عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 16 - (بابُ قَوْلِ الله تَبَارَكَ
وَتَعَالَى: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَاهاًءَاخَرَ
لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ
وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل ... إِلَى آخِره.
قَوْله: وَكَذَا فِي قَوْله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو
الْجَلْالِ وَالإِكْرَامِ} وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه
الْآيَة والْحَدِيث دلَالَة على أَن لله وَجها، وَهُوَ من
صفة ذَاته وَلَيْسَ بجارحة وَلَا كالوجوه الَّتِي نشاهدها
من المخلوقين، كَمَا نقُول: إِنَّه عَالم وَلَا نقُول
إِنَّه كالعلماء الَّذين نشاهدهم. وَقَالَ غَيره: دلّت
الْآيَة على أَن المُرَاد بِالْوَجْهِ الذَّات المقدسة،
وَلَو كَانَت صفة من صِفَات الْعلم لشملها الْهَلَاك كَمَا
شَمل غَيرهَا من الصِّفَات، وَهُوَ محَال. وَقَالَ
الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِن المُرَاد بِالْوَجْهِ
الذَّات، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إلاّ جاهه، وَاحْتج
بقوله: لفُلَان جاه فِي النَّاس، أَي: وَجه. وَقيل: إلاَّ
إِيَّاه، وَلَا يجوز أَن يكون وَجهه غَيره لِاسْتِحَالَة
مُفَارقَته لَهُ بِزَمَان أَو مَكَان أَو عدم أَو وجود،
فَثَبت أَن لَهُ وَجها لَا كالوجوه لِأَنَّهُ {فَاطِرُ
السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ
أَزْوَاجاً وَمِنَ الاَْنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ
فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ}
7406 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا حَمَّادٌ عنْ
عَمْرٍ وعنْ جابِرٍ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: لمّا نزَلَتْ
هاذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ
عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ
أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ
بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ
الاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} قَالَ النَّبيَّ
أعُوذُ
(25/101)
بِوَجْهِكَ فَقَالَ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ
عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ
أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً
وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ
نُصَرِّفُ الاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} فَقَالَ
النبيُّ أعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ
عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ
أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً
وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ
نُصَرِّفُ الاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} فَقَالَ
النبيُّ هَذَا أيْسَرُ
انْظُر الحَدِيث 4628 وطرفه [/ / مح
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أعوذ بِوَجْهِك
وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَعمر هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث مر فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد إِلَى
آخِره نَحوه، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الِاعْتِصَام
بِالْكتاب وَالسّنة فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {أَو
يلْبِسكُمْ شيعًا} فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن
عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو عَن جَابر، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: هَذَا أيسر وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: هَذِه،
وَسقط فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ لفظ: الْإِشَارَة.
17 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِى
التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ
الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ
لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى} تُغَذَّى. وقَوْلهُ جَلَّ
ذِكْرُهُ: {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ
كُفِرَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَوْله جلّ ذكره ... إِلَى
آخِره. وَأَشَارَ بالآيتين إِلَى أَن لله تَعَالَى صفة
سَمَّاهَا عينا لَيست هُوَ وَلَا غَيره وَلَيْسَت كالجوارح
المعقولة بَيْننَا لقِيَام الدَّلِيل على اسْتِحَالَة
وَصفه بِأَنَّهُ ذُو جوارح وأعضاء، خلافًا لما يَقُوله
المجسمة من أَنه تَعَالَى جسم لَا كالأجسام، وَقيل: على
عَيْني أَي: على حفظي، وتستعار الْعين لمعان كَثِيرَة.
قَوْله: تغذى كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ
وَالْمُسْتَمْلِي بِضَم التَّاء وَفتح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة بعْدهَا ذال مُعْجمَة من التغذية، وَوَقع فِي
نُسْخَة الصغاني بِالدَّال الْمُهْملَة وَلَيْسَ بِفَتْح
أَوله على حذف التَّاءَيْنِ فَإِنَّهُ تَفْسِير: تصنع،
وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا التَّفْسِير لعبادة،
وَيُقَال: صنعت الْفرس إِذا أَحْسَنت الْقيام عَلَيْهِ
قَوْله: د ذ أَي: بعلمنا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أما
الْعين فَالْمُرَاد مِنْهَا المرآى أَو الْحِفْظ، وبأعيننا
أَي: وبمرآى منا، أَو هُوَ مَحْمُول على الْحِفْظ إِذْ
الدَّلِيل مَانع عَن إِرَادَة الْعُضْو، وَأما الْجمع
فَهُوَ للتعظيم.
7407 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيل، حَدثنَا
جُوَيْرِيَةُ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: ذُكِرَ
الدَّجَّالُ عِنْدَ النّبيِّ فَقَالَ: إنَّ الله لَا
يَخْفَى عَليْكُمْ إنَّ الله لَيْسَ بأعْوَرَ وأشارَ
بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ وإنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ
أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ
طافِئَةٌ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: إِن الله لَيْسَ
بأعور وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عينه لِأَن فِيهِ إِثْبَات
الْعين.
وَجُوَيْرِية هُوَ ابْن أَسمَاء.
والْحَدِيث من أَفْرَاده بِهَذَا الْوَجْه، قَالَ
الْحَافِظ الْمزي: وَفِي كتاب أبي مَسْعُود: عَن مُسَدّد،
بدل: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَالَّذِي فِي الصَّحِيح
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، هَكَذَا مَنْسُوب فِي عدَّة أصُول.
قَوْله: إِن الله لَيْسَ بأعور قيل: فِي إِشَارَته إِلَى
الْعين نفي العور وَإِثْبَات الْعين، وَلما كَانَ منزهاً
عَن الجسمية والحدقة وَنَحْوهمَا لَا بُد من الصّرْف إِلَى
مَا يَلِيق بِهِ. واحتجت المجسمة بقوله: إِن الله لَيْسَ
بأعور وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عينه على أَن عينه
كَسَائِر الْأَعْين. قُلْنَا: إِذا قَامَت الدَّلَائِل على
اسْتِحَالَة كَونه مُحدثا وَجب صرف ذَلِك إِلَى معنى
يَلِيق بِهِ وَهُوَ نفي النَّقْص والعور عَنهُ جلت عَظمته،
وَأَنه لَيْسَ كمن لَا يرى وَلَا يبصر، بل منتفٍ عَنهُ
جَمِيع النقائص والآفات. قَوْله: أَعور عين الْيُمْنَى من
بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته. قَوْله: طافئة أَي:
ناتئة شاخصة، ضد راسبة.
7408 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ، حَدثنَا شُعْبَةُ،
أخبرنَا قَتادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أنَساً، رَضِي الله
عَنهُ، عَنِ النّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا
بَعَثَ الله مِنْ نَبِيَ إلاّ أنْذَرَ قَوْمَهُ الأعْوَرَ
الكَذَّابَ، إنَّهُ أعْوَرُ وإنَّ ربَّكُمْ لَيْسَ
بأعْورَ، مَكْتُوبٌ بَينَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ
انْظُر الحَدِيث 7131
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
والْحَدِيث مضى فِي الْفِتَن عَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
قَوْله: الْأَعْوَر الْكذَّاب أَي: الدَّجَّال. قيل:
مَعْلُوم أَنه لَيْسَ الرب بدلائل مُتعَدِّدَة. وَأجِيب:
بِأَن ذَلِك مَعْلُوم للْعُلَمَاء، وَالْمَقْصُود أَن
يُشِير إِلَى أَمر محسوس تُدْرِكهُ الْعَوام.
(25/102)
18 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {هُوَ
اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ
الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى
السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل ... إِلَى آخِره.
قَوْله: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ
الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ
مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ} كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
والتلاوة: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ
الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ
مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ} وَثَبت كَذَلِك فِي بعض النّسخ من رِوَايَة
كَرِيمَة، وَقَالَ شيخ شَيْخي الطَّيِّبِيّ: قيل: إِن
الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة مترادفة، وَهُوَ وهم، فَإِن
الْخَالِق من الْخلق وَأَصله: التَّقْدِير الْمُسْتَقيم،
وَيُطلق على الإبداع وَهُوَ إِيجَاد الشَّيْء على غير
مِثَال. كَقَوْلِه: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ
بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وعَلى التكوين
كَقَوْلِه: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا
هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} والبارىء من الْبُرْء وَأَصله خلوص
الشَّيْء عَن غَيره إِمَّا على سَبِيل التفصي مِنْهُ
كَقَوْلِهِم: برىء فلَان من مَرضه والمديون من دينه،
وَإِمَّا على سَبِيل الْإِنْشَاء وَمِنْه برأَ الله
النَّسمَة. وَقيل: البارىء الْخَالِق البرىء من
التَّفَاوُت والتنافر المخلين بالنظام، والمصور مبدع صور
المخترعات ومرتبها بِحَسب مُقْتَضى الْحِكْمَة
وَالثَّلَاثَة من صِفَات الْفِعْل إلاَّ إِذا أُرِيد
بالخالق الْمُقدر فَيكون من صِفَات الذَّات، لِأَن مرجع
التَّقْدِير إِلَى الْإِرَادَة والخلق فِي حق غير الله
يَقع بِمَعْنى التَّقْدِير، وَبِمَعْنى: الْكَذِب،
والبارىء خص بِوَصْف الله تَعَالَى والبرية الْخلق، قيل:
أَصله الْهمزَة فَهُوَ من برأَ، وَقيل: أَصله الْبري من
بريت الْعود، وَقيل: الْبَريَّة من البرى بِالْقصرِ وَهُوَ
التُّرَاب، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ موحد الْخلق من
الْبري وَهُوَ التُّرَاب، والمصور مَعْنَاهُ المهيىء قَالَ
تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الاَْرْحَامِ
كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ} وَالصُّورَة فِي الأَصْل مَا يتَمَيَّز بِهِ
الشَّيْء عَن غَيره.
7409 - حدّثنا إسْحاقُ، حدّثنا عَفَّانُ، حدّثنا وُهَيْبٌ،
حدّثنا مُوساى هُوَ ابنُ عُقْبَةَ، حدّثني مُحَمَّدُ بنُ
يَحْياى بنِ حَيَّانَ، عنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ، عنْ أبي
سَعِيدٍ الخدْرِيِّ فِي غَزْوَة بَنِي المُصْطَلِقِ
أنَّهُمْ أصابُوا سَبايا فأرادُوا أنْ يَسْتَمْتِعُوا
بِهِنَّ وَلَا يَحْمِلْنَ، فَسَألُوا النبيَّ عنِ العَزْل،
فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا تَفْعَلُوا فإنَّ الله
قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خالِقٌ إِلَى يَوْم القِيامَةِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: من هُوَ خَالق إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة
وَإِسْحَاق قَالَ الغساني: هُوَ إِمَّا ابْن مَنْصُور،
وَإِمَّا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، قيل: يُؤَيّد أَنه ابْن
مَنْصُور أَن ابْن رَاهَوَيْه لَا يَقُول إِلَّا: أخبرنَا،
وَهنا ثَبت فِي النّسخ: حَدثنَا، وَعَفَّان هُوَ ابْن
مُسلم الصفار، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ،
وَمُحَمّد بن يحيى بن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْأنْصَارِيّ، وَابْن
محيريز هُوَ عبد الله بن محيريز بِضَم الْمِيم وَفتح
الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر
الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالزاي الجُمَحِي
الْقرشِي السَّامِي.
وَمضى الحَدِيث فِي النِّكَاح فِي: بَاب الْعَزْل.
قَوْله: المصطلق بِكَسْر اللَّام. قَوْله: عَن الْعَزْل
وَهُوَ نزع الذّكر من الْفرج، وَقت الْإِنْزَال. قَوْله:
مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا أَي: لَيْسَ عَلَيْكُم
ضَرَر فِي ترك الْعَزْل، أَو: لَيْسَ عدم الْعَزْل
وَاجِبا. عَلَيْكُم، وَقَالَ الْمبرد: لَا زَائِدَة.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: عنْ قَزَعَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ
فَقَالَ: قَالَ النبيُّ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاَّ
الله خالِقُها
قزعة هُوَ ابْن يحيى وَهُوَ من الأقران لِأَن مُجَاهدًا
فِي طبقَة قزعة. قَوْله: سَمِعت وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:
سَأَلت والمسؤول عَنهُ مَحْذُوف، وَقد وصل هَذَا
التَّعْلِيق مُسلم من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد بِلَفْظ: ذكر الْعَزْل
عِنْد رَسُول الله، فَقَالَ: وَلم يفعل ذَلِك أحدكُم، وَلم
يقل: فَلَا يفعل ذَلِك. قَوْله: مخلوقة أَي: مقدرَة الْخلق
أَو مَعْلُومَة الْخلق عِنْد الله أَي: لَا بُد لَهَا من
مجيئها من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، والخلق من صِفَات
الْفِعْل وَهُوَ رَاجع إِلَى صفة الْقُدْرَة.
19
- (بابُ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: {قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا
مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ
أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}
(25/103)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل:
{قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ
الْعَالِينَ} وَالْيَد هُنَا الْقُدْرَة. وَقَالَ أَبُو
الْمَعَالِي: ذهب بعض أَئِمَّتنَا إِلَى أَن الْيَدَيْنِ
والعينين وَالْوَجْه صِفَات ثَابِتَة للرب والسبيل إِلَى
إِثْبَاتهَا السّمع دون قَضِيَّة الْعقل، وَالَّذِي يَصح
عندنَا حمل الْيَدَيْنِ على الْقُدْرَة والعينين على
الْبَصَر وَالْوَجْه على الْوُجُود، وَقَالَ ابْن بطال:
فِي هَذِه الْآيَة ثبات الْيَدَيْنِ لله تَعَالَى وليستا
بجارحتين خلافًا للمشبهة من المثبتة، وللجهمية من المعطلة.
7410 - حدّثنا مُعاذُ بنُ فَضالَةَ، حَدثنَا هِشامٌ، عَن
قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ أنَّ النّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: يَجْمَعُ الله المُؤْمِنِينَ يَوْمَ
القِيامةِ كذالِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنا
إِلَى ربِّنا حتَّى يُرِيحَنا مِنْ مَكانِنا هاذَا،
فَيأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُون: يَا آدَمُ أما تَرَى
النَّاسَ؟ خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ وأسْجَدَ لَكَ
مَلائِكَتَهُ، وعَلَّمَكَ أسْماءَ كُل شَيْءٍ شَفِّعْ لَنا
إِلَى ربِّنا حتَّى يُرِيحَنا مِنْ مَكانِنا هاذَا،
فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكَ ويَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ
التِي أصابَ ولَكِنِ ائْتُوا نُوحاً فإنَّهُ أوَّلُ رسولٍ
بَعَثَهُ الله إِلَى أهْلِ الأرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحاً
فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكمْ ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي
أصابَ ولَكِنِ ائْتُوا إبْرَاهِيمَ خَليلَ الرَّحْمانِ،
فَيأتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لسْتُ هُناكُمْ
ويَذْكُرُ لَهُمْ خَطاياهُ الّتِي أصابَها ولَكِنِ ائْتُوا
مُوسَى عَبْداً آتاهُ الله التَّوْرَاةَ وكَلَّمَهُ
تَكْلِيماً، فَيأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ
ويَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أصابَ ولَكِنِ
ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ الله ورسولَهُ وكَلِمَتَهُ
ورُوحَهُ، فَيأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لسْتُ هُناكُمْ،
ولَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّداً عبْداً غُفِرَ لهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأخَّرَ، فَيأْتُونِي
فأنْطَلِقُ فأسْتأذِنُ عَلى ربِّي فَيُؤْذَنُ لِي
عَلَيْهِ، فإذَا رأيْتُ ربِّي وقَعْتُ لهُ ساجِداً،
فَيَدَعُنِي مَا شاءَ الله أنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقالُ
لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وقُلْ يُسْمَعْ وسلْ تُعْطَهْ
واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأحْمَدُ رَبِّي بِمَحامِدِ
عَلَّمَنِيها، ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدّاً،
فأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أرْجِعُ فَإِذا رأيْتُ
ربِّي وقَعْتُ ساجِداً فَيَدَعُني مَا شاءَ الله أنْ
يَدَعَنِي ثُمَّ يُقالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وقُلْ يُسْمَعْ
وسَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأحْمَدُ ربِّي
بِمَحامِدَ عَلَّمَنِيها ربِّي ثُمَّ أشفَعُ فَيَحُدُّ لي
حدّاً فأُدْخِلُهُمُ الجَنَّة، ثُمَّ أرْجِعُ فإذَا رأيْتُ
ربِّي وقَعْت ساجِداً فَيَدَعُني مَا شاءَ الله أنْ
يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ قُلْ يُسْمَعْ
وسَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأحْمَدُ رَبِّي
بِمَحامدَ عَلَّمَنِيها ثُمَّ أشْفَعُ فَيُحَدُّ لِي
حَدّاً فأدْخِلُهُمُ الجَنّةَ، ثُمَّ أرْجِعُ فأقُولُ: يَا
ربِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إلاّ مَنْ حَبَسَهُ
القُرْآنُ وَوجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ
قَالَ النبيُّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ
إلاهَ إِلَّا الله وكانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا
يَزِنُ شَعيرَةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ
لَا إلاهَ إلاّ الله وكانَ فِي قَلْبه مِنَ الخَيرِ مَا
يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ:
لاَ إلاهَ إلاّ الله وكانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ
الخَيْرِ ذَرَّةً
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: خلقك الله بِيَدِهِ
ومعاذ بن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَحكي ضم الْفَاء، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي.
والْحَدِيث مضى فِي أول تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة عَن
مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام وَعَن خَليفَة عَن يزِيد
بن زُرَيْع عَن سعيد عَن قَتَادَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: يجمع مَعَ الله الْمُؤمنِينَ يتَنَاوَل كل
الْمُؤمنِينَ من الْأُمَم الْمَاضِيَة. قَوْله: كَذَلِك
أَي: مثل الْجمع الَّذِي نَحن عَلَيْهِ. قَوْله: لَو
اسْتَشْفَعْنَا الْجَزَاء مَحْذُوف أَو كلمة: لَو،
لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى الْجَزَاء. قَوْله:
يُرِيحنَا بِضَم الْيَاء
(25/104)
وَكسر الرَّاء من الإراحة. قَوْله: من
مَكَاننَا هَذَا أَي: من الْموقف بِأَن يحاسبوا ويخلصوا من
حر الشَّمْس والغموم والكروب وَسَائِر الْأَهْوَال مِمَّا
لَا يُطِيقُونَ وَلَا يحملون. قَوْله: أما ترى النَّاس
أَي: فِيمَا هم فِيهِ. قَوْله: شفع أَمر من التشفيع وَهُوَ
قبُول الشَّفَاعَة. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ لَا
يُنَاسب الْمقَام اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يُقَال: هُوَ تفعيل
للتكثير وَالْمُبَالغَة، وَفِي بعض النّسخ: اشفع، أَمر من
شفع يشفع. قَوْله: لست هُنَاكَ أَي: لَيْسَ لي هَذِه
الْمرتبَة والمنزلة، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين فِي
الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ؛
هُنَاكُم، قَوْله: خطيئته الَّتِي أصَاب وَهِي أكل
الشَّجَرَة. قَوْله: نوحًا بِالتَّنْوِينِ منصرف لسكون
أوسطه. قَوْله: فَإِنَّهُ أول رَسُول بَعثه الله إِلَى أهل
الأَرْض قَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُومه أَن آدم، عَلَيْهِ
السَّلَام، لَيْسَ برَسُول، وَأجَاب بِأَنَّهُ لم يكن
للْأَرْض أهل وَقت آدم وَهُوَ مُقَيّد بذلك. انْتهى. قلت:
كَذَا ذكر صَاحب التَّوْضِيح السُّؤَال وَالْجَوَاب،
وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة من كَلَام ابْن بطال، وَكَذَا
قَالَه الدَّاودِيّ ثمَّ قَالَ ابْن بطال: فَإِن قيل: لما
تناسل مِنْهُ وَلَده وَجب أَن يكون رَسُولا إِلَيْهِم.
قيل: لما أهبط آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَى الأَرْض
علمه الله أَحْكَام دينه وَمَا يلْزمه من طَاعَة ربه،
وَلما حدث وَلَده بعده حملهمْ على دينه وَمَا هُوَ
عَلَيْهِ من شَرِيعَة ربه، كَمَا أَن الْوَاحِد منا إِذا
ولد لَهُ ولد يحملهُ على سنته وطريقته وَلَا يسْتَحق بذلك
أَن يُسمى رَسُولا، وَإِنَّمَا سمي نوح رَسُولا لِأَنَّهُ
بعث إِلَى قوم كفار لِيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِيمَان. قلت:
لقَائِل أَن يَقُول: إِن قابيل لما قتل هابيل وهرب من آدم
وَعصى عَلَيْهِ وَمَعَهُ أَوْلَاده فآدم دعاهم إِلَى
الطَّاعَة وَإِلَى دينه، فَهَذَا يُطلق عَلَيْهِ أَنه أرسل
إِلَيْهِم فَإِذا صَحَّ هَذَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب شافٍ
فِي الْوَجْه بَين هَذَا وَبَين قَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام: فَإِنَّهُ أول رَسُول بَعثه الله إِلَى أهل
الأَرْض وَهنا شَيْء آخر وَهُوَ أَن أهل التَّارِيخ ذكرُوا
أَن إِدْرِيس، عَلَيْهِ السَّلَام، جد نوح فَإِن صَحَّ أَن
إِدْرِيس رَسُول لم يَصح قَوْلهم: إِنَّه قبله، وإلاَّ
احْتمل أَن يكون إِدْرِيس غير مُرْسل. قَوْله: وَيذكر
خطيئته الَّتِي أصَاب وَهِي دَعوته: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ
لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً}
قَوْله: خطاياه وخطايا إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام،
كذباته الثَّلَاث: (إِنِّي مُسْتَقِيم) و (بل فعله
كَبِيرهمْ) وَإِنَّهَا أُخْتِي أَي: سارة، عَلَيْهَا
السَّلَام. قَوْله: وكلمته لوُجُوده بِمُجَرَّد قَول كن
قَوْله: وروحه لنفخ الرّوح فِي مَرْيَم، عَلَيْهَا
السَّلَام. قَوْله: فَيُؤذن لي وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن
الْكشميهني: وَيُؤذن لي، بِالْوَاو. قَوْله: فيدعني أَي:
يتركني. قَوْله: ارْفَعْ أَي: رَأسك يَا مُحَمَّد. قَوْله:
وَقل يسمع بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ
والكشميهني بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: وسل
تعطه وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: تعط،
بِلَا هَاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَوْله: وَاشْفَعْ تشفع
أَي: تقبل شفاعتك. قَوْله: فَيحد لي حدّاً أَي: يعين لي
قوما مخصوصين للتخليص، وَذَلِكَ إِمَّا بِتَعْيِين ذواتهم
وَإِمَّا بَيَان صفاتهم. قَوْله: إِلَّا من حَبسه
الْقُرْآن إِسْنَاد الْحَبْس إِلَيْهِ مجَاز يَعْنِي: من
حكم الله فِي الْقُرْآن بخلوده وهم الْكفَّار، قَالَ الله
تَعَالَى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَرَسُولاً إِلَى بَنِى
إِسْرَاءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن
رَّبِّكُمْ أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا
بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِىءُ الاَْكْمَهَ والاَْبْرَصَ
وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم
بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ
إِنَّ فِي ذاَلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَلاُِحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ
عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّى
وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ
أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ
أَنْصَارُ اللَّهِءَامَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ رَبَّنَآءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلَتْ
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ
وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللَّهُ ياعِيسَى إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ
الَّذِينَ كَفَرُو اْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ
فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُو اْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا
كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ
فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا
وَالاَْخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ وَأَمَّا
الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ ذاَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ
وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ
كَمَثَلِءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ
كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن
الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا
جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ
أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ
وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل
لَّعْنَتُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ إِنَّ هَاذَا
لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَاهٍ إِلاَّ
اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ
نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً
وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ
اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِى
إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإْنْجِيلُ
إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ هاأَنتُمْ
هَاؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ
تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن
كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَاذَا النَّبِىُّ
وَالَّذِينَءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ
وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَ أَنفُسَهُمْ وَمَا
يَشْعُرُونَ ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ
بِأَيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ياأَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَقَالَت
طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِءَامِنُواْ بِالَّذِي
أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَءَامَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ
وَاكْفُرُو اْءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلاَ
تُؤْمِنُو اْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ
الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى اأَحَدٌ مِّثْلَ مَآ
أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ
الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَمِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا
ذاَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى
الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ
خَلَاقَ لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ
اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَإِنَّ
مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ
عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ
اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ
يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّى مِن دُونِ
اللَّهِ وَلَاكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ
تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ
وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلَائِكَةَ
وَالنَّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ
بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَآءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا
مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ
قَالَءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِى
قَالُو اْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ
مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ
ذاَلِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ أَفَغَيْرَ
دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى
السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُونَ قُلْءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ
عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاَْسْبَاطِ
وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن
رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ
الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى
الاَْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ
قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُو اْ أَنَّ
الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ
يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُوْلَائِكَ جَزَآؤُهُمْ
أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ
عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ إِلاَّ
الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذاَلِكَ وَأَصْلَحُواْ
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا
لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَائِكَ هُمُ
الضَّآلُّونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ
كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الاَْرْضِ
ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ لَن تَنَالُواْ
الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا
تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ كُلُّ
الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا
حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن
تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ
فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ
مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِءَايَاتٌ
بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ
كَانَءَامِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ
الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تَكْفُرُونَ بِئَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ
عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْءَامَنَ تَبْغُونَهَا
عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو اْ إِن
تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ
تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْءَايَاتُ
اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ
فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ ياأَيُّهَا
الَّذِينَءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ
تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى
شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا
كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ
تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن
بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَائِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ
أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ
بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ
وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ تِلْكَءَايَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ
بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ
وَللَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الاُْمُورُ كُنتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَوْءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ
مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ
يُوَلُّوكُمُ الاَْدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُو اْ إِلاَّ
بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآءُوا
بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الْمَسْكَنَةُ ذالِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ
بِئَايَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الاَْنْبِيَآءَ بِغَيْرِ
حَقٍّ ذالِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ
قَآئِمَةٌ يَتْلُونَءَايَاتِ اللَّهِءَانَآءَ الَّيْلِ
وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الاَْخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ
وَأُوْلَائِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ
خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالْمُتَّقِينَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِىَ
عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلَادُهُمْ مِّنَ اللَّهِ
شَيْئاً وَأُوْلَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ} وَنَحْوه. قيل: أول الحَدِيث يشْعر بِأَن
هَذِه الشَّفَاعَة فِي العرصات لخلاص جَمِيع أهل الْموقف
من أهواله، وَآخره يدل على أَنَّهَا للتخليص من النَّار.
وَأجِيب: بِأَن هَذِه شفاعات مُتعَدِّدَة: فَالْأولى
لأهوال الْموقف وَهُوَ الْمُسْتَفَاد من: يُؤذن لي
عَلَيْهِ.
قَوْله: قَالَ النَّبِي، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الأول وَلَيْسَ بإرسال وَلَا تَعْلِيق. قَوْله: من
الْخَيْر من الْإِيمَان. قَوْله: مَا يزن أَي: مَا يعدل.
قَوْله: ذرة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة.
وَفِي الحَدِيث: بَيَان فَضِيلَة النَّبِي، حَيْثُ أَتَى
بِمَا خَافَ مِنْهُ غَيره. وَفِيه: شَفَاعَته لأهل
الْكَبَائِر من أمته خلافًا للمعتزلة والقدرية والخوارج
فَإِنَّهُم يُنْكِرُونَهَا. وَفِيه الدّلَالَة على وُقُوع
الصَّغَائِر مِنْهُم، نَقله ابْن بطال عَن أهل السّنة،
وأطبقت الْمُعْتَزلَة والخوارج على أَنه: لَا يجوز
وُقُوعهَا مِنْهُم. قلت: أَنا على قَوْلهم فِي هَذِه
الْمَسْأَلَة خَاصَّة.
7411 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حدّثنا
أبُو الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَدُ الله
مَلْآى لَا يَغِيضُها نَفَقَةٌ سَحَّاء اللَّيْلَ
والنَّهارَ.
وَقَالَ: أرأيْتُمْ مَا أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماواتِ
والأرْضِ، فإنّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ
وَقَالَ: وكانَ عَرْشَهُ عَلى الماءِ وبِيَدِهِ الأُخْرَى
المِيزَانُ يَخْفِضُ ويَرْفَعُ
ا
(25/105)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: مُنْذُ
خلق السَّمَوَات
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد
بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد
الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن مضى فِي
تَفْسِير سُورَة هود وَفِيه زِيَادَة، وَهِي فِي أَوله
قَالَ: قَالَ الله عز وَجل: أنْفق أنْفق عَلَيْك، وَقَالَ:
يَد الله ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: يَد الله حَقِيقَة لَكِنَّهَا كالأيدي الَّتِي
هِيَ الْجَوَارِح، وَلَا يجوز تَفْسِيرهَا بِالْقُدْرَةِ
كَمَا قَالَت الْقَدَرِيَّة لِأَن قَوْله: وَبِيَدِهِ
الْأُخْرَى يُنَافِي ذَلِك لِأَنَّهُ يلْزم إِثْبَات
قدرتين وَكَذَا لَا يجوز أَن تفسر بِالنعْمَةِ
لِاسْتِحَالَة خلق الْمَخْلُوق بمخلوق مثله، لِأَن النعم
كلهَا مخلوفة، وَأبْعد أَيْضا من فَسرهَا بالخزائن.
قَوْله: ملأى بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون اللَّام وبالهمزة
وبالقصر تَأْنِيث ملآن، وَوَقع فِي مُسلم بِلَفْظ: ملآن،
قيل: هُوَ غلط وَالْمرَاد لَازمه أَي: فِي غَايَة الْغنى،
وَتَحْت قدرته مَا لَا نِهَايَة لَهُ من الأرزاق. قَوْله:
لَا يغيضها؟ بِفَتْح الْيَاء وبالمعجمتين أَي: لَا ينقصها.
يُقَال: غاض المَاء يغيض أَي: نقص. قَوْله: سحاء بِفَتْح
السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد
أَي: دائمة السح أَي: الصب والسيلان، يُقَال: سح يسح بِضَم
السِّين فِي الْمُضَارع فَهُوَ ساح والمؤنث سحاء وَهِي
فعلاء لَا أفعل لَهَا كهطلاء، وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
وَفِي رِوَايَة: يَمِين الله ملآى سَحا، بِالتَّنْوِينِ
على الْمصدر، وَالْيَمِين هَاهُنَا كِنَايَة عَن مَحل
عطائه ووصفها بالامتلاء لِكَثْرَة مَنَافِعهَا فَجَعلهَا
كَالْعَيْنِ الثرة الَّتِي لَا يغيضها الاستقاء وَلَا
ينقصها الامتناح، وَخص الْيَمين لِأَنَّهَا فِي الْأَكْثَر
مَظَنَّة الْعَطاء على طَرِيق الْمجَاز والاتساع. قَوْله:
اللَّيْل وَالنَّهَار منصوبان على الظَّرْفِيَّة. قَوْله:
مُنْذُ خلق السَّمَوَات وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مُنْذُ
خلق الله السَّمَوَات. قَوْله: فَإِنَّهُ لم يغض أَي: لم
ينقص، وَوَقع فِي رِوَايَة همام: لم ينقص مَا فِي يَمِينه.
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يجوز أَن يكون ملآى وَلَا يغيضها،
وسحاء و: أَرَأَيْتُم أَخْبَارًا مترادفة ليد الله، وَيجوز
أَن تكون الثَّلَاثَة أوصافاً لملآى، وَيجوز أَن يكون:
أَرَأَيْتُم، استئنافاً فِيهِ معنى الترقي كَأَنَّهُ لما
قيل ملآى أوهم جَوَاز النُّقْصَان فأزيل بقوله: لَا يغيضها
شَيْء وَقد يمتلىء الشَّيْء وَلَا يغيض، فَقيل: سحاء
إِشَارَة إِلَى عدم الغيض وقرنه بِمَا يدل على
الِاسْتِمْرَار من ذكر اللَّيْل وَالنَّهَار، ثمَّ أتبعه
بِمَا يدل على أَن ذَلِك ظَاهر غير خَافَ على ذِي بصر
وبصيرة بعد أَن اشْتَمَل من ذكر اللَّيْل وَالنَّهَار.
بقوله: أَرَأَيْتُم على تطاول الْمدَّة لِأَنَّهُ خطاب
عَام عَظِيم والهمزة فِيهِ للتقرير.
قَوْله: وَقَالَ: وَكَانَ عَرْشه على المَاء سقط قَالَ من
رِوَايَة همام. فَإِن قلت: مَا مُنَاسبَة ذكر الْعَرْش
هُنَا؟ قلت: ليستطلع السَّامع من قَوْله: خلق السَّمَوَات
وَالْأَرْض مَا كَانَ قبل ذَلِك، فَذكر مَا يدل على أَن
عَرْشه قبل السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَ على المَاء،
كَمَا وَقع فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن: كَانَ الله وَلم
يكن شَيْء قبله، وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ خلق
السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَمضى هَذَا فِي بَدْء الْخلق عَن
سعيد بن جُبَير: سَأَلت ابْن عَبَّاس: على أَي شَيْء كَانَ
المَاء وَلم يخلق سَمَاء وَلَا أَرضًا؟ فَقَالَ: على متن
الرّيح. قَوْله: يخْفض وَيرْفَع أَي: يخْفض الْمِيزَان
وَيَرْفَعهُ، وَقَالَ الْخطابِيّ: الْمِيزَان هُنَا مثل،
وَإِنَّمَا هُوَ الْقِسْمَة بَين الْخَلَائق يبسط الرزق
على من يَشَاء ويقتر، كَمَا يصنعه الْوزان عِنْد الْوَزْن
يرفع مرّة ويخفض أُخْرَى.
7412 - حدّثنا مُقَدَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حدّثني
عَمِّي القاسِمُ بنُ يَحيى، عَنْ عُبَيْدِ الله، عنْ
نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنْ رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ: إنَّ الله
يَقْبِضُ يَوْمَ القِيامَةِ الأرْضَ، وتَكُونُ
السَّماوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنا المَلِكُ
رَواهُ سَعِيدٌ عنْ مالِكٍ
وَقَالَ عُمرُ بنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سالِماً سَمِعْتُ
ابنَ عُمَرَ عنِ النبيِّ بهاذَا.
وَقَالَ أبُو اليَمانِ: أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ
الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي أبُو سَلَمَة أنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله يَقْبِضُ الله الأرْضَ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: يقبض وَقَوله:
وَتَكون السَّمَوَات بِيَمِينِهِ وَلَا يخفى ذَلِك على
المتأمل الفطن.
ومقدم على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم ابْن
مُحَمَّد بن يحيى الْهِلَالِي الوَاسِطِيّ، وَعَمه
الْقَاسِم بن يحيى بن عَطاء روى عَنهُ ابْن أَخِيه مقدم
الْمَذْكُور، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده بِهَذَا الْوَجْه.
قَوْله: رَوَاهُ سعيد أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور
(25/106)
سعيد بن دَاوُد بن أبي زنبر بِفَتْح
الزَّاي وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ
رَاء الْمدنِي سكن بَغْدَاد وَحدث بِالريِّ وَمَا لَهُ فِي
البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع، وَقد حدث عَنهُ
البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب الْمُفْرد وَتكلم فِيهِ
جمَاعَة وَوصل تَعْلِيقه الدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك
وَأَبُو الْقَاسِم اللالكائي من طَرِيق أبي بكر
الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن خَالِد الْآجُرِيّ عَن سعيد.
قَوْله: وَقَالَ عمر بن حَمْزَة بن عبد الله بن عمر:
سَمِعت سالما هُوَ ابْن عبد الله بن عمر عَم عمر
الْمَذْكُور، وَهَذَا وَصله مُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَغَيرهمَا من رِوَايَة أبي أُسَامَة عَن عمر بن حَمْزَة
عَن سَالم بن عبد الله: أَخْبرنِي عبد الله بن عمر، قَالَ:
قَالَ رَسُول الله يطوي الله السَّمَاوَات يَوْم
الْقِيَامَة ثمَّ يَأْخُذ هَذِه بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثمَّ
يَقُول: أَنا الْملك أَيْن الجبارون؟ أَيْن المتكبرون؟
ثمَّ يطوي الْأَرْضين بِشمَالِهِ، ثمَّ يَقُول: أَنا
الْملك أَيْن الجبارون؟ أَيْن المتكبرون؟ هَذَا لفظ مُسلم،
وَفِي رِوَايَة لَهُ: يَأْخُذ الله سمواته وأرضه بيدَيْهِ
فَيَقُول: أَنا الله، وَيقبض أَصَابِعه ويبسطها: أَنا
الْملك ... الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: يَأْخُذ
الْجَبَّار سمواته وأرضه بِيَدِهِ ... قَوْله: بِهَذَا
أَي: بِهَذَا الحَدِيث.
قَوْله: وَقَالَ أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الخ،
وَتقدم الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى:
{مَلِكِ النَّاسِ} قبل هَذَا بِثَلَاثَة عشر بَابا. [/ بش
7414 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْياى بنَ سَعيد، عنْ
سُفْيانَ حدّثني مَنْصُورٌ وسليْمانُ عنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ
عَبيدةَ عنْ عَبْدِ الله أنَّ يَهُودِيّاً جاءَ إِلَى
النّبيِّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ الله يُمْسِك
السَّماوَاتِ عَلَى إصْبعِ والأرَضِينَ عَلى إصْبَعِ،
والجِبالَ عَلى إصْبَعٍ والشَّجَرَ عَلى إصْبَعٍ
والخَلاَئِقَ عَلى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنا المَلِكُ
... فَضَحِكَ رسولُ الله حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، ثُمَّ
قَرَأ {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} .
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَالْخَلَائِق
على إِصْبَع على مَا لَا يخفى على المتأمل.
وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسليمَان هُوَ
الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة
بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن عَمْرو السَّلمَانِي أسلم فِي
حَيَاة النَّبِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَقد
تَابع سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور على قَوْله:
عُبَيْدَة، شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن عَن مَنْصُور كَمَا
مضى فِي تَفْسِير سُورَة الزمر وفضيل بن عِيَاض بعده
وَجَرِير بن عبد الحميد عِنْد مُسلم، وَخَالفهُ عَن
الْأَعْمَش فِي قَوْله: عُبَيْدَة، حَفْص بن غياث
الْمَذْكُور فِي الْبَاب وَجَرِير وَأَبُو مُعَاوِيَة
وَعِيسَى بن يُونُس عِنْد مُسلم. فكلهم قَالُوا عَن
الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم بن عَلْقَمَة، بدل: عُبَيْدَة،
وَيعلم من تصرف الشَّيْخَيْنِ أَنه عِنْد الْأَعْمَش على
الْوَجْهَيْنِ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الزمر فِي: بَاب
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} عَن آدم عَن
شَيبَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَن يَهُودِيّا جَاءَ وَفِي رِوَايَة عَلْقَمَة
عَن ابْن مَسْعُود: جَاءَ رجل من أهل الْكتاب، وَفِي
رِوَايَة فُضَيْل بن عِيَاض عِنْد مُسلم: جَاءَ حبر،
وَزَاد شَيبَان فِي رِوَايَته: من الْأَحْبَار. قَوْله:
فَقَالَ يَا مُحَمَّد وَفِي رِوَايَة عَلْقَمَة: يَا أَبَا
الْقَاسِم، وَجمع بَينهمَا فِي رِوَايَة فُضَيْل بن
عِيَاض. قَوْله: إِن الله يمسك السَّمَوَات وَفِي راية
شَيبَان: يَجْعَل، بدل: يمسك، وَزَاد فُضَيْل: يَوْم
الْقِيَامَة. قَوْله: وَالشَّجر على إِصْبَع زَاد فِي
رِوَايَة عَلْقَمَة: والشرى، وَفِي رِوَايَة شَيبَان:
المَاء وَالثَّرَى، وَفِي رِوَايَة فُضَيْل بن عِيَاض:
الْجبَال وَالشَّجر على إِصْبَع وَالْمَاء وَالثَّرَى على
إِصْبَع. قَوْله: وَالْخَلَائِق وَفِي رِوَايَة: فُضَيْل
وشيبان: وَسَائِر الْخلق، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث
ابْن عَبَّاس: مر يَهُودِيّ بِالنَّبِيِّ، فَقَالَ: يَا
يَهُودِيّ حَدثنَا. فَقَالَ: كَيفَ تَقول يَا أَبَا
الْقَاسِم إِذا وضع الله السَّمَوَات على ذه وَالْأَرضين
على ذه وَالْمَاء على ذه وَالْجِبَال على ذه وَسَائِر
الْخلق على ذه؟ وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَر يَعْنِي أحد
رُوَاته بِخِنْصرِهِ أَولا ثمَّ تَابع حَتَّى بلغ
الْإِبْهَام. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن غَرِيب صَحِيح.
قَوْله: فَضَحِك رَسُول الله، وَفِي رِوَايَة عَلْقَمَة
عَن ابْن مَسْعُود: فَرَأَيْت النَّبِي ضحك. قَوْله:
حَتَّى بَدَت أَي: ظَهرت نَوَاجِذه جمع ناجذ بنُون وجيم
مَكْسُورَة ثمَّ ذال مُعْجمَة، وَهُوَ مَا يظْهر عِنْد
الضحك من الْأَسْنَان، وَقيل: هِيَ الأنياب.
(25/107)
وَقيل: الأضراس، وَقيل: الدواخل من الأضراس الَّتِي فِي
أقْصَى الْحلق، وَزَاد شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن:
تَصْدِيقًا لقَوْل الحبر، وَفِي رِوَايَة فُضَيْل: تَعَجبا
وَتَصْدِيقًا لَهُ، وَعند مُسلم: تَعَجبا مِمَّا قَالَ
الحبر تَصْدِيقًا لَهُ، وَفِي رِوَايَة جرير عِنْده:
وَتَصْدِيقًا لَهُ، بِزِيَادَة: وَاو، وَأخرجه ابْن
خُزَيْمَة من رِوَايَة إِسْرَائِيل عَن مَنْصُور: حَتَّى
بَدَت نَوَاجِذه تَصْدِيقًا لَهُ.
ثمَّ الْكَلَام هُنَا فِي مَوَاضِع.
الأول: فِي أَمر الإصبع، قَالَ ابْن بطال: لَا يحمل الإصبع
على الْجَارِحَة بل يحمل على أَنه صفة من صِفَات الذَّات
لَا يكيف وَلَا يحدد وَهَذَا ينْسب إِلَى الْأَشْعَرِيّ،
وَعَن ابْن فورك: يجوز أَن يكون الإصبع خلقا يخلقه الله
فَيحمل مَا يحمل الإصبع، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ
الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان. وَقَالَ الْخطابِيّ: لم يَقع
ذكر الإصبع فِي الْقُرْآن وَلَا فِي حَدِيث مَقْطُوع بِهِ،
وَقد تقرر أَن الْيَد لَيست جارحة حَتَّى يتَوَهَّم من
ثُبُوتهَا ثُبُوت الْأَصَابِع، بل هُوَ تَوْقِيف أطلقهُ
الشَّارِع فَلَا يكيف وَلَا يشبه، وَلَعَلَّ ذكر
الْأَصَابِع من تَخْلِيط الْيَهُود، فَإِن الْيَهُود مشبهة
وَفِيمَا يَدعُونَهُ من التَّوْرَاة أَلْفَاظ تدخل فِي
بَاب التَّشْبِيه وَلَا تدخل فِي مَذَاهِب الْمُسلمين، ورد
عَلَيْهِ إِنْكَاره وُرُود الإصبع لوروده فِي عدَّة
أَحَادِيث. مِنْهَا: حَدِيث مُسلم: إِن قلب ابْن آدم بَين
إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن، قيل: هَذَا لَا يرد
عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نفى الْقطع، وَفِيه نظر لَا
يخفى، أَقُول: لَا يمْنَع ثُبُوت الإصبع الَّذِي هُوَ غير
الْجَارِحَة، فَكَمَا ثَبت الْيَد أَنَّهَا غير جارحة
فَكَذَلِك الإصبع.
الْموضع الثَّانِي: فِي تَصْدِيق النَّبِي، إِيَّاه، قَالَ
الْخطابِيّ: قَول الرَّاوِي تَصْدِيقًا لَهُ، ظن مِنْهُ
وحسبان وروى هَذَا الحَدِيث غير وَاحِد من أَصْحَاب عبد
الله فَلم يذكرُوا فِيهِ: تَصْدِيقًا لَهُ، وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم وَأما من زَاد: تَصْدِيقًا
لَهُ، فَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن هَذِه الزِّيَادَة من قَول
الرَّاوِي وَهِي بَاطِلَة لِأَن النَّبِي لَا يصدق
الْمحَال، وَهَذِه الْأَوْصَاف فِي حق الله تَعَالَى
محَال، وَطول الْكَلَام فِيهِ ثمَّ قَالَ: وَلَئِن سلمنَا
أَن النَّبِي صرح بتصديقه لم يكن ذَلِك تَصْدِيقًا فِي
الْمَعْنى بل فِي اللَّفْظ الَّذِي نَقله من كِتَابه عَن
نبيه، وَيقطع بِأَن ظَاهره غير مُرَاد.
الْموضع الثَّالِث: فِي ضحك النَّبِي قَالَ الْقُرْطُبِيّ:
وَضحك النَّبِي إِنَّمَا هُوَ للتعجب من جهل الْيَهُودِيّ،
فَظن الرَّاوِي أَن ذَلِك التَّعَجُّب تَصْدِيق، وَلَيْسَ
كَذَلِك، وَقَالَ ابْن بطال: حَاصِل الْخَبَر أَنه ذكر
الْمَخْلُوقَات وَأخْبر عَن قدرَة الله جَمِيعًا، فَضَحِك
النَّبِي تَعَجبا من كَونه يستعظم ذَلِك، فِي قدرَة الله
تَعَالَى.
الْموضع الرَّابِع: فِي أَن النَّبِي مَا كَانَ يضْحك
إِلَّا تبسماً، وَهنا ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، وَهُوَ
قهقهة. قَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ التبسم هُوَ الْغَالِب،
وَهَذَا كَانَ نَادرا، أَو: المُرَاد بالنواجذ الأضراس
مُطلقًا.
الْموضع الْخَامِس: فِي الْحِكْمَة فِي قِرَاءَته قَوْله
تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالاَْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فَقيل: أَشَارَ بِهَذَا
إِلَى أَن الَّذِي قَالَه الْيَهُودِيّ يسير فِي جنب مَا
يقدر عَلَيْهِ، أَي: لَيْسَ قدرته بِالْحَدِّ الَّذِي
يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْوَهم أَو يُحِيط بِهِ الْحَد
وَالْبَصَر، وَقَالَ الْخطابِيّ: الْآيَة مُحْتَملَة
للرضاء وَالْإِنْكَار، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ضحكه
تَعَجبا من جهل الْيَهُودِيّ فَلذَلِك قَرَأَ هَذِه
الْآيَة: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالاَْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أَي: مَا عرفوه حق
مَعْرفَته وَمَا عظموه حق عَظمته. |