فتح الباري لابن
رجب كتاب العمل في
الصلاة
1 - باب
استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة
وقال ابن عباس: يستعين الرجل في صلاته من جسده بما شاء.
ووضع أبو إسحاق قلنسوته في الصلاة، ورفعها.
ووضع علي كفه على رسغه الأيسر، إلاّ أن يحك جلداً، أو يصلح
ثوباً.
شرع البخاري من هاهنا في الكلام فيما يجوز من الأفعال في
الصلاة، وما يكره فيها، وما لا يجوز.
وابتدأ من ذلك باستعانة المصلي بيده في صلاته، فيما يحتاج
إليه من أمر صلاته.
(9/277)
وحكى عن ابن عباس، قال: يستعين الرجل في
صلاته من جسده بما شاء.
وعن أبي إسحاق، أنه وضع قلنسوته في صلاته ورفعها.
والظاهر: أن هذا كان لحاجة، وإلاّ لكان عبثاً، وهو مكروه.
وعن علي بن أبي طالب، أنه وضع كفه على رسغه الأيسر، إلاّ
أن يحك جسداً أو يصلح ثوباً.
روي وكيع في ((كتابه)) عن عبد السلام بن شداد الجريري، عن
غزوان بن جرير الضبي، عن أبيه، قال: كان علي إذا قام في
الصلاة وضع يمينه على رسغه، فلا يزال كذلك حتى يركع متى ما
ركع، إلاّ أن يصلح ثوبه، أو يحك جسده.
وروى بإسناده، عن إبراهيم، أنه كره أن يحدث الرجال في
الصلاة شيئاً، حتى زر القميص. قال: وكان إبراهيم لايرى
بأساً إذا استرخى إزاره في الصلاة أن يرفعه.
وروى عبد الرزاق في ((كتابه)) ، عن الثوري، عن منصور، عن
مجاهد،
(9/283)
قال: كان يقال في مسح اللحية في الصلاة:
واحدة او دع 0
وعن هشيم: أخبرني حصين، عن عبد الملك بن سعيد، قال: قد كان
النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى وضع
يده اليمنى على يده اليسرى، وكان ربما يضع يده على لحيتة
في الصَّلاة.
وخرجه أبو داود في ((مراسيله)) من رواية شعبة، عن حصين، عن
عبد الملك بن أخي عمرو بن حريث، عن النَّبيّ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج: سألت عطاء عن الاحتكاك في
الصلاة، والارتداء، والاتزار؟ قالَ: كل ذَلِكَ لا تفعله في
الصَّلاة.
وهذا محمول على أنه لم يكن لهُ حاجة إليه.
والمروي عن علي محمول [على] أنه كان يفعله للحاجة إليه.
وقال سفيان الثوري: يكره أن يلبس النعل أو الرداء، وأن يضع
القلنسوة على رأسه، وينزع خفيه أو نعليه، إلاّ لشيء يؤذيه،
ولا بأس أن يحك شيئاً من جسده، إذا آذاه ذَلِكَ.
وعند أصحابنا: كل عمل يسير يعرض في الصلاة لحاجة فلا يكره.
واستدلوا بما خرجه مسلم - رحمة الله - من حديث وائل بن
حجر، أنه رأى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- رفع يديه حين دخل في الصلاة، كبر ثم التحف
(9/284)
بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على يده اليسرى،
فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، [ثم]
كبر فركع - وذكر الحديث.
ومذهب الشافعي نحوه - أيضا.
وروى حرب، عن أحمد في الرجل يسقط رداؤه عن ظهره في
الصَّلاة، فيحمله، قال: أرجو أن لا يضيق ذلك.
وروى حرب بإسناده، عن أبي جعفر والشعبي، قالا: لا بأس أن
يسوي الرجل رداءه في الصلاة.
وقال حرب: سألت أحمد عن الرجل يصلي فتحتك ساقه، فيحكه؟
فكأنه كرهه. قلت: يحكه بقدمه؟ قالَ: هوَ بالقدم أسهل،
وكانه رخص فيهِ.
ومن متأخري أصحابنا من قالَ: الحك الذي لا يصبر عنه المصلي
لا يبطل صلاته وإن كثر.
خرج في هذا الباب:
(9/285)
1198 - حديث: مالك، عن مخرمة، عن كريب، عن
ابن عباس، قالَ: بت عند خالتي ميمونة.
(9/285)
فذكر الحديث في صلاة النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالليل، وصلاة ابن عباس معه.
وفيه: قال:
فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى
يفتلها بيده، فصلى.
وذكر الحديث، وقد سبق بتمامه في غير موضع.
وخرجه مسلم - أيضا.
وخرجه من طريق الضحاك بن عثمان، عن مخرمة، وفي روايته:
فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني في شقه الأيمن،
فجعل إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني.
فتبين بهذه الرواية: أن أخذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بأذن ابن عباس في الصلاة إنما كان عند
نعاسه، إيقاظا له.
وكذلك خرجه أبو داود والنسائي من رواية سعيد بن أبي هلال،
عن مخرمة، وفي حديثة: فقمت إلى جنبه، عن يساره، فجعلني عن
يمينه، ووضع يده على رأسي، وجعل يمسح أذني، كأنه يوقظني.
فهاتان الروايتان: فيهما دلالة على أنه إنما أخذ بأذنه بعد
أن أداره عن يمينه.
وفيه: رد على من زعم: أن أخذه بأذنه وفتلها إنما كان
ليديره عن شماله إلى
يمينه، كما قاله ابن عبد البر.
قال: وهذا المعنى لم يقمه مالك في حديثه، وقد ذكره أكثر
الرواة.
قالَ: وقيل: إنما فتل أذنه ليذكر ذلك ولا ينساه. وقيل:
ليذهب نومه.
انتهى.
ورواية الضحاك مصرحة بهذا المعنى الأخير، ورواية سعيد بن
أبي هلال تدل عليه - أيضا.
(9/286)
2 - باب
ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة
وفيه حديثان:
الأول:
(9/287)
1199 - ثنا ابن نمير: ثنا ابن فضيل: ثنا
الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قالَ: كنا
نسلم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو
في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا
عليه، فلم يرد علينا، وقال: ((إن في الصلاة لشغلاً)) .
حدثنا ابن نمير: ثنا إسحاق بن منصور السلولي: ثنا هريم بن
سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه.
وخرجه - أيضا - في مواضع أخر، من رواية أبي عوانة عن
الأعمش - نحوه.
ورواه أيضا - أبو بدر شجاع بن الوليد، عن الأعمش - بهذا
الإسناد.
(9/287)
وإنما احتيج إلى ذكر هذه المتابعات عن
الأعمش؛ لأن الثوري وشعبة وزائدة وجريراً وأبا معاوية وحفص
بن غياث رووه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، لم
يذكروا فيهِ: ((علقمة)) ، فيصير منقطعاً.
وقد رجح انقطاعه كثير من الحفاظ، [منهم] : أبو حاتم
الرازي.
وقال في رواية ابن فضيل الموصولة: أنها خطأ.
وقال الحافظ أبو الفضل بن عمار الشهيد: الذين أرسلوه أثبت
ممن وصله.
قال: ورواه الحكم بن عتبة - أيضا -، عن إبراهيم، عن عبد
الله مرسلا - أيضا - إلاّ ما رواه أبو خالد الأحمر، عن
شعبة، عن الحكم موصولاً؛ فإنه وهم فيهِ أبو خالد. انتهى.
(9/288)
وتصرف البخاري يدل على خلاف ذلك، وأن وصله
صحيح.
وكذلك مسلم في ((صحيحه)) ؛ فإنه خرجه من طريق ابن فضيل
وهريم بن سفيان – موصولا – كما خرجه البخاري 0
وله عن ابن مسعود طريق اخرى متعددة، ذكرتها مستوفاة في
((شرح
الترمذي)) .
وقال البخاري في أواخر ((صحيحه)) :
وقال ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: ((إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما
أحدث أن لا تكلموا في الصَّلاة)) .
وهذا الحديث المشار إليه، خرجه الإمام أحمد والنسائي من
رواية ابن عيينة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود،
قال: كنا نسلم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فيرد علينا السلام، حتى قدمنا من أرض الحبشة،
فسلمت عليه، فلم يرد علي، فأخذني ما قرب وما بعد، فجلست
حتى إذا قضى الصلاة قال: ((إن الله يحدث)) – فذكره.
ورواه الحميدي وغيره من أصحاب سفيان، عنه، عن عاصم، عن زر،
عن ابن مسعود.
وزعم الطبراني: أنه المحفوظ.
(9/289)
قلت: عاصم، هو: ابن أبي النجود، كان يضطرب
في حديث زر وأبي وائل، فروى الحديث تارة عن زر، وتارة عن
أبي وائل.
قال الطبراني: ورواه عبد الغفار بن داود الحراني، عن ابن
عيينه، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله.
قال: فإن كان حفظه، فهو غريب.
قلت: ليس هو بمحفوظ، إنما المحفوظ رواية: سفيان، عن عاصم
–كما تقدم.
وخرج النسائي – أيضا - من طريق سفيان، عن الزبير بن عدي،
عن كلثوم، عن ابن مسعود، قال: كنت آتي النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي، فأسلم عليه، فيرد
عليَّ، فأتيته، فسلمت عليه وهو يصلي، فلم يرد عليَّ، فلما
سلم أشار إلى القوم، فقال: ((إن الله
عز وجل - يعني - أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلاّ بذكر
الله، وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين)) .
وكلثوم، هو: ابن المصطلق الخزاعي، يقال: له صحبة، وذكره
ابن
(9/290)
حبان في ((كتابه)) من التابعين.
وقوله: ((إن الله أحدث أن لا تكلموا في الصَّلاة)) إشارة
إلى أنه شرع ذلك بعد أن لم يكن شرعه، ومنعه بعد أن لم يكن
قد منعه 0
الحديث الثاني:
(9/291)
1200 - ثنا إبراهيم بن موسى: ثنا عيسى –هو:
ابن يونس -: ثنا إسماعيل –هو: ابن أبي خالد -، عن الحارث
بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، قال: قال لي زيد بن أرقم:
إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيكلم أحدنا صاحبه
بحاجته، حتى نزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت.
وخرجه مسلم، وزاد فيه: ((ونهينا عن الكلام)) ، وليس عنده:
ذكر عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(9/291)
وخرجه النسائي، وعنده: ((فأمرنا حينئذ
بالسكوت)) .
وخرجه الترمذي، ولفظه: كنا نتكلم خلف رسول الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة، فيكلم الرجل منا
صاحبه إلى جنبه، حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}
[البقرة: 238] . قال: فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام.
وهذه الرواية صريحة برفع آخره.
واختلف الناس في تحريم الكلام في الصَّلاة: هلا كان بمكة،
او بالمدينة؟ فقالت طائفة: كانَ بمكة.
واستدلوا بحديث ابن مسعود المتقدم، وأن النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امتنع من الكلام عند قدومهم
عليه من الحبشة، وإنما قدم ابن مسعود عليه من الحبشة إلى
مكة، ثم هاجر إلى المدينة، كذا ذكره ابن إسحاق وغيره.
ويعضد هذا: أنه روي: أن امتناعهم من الكلام كان بنزول
قوله: {وَإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] وهذه
الآية مكية.
فروى أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن المسيب بن رافع، قال:
قال
(9/292)
ابن مسعود:
كنا نسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فجاء القرآن {وَإذا
قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} .
وأخرجه ابن جرير وغيره.
وهذا الإسناد منقطع؛ فإن المسيب لم يلق ابن مسعود.
وروى الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة، قالَ: كانوا
يتكلمون في الصَّلاة، فلما نزلت هذه الآية {وَإذا قُرِئَ
الْقُرْآنُ} والآية الأخرى، قالَ: فأمرنا بالإنصات.
وخرجه بقي بن مخلد في ((مسنده)) .
وخرجه غيره، وعنده: ((أو الآية الأخرى)) – بالشك.
والهجري، ليس بالقوي.
ولكن يشكل على أهل هذه المقالة حديث زيد بن أرقم، الذي
خرجه البخاري هاهنا؛ فإن زيداً الأنصاري، لم يصل خلف
النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، إنما
صلى خلفه بالمدينة، وقد أخبر أنهم كانوا يتكلمون حتَّى
نزلت: {وَقُومُوا
(9/293)
لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقر: 238] .
وهي مدنية بالاتفاق.
وأجاب أبو حاتم ابن حبان – وهو ممن يقول: إن تحريم كلام
كان بمكة -: واجيب عن هذا بجوابين:
أحدهما: أن زيد بن أرقم حكى حال الأنصار وصلاتهم بالمدينة
قبل هجرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إليهم، وأنهم كانوا يتكلمون حينئذ في الصلاة؛ فإن الكلام
حينئذ كانَ مباحاً، وكان النَّبيّ إذ ذاك بمكة، فحكى زيد
صلاتهم تلك الأيام، لا أن نسخ الكلام كانَ بالمدينة.
قلت: هذا ضعيف؛ لوجهين:
أحدهما: أن في رواية الترمذي: ((كنا نتكلم خلف النَّبيّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصَّلاة)) ، فدل
على أنه حكى حالهم في صلاتهم خلف النَّبيّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هجرته إلى المدينة.
والثاني: أنه ذكر أنهم لم ينهوا عن الكلام حتى نزلت الاية،
وهي إنما نزلت بعد الهجرة بالاتفاق، فعلم أن كلامهم استمر
في الصلاة بالمدينة، حتى نزلت هذه الآية 0
ثم قال ابن حبان:
والجواب الثاني: أن زيدا حكى حال الصحابة مطلقا، من
المهاجرين
(9/294)
وغيرهم، ممن كان يصلي مع النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل تحريم ((الكلام)) في
الصلاة، ولم يرد الأنصار، ولا أهل المدينة بخصوصهم، كما
يقول القائل: فعلنا كذا، وإنما فعله بعضهم.
قلت: وهذا يرده قوله: ((حتى نزلت الآية)) ؛ فإنه يصرح بأن
كلامهم استمر إلى حين نزولها، وهي إنما نزلت بالمدينة.
وأجاب غير ابن حبان بجوابين آخرين:
أحدهما: أنه يحتمل أنه كان نهي عن الكلام متقدما، ثم أذن
فيه، ثم نهي عنه لما نزلت الآية.
والثاني: أنه يحتمل أن يكون زيد بن أرقم ومن كان يتكلم في
الصلاة لم يبلغهم نهي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فلما نزلت الآية انتهوا.
وكلا الجوابين فيه بعد، وإنما انتهوا عند نزول الآية، بأمر
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسكوت، ونهيه
عن الكلام، كما تقدم.
وقال طائفة أخرى: إنما حرم الكلام في الصلاة بالمدينة؛
لظاهر حديث زيد بن أرقم، ومنعوا أن يكون ابن مسعود رجع من
الحبشة إلى مكة، وقالوا: إنما رجع من الحبشة إلى المدينة،
قبيل بدر.
واستدلوا بما
(9/295)
خرجه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) من
حديث عبد الله بن
عتبة، عن ابن مسعود، قال: بعثنا النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى النجاشي، ونحن ثمانون رجلا،
ومعنا جعفر بن أبي طالب – فذكر الحديث في دخولهم على
النجاشي، وفي آخره -: فجاء ابن مسعود، فبادر، فشهد بدرا.
وروى آدم ابن أبي إياس في ((تفسيره)) : حدثنا أبو معشر، عن
محمد بن كعب، قال: قدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - المدينة، والناس يتكلمون بحوائجهم في الصلاة،
كما يتكلم أهل الكتاب، فأنزل الله {وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ} [البقرة:238] ، فسكت القوم عن الكلام.
وهذا مرسل. وأبو معشر، هو: نجيح السندي، يتكلمون فيه.
وقد اتفق العلماء على أن الصلاة تبطل بكلام الآدميين فيها
عمدا لغير مصلحة الصلاة، واختلفوا في كلام الناسي والجاهل
والعامد لمصلحة الصلاة.
فأماكلام الجاهل، فيأتي ذكره – قريبا.
وأما كلام الناسي والعامد لمصلحة، فيأتي ذكره في ((أبواب
سجود السهو)) قريبا – إن شاء الله تعالى.
(9/296)
3 - باب
ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال
(9/297)
1021 - حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا عبد
العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: خرج
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلح بين بني
عمرو بن عوف، وحانت الصلاة، فجاء بلال أبا بكر، فقال: حبس
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتؤم الناس؟
فقالَ: نعم، إن شئتم، فأقام بلال الصَّلاة -، فتقدم أبو
بكر فصلى، فجاء النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يمشي في الصفوف يشقها شقاً، حتَّى قام في الصف
الأول، فأخذ الناس بالتصفيح – قالَ سهل: تدرون ما التصفيح؟
هو التصفيق -، وكان أبو بكر لايلتفت في صلاته، فلما أكثروا
إلتفت، فإذا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
الصف، فأشار إليه مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله، ثم
رجع القهقرى
وراءه، وتقدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فصلى.
التصفيق والتصفيح، من الناس من قال: هما بمعنى واحد -:
قاله الأصمعي
وغيره.
وقال الخطابي: التصفيح: التصفيق بصفحتي الكف.
(9/297)
وقيل: التصفيق: ضرب بباطن الراحة على
الأخرى. والتصفيح: الضرب بظاهر الكف على ظهر الأخرى، ويكون
المقصود به: الإعلام والإنذار، بخلاف التصفيق؛ فإنه يراد
به الطرب واللعب 0 والله أعلم.
وقد سبق هذا الحديث في ((أبواب الإمامة)) ، خرجه البخاري
فيها من رواية مالك، عن أبي حازم.
وذكرنا هنالك عامة فوائده، وأشرنا إلى الاختلاف فيمن حمد
الله في صلاته أو سبح لحادث حدث له، وهل تبطل بذلك صلاته،
أم لا؟
وذكرنا ذَلِكَ – أيضا – في ((باب: إجابة المؤذن)) .
وأكثر العلماء على أنه لا تبطل صلاته بذلك.
فحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي
ثور.
وهو – أيضا – قول مالك والشافعي.
وسواء قصد بذلك تنبيه غيره، أم لم يقصد.
قال إسحاق – فيما نقله، عنه حرب -: إن قرأ آية فيها ((لا
إله إلا الله)) ، فأعادها لاتفسد صلاته، وإن انقض كوكب،
فقال: ((لا إله إلا الله)) ، تعجباً
وتعمداً، فهو كلام يعيد الصلاة، وكذا إذا لدغته عقرب،
فقال: ((بسم الله)) .
وقال عبيد الله بن الحسن: فيمن رمي في صلاته، فقال: ((بسم
الله)) : لم تنقطع صلاته، هو كمن عطس فحمد الله. وقال في
الذي يذكر النعمة وهو في الصلاة، فيحمد الله عليها، وإن
ذلك حسناً.
(9/298)
وقال عطاء: ما جرى على لسان الرجل في
الصلاة، فما له أصل في القرآن فليس بكلام.
وقالت طائفة: تبطل صلاته، وهو رواية عن أحمد وإسحاق.
ومذهب أبي حنيفة: إن قاله ابتداء فليس بكلام، وإن قاله
جواباً فهو كلام.
قال بعض أصحابنا: هذه الرواية عن أحمد بالبطلان، هي قول
أبي حنيفة ومحمد، أنه يبطل الصلاة، فكل ذكر يأتي به المصلي
في غير موضعه، إلاّ في تنبيه المأموم على سهوه، وتنبيه
المار بين يده ليرجع.
وكذلك الخلاف إذا بشر بما يسره، فقال: ((الحمد لله)) ، أو
بما يسوؤه، فقال: ((إنا لله وإنا إليه راجعون)) ، أو عطس،
فحمد الله، أو فتح على غير إمامه، أو خاطب إنسانا بشيء من
القرآن قاصداً للقراءة والتنبيه.
وأصح الروايتين عن أحمد: أن الصلاة لا تبطل بذلك، كقول
جمهور العلماء.
وفي ((الصحيحين)) ، عن عائشة، أن أسماء أختها لما سالتها
وهي تصلي صلاة الكسوف، فأشارت برأسها إلى السماء، وقالت:
((سبحان الله)) .
واحتج أحمد بما ذكره عن علي، أنه كان في صلاة الفجر، فمر
بعض الخوارج، فناداه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ، فأجابه علي وهو في صلاته:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا
يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا
(9/299)
يُوقِنُونَ} [الروم:60] .
وروي عن ابن مسعود، أنه استأذن عليه رجل وهو يصلي، فقال:
{ادْخُلُوا مِصْرَ إن شاء اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] .
وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يفعله.
وخرج الإمام أحمد من حديث علي، قال: كانت لي ساعة من السحر
أدخل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن
كان في صلاة سبح، فكان إذنه لي.
ومن حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: ((إذن الرجل إذا كان في صلاة أن يسبح،
وإذن المرأة أن تصفق)) .
(9/300)
وقد روي، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، أن رجلاً عطس وراءه في الصلاة، فحمد الله،
فأخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قضى
صلاته بابتدار الملائكة لها، وكتابتها.
وقد خرجه أبو داود والترمذي والنسائي، من حديث رفاعة بن
رافع.
وخرجه أبو داود – أيضا – من حديث عامر بن ربيعة – بمعناه.
وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم، أنهم حملوا ذلك على
التطوع، وقالوا: في المكتوبة يحمد الله في نفسه.
وهذا التفريق، هو قول مكحول، ورواية عن أحمد.
وقولهم: ((يحمد الله في نفسه)) ، ويحتمل أنهم أرادوا أنه
يحمده بقلبه ولا يتلفظ به، ويحتمل أنهم أرادوا انه لا يجهر
به.
وكذا قال النخعي: في الرجل يعطس في الصلاة: يحمد الله، ولا
يجهر.
وقال الحسن: يحمد الله في المكتوبة وغيرها.
وكذا نقله حرب، عن إسحاق.
(9/301)
وروى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: سمعت ابا
طلحة: سمعت ابن عمر يقول في العاطس في الصلاة: يجهر
بالحمد.
وأما تخصيص البخاري جواز التسبيح والحمد في الصلاة للرجال؛
فلأن المرأة تخالف الرجل في التسبيح للتنبيه، وإنما تنبه
بالتصفيح، كما ياتي ذكره، فلا يشرع لها التسبيح والتحميد
في غير ذَلِكَ – أيضا.
لكن حكمها حكم الرجل في القول بالإبطال وعدمه، وإنما
يختلفان في الكراهة؛ فإن المرأة لايشرع لها رفع صوتها في
الصَّلاة بقرآن ولا ذكر.
(9/302)
4 - باب
من سمى قوماً أو سلم في الصلاة على غيره وهو لا يعلم
(9/303)
1202 - حدثنا عمرو بن عيسى: حدثنا أبو عبد
الصمد العمي عبد العزيز بن عبد الصمد: ثنا حصين بن عبد
الرحمن، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: كنا نقول: التحية
في الصلاة، ونسمي، ويسلم بعضنا على بعض، فسمعه رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ((قولوا التحيات
لله)) .
فذكر التشهد بتمامه، ثم قال:
((فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في
السماء
والأرض)) .
وقد تقدم هذا الحديث في ((أبواب التشهد)) بألفاظ أخر.
وفي بعضها: أنهم كانوا يقولون: السلام على الله، والسلام
على جبريل وميكائيل، وعلى فلان وفلان.
(9/303)
فأماالسلام على الله فهو كلام غير جائز،
ولهذا قال لهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
((لا تقولوا السلام على الله)) .
وقد خرجه البخاري فيما تقدم.
وأما السلام على أشخاص معينين، فإن كان بلفظ الغيبة، فأكثر
العلماء على أنه لايبطل الصلاة.
وقال الثوري وأبو حنيفة: هو كلام.
وقد سبق ذكر ذلك في ((أبواب التشهد)) .
وإن كان بلفظ الخطاب، فهو كرد السلام في الصلاة على من
يسلم، ويأتي ذكره – إن شاء الله تعالى.
وفي هذا الحديث: دليل على أن من تكلم في صلاته جاهلا، أنه
لا تبطل صلاته؛ فإن كلام الجاهل قسمان:
أحدهما: أن يتكلم في صلاته جاهلا بأن الكلام في الصلاة
ممنوع، وهذا يقع من كثير من أعراب البوادي وغيرهم ممن هو
حديث عهد بالإسلام، وقد كان هذا يقع في أول الإسلام
كثيراً.
قالت الشافعية: ولا يعذر بذلك إلاّ قريب العهد بالإسلام،
فأمامن طال عهده بالإسلام فتبطل صلاته؛ لتقصيره في التعلم،
وكذا لو علم تحريم الكلام في الصَّلاة، ولم يعلم أنه مبطل
لها، كما لو علم تحريم الزنا، ولم يعلم حدّه، فإنه يحدّ
بغير خلاف.
والثاني: أن يتكلم بكلام يظنه جائزاً، وهو في نفسه غير
جائز التكلم
(9/304)
به في الصلاة وغيرها، كقولهم: ((السلام على
الله)) ، أو يتكلم بكلام يظنه جائزاً في
الصلاة، كما أنه جائز في غيرها، كرد السلام وتشميت العاطس.
وقد اختلف العلماء في حكم الجاهل في الصلاة:
فمنهم من قال: حكمه حكم كلام الناسي، وهو قول مالك
والشافعي، وهو أحد الوجهين لأصحابنا.
ومنهم من قال: تبطل، بخلاف كلام الناسي، وهو قول المالكية.
والثالث: لا تبطل وإن قلنا: يبطل كلام الناسي، وهو قول
طائفة من أصحابنا.
ويدل له: ما خرجه البخاري في ((الأدب)) من ((صحيحه)) هذا
من حديث أبي هريرة، قال: قام رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الصلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي
–وهو في الصلاة -: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا
أحداً، فلما سلم النبي، قال للأعرابي: ((لقد حجرت واسعاً))
–يريد: رحمة الله.
وفي ((صحيح مسلم)) عن معاوية بن الحكم السلمي: أنه صلى خلف
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعطس رجل من
القوم، فقال له: يرحمك الله. قال: فرماني القوم بأبصارهم،
فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم، تنظرون إلي؟ قالَ: فجعلوا
يضربون بأيديهم على أفخاذهم. وقال: فلما رأيتهم
(9/305)
يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى النَّبيّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لهُ: ((إن هذه
الصَّلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح
والتكبير وقراءة القران)) – أو كما قالَ رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولم ينقل أنه أمر أحدا بالإعادة.
وكذلك روي، عن معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وغيرهما.
قال أصحابنا: ولأن الكلام كان مباحاً في أول الإسلام، ثم
نسخ، والنسخ لا يثبت في حق الجاهل قبل العلم، بدليل قصة
أهل قباء في القبلة.
ولكن هذا إنما يصح في حق من تمسك بالإباحة السابقة، ولم
يبلغه نسخها، فأمامن لا يعلم شيئاً من ذلك، فلا يصح هذا في
حقه.
وكذلك من تكلم بكلام محرم في نفسه، وهو يظن جوازه، كقول
القائل:
((السلام على الله)) ، وقول الآخر: ((اللهم، ارحمني
ومحمداً، ولا ترحم معنا
أحداً)) .
وللشافعية – فيمن علم أن جنس الكلام محرم في الصلاة، ولم
يعلم أن ما تكلم به محرم: هل يعذر بذلك ولا تبطل صلاته؟ -
وجهان، أصحهما: يعذر به.
وكذلك لو جهل أن التنحنح ونحوه مبطل للصلاة.
(9/306)
5 - باب
التصفيق للنساء
فيه حديثان:
أحدهما:
(9/307)
1203 - حدثنا علي بن عبد الله: ثنا سفيان:
ثنا الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، [عن النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] ، قال: ((التسبيح
للرجال، والتصفيق للنساء)) .
وخرجه مسلم – أيضا.
وخرجه – أيضا – من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد وأبي
سلمة، عن أبي هريرة ومن طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة.
ومن طريق همام بن منبه، عن أبي هريرة، وزاد في حديثه: ((في
الصلاة)) .
وخرجه النسائي من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة.
(9/307)
وخرجه أبو داود من حديث رجل من الطفاوة، عن
أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
أنه قال لهم: ((إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح
القوم، وليصفق النساء)) .
وله طرق أخرى، عن أبي هريرة.
الحديث الثاني:
(9/308)
1204 - حدثنا يحيى: ثنا وكيع، عن سفيان، عن
أبي حازم، عن سهل بن سعد، قالَ:
قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((التسبيح
للرجال، والتصفيق للنساء)) .
وخرجه فيما تقدم من طريق مالك، عن أبي حازم، عن سهل، وذكر
فيه: قصة إصلاح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بين بني عمرو بن عوف، وصلاة أبي بكر بالناس، وقال في آخر
الحديث: ((من نابه شيء في صلاته فليسبح؛ فإنه إذا سبح
ألتفت إليه، وإنما التصفيح
للنساء)) .
وخرجه مسلم.
وفي الباب أحاديث أخر، لم يخرج منها شيء في ((الصحيح)) .
وقد ذكر الترمذي: أن العمل على هذا عند أهل العلم.
وممن روي عنه، أنه أفتى بذلك: أبو هريرة، وسالم بن أبي
الجعد.
(9/308)
وقال به الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق
وأبو ثور وأبو يوسف.
وأن المأموم ينبه أمامه بالتسبيح إذا كان رجلاً.
وقد تقدم عن أبي حنيفة، أنه إن سبح إبتداء فليس بكلام، وأن
كان جواباً فهو كلام. والجمهور على خلافه.
ومذهب مالك وأصحابه: أنه يسبح الرجال والنساء.
وحملوا قوله: ((إنما التصفيق للنساء)) على أن المراد: أنه
من أفعال النساء، فلا يفعل في الصلاة بحال، وإنما يسبح
فيها.
وهذا إنما يتأتى في لفظ رواية مالك، عن أبي حازم، عن سهل
بن سعد، وأما رواية غيره: ((التسبيح للرجال، والتصفيق
للنساء في الصلاة)) فلا يتأتى هذا التأويل فيها.
وأما رواية من روى: ((إذا نساني الشيطان شيئاً من صلاتي
فليسبح القوم، وليصفق النساء)) فصريحة في المعنى.
فالمراد بالقوم: الرجال، كما قال تعالى: {لا يَسْخَرْ
قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ
وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} [الحجرات:11] الآية.
وخرجه الإمام أحمد من حديث جابر، عن النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((إذا أنساني الشيطان شيئاً في
صلاتي فليسبح الرجال، وليصفق النساء)) .
وهو قول من رواية ابن لهيعة.
(9/309)
وخرج الأثرم، من رواية أبي نعامة، [عن] جبر
بن حبيب، عن القاسم بن
محمد، عن عائشة، قالت: جاء أبو بكر يستأذن، وعائشة تصلي،
فجعلت تصفق، ولا يفقه عنها فجاء النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهما على تلك الحال، فقال: ((ما
منعكِ أن تأخذي بجوامع الكلم وفواتحه؟)) –وذكر دعاء جامعاً
-، ((ثُمَّ نادي لأبيك)) .
وهذا إسناد جيد 0
وقد خرج الإمام أحمد وابن ماجه ذكر الدعاء، دون قصة
الاستئذان.
ولم ينكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها
التصفيق، ولا أمرها بالتسبيح، وإنما تصفق المرأة إذا كان
هناك رجال.
فأما إن لم يكن معها غير النساء، فقد سبق أن عائشة سبحت
لأختها أسماء في صلاة الكسوف، فإن المحذور سماع الرجال صوت
المرأة، وهو مأمون هاهنا، فلا يكره للمرأة أن تسبح للمرأة
في صلاتها. ويكره أن تسبح مع الرجال.
(9/310)
ومن أصحابنا من قال: لايكره.
والأول: الصحيح.
وقال بعض أصحابنا: الأفضل في حقها –أيضا - مع النساء
التنبيه بالتصفيق – أيضا.
والكلام في هذا، يشبه الكلام في جهر المرأة بالقراءة إذا
أمت النسوة.
وتصفيق المرأة، هو: أن تضرب بظهر كفها على بطن الأخرى،
هكذا فسره أصحابنا والشافعية وغيرهم.
قالوا: ولا تضرب بطن الكف على بطن الكف؛ فإن فعلت ذَلِكَ
كره.
وقال بعض الشافعية، منهم: القاضي أبو الطيب الطبري: تبطل
صلاتها به، إذا كان على وجه اللعب؛ لمنافاته صلاتها، فإن
جهلت تحريمه لم تبطل.
قالوا: ولو سبحت المرأة، أو صفق الرجل، فقد خالفا السنة،
ولم تبطل صلاتهما بذلك.
ويدل عليه: أن الصحابة أكثروا التصفيق خلف أبي بكر الصديق،
ولم يأمرهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بالإعادة، وإنما أمرهم بالأكمل والأفضل.
وقد قال طائفة من الفقهاء: متى أكثروا التصفيق بطلت
الصلاة.
والحديث يدل على خلافه، إلاّ أن يحمل على أنهم لم يكونوا
يعلمون منعه، فيكون حكمهم حكم الجاهل.
(9/311)
6 - باب
من رجع القهقرى في الصلاة أو تقدم لأمر ينزل به
رواه سهل بن سعد، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
حديث سهل، قد سبق قريباً، وفيه رجوع أبي بكر القهقرى في
صلاته، وتقدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فصلى مكانه.
(9/312)
1205 - حدثنا بشر بن محمد: ثنا عبد الله:
قال يونس: قال الزهري: أخبرني أنس أن المسلمين بينا هم في
الفجر يوم الاثنين، وأبو بكر يصلي بهم، ففجأهم النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد كشف ستر حجرة
عائشة، فنظر إليهم وهم صفرف، فتبسم يضحك، فنكص أبو بكر على
عقبيه، وظن أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهم المسلمون أن يفتتنوا، فرحا
بالنبي حين راوه، فأشار بيده أن أتموا، ثم دخل الحجرة،
وأرخى الستر، وتوفي ذلك اليوم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
(9/312)
وقد تقدم حديث سهل بن سعد في صلاة النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر، وأنه كان
يقوم عليه، ثم ينزل فيسجد في الأرض.
وقد سبق – أيضا – في ((أبواب صلاة الكسوف)) من حديث ابن
عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مد
يده في صلاة الكسوف، كأنه يتناول شيئا، ثم تكعكع أي:
تأخره.
وخرج مسلم من حديث جابر، في صلاة الكسوف، أن النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تأخر في
صلاته، فتأخرت الصفوف خلفه، حتى انتهى إلى النساء، ثم تقدم
وتقدم الناس معه، حتى قام في مقامه.
وروى برد بن سنان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت:
جئت ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي
في البيت، والباب عليه مغلق، فمشى حتى فتح لي، ثم رجع إلى
مكانه، ووصفت الباب في القبلة.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي – وهذا
لفظه.
وقال: حسن غريب.
واستنكره أبو حاتم الرازي والجوزجاني؛ لتفرد برد به.
(9/313)
وبرد، شامي قدري، وثقه ابن معين. وقال
أحمد: صالح الحديث.
وقال أبو زرعة: لابأس به. وقال أبو حاتم: كان صدوقاً.
وقد تقدم في ((باب: الركوع دون الصف)) حديث أبي بكرة، أنه
ركع دون الصف، وأنه مشى حتى دخل في الصف.
خرجه أبو داود بهذا اللفظ.
وتقدم فيه عن جماعة بأنهم فعلوا ذلك، منهم: زيد بن ثابت.
وروي عن أبي بكر الصديق، وعن خلق من التابعين، ومن بعدهم.
وعن سعيد بن جبير وعطاء، انهما رخصا في ان يركع قبل ان يصل
إلى صفوف النساء، ثم يمشي 0
وكل هذا يدل على أن المشي اليسير في الصلاة لاتبطل به
الصلاة، وإنه قول جمهور السلف.
وكذلك أبو برزة مشى في صلاته إلى فرسه لما انفلتت، فأخذها.
وخرج البخاري حديثه فيما بعد.
وقد قال أحمد: إذا فعل كفعل أبي برزة فصلاته
(9/314)
جائزة.
وقال حرب: قلت لأحمد: يفتح الباب –يعني: في الصلاة – حيال
القبلة؟ قالَ: في التطوع.
ولعله أراد أنه لايكره في التطوع خاصة، ويكره في الفريضة.
وأكثر أصحابنا على أن ذلك يرجع فيه إلى العرف، فما عد في
العرف مشياً كثيراً أبطل، وما لم يعد كثيراً لم يبطل،
وكذلك سائر الأعمال في الصلاة.
ومنهم من جعل الثلاث في حد الكثرة، فلم يعف إلاّ عن المرة
والمرتين.
وللشافعية في الضربتين والخطوتين وجهان.
ومن الحنفية من قدر المشي المبطل بما جاوز محل السجود.
وما دلت السنة عليه، مع اتباع السلف فيه أولى.
قال أصحابنا: وإنما يبطل العمل الكثير إذا توالى، وما شك
فيه لم يبطل؛ لأن الأصل دوام الصحة، فلا يزول بالشك في
وجود المنافي.
وما تفرق من ذلك، وكان إذا جمع كثيراً لم يبطل؛ لأنه -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكرر منه حمل أمامة في
صلاته ووضعها، وقد سبق حديث أمامة والكلام عليهِ بما فيهِ
كفاية.
ومذهب الشافعية كمذهب أصحابنا في ذلك كله، في الرجوع إلى
العرف على الصحيح عندهم، مع قولهم: إن الثلاث في حد الكثرة
بغير خلاف، وفي الثنتين
وجهان.
(9/315)
وأصحابنا يخالفونهم في هذا خاصة، ويقولون:
ما لم يكن المشي والضرب يسمى كثيراً عرفاً فهو غير مبطل.
وهذا كله في العامد، فأما الناسي والجاهل، فأكثر أصحابنا
والشافعية أن عمله الكثير يبطل كعمده.
ومن الشافعية من قال: فيه وجهان، أصحهما: لايبطل، كالكلام.
وكذلك حكى بعض أصحابنا رواية عن أحمد، أنه لايبطل عمل
الساهي وإن
كثر.
وقال: هي أصح.
واستدل بما فعله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في خبر ذي اليدين، حين سلم ساهياً، ثم لما ذكر بني على
صلاته، وسيأتي الحديث في موضعه من الكتاب – إن شاء الله
تعالى.
(9/316)
7 - باب
إذا دعت الأم ولدها في الصلاة
(9/317)
1206 - وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة،
عن عبد الرحمن بن هرمز، قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((نادت امرأة ابنها
وهو في صومعته، فقالت: ياجريج. فقال: اللهم أمي وصلاتي.
فقالت: ياجريج. قال: اللهم أمي وصلاتي. قالت: ياجريج. قال:
اللهم أمي وصلاتي. قالت: اللهم [لا] يموت جريج حتى ينظر في
وجوه المياميس، وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم،
فولدت، فقيل لها: ممن هذا الولد؟ قالت: من جريج، نزل من
صومعته. قالَ: جريج: أين هذه التي تزعم أن ولدها لي؟ قالَ:
يابابوس من أبوك؟ قال: راعي الغنم)) .
هكذا ذكره هاهنا تعليقاً، من رواية الأعرج، عن أبي هريرة.
وقد خرجه في آخر ((الغصب)) ، وفي ((أخبار بني إسرائيل))
مسنداً، من رواية جرير بن حازم، عن ابن سيرين، عن أبي
هريرة – بتمامه.
(9/317)
و ((المياميس)) : جمع مومسة، وهي البغي،
وتجمع على مياميس -: قاله أبو
زيد.
وهكذا في جميع روايات البخاري.
وقيل: إنما تجمع على ((مواميس)) – بالواو –؛ لأن الكلمة من
ذوات الواو.
ورواه بعضهم ((المأميس)) – بالهمزة.
و ((البابوس)) هو الصغير الرضيع من بني آدم، وهو الصغير من
أولاد الإبل – أيضا.
وقيل: إنه اسم لذلك المولود، وهو بعيد.
وفي الحديث: دليل على تقديم الوالدة على صلاة التطوع،
وأنها إذا دعت ولدها في الصلاة فإنه يقطع صلاته ويجيبها.
قال حميد بن زنجويه في ((كتاب الأدب)) : نا الحسن بن
الوليد: نا ابن أبي
ذئب، عن محمد بن المنكدر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((إذا دعاك أبواك وأنت تصلي
فأجب أمك ولا تجب أباك)) .
وبإسناد، عن شبيب بن يزيد، قال: مكتوب في التوراة: إذا
دعتك أمك وأنت تصلي، فقل: لبيك، فإذا دعاك أبوك، فقل:
سبحان الله.
ومرسل ابن المنكدر، قد رواه يزيد بن هارون، عن ابن أبي
ذئب، عن ابن المنكدر – فذكره.
فتبين أنه لم يسمعه ابن أبي ذئب من ابن المنكدر.
وقال حرب: قيل لأحمد: الحديث الذي جاء: ((إذا دعاك أبوك
وأنت في الصلاة فأجبه)) ؟ فرأيته يضعف الحديث.
وقال الأوزاعي، عن مكحول: إذا دعتك
(9/318)
أمك وأنت في الصَّلاة فأجب أمك، ولا تجب
أباك.
قال الوليد بن مسلم: قلت للأوزاعي: في المكتوبة يجيبها؟
قالَ: نعم، وهل وجه إلاّ ذَلِكَ؟ ثُمَّ قالَ: يؤذنها في
المكتوبه بتسبيحة، وفي التطوع يؤذنها بتلبية.
ووجه التفريق بينهما: أن الأم برها آكد من بر الأب؛ ولهذا
وصى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببرها ثلاث
مرات، ثم وصى ببر الأب بعده.
قال الحسن: للأم ثلثا البر.
وقد روي، عنه في رجل حلف عليه أبوه بكلام، وحلف عليه أمه
بخلافه؟ قالَ: يطيع أمه.
وقال عطاء، في رجل أقسمت عليه أمه أن لا يصلي إلاّ
الفريضة، ولا
(9/319)
يصوم إلاّرمضان؟ قالَ: يطيعها.
وإنما قدم طاعتها على التطوع؛ لأن طاعتها واجبة، وهذا
يشترك فيهِ الوالدان.
وقد سوى أصحابنا بينهما في إجابتهما في الصَّلاة، وقالوا:
لاتجب إجابتهما
فيها، وتبطل الصَّلاة.
لكن إذا كان في نفل خرج وأجابهما، بخلاف إجابة النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة لمن دعاه؛
فإنها كانت واجبة -: نص عليهِ أحمد، وقال: لاتبطل بها
الصَّلاة.
وكذلك قاله إسحاق بن راهويه، وذكر أن ذلك من خصائص النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليست لأحد بعده.
وكذلك هو الصحيح من مذهب الشافعي وأصحابه.
واستدلوا بأن المصلي يقول في صلاته: ((السلام عليك أيها
النبي)) ، ولو خاطب بذلك غيره لبطلت صلاته.
ولو قيل بوجوب إجابة الأم في الصلاة، وأنها لاتبطل بها
الصلاة، لم يبعد، وهو ظاهر قول مكحول والأوزاعي، كما سبق.
وكذا قال الأوزاعي في تحذير الضرير والصبي في الصلاة من
الوقوع في بئر ونحوها: أنه لاباس به.
وفي الحديث: دليل على استجابة دعاء الأم على ولدها.
قال بعض
(9/320)
السلف: يستجاب دعاؤها عليه، وإن كانت
ظالمة.
وفي حديث أبي هريرة المرفوع: ((ثلاث دعوات تستجاب، لاشك
فيهن)) – فذكر منها: ((ودعوة الوالدين على ولدهما)) .
وعن ابن مسعود، قال: ثلاث لاترد دعوتهم: الوالد، والمظلوم،
والمسافر.
(9/321)
8 - باب
مسح الحصى في الصلاة
(9/322)
1207 - حدثنا أبو نعيم: ثنا شيبان، عن
يحيى، عن أبي سلمة، قال: حدثني معيقيب، أن النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الرجل يسوي التراب حين
يسجد، قال: ((إن كنت فاعلا فواحدة)) .
وخرجه مسلم، من طريق شيبان.
وخرجه –أيضا - من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى –هو: ابن
أبي كثير -، ولفظ حديثه: ذكر النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسح في المسجد – يعني: الحصى -،
قال: ((إن كنت لابد فاعلا فواحدة)) .
وفي رواية له، بهذا الإسناد، أنهم سألوا النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المسح في الصلاة، فقال:
((واحدة)) .
وفي الباب: عن جماعة من الصحابة، لم يخرج منه في
((الصحيح)) غير حديث معيقيب.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم.
يعني: على كراهة مسح الحصى، والرخصة في المرة الواحدة منه.
وقال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في مس الحصى في
الصَّلاة.
(9/322)
وكان ابن عمر يصلي فيمسح الحصى برجليه.
وروي عن ابن مسعود، أنه يسويه مرة واحدة إذا سجد.
وكان أبو هريرة وأبو ذر يرخصان في مسحة مرة واحدة.
وكان مالك لا يرى بالشيء الخفيف بأساً.
وكره ذلك الأوزاعي وأصحاب الرأي.
وقال أصحاب الرأي: لا بأس به مرة، وتركه أحب إلينا.
وكان عثمان بن عفان وابن عمر يمسحان الحصى لموضع السجود،
قبل إن يدخلا في الصلاة.
قال ابن المنذر: هذا أحب إليّ، ولا يخرج أن مسحه مرة؛
لحديث معيقيب، وتركه أفضل. انتهى.
ورويت كراهيته عن علي وابن مسعود وابن عباس.
وعن ابن عمر، قال: هو من الشيطان.
ورخص فيه مرة واحدة أبو عبد الرحمن السلمي.
وهو قول سفيان الثوري.
وقال ليث بن أبي سليم: سمعت العلماء يقولون: تحريك الحصى
ومسحه في الصلاة أذى للملكين.
وقد روي في سبب كراهيته: إن الرحمة تواجه المصلي، فإذا
أزال ما
(9/323)
يواجهه من التراب والحصى، فقد أزال ما فيه
الرحمة والبركة.
فروى الزهري، عن أبي الأحوص، عن أبي ذر، عن النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((إذا قام أحدكم إلى
الصلاة فلا يمسح الحصى؛ فإن الرحمة تواجهه)) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
وقال: حديث حسن.
وأبو الأحوص هذا، ضعفه ابن معين وغيره.
وروى ابن المبارك في ((كتابه)) عن الأوزاعي، عن هارون بن
رئاب، قال: قال ابن مسعود: إن الأرض لتزين للمصلى، فلا
يمسحها أحدكم، فإن كان ماسحها لامحالة فمرة مرة، ولأن
يدعها خير له من مائة ناقة للنقلة.
واعلم؛ أن مسح الحصى في الصَّلاة يكون على وجهين:
أحدهما: أن يكون عبثاً محضاً لغير وجه، فهذا مكروه؛ لأن
العبث في الصلاة مكروه، كما يكره ذلك في حال استماع
الخطبة.
وفي الحديث الصحيح: ((ومن مس الحصى فقد لغا)) .
فإن كانت الرخصة في المرة
(9/324)
الواحدة من هذا النوع، فيشبه أن يكون
معناه: أن المرة الواحدة تقع عن سهو وغفلة، والمعاود إنما
يكون عن تعمد وقصد، كما قالَ في نظر الفجأة: ((إن لك
الأولى، وليست لك الأخرى)) .
ويشهد لهذا: ما خرجه الإمام أحمد من رواية شرحبيل بن سعد،
عن جابر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
قال: ((لإن يمسك أحدكم يده عن الحصى خير له من مائة ناقة،
كلها سود الحدقة، فإن غلب أحدكم الشيطان فليمسح مسحة
واحدة)) .
وشرحبيل، مختلف في أمره.
ورأى سعيد بن المسيب رجلا يعبث بالحصى، فقال: لو خشع قلب
هذا لخشعت جوارحه.
الوجه الثاني: أن يكون عن حاجة إليه، مثل أن يشتد حر
الحصى، فيقلبه ليتمكن من وضع جبهته عليه في السجود، أو
يكون فيه ما يؤذيه
(9/325)
السجود عليه، فيصلحه ويزيله، فهذا يرخص فيه
بقدر ما يزول به الأذى عنه، ويكون ذلك مرة واحدة.
قال أحمد: لا بأس بتسوية الحصى إن اضطر.
وروى الأثرم بإسناده، عن ابن مسعود، أنه ركع، ثم سجد فسوى
الحصى، ثم تقبطه بيده.
وروى الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية، عن أبي سلمة،
عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسوى الحصى.
وهذا غريب جداً.
وقريب من هذا: ما خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من
حديث جابر، قال: كنت أصلي مع النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[الظهر] ، فأخذ قبضة من الحصى؛ لتبرد
في كفي اضعها لجبهتي اسجد عليها لشدة الحر.
وزعم أبو بكر الأثرم: أن الرخصة في المرة الواحدة ناسخة
للنهي المطلق.
وفيه نظر.
ومذهب مالك: يكره أن ينقل الحصى من موضع الظل إلى موضع
(9/326)
الشمس، فيسجد عليه، ولا يكره أن يسجد على
ثوبه في الحر.
واستدل بعض من قال: إنه لايرخص في الصلاة في أكثر من عمل
واحدة، كخطوة أو ضربة، بهذا الحديث.
وإنما يدل هذا الحديث على كراهة ما زاد على المرة الواحدة،
حيث كان لا يحتاج إلى الزيادة على ذلك، فإن تسوية الحصى
المقصود منه - غالباً – بمرة واحدة، وهذا خلاف ما يحتاج
منه إلى زيادة على المرة الواحدة، كالمشي والضرب ونحوهما،
وبذلك يجمع بين النصوص كلها في هذا الباب.
(9/327)
9 - باب
بسط الثوب في الصلاة للسجود
(9/328)
1208 - حدثنا مسدد: ثنا بشر: ثنا غالب، عن
بكر بن عبد الله، عن أنس بن
مالك، قال: كنا نصلي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في شدة الحر،، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن
وجهه من الأرض بسط ثوبه، فسجد عليه.
وقد خرجه - فيما تقدم - من هذا الوجه - أيضا - في ((أبواب
اللباس في
الصَّلاة)) ، وسبق الكلام هناك عليه مستوفى.
وإنما المقصود منه: أنه إذا شق عليه السجود على الأرض من
شدة حرها، جاز له أن يبسط ثوبه في صلاته في الأرض، ثم يسجد
عليه، ولا يكون هذا العمل في الصلاة مكروها؛ لأنه عمل يسير
لحاجة إليه؛ فإن السجود على الحصى الشديد حره يؤذي ويمنع
من كمال الخشوع في الصلاة، وهو مقصود الصلاة الأعظم.
(9/328)
10 - باب
ما يجوز من العمل في الصلاة
فيه حديثان:
الأول:
(9/329)
1209 - نا عبد الله بن مسلمة: نا مالك، عن
أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كنت أمد رجلي في
قبلة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهويصلي،
فإذا سجد غمزني فرفعتها، فإذا قام مددتها.
قد تقدم هذا الحديث في غير موضع.
والمقصود منه هاهنا: أن غمز المصلي امرأته النائمة بين
يديه في صلاته جائز.
وقد روي، أن غمزها كان برجله، وهذا عمل يسير في الصلاة؛
لحاجة إليه، وهو إخلاء موضع السجود؛ ليتمكن من السجود
فيهِ.
وقد كانَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يطيل السجود في صلاة الليل.
وقد تقدم ذكر ذلك كله.
وقولها: ((فإذا سجد غمزني)) يدل على أنه كان يتكرر ذلك منه
كلما سجد في كل ركعة، فكان يفعله في كل ركعة مرة عند
سجوده، ولم تكن تمدها حتى يقوم إلى الركعة الأخرى، فما دام
ساجداً او جالساً بين السجدتين فرجلاها مكفوفة، فإذا قام
وقرأ في الركعة الأخرى مدت
(9/329)
رجلها في قبلته حتى يسجد.
الحديث الثاني:
(9/330)
1210 - نا محمود –هو: ابن غيلان -: نا
شبابة: نا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه صلى صلاة، فقال:
((إن الشيطان عرض لي، فشد علي ليقطع الصلاة، فامكنني الله
منه، فذعته، ولقد هممت أن اوثقه إلى سارية حتى تصبحوا
فتنظروا إليه، فذكرت قول سليمان: {رَبِّ....هَبْ لِي
مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأحد مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] ، فرده
الله خاسئاً.
معنى ((دعته)) : دفعته دفعاً عنيفاً، ومنه قول تعالى:
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً}
[الطور:13] .
ويقال: ((دعته)) بالدال المهملة وبالذال المعجمة -: ذكره
في ((الجمهرة)) .
(9/330)
وفي بعض نسخ ((كتاب الصحيح)) :
قال النضر بن شميل: ((فذعته)) – [بالذال] – أي: خنقته، [و
((فدعته)) ] من قول الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ}
[الطور: 13] أي: يدفعون، والصواب: ((فدعته)) ، إلا أنه كذا
قال بتشديد العين والتاء.
وقال الخطابي: ((الذعت)) : شدة الخنق، ويقال: ذعت وسات إذا
خنق، انتهى.
(9/331)
ويقال: لاتصح رواية من رواه ((دعته))
بالدال المهملة وتشديد الدال، فإنه لو كان من الدع كان
أصله دعته، وتدغم العين في التاء.
وخرجه مسلم من طريق شعبة، بمعناه - أيضا.
وخرج الإمام أحمد بإسناد جيد، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول
الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فصلى صلاة
الصبح، فالتبست عليه القراءة، فلنا فرغ من الصلاة قال: ((
[لو] رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه حتى
وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها -،
ولولا دعوة أخي سليمان، لأصبح مربوطاً بسارية من سواري
المسجد يتلاعب به صبيان المدينة)) .
وفي هذا الحديث من العلم: أن دفع المؤذي في الصلاة جائز،
وإن لم يندفع إلا بعنف وشدة دفع جاز دفعه بذلك.
وقد سبق في دفع المار بين يدي المصلي، أنه ((إن أبى
فليقاتله؛ فإنه شيطان)) .
وهذا إذا كانَ أذاه يختص بالصلاة كالمار، والشيطان الملهي
عن الصَّلاة وكذلك إن كانَ أذاه لايختص بالصلاة كالحية
والعقرب.
(9/332)
وروى يحيى بن أبي كثير، عن ضمضم بن جوس، عن
أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
وقال: حسن صحيح.
وضمضم هذا، يمامي، قال أحمد: ليس به بأس، ووثقه ابن معين
والعجلي.
وأخذ أكثر العلماء بهذا الحديث، ورخصوا في قتل الحية
والعقرب في الصلاة، منهم: ابن عمر، والحسن، وهو قول أبي
حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وكرهه النخعي خاصة، ولعل السنة لم تبلغه في ذلك.
(9/333)
وقال سفيان: لابأس أن يقتل الرجل – يعني:
في صلاته – الحية والعقرب والزنبور والبعوضة والبق والقمل،
وكل ما يؤذيه.
وقد سبق القول في قتل القمل في الصلاة وفي المسجد في
((باب: دفن النخامة في المسجد)) وذكرنا هناك الاختلاف في
كراهة قتل القمل في المسجد ودفنه فيه، وإلقائه
فيه.
ومذهب مالك: أنه يقتلها في صلاته، بل إن كان في غير المسجد
ألقاها، وإن كان في المسجد لم يلقها فيه، ولم يقتلها.
وكذلك كره قتل القملة في الصلاة: الليث وأبو يوسف.
وقال الأوزاعي: تركه احب الي.
ولم يكرهه الحسن وأبو حنيفة ومحمد وإسحاق وأكثر أصحابنا.
وفي الحديث: دليل على إمكان ربط الشيطان وحبسه وإيثاقه،
وعلى جواز ربطه في المسجد، كما يربط الأسير فيه، وعلى جواز
رؤية غير الأنبياء للجن والشياطين، وتلاعب الصبيان بهم.
وأما قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ
مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] فإنه خرج على
الأعم الأغلب، وليس المراد به نفي إمكان رؤيتهم.
وقد ظن بعض الناس، أنه دال على ذلك، فقال: من ادعى رؤيتهم
[فسق] .
(9/334)
وقد رآهم أبو هريرة وغيره من الصحابة،
وستأتي الأحاديث بذلك متفرقة في أماكنها – إن شاء الله
تعالى.
(9/335)
11 - باب
إذا انفلتت الدابة في الصلاة
وقال قتادة: إن أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع الصلاة.
وروى عبد الرزاق في ((كتابه)) ، عن معمر، عن الحسن وقتادة،
في رجل كان يصلي، فأشفق أن تذهب دابته أو أغار عليها
السبع؟ قالا: ينصرف.
وعن معمر، عن قتادة، قالَ: سألته، قلت: الرجل يصلي فيرى
صبياً على بئر، يتخوف أن يسقط فيها، أفينصرف؟ قال: نعم.
قلت: فيرى سارقاً يريد أن يأخذ
نعليه؟ قال: ينصرف.
ومذهب سفيان: إذا عرض الشيء المتفاقم والرجل في الصلاة
ينصرف إليه.
رواه، عنه المعافى.
وكذلك إن خشي على ماشيته السيل، أو على دابته.
ومذهب مالك؛ من انفلتت دابته وهو يصلي مشى فيما قرب، إن
كانت بين يديه، أو عن يمينه أو عن يساره، وإن بعدت طلبها
وقطع الصَّلاة.
ومذهب أصحابنا: لو رأى غريقاً، أو حريقاً، أو صبيين
يقتتلان، ونحو
(9/336)
ذلك، وهو يقدر على إزالته قطع الصلاة
وأزاله.
ومنهم من قيده بالنافلة.
والأصح: أنه يعم الفرض وغيره.
وقال أحمد – فيمن كان يلازم غريماً له، فدخلا في الصلاة،
ثم فر الغريم وهو في الصلاة -: يخرج في طلبه.
وقال أحمد - أيضا -: إذا رأى صبياً يقع في بئر، يقطع صلاته
ويأخذه.
قال بعض أصحابنا: إنما يقطع صلاته إذا احتاج إلى عمل كثير
في أخذه، فإن كان العمل يسيراً لم تبطل به الصلاة.
وكذا قال أبو بكر في الذي خرج ورأى غريمه: إنه يعود ويبني
على صلاته.
وحمله القاضي على أنه كان يسيراً.
ويحتمل أن يقال: هو خائف على ماله، فيغتفر عمله، وإن كثر.
خرج البخاري في هذا الباب حديثين:
الأول - وهو موقوف -:
(9/337)
1211 - ثنا آدم: ثنا شعبة: ثنا الأزرق بن
قيس، قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينا أنا على حرف
نهر، إذا رجل يصلي، وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة
تنازعه، وجعل يتبعها – وقال شعبة: هو أبو برزة
(9/337)
الأسلمي -، فجعل رجل من الخوارج يقول:
اللهم، افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ، قال: إني سمعت
قولكم، وإني غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ست غزوات – أو سبع غزوات أو ثمانياً -، وشهدت
تيسيره، وإني إن كنت أرجع مع دابتي أحب الي من أن ادعها
ترجع إلى
مألفها، فيشق علي.
فهذا موقوف على أبي برزة، وفيه: ما يشعر [بتوبيخ] من رفع؛
لقوله: ((شهدت تسير النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -)) .
والمعنى: أنه شاهد من تيسيره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ما استدل به على أن هذا العمل في الصلاة غير
مضر بالصلاة.
وقد تقدم أن الإمام أحمد قالَ: إذا فعل في صلاته كفعل أبي
برزة فصلاته
جائزة.
ومتى كان يخاف من ذهاب دابته على نفسه، فحكمه حكم الخائف،
فلا يبطل عمله في الصلاة لتحصيل دابته، وإن كثر.
وقد خرج البخاري حديث أبي برزة في ((الأدب)) من ((صحيحه))
هذا، من طريق حماد بن زيد، عن الأزرق، به، وفي حديثه:
فانطلقت الفرس،
(9/338)
فخلى صلاته واتبعها، حتى أدركها، فأخذها،
ثم جاء فقضى صلاته.
والظاهر: أن المراد بترك صلاته ترك العمل فيها، اشتغالا
بطلب الفرس، ثم جاء فبنى على مامضى من صلاته.
الثاني:
(9/339)
1212 - نا محمد بن مقاتل: نا عبد الله: أنا
يونس، عن الزهري، عن عروة، قال: قالت عائشة: خسفت الشمس،
فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأ
سورة طويلة، ثم ركع فأطال، ثم رفع رأسه، ثم استفتح سورة
أخرى، ثم ركع حين قضاها وسجد، ثم فعل ذلك في الثانية، ثم
قال: ((إنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا
حتى يفرج عنكم، لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته، حتى
لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة، حين رأيتموني
أتقدم، ولقد رأيت جهنم، يحطم
(9/339)
بعضها بعضاً، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت
فيها عمرو بن لحي، وهو الذي سيب السوائب)) .
في هذا السياق: ما يستدل به على أنه لم يقرإ الفاتحة في
قيامه الثاني من كل
ركعة.
وفيه: أن الناس في حال الكسوف في كربة وشدة تحتاج إلى
التفريج.
وفيه: أنه تقدم وتأخر في صلاته، وأنه أخبر أن سبب تقدمه
أنه أراد أن يأخذ قطفاً من الجنة، وأن سبب تأخره قرب جهنم
فتباعد عنها.
وقد سبق القول في المشي في الصلاة والتقدم والتأخر.
وأما تناول القطف من الجنة، فليس هو من عمل الدنيا، حتى
يستدل به على تناول الحاجات في الصلاة، وإنما هو من أمور
الآخرة، وكذلك الاشتغال بالنظر إليه في الصلاة، وقد سبق
ذكر هذا المعنى.
ولكن في ((مصنف عبد الرزاق)) عن ابن جريج، عن إسماعيل بن
أمية، أن إنساناً قدم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بهدية، فأخذها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهو في الصلاة.
وهذا مرسل.
(9/340)
12 - باب ما يجوز من البصاق والنفخ في
الصلاة
ويذكر عن عبد الله بن عمرو: نفخ النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سجوده في الكسوف.
حديث عبد الله بن عمرو هذا، هو من رواية عطاء بن السائب،
عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو هذا، قال: انكسفت الشمس على
عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الصلاة
- فذكر الحديث إلى أن قال -: فجعل ينفخ في آخر سجوده من
الركعة الثانية، ويبكي ويقول: ((لم تعدني هذا وأنا فيهم،
لم تعدني هذا ونحن نستغفرك)) - وذكر باقي الحديث.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان
في
((صحيحهما)) .
(9/341)
وعطاء بن السائب، ثقة، تغير بآخرة.
وخرج الإمام أحمد من حديث مجالد، عن الشعبي، عن المغيرة بن
شعبة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان
في الصلاة، فجعل ينفخ بين يديه، ثم مد يده كأنه يتناول
شيئاً، فلما انصرف قال: ((إن النار أدنيت مني، حتى نفخت
حرها عن وجهي)) .
ومجالد، فيه ضعيف.
خرج في هذا الباب حديثين:
الأول:
(9/342)
1213 - ثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد، عن
أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيظ على
أهل المسجد، وقال: ((إن الله قبل أحدكم إذا كان في صلاته،
فلا يبزقن)) – أو قال: ((لايتخمن)) -، ثم نزل فحتها بيده.
وقال ابن عمر: إذا بزق أحدكم فليبزق عن يساره.
(9/342)
وقد خرجه في ((أبواب القبلة)) من حديث
مالك، عن نافع – مختصراً.
الثاني:
(9/343)
1214 - حدثنا محمد: ثنا غندر: ثنا شعبة،
قال: سمعت قتادة، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((إذا كان أحدكم في الصلاة،
فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن
عن شماله، تحت قدمه اليسرى)) .
وقد خرجه – فيما تقدم -، عن آدم، عن شعبة.
ومقصوده: الاستدلال بإباحة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - البزاق والتنخم في الصلاة، على أن النفخ ونحوه
كالنحنحة لايبطل الصلاة؛ لأن للتنخم صوتاً كالتنحنح، وربما
كانَ معه نوع من النفخ عندَ القذف بالنخامة.
وقد سبق أن ابن عبد البر ذكر مثل ذلك.
وقد اختلف العلماء في النفخ في الصلاة: هل هو كلام يبطلها
إذا تعمده، أم لا؟
فقالَ طائفة: هوَ كلام.
قال ابن المنذر: كرهه ابن مسعود وابن عباس.
وروي عن ابن
(9/343)
عباس وأبي هريرة، أنه بمنزلة الكلام، ولا
يثبت عنهما.
كذا قال، وليس كما قال، فقد روى الأعمش والحسن بن عبيد
الله أبو عروة النخعي – وهو ثقة خرج له مسلم – كلاهما، عن
أبي الضحى، عن ابن عباس، قال: النفخ في الصلاة كلام.
وقد خرجه وكيع في ((كتابه)) والإمام أحمد في رواية ابنه
عبد الله، عنه في
((مسائله)) .
وفي رواية له: النفخ في الصلاة يقطع الصلاة.
وخرجه الجوزجاني، وعنده: النفخ في الصلاة أخشى أن يكون
كلاماً.
وأما المروي عن أبي هريرة، فمن طريق قيس، عن أبي حصين، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: النفخ في الصلاة كلام.
خرجه عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه في ((مسائله)) .
وقيس، هو: ابن الربيع.
(9/344)
وروي عن النخعي، أنه قال: هو كلام.
وروي عنه -[أيضا]-، قال: إنما كانوا يكرهونه في الصلاة
مخافة أن يؤذي الرجل جليسه.
وعن سعيد بن جبير، قال: هو بمنزلة الكلام.
وممن رأى أنه بمنزلة الكلام في إبطال الصلاة: أبو حنيفة
ومحمد بن الحسن والثوري والشافعي وأصحابه وأحمد – في رواية
– وابن القاسم المالكي، وعن أبي يوسف روايتان:
أحداهما: أن أراد به التافيف فهو كلام.
والثانية: ليس بكلام بكل حال، وهي التي رجع إليها.
وكرهه ابن سيرين ويحيى بن [أبي كثير] ، من غير إفساد
الصلاة به.
وهو قول مالك وأحمد –في رواية - وإسحاق وسليمان بن داود
الهاشمي وأبي خيثمة.
وقال أحمد –مرة -: أخشى أن يكون قد فسدت صلاته؛ يروى عن
ابن عباس: من نفخ في صلاته فقد تكلم.
(9/345)
فحكى أكثر أصحابنا المتقدمين عن أحمد في
ذلك روايتين.
وأما القاضي أبو يعلى وأصحابه، فنزلوهما على حالين، قالوا:
إن بأن منه حرفان فهو كلام مبطل الصلاة، وإلا فلا.
ولايعرف هذا التفصيل عن أحمد، ولاعن غيره ممن تقدم، سوى
الشافعي وأصحابه، وهو قول أبي ثور.
واستدلوا بأن الكلام عند العرب ما دل على معنى، وأقله
حرفان.
ولكن الكلام المقصود يدل على معناه الموضوع له بالوضع،
ودلالة النفخ والتأوه ونحو ذلك إنما هوَ بالطبع لا بالوضع،
فليس في شيء من ذَلِكَ حروف موضوعة للدلالة على معنى خاص.
وقال الحسن: إذا رأيت ما يريبك - يعني في الصَّلاة -
فانفخ.
وهذا يدل على اباحته للحاجه إليه.
وروي - أيضا - مثله عن بعض الصحابة. وفي الباب: حديث
مرفوع، عن أم سلمة، اختلف في إسناده ولفظه: فروي عنبسه بن
الأزهر، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن أم سلمة، قالت: مر
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغلام لهم وهو
يصلي فنفخ في سجوده، فقالَ: ((لاتنفخ؛ إن من نفخ فقد
تكلم)) خرجه النسائي. وهو مما تفرد به عنبسة هذا.
وقد قال فيه ابن
(9/346)
معين وأبو داود وأبو حاتم: لابأس به.
لكن قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وذكره ابن حبان في ((ثقاته)) ، وقال: كان يخطىء.
وخرج الترمذي من حديث ميمون أبي حمزة، عن أبي صالح، عن أم
سلمة، قالت: رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- غلاما لنا، يقال له: أفلح، إذا سجد نفخ، فقال له:
((أفلح، ترّب وجهك)) .
وقال: إسناده ليس بذاك، وميمون أبو حمزة، ضعفه أهل العلم.
وخرجه الإمام أحمد – أيضا.
وميمون الأعور أبو حمزة، قال أحمد: متروك.
ولكنه توبع عليهِ:
فخرجه الإمام أحمد من طريق سعيد أبي عثمان الوراق، عن أبي
صالح، قال: دخلت على أم سلمة – فذكرالحديث مرفوعا، وفيه:
((ترب وجهك لله)) .
(9/347)
وخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) من طريق عدي
بن عبد الرحمن، عن داود بن أبي هند، عن أبي صالح مولى آل
طلحة بن عبيد الله، قال: كنت عند أم سلمة –فذكر الحديث.
كذا في الرواية: ((أبو صالح مولى آل طلحة)) ، وجاء في
رواية، أنه: ((مولى أم سلمة)) .
قال أبو زرعة الدمشقي في ((تاريخه)) : أبو صالح مولى أم
سلمة، يحدث عنها في كراهة نفخ التراب في السجود، اسمه:
زاذان. انتهى.
وهو مع هذا غير مشهور.
والحديث بهذا اللفظ: يدل على أن النفخ ليس بكلام، وإنما
يكره نفخ التراب عن موضع السجود؛ لأنه يمنع تتريب الجبهة
في السجود، والأفضل للساجد أن يترب وجهه لله، ولهذا كانَ
سجوده على التراب افضل من سجوده على حائل بينه وبين
التراب.
وفي كراهة النفخ في الصلاة أحاديث أخر مرفوعة، لا تصح.
وقد سبق في ((باب: من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى)) في
ذلك حديث مرفوع، من رواية بريدة، وبيان علته.
(9/348)
13 - باب
من صفق جاهلاً من الرجال في صلاته
لم تفسد صلاته
لم يخرج فيه شيئاً.
وفيه: حديث سهل بن سعد وقد خرجه فيما تقدم.
ومجرد التصفيق ليس مما يبطل الصلاة، إنما يبطل الإكثار
منه.
وفي الحديث: أنهم أكثروا التصفيق حتى التفت أبو بكر، ولم
يكونوا يعلمون أن التصفيق
منهى عنه الرجال في الصلاة.
(9/349)
14 - باب
إذا قيل للمصلي: تقدم أو انتظر، [فانتظر]
فلا بأس
(9/350)
1215 - حدثنا محمد بن كثير: نا سفيان، عن
أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: كانوا يصلون مع النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم عاقدوا أزرهم من
الصغر على رقابهم، فقيل للنساء: ((لاترفعن رءوسكن حتى
يستوي الرجال جلوساً)) .
الظاهر: أن البخاري حمل الحديث على أن النساء قيل لهن ذلك
في نفس الصلاة.
وقد أنكر ذلك الإسماعيلي، وقال: إنما تقدم إليهم بذلك قبل
الصلاة؛ لما علم من ضيق أزر الرجال، فليس الحديث مما ترجم
عليهِ.
قلت: ولو خرج في الباب إشارة النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته إلى الذين صلوا وراءه
قياماً - وكان هو قاعداً -: أن اجلسوا، إذ أشار به لأبي
بكر، وهو يصلي بالناس، أن اثبت مكانك، في حديث مرضه؛ وفي
حديث اصلاحه بين بني عوف، لكان دليلاً على ما بوب عليهِ.
(9/350)
وحاصل الأمر: أن أمر المصلي بما فيهِ مصلحة
لصلاته غير مكروه، وأما أمره بما ليس من الصَّلاة فيكره.
ذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: قال إنسان لعطاء:
يأتيني إنسان وأنا في المكتوبة، فيخبرني الخبر، فأستمع
إليه؟ قالَ: ما أحبه، وأخشى أن يكون سهواً، إنما هي
المكتوبه، فتفرغ لها حتَّى تفرغ منها.
قال: فقلت لعطاء: أفتكره كل شيء من الإيماء في المكتوبة،
حتى إن مر بي إنسان وأنا في المكتوبة، [إذا جاء رجل] ،
فقال: صليت الصلاة، كرهت أن أشير إليه برأسي؟ قالَ: نعم،
أكره كل شيء من ذَلِكَ.
فقيل له: أفعل ذلك في التطوع؟ قالَ: إن كانَ شيء لابد منه،
وأحب أن لايفعل.
وسيأتي ذكر إشارة المصلي والسلام عليهِ – إن شاء الله
تعالى.
وقد بوب البخاري – فيما بعد -: ((باب: إذا كُلّم وهو يصلي
فأشار بيده، أو
يستمع)) ، وسيأتي في موضعه – إن شاء الله تعالى.
وروى عبد الرزاق في ((كتابه)) ، عن معمر، عن ثابت البناني،
عن أبي رافع، قال: رأيت أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن أحدهم ليشهد على الشهادة وهو
قائم
يصلي.
(9/351)
15 - باب
لا يرد السلام في الصلاة
فيه حديثان:
الأول:
(9/352)
1216 - حدثنا عبد الله بن أبي شيبة: ثنا
ابن فضيل، عن الأعمش، عن
إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنت أسلم علي النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الصلاة، فيرد
علي، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمت عليه، فلم يرد علي،
وقال: ((إن في الصلاة لشغلا)) .
قد سبق هذا الحديث، مع الكلام على إسناده.
والمقصود منه في هذا الباب: أن المصلي لا يرد السلام على
من سلم عليه؛ لاشتغاله بما هوَ فيهِ من الإقبال على مناجاة
الله عز وجل، فلا ينبغي لهُ أن يتشاغل بغيره، ما دام بين
يديه.
الثاني:
(9/352)
1217 – ثنا أبو معمر: ثنا عبد الوارث: ثنا
كثير بن شنظير، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر، قال: بعثني
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حاجة له،
فانطقت، ثم رجعت وقد
قضيتها، فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فسلمت عليه، فلم يرد علي، فوقع في قلبي ما الله أعلم به،
فقلت في نفسي: لعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وجد علي أني أبطات عليه، ثم سلمت عليه، فلم
يرد علي، فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى، ثم سلمت عليه،
فرد علي، فقال: ((إنما منعني أن أرد عليك، أني كنت أصلي))
، وكان على راحلته متوجها إلى غير القبلة.
وقد دل هذان الحديثان على مسائل:
منها:
أن المصلي إذا سلم عليه في الصلاة، لم يرد السلام بقوله،
وهذا قول جمهور أهل العلم.
وذهب طائفة إلى أنه يجوز أن يرد السلام بقوله، روي ذلك عن
أبي هريرة.
وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وقتادة.
وقال عطاء: يرد عليه إذا كان جالسا في التشهد الأخير.
وهذا مبني على قوله: إن المصلي يخرج من صلاته بدون السلام،
كما سبق.
(9/353)
وقد نقل يونس بن عبد الأعلى، عن الشافعي:
أن المصلي يشمت العاطس، يقول له: يرحمك الله.
وقال: هو دعاء له؛ وقد دعا النَّبيّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته لقوم، ودعا على آخرين.
وقياس هذا: أنه يرد عليهِ السلام؛ لأنه دعاء لهُ –أيضا.
ولا يقال: الدعاء لمعين لايكون إلا على وجهة الخطاب لهُ؛
فإنه قد ورد ذلك على وجه الخطاب للمعين، كما يقول المصلي
في تشهده: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته))
.
وفي ((صحيح مسلم)) ، عن أبي الدرداء، أن النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في صلاته للشيطان الذي
تفلت عليه: ((أعوذ بالله منك، ألعنك بلعنة الله)) – ثلاثا.
ومتى كان رد السلام بدون لفظ الخطاب، مثل أن يقول: ((عليه
السلام)) أو
((يرحمه الله)) لم تبطل الصلاة به عند الشافعية وغيرهم،
كالدعاء لمعين في الصلاة.
وقد سبق ذكره والاختلاف فيه.
والصحيح: الأول؛ لأن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - امتنع من رد السلام في الصَّلاة، وعلل بأنه
يصلي، فدل على أن الصَّلاة تمنع من ذَلِكَ.
وقد نهى معاوية بن الحكم عن تشميت العاطس، وقال له: ((إن
صلاتنا هذه لايصلح فيها
(9/354)
شيء من كلام الآدميين)) .
وأما السلام على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، فمخصوص من بين الناس؛ لأن خطابه في الصَّلاة لم يكن
مبطلا، كما سبق ذكره.
ومنها:
أن المصلي لايرد على المسلم في صلاته بالإشارة، ولا بعد
سلامه.
فإنه ليس في حديث ابن مسعود، أنه رد عليه بالكلية، ولا في
حديث جابر، أنه رد عليهِ بعد سلامه، إلا لما سلم عليه
حينئذ.
وقد اختلف العلماء في رد المصلي للسلام عليه.
فقالت طائفة: يرد في الصلاة بالإشارة، روي عن ابن عمر.
وروي عن ابن مسعود من وجه منقطع.
[و] هو قول مالك والحسن بن حي والشافعي وأحمد وإسحاق.
وروي عن ابن عباس، أنه رد على من سلم عليهِ في صلاته، وقبض
على يده.
وعن أحمد، أنه يرد بالإشارة في النفل، دون الفرض.
وحكي عنه
(9/355)
رواية أخرى: لا يرد في نفل ولا فرض، بإشارة
ولا غيرها.
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وعلى هذا: فالسلام لايجب رده بحال؛ لأنه مكروه، كما سيأتي
ذكره، فلا يستحق رداً.
وقال طائفة: يرد إذا سلم من الصلاة، وهو قول عطاء والنخعي
والثوري.
قال النخعي: إن كان قريباً يرد، وإن كان قد ذهب فأتبعه
السلام.
وقال إسحاق: هو مخير بين أن يفعل به – كما قال النخعي -،
وبين أن يرد في الصلاة بالإشارة.
وقال أصحابنا: هو مخير بين الرد بالإشارة في الصلاة،
والتأخير حتى يسلم، والأول أفضل.
قالوا: لأن للتأخير آفات، منها: النسيان، ومنها: ذهاب
المسلم.
وظاهر هذا: أنه إن أخر الرد حتى سلم، وكان المسلم قد مضى
لم يرد عليه.
واستدل من قال: لايرد بإشارة ولا غيرها، لافي الصلاة ولا
بعدها، بحديث ابن مسعود؛ فإن ظاهره: أنه لم يرد عليهِ في
الصَّلاة، ولا بعدها.
واستدل من قالَ: يؤخر الرد، بما روى عاصم، عن أبي وائل، عن
(9/356)
ابن مسعود، أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد عليهِ السلام بعد السلام.
خرجه أحمد وأبو داود.
وعاصم، هو: ابن أبي النجود، وليسي بذاك الحافظ.
وخرجه أبو يعلى الموصلي، من وجه آخر منقطع.
وخرجه عبد الرزاق في ((كتابه)) من وجه آخر منقطع – أيضا.
واستدل من قال: يرد في صلاته بالإشارة، بما روى محمد بن
الصلت التوزي: ثنا عبد الله بن رجاء، عن هشام بن حسان، عن
(9/357)
محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن ابن
مسعود، قال: لما قدمت من الحبشة، أتيت النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو يصلي، فسلمت عليه، فأشار
إلي.
خرجه الطبراني وغيره.
وقد أنكر ابن المديني وصله بذكر أبي هريرة، وقال: إنما هو
عن ابن سيرين، أن ابن مسعود.
يعني: أنه مرسل.
وكذا رواه وكيع في ((كتابه)) ، عن ابن عون، عن ابن سيرين،
قال: لما قدم عبد الله من الحبشة، أتى النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي، فسلم عليه، فأومأ
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأشار برأسه –
بنحوه، وقال فيه: فأومأ برأسه، أو قال: فأشار برأسه.
وخرجه أبو داود في ((مراسيله)) من طريق حماد بن زيد، عن
أيوب، عن ابن سيرين.
وخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين مرسلا –
أيضا -، ولكن قال في حديثه: فلم يرد عليه حتى انفتل. وقال:
((إن في الصلاة لشغلاً)) .
وخرج مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر، قال: إن النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(9/358)
بعثني لحاجة، ثم أدركته وهو يسير – وفي
رواية له: [يصلي]-، فسلمت عليه، فأشار إلي، فلما فرغ
دعاني، فقال: ((إنك سلمت علي آنفاً، وأنا أصلي)) ، وهو
موجه حينئذ قبل المشرق.
ويحتمل أنه إنما أشار إليه ليكف عن كلامه حينئذ، لم يكن
رداً للسلام؛ ولهذا قالَ جابر: فلم يرد علي، وذكر أنه وجد
في نفسه ما الله به عليم، ولو علم أنه رد عليهِ بالإشارة
لم يجد في نفسه.
وفي رواية للنسائي: سلمت عليه، فأشار بيده، ثم سلمت فأشار
بيده، فانصرفت، فناداني: ((ياجابر)) ، فأتيته، فقلت: يا
رسول الله، أني سلمت عليك، فلم ترد علي؟ فقالَ: ((إني كنت
أصلي)) .
ولو كانت إشارته رداً، لقال: قد رددت عليك.
وفي رواية لمسلم: أرسلني رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو منطلق إلى بني المصطلق، فأتيته
وهو يصلي على بعيره، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته، فقال لي
هكذا –وأنا أسمعه
يقرأ، يومئ برأسه -، فلما فرغ قال: ((إنه لم يمنعني أن
أكلمك إلا أني كنت أصلي)) .
فهذه الرواية: تدل علي أن إيماءه إليه إنما كان ليكف عن
كلامه في تلك الحال.
واستدل من قال: يرد إشارة، بما روى نابل – صاحب العباء -،
عن
(9/359)
ابن عمر، عن صهيب قال: مررت برسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي، فسلمت عليه،
فرد علي إشارة.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وحسنه.
وقال: يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد.
ونابل، قال ابن المديني ويعقوب بن شيبة: هو مديني ليس
بالمشهور.
وسئل الدارقطني: أثقة هو؟ فأشار برأسه، أن لا.
وخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه من رواية زيد بن
أسلم، عن ابن عمر، عن صهيب، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – معناه.
وقد قيل: إن زيدا لم يسمعه من ابن عمر، وقد سئل عن ذلك
فقال: أما أنا فقد كلمته وكلمني، ولم أقل: سمعته.
وممن قال: لم يسمعه من ابن عمر: ابن المديني ويعقوب بن
شيبة.
(9/360)
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي –
نحوه من حديث هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، عن بلال،
عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد تكلم فيه ابن المديني ويعقوب بن شيبة؛ لتفرد هشام بن
سعد به، وليس بالحافظ جداً.
وروى الليث: حدثني ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن
يسار، عن أبي سعيد الخدري، أن رجلا سلم على النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة، فرد عليه النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إشارة، فلما سلم قال: ((قد كنا نرد السلام في الصلاة،
فنهينا عن ذلك)) .
خرجه الجوزجاني والطبراني والبزار في ((مسنده)) .
وعندي؛ أن هذا يعلل برواية ابن عيينة وغيره، عن زيد بن
أسلم، عن ابن
عمر، عن صهيب، كما تقدم.
وابن عجلان ليس بذاك
(9/361)
الحافظ.
وروى قيس بن سعد، عن عطاء، عن محمد بن علي، عن عمار، أنه
سلم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وهو يصلي، فرد عليهِ.
خرجه النسائي في ((باب: رد السلام بالإشارة)) .
وخرجه الإمام أحمد، من طريق حماد بن سلمة، عن أبي الزبير،
عن محمد بن علي - هو: ابن الحنفية -، عن عمار – فذكره.
وخرجه البزار في ((مسنده)) ، وعنده: ((فرد عليه إشارة)) .
وحمله ابن عيينة، على أنه رد عليه بالقول قبل تحريم
الكلام، وأن رده انتسخ.
ونقل ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين، أنه قال: هذا الحديث
خطأ.
ورواه ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي، أن
عماراً سلم على النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
وهذه الرواية مرسلة، وهي أصح.
وكذا رواه عبد الرزاق في ((كتابه)) ، عن ابن جريج، عن
عطاء، عن
(9/362)
محمد بن علي بن حسين – مرسلاً.
قال ابن جريج: ثم لقيت محمد بن علي بن حسين، فحدثني به.
فتبين بهذا: أن محمد بن علي الذي روى هذا الحديث عن عمار
هو أبو جعفر الباقر، وليس هو ابن الحنفية، كما ظنه بعضهم.
وقول ابن معين: إنه خطأ، يشير إلى من قال: ((عن ابن
الحنفية)) هو خطأ.
وأما رواية أبي الزبير، عن محمد بن علي: ((هو: ابن
الحنفية)) ، فهو ظن من بعض الرواة، فلا نحكم به.
وروايات حماد بن سلمة، عن أبي الزبير غير قوية.
ولعل أبا الزبير رواه عن أبي جعفر – أيضا -، أو عن عطاء،
عنه ودلسه.
أو لعل حماد بن سلمة أراد حديث أبي الزبير، عن جابر، أنه
سلم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو
صلي، فأشار إليه.
ومنها:
أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينه من
سلم عليهِ في الصلاة عن السلام عليه.
واستدل بذلك من قال: إنه لا يكره السلام على المصلي، وهو
قول ابن عمر ومالك وأحمد وإسحاق – في رواية عنهم – ومروان
بن محمد الدمشقي.
وقالت طائفة: يكره، وهو قول جابر بن عبد الله وعطاء
والشعبي، الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق – في رواية عنهم.
(9/363)
واستدلوا بقوله لابن مسعود: ((إن في الصلاة
شغلا)) ؛ فإن في ذَلِكَ إشارة إلى كراهة السلام عيله؛
ولأنه ينشغل [....] المصلي، وربما سهى بسببه فبادر الرد
عليهِ.
ومن أصحابنا المتأخرين من قالَ: إن كانَ المصلي عالماً،
يفهم كيف يرد عليهِ، لم يكره السلام عليهِ، وإلا كره.
فمن قال: إنه لا يكره السلام على المصلي، فمقتضى قوله: إنه
لايستحق
جواباً، ولا يجب الرد عليه.
ومن قال: لايكره، فمنهم من قال: لايستحق جواباً، وإنما
يستحب الرد في الحال بالإشارة، وهو قول الشافعية.
وحكى أصحابنا في وجوب الرد روايتين مطلقاً.
(9/364)
16 - باب
رفع الايدي في الصلاة لأمر ينزل به
(9/365)
1218 - حدثنا قتيبة: حدثنا عبد العزيز، عن
أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: بلغ رسول الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن بني عمرو بن عوف بقباء، كان
بينهم شيء، فخرج يصلح بينهم في أناس من أصحابه.
فذكر الحديث بطوله، وفيه:
أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشار إلى
أبي بكر يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله، ثم
رجع القهقرى وراءه، حتى قام في الصف، وتقدم رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي للناس، فلما فرغ
أقبل علي الناس، فقال: ((ياأيها الناس، مالكم حين نابكم
شيء في الصلاة أخذتم في التصفيح؟ إنما التصفيح للنساء، من
نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله)) ، ثُمَّ التفت إلى
أبي بكر، فقالَ: ((يا أبا بكر، ما منعك أن تصلي بالناس حين
أشرت إليك؟)) ، فقال أبو بكر الصديق:
(9/365)
ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين
يدي النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
في الحديث: دليل على جواز رفع الأيدي في الصلاة لمن تجددت
له نعمة، فيحمد الله عليها رافعاً يديه؛ فإن هذا فعله أبو
بكر بحضرة النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
ولم ينكره، مع أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أنكر على الناس التصفيح، وأمرهم بإبداله بالتسبيح، وسأل
أبا بكر: ((ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك؟)) ولم
ينكر عليهِ ما فعله.
وفي رواية، خرجها الإمام أحمد في هذا الحديث، أن النَّبيّ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لأبي بكر: ((لم
رفعت يديك؟)) قالَ: رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت
منك – وذكر الحديث.
وقد سبق الكلام على أن من تجددت لهُ نعمة في الصَّلاة: هل
يحمد الله عليها؟ وأن عبيد الله العنبري استحسنه، وغيره
جوزه، وخلاف من خالف في ذلك؛ فإن البخاري بوب على ذلك فيما
سبق.
ومراد بهذا الباب: زيادة استحباب رفع الأيدي عند الثناء
على الله في الصلاة.
ويعضده: ما خرجه مسلم في ((صحيحه)) من حديث عبد الرحمن بن
سمرة، قال: كنت بأسهم لي بالمدينة في حياة النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ كسفت الشمس فنبذتها، فقلت:
والله، لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كسوف الشمس. قال: فأتيته وهو قائم
في الصلاة، رافعاً يديه،
(9/366)
فجعل يسبح ويهلل ويكبر، ويدعو حتى حسر
عنها، فلما حسر عنها قرأ سورتين، وصلى ركعتين.
ويستدل بهذا القول من قال: إنه يرفع يديه في القنوت في
الصلاة، وهو قول النخعي والثوري وأحمد وإسحاق ومالك
والأوزاعي – في رواية عنهما.
وهو الصحيح عند أكثر أصحاب الشافعي.
ومنهم من قال: يرفعهما أولا لتكبير القنوت، ثم يرسلهما،
وهو قول أبي حنيفة والليث بن سعد والحسن بن حي.
وقالت طائفة: لايرفعهما أصلاً.
وروي رفع اليدين في القنوت عن عمر وابن مسعود وابن عباس
وأبي هريرة.
وخرج الإمام أحمد من حديث أنس، في حديث القراء السبعين
الذين قتلهم حي من بني سليم، قال: فما رأيت النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجد على شيء قط وجده عليهم،
فلقد رأيته كلما صلى الغداة رفع يديه فدعا عليهم.
وإنما كان يدعو عليهم في قنوت الفجر بعد الركوع، كما سبق
ذلك صريحاً عن أنس. والله أعلم.
(9/367)
17 - باب
الخصر في الصلاة
(9/368)
1219 - حدثنا أبو النعمان: ثنا حماد، عن
أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: نهي عن الخصر في
الصلاة.
(9/368)
1220 - حدثنا عمرو بن علي: حدثنا يحيى: نا
هشام: ثنا محمد، عن أبي هريرة، قال: نهي أن يصلي الرجل
مختصرا. وقال هشام وأبو هلال، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة،
قال: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
حاصل ما ذكره في هذا الباب: أن هذا الحديث اختلف في لفظه
على ابن سيرين:
فرواه أيوب، عنه، عن أبي هريرة، قال: ((نهي)) .
ثم خرجه من طريق يحيى القطان، عن هشام، عنه كذلك.
ثم قال: وقال هشام وأبو هلال، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة:
نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – فصرحا
برفعه.
وقد أشكل هذا على بعضهم، فقال: كيف يخرجه من طريق هشام [
... ] .
ثم يذكر أن هشاما صرح فيه بذكرالنبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
وقال بعضهم: إن الحديث في رواية أبي ذر الهروي، من طريق
(9/368)
يحيى، عن هشام – مرفوعا، وأنه الصواب.
وهذا هو عين الخطأ؛ فإن يحيى إنما رواه عن هشام بلفظ
((نهي)) .
وإنما مراد البخاري: أن هشاما اختلف عليهِ في ذكر النَّبيّ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرجه من طريق
القطان، عنه بلفظة: ((نهي)) ، ثُمَّ ذكر أنه روي مصرحا
برفعه.
وكذا ذكره الدارقطني في ((علله)) : أن هشاما اختلف عليه
فيه، فرواه جماعة
عنه، وقالوا: نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، منهم: زائدة وعبد الوهاب الثقفي وجرير بن عبد الحميد
وغيرهم.
وقال الثوري والقطان وحفص بن غياث وأسباط بن محمد ويزيد بن
هارون وحماد بن زيد، عن هشام: ((نهي)) ، ولم يصرحوا برفعه.
إلا أن في رواية أسباط: ((نهينا)) ، وهذا كالتصريح.
ورواه أيوب وأشعث بن عبد الملك، عن محمد، عن أبي هريرة.
قال: وراوه عمران بن خالد، عن ابن سيرين. عن أبي هريرة، عن
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وكذا روي عن أبي جعفر الرازي، عن قتادة، عن ابن سيرين.
قال الدارقطني: وقد تقدم قولنا في أن ابن سيرين من تورعه
وتوقيه، تارة يصرح بالرفع، وتارة يوميء، وتارة يتوقف، على
حسب نشاطه في الحال انتهى.
(9/369)
ولم يذكر رواية أبي هلال، عن ابن سيرين،
المصرحة بالرفع، التي علقها البخاري.
وخرج هذا الحديث مسلم في ((صحيحه)) من رواية أبي خالد وأبي
أسامة وابن المبارك – جميعا –، عن هشام، مصرحا برفعه عن
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أنه نهى] أن
يصلي الرجل مختصراً.
وخرج ابن حبان في ((صحيحه)) من طريق عيسى بن يونس، عن
هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، أن النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((الاختصار في الصلاة راحة أهل
النار)) .
وقال: يعني: أنه فعل اليهود والنصارى، وهم أهل النار.
كذا خرجه؛ وإنما رواه عيسى بن يونس، عن عبيد الله بن
الأزور، عن هشام بهذا اللفظ.
(9/370)
وكذا خرجه الطبراني والعقيلي من رواية عيسى
بن يونس، عنه وقال العقيلي: لايتابع عبيد الله بن الأزور
على لفظه.
و ((الاختصار)) ، فسره الأكثرون بوضع اليد على الخاصرة في
الصلاة، وبذلك فسره الترمذي في ((جامعه)) ، وعليه يدل
تبويب النسائي.
وروى الإمام أحمد في ((مسنده)) عن يزيد بن هارون، عن هشام،
عن محمد، عن أبي هريرة، قال: نهي عن الاختصار في الصلاة.
قلنا لهشام: ما الاختصار؟ قالَ: يضع يده على خصره وهو
يصلي. قالَ يزيد: قلنا لهشام: ذكره عن النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قالَ برأسه – أي: نعم.
وبهذا التفسير فسره جمهور أهل اللغة، وأهل غريب الحديث،
وعامة المحدثين والفقهاء، وهو الصحيح الذي عليه الجمهور.
وقد قيل: إنه إنما نهى عنه؛ لأنه فعل المتكبرين، فلا يليق
بالصلاة.
(9/371)
وقيل: إنه فعل اليهود.
وقيل: فعل الشيطان.
فلذلك كرهه بعضهم في الصلاة وغيرها.
قد خرج البخاري في ((كتابه)) هذا في ((ذكر بني إسرائيل)) ،
من رواية
مسروق، عن عائشة، أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته،
وتقول: إن اليهود تفعله.
وخرجه سعيد بن منصور في ((سننه)) ، ولفظه: أن عائشة كانت
تكره الاختصار في الصلاة، وتقول: لاتشبهوا باليهود.
وخرجه عبد الرزاق، ولفظه: إن عائشة نهت أن يجعل الرجل
أصابعه في خاصرته في الصلاة، كما تصنع اليهود.
وروي عن عائشة، أنها قالت: هكذا أهل النار.
وعن ابن عباس، قال: إن الشيطان يحضر ذلك.
وعن مجاهد، قال: هو استراحة أهل النار في النار.
خرجه كله وكيع بن الجراح، وعنه ابن أبي شيبة.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده، عن حميد الهلالي، قال: إنما
كره
(9/372)
الخصر في الصلاة أن إبليس أهبط مختصراً.
وروى صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: إذا قام أحدكم
إلى الصلاة، فلا يجعل يديه في خاصرته؛ فإن الشيطان يحضر
ذَلِكَ.
خرجه عبد الرزاق.
وروى سعيد بن زياد الشيباني، عن زياد بن صبيح، قال: صليت
جنب ابن
عمر، فوضعت يدي على خصري، فقال لي هكذا – ضربه بيده -،
فلما صليت قلت: يا أبا عبد الرحمن، مارابك مني؟ قالَ: إن
هذا الصلب، وأن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نهانا عنه.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وزياد بن صبيح –ويقال: ابن صباح – الحنفي، وثقه ابن معين
والنسائي
وغيرهما، وقال الدارقطني: يعتبر به.
قال: وسعيد بن
(9/373)
زياد الشيباني، الراوي عنه، لايحتج به،
ولكن يعتبر به، قال: لا أعرف له إلا هذا الحديث -: نقله
عنه البرقاني.
وسعيد بن زياد، قال ابن معين: صالح. ووثقه ابن حبان.
وحكى ابن المنذر كراهة الاختصار في الصلاة على هذا الوجه
عن ابن عباس وعائشة ومجاهد والنخعي وأبي مجلز ومالك
والأوزاعي وأصحاب الرأي. انتهى.
وهو قول عطاء والشافعي وأحمد – أيضا.
ومن الناس من فسر الاختصار في حديث أبي هريرة بأن يمسك
بيده شيئاً يعتمد عليه في الصلاة؛ فإن العصى ونحوها مما
يعتمد عليهِ يسمى مخصرة.
وفسره بعضهم باختصار السورة، فيقرأ بعضها.
وفسره بعضهم باختصار افعال الصلاة، فلا يتم قيامها ولا
ركوعها ولا
سجودها.
وقد بوب أبو داود في ((سننه)) على ((التخصر والإقعاء في
الصلاة)) ،
(9/374)
فخرج فيه: حديث ابن عمر المشار إليه.
ثم بوب على ((الاختصار في الصلاة)) ، وخرج فيه: حديث أبي
هريرة هذا.
ثم اتبعه: ((باب: يعتمد في الصلاة على عصى)) .
فلعله فسر الاختصار بالاعتماد، كما قال بعضهم. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
(9/375)
18 - باب
تفكر الرجل الشيء في الصلاة
وقال عمر: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة.
روى ابن عون، عن الشعبي، قال: قال أبو موسى الأشعري: صلى
بنا عمر ولم يقرأ، فقلت: لم تقرأ، فقال: لقد رأيتني أجهز
عيراً بكدى وأفعل كذا، فأعاد
الصلاة.
ورواه يونس، عن الشعبي، عن زياد بن عياض الأشعري، أن عمر
صلى بهم المغرب فلم يقرأ، ثم قال: إنما شغلني عن الصلاة
عير جهزتها إلى الشام، فجعلت أفكر في أحلاسها وأقتابها.
خرجه صالح ابن الإمام أحمد في ((مسائله)) ، عن أبيه
بإسناده.
وخرجه - أيضا - من وجه آخر عن الشعبي، عن عمر - مرسلا.
(9/376)
وقد سبق ذكر بعض طرقه في ((أبواب القراءة
في الصلاة)) .
وروى الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، أن عمر صلى
بالناس المغرب، ولم يقرأ فيها شيء، فلما فرغ قالوا له: يا
أمير المؤمنين، إنك لم تقرأ شيئاً؟ قالَ: لم أزل أنزل
البعير منزلا منزلا، حتَّى وردت الشام، ثُمَّ أعاد
الصَّلاة.
[خرجه] الجوزجاني.
وليس فكر عمر في تجهيز الجيوش في الصلاة من حديث النفس
المذموم، بل هو من نوع الجهاد في سبيل الله؛ فإنه كانَ
عظيم الاهتمام بذلك، فكان يغلب عليهِ الفكر فيهِ في
الصَّلاة وغيرها.
ومن شدة اهتمامه بذلك غلب عليه الفكر في جيش سارية بن زنيم
بأرض
العراق، وهو يخطب يوم الجمعة على المنبر، فألهمه الله،
فناداه، فاسمعه الله صوته، ففعل سارية ما أمره به عمر،
فكان سبب الفتح والنصر.
وقال سفيان الثوري: بلغني أن عمر قال: إني لأحسب جزية
البحرين وأنا في الصلاة.
ورواه وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عمر قاله.
(9/377)
وهذا كله من شدة اهتمام عمر بأمر الرعية،
وما فيه صلاحهم، فكان يغلب عليه ذلك في صلاته، فتجتمع له
صلاة وقيام بأمور الأمة وسياسته لهم في حالة واحدة.
خرج البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث:
الاول:
(9/378)
1221 - حديث: عمر بن سعيد، عن ابن أبي
مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال: صليت مع النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر، فلما سلم قام سريعاً،
ودخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من
تعجبهم لسرعته، فقال: ((ذكرت وأنا في الصلاة تبراً عندنا،
فكرهت أن يمسي – أو يبيت – عندنا، فأمرت بقسمته)) .
خرجه عن إسحاق بن منصور، عن روح.
وخرجه – فيما تقدم – من طريق عيسى بن يونس، عن عمر.
وخرجه في ((الزكاة)) – أيضا – من طريق أبي عاصم، عن عمر،
به، وفيه: أنه كان من تبر الصدقة.
وهذا الذي وقع للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
من جنس ما كان يقع لعمر؛ فإن مال
(9/378)
الصدقة تشرع المبادرة بقسمته بين أهله
ومستحقيه، فكان من شدة اهتمام النَّبيّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك يتذكره في صلاته، فيقوم عقب
ذَلِكَ مسرعا حتَّى يقسمه بين أهله.
وهذا كله من اجتماع العبادات وتداخلها، وليس هم من باب
حديث النفس المذموم.
الحديث الثاني:
(9/379)
1222 - نا يحيى بن بكير: نا الليث، عن
جعفر، عن الأعرج: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا أذن بالصلاة ادبر
الشيطان وله ضراط، حتى لايسمع
التأذين، فإذا سكت المؤذن أقبل، فإذا ثوب أدبر، فإذا سكت
أقبل، فلا يزال بالمرء يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر، حتى
لايدري كم صلى)) .
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: إذا فعل ذلك أحدكم، فليسجد
سجدتين وهو قاعد.
وسمعه أبو سلمة من أبي هريرة.
وقد خرجه في ((باب: التأذين)) من رواية مالك، عن أبي
الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة – إلى قوله: ((لايدري كم صلى)) –
أيضا.
(9/379)
وأما باقي الحديث، وهو الأمر بسجود السهو
لذلك، فإنما رواه أبو سلمة، عن أبي هريرة، وهو مرفوع، وليس
من قول أبي هريرة.
والقائل: ((قال أبو سلمة)) ، لعله جعفر بن ربيعة. والله
أعلم.
وقد خرجه البخاري في ((أبواب السهو)) ، كما يأتي قريبأ –
إن شاء الله تعالى– من رواية هشام الدستوائي، عن يحيى بن
أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومن رواية مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة،
عن النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وفي حديثهما: ((فليسجد سجدتين وهو جالس)) .
وخرجه في ((بدء الخلق)) من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن أبي
كثير – أيضا.
والمقصود من تخريجه في هذا الباب: أن الشيطان يأتي المصلي،
فيذكره ما لم يكن يذكره، حتى يلبس عليه صلاته، فلا يدري كم
صلى، وإن صلاته لاتبطل بذلك، بل يؤمر بسجود السهو؛ لشكه في
صلاته.
وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على ذَلِكَ.
ومنهم من قال: هو إجماع من يعتد به.
وهذا يشعر بأنه خالف فيه من لا يعتد به.
(9/380)
وقد قال طائفة قليلة من متأخري أصحابنا
والشافعية: أنه إذا غلب الفكر على المصلي في أكثر صلاته،
فعليه الإعادة؛ لفوات الخشوع فيها.
وكذا قالَ أبو زيد المروزي من الشافعية، في المصلي وهو
يدافع الأخبثين: أنه إذا اذهب ذَلِكَ خشوعه، فعليه
الإعادة.
وقال ابن حامد من أصحابنا: متى كثر عمل القلب وفكره في
الصلاة في أمور الدنيا أبطل الصلاة، كما يبطلها عمل الجسد
إذا كثر.
والحديث حجة على هذه الأقوال كلها.
وقد استدل لوجوب الخشوع في الصلاة بحديث مختلف في إسناده،
وقد ذكرناه مع الإشارة إلى هذه المسألة في ((باب: الخشوع
في الصلاة)) ، فيما مضى.
الحديث الثالث:
(9/381)
1223 - نا محمد بن المثنى: حدثنا عثمان بن
عمر: أنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، قال: قال أبو
هريرة: يقول الناس: أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً فقلت: بم
قرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
البارحة في العتمة؟ قالَ: لا أدري. فقلت: لم تشهدها؟ قال:
بلى. فقلت:
(9/381)
لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا.
مراد أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن يبين للناس امتيازه
عن غيره بضبط أمور النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، واعنائه بها، وحفظه لها، وإذا كان كذا لم
يستبعد أن يكون قد حفظ ما لم يحفظه غيره.
وهذه الواقعة كانت جرت له في حياة النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحفظ قراءة النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة العشاء، ولم يحفظها بعض من
شهد العشاء معه، مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
وظاهر السياق: يقضي أنه من حينئذ كان يقال: أكثر أبو
هريرة، وهو بعيد.
والظاهر – والله اعلم -: أنه إنما قيل ذلك بعد وفاة النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حين أكثر أبو هريرة
من الرواية عنه.
فاستدل أبو هريرة بحفظه ما لم يحفظه غيره بهذه القصة التي
جرت له مع بعض الصحابة، حيث حفظ ما قرأ به النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة العشاء، ولم يحفظ ذلك
غيره ممن صلى معه.
واعلم؛ أن عدم حفظ المصلي لما قرأ به امامه لها حالتان:
أحدهما: أن يكون ذَلِكَ عقب انصرافه من الصَّلاة، فهذا
إنما يكون غالباً من عدم حضور القلب في الصَّلاة، وغلبه
الفكر والوساوس فيها.
وقد ذكرنا في ((باب: القراءة في الصلاة)) ، عن أحمد، أنه
قال – فيمن
(9/382)
صلى مع إمام، فلما خرج من الصلاة قيل له:
ما قرأ الإمام؟ قالَ: لا أدري – قالَ: يعيد الصَّلاة.
وإن الأصحاب اختلفوا في وجهها على ثلاث طرق لهم فيها.
وقد ورد حديث مرفوع، يستدل به على أن لا اعادة على من لم
يحفظ ذلك:
فروى البزار ((مسنده)) ، عن عمرو بن علي: سمعت يحيى بن
كثير، قال: حدثنا الجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه،
قال: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يوماً بأصحابه، فقال: ((كيف رأيتموني صليت؟)) قالوا: ما
أحسن ما صليت، قالَ: ((قد نسيت آية كيت وكيت، وإن من حسن
صلاة المرء أن يحفظ قراءة الإمام)) .
الحالة الثانية: أن يكون ذلك بعد مضي مدة من الصلاة، فهذا
يكون غالباً من النسيان بعد الحفظ، لا من سهو القلب في
الصلاة، وهذا هو الذي أراده أبو هريرة بحديثه هذا.
وحينئذ؛ ففي تخريجه في الباب نظر؛ لأن الباب معقود لحديث
(9/383)
النفس في الصلاة والوسوسة فيها، وهو ينقسم
إلى المذموم - وهو حديث النفس بأمور [الدنيا] وتعلقاتها -،
وإلى محمود - وهو حديث النفس بأمور الآخرة وتعلقاتها -،
ومنه ما يرجع إلى ما فيه مصلحة المسلمين من أمور الدنيا،
كما كان عمر يفعله.
وقد خرج البخاري في ((أبواب الوضوء)) حديث عثمان، فيمن
توضأ ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، أنه يغفر له ما
تقدم من ذنبه، وسبق الكلام عليه في موضعه.
(9/384)
|