عمدة القاري شرح
صحيح البخاري (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (لَا شَخْصَ أغْيَرُ مِنَ الله))
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول النَّبِي، صلى الله تَعَالَى
عَلَيْهِ وَآله وَسلم: لَا شخص أغير من الله وَوَقع فِي
بعض النّسخ: بَاب قَول النَّبِي، صلى الله تَعَالَى
عَلَيْهِ وَآله وَسلم: لَا أحد أغير من الله، وَقَالَ عبيد
الله بن عَمْرو عَن عبد الْملك: لَا شخص أغير من الله،
وَابْن بطال غير قَوْله: لَا شخص بقوله: لَا أحد،
وَعَلِيهِ شرح. وَقَالَ: اخْتلف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث
فَلم يخْتَلف فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه بِلَفْظ: لَا
أحد، فَظهر أَن لفظ: شخص، جَاءَ فِي مَوضِع: أحد، فَكَانَ
من تصرف الرَّاوِي. قلت: اخْتِلَاف أَلْفَاظ الحَدِيث هُوَ
أَن فِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود: مَا من أحد أغير من الله،
وَفِي رِوَايَة عَائِشَة: مَا أحد أغير من الله، وَفِي
رِوَايَة أَسمَاء: لَا شَيْء أغير من الله، وَفِي رِوَايَة
أبي هُرَيْرَة: إِن الله تَعَالَى يغار، كل ذَلِك مضى فِي
كتاب النِّكَاح فِي: بَاب الْغيرَة، وَرِوَايَة ابْن
مَسْعُود مبينَة أَن لفظ: الشَّخْص، مَوْضُوع مَوضِع: أحد،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: فِي قَوْله: لَا شخص أغير من الله لم
يَأْتِ مُتَّصِلا وَلم تتلق الْأمة مثل هَذِه الْأَحَادِيث
بِالْقبُولِ، وَهُوَ يتوقى فِي الْأَحْكَام الَّتِي لَا
تلجىء الضَّرُورَة النَّاس إِلَى الْعَمَل بِهِ. وَقَالَ
الْخطابِيّ: إِطْلَاق الشَّخْص فِي صِفَات الله غير جَائِز
لِأَن الشَّخْص إِنَّمَا يكون جسماً مؤلفاً، وخليق أَن لَا
تكون هَذِه اللَّفْظَة صَحِيحَة، وَأَن تكون تصحيفاً من
الرَّاوِي
(25/108)
وَكثير من الروَاة يحدث بِالْمَعْنَى
وَلَيْسَ كلهم فُقَهَاء، وَفِي كَلَام آحَاد الروَاة جفَاء
وتعجرف. وَقَالَ بعض كبار التَّابِعين: نعم الْمَرْء
رَبنَا لَو أطعناه مَا عصانا، وَلَفظ الْمَرْء إِنَّمَا
يُطلق على الذُّكُور من الْآدَمِيّين، فَأرْسل الْكَلَام
وَبَقِي أَن يكون لفظ الشَّخْص جرى على هَذَا السَّبِيل
فاعتوره الْفساد من وُجُوه: أَحدهَا أَن اللَّفْظ لَا يثبت
إلاَّ من طَرِيق السّمع. وَالثَّانِي: إِجْمَاع الْأمة على
الْمَنْع مِنْهُ. وَالثَّالِث: أَن مَعْنَاهُ أَن يكون
جسماً مؤلفاً فَلَا يُطلق على الله، وَقد منعت الْجَهْمِية
إِطْلَاق الشَّخْص مَعَ قَوْلهم بالجسم فَدلَّ ذَلِك على
مَا قُلْنَاهُ من الْإِجْمَاع على مَنعه فِي صفته، عز
وَجل. قَوْله: لَا شخص، كلمة: لَا، لنفي الْجِنْس، و:
أغير، مَرْفُوع خَبره، و: أغير، أفعل تَفْضِيل من الْغيرَة
وَهِي الحمية والأنفة. وَقَالَ عِيَاض: الْغيرَة
مُشْتَقَّة من تغير الْقلب وهيجان الْغَضَب بِسَبَب
الْمُشَاركَة فِيمَا بِهِ الِاخْتِصَاص، وَأَشد ذَلِك مَا
يكون بَين الزَّوْجَيْنِ، هَذَا فِي حق الْآدَمِيّ، وَأما
فِي حق الله فَيَأْتِي عَن قريب. قَوْله: وَقَالَ عبيد
الله بن عَمْرو بتصغير العَبْد وبفتح الْعين فِي عَمْرو بن
أبي الْوَلِيد الْأَسدي مَوْلَاهُم الرقي، يروي عَن عبد
الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر بن سُوَيْد الْكُوفِي وَهُوَ أول
من عبر نهر جيحون نهر بَلخ على طَرِيق سَمَرْقَنْد مَعَ
سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان، خرج غازياً مَعَه وَمَات سنة
سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، وعمره يَوْم مَاتَ مائَة سنة
وَثَلَاث سِنِين. وَقَالَ الْخطابِيّ: انْفَرد بِهِ عبيد
الله عَن عبد الْملك وَلم يُتَابع عَلَيْهِ، ورد بَعضهم
على الْخطابِيّ بقوله: إِنَّه لم يُرَاجع صَحِيح مُسلم
وَلَا غَيره من الْكتب الَّتِي وَقع فِيهَا هَذَا اللَّفْظ
من غير رِوَايَة عبيد الله بن عَمْرو، ورد الرِّوَايَات
الصَّحِيحَة والطعن فِي أَئِمَّة الحَدِيث الضابطين مَعَ
إِمْكَان تَوْجِيه مَا رووا من الْأُمُور الَّتِي أقدم
عَلَيْهَا كثير من غير أهل الحَدِيث، وَهُوَ يَقْتَضِي
قُصُور فهم من فعل ذَلِك مِنْهُم، وَمن ثمَّة قَالَ
الْكرْمَانِي: لَا حَاجَة لتخطئة الروَاة الثقاة بل حكم
هَذَا حكم سَائِر المتشابهات: إِمَّا التَّفْوِيض وَإِمَّا
التَّأْوِيل. انْتهى. قلت: هَذَا وَقع فِي عين مَا أنكر
عَلَيْهِ، والخطابي لم يُنكر هَذِه اللَّفْظَة وَحده،
وَكَذَلِكَ أنكرها الدَّاودِيّ وَابْن فورك والقرطبي،
قَالَ: أصل وضع الشَّخْص فِي اللُّغَة لجرم الْإِنْسَان
وجسمه، وَاسْتعْمل فِي كل شَيْء ظَاهر، يُقَال: شخص
الشَّيْء إِذا ظهر، وَهَذَا الْمَعْنى محَال على الله.
انْتهى. فَكَلَامه يدل على أَنه لَا يرضى بِإِطْلَاق هَذِه
اللَّفْظَة على الله وَإِن كَانَ قد أوَّله، وَالْعجب من
هَذَا الْقَائِل: إِنَّه أيد كَلَامه بِمَا قَالَه
الْكرْمَانِي، مَعَ أَنه ينْسبهُ فِي مَوَاضِع إِلَى
الْغَفْلَة وَإِلَى الْوَهم والغلط، وَمن أَيْن ثَبت لَهُ
عدم مُرَاجعَة الْخطابِيّ إِلَى صَحِيح مُسلم وَغَيره؟
وَكَلَامه عَام فِي كل مَوضِع فِيهِ، والسهو وَالنِّسْيَان
غير مرفوعين عَن كل أحد يقعان عَن الثِّقَات وَغَيرهم،
وَفِي نِسْبَة الثِّقَات إِلَى قُصُور الْفَهم وَاقع هُوَ
فِيهِ.
7416 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو
عَوَانَةَ، حدّثنا عَبْدُ المَلِكِ عنْ ورَّادٍ كاتِبِ
المُغِيرَةِ، عنِ المُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بنُ
عُبادَةَ: لَوْ رَأيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأتي
لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
رسولَ الله فَقَالَ: تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْد
وَالله لأَنا أغْيَرُ مِنْهُ، وَالله أغْيَرُ مِنِّي،
ومِنْ أجْلِ غَيْرَةِ الله حرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْها وَمَا بَطَنَ، وَلَا أحَدٌ أحَبَّ إلَيْهِ العُذْرُ
مِنَ الله، ومِنْ أجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ
والمُنْذَرِينَ، وَلَا أحَدَ أحَبُّ إلَيْهِ المِدْحَةُ
مِنَ الله، ومِنْ أجْل ذالِكَ وعَدَ الله الجَنَّةَ
انْظُر الحَدِيث 6846
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَعْنى ظَاهِرَة،
ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي؛ وَأَبُو عوَانَة
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالنون بعد الْألف الوضاح بن
عبد الله الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر،
وَقد مر الْآن، ووراد بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء
كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة ومولاه، وَسعد بن عبَادَة
بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة سيد
الْخَزْرَج.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب النِّكَاح فِي:
بَاب الْغيرَة مُعَلّقا. من قَوْله: قَالَ وراد ... إِلَى
قَوْله: وَالله أغير مني، ثمَّ أخرجه مَوْصُولا فِي كتاب
الْمُحَاربين فِي: بَاب من رأى مَعَ امْرَأَته رجلا
فَقتله، فَقَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا
أَبُو عوَانَة ... إِلَى قَوْله: وَالله أغير مني.
قَوْله: غير مصفح بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد وَفتح
الْفَاء وَكسرهَا أَي: غير ضَارب بعرضه بل بحده، وَقَالَ
ابْن التِّين: بتَشْديد الْفَاء فِي سَائِر الْأُمَّهَات.
(25/109)
قَوْله: وَالله مجرور بواو الْقسم. قَوْله:
لأَنا مُبْتَدأ دخلت عَلَيْهِ لَام التَّأْكِيد
الْمَفْتُوحَة. وَقَوله: أغير مِنْهُ خَبره. وَقَوله:
وَالله مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ و: أغير مني خَبره وَمعنى
غيرَة الله الزّجر عَن الْفَوَاحِش وَالتَّحْرِيم لَهَا
وَالْمَنْع مِنْهَا، وَقد بَين ذَلِك بقوله: وَمن أجل
غيرَة الله حرم الْفَوَاحِش جمع فَاحِشَة وَهِي كل خصْلَة
قبيحة من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال. قَوْله: مَا ظهر
مِنْهَا قَالَ مُجَاهِد: هُوَ نِكَاح الْأُمَّهَات فِي
الْجَاهِلِيَّة وَمَا بطن الزِّنَى، وَقَالَ قَتَادَة:
سرها وعلانيتها. قَوْله: وَلَا أحد بِالرَّفْع لِأَنَّهُ
اسْم: لَا، وَأحب بِالنّصب لِأَنَّهُ خَبره إِن جَعلتهَا
حجازية، وترفعه على أَنه خبر إِن جَعلتهَا تميمية. قَوْله:
الْعذر مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: أحب، قَالَ
الْكرْمَانِي: المُرَاد بالعذر الْحجَّة لقَوْله تَعَالَى:
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ
اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح
الْعذر التَّوْبَة والإنابة. قَوْله: المدحة مَرْفُوع
لِأَنَّهُ فَاعل: أحب وَهُوَ بِكَسْر الْمِيم مَعَ هَاء
التَّأْنِيث وَبِفَتْحِهَا مَعَ حذف الْهَاء، والمدح
الثَّنَاء بِذكر أَوْصَاف الْكَمَال والإفضال. قَوْله:
وَمن أجل ذَلِك وعد الله الْجنَّة كَذَا فِيهِ بِحَذْف أحد
المفعولين للْعلم، وَالْمرَاد بِهِ: من أطاعه، وَفِي
رِوَايَة مُسلم، وعد الْجنَّة، بإضمار الْفَاعِل وَهُوَ
الله، وَقَالَ ابْن بطال: إِرَادَته الْمَدْح من عباده
طَاعَته وتنزيهه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ وَالثنَاء
عَلَيْهِ ليجازيهم على ذَلِك.
21 - (بابٌ {قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ
اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ
هَاذَا الْقُرْءَانُ لاُِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ
أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِءَالِهَةً
أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَاهٌ
وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} وسَمَّى
الله تَعَالَى نَفْسَهُ: شَيْئاً {قل الله} وسَمَّى
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القُرْآنَ: شَيَئاً،
وهْوَ صِفَة مِنْ صِفاتِ الله وَقَالَ: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ
اللَّهِ إِلَاهاًءَاخَرَ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ
شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَىُّ شَىْءٍ
أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى
وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ
لاُِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ
لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى قُل
لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ
وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} وَقَالَ بَعضهم:
بَاب، بِالتَّنْوِينِ. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن
التَّنْوِين يكون فِي المعرب والمعرب هُوَ الْمركب الَّذِي
لم يشبه مبْنى الأَصْل، فَإِذا قُلْنَا مثل مَا ذكرنَا
يَأْتِي التَّنْوِين وَالْإِعْرَاب. قَوْله: بَاب إِلَى
قَوْله: شَيْئا، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر
والقابسي، وَسقط: بَاب، لغَيْرِهِمَا من رِوَايَة
الْفربرِي، وَسَقَطت التَّرْجَمَة من رِوَايَة
النَّسَفِيّ، وَذكر قَوْله: {قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ
شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ
وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ لاُِنذِرَكُمْ بِهِ
وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ
اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا
هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا
تُشْرِكُونَ} وَحَدِيث سهل بن سعد بعد أثري أبي
الْعَالِيَة وَمُجاهد فِي تَفْسِير اسْتَوَى على الْعَرْش،
وَوَقع عِنْد الْأصيلِيّ وكريمة {قُلْ أَىُّ شَىْءٍ
أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى
وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ
لاُِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ
لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى قُل
لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ
وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} سمى الله نَفسه
شَيْئا اا قَوْله: {قل الله} أَي: قل يَا مُحَمَّد، أَي
شَيْء، كلمة: أَي: استفهامية وَلَفظ: شَيْء، أَعم الْعَام
لوُقُوعه على كل مَا يصلح أَن يخبر عَنهُ. وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: أَي شَيْء، أَي: شَهِيد أكبر شَهَادَة،
فَوضع شَيْئا مقَام شَهِيد ليبالغ بالتعميم، وَيُقَال: إِن
قُريْشًا أَتَوا النَّبِي، بِمَكَّة فَقَالُوا: يَا
مُحَمَّد مَا نرى أحدا يصدقك فِيمَا تَقول، وَلَقَد
سَأَلنَا عَنْك الْيَهُود وَالنَّصَارَى فزعموا أَنه
لَيْسَ لَك عِنْدهم ذكر وَلَا صفة فأرنا من يشْهد لَك
أَنَّك رَسُول الله، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة: {قُلْ
أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ
بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا
الْقُرْءَانُ لاُِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ
لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى قُل
لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ
وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} على مَا أَقُول.
قَوْله: فَسمى الله نَفسه شَيْئا يَعْنِي: إِثْبَاتًا
للوجود ونفياً للعدم وتكذيباً للزنادقة والدهرية. قَوْله:
وسمى النَّبِي، الْقُرْآن: شَيْئا أَشَارَ بِهِ إِلَى
الحَدِيث الَّذِي أوردهُ من حَدِيث سهل بن سعد وَفِيه:
أَمَعَك شَيْء من الْقُرْآن؟ وَقد مضى فِي النِّكَاح.
قَوْله: وَهُوَ صفة أَي: الْقُرْآن صفة من صِفَات الله
أَي: من صِفَات ذَاته، وكل صفة تسمى شَيْئا بِمَعْنى
أَنَّهَا مَوْجُودَة. قَوْله: وَقَالَ: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ
اللَّهِ إِلَاهاًءَاخَرَ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ
شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ} فَهُوَ أَنه مُسْتَثْنى مُتَّصِل فَيجب
اندراجه فِي المستنثى مِنْهُ، وَالشَّيْء يُسَاوِي
الْمَوْجُود لُغَة وَعرفا، وَقيل: إِن الِاسْتِثْنَاء
مُنْقَطع وَالتَّقْدِير: لَكِن هُوَ لَا يهْلك.
7417 - حدّثنا عبْد الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالكٌ، عنْ
أبي حازِمٍ، عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ النّبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لرَجُلِ أمَعَكَ مِنَ القُرْآن
شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وسُورَةُ كَذَا،
لِسُورٍ سَمَّاها.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وسمى النَّبِي الْقُرْآن
شَيْئا
وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن
دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح بأتم مِنْهُ. وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
22 - (بابُ {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} {وَهُوَ رب
الْعَرْش الْعَظِيم} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَهُوَ الَّذِى
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ
مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُو اْ
إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} فِي قَوْله: {فَإِن
تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ لَا إِلَاهَ إِلاَّ
هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ} وَذكر هَاتين القطعتين
(25/110)
من الْآيَتَيْنِ الكريمتين تَنْبِيها على
فائدتين: الأولى: من قَوْله: هِيَ لدفع توهم من قَالَ: إِن
الْعَرْش لم يزل مَعَ الله تَعَالَى، مستدلين بقوله فِي
الحَدِيث: كَانَ الله وَلم يكن شَيْء قبله وَكَانَ عَرْشه
على المَاء. وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل، وَلَا يدل قَوْله
تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ
الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُو اْ إِنْ هَاذَآ
إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} على أَنه حَال عَلَيْهِ،
وَإِنَّمَا أخبر عَن الْعَرْش خَاصَّة بِأَنَّهُ على
المَاء، وَلم يخبر عَن نَفسه بِأَنَّهُ حَال عَلَيْهِ
تَعَالَى الله عَن ذَلِك، لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ حَاجَة
إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا جعله ليتعبد بِهِ مَلَائكَته كتعبد
خلقه بِالْبَيْتِ الْحَرَام وَلم يسمه بَيته بِمَعْنى أَنه
يسكنهُ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ بَيته لِأَنَّهُ الْخَالِق
لَهُ وَالْمَالِك، وَكَذَلِكَ الْعَرْش سَمَّاهُ عَرْشه
لِأَنَّهُ مَالِكه وَالله تَعَالَى لَيْسَ لأوليته حد
وَلَا مُنْتَهى، وَقد كَانَ فِي أوليته وَحده وَلَا عرش
مَعَه. والفائدة الثَّانِيَة: من قَوْله: {اذْهَب
بِّكِتَابِى هَاذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ
عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} لدفع توهم من
قَالَ: إِن الْعَرْش هُوَ الْخَالِق الصَّانِع. وَقَوله:
{رب الْعَرْش} يبطل هَذَا القَوْل الْفَاسِد لِأَنَّهُ يدل
على أَنه مربوب مَخْلُوق، والمخلوق كَيفَ يكون خَالِقًا؟
وَقد اتّفقت أقاويل أهل التَّفْسِير على أَن الْعَرْش هُوَ
السرير وَأَنه جسم ذُو قَوَائِم بِدَلِيل قَوْله، فَإِذا
مُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش، وَهَذَا صفة
الْمَخْلُوق لدلائل قيام الْحُدُوث بِهِ من التَّأْلِيف
وَغَيره، وَجَاء عَن عبد الرَّزَّاق فِي تَفْسِيره عَن
معمر عَن قَتَادَة: عَرْشه من ياقوتة حَمْرَاء.
قَالَ أبُو العالِيَةِ: اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ،
ارْتَفَعَ. فَسَوَّاهُنَّ: خَلَقَهُنَّ.
أَبُو الْعَالِيَة رفيع بن مهْرَان الريَاحي سمع ابْن
عَبَّاس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَبُو الْعَالِيَة
بِالْمُهْمَلَةِ والتحتانية كنية لتابعيين بصريين
رَاوِيَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس اسْم أَحدهمَا: رفيع مصغر
رفع ضد الْخَفْض، وَاسم الآخر: زِيَاد بالتحتانية
الْخَفِيفَة. انْتهى. قلت: لم يعين أَيهمَا قَالَ:
اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ارْتَفع، وَكَذَلِكَ غَيره من
الشُّرَّاح أهمل وَلم يبين، وَالظَّاهِر أَنه: رفيع،
لشهرته أَكثر من زِيَاد، ولكثرة رِوَايَته عَن ابْن
عَبَّاس. وَالتَّعْلِيق الْمَذْكُور وَصله الطَّبَرِيّ عَن
مُحَمَّد بن أبان: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن
حُصَيْن عَن أبي الْعَالِيَة ... وَقد اخْتلف الْعلمَاء
فِي معنى الاسْتوَاء فَقَالَت الْمُعْتَزلَة: بِمَعْنى
الِاسْتِيلَاء والقهر وَالْغَلَبَة كَمَا فِي قَول
الشَّاعِر:
(قد اسْتَوَى بشرٌ على الْعرَاق ... من غير سيف وَدم
مهراقِ)
بِمَعْنى: قهر وَغلب، وَأنكر عَلَيْهِم بِأَنَّهُ لَا
يُقَال: استولى، إلاَّ إِذا لم يكن مستولياً ثمَّ استولى،
وَالله عز وَجل لم يزل مستولياً قاهراً غَالِبا، وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَة: معنى اسْتَوَى ارْتَفع، وَفِيه نظر
لِأَنَّهُ لم يصف بِهِ نَفسه، وَقَالَت المجسمة: مَعْنَاهُ
اسْتَقر وَهُوَ فَاسد لِأَن الِاسْتِقْرَار من صِفَات
الْأَجْسَام وَيلْزم مِنْهُ الْحُلُول والتناهي وَهُوَ
محَال فِي حق الله تَعَالَى. وَاخْتلف أهل السّنة فَقَالَ
بَعضهم: مَعْنَاهُ ارْتَفع مثل قَول أبي الْعَالِيَة،
وَبِه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْفراء وَغَيرهمَا،
وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ ملك وَقدر، وَقَالَ بَعضهم:
مَعْنَاهُ علا، وَقيل: معنى الاسْتوَاء التَّمام والفراغ
من فعل الشَّيْء وَمِنْه. قَوْله تَعَالَى: {وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىءَاتَيْنَاهُ حُكْماً
وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ} فعلى هَذَا
فَمَعْنَى اسْتَوَى على الْعَرْش أتم الْخلق وَخص لفظ
الْعَرْش لكَونه أعظم الْأَشْيَاء. وَقيل: إِن: على، فِي
قَوْله: {على الْعَرْش} بِمَعْنى: إِلَى، فَالْمُرَاد على
هَذَا: انْتهى إِلَى الْعَرْش، أَي: فِيمَا يتَعَلَّق
بالعرش لِأَنَّهُ خلق الْخلق شَيْئا بعد شَيْء،
وَالصَّحِيح تَفْسِير اسْتَوَى بِمَعْنى: علا، كَمَا
قَالَه مُجَاهِد، على مَا يَأْتِي الْآن، وَهُوَ
الْمَذْهَب الْحق. وَقَول مُعظم أهل السّنة: لِأَن الله
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وصف نَفسه بالعلي. وَاخْتلف أهل
السّنة: هَل الاسْتوَاء صفة ذَات أَو صفة فعل؟ فَمن قَالَ:
مَعْنَاهُ علا، قَالَ: هِيَ صفة ذَات، وَمن قَالَ غير
ذَلِك قَالَ: هِيَ صفة فعل. قَوْله: فسواهن: خَلقهنَّ هُوَ
من كَلَام أبي الْعَالِيَة أَيْضا. قَوْله: خَلقهنَّ كَذَا
فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فسوى خلق،
وَالْمَنْقُول عَن أبي الْعَالِيَة بِلَفْظ: فقضاهن، كَمَا
أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَنهُ
فِي قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى
الاَْرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ
فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ
عَلِيمٌ} قَالَ: ارْتَفع. وَفِي قَوْله: فقضاهن: خَلقهنَّ،
وَالَّذِي وَقع فسواهن، تَغْيِير وَفِي تَفْسِير: سوَّى
بِخلق نظر، لِأَن فِي التَّسْوِيَة قدرا زَائِدا على
الْخلق كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذِى خَلَقَ
فَسَوَّى}
وَقَالَ مُجاهِدٌ: اسْتَوَى عَلى العَرْشِ.
(25/111)
هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَوَصله
الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: المَجِيدُ الكَرِيمُ، والوَدُودُ
الحَبِيبُ، يُقال: حَميدٌ مَجِيدٌ، كأنَّهُ فَعيلٌ مِنْ
ماجدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لما ذكر الْعَرْش
ذكر أَن الله وَصفه بالمجيد فِي قَوْله عز وَجل: {ذُو
الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} فسر الْمجِيد بالكريم وَوصل هَذَا
ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن
عَبَّاس، وقرىء: ذُو الْعَرْش صفة لِرَبِّك، وقرىء:
الْمجِيد، بِالْجَرِّ صفة للعرش، ومجد الله عَظمته ومجد
الْعَرْش علوه وعظمته. قَوْله: والودود الحبيب، ذكر هَذَا
اسْتِطْرَادًا لِأَن قبل قَوْله: {وَهُوَ الْغَفُورُ
الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} وَفسّر الْوَدُود
بالحبيب، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الْوَدُود الْفَاعِل
بِأَهْل طَاعَته مَا يَفْعَله الْوَدُود من إعطائهم مَا
أَرَادوا. قَوْله: كَأَنَّهُ فعيل، أَي: كَأَن مجيداً على
وزن فعيل أَخذ من ماجد ومحمود أَخذ من حميد، ويروى: من
حمد، على صِيغَة الْمَاضِي وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: غَرَضه أَن مجيداً فعيل بِمَعْنى فَاعل،
وحميداً فعيل بِمَعْنى مَحْمُود. فَهُوَ من بَاب الْقلب،
ويروى: مَحْمُود من حمد بِلَفْظ ماضي الْمَجْهُول
وَالْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا قَالَ: كَأَنَّهُ، لاحْتِمَال
أَن يكون حميد بِمَعْنى حَامِد، والمجيد بِمَعْنى الممجد.
وَفِي الْجُمْلَة فِي عبارَة البُخَارِيّ تعقيد. انْتهى.
وَقَالَ بَعضهم: التعقيد فِي قَوْله: مَحْمُود من حمد.
قلت: سُبْحَانَ الله كَيفَ يَقُول هَذَا الْقَائِل التعقيد
فِي قَوْله: مَحْمُود من حمد، وَهَذَا كَلَام من لم يذقْ
من علم التصريف شَيْئا، بل لفظ: مَحْمُود، مُشْتَقّ من:
حمد، والتعقيد الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي وَنسبه إِلَى
البُخَارِيّ هُوَ قَوْله: ومحمود أَخذ من حميد، لِأَن
مَحْمُودًا لم يُؤْخَذ من حميد، وَإِنَّمَا كِلَاهُمَا
أخذا من: حمد، الْمَاضِي. فَافْهَم.
7418 - حدّثنا عَبْدَانُ، عنْ أبي حَمْزَةَ، عنِ
الأعْمَشِ، عنْ جامِعِ بنِ شَدَّادٍ، عنْ صَفْوانَ بنِ
مُحْرِزٍ عنْ عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ: إنِّي عِنْدَ
النبيِّ إذْ جاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ:
اقْبَلُوا البُشْراى يَا بَني تَمِيمٍ قالُوا: بَشَّرْتَنا
فأعْطِنا، فَدَخَلَ ناسٌ مِنْ أهْلِ اليَمنِ فَقَالَ:
اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أهْلَ اليَمن إذْ لَمْ يَقْبَلْها
بَنُو تَمِيمٍ قالُوا: قَبِلْنا جِئْناكَ لِنَتَفَقَّهَ
فِي الدِّينِ ولِنَسْألكَ عنْ أوَّلِ هاذا الأمْر مَا
كَانَ؟ قَالَ: كَانَ الله ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ،
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّماواتِ
والأرْضَ، وكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كلَّ شَيْءٍ ثُمَّ أتانِي
رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرانُ أدْرِكْ ناقَتَك، فَقَدْ
ذَهَبَتْ، فانْطَلَقْتُ أطْلُبُها، فَإِذا السَّرابُ
يَنْقَطِعُ دُونَها، وايْمُ الله لَوَدِدْتُ أنَّها قَدْ
ذَهَبَتْ ولَمْ أقُمْ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن
عُثْمَان، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون، وجامع بن شَدَّاد
بتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة الأولى، وَصَفوَان بن مُحرز
بِضَم الْمِيم على صِيغَة الْفَاعِل من الْإِحْرَاز.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب بَدْء الْخلق.
قَوْله: إِذْ جَاءَ قوم من بني تَمِيم وَفِي رِوَايَة
الْمَغَازِي: جَاءَت بَنو تَمِيم، وَهُوَ مَحْمُول على
إِرَادَة بَعضهم، وَفِي رِوَايَة بَدْء الْخلق: جَاءَ نفر
من بني تَمِيم، وَالْمرَاد: وَفد تَمِيم، كَمَا صرح بِهِ
ابْن حبَان فِي رِوَايَته. اقْبَلُوا الْبُشْرَى وَفِي
رِوَايَة أبي عَاصِم: أَبْشِرُوا يَا بني تَمِيم قَوْله:
بشرتنا أَي: بِالْجنَّةِ وَنَعِيمهَا، أعطنا شَيْئا، وَفِي
الْمَغَازِي، فَقَالُوا: أما إِذا بشرتنا فَأَعْطِنَا،
وفيهَا: فَتغير وَجهه، وَعند أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج
كَأَنَّهُ كره ذَلِك، وَفِي رِوَايَة فِي الْمَغَازِي:
فَرُئِيَ ذَلِك فِي وَجهه، وفيهَا: فَقَالُوا: يَا رَسُول
الله بشرتنا، وَهُوَ دَال على إسْلَامهمْ، قيل: بَنو
تَمِيم قبلوها حَيْثُ قَالُوا: بشرتنا. غَايَة مَا فِي
الْبَاب أَنهم سَأَلُوا شَيْئا. وَأجِيب بِأَنَّهُم لم
يقبلوها حَيْثُ لم يهتموا بالسؤال عَن حقائقها
وَكَيْفِيَّة المبدأ والمعاد، وَلم يعتنوا بضبطها وحفظها،
وَلم يسْأَلُوا عَن موجباتها وَعَن الموصلات إِلَيْهَا.
وَقيل: المُرَاد بِهَذِهِ الْبشَارَة أَن من أسلم نجا من
الخلود فِي النَّار، ثمَّ بعد ذَلِك يَتَرَتَّب جَزَاؤُهُ
على وفْق عمله إلاَّ أَن يعْفُو الله. قَوْله: فَأَعْطِنَا
زعم ابْن الْجَوْزِيّ أَن الْقَائِل: أعطنا هُوَ
الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي. قَوْله: فَدخل نَاس من
أهل الْيمن وَفِي رِوَايَة حَفْص:
(25/112)
ثمَّ دخل عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة أبي
عَاصِم: فَجَاءَهُ نَاس من أهل الْيمن. قَوْله: عَن أول
هَذَا الْأَمر أَي: ابْتِدَاء خلق الْعَالم والمكلفين.
قَوْله: مَا كَانَ؟ مَا للاستفهام. قَوْله: وَلم يكن شَيْء
قبله حَال، قَالَه الطَّيِّبِيّ، وَعند الْكُوفِيّين: خبر
وَالْمعْنَى يساعده إِذْ التَّقْدِير: كَانَ الله
مُنْفَردا، وَقد جوز الْأَخْفَش دُخُول الْوَاو فِي خبر:
كَانَ وَأَخَوَاتهَا، نَحْو: كَانَ زيد وَأَبوهُ قَائِم.
قَوْله: وَكَانَ عَرْشه على المَاء قَالَ الْكرْمَانِي:
عطف على: كَانَ الله، وَلَا يلْزم مِنْهُ الْمَعِيَّة،
إِذْ اللَّازِم من الْوَاو هُوَ الِاجْتِمَاع فِي أصل
الثُّبُوت وَإِن كَانَ بَينهمَا تَقْدِيم وَتَأْخِير.
وَقَالَ شيخ شَيْخي الطَّيِّبِيّ، طيب الله ثراهما: لفظ:
كَانَ، فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِحَسب حَال مدخولها،
فَالْمُرَاد بِالْأولِ الأزلية والقدم، وَبِالثَّانِي:
الْحُدُوث بعد الْعَدَم. قَوْله: فِي الذّكر أَي: اللَّوْح
الْمَحْفُوظ. قَوْله: أدْرك نَاقَتك فقد ذهبت وَفِي
رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: انْحَلَّت نَاقَتك من عقالها.
قَوْله: دونهَا أَي: كَانَت النَّاقة من وَرَاء السراب
بِحَيْثُ لَا بُد من الْمسَافَة السرابية للوصول
إِلَيْهَا، والسراب بِالسِّين الْمُهْملَة الَّذِي يرَاهُ
الْإِنْسَان نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء. قَوْله: وَايْم
الله يَمِين تقدم مَعْنَاهُ غير مرّة. قَوْله: لَوَدِدْت
إِلَى آخِره، الود الْمَذْكُور تسلط على مَجْمُوع ذهابها
وَعدم قِيَامه، لَا على أَحدهمَا فَقَط، لِأَن ذهابها
كَانَ قد تحقق بانفلاتها، أَو المُرَاد بالذهاب الْفِعْل
الْكُلِّي، قَالَه بَعضهم، وَفِي الْأَخير نظر لَا يخفى.
7419 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أخبرنَا مَعْمَ، عنْ هَمَّامٍ حدّثنا أبُو
هُرَيْرَةَ عنِ النّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إنَّ يَمِينَ الله مَلْأى، لَا يَغِيضُها نَفَقَةٌ
سَحَّاءُ اللّيْلِ والنَّهارَ، أرَأيْتُمْ مَا أنْفَقَ
مُنْذُ خَلقَ السَّماواتِ والأرْضَ؟ فإنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ
مَا فِي يَمِينِهِ، وعَرْشُهُ عَلى الماءِ وبِيَدِهِ
الأُخْراى الفَيْضُ أَو القَبْضُ يَرْفَعُ ويَخْفِضُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وعرشه على المَاء
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَعبد
الرَّزَّاق بن همام، وَمعمر بن رَاشد، وَهَمَّام بِفَتْح
الْهَاء وَتَشْديد الْمِيم ابْن مُنَبّه أَخُو وهب بن
مُنَبّه، وَكَانَ أكبر من وهب.
وَمضى نَحوه عَن قريب من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي
هُرَيْرَة وَمضى شَرحه هُنَاكَ.
قَوْله: وعرشه على المَاء لَيْسَ المُرَاد بِالْمَاءِ مَاء
الْبَحْر بل هُوَ مَا تَحت الْعَرْش، وَالْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: الْفَيْض بِالْفَاءِ وَالْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَالْقَبْض بِالْقَافِ وَالْبَاء الْمُوَحدَة،
وَكلمَة: أَو، لَيست للترديد بل للتنويع. قَالَ
الْكرْمَانِي يحْتَمل أَن يكون شكا من الرَّاوِي، وَالْأول
أولى.
7420 - حدّثنا أحْمَدُ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ
المُقَدَّمِيُّ، حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ ثابِتٍ
عنْ أنَسٍ قَالَ: جاءَ زَيْدُ بنُ حارِثَةَ يَشْكو فَجَعَل
النبيُّ يَقُولُ اتَّق الله وأمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ.
قالَتْ عائِشَةُ لوْ كَانَ رسولُ الله كاتِماً شَيْئاً
لَكَتَمَ هاذِه، قَالَ: فكانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ على
أزْواجِ النبيِّ تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أهالِيكُنَّ
وزَوَّجَنِي الله تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَماواتٍ.
وعنْ ثابتٍ {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا
اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ
أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً
زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ
مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}
نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وزَيْدِ بنِ حارِثَةَ.
انْظُر الحَدِيث 4787
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: من فَوق سبع
سماوات لِأَن المُرَاد من فَوق سبع سماوات هُوَ الْعَرْش،
وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم التَّيْمِيّ فِي
كتاب الْحجَّة من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر
الشّعبِيّ قَالَ: كَانَت زَيْنَب تَقول للنَّبِي، أَنا
أعظم نِسَائِك عَلَيْك حقّاً، أَنا خيرهن منكحاً، وأكرمهن
سفيراً، وأقربهن رحما، زوجنيك الرحمان من فَوق عَرْشه،
وَكَانَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، هُوَ السفير بذلك،
وَأَنا ابْنة عَمَّتك وَلَيْسَ لَك من نِسَائِك قريبَة
غَيْرِي.
وَشَيخ البُخَارِيّ أَحْمد، كَذَا وَقع لجَمِيع الروَاة
غير مَنْسُوب وَذكر أَبُو نصر الكلاباذي أَنه أَحْمد بن
سيار الْمروزِي، وَذكر الْحَاكِم أَنه أَحْمد بن النَّضر
النَّيْسَابُورِي، وَهُوَ الْمَذْكُور فِي سُورَة
الْأَنْفَال. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح قَالَ فِيهِ ابْن
البيع: هُوَ أَبُو الْفضل أَحْمد بن نصر بن
(25/113)
عبد الْوَهَّاب النَّيْسَابُورِي، وَقَالَ
غَيره: هُوَ أَبُو الْحسن أَحْمد بن سيار بن أَيُّوب بن
عبد الرَّحْمَن الْمروزِي، وَاقْتصر عَلَيْهِ صَاحب
الْأَطْرَاف نقلا روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَمَات سنة
ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ جَامع رجال
الصَّحِيحَيْنِ أَحْمد غير مَنْسُوب حدث عَن أبي بكر بن
مُحَمَّد الْمقدمِي فِي التَّوْحِيد وَعَن عبيد الله بن
معَاذ فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْفَال، روى عَنهُ
البُخَارِيّ، يُقَال: إِنَّه أَحْمد بن سيار الْمروزِي
فَإِنَّهُ حدث عَن الْمقدمِي، فَأَما الَّذِي حدث عَن عبيد
الله بن معَاذ فَهُوَ أَحْمد بن النَّصْر بن عبد
الْوَهَّاب، على مَا حَكَاهُ أَبُو عبد الله بن البيع عَن
أبي عبد الله الأخرم، وَهُوَ حَدِيث آخر.
والْحَدِيث ذكره الْمزي فِي الْأَطْرَاف.
قَوْله: جَاءَ زيد بن حَارِثَة بِالْحَاء الْمُهْملَة
وبالثاء الْمُثَلَّثَة، مولى رَسُول الله قَوْله: يشكو
أَي: من أَخْلَاق زَوجته زَيْنَب بنت جحش، وَقَالَ
الدَّاودِيّ: الَّذِي شكاه من زَيْنَب وَأمّهَا أُمَيْمَة
بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله كَانَ من لسانها، وهم
يرَوْنَ أَنه ابْن رَسُول الله فَلَمَّا أَرَادَ طَلاقهَا
قَالَ لَهُ {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ
تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى وَأَقِمْنَ
الصَّلَواةَ وَءَاتِينَ الزَّكَواةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}
وَكَانَ رَسُول الله يحب طَلَاقه إِيَّاهَا، فكره أَن
يَقُول لَهُ: طَلقهَا، فَيسمع النَّاس بذلك.
قَوْله: قَالَت عَائِشَة مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور
وَلَيْسَ بتعليق، كَذَا وَقع فِي الْأُصُول: قَالَت
عَائِشَة لَو كَانَ رَسُول الله، كَاتِما شَيْئا لكَتم
هَذِه أَي الْآيَة، وَهِي: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى
أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ
عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى
نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ
مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ
أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَقَالَ
أنس: لَو كَانَ ... الخ مَوضِع: وَقَالَت عَائِشَة،
وَاقْتصر عِيَاض فِي الشِّفَاء على نسبته إِلَى عَائِشَة
وأغفل حَدِيث أنس هَذَا، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ وَفِي
مُسْند الفردوسي من وَجه آخر: عَن عَائِشَة من لَفظه لَو
كنت كَاتِما شَيْئا من الْوَحْي. . الحَدِيث. قَوْله:
أهاليكن الأهالي جمع أهل على غير الْقيَاس، وَالْقِيَاس:
أهلون، وَأهل الرجل امْرَأَته وَولده وكل من فِي عِيَاله،
وَكَذَا كل أَخ أَو أُخْت أَو عَم أَو ابْن عَم أَو صبي
أَجْنَبِي يعوله فِي منزله. وَعَن الْأَزْهَرِي: أهل الرجل
أخص النَّاس بِهِ ويكنى بِهِ عَن الزَّوْجَة، وَمِنْه:
وَسَار بأَهْله، وَأهل الْبَيْت سكانه، وَأهل الْإِسْلَام
من تدين بِهِ، وَأهل الْقُرْآن من يقرأونه ويقومون بحقوقه.
قَوْله: من فَوق سبع سماوات لما كَانَت جِهَة الْعُلُوّ
أشرف من غَيرهَا أضيفت إِلَى فَوق سبع سماوات، وَقَالَ
الرَّاغِب: فَوق، يسْتَعْمل فِي الْمَكَان وَالزَّمَان
والجسم وَالْعدَد والمنزلة والقهر. فَالْأول: بِاعْتِبَار
الْعُلُوّ ويقابله تَحت نَحْو {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى
أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ
مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً
وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ
نُصَرِّفُ الاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}
وَالثَّانِي: بِاعْتِبَار الصعُود والانحدار نَحْو: {إِذْ
جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ
وَإِذْ زَاغَتِ الاَْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ}
وَالثَّالِث: فِي الْعدَد نَحْو: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى
أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنْثَيَيْنِ
فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا
مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ
وَلاَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ
لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُِمِّهِ الثُّلُثُ
فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلاُِمِّهِ السُّدُسُ مِن
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍءَابَآؤُكُمْ
وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ
نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيماً حَكِيماً} وَالرَّابِع: فِي الْكبر والصغر،
كَقَوْلِه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ
مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا
الَّذِينَءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن
رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ
مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَاذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ
كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ
إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} وَالْخَامِس: يَقع تَارَة
بِاعْتِبَار الْفَضِيلَة الدُّنْيَوِيَّة نَحْو: {أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا
بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ
بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ
مِّمَّا يَجْمَعُونَ} والأخروية نَحْو: {زُيِّنَ
لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا
وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُواْ وَالَّذِينَ
اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ
يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وَالسَّادِس:
نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ
عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} {يَخَافُونَ
رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
قَوْله: وَعَن ثَابت أَي: الْبنانِيّ، وَهُوَ مَوْصُول
بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: {مَا الله مبديه} أَي: مظهره،
وَالَّذِي كَانَ أخْفى فِي نَفسه هُوَ علمه بِأَن زيدا
سيطلقها ثمَّ ينْكِحهَا، وَالله أعلمهُ بذلك، وَالْوَاو
فِي: {وتخفي فِي نَفسك} وَفِي {تخشى النَّاس} للْحَال أَي:
تَقول لزيد: أمسك عَلَيْك زَوجك، وَالْحَال أَنَّك تخفي
فِي نَفسك أَن لَا يمْسِكهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
يجوز أَن تكون: وَاو، الْعَطف كَأَنَّهُ قيل: وَإِذ تجمع
بَين قَوْلك أمسك وإخفاء خِلَافه خشيَة النَّاس، وَالله
أَحَق أَن تخشاه.
7421 - حدّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْياى، حدّثنا عِيسَى بنُ
طَهْمانَ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ، رَضِي الله
عَنهُ، يَقُولُ: نَزَلَتْ آيَةُ الحِجابِ فِي زَيْنَبَ
بِنْتِ جَحْشٍ، وأطعَمَ عَلَيْها يَوْمَئِذٍ خُبْزاً
ولَحْماً، وكانَتْ تَفْخَرُ عَلى نِساءِ النبيِّ وكانَتْ
تَقُولُ إنَّ الله أنكَحَنِي فِي السَّماءِ.
ا
مطابقته للجزء الثَّالِث للتَّرْجَمَة. وَهُوَ قَول أبي
الْعَالِيَة: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهنا قَوْله: فِي
السَّمَاء
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام
وبالدال الْمُهْملَة ابْن يحيى السّلمِيّ بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَفتح اللَّام الْكُوفِي ثمَّ الْمَكِّيّ،
وَعِيسَى بن طهْمَان بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْهَاء الْبكْرِيّ الْبَصْرِيّ.
وَهَذَا هُوَ الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من ثلاثيات
البُخَارِيّ وَهُوَ آخر الثلاثيات. والْحَدِيث أخرجه
النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَفِي النِّكَاح عَن أَحْمد بن يحيى الصُّوفِي
وَفِي النعوت
(25/114)
عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن يحيى بن
آدم.
قَوْله: آيَة الْحجاب هِيَ {ياأَيُّهَا
الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىِّ
إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ
نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ
فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ
لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىِّ
فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ
الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً
فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذاَلِكُمْ أَطْهَرُ
لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن
تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُو اْ
أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذاَلِكُمْ كَانَ
عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} الْآيَة. قَوْله: عَلَيْهَا أَي:
على وليمتها. قَوْله: وأنكحني حَيْثُ قَالَ الله تَعَالَى:
ىِ {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا اللَّهُ
مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن
تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً
زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ
مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}
قَوْله: فِي السَّمَاء وَجه هَذَا أَن جِهَة الْعُلُوّ لما
كَانَت أشرف أضيفت إِلَيْهَا، وَالْمَقْصُود علو الذَّات
وَالصِّفَات وَلَيْسَ ذَلِك بِاعْتِبَار أَنه مَحَله أَو
جِهَته، تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا.
7423 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ، حدّثني
مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حدّثني أبي حدّثني هِلاَلٌ
عنْ عَطاءٍ بن يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ آمَنَ بِالله
ورسُولِهِ وأقامَ الصَّلاَةَ وصامَ رَمَضَانَ، كانَ حَقّاً
عَلى الله أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هاجَرَ فِي سَبِيلِ
الله أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الّتي وُلِدَ فِيها قالُوا:
يَا رسولَ الله أفَلاَ نُنَبِّىءُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟
قَالَ: إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ درَجَةٍ أعَدَّها الله
لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا
بَيْنَهُما كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فإذَا
سألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّهُ أوْسَطُ
الجَنّةِ وأعْلَى الجَنّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمانِ،
ومِنْهُ تَفَجُّرُ أنْهارُ الجَنّةِ.
انْظُر الحَدِيث 2790
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وفوقه عرش الرحمان
وَمُحَمّد بن فليح يروي عَن أَبِيه فليح بن سلميان،
وَكَانَ اسْمه عبد الْملك ولقبه فليح فغلب على اسْمه
واشتهر بِهِ، وهلال بن عَليّ هُوَ هِلَال بن أبي
مَيْمُونَة، وهلال بن أبي هِلَال الْمَدِينِيّ، وَعَطَاء
بن يسَار ضد الْيَمين.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب دَرَجَات
الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ:
حَدثنَا يحيى بن صَالح حَدثنَا فليح عَن هِلَال بن عَليّ
عَن عَطاء بن يسَار ... . الخ. وَمضى الْكَلَام فِيهِ
مُسْتَوفى.
قَوْله: كَانَ حَقًا على الله تَعَالَى احتجت بِهِ
الْمُعْتَزلَة والقدرية على أَن الله يجب عَلَيْهِ
الْوَفَاء لعَبْدِهِ الطائع، وَأجَاب أهل السّنة: بِأَن
معنى الْحق الثَّابِت أَو هُوَ وَاجِب بِحَسب الْوَعْد
شرعا لَا بِحَسب الْعقل، وَهُوَ الْمُتَنَازع فِيهِ. فَإِن
قلت: لم يذكر الزَّكَاة وَالْحج؟ قلت: لِأَنَّهُمَا
موقوفان على النّصاب والاستطاعة، وَرُبمَا لَا يحصلان
لَهُ. قَوْله: هَاجر فِي سَبِيل الله أَو جلس فِي أرضه
الَّتِي ولد فِيهَا قيل: هَذَا بعد انْقِضَاء الْهِجْرَة
بعد الْفَتْح أَو يكون من غير أهل مَكَّة لِأَن الْهِجْرَة
لم تكن على جَمِيعهم. قَوْله: أَفلا ننبىء النَّاس؟ قَالَ
الْكرْمَانِي: بِالْخِطَابِ وبالتكلم. قَوْله: كَمَا بَين
السَّمَاء وَالْأَرْض اخْتلف الْخَبَر الْوَارِد فِي قدر
مَسَافَة مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، فَذكر
التِّرْمِذِيّ: مائَة عَام، وَذكر الطَّبَرَانِيّ:
خَمْسمِائَة عَام، وروى ابْن خُزَيْمَة فِي التَّوْحِيد من
صَحِيحه، وَابْن أبي عَاصِم فِي كتاب السّنة عَن ابْن
مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: بَين
السَّمَاء الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَة عَام
(25/115)
وَبَين كل سَمَاء خَمْسمِائَة عَام، وَفِي
رِوَايَة: وَغلظ كل سَمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة عَام،
وَبَين السَّابِعَة وَبَين الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَة عَام،
وَبَين الْكُرْسِيّ وَبَين المَاء خَمْسمِائَة عَام،
وَالْعرش فَوق المَاء وَالله فَوق الْعَرْش، وَلَا يخفى
عَلَيْهِ شَيْء من أَعمالكُم. قَوْله: الفردوس هُوَ
الْبُسْتَان. قَالَ الْفراء: هُوَ عَرَبِيّ، وَعَن ابْن
عَزِيز أَنه بُسْتَان بلغَة الرّوم. قَوْله: فَإِنَّهُ
أَوسط الْجنَّة وَأَعْلَى الْجنَّة قيل: الْأَوْسَط كَيفَ
يكون أَعلَى وَمَا هما إلاَّ متنافيان؟ وَأجِيب: بِأَن
الْأَوْسَط هُوَ الْأَفْضَل فَلَا مُنَافَاة. قَوْله: تفجر
بِضَم الْجِيم من الثلاثي ومضارع التفجر أَيْضا.
7424 - حدّثنا يَحْياى بنُ جَعْفَرٍ، حدّثنا أبُو
مُعاوِيَةَ، عنِ الأعْمشِ، عنْ إبْرَاهِيمَ هُوَ
التَّيْميُّ عنْ أبِيهِ عنْ أبي ذَرَ قَالَ: دَخَلْتَ
المَسْجِدَ ورسولُ الله جالِسٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ
الشَّمْسُ قَالَ: يَا أَبَا ذَرَ هَلْ تَدْرِي أيْنَ
تَذْهَبُ هاذِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: الله ورسولُه أعْلَمُ.
قَالَ: فإنّها تَذْهبُ تَسْتأْذِنُ فِي السُّجُودِ
فَيُؤْذَنُ لَها، وكأنَّها قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعي مِنْ
حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبها ثُمَّ قَرَأ:
ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ الله.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا الحَدِيث فِيهِ
أَنَّهَا تذْهب حَتَّى تسْجد تَحت الْعَرْش، الحَدِيث،
وَهَذَا مُخْتَصر مِنْهُ وَتقدم تَمَامه فِي كتاب بَدْء
الْخلق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ فِي: بَاب صفة الشَّمْس
وَالْقَمَر عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن
الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن
أبي ذَر، رَضِي الله عَنهُ.
وَيحيى بن جَعْفَر بن أعين البُخَارِيّ البيكندي، وَأَبُو
مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
وَالزَّاي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ يروي عَن أَبِيه يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ
تيم الربَاب وَأَبُو ذَر اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة على
الْمَشْهُور.
والْحَدِيث مضى فِي مَوَاضِع فِي بَدْء الْخلق كَمَا
ذكرنَا، وَفِي التَّفْسِير عَن الْحميدِي وَعَن أبي نعيم
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ذَلِك مُسْتَقر لَهَا فِي قِرَاءَة عبد الله أَي:
ابْن مَسْعُود، وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة: {وَالشَّمْسُ
تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ}
7425 - حدّثنا مُوسَى عَن إبْرَاهِيمَ، حدّثنا ابنُ
شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ بن السَّبَّاقِ أنَّ زَيْدَ بن
ثابِتٍ.
وَقَالَ اللّيْثُ: حدّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ
عنِ ابنِ شِهابٍ عنِ ابنِ السَّبَّاقِ أَن زَيْدَ بنَ
ثابِتٍ حدَّثَهُ قَالَ: أرْسَلَ إليَّ أبُو بَكْرٍ
فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ حتَّى وجَدْتَ آخِرَ سُورَةِ
التَّوْبَةِ مَعَ أبي خُزَيْمَة الأنْصارِيِّ، لَمْ
أجِدْها مَعَ أحَدٍ غَيْرِهِ. {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ
مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} حتَّى
خاتِمَةِ بَرَاءَةٌ. 0 ا
مطابقته للتَّرْجَمَة عِنْد تَمام الْآيَة الْمَذْكُورَة
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ لَا إِلَاهَ
إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ} ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي،
وإبراهم هُوَ ابْن سعد وَهُوَ سبط عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ،
وَعبيد مصغر عبد ابْن السباق بِالسِّين الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الثَّقَفِيّ، وَعبد
الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر الفهمي وَالِي مصر.
والْحَدِيث مضى فِي آخر تَفْسِير سُورَة التَّوْبَة مطولا.
قَالَ اللَّيْث تَعْلِيق، وَمر هُنَاكَ من وَصله عَن سعيد
بن عفير: حَدثنَا اللَّيْث بِهِ. قَوْله: مَعَ أبي
خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ هُوَ ابْن أَوْس بن زيد بن
أَصْرَم بن زيد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار،
واسْمه: تيم اللات، شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا، مَاتَ فِي
خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأَبُو
خُزَيْمَة هُوَ الَّذِي جعل الشَّارِع شَهَادَته
بِشَهَادَة رجلَيْنِ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: شَرط
الْقُرْآن التَّوَاتُر فَكيف ألحقها بِهِ؟ قلت: مَعْنَاهُ
لم أَجدهَا مَكْتُوبَة عِنْد غَيره.
حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونسَ
بِهاذَا، وَقَالَ: مَعَ أبي خَزِيْمَةَ الأنْصاريِّ.
هَذَا طَرِيق آخر عَن يحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله
بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد عَن
يُونُس بن يزِيد، بِهَذَا ... أَي بِهَذَا الحَدِيث.
7426 - حدّثنا مُعلَّى بنُ أسَدٍ، حدّثنا وُهَيْبٌ، عنْ
سَعيد عنْ قَتادَةَ، عنْ أَي العالِيَةِ عنِ
(25/116)
ابْن عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا،
قَالَ: كانَ النبيُّ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ لَا إلاهَ
إلاّ الله العَلِيمُ الحَليمُ، لَا إلاهَ إلاَّ الله ربُّ
العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إلاهَ إِلَّا الله ربُّ
السَّماوَاتِ وربُّ الأرْضِ وربُّ العَرْشِ الكَرِيمِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: رب الْعَرْش الْعَظِيم
ووهيب هُوَ ابْن خَالِد، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة،
وَأَبُو الْعَالِيَة بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالياء آخر
الْحُرُوف اسْمه رفيع مُصَغرًا.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب
الدُّعَاء عِنْد الكرب.
قَوْله: الْحَلِيم الْحلم هُوَ الطُّمَأْنِينَة عِنْد
الْغَضَب، وَحَيْثُ أطلق على الله فَالْمُرَاد لازمها
وَهُوَ تَأْخِير الْعقُوبَة، وَوصف الْعَرْش بالعظمة من
جِهَة الْكمّ، وبالكرم أَي: الْحسن من جِهَة الكيف، فَهُوَ
ممدوح ذاتاً وَصفَة، وَهَذَا الذّكر من جَوَامِع الْكَلم.
7427 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا سُفْيانُ عنْ
عَمْرو بنِ يَحْياى عنْ أبِيهِ، عنْ أبي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصْعَقُون يَوْمَ
القِيامَةِ، فَإِذا أَنا بِمُوسَى آخِذٌ بِقائِمَةٍ مِنْ
قَوائِمِ العَرْشِ. وَقَالَ المَاجِشُونُ عنْ عَبْدِ الله
بنِ الفَضْلِ عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فأكُونُ أوَّلَ
مَنْ بُعِثَ فإذَا مُوسَى آخِذٌ بالْعَرْش
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْعَرْش فِي
الْمَوْضِعَيْنِ.
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعَمْرو بن يحيى يروي عَن
أَبِيه يحيى بن عمَارَة الْمَازِني الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو
سعيد اسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم
السَّلَام فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا
مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ
فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ
مُوسَى لاَِخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى
وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}
بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن. وَفِيه زِيَادَة وَهِي:
فَلَا أَدْرِي أَفَاق قبلي أم جوزي بصعقة الطّور.
قَوْله: يصعقون كَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا:
النَّاس يصعقون، كَمَا فِي الْبَاب الْمَذْكُور وَهُوَ
الصَّحِيح، وَالظَّاهِر أَن لفظ: النَّاس، سقط من
الْكَاتِب.
قَوْله: قَالَ الْمَاجشون بِفَتْح الْجِيم وَضمّهَا
وَكسرهَا وَهُوَ مُعرب: ماهكون، يَعْنِي: شَبيه الْقَمَر،
وَقيل: شَبيه الْورْد، وَهُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الله
بن أبي سَلمَة مَيْمُون الْمدنِي، وَهَذَا اللقب قد
يسْتَعْمل أَيْضا لأكْثر أَقَاربه، وَعبد الله بن الْفضل
بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة الْهَاشِمِي، وَأَبُو
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي
الْأَطْرَاف وَتَبعهُ جمَاعَة من الْمُحدثين: إِنَّمَا روى
الْمَاجشون هَذَا عَن عبد الله بن الْفضل عَن الْأَعْرَج
لَا عَن أبي سَلمَة، وَقَالُوا: البُخَارِيّ وهم فِي هَذَا
حَيْثُ قَالَ: عَن أبي سَلمَة. وَأجِيب عَن هَذَا: بِأَن
لعبد الله بن الْفضل فِي هَذَا الحَدِيث شيخين،
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن أَبَا دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
أخرج فِي مُسْنده عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن عبد
الله بن الْفضل عَن أبي سَلمَة طرفا من هَذَا الحَدِيث،
وَبِهَذَا يرد أَيْضا على من قَالَ: إِن البُخَارِيّ جزم
بِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَهِي وهم. قلت: إِنَّمَا جزم
بِنَاء على الْجَواب الْمَذْكُور، فَلذَلِك قَالَ: قَالَ
الْمَاجشون وإلاَّ فعادته إِذا كَانَ مثل هَذَا غير مجزوم
عِنْده يذكرهُ بِصِيغَة التمريض، فَافْهَم.
23
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وقَوْله جلَّ ذِكْرُهُ {مَن
كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ
السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ
أُوْلَائِكَ هُوَ يَبُورُ}
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {تعرج
الْمَلَائِكَة} إِلَى آخِره، ذكر هَاتين القطعتين من
الْآيَتَيْنِ الكريمتين وَأَرَادَ بِالْأولَى الرَّد على
الْجَهْمِية المجسمة فِي تعلقهم بِظَاهِر قَوْله تَعَالَى:
{مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وَقد تقرر أَن الله لَيْسَ بجسم
فَلَا يحْتَاج إِلَى مَكَان يسْتَقرّ فِيهِ، فقد كَانَ
وَلَا مَكَان وَإِنَّمَا أضَاف المعارج إِلَيْهِ إِضَافَة
تشريف، والمعارج جمع معرج كالمصاعد جمع مصعد والعروج
الارتقاء، يُقَال: عرج بِفَتْح الرَّاء يعرج بضَمهَا
عروجاً ومعرجاً، والمعرج المصعد وَالطَّرِيق الَّذِي تعرج
فِيهِ الْمَلَائِكَة إِلَى السَّمَاء، والمعراج شَبيه سلم
أَو درج تعرج فِيهِ الْأَرْوَاح إِذا قبضت وَحَيْثُ تصعد
أَعمال بني آدم. وَقَالَ الْفراء: المعارج من نعت الله
وَوصف بذلك نَفسه لِأَن الْمَلَائِكَة تعرج إِلَيْهِ.
وَقيل: معنى قَوْله: {مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}
أَي: الفواضل الْعَالِيَة.
(25/117)
قَوْله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} اخْتلف فِيهِ. فَقيل: جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: ملك عَظِيم تقوم الْمَلَائِكَة
صفا وَيقوم وَحده صفا، قَالَ الله عز وَجل: {يَوْمَ
يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لاَّ
يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ
وَقَالَ صَوَاباً} وَقيل: هُوَ خلق من خلق الله تَعَالَى
لَا ينزل ملك إلاَّ وَمَعَهُ اثْنَان مِنْهُم، وَعَن ابْن
عَبَّاس: إِنَّه ملك لَهُ أحد عشر ألف جنَاح وَألف وَجه
يسبح الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَقيل: هم خلق كخلق
بني آدم لَهُم أيد وأرجل. وَأما الْآيَة الثَّانِيَة فَرد
شبهتهم أَيْضا لِأَن صعُود الْكَلم إِلَيْهِ لَا يَقْتَضِي
كَونه فِي جِهَة إِذْ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
لَا تحويه جِهَة إِذْ كَانَ مَوْجُودا وَلَا جِهَة، وَوصف
الْكَلم بالصعود إِلَيْهِ مجَاز لِأَن الْكَلم عرض
وَالْعرض لَا يَصح أَن ينْتَقل. قَوْله: الْكَلم الطّيب
قيل: الْقُرْآن، وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ الْقُرْآن،
وَعَن قَتَادَة: الْعَمَل الصَّالح يرفعهُ الله عز وَجل،
وَالْعَمَل الصَّالح أَدَاء فَرَائض الله تَعَالَى.
وَقَالَ أبُو جَمْرَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: بَلَغَ أَبَا
ذَرَ مَبْعَثُ النبيِّ فَقَالَ لأخِيهِ: اعْلَمْ لي علْمَ
هاذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ يأْتِيهِ الخَبرُ
مِنَ السَّماءِ.
أَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء نضر بن عمرَان الضبعِي
الْبَصْرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى مَوْصُولا فِي: بَاب
إِسْلَام أبي ذَر. قَوْله: اعْلَم من الْعلم. قَوْله: لي
أَي: لأجلي، أَو من الْإِعْلَام أَي: أَخْبرنِي خبر هَذَا
الرجل الَّذِي بِمَكَّة يَدعِي النُّبُوَّة.
وَقَالَ مِجاهِدٌ العَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الكَلِمَ
الطَّيِّبِ.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْفرْيَابِيّ من رِوَايَة ابْن
أبي نجيح عَن مُجَاهِد وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَزَاد
فِيهِ مُجَاهِد: وَالْعَمَل الصَّالح، أَي: أَدَاء فَرَائض
الله، فَمن ذكر الله وَلم يؤد فَرَائِضه رد كَلَامه على
عمله وَكَانَ أولى بِهِ.
يُقالُ: ذِي المَعارِجِ: المَلاَئِكَةُ تَعْرُجُ إِلَيْهِ.
أَي: قَالَ: معنى ذِي المعارج الْمَلَائِكَة العارجات.
قَوْله: إِلَيْهِ، أَي: إِلَى الله، ويروى: إِلَى الله،
أَيْضا. [/ شَرّ
7429 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ أبي
الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله
عَنهُ، أنَّ رسولَ اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ باللَّيْلِ
ومَلاَئِكَةٌ بالنَّهارِ ويَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ
العَصْرِ وصَلاَة الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ
باتُوا فِيكُمْ فَيَسْألُهُمْ وهْوَ أعْلَمُ بِكُمْ،
فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبادِي فَيَقُولُونَ:
تَرَكْناهُمْ وهمْ يُصَلُّونَ، وأتَيْناهُمْ وهُمْ
يُصَلَّونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن
ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب فضل
صَلَاة الْعَصْر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن
يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: يتعاقبون أَي: يتناوبون وَهُوَ نَحْو أكلوني
البراغيث، وَالسُّؤَال عَن التَّزْكِيَة فَقَالُوا:
وأتيناهم وهم يصلونَ فزادوا على الْجَواب إِظْهَارًا
لبَيَان فضيلتهم واستدراكاً لما قَالُوا:) ( {وَإِذْ قَالَ
رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ
خَلِيفَةً قَالُو اْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ
فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا
لاَ تَعْلَمُونَ} وَأما اتِّفَاقهم فِي هذَيْن
الْوَقْتَيْنِ فلأنهما وقتا الْفَرَاغ من وظيفتي اللَّيْل
وَالنَّهَار، وَوقت رفع الْأَعْمَال. وَأما اجْتِمَاعهم
فَهُوَ من تَمام لطف الله بِالْمُؤْمِنِينَ ليكونوا لَهُم
شُهَدَاء، وَأما السُّؤَال فلطلب اعْتِرَاف الْمَلَائِكَة
بذلك، وَأما وَجه التَّخْصِيص بالذين باتوا وَترك ذكر
الَّذين ظلوا فإمَّا اكْتِفَاء بِذكر اجْتِمَاعهمَا عَن
الْأُخْرَى، وَإِمَّا لِأَن اللَّيْل مَظَنَّة الْمعْصِيَة
ومظنة الاسْتِرَاحَة، فَلَمَّا لم يعصوا وَاشْتَغلُوا
بِالطَّاعَةِ فالنهار أولى بذلك، وَأما لِأَن حكم طرفِي
النَّهَار يعلم من حكم طرف اللَّيْل، فَذكره كالتكرار.
7430 - وَقَالَ خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدثنَا سُلَيْمان،
حدّثني عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ، عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي
هُريْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ
طَيِّبٍ وَلَا يَصْعَدُ إِلَى الله إلاَّ الطَّيِّبُ
(25/118)
فإنَّ الله يَتَقَبَّلُها بِيَمِينِهِ،
ثُمَّ يُرَبِّيها لِصاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ
فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ
انْظُر الحَدِيث 1410
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَلَا يصعد إِلَى الله
إِلَّا الطّيب.
وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، وَسليمَان
هُوَ ابْن بِلَال، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الزَّكَاة فِي: بَاب
الصَّدَقَة من كسب طيب، مُسْندًا وَهَذَا مُعَلّق. وَأخرجه
مُسلم عَن أَحْمد بن عُثْمَان عَن خَالِد بن مخلد عَن
سُلَيْمَان بن بِلَال، لَكِن خَالف فِي شيخ سُلَيْمَان
فَقَالَ: عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه. قَوْله:
وَقَالَ خَالِد بن مخلد كَذَا هُوَ عِنْد جَمِيع الروَاة،
وَوَقع عِنْد الْخطابِيّ فِي شَرحه قَالَ أَبُو عبد الله
البُخَارِيّ: حَدثنَا خَالِد بن مخلد.
قَوْله: بِعدْل تَمْرَة بِكَسْر الْعين وَفتحهَا بِمَعْنى
الْمثل، وَقيل بِالْفَتْح: مَا عادله من جنسه، وبالكسر مَا
لَيْسَ من جنسه، وَقيل بِالْعَكْسِ، وَالْعدْل بِالْكَسْرِ
نصف الْحمل. وَقَالَ الْخطابِيّ: عدل التمرة مَا يعادلها
فِي قيمتهَا، يُقَال: عدل الشَّيْء مثله فِي الْقيمَة،
وعدله مثله فِي المنظر. قَوْله: بِيَمِينِهِ فِيهِ معنى
حسن الْقبُول، فَإِن الْعَادة جَارِيَة بِأَن تصان
الْيَمين عَن مس الْأَشْيَاء الدنية، وَلَيْسَ فِيمَا
يُضَاف إِلَيْهِ تَعَالَى من صفة الْيَد شمال لِأَنَّهَا
مَحل النَّقْص والضعف، وَقد رُوِيَ: كلتا يَدَيْهِ يَمِين،
وَلَيْسَت بِمَعْنى الْجَارِحَة إِنَّمَا هِيَ صفة جَاءَ
بهَا التَّوْقِيف فنطلقها وَلَا نكيفها وننتهي حَيْثُ
انْتهى التَّوْقِيف. قَوْله: يتقبلها وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: يقبلهَا بِدُونِ التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق. قَوْله: لصَاحبه وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
لصَاحِبهَا، قَوْله: فلوه بِفَتْح الْفَاء وَضمّهَا
وَشدَّة الْوَاو الجحش وَالْمهْر إِذا فطمه.
ورَوَاهُ ورْقاءُ عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ سَعيدِ
بنِ يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ وَلَا يَصْعَدُ
إِلَى الله إِلَّا طَيِّبٌ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور وَرْقَاء بن عمر بن
كُلَيْب، أَصله من خوارزم، وَيُقَال: من الْكُوفَة، سكن
الْمَدَائِن عَن عبد الله بن دِينَار عَن سعيد بن يسَار ضد
الْيَمين وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن رِوَايَة وَرْقَاء
مُوَافقَة لرِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال إلاَّ فِي
الشَّيْخ، فَإِن سلميان يروي عَن عبد الله بن دِينَار عَن
أبي صَالح، وورقاء يروي عَن عبد الله بن دِينَار عَن سعيد
بن يسَار وَفِي الْمَتْن متفقان إِلَّا فِي قَوْله:
الطّيب، فَإِن رِوَايَة وَرْقَاء طيب بِغَيْر الْألف
وَاللَّام، وَهُوَ معنى قَول الْكرْمَانِي: وَالْفرق بَين
الطَّرِيقَيْنِ أَن الطّيب فِي الأول معرفَة وَفِي
الثَّانِي نكرَة، وَاقْتصر على هَذَا الْفرق وَلم يذكر
اخْتِلَاف الشَّيْخ. ثمَّ إِن تَعْلِيق وَرْقَاء وَصله
الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم
عَن وَرْقَاء، فَوَقع عِنْده: الطّيب، بِالْألف وَاللَّام،
وَقَالَ فِي آخِره: مثل أحد، عوض: مثل الْجَبَل.
7431 - حدّثنا عَبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ، حدّثنا
يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدثنَا سَعيدٌ، عنْ قتادَةَ عنْ
أبي العاليَةِ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ نَبِيَّ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ
الكَرْبِ: لَا إلاهَ إلاَّ الله العَظِيمُ الحليمُ، لَا
إلاهَ إلاّ الله رَبُّ العَرْش العَظيمِ، لَا إلاهَ إِلَّا
الله رَبُّ السَّماواتِ وربُّ العَرْش الكَرِيمِ
لَيْسَ هَذَا بمطابق للتَّرْجَمَة، وَمحله فِي الْبَاب
السَّابِق، وَلَعَلَّ النَّاسِخ نَقله إِلَى هُنَا.
وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَأَبُو الْعَالِيَة
رفيع.
وَقد مر الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله. قَالَ
الْكرْمَانِي: هَذَا ذكر وتهليل وَلَيْسَ بِدُعَاء. قلت:
هُوَ مُقَدّمَة الدُّعَاء، فاطلق الدُّعَاء عَلَيْهِ
بِاعْتِبَار ذَلِك، أَو الدُّعَاء أَيْضا ذكر لكنه خَاص
فَأَطْلقهُ وَأَرَادَ الْعَام.
7432 - حدّثنا قَبيصَةُ، حدّثنا سُفْيانُ عنْ أبِيهِ، عنِ
ابْن أبي نِعْمٍ أوْ، أبي نُعْمٍ، شكَّ قَبيصَةُ عنْ أبي
سَعيدٍ، قَالَ: بُعِثَ إِلَى النبيِّ بِذُهَيْبَةٍ
فَقَسَمَها بَيْنَ أرْبَعَةٍ.
وحدّثني إسْحاقُ بنُ نَصْرٍ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
أخبرنَا سُفْيانُ عنْ أبِيهِ، عنِ ابنِ أبي نُعْمٍ، عنْ
أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ قَالَ: بَعَثَ عَليٌّ وهْوَ
باليَمنِ إِلَى النبيِّ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِها،
فَقَسَمَها بَيْنَ الأقْرَعِ بنِ حابِسٍ
(25/119)
الحَنْظَلِّي، ثُمَّ أحَدِ بَنِي مُشاجِعٍ،
وبَيْنَ عُيَيْنَةَ بنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وبَيْنَ
عَلْقَمَةَ بن عُلاَثَةَ العامريِّ ثُم أحَدِ بَني
كِلاَبٍ، وبَيْنَ زَيْدِ الخَيْلِ الطّائِيِّ، ثُمَّ أحَدَ
بَنِي نَبْهانَ، فَتَغَضَبَتْ قُرَيْشٌ والأنْصارُ
فقالُوا: يُعْطيهِ صَنادِيدَ أهْلِ نَجْدٍ ويَدَعُنا؟
قَالَ: إنَّما أتألَّفُهُمْ فأقْبَلَ رَجُلٌ غائِرُ
العَيْنَيْنِ ناتِىءُ الجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ
مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ اتَّقِ الله. فَقَالَ النبيُّ فَمَنْ يُطيعُ
الله إذَا عَصَيْتُهُ؟ فَيَأْمَنِّي عَلى أهْلِ الأرْضِ
وَلَا تأْمَنُونِي؟ فَسألَ رجُلٌ مِنَ القَوْمِ قَتْلَهُ
أُراهُ خالِدَ بنَ الوَليدٍ فَمَنَعَهُ النبيُّ فَلمَّا
ولَّى قَالَ النبيُّ إنَّ مِنْ ضِئْضِيءِ هاذَا قَوْماً
يَقْرَأُونَ القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ
الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أهْلَ الإسْلاَم ويَدَعُونَ
أهْلَ الأوْثانِ، لَئِنْ أدْرَكْتُهُمْ لأقْتُلَنَّهُمْ
قَتْلَ عادٍ
ا
لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة بِحَسب
الظَّاهِر، وَقد تكلّف بَعضهم فِي تَوْجِيه الْمُطَابقَة
فَقَالَ مَا حَاصله: إِن فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي
الْمَغَازِي: وَأَنا أَمِين من فِي السَّمَاء، مَا يدل
عَلَيْهَا، وَهُوَ أَن معنى قَوْله: من فِي السَّمَاء: على
الْعَرْش فِي السَّمَاء، وَفِيه تعسف، وَكَذَلِكَ تكلّف
فِيهِ الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ مَا ملخصه: أَن يُقَال
دلّ عَلَيْهَا لَازم. قَوْله: لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ
أَي: لَا يصعد إِلَى السَّمَاء، وَفِيه جر ثقيل.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين. أَحدهمَا:
عَن قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أَبِيه
سعيد بن مَسْرُوق عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم بِضَم
النُّون وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة أَو أبي نعم أبي
الحكم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك بن
سِنَان. وَالثَّانِي: عَن إِسْحَاق بن نصر وَهُوَ إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم بن نصر البُخَارِيّ السَّعْدِيّ كَانَ ينزل
بِالْمَدِينَةِ بِبَاب سعد فَالْبُخَارِي يروي عَنهُ
تَارَة بنسبته إِلَى جده وَتارَة بنسبته إِلَى أَبِيه
وَهُوَ يروي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام الصَّنْعَانِيّ
الْيَمَانِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ ... إِلَى آخِره.
وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي:
بَاب قَول الله عز وَجل: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ
بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} حَيْثُ قَالَ: قَالَ ابْن
كثير: عَن سُفْيَان عَن أَبِيه إِلَى آخِره ... وَمضى
أَيْضا فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب بعث عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْوَاحِد عَن
عمَارَة بن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن
أبي نعم قَالَ: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ ... . إِلَى
آخِره، وَمضى أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة فِي:
بَاب قَوْله: والمؤلفة قُلُوبهم، عَن مُحَمَّد بن كثير عَن
سُفْيَان عَن أَبِيه مُخْتَصرا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
مرَارًا، ولنذكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: شكّ قبيصَة يَعْنِي فِي قَوْله: ابْن أبي نعم أَو
أبي نعم هَكَذَا قَالَه بَعضهم، وَالَّذِي يفهم من كَلَام
الْكرْمَانِي أَن شكه فِي ابْن أبي نعم، وَقد مضى فِي
أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء بِلَا شكّ: عَن ابْن أبي نعم،
بِضَم النُّون وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة. قَوْله: بعث
على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: بذهيبة مصغر ذهبة وَقد
يؤنث الذَّهَب فِي بعض اللُّغَات. قَوْله: فِي تربَتهَا
أَي مُسْتَقِرَّة فِيهَا والتأنيث على نِيَّة قِطْعَة من
الذَّهَب، وَفِي الصِّحَاح الذَّهَب مَعْرُوف وَرُبمَا أنث
والقطعة مِنْهُ ذهبة، فَأَرَادَ بالتربة تبر الذَّهَب
وَلَا يصير ذَهَبا خَالِصا إِلَّا بعد السبك.
بعث عَليّ أَي: عَليّ بن أبي طَالب، وَهَذَا يُفَسر قَوْله
أَولا: بعث إِلَى النَّبِي، بذهيبة. قَوْله: وَهُوَ
بِالْيمن أَي: وَالْحَال أَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْيمن وَهُوَ رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فِي الْيمن. قَوْله:
بَين الْأَقْرَع هَؤُلَاءِ أَرْبَعَة أنفس من الْمُؤَلّفَة
قُلُوبهم الَّذين يُعْطون من الزَّكَاة أحدهم: الْأَقْرَع
بن حَابِس الْحَنْظَلِي نِسْبَة إِلَى حَنْظَلَة بن مَالك
بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. قَوْله: بني مجاشع بِضَم الْمِيم
وبالجيم وبالشين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وبالعين
الْمُهْملَة ابْن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن
زيد مَنَاة بن تَمِيم، الثَّانِي: عُيَيْنَة مصغر عين ابْن
بدر نسب إِلَى جد أَبِيه وَهُوَ عُيَيْنَة بن حصن بن
حُذَيْفَة بن بدر بن عَمْرو بن لوذان بن ثَعْلَبَة بن عدي
بن فَزَارَة الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء ونسبته إِلَى
فَزَارَة بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وَالثَّالِث:
عَلْقَمَة بن علاثة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
اللَّام وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن عَوْف بن الْأَحْوَص
بن جَعْفَر بن كلاب، وَهُوَ معنى قَوْله: قَوْله: العامري
نِسْبَة إِلَى عَامر بن عَوْف
(25/120)
بن بكر بن عَوْف بن عذرة بن زيد اللات بن
رفيدة بن ثَوْر بن كلاب. قَوْله: ثمَّ أحد بني كلاب وَهُوَ
ابْن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن
هوَازن. الرَّابِع: زيد الْخَيل هُوَ ابْن مهلهل بن زيد بن
منْهب الطَّائِي نِسْبَة إِلَى طيىء واسْمه جلهمة بن ادد.
قَوْله: ثمَّ أحد بني نَبهَان هُوَ أسود بن عَمْرو بن
الْغَوْث بن طيىء، قَالَ الْخَلِيل: أصل طيىء طوى قلبت
الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء وَالنِّسْبَة
إِلَى طيىء طائي على غير الْقيَاس لِأَن الْقيَاس طيي على
وزن طيعي، وَلما قدم زيد على النَّبِي سَمَّاهُ: زيد
الْخَيْر، بالراء بدل اللَّام، وَكَانَ قدومه ... وَقيل
لَهُ: زيد الْخَيل لعنايته بهَا، وَيُقَال: لم يكن فِي
الْعَرَب أَكثر خيلاً مِنْهُ، وَكَانَ شَاعِرًا خَطِيبًا
شجاعاً جواداً مَاتَ على إِسْلَامه فِي حَيَاة النَّبِي
وَقيل: مَاتَ فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. وَأما عَلْقَمَة فَإِنَّهُ ارْتَدَّ مَعَ من
ارْتَدَّ ثمَّ عَاد وَمَات فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، بحوران، وَأما عُيَيْنَة فَإِنَّهُ
ارْتَدَّ مَعَ طَلْحَة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام، وَأما
الْأَقْرَع فَإِنَّهُ أسلم وَشهد الْفتُوح وَاسْتشْهدَ
باليرموك، وَقيل: بل عَاشَ إِلَى خلَافَة عُثْمَان، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، فأصيب بالجوزجان. وَقَالَ الْمبرد:
كَانَ فِي صدر الْإِسْلَام رَئِيس خندف. وَقَالَ
المرزباني: هُوَ أول من حرم الْقمَار، وَقيل: كَانَ
سَنُوطا أعرج مَعَ قرعه وعوره وَكَانَ يحكم فِي المواسم
وَهُوَ آخر الْحُكَّام من بني تَمِيم. قَوْله: فَغضِبت
قُرَيْش وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فتغيظت قُرَيْش، من
الغيظ من بَاب التفعل، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن
الْحَمَوِيّ: فتغضبت، من الْغَضَب من بَاب التفعل أَيْضا
وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَالَّذِي مضى فِي
قصَّة عَاد: فَغضِبت، قَوْله: يُعْطِيهِ أَي: يُعْطي
النَّبِي، المَال صَنَادِيد نجد وَهُوَ جمع صنديد وَهُوَ
السَّيِّد، وَكَانَت هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة
سَادَات أهل نجد، وَقَالَ الرشاطي: نجد مَا بَين الْحجاز
إِلَى الشَّام إِلَى العذيب فالطائف من نجد وَالْمَدينَة
من نجد وَأَرْض الْيَمَامَة والبحرين إِلَى عمان إِلَى
الْعرُوض، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: نجد أَرض للْعَرَب.
قَوْله: ويدعنا أَي: يتركنا وَلَا يُعْطِينَا شَيْئا.
قَوْله: إِنَّمَا أتألفهم من التألف وَهُوَ المداراة
والإيناس ليثبتوا على الْإِسْلَام رَغْبَة فِيمَا يصل
إِلَيْهِم من المَال. قَوْله: رجل اسْمه عبد الله ذُو
الْخوَيْصِرَة مصغر الخاصرة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
وَالصَّاد الْمُهْملَة التَّمِيمِي قَوْله: غائر
الْعَينَيْنِ من غارت عينه إِذْ دخلت وَهُوَ ضد الجاحظ،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: غائر الْعَينَيْنِ أَي: داخلتين فِي
الرَّأْس لاصقتين بقعر الحدقة. قَوْله: ناتىء الجبين أَي:
مُرْتَفع الجبين من النتوء بالنُّون وَالتَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق، ويروى: ناشز الجبين، وَالْمعْنَى
وَاحِد. قَوْله: كث اللِّحْيَة بتَشْديد الْمُثَلَّثَة
أَي: كثير شعرهَا غير مسبلة. قَوْله: مشرف الوجنتين أَي:
غليظهما يَعْنِي: لَيْسَ بسهل الخد، يُقَال: أشرفت وجنتاه
علتا، والوجنتان العظمان المشرفان على الْخَدين. وَفِي
الصِّحَاح الوجنة مَا ارْتَفع من الخد وفيهَا أَربع لُغَات
بِتَثْلِيث الْوَاو وَالرَّابِع: أجنة. قَوْله: محلوق
الرَّأْس كَانُوا لَا يحلقون رؤوسهم ويوفرون شُعُورهمْ،
وَقد فرق رَسُول الله، شعره وَحلق فِي حجَّة وَعمرَة،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: كَانَ هَذَا الرجل من بني تَمِيم من
بادية الْعرَاق. قَوْله: فيأمني بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد
النُّون أَصله: يأمنني، فأدغمت النُّون الأولى فِي
الثَّانِيَة، ويروى: على الأَصْل: فيامنني، أَي: فيأمنني
الله تَعَالَى أَي: يَجْعَلنِي أَمينا على أهل الأَرْض
وَلَا تأمنوني؟ أَنْتُم، ويروى: وَلَا تأمنونني أَنْتُم؟
على الأَصْل. قَوْله: أرَاهُ بِضَم الْهمزَة أَي: أَظن
هَذَا الرجل خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَوَقع فِي كتاب اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين: عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَلَا تنَافِي
بَينهمَا لاحْتِمَال وُقُوعه مِنْهُمَا. قَوْله: فَلَمَّا
ولى أَي: فَلَمَّا أدبر. قَوْله: إِن من ضئضيء أَي: من أصل
هَذَا الرجل، وَهُوَ بِكَسْر الضادين المعجمتين وَسُكُون
الْهمزَة الأولى، قوما ويروى: قوم فإمَّا أَنه كتب على
اللُّغَة الربيعية فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ الْمَنْصُوب
بِدُونِ الْألف، وَإِمَّا أَن يكون فِي: إِن، ضمير
الشَّأْن. قَوْله: لَا يبلغ حَنَاجِرهمْ أَي: لَا يرْتَفع
إِلَى الله مِنْهُم شَيْء، والحناجر جمع حنجرة وَهُوَ
الْحُلْقُوم. قَوْله: يَمْرُقُونَ من المروق وَهُوَ
النّفُوذ حَتَّى يخرج من الطّرف الآخر، وَالْحَاصِل:
يخرجُون خُرُوج السهْم. قَوْله: مروق السهْم أَي: كمروق
السهْم من الرَّمية بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف على
فعيلة بِمَعْنى مفعولة. قَوْله: وَيدعونَ أَي: يتركون.
قَوْله: لأقتلنهم قيل: لم منع خَالِد بن الْوَلِيد وَقد
أدْركهُ؟
(25/121)
وَأجِيب: بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ
إِدْرَاك طائفتهم وزمان كثرتهم وخروجهم على النَّاس
بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا أنذر رَسُول الله، أَن سَيكون
ذَلِك وَقد كَانَ كَمَا قَالَ، وَأول مَا نجم هُوَ فِي
زمَان عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: قتل عَاد
وَقد تقدم فِي بعث عَليّ إِلَى الْيمن أَنه قَالَ:
لأقتلنهم قتل ثَمُود، وَلَا تعَارض لِأَن الْغَرَض مِنْهُ
الاستئصال بِالْكُلِّيَّةِ وَعَاد وَثَمُود سَوَاء فِيهِ
إِذْ عَاد استوصلت بِالرِّيحِ الصرصر وَثَمُود أهلكوا
بالطاغية، قَالَ الْكرْمَانِي: مَا معنى: كَقَتل حَيْثُ
لَا قتل؟ وَأجَاب بِأَن المُرَاد لَازمه وَهُوَ الْهَلَاك،
وَيحْتَمل أَن تكون الْإِضَافَة إِلَى الْفَاعِل، وَيُرَاد
بِهِ: الْقَتْل الشَّديد الْقوي لأَنهم مَشْهُورُونَ
بالشدة وَالْقُوَّة.
7433 - حدّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ، حَدثنَا وَكِيعٌ،
عنِ الأعْمَشِ، عنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عنْ أبِيهِ
عنْ أبي ذَرٍ قَالَ: سألْتُ النبيَّ عنْ قَوْلِهِ
{وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} قَالَ: مُسْتَقَرُّها
تَحْتَ العَرْشِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بِبَعْض التعسف، بَيَانه أَنه
لما نبه على بطلَان قَول من أثبت الْجِهَة من قَوْله:
{مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} وَبَين أَن الْعُلُوّ
الفوقي مُضَاف إِلَى الله، وَأَن الْجِهَة الَّتِي يصدق
عَلَيْهَا أَنَّهَا سَمَاء والجهة الَّتِي يصدق عَلَيْهَا
أَنَّهَا عرش كل مِنْهُمَا مَخْلُوق مربوب مُحدث، وَقد
كَانَ الله قبل ذَلِك، وَلَا ابْتِدَاء لأوليته وَلَا
انْتِهَاء لآخريته، فَمن هَذَا تستأنس الْمُطَابقَة.
وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف شين مُعْجمَة ابْن الْوَلِيد
الرقام. وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ يروي عَن أَبِيه يزِيد من الزِّيَادَة ابْن
شريك، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَهُوَ مُخْتَصر
من الحَدِيث الَّذِي فِيهِ: وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: لَا
مُسْتَقر لَهَا أَي: جَارِيَة لَا تثبت فِي مَوضِع وَاحِد.
قَوْله: مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ و {تجْرِي لمستقر لَهَا}
خَبره وَقيل: هِيَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره:
وَآيَة لَهُم الشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا.
24 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وُجُوه يَوْمئِذٍ}
أَي: يَوْم الْقِيَامَة، والناضرة من نَضرة النَّعيم من
النّظر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمَقْصُود من الْبَاب ذكر
الظَّوَاهِر الَّتِي تشعر بِأَن العَبْد يرى ربه يَوْم
الْقِيَامَة. فَإِن قلت: لَا بُد للرؤية من المواجهة
والمقابلة وَخُرُوج الشعاع من الحدقة إِلَيْهِ وانطباع
صُورَة المرئي فِي حدقة الرَّائِي وَنَحْوهَا مِمَّا هُوَ
محَال على الله تَعَالَى. قلت: هَذِه شُرُوط عَادِية لَا
عقلية يُمكن حُصُولهَا بِدُونِ هَذِه الشُّرُوط عقلا،
وَلِهَذَا جوّز الأشعرية رُؤْيَة أعمى الصين بقة أندلس
إِذْ هِيَ حَالَة يخلقها الله تَعَالَى فِي الْحَيّ فَلَا
اسْتِحَالَة فِيهَا. وَقَالَ غَيره: اسْتدلَّ البُخَارِيّ
بِهَذِهِ الْآيَة وبأحاديث الْبَاب على أَن الْمُؤمنِينَ
يرَوْنَ رَبهم فِي جنَّات النَّعيم، وَهُوَ مَذْهَب أهل
السّنة وَالْجَمَاعَة وَجُمْهُور الْأمة، ومنعت ذَلِك
الْخَوَارِج والمعتزلة وَبَعض المرجئة، وَلَهُم فِي ذَلِك
دَلَائِل فَاسِدَة. وَفِي التَّوْضِيح حَاصِل اخْتِلَاف
النَّاس فِي رُؤْيَة الله يَوْم الْقِيَامَة أَرْبَعَة
أَقْوَال: قَالَ أهل الْحق: يرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْم
الْقِيَامَة دون الْكفَّار، وَقَالَت الْمُعْتَزلَة
والجهمية: هِيَ ممتنعة لايراه مُؤمن وَلَا كَافِر، وَقَالَ
ابْن سَالم الْبَصْرِيّ: يرَاهُ الْجَمِيع الْكَافِر
وَالْمُؤمن، وَقَالَ صَاحب كتاب التَّوْحِيد من الْكفَّار
من يرَاهُ رُؤْيَة امتحان لَا يَجدونَ فِيهَا لَذَّة كَمَا
يكلمهم بالطرد والإبعاد، قَالَ: وَتلك الرُّؤْيَة قبل أَن
يوضع الجسر بَين ظهراني جَهَنَّم، وَهَذِه الْآيَة الَّتِي
هِيَ التَّرْجَمَة جَاءَت فِيمَا رَوَاهُ عبد بن حميد
وَالتِّرْمِذِيّ والطبري وَآخَرُونَ، وَصَححهُ الْحَاكِم
من طَرِيق ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة عَن ابْن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي قَالَ: إِن أدنى
أهل الْجنَّة منزلَة من ينظر فِي ملكه ألف سنة، وَإِن
أفضلهم منزلَة، من ينظر فِي وَجه ربه عز وَجل فِي كل يَوْم
مرَّتَيْنِ. قَالَ، ثمَّ تَلا قلت: ثُوَيْر هَذَا ضَعِيف
جدا، تكلم فِيهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ.
7434 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنِ، حدّثنا خالِدٌ،
وهُشَيْمٌ عنْ إسْماعِيلَ، عنْ قَيْسٍ، عنْ جَرِيرٍ
(25/122)
قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النبيِّ إذْ
نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: إنَّكمْ
سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هاذَا القَمَرَ لَا
تضامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِن اسْتَطَعْتُمْ أنْ لَا
تُغْلَبُوا عَلى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلوع الشَّمْسَ وصَلاَةٍ
قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فافْعَلُوا
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن كلّاً مِنْهُمَا يدل
على الرُّؤْيَة.
وَعَمْرو بن عون بن أَوْس السّلمِيّ الوَاسِطِيّ نزل
الْبَصْرَة. قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ سنة خمس وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ أَو نَحْوهَا، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله
بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان الوَاسِطِيّ من الصَّالِحين،
وهشيم مصغر هشم ابْن بشير الوَاسِطِيّ، وَإِسْمَاعِيل هُوَ
ابْن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي وَاسم أبي
خَالِد: سعد، وَقيل: هُرْمُز، وَقيل: كثير، وَقيس هُوَ
ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي
البَجلِيّ، وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب فضل صَلَاة
الْعَصْر عَن الْحميدِي. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة،
وَمضى فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لَا تضَامون بتَخْفِيف الْمِيم من الضيم وَهُوَ
الذل والتعب أَي: لَا يضيم بَعْضكُم بَعْضًا فِي
الرُّؤْيَة بِأَن يَدْفَعهُ عَنهُ وَنَحْوه، ويروى بِفَتْح
التَّاء وَضمّهَا وَشدَّة الْمِيم من الضَّم أَي: لَا
تتزاحمون وَلَا تتنازعون وَلَا تختلفون فِيهَا، وَفِيه
وُجُوه أُخْرَى ذَكرنَاهَا. قَوْله: أَن لَا تغلبُوا
بِلَفْظ الْمَجْهُول، قَالَ الْكرْمَانِي: والتعقيب
بِكَلِمَة الْفَاء يدل على أَن الرُّؤْيَة قد يُرْجَى
نيلها بالمحافظة على هَاتين الصَّلَاتَيْنِ: الصُّبْح
وَالْعصر، وَذَلِكَ لتعاقب الْمَلَائِكَة فِي وقتيهما، أَو
لِأَن وَقت صَلَاة الصُّبْح وَقت لذيذ النّوم وَصَلَاة
الْعَصْر وَقت الْفَرَاغ من الصناعات وإتمام الْوَظَائِف،
فالقيام فيهمَا أشق على النَّفس.
7435 - حدّثنا يُوسفُ بنُ مُوسَى، حدّثنا عاصِمُ بنُ
يُوسُفَ اليَرْبُوعِيُّ، حدّثنا أبُو شِهابٍ، عنْ
إسْماعِيلَ بن أبي خالِدٍ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي حازِمٍ، عنْ
جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ، النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنَّكُمْ سَتروْنَ ربَّكُمْ عِياناً
ا
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
يُوسُف بن مُوسَى الْقطَّان الْكُوفِي عَن عَاصِم بن
يُوسُف الْيَرْبُوعي نِسْبَة إِلَى: يَرْبُوع بن حَنْظَلَة
فِي تَمِيم، ويربوع بن غيظ فِي غطفان الْكُوفِي عَن أبي
شهَاب وَاسم عبد ربه بن نَافِع الحناط بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون إِلَى آخِره.
قَوْله: عيَانًا تَقول عَايَنت الشَّيْء عيَانًا إِذا
رَأَيْته بِعَيْنِك، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: تفرد أَبُو
شهَاب عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد بقوله: عيَانًا
وَهُوَ حَافظ متقن من ثِقَات الْمُسلمين.
7436 - حدّثنا عَبْدَةُ بنُ عَبدِ الله، حدّثنا حُسَيْنٌ
الجُعْفِيُّ، عنْ زَائِدَةَ عنْ بَيانِ بنِ بِشْرٍ عنْ
قَيْسٍ بن أبي حازِمٍ، حَدثنَا جَرِيرٌ قَالَ: خَرَجَ
عَلَيْنا رسولُ الله لَيْلَةَ البَدْرِ فَقَالَ: إنَّكُمْ
سَتَرَوْنَ ربَّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ كَمَا تَرَوْنَ
هاذَا، لَا تُضامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ
ا
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
عَبدة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة ابْن عبد الله الصفار الْبَصْرِيّ عَن حُسَيْن
بن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ بِضَم الْجِيم وَسُكُون
الْعين الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جعف بن سعد
الْعَشِيرَة من مذْحج، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أَبُو
قَبيلَة من الْيمن، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك، عَن
زَائِدَة بن قدامَة عَن بَيَان بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون
ابْن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة الأحمسي بالمهملتين الخ.
قَوْله: كَمَا ترَوْنَ معنى التَّشْبِيه بالقمر أَنكُمْ
تَرَوْنَهُ رُؤْيَة مُحَققَة لَا شكّ فِيهَا وَلَا تَعب
وَلَا خَفَاء كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر كَذَلِك، فَهُوَ
تَشْبِيه للرؤية بِالرُّؤْيَةِ لَا المرئي بالمرئي، وَلَا
كَيْفيَّة الرُّؤْيَة بكيفية الرُّؤْيَة.
7437 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ ابنِ شهابٍ، عنْ
(25/123)
عَطاءِ بنِ يَزيدَ اللَّيْثِيِّ، عنْ أبي
هُرَيْرَةَ أنَّ النَّاسَ قالُوا: يَا رسُولَ الله هَلْ
نَرَى ربَّنا يَوْمَ القِيامَةِ؟ فَقَالَ رسولُ الله هَلْ
تُضارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ قالُوا: لَا
يَا رسولَ الله. قَالَ: فَهَلْ تُضارُّونَ فِي الشّمْسِ
لَيْسَ دُونَها سَحابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رسولَ الله،
قَالَ: فإنَّكَمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يَجْمَعُ الله
النَّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كانَ يَعْبُدُ
شَيْئاً فلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ
الشَّمْسَ الشّمْسَ، ويَتّبِعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ
القَمَرَ القَمَرَ، ويَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ
الطَّواغِيتَ، الطَّواغِيتَ وتَبْقاى هاذِهِ الأُمَّةُ
فِيها شافِعُوها أَو مُنافِقُوها شَكَّ إبْرَاهِيمُ
فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ
فَيَقُولُونَ هاذَا مَكانُنا حتَّى يَأْتِينَا رَبُّنا،
فَإِذا جاءَنا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمِ الله فِي
صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُوَن، فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ
فَيَقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ، ويُضْرَبُ
الصِّراطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فأكُونُ أَنا
وأُمتَّي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُها، وَلَا يَتَكَلَّمُ
يَوْمَئِذٍ إلاّ الرُّسُلُ، ودَعواى الرُّسُلَ يَوْمَئِذٍ:
اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ
مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدان، هَلْ رَأيْتُمُ السَّعْدانَ؟
قالُوا: نَعَمْ يَا رسولَ الله قَالَ: فإنّها مِثْلُ
شَوْكِ السَّعْدانِ غَيْرَ أنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ
عِظَمِها إِلَّا الله، تَخْطَفُ النّاسَ بِأعْمالِهِمْ،
فَمِنْهُمُ المُؤْمِنُ أوِ المُوبَقُ يَبْقى بِعَمَلِهِ
أوِ المُوثَقُ بِعَمَلِهِ، ومِنْهُمُ المُخَرْدَلُ أوِ
المُجازاى أوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلّى حتَّى إِذا
فَرَغَ الله مِنَ القَضاءِ بَيْنَ العِبَادِ وأرادَ أنْ
يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أرادَ مِنْ أهْلِ النّارِ
أمَرَ المَلائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مِنَ النّارَ، مَنْ
كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً مِمَّنْ أرادَ الله
أنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أنْ لَا إلاهَ إِلَّا
الله، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأثَرِ السُّجُودِ
تَأْكُلُ النّارُ ابنَ آدَمَ إلاّ أثَرَ السُّجُودِ،
حَرَّمَ الله على النّار أَن تَأْكُلَ أثَرَ السجُود،
فَيَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ
عَلَيْهِمْ ماءُ الحَياةِ، فَيَنْبُتُون تَحْتَهُ كَمَا
تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ
الله مِنَ القَضاءِ بَيْنَ العِبادِ ويَبْقَى رَجُلٌ
مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلى النّارِ هُوَ آخِرُ أهْلِ
النّارِ دُخولاً الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ اصرِفْ
وَجْهِي عَن النّارِ، فإنَّهُ قَدْ قَشَبنِي رِيحُها
وأحْرَقَنِي ذَكاؤُها، فَيَدْعُو الله بِما شاءَ أنْ
يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ الله: هَلْ عَسِيْتَ إِن
أُعْطِيتَ ذالِكَ أَن تَسْألَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا
وعِزَّتِكَ. لَا أسْألُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي رَبَّهُ مِنْ
عُهُودٍ ومَواثِيقَ مَا شاءَ، فَيَصْرِفُ الله وَجْهَهُ
عنِ النّارِ، فَإِذا أقْبَلَ عَلى الجَنَّةِ ورَآها سَكَتَ
مَا شاءَ الله أنْ يَسْكتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبِّ
قَدِّمْنِي إِلَى بابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ الله لهُ:
ألَسْتَ قَدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَواثِيقَكَ أنْ لَا
تَسْألَنِي غَيْرَ الّذِي أُعْطيتَ أبَداً؟ وَيْلَكَ يَا
ابْنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ،
(25/124)
فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ ويَدْعُو الله حتَّى
يَقولَ: هَلْ عَسِيْتَ إنْ أُعْطِيتَ ذالِكَ أنْ تَسْألَ
غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ
غَيْرَهُ، ويُعْطِي مَا شاءَ مِنْ عُهُودٍ ومَوَاثِيقَ،
فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بابِ الجَنّةِ، فَإِذا قَامَ إِلَى
بابِ الجَنّةِ انْفَقَهتْ لهُ الجَنّةُ فَرَأى مَا فِيها
مِنَ الحَبْرَةِ والسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شاءَ الله
أنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبِّ أدْخِلْنِي
الجَنّةَ فَيَقولُ الله: ألَسْتَ قَدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ
ومَواثِيقَكَ أنْ لَا تَسْألَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟
فَيَقُولُ: ويْلَكَ يَا ابنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ فيقولُ:
أيْ رَبِّ لَا أكُونَنَّ أشْقاى خَلْقِكَ، فَلا يَزال
يَدْعُو حتَّى يَضْحَكَ الله مِنْهُ، فَإِذا ضَحِكَ مِنْهُ
قَالَ لهُ: ادْخُلِ الجَنّةَ، فَإِذا دَخَلَها قَالَ الله
لهُ: تَمَنَّه فَسألَ رَبَّهُ وتَمَنَّى حتَّى إنَّ الله
لَيُذَكِّرُهُ يَقُولُ كَذَا وكَذا حتَّى انْقَطَعتْ بِهِ
الأمانِيُّ، قَالَ الله: ذالِكَ لَكَ ومِثْلُهُ مَعَه.
قَالَ عَطاءُ بنُ يَزِيدَ: وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَعَ
أبي هُرَيْرَةَ، لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ
شَيْئاً، حتَّى إِذا حَدَّثَ أبُو هُرَيْرَةَ: أنَّ الله
تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: ذالِكَ لَكَ ومِثْلُهُ مَعَهُ
قَالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: وعَشَرَةُ أمْثالِهِ
مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا
حَفِظْتُ إلاَّ قَوْلَهُ: ذالِكَ ومِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ
أبُو سَعيدٍ الخُدْرِيُّ: أشْهَدُ أنِّي حَفِظْتُ مِنْ
رَسُول الله قَوْلَهُ ذالِكَ لَكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَذالِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أهْلِ
الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَةَ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَشَيخ البُخَارِيّ عبد
الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى أَبُو الْقَاسِم العامري
الأويسي الْمَدِينِيّ يروي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن
مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد من
الزِّيَادَة اللَّيْثِيّ الجندعي، وَقد مضى الحَدِيث فِي
الرقَاق فِي: بَاب الصِّرَاط جسر جَهَنَّم عَن مَحْمُود
عَن عبد الرَّزَّاق وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: هَل تضَارونَ؟ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَضمّهَا وَتَشْديد الرَّاء وتخفيفها فالتشديد
بِمَعْنى: لَا تتخالفون وَلَا تجادلون فِي صِحَة النّظر
إِلَيْهِ لوضوحه وظهوره، يُقَال: ضاره يضاره مثل ضره
يضرّهُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال أضرني فلَان إِذا
دنا مني دنواً شَدِيدا فَأَرَادَ بالمضارة الِاجْتِمَاع
والازدحام عِنْد النّظر إِلَيْهِ، وَأما التَّخْفِيف
فَهُوَ من الضير لُغَة فِي الضّر وَالْمعْنَى فِيهِ
كَالْأولِ. قَوْله: كَذَلِك أَي: وَاضحا جلياً بِلَا شكّ
وَلَا مشقة وَلَا اخْتِلَاف. قَوْله: فَيتبع بتَشْديد
التَّاء من الِاتِّبَاع. قَوْله: الشَّمْس الشَّمْس الأول
مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول يعبد وَالثَّانِي مَنْصُوب
بقوله: فَيتبع وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي: الْقَمَر
الْقَمَر، والطواغيت الطواغيت وَهُوَ جمع طاغوت، والطواغيت
الشَّيَاطِين أَو الْأَصْنَام وَفِي الصِّحَاح الطاغوت
الكاهن وكل رَأس فِي الضلال، قد يكون وَاحِدًا وَقد يكون
جمعا وَهُوَ على وزن لاهوت مقلوب لِأَن من طَغى ولاهوت من
لاه وَأَصله طغووت مثل جبروت نقلت الْوَاو إِلَى مَا قبل
الْغَيْن ثمَّ قلبت ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا.
قَوْله: شافعوها أَي: شافعو الْأمة وَأَصله شافعون سَقَطت
النُّون للإضافة من شفع يشفع شَفَاعَة فَهُوَ شَافِع
وشفيع. قَوْله: شكّ إِبْرَاهِيم هُوَ إِبْرَاهِيم بن سعد
الرَّاوِي الْمَذْكُور. قَوْله: فيأتيهم الله إِسْنَاد
الْإِتْيَان إِلَى الله تَعَالَى مجَاز عَن التجلي لَهُم،
وَقيل: عَن رُؤْيَتهمْ إِيَّاه لِأَن الْإِتْيَان إِلَى
الشَّخْص مُسْتَلْزم لرُؤْيَته، وَقَالَ عِيَاض: أَي:
يَأْتِيهم بعض مَلَائكَته أَو يَأْتِيهم فِي صُورَة
الْملك، وَهَذَا آخر امتحان الْمُؤمنِينَ. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْملك مَعْصُوم فَكيف يَقُول:
أَنا ربكُم، وَهُوَ كذب؟ قلت: لَا نسلم عصمته من مثل هَذِه
الصَّغِيرَة. انْتهى. قلت: فحينئذٍ فِرْعَوْن لم يصدر
مِنْهُ إلاَّ صَغِيرَة فِي قَوْله: {فَقَالَ أَنَاْ
رَبُّكُمُ الاَْعْلَى} وَلَو نزه شَرحه عَن مثل هَذَا
لَكَانَ أحسن. قَوْله: فَإِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: فَإِذا جَاءَنَا
قَوْله: فِي صورته أَي: فِي صفته أَي: يتجلى لَهُم الله
على الصّفة الَّتِي عرفوه بهَا، وَقَالَ ابْن التِّين:
اخْتلف فِي معنى الصُّورَة، فَقيل: صُورَة اعْتِقَاد كَمَا
تَقول: صُورَة اعتقادي فِي هَذَا الْأَمر، فَالْمَعْنى
يرونه على مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ من الصِّفَات،
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لله صُورَة لَا كالصور كَمَا أَنه
شَيْء لَا كالأشياء، فَأثْبت لله صُورَة قديمَة، وَقَالَ
ابْن فورك: وَهَذَا جهل من قَائِله، وَقَالَ الدَّاودِيّ:
إِن كَانَت الصُّورَة مَحْفُوظَة فَيحْتَمل أَن يكون
المُرَاد صُورَة الْأَمر وَالْحَال الَّذِي يَأْتِي فِيهِ،
وَقَالَ الْمُهلب: أما قَوْلهم، فَإِذا جَاءَ رَبنَا
عَرفْنَاهُ فَإِنَّمَا ذَلِك أَن الله تَعَالَى يبْعَث
إِلَيْهِم ملكا ليفتنهم ويختبرهم فِي اعْتِقَاد صِفَات
رَبهم الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء، فَإِذا قَالَ لَهُم
الْملك: أَنا ربكُم، رَأَوْا عَلَيْهِ دَلِيل الْخلقَة
الَّتِي تشبه الْمَخْلُوقَات فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَاننَا
حَتَّى يأتينا رَبنَا، فَإِذا جَاءَنَا عرفنَا أَي: إِنَّك
لست رَبنَا فيأيتهم الله فِي صورته الَّتِي يعْرفُونَ أَي:
يظْهر إِلَيْهِم فِي ملكه الَّذِي
(25/125)
لَا يَنْبَغِي لغيره، وعظمته الَّتِي لَا
تشبه شَيْئا من مخلوقاته فيعرفون أَن ذَلِك الْجلَال
وَالْعَظَمَة لَا يكون لغيره، فَيَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا
الَّذِي لَا يشبهك شَيْء، فالصورة يعبر بهَا عَن حَقِيقَة
الشَّيْء. قَوْله: فيتبعونه أَي: فيتبعون أمره إيَّاهُم
بذهابهم إِلَى الْجنَّة أَو مَلَائكَته الَّتِي تذْهب بهم
إِلَيْهَا. قَوْله: بَين ظَهْري جَهَنَّم أَي: على
وَسطهَا، ويروى: بَين ظهراني جَهَنَّم، وكل شَيْء متوسط
بَين شَيْئَيْنِ فَهُوَ بَين ظهريهما وظهرانيهما. وَقَالَ
الدَّاودِيّ: يَعْنِي على أَعْلَاهَا فَيكون جِسْرًا،
وَلَفظ ظَهْري مقحم والصراط جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم
أحد من السَّيْف وأدق من الشّعْر يمر عَلَيْهِ النَّاس
كلهم. قَوْله: من يجيزها أَي: يجوز يُقَال: أجزت الْوَادي
جزته لُغَتَانِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أجَاز بِمَعْنى
قطع، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: أول من يَجِيء.
قَوْله: يومئذٍ أَي: فِي حَال الْإِجَازَة وإلاَّ فَفِي
يَوْم الْقِيَامَة مَوَاطِن يكلم النَّاس فِيهَا وتجادل كل
نفس عَن نَفسهَا وَلَا يَتَكَلَّمُونَ لشدَّة الْأَهْوَال.
قَوْله: كلاليب جمع كَلوب بِفَتْح الْكَاف وَهُوَ حَدِيدَة
معطوفة الرَّأْس يعلق عَلَيْهَا اللَّحْم، وَقيل: الكلوب
الَّذِي يتَنَاوَل بِهِ الْحداد الْحَدِيد من النَّار،
كَذَا فِي كتاب ابْن بطال، وَفِي كتاب ابْن التِّين: هُوَ
المعقف الَّذِي يخطف بِهِ الشَّيْء. قَوْله: شوك السعدان
هُوَ فِي أَرض نجد وَهُوَ نبت لَهُ شَوْكَة عَظِيمَة مثل
الحسك من كل الجوانب. قَوْله: تخطف بِفَتْح الطَّاء وَيجوز
كسرهَا. قَوْله: بأعمالهم أَي: بِسَبَب أَعْمَالهم أَو
بِقدر أَعْمَالهم. قَوْله: فَمنهمْ الْمُؤمن بِالْمِيم
وَالنُّون من الْإِيمَان. قَوْله: يبْقى بِعَمَلِهِ من
الْبَقَاء ويروى: يقي بِعَمَلِهِ من الْوِقَايَة، ويروى:
يَعْنِي بِعَمَلِهِ، وَكَذَا فِي مُسلم. وَقَالَ القَاضِي
عِيَاض: قَوْله: فَمنهمْ الْمُؤمن بقى بِعَمَلِهِ رُوِيَ
على ثَلَاث أوجه. أَحدهَا الْمُؤمن بَقِي بِعَمَلِهِ
بِالْمِيم وَالنُّون، وَبَقِي بِالْبَاء وَالْقَاف.
قَوْله: وَالثَّانِي الموثق بِالْمُثَلثَةِ وَالْقَاف:
وَالثَّالِث الموبق يَعْنِي: بِعَمَلِهِ، فالموبق
بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف وَيَعْنِي بِفَتْح
الْيَاء الْمُثَنَّاة وَبعدهَا الْعين ثمَّ النُّون، قَالَ
القَاضِي: هَذَا أَصَحهَا، وَكَذَا قَالَ، وَكَذَا قَالَ
صَاحب الْمطَالع هَذَا الثَّالِث هُوَ الصَّوَاب. قَالَ:
وَفِي بَقِي على الْوَجْه الأول ضبطان: أَحدهمَا:
بِالْبَاء الْمُوَحدَة. وَالثَّانِي: بِالْيَاءِ
الْمُثَنَّاة من تَحت من الْوِقَايَة. قَوْله: أَو الموبق
بِالْوَاو وبالباء الْمُوَحدَة وَالْقَاف من وبق إِذا هلك
وبوقاً، وأوبقته ذنُوبه أهلكته قَوْله: وَمِنْهُم المخردل
من خردلت اللَّحْم فصلته، وخردلت الطَّعَام أكلت خِيَاره،
قَالَه صَاحب الْعين وَقَالَ غَيره: خردلته صرعته وَهَذَا
الْوَجْه يُوَافق معنى الحَدِيث، كَمَا قَالَه ابْن بطال.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيُقَال بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة
أَيْضا، والجردلة بِالْجِيم الإشراف على الْهَلَاك وَهَذَا
كُله شكّ من الروَاة. قَوْله: أَو الْمجَازِي بِالْجِيم
وَالزَّاي وَفِي مُسلم: وَمِنْهُم المجازى حَتَّى يُنجى.
قَوْله: أَو نَحوه هَذَا شكّ من الرَّاوِي أَيْضا. قَوْله:
إِذا فرغ الله أَي: أتم. قَوْله: مِمَّن يشْهد قيل: هَذَا
تكْرَار لقَوْله: لَا يُشْرك وَأجِيب بِأَن فَائِدَته
تَأْكِيد الْإِعْلَام بِأَن تعلق إِرَادَة الله
بِالرَّحْمَةِ لَيْسَ إِلَّا للموحدين. قَوْله: إلاَّ أثر
السُّجُود أَي: مَوضِع أثر السُّجُود، وَهُوَ الْجَبْهَة،
وَقيل: الْأَعْظَم السَّبْعَة، قيل: قَالَ الله تَعَالَى:
{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى
بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا
كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ
تَكْنِزُونَ} وَأجِيب بِأَنَّهُ نزل فِي أهل الْكتاب مَعَ
أَن الكي غير الْأكل. فَإِن قلت: ذكر مُسلم مَرْفُوعا: أَن
قوما يخرجُون من النَّار يحترقون فِيهَا إِلَّا دارة
الْوُجُوه. قلت: هَؤُلَاءِ الْقَوْم مخصوصون من جملَة
الخارجين من النَّار بِأَنَّهُ لَا يسلم مِنْهُم من
النَّار إلاَّ دارة الْوُجُوه، وَأما غَيرهم فتسلم جَمِيع
أَعْضَاء السُّجُود مِنْهُم عملا بِعُمُوم هَذَا الحَدِيث،
فَهَذَا الحَدِيث عَام وَذَلِكَ خَاص فَيعْمل بِالْعَام
إلاَّ مَا خص. قَوْله: قد امتحشوا بِالْحَاء الْمُهْملَة
والشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ بِفَتْح التَّاء والحاء
هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَات، وَكَذَا نَقله القَاضِي
عَن متقني شُيُوخه، قَالَ: وَهُوَ وَجه الْكَلَام، وَكَذَا
ضَبطه الْخطابِيّ والهروي وَقَالا فِي مَعْنَاهُ: احترقوا،
وَرُوِيَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي الصِّحَاح المحش
إحراق النَّار الْجلد، وَفِيه لُغَة: أمحشته النَّار،
وامتحش الْجلد احْتَرَقَ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: امتحشوا
ضمروا ونقصوا كالمحترقين. قَوْله: الْحبَّة بِكَسْر
الْحَاء بزر الْبُقُول والعشب تنْبت فِي جَوَانِب السَّيْل
والبراري وَجَمعهَا حبب بِكَسْر لحاء وَفتح الْبَاء.
قَوْله: فِي حميل السَّيْل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
مَا جَاءَ بِهِ السَّيْل من طين وَنَحْوه أَي: مَحْمُول
السَّيْل، والتشبيه إِنَّمَا هُوَ فِي سرعَة النَّبَات
وطراوته وَحسنه. قَوْله: قد قشبني بِالْقَافِ والشين
الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة المفتوحات أَي:
آذَانِي وأهلكني، هَكَذَا مَعْنَاهُ عِنْد الْجُمْهُور من
أهل اللُّغَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ غيَّر جلدي
وصورتي. قَوْله: ذكاؤها بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة
وبالمد فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَمَعْنَاهُ: لهبها
واشتعالها وَشدَّة لفحها، وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة أَنه
مَقْصُور، وَقيل: الْقصر وَالْمدّ لُغَتَانِ، يُقَال: ذكت
النَّار تذكو ذكاءً إِذا اشتعلت، وأذكيتها أَنا. قَوْله:
هَل عَسَيْت؟ بِفَتْح التَّاء على الْخطاب، وَيُقَال
بِفَتْح
(25/126)
السِّين وَكسرهَا لُغَتَانِ قرىء بهما فِي
السَّبع، وَقَرَأَ نَافِع بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ
بِالْفَتْح وَهُوَ الْأَفْصَح الْأَشْهر فِي اللُّغَة،
وَقَالَ الْخَلِيل: لَا يسْتَعْمل مِنْهُ مُسْتَقْبل،
قَوْله: أَن أَعْطَيْت بِفَتْح التَّاء على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: ذَلِك أَي: صرف وَجهك من النَّار،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه حمل السُّؤَال
على الْمُخَاطب إِذْ لَا يَصح أَن يُقَال أَنْت سُؤال،
إِذْ السُّؤَال حدث وَهُوَ ذَات؟ قلت: تَقْدِيره أَنْت
صَاحب السُّؤَال، أَو عَسى أَمرك سؤالك، أَو هُوَ من بَاب
زيد عدل، أَو هُوَ بِمَعْنى: قرب، أَي: قرب من السُّؤَال،
أَو أَن الْفِعْل بدل اشْتِمَال عَن فَاعله. قَوْله: مَا
أغدرك؟ فعل التَّعَجُّب من الْغدر وَهُوَ الْخِيَانَة
وَترك الْوَفَاء بالعهد. قَوْله: انفهقت من الانفهاق
بِالْفَاءِ ثمَّ الْقَاف وَهُوَ الانفتاح والاتساع،
وَحَاصِل الْمَعْنى: انفتحت واتسعت. قَوْله: من الْحبرَة
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة، قَالَ الْكرْمَانِي: النِّعْمَة، وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: الْحبرَة سَعَة الْعَيْش وَكَذَلِكَ
الحبور، وَفِي مُسلم: فَرَأى مَا فِيهَا من الْخَيْر
بِالْخَاءِ العجمة وبالياء آخر الْحُرُوف، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور فِي
الرِّوَايَات وَالْأُصُول، وَحكى عِيَاض أَن بعض رُوَاة
مُسلم: الحبر بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْبَاء وَمَعْنَاهُ السرُور، وَقَالَ صَاحب الْمطَالع
كِلَاهُمَا صَحِيح وَالثَّانِي أظهر. قَوْله: لَا أكونن
بالنُّون الثَّقِيلَة هَكَذَا فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا أكون. قَوْله:
أَشْقَى خلقك قيل: هُوَ لَيْسَ بِأَشْقَى لِأَنَّهُ خلص من
الْعَذَاب وزحزح عَن النَّار وَإِن لم يدْخل الْجنَّة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ أَشْقَى أهل التَّوْحِيد الَّذين هم
أَبنَاء جنسه فِيهِ، وَيُقَال: أَشْقَى خلقك الَّذين لم
يخلدوا فِي النَّار. قَوْله: حَتَّى يضْحك الله مِنْهُ
الضحك محَال على الله وَيُرَاد لَازمه وَهُوَ الرِّضَا
عَنهُ ومحبته إِيَّاه. قَوْله: تمنه الْهَاء فِيهِ للسكت
وَهُوَ أَمر من: تمنى يتَمَنَّى. قَوْله: ويذكره أَي: يذكر
المتمنى الْفُلَانِيّ والفلاني، يُسمى لَهُ أَجنَاس مَا
يتَمَنَّى، وَهَذَا من عَظِيم رَحْمَة الله سُبْحَانَهُ.
قَوْله: الْأَمَانِي جمع أُمْنِية، وَيجوز فِي الْجمع
التَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد. قَوْله: وَمثله مَعَه أَي:
وَمثل مَا أعْطى بسؤاله يعْطى أَيْضا مثله، وَالْجمع بَين
روايتي أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد: أَن الله أعلم أَولا
بِمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ثمَّ تكرم الله فَزَاد
بِمَا فِي رِوَايَة أبي سعيد، وَلم يسمعهُ أَبُو
هُرَيْرَة.
7439 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ،
عنْ خالِدِ بنِ يَزِيدَ، عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ، عنْ
زَيْدٍ عنْ عَطاءٍ بنِ يَسارٍ، عنْ أبي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنا: يَا رسولَ الله هَلْ نَراى
ربَّنا يَوْمَ القِيامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضارُونَ فِي
رُؤْيَةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ إِذا كانَتْ صَحْواً؟
قُلْنا: لَا. قَالَ: فإنَّكُمْ لَا تُضارُونَ فِي رُؤْيَةِ
رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضارُونَ فِي
رُؤْيَتِهِما، ثُمَّ قَالَ: يُنادِي مُنادٍ: لِيَذْهَبْ
كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ
أصْحاب الصَّلِيبِ مَع صَلِيبِهِمْ، وأصْحابُ الأوْثانِ
مَعَ أوْثانِهِم، وأصْحابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ
آلِهَتِهِمْ، حتَّى يَبْقاى مَنْ كانَ يَعْبُدُ الله مِنْ
بَرَ أوْ فاجِرٍ وغُبَّراتٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ، ثُمَّ
يُؤْتَى بِجِهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرابٌ، فَيقالُ
لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنَّا
نَعْبُد عَزِيْراً ابنَ الله، فَيُقالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ
يَكُنْ لله صاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُون؟
قالُوا: نُرِيدُ أنْ تَسْقِينَا، فَيُقالُ: اشْرَبُوا،
فَيَتَساقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقالُ لِلنَّصاراى:
مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كنَّا نَعْبُدُ
المَسِيحَ ابنَ الله، فَيُقالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ
لله صاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَما. تُرِيدون؟ فَيَقُولُونَ:
نُرِيدُ أنْ تَسْقِينَا. فيقالُ: اشْرَبُوا،
فَيَتساقَطُونَ، حتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله
مِنْ بَرَ أوْ فاجِرٍ فَيُقالُ لَهُمْ: مَا يحْبِسُكُمْ
وقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فيقولُونَ: فارَقْناهُمْ ونَحْنُ
أحْوَجُ مِنَّا إلَيْهِ اليَوْمَ، وإنَّا سَمِعْنا
مُنادياً يُنادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِما كانُوا
يَعْبُدُونَ، وإنَّما نَنْتَظرُ رَبَّنا، قَالَ:
فَيأتِيِهمُ الجبَّار فِي صُورَةٍ غَيْرِ صورَتِهِ التَّي
رَأوْهُ
(25/127)
فِيهِ أوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنا
رَبُّكُمْ. فَيقولونَ: أنْتَ رَبُّنا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ
إلاّ الأنْبِياءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُ
آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقولونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ
عَن ساقِهِ، فَيَسْجُدُ لهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ويَبْقاى مَنْ
كَانَ يَسْجُدُ لله رِياءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْما
يَسْجُدُ فَيعودُ ظَهْرُهُ طَبَقاً واحِداً، ثُمَّ يُؤْتاى
بِالجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قلْنا:
يَا رسولَ الله وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ
مَزلَّةٌ عَلَيْهِ خَطاطِيفُ وكَلاَلِيبُ وَحَسَكَةٌ
مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقيْفاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ
يُقالُ لهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَليْها كالطّرْفِ
وكالْبَرْقِ وكالرِّيحِ وكأجاويدِ الخَيْلِ والرِّكابِ،
فَناجٍ مُسَلّمٌ وناجٍ مَخْدُوشٌ ومَكْدُوسٌ فِي نارِ
جَهَنَّمَ حتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْباً، فَما
أنْتُمْ بأشَدَّ لي مُناشَدَةً فِي الحَقِّ، قدْ تَبَيَّنَ
لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وإذَا
رأوْا أنهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إخْوانهِمْ يَقُولُونَ:
ربَّنا إخْوَانُنا الَّذِينَ كانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا
ويَصُومُونَ مَعَنا ويَعْمَلُونَ مَعَنا؟ فَيَقُولُ الله
تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ
مثْقالَ دِينارٍ مِنْ إيمانٍ فأخْرِجُوهُ، ويحَرِّمُ الله
صُوَرَهُمْ عَلى النَّارِ، فَيأْتُونَهُمْ وبَعْضُهُمْ
قَدْ غابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أنْصافِ
ساقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ،
فَيَقولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ
مِثْقالَ نِصْفِ دِينارٍ فأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ
عَرفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقولُ: اذْهَبوا فَمَنْ
وجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِنْ إيمانٍ
فأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفوا
قَالَ أبُو سَعِيدٍ: فإنْ لَمْ تُصَدِّقُوني فاقْرَأوا:
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ
حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً
عَظِيماً} فَيَشْفَعُ النَّبيُّونَ والمَلاَئِكَةُ
والمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفاعَتي،
فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أقْواماً
قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بأفْواهِ
الجَنَّةِ يُقالُ لهُ: ماءُ الحَياةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي
حافَتَيْهِ كَما تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ
قَدْ رأيْتُمُوها إِلَى جانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جانِبِ
الشَجَرَةِ، فَما كانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْها كانَ
أخْضَرَ، وَمَا كانَ مِنْها إِلَى الظِّلِّ كانَ أبْيَضَ،
فَيَخْرُجُونَ كأنّهُمُ اللَّؤْلُؤُ فيُجْعَلُ فِي
رِقابِهِمْ الخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلونَ الجَنّةَ،
فَيَقُولُ: أهْلُ الجَنَّةِ: هاؤُلاَءِ عَتقاءُ
الرَّحْمانِ، أدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ
عَمِلوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيقالُ لَهُمْ:
لَكُمْ مَا رَأيْتُمْ ومِثْلُهُ مَعَهُ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى
بن عبد لله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ يروي عَن
اللَّيْث بن سعد عَن خَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة
الجُمَحِي عَن سعيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي
عَن زيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، عَن عَطاء بن يسَار ضد الْيَمين عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء عَن
مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز.
يُقَال تضَارونَ بِالتَّخْفِيفِ أَي: لَا يلحقكم ضَرَر
وَلَا يُخَالف بَعْضكُم بَعْضًا وَلَا تتنازعون، ويروى،
بِالتَّشْدِيدِ أَي: لَا تضَارونَ أحدا فتسكن الرَّاء
الأولى وتدغم فِي الَّتِي بعْدهَا، وَحذف مَفْعُوله
لبَيَان مَعْنَاهُ. قَوْله: إِذا كَانَت صحواً أَي: ذَات
صحو، وَفِي الصِّحَاح أصحت السَّمَاء انقشع عَنْهَا
الْغَيْم فَهِيَ مصحية. وَقَالَ الْكسَائي: فَهِيَ صحو،
وَلَا تقل: مصحية. قَوْله: إلاَّ كَمَا تضَارونَ بِفَتْح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضمّهَا وَتَشْديد الرَّاء
وتخفيفها. قَوْله: وَأَصْحَاب كل آلِهَة مَعَ آلِهَتهم
وَفِي رِوَايَة مَعَ إلاههم بِالْإِفْرَادِ. قَوْله:
وغبرات بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة أَي: بقايا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: جمع غابر،
وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ جمع غبر وغبر الشَّيْء
بَقِيَّته. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الغبرات جمع غبر،
والغبر جمع غابر. قَوْله: كَأَنَّهَا سراب هُوَ الَّذِي
يتَرَاءَى للنَّاس
(25/128)
فِي القاع المستوي وسط النَّهَار فِي الْحر
الشَّديد لامعاً مثل المَاء {وَالَّذِينَ كَفَرُو اْ
أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ
مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً
وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ
سَرِيعُ الْحِسَابِ} قَوْله: عُزَيْر اسْم منصرف وَإِن
كَانَت فِيهِ العجمة والعلمية، مثل نوح وَلُوط، قَوْله:
فَيُقَال كَذبْتُمْ قيل: كَانُوا صَادِقين فِي عبَادَة
عُزَيْر؟ وَأجِيب بِأَنَّهُم كذبُوا فِي كَونه ابْن الله.
قَالَ الْكرْمَانِي؛ فَإِن قلت: الْمرجع هُوَ الحكم
الْوَاقِع لَا الْمشَار إِلَيْهِ، فالصدق وَالْكذب راجعان
إِلَى الحكم بِالْعبَادَة لَا إِلَى الحكم بِكَوْنِهِ
ابْنا. قلت: إِن الْكَذِب رَاجع إِلَى الحكم بِالْعبَادَة
الْمقيدَة وَهِي منتفية فِي الْوَاقِع بِاعْتِبَار
انْتِفَاء قيدها، وَهُوَ فِي حكم القضيتين كَأَنَّهُمْ
قَالُوا: عُزَيْر هُوَ ابْن الله وَنحن كُنَّا نعبده،
فكذبهم فِي الْقَضِيَّة الأولى. قَوْله: فيتساقطون لشدَّة
عطشهم وإفراط حرارتهم. قَوْله: مَا يحبسكم؟ بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة من الْحَبْس، هَكَذَا
فِي رِوَايَة الْكشميهني أَي: مَا يمنعكم من الذّهاب؟
وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا يجلسكم؟ بِالْجِيم وَاللَّام من
الْجُلُوس أَي: مَا يقعدكم عَن الذّهاب؟ قَوْله:
فَيَقُولُونَ: فارقناهم أَي: النَّاس فِي الدُّنْيَا
وَكُنَّا فِي ذَلِك الْوَقْت أحْوج إِلَيْهِم منا فِي
هَذَا الْيَوْم فَكل وَاحِد هُوَ الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ
لَكِن بِاعْتِبَار زمانين أَي: نَحن فارقنا أقاربنا
وأصحابنا مِمَّن كَانُوا يحْتَاج إِلَيْهِم فِي المعاش
لُزُوما لطاعتك ومقاطعة لأعداء الدّين وغرضهم مِنْهُ
التضرع إِلَى الله فِي كشف هَذِه خوفًا من المصاحبة مَعَهم
فِي النَّار، يَعْنِي: كَمَا لم نَكُنْ مصاحبين لَهُم فِي
الدُّنْيَا لَا نَكُون مصاحبين لَهُم فِي الْآخِرَة.
قَوْله: فِي صُورَة أَي: فِي صفة. وَأطلق الصُّورَة على
سَبِيل المشاكلة، وَاسْتدلَّ ابْن قُتَيْبَة بِذكر
الصُّورَة على أَن لله صُورَة لَا كالصور، كَمَا ثَبت أَنه
شَيْء لَا كالأشياء. وَقَالَ ابْن بطال: تمسكت بِهِ
المجسمة فأثبتوا لله صُورَة، وَلَا حجَّة لاحْتِمَال أَن
تكون بِمَعْنى الْعَلامَة وَضعهَا الله لَهُم دَلِيلا على
مَعْرفَته، كَمَا يُسمى الدَّلِيل والعلامة صُورَة.
قَوْله: غير صورته الَّتِي رَأَوْهُ أول مرّة قيل: يحْتَمل
أَن يُشِير بذلك إِلَى مَا عرفوه حِين أخرج ذُرِّيَّة آدم
من صلبه. ثمَّ أنساهم ذَلِك فِي الدُّنْيَا، ثمَّ يذكرهم
بهَا فِي الْآخِرَة. قَوْله: فَإِذا رَأينَا رَبنَا
عَرفْنَاهُ قَالَ ابْن بطال: عَن الْمُهلب أَن الله يبْعَث
لَهُم ملكا ليختبرهم فِي اعْتِقَاد صِفَات رَبهم الَّذِي
لَيْسَ كمثله شَيْء، فَإِذا قَالَ لَهُم: أَنا ربكُم، ردوا
عَلَيْهِ لما رَأَوْا عَلَيْهِ من صفة الْمَخْلُوق،
فَقَوله: فَإِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ أَي: إِذا أظهر
لنا فِي ملك لَا يَنْبَغِي لغيره وعظمته لَا تشبه شَيْئا
من مخلوقاته فحينئذٍ يَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا. قَالَ:
وَأما قَوْله: هَل بَيْنكُم وَبَينه آيَة تعرفونه؟
فَيَقُولُونَ: السَّاق فَهَذَا يحْتَمل أَن الله عرفهم على
أَلْسِنَة الرُّسُل من الْمَلَائِكَة والأنبياء أَن الله
جعل لَهُم عَلامَة تجلية السَّاق. قَوْله: يكْشف على
صِيغَة الْمَجْهُول وَالْمَعْرُوف عَن سَاقه فسر السَّاق
بالشدة أَي: يكْشف عَن شدَّة ذَلِك الْيَوْم وَأمر مهول
وَهَذَا مثل تضربه الْعَرَب لشدَّة الْأَمر كَمَا يُقَال:
قَامَت الْحَرْب على سَاق، وَجَاء عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} قَالَ: عَن شدَّة من
الْأَمر. وَقيل: المُرَاد بِهِ النُّور الْعَظِيم، وَقيل:
هُوَ جمَاعَة من الْمَلَائِكَة يُقَال: سَاق من النَّاس،
كَمَا يُقَال: رجل من جَراد، وَقيل: هُوَ سَاق يخلقه الله
خَارِجا عَن السُّوق الْمُعْتَادَة، وَقيل: جَاءَ السَّاق
بِمَعْنى النَّفس أَي: تتجلى لَهُم ذَاته. قَوْله: رِيَاء
أَي: ليراه النَّاس. قَوْله: وَسُمْعَة أَي: ليسمعه
النَّاس. قَوْله: فَيذْهب كَيْمَا يسْجد لَفْظَة: كي.
هُنَا بِمَنْزِلَة لَام التَّعْلِيل فِي الْمَعْنى
وَالْعَمَل، دخلت على كلمة: مَا، المصدرية بعْدهَا: أَن،
مضمرة تَقْدِيره: يذهب لأجل السُّجُود. قَوْله: طبقًا
وَاحِدًا الطَّبَق فقار الظّهْر أَي: صَار فقارة وَاحِدَة
كالصفحة فَلَا يقدر على السُّجُود، وَقيل: الطَّبَق عظم
رَقِيق يفصل بَين كل فقارين، وَقَالَ ابْن بطال: تمسك بِهِ
من أجَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق من الأشاعرة، والمانعون
تمسكوا بقوله تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ} ورد عَلَيْهِم: بِأَن هَذَا لَيْسَ فِيهِ
تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، وَإِنَّمَا هُوَ خزي وتوبيخ إِذْ
أدخلُوا أنفسهم بزعهمم فِي جملَة الْمُؤمنِينَ الساجدين
فِي الدُّنْيَا، وَعلم الله مِنْهُم الرِّيَاء فِي سجودهم،
فدعوا فِي الْآخِرَة إِلَى السُّجُود كَمَا دعِي
الْمُؤْمِنُونَ المحقون فيتعذر السُّجُود عَلَيْهِم وتعود
ظُهُورهمْ طبقًا وَاحِدًا وَيظْهر الله تَعَالَى نفاقهم،
فَأخْبرهُم وأوقع الْحجَّة عَلَيْهِم. قَوْله: ثمَّ يُؤْتى
بالجسر بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا حَكَاهُمَا ابْن السّكيت
والجوهري. قَوْله: مدحضة من دحضت رجله دحضاً زلقت، ودحضت
الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء زَالَت، ودحضت حجَّته بطلت.
قَوْله: مزلة من زلت الْأَقْدَام سَقَطت. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: مزلة بِكَسْر الزَّاي وَفتحهَا بِمَعْنى
المزلقة، أَي: مَوضِع تزلق فِيهِ الْأَقْدَام، ومدحضة أَي:
مَحل ميل الشَّخْص، وهما بِفَتْح الْمِيم ومعناهما
متقاربان. قَوْله: خطاطيف جمع خطَّاف بِالضَّمِّ وَهُوَ
الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بهَا الشَّيْء، والكلاليب
جمع كَلوب، وَقد مر تَفْسِيره فِي الحَدِيث الْمَاضِي.
قَوْله: وحسكة بِفَتَحَات
(25/129)
وَهِي شَوْكَة صلبة مَعْرُوفَة، قَالَه
ابْن الْأَثِير. وَقَالَ صَاحب التَّهْذِيب وَغَيره: الحسك
نَبَات لَهُ ثَمَر خشن يتَعَلَّق بأصواف الْغنم وَرُبمَا
اتخذ مثله من حَدِيد، وَهُوَ من آلَات الْحَرْب، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: الحسك حسك السعدان، والحسكة مَا يعْمل من
حَدِيد على مِثَاله. قَوْله: مفلطحة بِضَم الْمِيم وَفتح
الْفَاء وَسُكُون اللَّام وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: عريضة، هَكَذَا فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
مطلفحة، بِتَقْدِيم الطَّاء وَتَأْخِير الْفَاء وَاللَّام
قبلهَا من طلفحه إِذا أرقه، والطلافح العراض، وَالْأول
هُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة، يَعْنِي: عريض، يُقَال:
فلطح القرص إِذا بَسطه وَعرضه. قَوْله: عقيفاء بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالفاء ممدوداً، ويروى: عقيفة، على وزن
كَرِيمَة وَهِي المنعطفة المعوجة. قَوْله: الْمُؤمن
عَلَيْهَا أَي: يمر عَلَيْهَا كالطرف بِكَسْر الطَّاء
وَهُوَ الْكَرِيم من الْخَيل وبالفتح الْبَصَر يَعْنِي
كلمح الْبَصَر، وَهَذَا هُوَ الأولى لِئَلَّا يلْزم
التّكْرَار. قَوْله: وكأجاويد الْخَيل جمع الأجواد وَهُوَ
جمع الْجواد وَهُوَ فرس بَين الْجَوْدَة بِالضَّمِّ رائع.
قَوْله: والركاب الْإِبِل واحدتها الرَّاحِلَة من غير
لَفظهَا. قَوْله: مُسلم بِفَتْح اللَّام الْمُشَدّدَة.
قَوْله: مخدوش أَي: مخموش ممزوق، قَالَه الْكرْمَانِي: من
الخمش بالمعجمتين وَهُوَ تمزيق الْوَجْه بالأظافير.
قَوْله: ومكدوس بالمهملتين أَي: مصروع، ويروى بالشين
الْمُعْجَمَة أَي: مَدْفُوع مطرود، ويروى مكردس بالمهملات
من كردست الدَّوَابّ إِذا ركب بَعْضهَا بَعْضًا، يَعْنِي:
أَنهم ثَلَاثَة أَقسَام: قسم مُسلم لَا يَنَالهُ شَيْء،
وَقسم يخدش ثمَّ يسلم ويخلص، وَقسم يسْقط فِي جَهَنَّم.
قَوْله: وَآخرهمْ أَي: آخر الناجين يسحب على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: فَمَا أَنْتُم بأشد لي مناشدة أَي:
مُطَالبَة. قَوْله: قد تبين جملَة حَالية. قَوْله: من
الْمُؤمن صلَة أَشد. قَوْله: للجبار وَقَوله: فِي
إخْوَانهمْ كِلَاهُمَا مُتَعَلق بمناشدة مقدرَة أَي:
لَيْسَ طَلَبكُمْ مني فِي الدُّنْيَا فِي شَأْن حق يكون
ظَاهرا لكم أَشد من طلب الْمُؤمنِينَ من الله فِي
الْآخِرَة فِي شَأْن نجاة إخْوَانهمْ من النَّار،
وَالْغَرَض شدَّة اعتناء الْمُؤمنِينَ بالشفاعة لإخوانهم.
قَوْله: فِي إخْوَانهمْ ويروى وَبَقِي إخْوَانهمْ. فَإِن
قلت: الْمُؤمن مُفْرد فَلم جمع الضَّمِير؟ قلت:
بِاعْتِبَار الْجمع المُرَاد من لفظ الْجِنْس، وَكَانَ
الْقيَاس أَن يُقَال: إِذا رأى، بِدُونِ الْوَاو وَلَكِن
قَوْله: فِي إخْوَانهمْ مقدم عَلَيْهِ حكما، وَهَذَا خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَذَلِكَ إِذا رَأَوْا نجاة أنفسهم
يَقُولُونَ: رَبنَا إِخْوَاننَا الخ. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: يَقُولُونَ، اسْتِئْنَاف كَلَام. قلت:
الَّذِي يظْهر من حل التَّرْكِيب أَنه جَوَاب إِذا، وَالله
أعلم. قَوْله: فأخرجوه صِيغَة أَمر للْجَمَاعَة. قَوْله:
فَيخْرجُونَ بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج قَوْله: من
عرفُوا مَفْعُوله وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي. قَوْله: ذرة
بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء. وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: سُئِلَ ثَعْلَب عَنْهَا فَقَالَ: إِن
مائَة نملة وزن حَبَّة، والذرة وَاحِدَة مِنْهَا، وَقيل:
الذّرة لَيْسَ لَهَا وزن، وَيُرَاد بهَا مَا يرى فِي
شُعَاع الشَّمْس الدَّاخِل فِي النافذة.
قَوْله: قَالَ أَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ رَاوِي
الحَدِيث. قَوْله: بأفواه الْجنَّة الأفواه جمع فوهة بِضَم
الْفَاء وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة على غير
الْقيَاس، وأفواه الْأَزِقَّة والأنهار أوائلها،
وَالْمرَاد مفتتح مسالك قُصُور الْجنَّة. قَوْله: فِي
حافتيه تَثْنِيَة حافة بتَخْفِيف الْفَاء وَهِي الْجَانِب.
قَوْله: الخواتيم أَرَادَ أَشْيَاء من الذَّهَب تعلق فِي
أَعْنَاقهم كالخواتيم عَلامَة يعْرفُونَ بهَا وهم كاللالىء
فِي صفائهم. قَوْله: بِغَيْر عمل عملوه أَي: فِي
الدُّنْيَا وَلَا خير قدموه فِي الدُّنْيَا إِلَى
الْآخِرَة، أَرَادَ مُجَرّد الْإِيمَان دون أَمر زَائِد
عَلَيْهِ من الْأَعْمَال والخيرات، وَعلم مِنْهُ أَن
شَفَاعَة الْمَلَائِكَة والنبيين وَالْمُؤمنِينَ فِيمَن
كَانَ لَهُ طَاعَة غير الْإِيمَان الَّذِي لَا يطلع
عَلَيْهِ إلاَّ الله.
7440 - وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ: حدّثنا هَمَّامُ
بنُ يَحْياى، حدّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله
عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
يُحْبَسُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يُهِمُّوا
بِذالِكَ، فَيقولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنا إِلَى رَبِّنا
فَيُرِيحُنا مِنْ مَكانِنا، فَيأْتُونَ آدَمَ
فَيَقُولُونَ: أنْتَ آدَمُ أبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ الله
بِيَدِهِ وأسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وأسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ
وعَلَّمَكَ أسْماءَ كُلِّ شَيْءٍ لِتَشْفَعْ لَنا عِنْدَ
رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنا مِنَ مَكانِنا هاذَا، قَالَ:
فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ قَالَ: ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ
الّتي أصابَ: أكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ، وقَدْ نُهِيَ
عَنْها ولَكِنِ ائْتُو
(25/130)
انُوحاً أوَّلَ نَبِيَ بَعَثَهُ الله
تَعَالَى إِلَى أهْلِ الأرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحاً
فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي
أصابَ: سُؤالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولَكِنِ ائْتُوا
إبْرَاهِيمَ خَليلَ الرَّحْمانِ، قَالَ: فَيأْتُونَ
إبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: إنِّي لَسْتُ هُناكُمْ ويَذْكُرُ
ثَلاَثَ كَلِماتٍ كَذَبَهُنَّ ولَكِنِ ائْتُوا مُوسَى
عَبْداً آتاهُ الله التَّورَاةَ وكَلَّمَهُ وقَرَّبَهُ
نَجِيّاً، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: إنِّي لَسْتُ
هُناكُمْ ويَذْكُرُ لهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أصابَ:
قَتْلَهُ النَّفْسَ ولَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ الله
ورسولَهُ ورُوحَ الله وكَلِمَتَهُ، قَالَ: فَيأْتُونَ
عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ ولَكِنِ ائْتُوا
مُحَمَّداً عَبْداً غَفَرَ الله لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ وَمَا تأخَّرَ. فَيأْتُونِي فأنْطَلِقُ
فأسْتَأذِنُ عَلى ربِّي فِي دارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي
عَلَيْهِ، فإذَا رَأيْتُهُ وقَعْتُ لهُ سَاجِدا،
فَيَدَعُنِي مَا شاءَ الله أنْ يَدَعَنِي، فَيَقُولُ:
ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وقُلْ يُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ
وسلْ تُعْطَهْ. قَالَ: فأرْفَعُ رَأسِي فأُثْني عَلى ربِّي
بِثَناءٍ وتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أشْفَعُ
فَيَحُدُّ لي حَدّاً، فأخْرُجُ فأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ
قَالَ قَتادَةُ: وسَمِعْتُهُ أيْضاً يَقُولُ: فأخْرُجُ
فأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّة ثُمَّ
أعُودُ فأسْتَأْذِنْ عَلى رَبِّي فِي دارِهِ فَيُؤْذَنُ لي
عَلَيْهِ، فَإِذا رَأيْتُهُ وقَعْتُ ساجِداً فَيَدَعُنِي
مَا شاءَ الله أنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَع
مُحَمَّدُ وقُلْ يُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ
تُعْطَ، قَالَ: فأرْفَعُ رَأسِي فأُثْني عَلى رَبِّي
بِثَناءٍ وتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أشْفَعُ
فَيَحُدُّ لي حَدّاً فأخْرُجُ فأدْخِلُهُمُ الجَنَةَ قَالَ
قَتادَةُ: وسمِعْتُهُ يَقُولُ: فأخْرُجُ فأُخْرِجُهُمْ
مِنَ النَّار وأُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ ثُمَّ أعودُ
الثّالِثَةَ فأسْتَأْذِنُ عَلى رَبِّي فِي دارِهِ
فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذا رَأيْتُهُ وقَعْتُ
ساجِداً فَيَدَعُنِي مَا شاءَ الله أنْ يَدَعَنِي ثُمَّ
يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وقُلْ يسْمَعْ واشْفَعْ
تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَهْ، قَالَ: فأرْفَعُ رَأسِي فأُثْني
عَلى رَبِّي بِثَناءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ:
ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدّاً فأخْرُجُ فأدْخِلُهُمُ
الجَنّةَ قَالَ قَتادَةُ: وقَدْ سَمِعْتُهُ يَقولُ:
فأخْرُجُ فأُخْرِجُهُمْ مِنَ النّارِ وأُدْخِلُهُمُ
الجَنَّةَ حَتَّى مَا يبْقاى فِي النّارِ إلاّ مَنْ
حَبَسَهُ القرْآن أيْ: وجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودِ قَالَ:
ثُمَّ تَلاَ هاذِهِ الْآيَة {وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ
بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَاماً مَّحْمُودًا} قَالَ: وهَذا المَقامُ المَحْمودُ
الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ
ا
حجاج بن منهال أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ: وَلم يقل:
حَدثنَا، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنه سَمعه مِنْهُ مذاكرة لَا
تحميلاً، وَإِمَّا أَنه كَانَ عرضا ومناولة، وَهَكَذَا
وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي زيد
الْمروزِي عَن الْفربرِي، فَقَالَ فِيهَا: حَدثنَا حجاج،
وَكلهمْ ساقوا الحَدِيث كُله إلاَّ النَّسَفِيّ فساق
مِنْهُ إِلَى قَوْله: خلقك الله بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ:
فَذكر الحَدِيث ... وَوَقع لأبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ
نَحوه، لَكِن قَالَ: وَذكر هَذَا الحَدِيث بِطُولِهِ بعد
قَوْله: حَتَّى يهموا بذلك وَنَحْوه للكشميهني.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي كَامِل
وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن يحيى بن دِينَار الْمحلي
أبي عبد الله الْبَصْرِيّ، وَقد مضى أَكثر شَرحه.
قَوْله: حَتَّى يهموا من الْوَهم ويروى بتَشْديد الْمِيم
من: الْهم، بِمَعْنى الْقَصْد والحزن مَعْرُوفا ومجهولاً،
وَفِي صَحِيح مُسلم يهتموا أَي: يعتنوا بسؤال الشَّفَاعَة
وَإِزَالَة الكرب عَنْهُم. قَوْله: لَو اسْتَشْفَعْنَا
جَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَو هُوَ لِلتَّمَنِّي. قَوْله:
فَيُرِيحنَا بِضَم الْيَاء من الإراحة. قَوْله: لست أَهلا
لذَلِك وَلَيْسَ لي هَذِه الْمنزلَة. قَوْله: الَّتِي
أصَاب أَي: الَّتِي أَصَابَهَا. قَوْله: أكله مَنْصُوب
بِأَنَّهُ بدل من الْخَطِيئَة، أَو بَيَان لَهَا أَو بِفعل
مُقَدّر نَحْو: يَعْنِي أكله، ويروى:
(25/131)
وَيذكر أكله، بِحَذْف لفظ الْخَطِيئَة
الَّتِي أصَاب. قَوْله: ائْتُوا نوحًا أول نَبِي بَعثه
الله قيل: يلْزم مِنْهُ أَن يكون آدم غير نَبِي. وَأجِيب:
اللَّازِم لَيْسَ كَذَلِك بل كَانَ نَبيا لَكِن لم يكن أهل
أَرض يبْعَث إِلَيْهِم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: سُؤَاله ربه أَي: دعاءه بقوله: {وَقَالَ نُوحٌ
رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ
دَيَّاراً} قَوْله: ثَلَاث كَلِمَات وَهِي قَوْله:
{فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ} و {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هَاذَا فَاسْئَلُوهُمْ إِن كَانُواْ
يِنْطِقُونَ} وَهَذِه أُخْتِي وَهَذِه رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره. ثَلَاث كذبات.
قَالَ القَاضِي: هَذَا يَقُولُونَهُ تواضعاً وتعظيماً لما
يسألونه وَإِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الْمقَام لغَيرهم،
وَيحْتَمل أَنهم علمُوا أَن صَاحبهَا مُحَمَّد، وَيكون
إِحَالَة كل وَاحِد مِنْهُم على الآخر ليصل بالتدريج إِلَى
مُحَمَّد، إِظْهَارًا لفضيلته، وَكَذَلِكَ إلهام النَّاس
لسؤالهم عَن آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله:
فِي دَاره أَي: جنته وَالْإِضَافَة للتشريف: كبيت الله،
وَحرم الله، أَو الضَّمِير رَاجع إِلَى رَسُول الله، على
سَبِيل الِالْتِفَات، قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِيه تَأمل.
قَوْله: ارْفَعْ مُحَمَّد يَعْنِي: ارْفَعْ رَأسك يَا
مُحَمَّد. قَوْله: يسمع على صِيغَة الْمَجْهُول مجزوم
لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر. قَوْله: اشفع أَمر من شفع يشفع
شَفَاعَة وَتشفع على صِيغَة الْمَجْهُول بتَشْديد الْفَاء
وَمَعْنَاهُ: تقبل شفاعتك. قَوْله: وسل أَمر من سَأَلَ
وتعط على صِيغَة الْمَجْهُول جَوَاب الْأَمر. قَوْله:
فَيحد لي حدا أَي: يعين لي طَائِفَة مُعينَة. قَوْله:
فَأخْرج أَي: من دَاره فَأخْرجهُمْ، من الْإِخْرَاج
وأدخلهم من الإدخال. قَوْله: قَالَ قَتَادَة هُوَ
الرَّاوِي الْمَذْكُور وَهُوَ مُتَّصِل بالسند
الْمَذْكُور. قَوْله: فَأخْرج وأخرجهم أَي: أخرج من
الدَّار وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وأخرجهم، بِضَم الْهمزَة
من الْإِخْرَاج. قَوْله: أَي: وَجب عَلَيْهِ أَي: بِنَصّ
الْقُرْآن، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ
يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذالِكَ
لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالاً بَعِيداً} وهم الْكفَّار، قَول: وعده أَي: حَيْثُ
قَالَ: {وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ
عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا}
وَهَذَا هُوَ إِشَارَة إِلَى الشَّفَاعَة الأولى الَّتِي
لم يُصَرح بهَا فِي الحَدِيث، وَلَكِن السِّيَاق وَسَائِر
الرِّوَايَات تدل عَلَيْهِ.
7441 - حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ،
حدّثني عَمِّي، حدّثنا أبي عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهاب
قَالَ: حدّثني أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَ إِلَى الأنْصارِ فَجَمَعَهُمْ فِي
قُبَّةٍ وَقَالَ لَهُمُ: اصْبِرُوا حتَّى تَلْقُوا الله
ورَسولَهُ، فإنِّي عَلى الحَوْضِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: حَتَّى تلقوا
الله.
قَوْله: حَدثنِي عمي، هُوَ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن
سعد، وَأَبوهُ هُوَ إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان.
وَأخرج الحَدِيث مُسلم مطولا من هَذَا الْوَجْه فَقَالَ
فِي أَوله: لما أَفَاء الله على رَسُوله من أَمْوَال
هوَازن الحَدِيث.
قبَّة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة،
وَهُوَ بَيت صَغِير مستدير من الْخيام وَهُوَ من بيُوت
الْعَرَب. قَوْله: حَتَّى تلقوا الله اللِّقَاء مُقَابلَة
الشَّيْء ومصادفته، لقِيه يلقاه وَيُقَال أَيْضا فِي
الْإِدْرَاك بالحس والبصيرة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:
{وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن
تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}
وملاقاة الله يعبر بهَا عَن الْمَوْت وَعَن يَوْم
الْقِيَامَة، وَقيل ليَوْم الْقِيَامَة: يَوْم التلاقي،
لالتقاء الْأَوَّلين والآخرين فِيهِ. قَوْله: فَإِنِّي على
الْحَوْض أَرَادَ بِهِ الْحَوْض الَّذِي أعطَاهُ الله
تَعَالَى، وَهُوَ فِي الْجنَّة، وَيُؤْتى بِهِ إِلَى
الْمَحْشَر يَوْم الْقِيَامَة.
وَفِيه: رد على الْمُعْتَزلَة فِي إنكارهم الْحَوْض، وَفِي
بعض النّسخ: حَتَّى تلقوا الله وَرَسُوله على الْحَوْض،
وعَلى هَذِه الرِّوَايَة سَأَلَ الْكرْمَانِي حَيْثُ
قَالَ: الله منزه عَن الْمَكَان فَكيف يكون على الْحَوْض؟
ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ قيد للمعطوف كَقَوْلِه:
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً
وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ} أَو لفظ: على الْحَوْض،
ظرف للْفَاعِل لَا للْمَفْعُول، وَفِي أَكثر النّسخ بدل
فِي كلمة: فَإِنِّي على الْحَوْض، فَسقط السُّؤَال عَن
دَرَجَة الِاعْتِبَار بِالْكُلِّيَّةِ.
7442 - حدّثني ثابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنِ
ابنِ جُرَيْجٍ، عنْ سُلَيْمانَ الأحْوَلِ، عنْ طاوُسٍ عنِ
ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النبيُّ
إِذا تَهَجَّدَ مِنَ الليْلِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنا
لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّماوَاتِ والأرْضِ،
ولَكَ الحَمْدُ أنْت رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ ومَنْ
فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّماواتِ
والأرْضِ ومنْ فِيهِنَّ، أنْتَ الحَقُّ وقَوْلُكَ الحَقُّ،
وَوَعْدُك
(25/132)
الحَقُّ ولِقاؤُكَ الحَقُّ، والجَنَّةُ
حَقٌّ والنَّارُ حَقٌّ والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ
أسْلَمْتُ وبِكَ آمَنْتُ وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ
خاصَمْتُ وبِكَ حاكَمْتُ فاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا
أخَّرْتُ، وأسْرَرْتُ وأعْلَنْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ
مِنِّي لَا إلاهَ إلاّ أنْتَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ولقاؤك حق لِأَن
مَعْنَاهُ: رؤيتك.
وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن مُحَمَّد أَبُو
إِسْمَاعِيل العابد الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي، وسُفْيَان
هُوَ الثَّوْريّ، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز
بن جريج.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب التَّهَجُّد فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ وأبُو
الزُّبَيْرِ عنْ طاوُسٍ: قَيَّامُ. وَقَالَ مُجاهِدٌ:
القَيُّومُ القائِمُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ. وقَرَأ عُمَرُ:
القَيَّامُ، وكِلاهُما مَدْحٌ.
قيس بن سعد الْمَكِّيّ الحبشي مفتي مَكَّة مَاتَ سنة تسع
عشرَة وَمِائَة. وَأَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس
الْقرشِي الْأَسدي الْمَكِّيّ مولى حَكِيم بن حزَام مَاتَ
سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، أَرَادَ أَن قيسا وَأَبا
الزبير رويا هَذَا الحَدِيث عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس،
فَوَقع عِنْدهمَا: أَنْت قيام السَّمَاوَات، بدل: أَنْت
قيم السَّمَاوَات، وَطَرِيق قيس وَصلهَا مُسلم، وَأَبُو
دَاوُد من طَرِيق عمرَان بن مُسلم عَن قيس، وَطَرِيق أبي
الزبير وَصلهَا مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَنهُ. قَوْله:
وَقَالَ مُجَاهِد أَرَادَ أَن مُجَاهدًا فسر القيوم بقوله:
الْقَائِم على كل شَيْء وَوَصله الْفرْيَابِيّ فِي
تَفْسِيره عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد
بِهَذَا. قَوْله: وَقَرَأَ عمر أَي: ابْن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: الله لَا إلاه إِلَّا هُوَ الْحَيّ
الْقيام لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وَهُوَ على وزن فعال
بِالتَّشْدِيدِ وَهِي صِيغَة مُبَالغَة، وَكَذَلِكَ لفظ:
القيوم، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَابْن الْمثنى: القيوم
فيعول وَهُوَ الْقَائِم الَّذِي لَا يَزُول، وَقَالَ
الْخطابِيّ: القيوم نعت للْمُبَالَغَة فِي الْقيام على كل
شَيْء بالرعاية لَهُ، وَقَالَ الْحَلِيمِيّ: القيوم
الْقَائِم على كل شَيْء من خلقه يدبره بِمَا يُرِيد.
قَوْله: وَكِلَاهُمَا مدح أَي: القيوم وَالْقِيَام مدح
لِأَنَّهُمَا من صِيغ الْمُبَالغَة. وَلَا يستعملان فِي
غير الْمَدْح، بِخِلَاف: الْقيم، فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي
الذَّم أَيْضا. وَقَالَ مُحَمَّد بن فَرح بِالْفَاءِ
وَسُكُون الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة الْقرظِيّ فِي
كتاب الْأَسْنَى فِي الْأَسْمَاء الْحسنى يجوز وصف العَبْد
بالقيم وَلَا يجوز بالقيوم، وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي
الْمَقْصد الْأَسْنَى القيوم هُوَ الْقَائِم بِذَاتِهِ،
والقيم لغيره وَلَيْسَ ذَلِك إلاَّ الله تَعَالَى. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فعلى هَذَا التَّفْسِير هُوَ صفة مركبة من
صِفَات الذَّات وَصفَة الْفِعْل.
7443 - حدّثنا يُوسُفُ بنُ مُوساى، حدّثنا أبُو أُسامَةَ،
حدّثني الأعْمَشُ عنْ خَيْثَمَةَ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ
قَالَ: قَالَ رسولُ الله مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاَّ
سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ
تَرْجُمانٌ، وَلَا حِجابٌ يحْجُبُهُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي سكن
بَغْدَاد، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة يروي عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء
الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن الْجعْفِيّ، وعدي بن
حَاتِم الطَّائِي.
والْحَدِيث مضى فِي الرقَاق عَن عمر بن حَفْص.
قَوْله: مَا مِنْكُم الْخطاب للْمُؤْمِنين، وَقيل:
بِعُمُومِهِ. قَوْله: ترجمان فِيهِ لُغَات ضم التَّاء
وَالْجِيم وَفتح الأول وَضم الثَّانِي. قَوْله: حجاب وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: حَاجِب، قَالَ ابْن بطال: معنى رفع
الْحجاب إِزَالَة الآفة عَن أبصار الْمُؤمنِينَ
الْمَانِعَة لَهَا من رُؤْيَته، واستعير الْحجاب للرَّدّ،
فَكَانَ نَفْيه دَلِيلا على ثُبُوت الْإِجَابَة. وأصل
الْحجاب السّتْر الْحَاصِل بَين الرَّائِي والمرئي،
وَالْمرَاد هُنَا منع الْأَبْصَار من الرُّؤْيَة.
7444 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا عَبْدُ
العَزِيزِ بنُ عبْدِ الصَّمَدِ، عنْ أبي عِمْرَانَ، عنْ
أبي
(25/133)
بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ عنْ
أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
جَنَّتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُما وَمَا فِيهِما،
وجَنَّتانِ من ذَهَبٍ، آنِيَتُهُما وَمَا فِيهِما، وَمَا
بَيْنَ القَوْمِ وبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إِلَى ربِّهِمْ
إلاّ رِداءُ الكِبْرِ عَلى وجْههِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ
انْظُر الحدبث 4878 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَأَبُو عمرَان
هُوَ عبد الْملك بن حبيب الْجونِي، وَأَبُو بكر بن أبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الرحمان.
قَوْله: جنتان إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمِن
دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} وَتَفْسِير لَهُ وارتفاعه على أَنه
خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هما جنتان. قَوْله: آنيتهما
مُبْتَدأ وَمن فضَّة مقدما خَبره، وَيحْتَمل أَن يكون
فَاعل فضَّة أَي: جنتان مفضض آنيتهما، وَاخْتلفُوا فِي
قَوْله: وَمن دونهمَا فَقيل: فِي الدرجَة وَقيل: فِي
الْفضل. فَإِن قلت: يُعَارضهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة،
قُلْنَا: يَا رَسُول الله: حَدثنَا عَن الْجنَّة مِمَّا
بناؤها. قَالَ: لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة أخرجه أَحْمد
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ. قلت: المُرَاد بِالْأولِ: صفة
مَا فِي كل الْجنَّة من آنِية وَغَيرهَا، وَمن الثَّانِي:
حَوَائِط الْجنان كلهَا. قَوْله: إلاَّ رِدَاء الْكبر
ويروى إلاَّ رِدَاء الْكِبْرِيَاء، هُوَ من المتشابهات
إِذْ لَا رِدَاء حَقِيقَة وَلَا وَجه فإمَّا أَن يُفَوض
أَو: يؤول الْوَجْه بِالذَّاتِ، والرداء صفة من صِفَات
الذَّات اللَّازِمَة المنزهة عَمَّا يشبه الْمَخْلُوقَات،
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم الرِّدَاء
اسْتِعَارَة كنى بهَا عَن العظمة كَمَا فِي الحَدِيث
الآخر: الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي،
وَلَيْسَ المُرَاد الثِّيَاب المحسوسة. قَوْله: على وَجهه
حَال من رِدَاء الْكبر. قَوْله: فِي جنَّة عدن رَاجع إِلَى
الْقَوْم. وَقَالَ عِيَاض: مَعْنَاهُ رَاجع إِلَى
الناظرين، أَي: وهم فِي جنَّة عدن لَا إِلَى الله،
فَإِنَّهُ لَا تحويه الْأَمْكِنَة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: مُتَعَلق بِمَحْذُوف فِي مَوضِع
الْحَال من الْقَوْم مثل، كائنين فِي جنَّة عدن.
7445 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا
عبْدُ المَلِكِ بنُ أعْيَنَ وجامِعُ بنُ أبي راشِدٍ، عنْ
أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنِ اقْتَطَعَ
مالَ امْرىءٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كاذِبَةٍ لَقِيَ الله
وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ قَالَ عَبْدُ الله، ثُمَّ قَرأ
رسولُ الله مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتابِ الله جَلَّ ذِكْرُهُ
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ
لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ
يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الآيَةَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لَقِي الله.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى
حميد أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبد
الْملك بن أعين بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون
الْكُوفِي، وجامع ابْن أبي رَاشد الصَّيْرَفِي الْكُوفِي،
وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن
مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي الْإِيمَان فِي: بَاب عهد الله، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: من اقتطع أَي: أَخذ قِطْعَة لنَفسِهِ. قَوْله:
غَضْبَان قد مر غير مرّة أَن نِسْبَة مثل هَذَا الْكَلَام
إِلَى الله تَعَالَى يُرَاد بِهِ لَازمه، ولازم الْغَضَب
عِقَابه. قَوْله: مصداقه بِكَسْر الْمِيم مفعال من الصدْق
أَي: مِمَّا يصدق هَذَا الحَدِيث وَيُوَافِقهُ قَوْله
تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ
لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ
يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الْآيَة وَوَقع
فِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا إِلَى أَن قَالَ: {إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ
ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ لَهُمْ فِى
الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ
إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الْآيَة.
7446 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حَدثنَا
سُفْيانُ، عنْ عَمْرٍ، وعنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي
هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
ثَلاَثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْم القِيامَةِ، وَلَا
يَنْظُرُ إلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ على سِلْعَةٍ لَقْدْ
أعْطَى بِها أكْثَرَ مِمَّا أعْطَى، وهْوَ كاذِبٌ، ورَجُلٌ
حَلَفَ عَلى يَمِينٍ كاذِبَةٍ، بَعْدَ العَصْرِ
لِيَقْتَطِعَ
(25/134)
بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ؛ ورجُلٌ
مَنَعَ فَضْلَ ماءٍ فَيَقُولُ الله يَوْمَ القِيامَةِ:
اليَوْمَ أمْنَعُكَ فَضْلِي، كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا
لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْغَضَب إِذا كَانَ
سَببا لعدم الرُّؤْيَة يكون الرِّضَا سَببا لحصولها،
وَهَذَا الْقدر كَاف.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان
هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَأَبُو
صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب فِي: بَاب إِثْم من منع
ابْن السَّبِيل من المَاء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: منع فضل مَاء أَي: يمْنَع النَّاس من المَاء
الْفَاضِل عَن حَاجته. قَوْله: مَا لم تعْمل يداك أَي:
حُصُوله وطلوعه من المنبع لَيْسَ بقدرتك بل هُوَ بإنعام
الله عز وَجل وفضله على الْعباد، وَالْمرَاد بِهِ مثل
المَاء الَّذِي لَا يكون ظُهُوره بسعي الشَّخْص كالعيون
والسيول لَا كالآبار والقنوات.
7447 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حدّثنا عَبْدُ
الوَهَّابِ، حدّثنا أيُّوبُ، عنْ مُحَمَّدٍ، عنِ ابنِ أبي
بَكْرَةَ، عنْ أبي بَكْرَةَ، عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الزَّمانُ قَدِ اسْتَدَارَ
كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلْقَ الله السَّماوَاتِ والأرْضَ،
السَّنَة اثْنا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ:
ثَلاَثٌ مُتَوَالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ،
والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الّذِي بَيْنَ جُمادَى
وشَعْبانَ، أيُّ شَهْرٍ هاذَا؟ قُلْنا: الله ورسولُهُ
أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ألَيْسَ ذَا الحِجَّةِ؟ قُلْنا:
بَلَى. قَالَ: أيُّ بَلَدٍ هاذَا؟ قُلْنا: الله ورسولُهُ
أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: ألَيْسَ البَلدَةَ قُلْنا:
بَلَى. قَالَ: فأيُّ يَوْمٍ هاذَا؟ قُلْنا: الله ورسولُهُ
أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ
قُلْنا: بَلَى. قَالَ: فَإنَّ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ
قَالَ مُحَمَّدٌ وأحْسِبُهُ قَالَ: وأعْرَاضَكُمْ
عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هاذَا، فِي
بَلَدِكُمْ هاذَا فِي شَهْرِكُمْ هاذَا، وستَلْقَوْنَ
ربَّكُمْ فَيَسْألُكُمْ عنْ أعْمالِكُمْ، ألاَ فَلاَ
تَرْجِعُوا بَعْدي ضُلاَّلاً يَضْرِبُ بَعْضُكْمْ رقابَ
بَعْضٍ، ألاَ لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فَلَعَلَّ
بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أنْ يَكُونَ أوْعَى مِنْ بَعْضِ
مَنْ سَمِعَهُ فَكَانَ مُحَمَّدٌ إذَا ذَكَرَهُ قَالَ:
صَدَقَ النبيُّ ثُمَّ قَالَ: ألاَ هَلْ بَلّغْتُ ألاَ هَلْ
بَلَّغْتُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وستلقون ربكُم
وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن
سِيرِين، وَاسم أبي بكرَة هَذَا عبد الرَّحْمَن لِأَن لأبي
بكرَة أَوْلَادًا غَيره وَاسم أبي بكرَة نفيع بِضَم
النُّون مُصَغرًا.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب قَول النَّبِي
رب مبلغ أوعى من سامع وَفِي الْحَج عَن عبد الله بن
مُحَمَّد وَفِي التَّفْسِير وَفِي بَدْء الْخلق وَفِي
الْفِتَن وَفِي الْمَغَازِي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ غير
مرّة، وَمَا يتَعَلَّق بتفسير أول الحَدِيث قد مضى فِي
تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة، وَمَا يتَعَلَّق بآخر الحَدِيث
قد مضى فِي الْفِتَن.
قَوْله: الزَّمَان أَرَادَ بِهِ السّنة. قَوْله: قد
اسْتَدَارَ استدارة مثل حَالَته يَوْم خلق الله
السَّمَاوَات وَالْأَرْض. قَوْله: حرم بِضَمَّتَيْنِ أَي:
محرم فِيهَا الْقِتَال. قَوْله: وَرَجَب مُضر إِنَّمَا
أضافوه إِلَيْهِم لأَنهم كَانُوا يُحَافِظُونَ على
تَحْرِيمه أَشد مُحَافظَة من غَيرهم وَلم يغيروه عَن
مَكَانَهُ، وَوَصفه بِالَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
للتَّأْكِيد أَو لإِزَالَة الريب الْحَادِث فِيهِ من
النسيء. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: النسيء تَأْخِير حُرْمَة
شهر إِلَى شهر آخر كَانُوا يحلونَ الشَّهْر الْحَرَام
ويحرمون مَكَانَهُ شهرا آخر حَتَّى رفضوا تَخْصِيص
الْأَشْهر الْحرم، وَكَانُوا يحرمُونَ من شهور الْعَام
أَرْبَعَة أشهر مُطلقًا، وَرُبمَا زادوا فِي الشُّهُور
فيجعلونها ثَلَاثَة عشر شهرا أَو أَرْبَعَة عشر شهرا،
وَالْمعْنَى: رجعت الْأَشْهر إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ،
وَعَاد الْحَج إِلَى ذِي الْحجَّة وَبَطلَت تغييراتهم،
وَقد وَافَقت حجَّة الْوَدَاع ذَا الْحجَّة. قَوْله:
الْبَلدة أَي: الْمَعْهُودَة وَهِي مَكَّة المشرفة.
قَوْله: قَالَ مُحَمَّد أَي: ابْن سِيرِين. قَوْله: يضْرب
بِالرَّفْع وبالجزم عِنْد الْكسَائي نَحْو
(25/135)
لَا تدن من الْأسد يَأْكُلك. قَوْله: من يبلغهُ بِضَم
اللَّام وَبِفَتْحِهَا مُشَدّدَة. قَوْله: فَلَعَلَّ
اسْتعْمل اسْتِعْمَال عَسى. قَوْله: أوعى أَي: أحفظ وأضبط
أَي: علم بالتجربة والاستقراء أَن كثيرا من السامعين هم
أفضل من شيوخهم. |