عمدة القاري شرح صحيح البخاري

11 - (بابُ مُقَلِّب القُلُوبِ. وقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} )

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر مُقَلِّب الْقُلُوب، هَذَا على تَقْدِير إِضَافَة الْبَاب إِلَى مُقَلِّب الْقُلُوب، وَيجوز قطع الْبَاب عَنهُ وَيكون مُقَلِّب مَرْفُوعا أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: الله مُقَلِّب الْقُلُوب، وَيكون التَّقْدِير: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: الله مُقَلِّب الْقُلُوب، وَمَعْنَاهُ مبدل الخواطر وناقض العزائم، فَإِن قُلُوب الْعباد تَحت قدرته يقلبها كَيفَ يَشَاء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لَا تحمله على حَقِيقَته بِأَن يكون مَعْنَاهُ يَا جَاعل الْقلب قلباً؟ قلت: لِأَن مظان اسْتِعْمَاله تنبو عَنهُ، وَفِيه أَن أغراض الْقلب كالإرادة وَنَحْوهَا بِخلق الله تَعَالَى، وَهَذَا من الصِّفَات الفعلية ومرجعه إِلَى الْقُدْرَة، وَقيل: سمي الْقلب بِهِ لِكَثْرَة تقلبه من حَال إِلَى حَال، قَالَ الشَّاعِر:
(وَمَا سمي الْإِنْسَان إلاَّ لأنسه ... وَلَا الْقلب إلاَّ أَنه يتقلب)

7391 - حدّثني سَعيد بنُ سُلَيْمانَ، عَن ابنِ المُبارَكِ، عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ، عنْ سالِمٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: أكْثَرُ مَا كَانَ النَّبيُّ يَحْلِفُ لَا ومُقَلِّبِ القُلُوبِ
انْظُر الحَدِيث 6617 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ سكن بَغْدَاد يلقب بسعدويه يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن عمر بن الْخطاب.
والْحَدِيث مضى فِي الْقدر عَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لَا ومقلب الْقُلُوب الْوَاو فِيهِ للقسم وَبعد لَا يقدر نَحْو: لَا أفعل أَو لَا أَقُول وَحقّ مُقَلِّب الْقُلُوب.

12 - (بَاب إنَّ لله مِائَةَ اسْمٍ إلاّ واحِداً قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: ذُو الجلالِ العَظَمَةِ البرُّ اللَّطِيفُ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِن لله مائَة اسْم إلاَّ وَاحِدًا، وَقد مضى فِي الدَّعْوَات: بَاب لله مائَة اسْم غير وَاحِد. قَوْله: قَالَ ابْن عَبَّاس، أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: تَفْسِير الْجلَال العظمة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ذُو الْجلَال الْعَظِيم. قَوْله: الْبر اللَّطِيف، أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: تَفْسِير الْبر اللَّطِيف.

7392 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عَن الأعْرَجِ، عَن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْماً مِائَةً إلاّ وَاحِدَة مَنْ أحْصاها دَخَلَ الجنَّةَ، أحْصَيناه: حَفِظْناهُ.
انْظُر الحَدِيث 2736 وطرفه

(25/94)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَعْنى ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي الشُّرُوط بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إلاَّ وَاحِدًا كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: إلاَّ وَاحِدَة، وَلَعَلَّ التَّأْنِيث بِاعْتِبَار الْكَلِمَة، أَو هِيَ للْمُبَالَغَة فِي الْوحدَة نَحْو: رجل عَلامَة وراوية، وَفَائِدَة مائَة إلاَّ وَاحِدَة التَّأْكِيد وَرفع التَّصْحِيف لِأَن تِسْعَة تتصحف بسبعة وَتِسْعين بسبعين وَالْحكمَة فِي الِاسْتِثْنَاء أَن الْوتر أفضل من الشفع أَن الله وتر يحب الْوتر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْغَرَض من الْبَاب إِثْبَات الْأَسْمَاء لله تَعَالَى.
وَاخْتلفُوا فِيهَا: فَقيل: الِاسْم عين الْمُسَمّى، وَقيل: غَيره، وَقيل: لَا هُوَ وَلَا غَيره، وَهَذَا هُوَ الْأَصَح. وَذكر نعيم بن حَمَّاد أَن الْجَهْمِية قَالُوا: إِن أَسمَاء الله تَعَالَى مخلوقة لِأَن الِاسْم غير الْمُسَمّى وَادعوا أَن الله كَانَ وَلَا وجود لهَذِهِ الْأَسْمَاء ثمَّ خلقهَا فتسمى بهَا، قَالَ: قُلْنَا لَهُم: إِن الله تَعَالَى قَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاََعْلَى} وَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَْمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فَأخْبر أَنه المعبود وَدلّ كَلَامه على اسْمه بِمَا دلّ بِهِ على نَفسه، فَمن زعم أَن اسْم الله مَخْلُوق فقد زعم أَن الله أَمر نبيه أَن يسبح مخلوقاً.
قَوْله: من أحصاها أَي: من حفظهَا وَعرفهَا، لِأَن الْعَارِف بهَا يكون مُؤمنا وَالْمُؤمن يدْخل الْجنَّة لَا محَالة. وَقيل: أَي عدَّدها مُعْتَقدًا بهَا، وَقيل: أطلق الْقيام بِحَقِّهَا وَالْعَمَل بمقتضاها. قَوْله: أحصيناه: حفظناه هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معنى الإحصاء هُوَ الْحِفْظ، والإحصاء فِي اللُّغَة يُطلق بِمَعْنى الْإِحَاطَة بِعلم عدد الشَّيْء وَقدره، وَمِنْه {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً} قَالَه الْخَلِيل، وَبِمَعْنى الإطاقة لَهُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الاَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ وَءَاتُواْ الزَّكَواةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أَي: لن تطيقوه.

13 - (بابُ السُّؤَالِ بِأسْماءِ الله تَعَالَى والاسْتِعاذَةِ بهَا)

أَي: هَذَا بَاب فِي السُّؤَال بأسماء الله تَعَالَى، قَالَ ابْن بطال: مَقْصُوده بِهَذِهِ التَّرْجَمَة تَصْحِيح القَوْل بِأَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى، فَلذَلِك صحت الِاسْتِعَاذَة بِالِاسْمِ كَمَا تصح بِالذَّاتِ. قلت: كَون الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى لَا يتمشى إِلَّا فِي الله تَعَالَى، كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب التَّوْضِيح هُنَا حَيْثُ قَالَ: غَرَض البُخَارِيّ أَن يثبت أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى فِي الله تَعَالَى على مَا ذهب إِلَيْهِ أهل السّنة.

7393 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثني مالِكٌ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيد المَقْبُرِيِّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا جاءَ أحَدُكُمْ فِراشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاَثَ مَرَّات ولْيَقُلِ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فاغْفِرْ لَها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصَّالِحِينَ
انْظُر الحَدِيث 6320
ذكر فِي هَذَا الْبَاب تِسْعَة أَحَادِيث كلهَا فِي التَّبَرُّك باسم الله عز وَجل وَالسُّؤَال بِهِ والاستعاذة. ومطابقة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بِاسْمِك رَبِّي وضعت جَنْبي وَبِك أرفعه وَقَالَ ابْن بطال: أضَاف الْوَضع إِلَى الِاسْم وَالرَّفْع إِلَى الذَّات فَدلَّ على أَن المُرَاد بِالِاسْمِ الذَّات وبالذات يستعان فِي الْوَضع وَالرَّفْع لَا بِاللَّفْظِ.
وَشَيخ البُخَارِيّ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس الأويسي الْمدنِي، يروي عَن مَالك بن أنس عَن سعيد بن أبي سعيد كيسَان ونسبته إِلَى مَقْبرَة الْمَدِينَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الدَّعْوَات وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: بصنفة ثَوْبه بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر النُّون وبالفاء وَهُوَ أَعلَى حَاشِيَة الثَّوْب الَّذِي عَلَيْهِ الهدب، وَقيل: جَانِبه، وَقيل: طرفه وَهُوَ المُرَاد هُنَا، قَالَه عِيَاض، وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِكَسْر الصَّاد وَسُكُون النُّون. وَالْحكمَة فِيهِ أَنه رُبمَا دخلت فِيهِ حَيَّة أَو عقرب وَهُوَ لَا يشْعر وَيَده مستورة بحاشية الثَّوْب لِئَلَّا يحصل فِي يَده مَكْرُوه إِن كَانَ هُنَاكَ شَيْء، وَذكر الْمَغْفِرَة عِنْد الْإِمْسَاك وَالْحِفْظ عِنْد الْإِرْسَال لِأَن الْإِمْسَاك كِنَايَة عَن الْمَوْت فالمغفرة تناسبه، والإرسال كِنَايَة عَن الْإِبْقَاء فِي الْحَيَاة فالحفظ يُنَاسِبه.
تابَعَهُ يَحْياى وبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ

(25/95)


أَي: تَابع عبد الْعَزِيز فِي رِوَايَته عَن مَالك عَن سعيد يحيى بن سعيد الْقطَّان وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن الْمفضل بتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة عَن عبيد الله بن عبد الله الْعمريّ عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، ومتابعة يحيى رَوَاهَا النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عَليّ وَابْن مثنى عَن يحيى عَن عبيد الله بِهِ، ومتابعة بشر بن الْمفضل فقد أخرجهَا مُسَدّد فِي مُسْنده.
وزَادَ زُهَيْرٌ وأبُو ضَمْرَةَ وإسْماعِيلُ بن زَكَرِيَّاءَ: عنْ عُبَيْد الله عَن سَعيد عَن أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَأَبُو ضَمرَة أنس بن عِيَاض وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا الخلقاني الْكُوفِي عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه كيسَان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي وَأَرَادَ بِالزِّيَادَةِ هِيَ لَفْظَة: أَبِيه، أما زِيَادَة زُهَيْر فقد مَضَت فِي الدَّعْوَات عَن أَحْمد بن يُونُس، وَكَذَلِكَ أخرجهَا أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عمر عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله إِذا آوى أحدكُم إِلَى فرَاشه فلينفض فرَاشه بداخلة إزَاره فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا خَلفه عَلَيْهِ، ثمَّ ليضطجع على شقَّه الْأَيْمن ... . الحَدِيث، أما زِيَادَة أبي ضَمرَة فأخرجها مُسلم عَن إِسْحَاق بن مُوسَى حَدثنَا أنس بن عِيَاض هُوَ أَبُو ضَمرَة حَدثنَا عبيد الله فَذكره؛ وَأما زِيَادَة إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا فرواها الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن يُونُس بن مُحَمَّد عَنهُ.
ورواهُ ابنُ عَجْلانَ عنْ سَعيد عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور مُحَمَّد بن عجلَان الْفَقِيه الْمدنِي عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن ابْن عجلَان عَن سعيد بِهِ.
تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ والدَّرَاوَرْدِيُّ وأُسامَة بنُ حَفْصٍ.
أَي: تَابع مُحَمَّد بن عجلَان مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي نِسْبَة إِلَى دراورد قَرْيَة بخراسان وَأُسَامَة بن حَفْص الْمدنِي يَعْنِي: هَؤُلَاءِ تابعوا مُحَمَّد بن عجلَان فِي روايتهم بِإِسْقَاط ذكر الْأَب بَين سعيد وَبَين أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أما مُتَابعَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي الْبَصْرِيّ ... .
وَأما مُتَابعَة الدَّرَاورْدِي فأخرجها مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر الْعَدنِي عَنهُ، وَأما مُتَابعَة أُسَامَة بن حَفْص ... . (1) .

7394 - حدّثنا مُسْلِمٌ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ عَبْدِ المَلِكِ، عنْ رِبْعِيَ، عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كانَ النّبيُّ إذَا أوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ باسِمِكَ أحْيا وأمُوتُ وإذَا أصْبَحَ قَالَ: الحَمْدُ الذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتنا وإلَيْهِ النُّشورُ

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَحْيَا وأموت
وَعبد الْملك بن عُمَيْر، ورِبْعِي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة الْغَطَفَانِي، وَكَانَ من الْعباد يُقَال: إِنَّه تكلم بعد الْمَوْت.
والْحَدِيث مضى فِي الدَّعْوَات فِي: بَاب وضع الْيَد الْيُمْنَى تَحت الخد الْأَيْمن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

7395 - حدّثنا سَعْدُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا شَيْبانُ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ. عنْ خَرَشَةَ بن الحُرِّ، عنْ أبي ذَرَ قَالَ: كانَ النبيُّ إذَا أخذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: باسْمِكَ نمُوتُ ونَحْيا

(25/96)


فإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الحَمْدُ الّذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتَنَا وإلَيْه النُّشُورُ
انْظُر الحَدِيث 6325
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بِاسْمِك نموت ونحيا
وَسعد بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي يُقَال لَهُ: الضخم، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن أَبُو مُعَاوِيَة، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وخرشة بالمعجمتين وَالرَّاء المفتوحات ابْن الْحر بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الرَّاء الْفَزارِيّ الْكُوفِي عَن أبي جُنْدُب بن جُنَادَة على الْمَشْهُور.
والْحَدِيث مضى فِي الدَّعْوَات عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة.

7396 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ سَالم، عنْ كُرَيْبٍ، عنِ ابْن عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذَا أرَادَ أنْ يأتِيَ أهْلَهُ فَقَالَ: بِاسمِ الله اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ، وجَنِّب الشَّيْطانَ مَا رزَقْتَنا، فإنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُما وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطانٌ أبَداً
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بِسم الله
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَسَالم هُوَ ابْن أبي الْجَعْد، وكريب مولى عبد الله بن عَبَّاس.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح عَن سعد بن حَفْص وَمر أَيْضا فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب التمسية على كل حَال وَعند الوقاع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن جرير.
قَوْله: إِن يقدر قيل: التَّقْدِير أزلي فَمَا وَجه أَن يقدر؟ وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِهِ تعلقه. قَوْله: لم يضرّهُ شَيْطَان ويروى: الشَّيْطَان، أَي: يكون من المخلصين.

7397 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة، حدّثنا فضَيْلٌ، عنْ مَنْصُور، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنْ هَمَّامٍ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قَالَ: سألْتُ النبيَّ قُلْتُ أُرسِلُ كِلاَبي المُعَلّمَةَ؟ قَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كِلاَبَكَ المُعلمَةَ وذَكَرْتَ اسْمَ الله فأمْسَكْنَ فَكُلْ، وإذَا رَمَيْتَ بِالمِعْرَاض فَخَزَقَ فَكُلْ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَذكرت اسْم الله
وفضيل مصغر فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن عِيَاض بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالضاد الْمُعْجَمَة ابْن مُوسَى أَبُو عَليّ التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي، ولد بسمرقند وَنَشَأ بأبيورد وَكتب الحَدِيث بِالْكُوفَةِ وتحول إِلَى مَكَّة فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وقبره بِمَكَّة مَشْهُور يزار، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَهَمَّام هُوَ ابْن الْحَارِث النَّخعِيّ.
والْحَدِيث مضى من وُجُوه كَثِيرَة فِي الصَّيْد.
قَوْله: كلابي المعلمة هِيَ الَّتِي تنزجر بالزجر وتسترسل بِالْإِرْسَال وَلَا تَأْكُل مِنْهُ مرَارًا. قَوْله: المعراض بِكَسْر الْمِيم سهم بِلَا ريش ونصل وغالباً يُصِيب بِعرْض عوده دون حَده، وَقيل: هُوَ نصل عريض لَهُ ثقل فَإِن قتل الصَّيْد بحده فجرحه ذكاه، وَهُوَ معنى: الخزق، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي فَيحل أكله، وَإِن قتل بعرضه فَهُوَ وقيذ لِأَن عرضه لَا يسْلك إِلَى دَاخله فَلَا يحل، وخزق بالزاي أَي جرح وَنفذ وَطعن فِيهِ، وَلَو صحت الرِّوَايَة بالراء فَمَعْنَاه: مرق.

7398 - حدّثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى، حدّثنا أبُو خالِدٍ الأحْمَرُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشامَ بنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عنْ أبِيهِ، عنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالُوا: يَا رسولَ الله إنَّ هُنا أقْواماً حَدِيثاً عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ يأتُونا بِلُحْمان لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ الله عَلَيْها أمْ لَا؟ قَالَ: اذْكُرُوا أنْتُمُ اسْمَ الله وكُلُوا
انْظُر الحَدِيث 2057 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: اذْكروا أَنْتُم اسْم الله
ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو خَالِد اسْمه سُلَيْمَان بن حَيَّان الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الذَّبَائِح عَن يُوسُف بن مُوسَى نَحوه.
قَوْله: حَدِيثا بِالتَّنْوِينِ وَعَهْدهمْ مَرْفُوع بِهِ. قَوْله: يَأْتُونَا قَالَ الْكرْمَانِي: بِالْإِدْغَامِ والفك. قلت: لَا إدغام هُنَا، وَإِنَّمَا هَذَا على لُغَة من يحذف نون الْجمع بِدُونِ جازم وناصب وَأَصله: يأتوننا. قَوْله: بلحمان بِضَم اللَّام

(25/97)


جمع لحم. قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ جَوَاز أكل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عِنْد الذّبْح. قلت كَأَنَّهُ لم يقْرَأ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى اأَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ والدَّراوَرْدِيُّ وأُسامَةُ بنُ حَفْصٍ
أَي: تَابع أَبَا خَالِد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي وَأُسَامَة بن حَفْص فِي رِوَايَته عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. أما مُتَابعَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فقد أخرجهَا البُخَارِيّ فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب من لم ير الوساوس وَنَحْوهَا من الشُّبُهَات، فَإِنَّهُ أخرجه عَن أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة ... الحَدِيث. وَأما مُتَابعَة الدَّرَاورْدِي فأخرجها مُحَمَّد بن يحيى الْعَدنِي عَنهُ. وَأما مُتَابعَة أُسَامَة بن حَفْص فقد أخرجهَا البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الصَّيْد فِي: بَاب ذَبِيحَة الْأَعْرَاب وَنَحْوهم عَن مُحَمَّد بن عبيد الله عَن أُسَامَة بن حَفْص الْمدنِي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة ... الحَدِيث.

7399 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ، حدّثنا هِشْامٌ، عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النّبيُّ بِكَبْشيْنِ يُسَمِّي ويُكَبِّرُ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: يُسَمِّي وَهِشَام هُوَ ابْن عبد الله الدستوَائي.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَضَاحِي عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: يُسَمِّي أَي: يذكر اسْم الله مثل الْبَسْمَلَة. قَوْله: وَيكبر أَي: يَقُول: الله أكبر.

7400 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، عنْ جُنْدَبٍ أنّهُ شَهِدَ النّبيَّ يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكانَها أُخْراى، ومَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ باسْمِ الله
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَهُوَ قَوْله: فليذبح باسم الله
والْحَدِيث مضى فِي الْعِيد فِي: بَاب كَلَام الإِمَام وَالنَّاس فِي خطْبَة الْعِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة عَن الْأسود عَن جُنْدُب ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

7401 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حّدثنا وَرْقاءُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النّبيُّ لَا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ، ومَنْ كَانَ حالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللَّه.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فليحلف بِاللَّه وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وورقاء مؤنث الأورق ابْن عمر الْخَوَارِزْمِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَيْمَان.
قَوْله: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ كَانُوا يحلفُونَ بهم فنهاهم عَن ذَلِك، قيل: ثَبت أَنه قَالَ: أَفْلح وَأَبِيهِ. وَأجِيب بِأَنَّهَا كلمة تجْرِي عل اللِّسَان عموداً للْكَلَام وَلَا يقْصد بهَا الْيَمين، وَالْحكمَة فِي النَّهْي هِيَ أَن الْحلف يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ وَحَقِيقَة العظمة مُخْتَصَّة بِاللَّه تَعَالَى، وَهَكَذَا حكم غير الْآبَاء من سَائِر الْمَخْلُوقَات.

14 - (بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ والنُّعوتِ وأسامِي الله، وَقَالَ خُبَيْبٌ: وذالِكَفي ذاتِ الإلاهِ، فَذَكَرَ الذَّاتَ باسْمِهِ تَعَالَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر فِي الذَّات، يُرِيد مَا يذكر فِي ذَات الله ونعوته: هَل هُوَ كَمَا يذكر أسامي الله؟ يَعْنِي: هَل يجوز إِطْلَاقه كإطلاق الْأَسَامِي أَو يمْنَع؟ وَالَّذِي يفهم من كَلَامه أَنه لَا يمْنَع، أَلا يرى كَيفَ اسْتشْهد على ذَلِك بقول خبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْأُخْرَى ابْن عدي الْأنْصَارِيّ قَوْله:
وَذَلِكَ فِي ذَات الإلاه وَإِن يشأيبارك على أوصال شلوٍ ممزع.
أنْشد ذَلِك وَقَبله بَيت آخر على مَا يَجِيء الْآن حِين أسر وَخَرجُوا بِهِ للْقَتْل، وَقد مَضَت قصَّته فِي غَزْوَة

(25/98)


بدر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ذكر حَقِيقَة الله بِلَفْظ الذَّات أَو ذكر الذَّات ملتبساً باسم الله وَقد سمع رَسُول الله قَول خبيب هَذَا وَلم يُنكره فَصَارَ طَرِيق الْعلم بِهِ التَّوْقِيف من الشَّارِع، قيل: لَيْسَ فِيهِ دلَالَة على التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَا يُرَاد بِالذَّاتِ الْحَقِيقَة الَّتِي هِيَ مُرَاد البُخَارِيّ بِقَرِينَة ضم الصّفة إِلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: مَا يذكر فِي الذَّات والنعوت. وَأجِيب: بِأَن غَرَضه جَوَاز إِطْلَاق الذَّات فِي الْجُمْلَة. قَوْله: والنعوت أَي: الْأَوْصَاف جمع نعت وَفرقُوا بَين الْوَصْف والنعت بِأَن الْوَصْف يسْتَعْمل فِي كل شَيْء حَتَّى يُقَال: الله مَوْصُوف، بِخِلَاف النَّعْت فَلَا يُقَال: الله منعوت، وَلَو قَالَ فِي التَّرْجَمَة: فِي الذَّات والأوصاف لَكَانَ أحسن. قَوْله: وأسامي الله قَالَ بَعضهم: الْأَسَامِي جمع اسْم. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل الْأَسَامِي جمع أَسمَاء وَأَسْمَاء جمع اسْم، فَيكون الْأَسَامِي جمع الْجمع.

7402 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي عَمْرُو بنُ أبي سُفْيانَ بنِ أسِيدِ بنِ جارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وكانَ مِنْ أصْحابِ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَث رسولُ الله عَشَرَةً مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأنْصاري، فَأَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عِياضٍ أنَّ ابْنَةَ الحارِثِ أخْبَرَتْهُ أنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعارَ مِنْها مُوساى يَسْتَحِدُّ بِها، فَلمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوُهُ، قَالَ خُبَيْبٌ الأنْصارِيُّ:
ولَسْتُ أُبالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً عَلى أيِّ شِقَ كَانَ لله مَصْرَعِيوذَلِكَ فِي ذاتِ الْإِلَه وإنْ يَشَأْيُبارِكْ عَلى أوْصالِ شِلْوٍ مُمزَّعِ
فَقَتَلهُ ابنُ الحارِثِ، فأخْبَرَ النبيُّ أصْحابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا.

أوضح بِهَذَا الحَدِيث قَوْله: وَقَالَ خبيب
(وَذَلِكَ فِي ذَات الإلاه)

وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَعَمْرو بن أبي سُفْيَان بن أسيد بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين ابْن جَارِيَة بِالْجِيم الثَّقَفِيّ حَلِيف بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي معاهدهم.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد مطولا فِي: بَاب هَل يستأسر الرجل.
قَوْله: عشرَة أَي عشرَة أنفس. قَوْله: فَأَخْبرنِي أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: فَأَخْبرنِي عبيد الله بن عِيَاض بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالضاد الْمُعْجَمَة ابْن عَمْرو الْمَكِّيّ، وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ: عبيد الله بن عِيَاض بن عمر والقاري حجازي. قَوْله: ابْنة الْحَارِث ابْن عَامر بن نَوْفَل بن عبد منَاف كَانَ خبيب قتل أَبَاهَا. قَوْله: حِين اجْتَمعُوا أَي: إخوتها لقَتله اقتصاصاً لأبيهم. قَوْله: اسْتعَار مِنْهَا ويروى: فاستعار مِنْهَا بِالْفَاءِ، قَالَ الْكرْمَانِي: الْفَاء زَائِدَة، وَجوز بعض النُّحَاة زيادتها أَو التَّقْدِير: اسْتعَار فاستعار، وَالْمَذْكُور مُفَسّر للمقدر. قَوْله: مُوسَى مفعل أَو فعلى منصرف وَغير منصرف على خلاف بَين الصرفيين. قَوْله: يستحد من الاستحداد وَهُوَ حلق الشّعْر بالحديد. قَوْله: وَلست أُبَالِي ويروى: مَا أُبَالِي، وَلَيْسَ مَوْزُونا إلاَّ بِإِضَافَة شَيْء إِلَيْهِ نَحْو: إِنَّا، قَوْله: شقّ بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف وَهُوَ النّصْف. قَوْله: مصرعي من الصرع وَهُوَ الطرح على الأَرْض وَيجوز أَن يكون مصدرا ميمياً وَيجوز أَن يكون اسْم مَكَان. قَوْله: فِي ذَات الإلاه أَي: فِي طَاعَة الله وسبيل الله. قَوْله: على أوصال جمع وصل وَيُرِيد بهَا المفاصل أَو الْعِظَام. قَوْله: شلو بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْعُضْو. قَوْله: ممزع بالزاي المفرق والمقطع. قَوْله: فَقتله ابْن الْحَارِث هُوَ عقبَة بِالْقَافِ ابْن الْحَارِث بن عَامر.

15

- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذاَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} وقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ ياعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله عز وَجل: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذاَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} ذكر هُنَا آيَتَيْنِ وَذكر ثَلَاث أَحَادِيث لبَيَان إِثْبَات نفس لله تَعَالَى، وَفِي

(25/99)


الْقُرْآن جَاءَ أَيْضا {قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُو اْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى} وَقَالَ ابْن بطال: النَّفس لفظ يحْتَمل مَعَاني وَالْمرَاد بِنَفسِهِ ذَاته فَوَجَبَ أَن يكون نَفسه هِيَ هُوَ وَهُوَ اجْتِمَاع، وَكَذَا قَالَ الرَّاغِب: نَفسه ذَاته، وَهَذَا وَإِن كَانَ يَقْتَضِي الْمُغَايرَة من حَيْثُ إِنَّه مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ فَلَا شَيْء من حَيْثُ الْمَعْنى سوى وَاحِد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتنزه عَن الاثنينية من كل وَجه، وَقيل: إِن إِضَافَة النَّفس هُنَا إِضَافَة ملك، وَالْمرَاد بِالنَّفسِ نفوس عباده وَفِي الْأَخير بعد لَا يخفى. وَقيل: ذكر النَّفس هُنَا للمشاكلة والمقابلة. قلت: هَذَا يمشي فِي الْآيَة الثَّانِيَة دون الأولى. وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله تَعَالَى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذاَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أَي: إِيَّاه. وَقيل: يحذركم عِقَابه، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ ياعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} أَي: وَلَا أعلم مَا فِي غيبك، وَقيل: مَعْنَاهُ تعلم مَا فِي غيبي وَلَا أعلم مَا فِي غيبك.

7403 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعْمَشُ، عنْ شَقِيقٍ. عنْ عَبْدِ الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنْ أحَدٍ أغْيَرُ مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَواحشَ، وَمَا أحَدٌ أحَبَّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله.

قيل: لَا مُطَابقَة هُنَا بَين التَّرْجَمَة وَهَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذكر النَّفس حَتَّى قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ قبل هَذَا الْبَاب فنقله النَّاسِخ إِلَى هَذَا الْبَاب، وَنسبه بَعضهم إِلَى أَن هَذَا غَفلَة من مُرَاد البُخَارِيّ، فَإِن ذكر النَّفس ثَابت فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي أوردهُ وَإِن كَانَ لم يَقع فِي هَذَا الطَّرِيق، وَهُوَ فِي هَذَا الحَدِيث أوردهُ فِي سُورَة الْأَنْعَام وَفِيه: وَلَا شَيْء أحب إِلَيْهِ الْمَدْح من الله وَكَذَلِكَ مدح نَفسه. قلت: هَذَا لَيْسَ غَفلَة مِنْهُ لِأَن كَلَامه على الظَّاهِر لِأَن الَّذِي يَنْبَغِي أَن لَا يذكر حَدِيث عقيب تَرْجَمَة إِلَّا وَيكون فِيهِ لفظ يُطَابق التَّرْجَمَة وإلاَّ يبْقى بِحَسب الظَّاهِر غير مُطَابق، وَمَعَ هَذَا اعتذر الْكرْمَانِي عَنهُ حَيْثُ قَالَ: لَعَلَّه أَقَامَ اسْتِعْمَال أحد مقَام النَّفس لتلازمهما فِي صِحَة اسْتِعْمَال كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَام الآخر، وَيُؤَيِّدهُ قَول غَيره: وَجه مطابقته أَنه صدر الْكَلَام بِأحد، وَأحد الْوَاقِع فِي النَّفْي عبارَة عَن النَّفس على وَجه مَخْصُوص، بِخِلَاف أحد الْوَاقِع فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه مر فِي الْكتاب غير مرّة.
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وشقيق بن سَلمَة أَبُو وَائِل، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي سُورَة الْأَنْعَام وَمضى أَيْضا فِي أَوَاخِر النِّكَاح فِي: بَاب الْغيرَة، بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
قَوْله: أغير من الله غيرَة الله هِيَ كراهيته الْإِتْيَان بالفواحش أَي: عدم رِضَاهُ بِهِ لَا عدم إِرَادَته، وَقيل: الْغَضَب لَازم الْغيرَة أَي: غَضَبه عَلَيْهَا، ثمَّ لَازم الْغَضَب إِرَادَة إِيصَال الْعقُوبَة عَلَيْهَا. قَوْله: أحب بِالنّصب والمدح بِالرَّفْع فَاعله وَهُوَ مثل مَسْأَلَة الْكحل، ويروى: أحب بِالرَّفْع وَهُوَ بِمَعْنى المحبوب لَا بِمَعْنى الْمُحب.

7404 - حدّثنا عَبْدان، عنْ أبي حَمْزَةَ، عَن الأعْمَشِ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَمَّا خَلَقَ الله الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتابِهِ: هُوَ يَكْتُبُ عَلى نَفْسِهِ وهْوَ وَضْعٌ عِنَدَهُ عَلى العَرْشِ إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: على نَفسه
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي؛ وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات السمان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا الْمُغيرَة يَعْنِي الْحزَامِي عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي، قَالَ: لما خلق الله الْخلق كتب فِي كِتَابه فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي
قَوْله: وَهُوَ وضع بِمَعْنى مَوْضُوع عِنْده، وَكَذَا فِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم، فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وضعت الشَّيْء من يَدي وضعا وموضعاً وموضوعاً، وَهُوَ مثل الْمَعْقُول وزنا.

7405 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا أبي، حَدثنَا الأعْمَشُ سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ يَقُولُ الله تَعَالَى: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنا مَعَهُ، إذَا

(25/100)


ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَني فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعاً، وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ ذِراعاً تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعاً، وإنْ أَتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ذكرته فِي نَفسِي
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي يَعْنِي: إِن ظن أَنِّي أعفو عَنهُ وأغفر لَهُ فَلهُ ذَلِك، وَإِن ظن الْعقُوبَة والمؤاخذة فَكَذَلِك، وَيُقَال: إِن كَانَ فِيهِ شَيْء من الرَّجَاء رجاه لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو إلاَّ مُؤمن بِأَن لَهُ ربّاً يجازي، وَيُقَال: إِنِّي قَادر على أَن أعمل بِهِ مَا ظن أَنِّي عَامله بِهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه إِشَارَة إِلَى تَرْجِيح جَانب الرَّجَاء على الْخَوْف. قَوْله: وَأَنا مَعَه أَي: بِالْعلمِ إِذْ هُوَ منزه عَن الْمَكَان، وَقيل: أَنا مَعَه بِحَسب مَا قصد من ذكره لي. قَوْله: فَإِن ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي يَعْنِي: إِن ذَكرنِي بالتنزيه وَالتَّقْدِيس سرّاً ذكرته بالثواب وَالرَّحْمَة سرّاً، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن ذَكرنِي بالتعظيم أذكرهُ بالإنعام. قَوْله: وَإِن ذَكرنِي فِي مَلأ أَي: فِي جمَاعَة ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُم يَعْنِي الْمَلَائِكَة المقربين. وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث نَص من الشَّارِع على أَن الْمَلَائِكَة أفضل من بني آدم، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور أهل الْعلم، وعَلى ذَلِك شَوَاهِد من كتاب الله تَعَالَى، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} وَلَا شكّ أَن الخلود أفضل من الفناء، فَكَذَلِك الْمَلَائِكَة أفضل من بني آدم وإلاَّ فَلَا يَصح معنى الْكَلَام. قلت: مَا وَافق أحد على أَن هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور، بل الْجُمْهُور على تَفْضِيل الْبشر، وَفِيه الْخلاف الْمَشْهُور بَين أهل السّنة والمعتزلة، وأصحابنا الْحَنَفِيَّة فصلوا فِي هَذَا تَفْصِيلًا حسنا: وَهُوَ أَن خَواص بني آدم أفضل من خَواص الْمَلَائِكَة، وعوام بني آدم أفضل من عوامهم، وخواص الْمَلَائِكَة أفضل من عوام بني آدم، واستدلالهم بِهَذَا الحَدِيث على تَفْضِيل الْمَلَائِكَة على بني آدم لَا يتم لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بالملأ الْخَيْر الْأَنْبِيَاء أَو أهل الفراديس. قَوْله: وَإِن تقرب إليّ بشبر هَكَذَا رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: بشبر، بِزِيَادَة الْبَاء فِي أَوله وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: شبْرًا، بِالنّصب أَي: مِقْدَار شبر، وَكَذَلِكَ تَقْدِير ذِرَاعا مِقْدَار ذِرَاع، وَتَقْدِير: باعاً مِقْدَار بَاعَ. قَوْله: هرولة أَي: إتياناً هرولة والهرولة الْإِسْرَاع وَنَوع من الْعَدو وأمثال هَذِه الإطلاقات لَيْسَ إلاَّ على سَبِيل التَّجَوُّز إِذْ الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة القاطعة قَائِمَة على استحالتها على الله تَعَالَى، فَمَعْنَاه: من تقرب إليّ بِطَاعَة قَليلَة أُجَازِيهِ بِثَوَاب كثير، وَكلما زَاد فِي الطَّاعَة أَزِيد فِي الثَّوَاب، وَإِن كَانَ كَيْفيَّة إِتْيَانه بِالطَّاعَةِ على التأني يكون كَيْفيَّة إتياني بالثواب على السرعة. فالغرض أَن الثَّوَاب رَاجِح على الْعَمَل مضاعف عَلَيْهِ كَمَا وكيفاً، وَلَفظ: النَّفس والتقرب والهرولة، إِنَّمَا هُوَ مجَاز على سَبِيل المشاكلة، أَو على طَرِيق الِاسْتِعَارَة، أَو على قصد إِرَادَة لوازمها، وَهُوَ من الْأَحَادِيث القدسية الدَّالَّة على كرم أكْرم الأكرمين وأرحم الرَّاحِمِينَ.