْعَزِيز
الْحَكِيم} وَغَيرهَا {قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ}
الصافات: 180 {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاَْعَزُّ مِنْهَا الاَْذَلَّ
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَلَاكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} ومَنْ حَلَفَ
بِعِزَّةِ الله وصِفاتِهِ
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: آأؤ ذكر فِيهِ
ثَلَاث قطع من ثَلَاث آيَات: الأولى: قَوْله تَعَالَى:
{وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} ، وَغَيرهَا فالعزيز
مُتَضَمّن للعزة وَيجوز أَن يكون صفة ذَات يَعْنِي
الْقُدْرَة وَالْعَظَمَة، وَأَن يكون صفة فعل بِمَعْنى
الْقَهْر لمخلوقاته وَالْغَلَبَة لَهُم. وَقَالَ
الْحَلِيمِيّ مَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يُوصل إِلَيْهِ وَلَا
يُمكن إِدْخَال مَكْرُوه عَلَيْهِ، فَإِن الْعَزِيز فِي
لِسَان الْعَرَب من الْعِزَّة وَهِي الصلابة. وَقَالَ
الْخطابِيّ: الْعَزِيز المنيع الَّذِي لَا يغلب، والعز قد
يكون من الْغَلَبَة، يُقَال مِنْهُ: عز يعز، بِفَتْح
الْعين وَقد يكون بِمَعْنى نفاسة الْقدر، يُقَال مِنْهُ:
عز يعز، بِكَسْر الْعين فيؤول معنى الْعِزّ على هَذَا
وَأَنه لَا يعازه شَيْء. قَوْله: الْحَكِيم، مُتَضَمّن
لِمَعْنى الْحِكْمَة وَهُوَ إِمَّا صفة ذَات يكون بِمَعْنى
الْعلم وَالْعلم من صِفَات الذَّات، وَإِمَّا صفة فعل
بِمَعْنى الْأَحْكَام. الْآيَة الثَّانِيَة: {قُلْ نَعَمْ
وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ} فَفِي إِضَافَة الْعِزَّة إِلَى
الربوبية إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد هَاهُنَا الْقَهْر
وَالْغَلَبَة، وَيحْتَمل أَن يكون الْإِضَافَة للاختصاص
كَأَنَّهُ قيل: ذُو الْعِزَّة وَأَنَّهَا من صِفَات
الذَّات، والتعريف فِي الْعِزَّة للْجِنْس، فَإِذا كَانَت
الْعِزَّة كلهَا لله تَعَالَى فَلَا يَصح أَن يكون أحد
معتزاً إلاَّ بِهِ، وَلَا عزة لأحد إلاَّ وَهُوَ
مَالِكهَا. وَالْآيَة الثَّالِثَة: يعرف حكمهَا من
الثَّانِيَة، وَهِي بِمَعْنى الْغَلَبَة لِأَنَّهَا جَوَاب
لمن ادّعى أَنه الْأَعَز، وَأَن ضِدّه الْأَذَل فَرد
عَلَيْهِ أَن الْعِزَّة لله وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمنِينَ، فَهُوَ كَقَوْلِه: {كَتَبَ اللَّهُ
لاََغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ
عَزِيزٌ} قَوْله: وَمن حلف بعزة الله وَصِفَاته كَذَا فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
وسلطانه، بدل. وَصِفَاته، وَالْأول أولى، وَقد تقدم فِي
كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور: بَاب الْحلف بعزة الله
وَصِفَاته، وَكَلَامه، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ. وَقَالَ
ابْن بطال مَا ملخصه: الْحَالِف بعزة الله الَّتِي هِيَ
صفة ذَات يَحْنَث، والحالف بعزة الله الَّتِي هِيَ صفة فعل
لَا يَحْنَث، بل هُوَ مَنْهِيّ عَن الْحلف بهَا كَمَا نهى
عَن الْحلف بِحَق السَّمَاء وَحقّ زيد. انْتهى. لَكِن إِذا
أطلق الْحَالِف انْصَرف إِلَى صفة الذَّات وانعقد الْيَمين
إلاَّ إِن قصد خلاف ذَلِك.
وَقَالَ أنَسٌ: قَالَ النبيُّ تقُولُ جَهَنَّمُ قَطِ قَطِ
وعِزَّتِكَ
هَذَا طرف من حَدِيث مطول مضى فِي تَفْسِير سُورَة ق
وَالْمرَاد بِهِ أَن النَّبِي نقل عَن جَهَنَّم أَنَّهَا
تحلف بعزة الله وأقرها على ذَلِك، فَيحصل المُرَاد سَوَاء
كَانَت هِيَ الناطقة حَقِيقَة أم النَّاطِق غَيرهَا
كالموكلين بهَا.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ يَبْقَى رجلٌ بَيْنَ
الجَنَّةِ والنَّارِ آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولاً
الجَنَّةَ، فَيقُولُ: رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عنِ النَّارِ،
لَا وعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَها. قَالَ أَبُو
سَعِيد: إنَّ رسولَ الله قَالَ: قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ:
لَكَ ذَلِكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ
مُطَابقَة هَذَا وَالَّذِي قبله للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
هَذَا طرف حَدِيث طَوِيل تقدم مَعَ شَرحه فِي آخر كتاب
الرقَاق. قَوْله: يبْقى رجل يروي: أَن اسْمه جهنية،
بِالْجِيم وَالنُّون، قيل: لَيْسَ كَلَام هَذَا حجَّة.
وَأجِيب: بِأَن حِكَايَة رَسُول الله على سَبِيل
التَّقْرِير والتصديق حجَّة. قَوْله: وَقَالَ أَبُو سعيد
من تَتِمَّة حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك بل المُرَاد أَن أَبَا سعيد وَافق
أَبَا هُرَيْرَة على رِوَايَة الحَدِيث الْمَذْكُور إلاَّ
مَا ذكره من الزِّيَادَة فِي قَوْله: عشرَة أَمْثَاله
وَقَالَ أيُّوب: وعِزَّتِكَ لَا غِنَى بِي عَن بَرَكَتِكَ.
هَذَا أَيْضا طرف من حَدِيث لأبي هُرَيْرَة مضى فِي كتاب
الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَتقدم أَيْضا مَوْصُولا فِي
كتاب الطَّهَارَة فِي الْغسْل، وأوله: بَينا أَيُّوب
يغْتَسل ... وَتقدم أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم السَّلَام، مَعَ شَرحه، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْحَاكِم: لما عافى الله أَيُّوب أمطرعليه جَرَادًا من
ذهب. . الحَدِيث. قَوْله: لَا غنى بِي، بِالْقصرِ فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
لَا غناء، ممدوداً وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر للسرخسي.
(25/89)
7383 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ، حدّثنا عبْدُ
الوَارِثِ، حَدثنَا حُسَيْنٌ المُعلِّمُ، حدّثني عَبْدُ
الله بنُ بُرَيْدَةَ، عنْ يَحْياى بنِ يَعْمَرَ، عنِ ابنِ
عبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ
يَقُولُ أعُوذُ بِعِزَّتِكَ الّذِي لَا إلاهَ إلاّ أنْتَ
الّذِي لَا يَمُوتُ والجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو معمر بِفَتْح
الميمين عبد الله بن عَمْرو المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد
الْوَارِث بن سعيد، وحسين هُوَ ابْن ذكْوَان، وَعبد الله
بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن حصيب
الْأَسْلَمِيّ قَاضِي مرو مَاتَ بمرو، وَيحيى بن يعمر
بِلَفْظ الْمُضَارع بِفَتْح الْمِيم وَبِضَمِّهَا أَيْضا
وَالْفَتْح أشهر وَهُوَ القَاضِي بمرو أَيْضا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدُّعَاء عَن حجاج بن
المسارع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن عُثْمَان بن
عبد الله.
قَوْله: الَّذِي لَا إلاه إِلَّا أَنْت قيل: مَا،
الْعَائِد للموصول. وَأجِيب: بِأَنَّهُ إِذا كَانَ
الْمُخَاطب نفس المرجوع إِلَيْهِ يحصل الارتباط،
وَكَذَلِكَ الْمُتَكَلّم نَحْو:
(أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة)
قَوْله: لَا يَمُوت بِلَفْظ الْغَائِب، ويروى
بِالْخِطَابِ. قَوْله: الْجِنّ وَالْإِنْس يموتون استدلت
بِهِ طَائِفَة على أَن الْمَلَائِكَة لَا تَمُوت. وَلَا
يَصح هَذَا الِاسْتِدْلَال لِأَنَّهُ مَفْهُوم لقب وَلَا
اعْتِبَار بِهِ فيعارضه مَا هُوَ أقوى مِنْهُ، وَهُوَ
عُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ
إِلَاهاًءَاخَرَ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ
هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ} وَقَالَ بَعضهم: لَا مَانع من دُخُول
الْمَلَائِكَة فِي مُسَمّى الْجِنّ لجامع مَا بَينهم من
الاستتار. قلت: هَذَا كَلَام واهٍ لِأَن مُسَمّى الْجِنّ
غير مُسَمّى الْمَلَائِكَة، وَلَا يلْزم من استتارهم عَن
أعين النَّاس صِحَة دُخُول الْمَلَائِكَة الَّذين هم من
النُّور فِي الْجِنّ الَّذين خلقُوا من مارج من نَار.
7384 - حدّثنا ابنُ أبي الأسْوَد، حَدثنَا حَرَمِيٌّ،
حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُلْقَى فِي النَّار وَقَالَ
لي خَليفَةُ: حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، حدّثنا سَعيدٌ
عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسٍ وعنْ مُعْتَمِرٍ سَمِعْتُ أبي عنْ
قَتادَةَ، عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ قَالَ: لَا يَزَالُ
يُلْقَى فِيها، وتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى
يَضَعَ فِيها رَبُّ العالمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوي
بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ قَدْ
بِعِزَّتِكَ وكَرَمِكَ، وَلَا تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ
حتَّى يُنْشِىءَ الله لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ
الجَنَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بعزتك وَشَيخ
البُخَارِيّ ابْن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد
الْبَصْرِيّ وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود، وحرمي
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وياء النِّسْبَة
هُوَ ابْن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْمِيم.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين. الأول: عَن ابْن أبي
الْأسود بِالتَّحْدِيثِ. وَالثَّانِي: بالْقَوْل، حَيْثُ
قَالَ: وَقَالَ لي خَليفَة هُوَ ابْن خياط عَن يزِيد من
الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن
قَتَادَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِنَّه قَالَ:
أخرجه من ثَلَاث طرق وَذكر الطَّرِيقَيْنِ وَقَالَ:
الطَّرِيق الثَّالِث، تَعْلِيق وَهُوَ قَوْله: وَعَن
مُعْتَمر سَمِعت أبي وَهُوَ سُلَيْمَان بن طرخان عَن
قَتَادَة، وَأنكر عَلَيْهِم بَعضهم بِأَن هَذَا لَيْسَ
بتعليق، لِأَن قَوْله: وَعَن مُعْتَمر، مَعْطُوف على
قَوْله: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، مَوْصُول فالتقدير:
وَقَالَ لي خَليفَة عَن مُعْتَمر، وَبِهَذَا جزم أَصْحَاب
الْأَطْرَاف. قلت: كَونه مَعْطُوفًا مَوْصُولا لَا
يُنَافِي كَونه طَرِيقا آخر على مَا لَا يخفى لاخْتِلَاف
شَيْخي خَليفَة.
قَوْله: وَتقول هَل من مزِيد؟ أَي: تَقول النَّار،
وَإسْنَاد القَوْل إِلَيْهَا مجَاز أَو حَقِيقَة بِأَن
يخلق الله القَوْل فِيهَا ومزيد بِمَعْنى الزِّيَادَة مصدر
ميمي. قَوْله: قدمه قيل: المُرَاد بهَا الْمُتَقَدّم أَي:
يضع الله فِيهَا من قدمه لَهَا من أهل الْعَذَاب، أَو
ثمَّة مَخْلُوق اسْمه الْقدَم أَو أَرَادَ بِوَضْع الْقدَم
الزّجر عَلَيْهَا والتسكين لَهَا، كَمَا تَقول لشَيْء
تُرِيدُ محوه وإبطاله: جعلته تَحت قدمي، أَو: هُوَ مفوض
إِلَى الله، وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: الْقدَم هَاهُنَا
الْكفَّار الَّذين سبق فِي علم الله أَنهم من أهل النَّار
وَأَنَّهُمْ يمْلَأ بهم النَّار حَتَّى ينزوي بَعْضهَا
إِلَى بعض من الْمَلأ، ولتضايق أَهلهَا، فَتَقول: قطّ قطّ،
أَي: امتلات حسبي حسبي. قَوْله: ينزوي مضارع من الانزواء،
ويروى: تزوى على صِيغَة الْمَجْهُول من زوى سره عَنهُ إِذا
طواه، أَو من زوى الشَّيْء إِذا جمعه وَقَبضه. قَوْله: قد
قد رُوِيَ بِسُكُون الدَّال وَكسرهَا وَهُوَ اسْم مرادف:
لقط، أَي: حسب. قَوْله: تفضل أَي: عَن الداخلين فِيهَا.
قَوْله: حَتَّى ينشىء من الْإِنْشَاء،
(25/90)
أَي: حَتَّى ينشىء الله خلقا فيسكنهم من
الإسكان فضل الْجنَّة أَي: الْموضع الَّذِي فضل مِنْهَا
وَبَقِي عَنْهُم، ويروى: أفضل بِصِيغَة. أفعل التَّفْضِيل.
فَقيل: هُوَ مثل: النَّاقِص والأشج أعد لِابْني مَرْوَان،
يَعْنِي: عَاد لِابْني مَرْوَان. وَفِيه: أَن دُخُول
الْجنَّة لَيْسَ بِالْعَمَلِ.
8
- (بابُ قوْلِ الله تَعَالَى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ
عَلَيْهِءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ
عَلَى أَن يُنَزِّلٍ ءايَةً وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ
يَعْلَمُونَ}
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ
نُزِّلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ
قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ ءايَةً وَلَاكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أَي: بِكَلِمَة الْحق،
وَهِي قَوْله: كن، وَقيل: ملتبساً بِالْحَقِّ لَا
بِالْبَاطِلِ، وَذكر ابْن التِّين أَن الدَّاودِيّ قَالَ:
إِن الْبَاء هَاهُنَا بِمَعْنى اللَّام أَي: لأجل الْحق.
قلت: ذكر النُّحَاة أَن الْبَاء تَأتي لأربعة عشر معنى
وَلم يذكرُوا فِيهَا أَنَّهَا تَجِيء بِمَعْنى اللَّام،
وَقَالَ ابْن بطال: المُرَاد بِالْحَقِّ هَاهُنَا ضد
الْهزْل، وَقيل: يُقَال لكل مَوْجُود من فعل الله تَعَالَى
يَقْتَضِي الْحِكْمَة حق، وَيُطلق على الِاعْتِقَاد فِي
الشَّيْء المطابق فِي الْوَاقِع، وَيُطلق على الْوَاجِب
وَاللَّازِم الثَّابِت والجائز، وَعَن الْحَلِيمِيّ: الْحق
مَا لَا يسع إِنْكَاره وَيلْزم إثْبَاته وَالِاعْتِرَاف
بِهِ، وَوُجُود الْبَارِي أولى مَا يجب الِاعْتِرَاف بِهِ
وَلَا يسع جحوده إِذْ لَا مُثبت تظاهرت عَلَيْهِ
الْبَيِّنَة مَا تظاهرت على وجوده عز وَجل.
7385 - حدّثنا قَبِيصَةُ، حَدثنَا سُفْيان، عنِ ابنِ
جُرَيْجٍ، عنْ سُلَيْمانَ، عنْ طاوُسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ،
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ يَدْعُو
مِنَ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ ربُّ
السَّماوَاتِ والأرْضِ لَكَ الحَمْدُ أنْت قَيِّمُ
السَّماوَاتِ والأرْضِ، ومنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ
أنْتَ نُورُ السَّماوَاتِ والأرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ
وَوعْدُكَ الحَقُّ، ولِقاؤُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ
والنَّارُ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ
أسْلَمْتُ وبِكَ آمَنْتُ وعَليك تَوَكْلَتُ وإلَيْكَ
أنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ وإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي
مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وأسْرَرتُ وأعْلَنْتُ، أنْتَ
إلاهِي لَا إلاهَ لي غَيْرُكَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أَنْت رب
السَّمَوَات وَالْأَرْض لِأَن مَعْنَاهُ: أَنْت مَالك
السَّمَوَات وَالْأَرْض وخالقهما.
وَقبيصَة بِفَتْح الْقَاف ابْن عقبَة، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَابْن جريج عبد الْملك، وَسليمَان الْأَحول.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل عَن عَليّ بن عبد الله
وَفِي الدَّعْوَات عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
اللَّيْل أَي: فِي اللَّيْل أَو من قيام اللَّيْل. قَوْله:
رب السَّمَوَات الرب السَّيِّد والمصلح وَالْمَالِك.
قَوْله: أَنْت قيم السَّمَوَات أَي: مدبرها ومقومها.
قَوْله: نور السَّمَوَات أَي: منورها وَهُوَ من جملَة
صِفَات الْفِعْل، وَقد مر تَفْسِير الْحق. قَوْله: وَعدك
حق من عطف الْخَاص على الْعَام لِأَن الْوَعْد أَيْضا
قَول. قَوْله: لقاؤك المُرَاد باللقاء الْبَعْث. قَوْله:
إِلَيْك أنبت أَي: رجعت إِلَى عبادتك. قَوْله: وَبِك
خَاصَمت أَي: ببراهينك الَّتِي أَعْطَيْتنِي خَاصَمت
الْأَعْدَاء. قَوْله: وَإِلَيْك حاكمت يَعْنِي: من جحد
الْحق حاكمته إِلَيْك أَي: جعلتك حَاكما بيني وَبَينه لَا
غَيْرك مِمَّا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تتحاكم إِلَى
الصَّنَم وَنَحْوه. قَوْله: فَاغْفِر لي سُؤَاله
الْمَغْفِرَة تواضع مِنْهُ أَو تَعْلِيم لأمته.
حدّثنا ثابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا سُفْيانُ بِهَذا،
وَقَالَ: أنْتَ الحَقُّ وقَوْلُكَ الحَقُّ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن فِي رِوَايَة قبيصَة سقط
مِنْهَا: أَنْت الْحق قبل قَوْله: قَوْلك الْحق وَثَبت فِي
رِوَايَة ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن
مُحَمَّد العابد الْبنانِيّ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَخْفِيف النُّون الأولى عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
قَوْله: بِهَذَا، أَي: بالسند الْمَذْكُور والمتن،
وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى: {وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ}
9 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ
ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا
وَالاَْخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {مَّن كَانَ
يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ
الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً
بَصِيراً} غَرَضه من هَذَا الرَّد على الْمُعْتَزلَة
حَيْثُ قَالُوا: إِنَّه سميع بِلَا سمع، وعَلى من قَالَ:
معنى السَّمِيع الْعَالم بالمسموعات لَا غير، وَقَوْلهمْ
هَذَا يُوجب مساواته تَعَالَى للأعمى والأصم الَّذِي يعلم
أَن السَّمَاء خضراء وَلَا يَرَاهَا، وَأَن فِي الْعَالم
أصوتاً وَلَا يسْمعهَا، وفساده ظَاهر، فَوَجَبَ كَونه
سميعاً بَصيرًا مُفِيدا أمرا زَائِدا على مَا يُفِيد كَونه
(25/91)
عَالما. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: السَّمِيع
من لَهُ سمع يدْرك بِهِ المسموعات، والبصير من لَهُ بصر
يدْرك بِهِ المرئيات، قيل: كَيفَ يتَصَوَّر السّمع لَهُ
وَهُوَ عبارَة عَن وُصُول الْهَوَاء المتموج إِلَى العصب
المفروش فِي مقعر الصماخ؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ
السّمع ذَلِك بل هُوَ حَالَة يخلقها الله فِي الْحَيّ، نعم
جرت سنة الله تَعَالَى أَنه لَا يخلقه عَادَة إلاَّ عِنْد
وُصُول الْهَوَاء إِلَيْهِ، وَلَا مُلَازمَة عقلا
بَينهمَا، وَالله تَعَالَى يسمع المسموع بِدُونِ هَذِه
الوسائط العادية. كَمَا أَنه يرى بِدُونِ المواجهة
والمقابلة وَخُرُوج الشعاع وَنَحْوه من الْأُمُور الَّتِي
لَا يحصل الإبصار عَادَة إلاَّ بهَا.
وَقَالَ الأعْمَشُ: عَنْ تَميمٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ
قالَتِ: الحَمْدُ لله الّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْواتَ،
فأنْزلَ الله تَعَالَى عَلى النبيِّ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
أَي: وَقَالَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن تَمِيم بن سَلمَة
الْكُوفِي التَّابِعِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: ... إِلَى
آخِره، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَحْمد وَالنَّسَائِيّ
بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور هُنَا، وَأخرجه ابْن مَاجَه من
رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن معن عَن الْأَعْمَش بِلَفْظ:
تبَارك الَّذِي وسع سَمعه كل شي، إِنِّي أسمع كَلَام
خَوْلَة، وَيخْفى عَليّ بعضه وَهِي تَشْتَكِي زَوجهَا
إِلَى رَسُول الله وَهِي تَقول: أكل شَبَابِي وَنَثَرت
لَهُ بَطْني حَتَّى إِذا كَبرت سني وَانْقطع وَلَدي ظَاهر
مني، اللَّهُمَّ إِنِّي أشكوا إِلَيْك، فَمَا بَرحت حَتَّى
نزل جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، بهؤلاء الْآيَات: {قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا
وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} انْتهى.
وَمعنى قَول عَائِشَة أوعى: وسع سَمعه الْأَصْوَات، لَا
أَنه اتَّسع صَوته لَهَا، لِأَن الْمَوْصُوف بِالسَّعَةِ
لَا يَصح وَصفه بالضيق بَدَلا مِنْهُ، والوصفان جَمِيعًا
من صِفَات الْأَجْسَام فيستحيل هَذَا فِي حق الله فَوَجَبَ
صرف قَوْلهَا عَن ظَاهره إِلَى مَا اقْتَضَاهُ صِحَة
الدَّلِيل.
7386 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْب، حدّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ، عنْ أيُّوبَ، عنْ أبي عُثْمانَ، عنْ أبي مُوساى
قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ فِي سَفَرٍ، فَكنَّا إِذا
عَلَوْنا كَبَّرْنا، فَقَالَ: أرْبَعُوا على أنْفُسِكُمْ
فإنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلَا غائِباً، تَدْعُونَ
سَمِيعاً بَصِيراً قَرِيباً ثُمَّ أتَى عَليَّ، وَأَنا
أقُولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
بِالله، فَقَالَ لي: يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ قُلْ: لَا
حَوْلَ وَلَا قوَّةَ إلاَّ بِالله، فإنّها كَنْزٌ مِنْ
كُنُوزِ الجَنَّةِ أوْ قَالَ: أَلا أدُلُّكَ بِهِ؟
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: تدعون سميعاً بَصيرًا
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو عُثْمَان عبد
الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون، وَأَبُو
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب الدُّعَاء
إِذا علا عقبَة، وَأخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد
عَن سُلَيْمَان بن حَرْب إِلَى آخِره، وبعين هَذَا
الْمَتْن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: أربعوا بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي:
ارْفَعُوا وَلَا تبالغوا فِي الْجَهْر، وَحكى ابْن التِّين
أَنه وَقع فِي رِوَايَة بِكَسْر الْبَاء، وَأَنه فِي كتب
أهل اللُّغَة وَبَعض كتب الحَدِيث بِفَتْحِهَا. قلت:
الْفَتْح هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ من الْكَلِمَة الَّتِي
فِي لَام فعله حرف حلق وَلَا يَجِيء مضارعه إلاَّ بِفَتْح
عين الْفِعْل. قَوْله: أَصمّ ويروى: أصماً، وَلَعَلَّه
لمناسبة: غَائِبا. قَوْله: وَلَا غَائِبا قَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمُنَاسب، وَلَا أعمى، وَقلت:
الْأَعْمَى غَائِب عَن الإحساس بالبصر وَالْغَائِب كالأعمى
فِي عدم رُؤْيَة ذَلِك المبصر، فنفى لَازمه ليَكُون أبلغ
وأعم، وَزَاد: الْقَرِيب، إِذْ رب سامع وباصر لَا يسمع
وَلَا يبصر لبعده عَن المحسوس، فَأثْبت الْقَرِيب لتبين
وجود الْمُقْتَضى وَعدم الْمَانِع، وَلم يرد بِالْقربِ قرب
الْمسَافَة لِأَنَّهُ تَعَالَى منزه عَن الْحُلُول فِي
مَكَان بل الْقرب بِالْعلمِ أَو هُوَ مَذْكُور عل سَبِيل
الِاسْتِعَارَة. قَوْله: كنز أَي: كالكنز فِي نفاسته. أَو
قَالَ شكّ من الرَّاوِي أَي: أَلا أدلك على كلمة هِيَ كنز
بِهَذَا الْكَلَام.
وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذَا الحَدِيث: نفي الآفة
الْمَانِعَة من السّمع، والآفة الْمَانِعَة من الْبَصَر
وَإِثْبَات كَونه سميعاً بَصيرًا قَرِيبا مُسْتَلْزم أَن
لَا يَصح أضداد
(25/92)
هَذِه الصِّفَات عَلَيْهِ.
7387 -، 7388 حدّثنا يَحْياى بنُ سُلَيْمان، حدّثني ابْن
وَهْبٍ، أَخْبرنِي عَمْرٌ و، عنْ يَزِيدَ عنْ أبي الخَيْرِ
سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو أنَّ أَبَا بَكْرٍ
الصِّدِّيقَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ للنَّبيِّ يَا رسولَ
الله عَلِّمْنِي دُعاءً أدعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ:
اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً،
وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ أنْتَ فاغْفِرْ لِي مِنْ
عِنْدِكَ مَغْفِرَةً إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الحَدِيث 7388: انْظُر الحَدِيث 834 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن بعض الذُّنُوب مِمَّا
يسمع وَبَعضهَا مِمَّا يبصر لم تقع مغفرته إلاَّ بعد
الإسماع والإبصار. وَقَالَ ابْن بطال: مناسبته
للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن دُعَاء أبي بكر بِمَا علمه
النَّبِي يَقْتَضِي أَن الله تَعَالَى سمع لدعائه ويجازيه
عَلَيْهِ، وَبِمَا ذكرنَا رد على من قَالَ: حَدِيث أبي بكر
لَيْسَ مطابقاً للتَّرْجَمَة إِذْ لَيْسَ فِيهِ ذكر صِفَتي
السّمع وَالْبَصَر.
وَيحيى بن سُلَيْمَان بن يحيى أَبُو سعيد الْجعْفِيّ
الْكُوفِي نزل بِمصْر وَمَات بهَا سنة سبع أَو ثَمَان
وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، يروي عَن عبد الله بن وهب
الْمصْرِيّ عَن عَمْرو بن الْحَارِث الْمصْرِيّ عَن يزِيد
من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب: وَاسم أبي حبيب سُوَيْد عَن
أبي الْخَيْر مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وبالثاء
الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الله، وَعبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الدُّعَاء
قبل السَّلَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: كثيرا بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الْمَشْهُور من
الرِّوَايَات، وَوَقع للقابسي بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
قَوْله: مغْفرَة أَي: عَظِيمَة، وَلَفظ: من عنْدك أَيْضا
يدل على التَّعْظِيم لِأَن عَظمَة الْمُعْطِي تَسْتَلْزِم
عَظمَة الْعَطاء.
7389 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا ابنُ
وَهْبٍ، أَخْبرنِي يُونُسُ، عنِ ابنِ شِهابٍ، حدّثني
عُرْوَةَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، حَدَّثَتْهُ،
قَالَ النَّبيُّ إنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ،
نادانِي قَالَ: إنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ
وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ
انْظُر الحَدِيث 323
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله مَشْهُورُونَ قد
ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث قد مضى بأتم مِنْهُ فِي بَدْء الْخلق.
قَوْله: وَمَا ردوا عَلَيْك أَي: أجابوك، أَو ردهم الدّين
عَلَيْك وَعدم قبولهم الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا ناداه بعد
رُجُوعه، من الطَّائِف ويأسه من أَهله.
10 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {قل هُوَ الْقَادِر} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {قل هُوَ
الْقَادِر} الْقُدْرَة من صِفَات الذَّات وَالْقُدْرَة
وَالْقُوَّة بِمَعْنى وَاحِد.
7390 - حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ، حدّثنا مَعْنُ
بنُ عِيسَى، حدّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي المَوَالِي
قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدَرِ يُحَدِّثُ
عَبْدَ الله بنَ الحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبرنِي جابرُ بنُ
عَبْدِ الله السَّلَمِيُّ قَالَ: كَانَ رسولُ الله
يُعَلِّمُ أصْحابَهُ الاسْتِخارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّها
كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ، يَقُولُ: إِذا
هَمَّ أحَدُكُمْ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ
غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي
أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ،
وأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فإنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أقْدِرُ،
وتَعْلَمُ وَلَا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ.
اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هاذا الأمْرَ، ثُمَّ
يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ خَيْراً لِي فِي عاجِلِ أمْرِي
وآجِلهِ قَالَ: أوْ فِي دِينِي ومَعاشِي وعاقِبَةِ أمْرِي
فاقْدُرْهُ لِي ويَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بارِكْ لِي فِيه.
اللَّهُمَّ. وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنّهُ شَرُّ لِي فِي
دِينِي ومَعاشِي، وعاقِبَةِ أمْرِي أوْ قَالَ: فِي عاجلِ
(25/93)
أمْرِي وآجِلِهِ فاصْرِفْني عَنْهُ واقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ
حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ.
انْظُر الحَدِيث 1162 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن الْحسن
بِلَفْظ التَّكْبِير فيهمَا ابْن عَليّ بن أبي طَالب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَ عبد الله كَبِير بني
هَاشم فِي وقته، وَكَانَ من الْعباد، وثّقه ابْن معِين
وَالنَّسَائِيّ وَهُوَ من صغَار التَّابِعين مَاتَ فِي حبس
الْمَنْصُور سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة وَله خمس
وَسَبْعُونَ سنة، وَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي البُخَارِيّ إلاَّ
فِي هَذَا الْموضع. قَوْله: السّلمِيّ بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَاللَّام.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب مَا
جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى، وَفِي كتاب الدَّعْوَات
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الاستخارة أَي: صَلَاة الاستخارة ودعائها، وَهِي
طلب الْخيرَة بِوَزْن العنبة اسْم من قَوْلك اخْتَارَهُ
الله. قَوْله: وأستقدرك أَي: أطلب مِنْك أَن تجْعَل لي
قدرَة عَلَيْهِ، وَالْبَاء فِي بعلمك، وبقدرتك يحْتَمل أَن
يكون للاستعانة وَأَن يكون للاستعطاف كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ
أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} أَي: بِحَق علمك،
وَيُقَال: قدرت الشَّيْء أقدره بِالضَّمِّ وَالْكَسْر
فَمَعْنَى أقدره أجعله مَقْدُورًا لي. قَوْله: ثمَّ
يُسَمِّيه بِعَيْنِه أَي: يذكر حَاجته مُعينَة باسمها.
قَوْله: ثمَّ رضني بِهِ أَي: اجْعَلنِي رَاضِيا بِهِ،
فَافْهَم. |