كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (31) كشف الْمُشكل من مُسْند مَالك بن الْحُوَيْرِث
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة.
513 - / 619 فَفِي الحَدِيث الأول: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ، وَإِذا ركع وَإِذا رفع. وَفِي رِوَايَة: فروع أُذُنَيْهِ. [15] الْفُرُوع: الأعالي. وَقد وَقع الِاتِّفَاق على أَن رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مسنون وَإِنَّمَا الْخلاف فِي رَفعهَا عِنْد الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ، فَعِنْدَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ يسن ذَلِك، وَعند أبي حنيفَة لَا يسن، وَعَن مَالك كالمذهبين. وَهَذَا الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ لَا ينْدَفع، وَهُوَ فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد روى هَذِه السّنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر، وَعلي وَأَبُو مُوسَى، وَأَبُو قَتَادَة، وَسَهل ابْن سعد، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأنس، فِي نَحْو ثَلَاثِينَ من الصَّحَابَة، وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ للخصم حَدِيث صَحِيح.

(2/44)


514 - / 620 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن شببة متقاربون. [15] الشببة: الشَّبَاب. والمتقاربون يَعْنِي فِي السن. [15] وَإِنَّمَا قَالَ: " وليؤمكم أكبركم " لأَنهم كَانُوا متقاربين فِي الْقِرَاءَة. [15] وَقَوله: اسْتَوَى قَاعِدا ثمَّ نَهَضَ. هَذِه تسمى جلْسَة الاسْتِرَاحَة، وَهِي مسنونة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد.

(2/45)


(32 كشف الْمُشكل من مُسْند جُنْدُب بن عبد الله
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَا عشر.
515 - / 622 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " كَانَ فِيمَن قبلكُمْ رجل بِهِ جرح، فجزع وَأخذ سكينا فجز بهَا يَده، فَمَا رقأ الدَّم حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ الله عز وَجل: بادرني عَبدِي بِنَفسِهِ فَحرمت عَلَيْهِ الْجنَّة ". [15] الجز: قطع بعض الْعُضْو دون إبانته. [15] ورقأ بِمَعْنى انْقَطع. [15] وَأما تَحْرِيم الْجنَّة عَلَيْهِ فَيحْتَمل أَن يكون مُشْركًا قد ضم إِلَى شركه هَذَا الْفِعْل، أَو مستحلا لذَلِك. فَإِن لم يكن كَانَ تَحْرِيم الْجنَّة المرتفعة الْقدر من بَين الْجنان، أَو الْمَنْع من دُخُول الْجنَّة فِي أول الْعرض إِلَى أَن يعذب بالنَّار، لِأَنَّهُ إِذا وَقع الْعرض دخل قوم إِلَى الْجنَّة وَقوم إِلَى النَّار.

(2/46)


516 - / 623 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من سمع سمع الله بِهِ، وَمن يراءي يراءي الله بِهِ ". [15] وَالْمعْنَى: من عمل لغير الله عز وَجل يراءي بِهِ النَّاس جازاه الله تَعَالَى على ذَلِك بِأَن يَفْضَحهُ وَيظْهر مَا يبطنه ويستره.
517 - / 624 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: اقْرَءُوا الْقُرْآن مَا ائتلفت عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ، فَإِذا اختلفتم فَقومُوا ". [15] كَانَ اخْتِلَاف الصَّحَابَة يَقع فِي الْقرَاءَات واللغات، فَأمروا بِالْقيامِ عِنْد الِاخْتِلَاف لِئَلَّا يجْحَد أحدهم مَا يقْرَأ الآخر فَيكون جاحدا لما أنزلهُ الله عز وَجل.
518 - / 625 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أَنا فَرَطكُمْ ". [15] وَقد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود وَغَيره.
519 - / 626 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي بعض الْمشَاهد وَقد دميت إصبعه: " هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت. وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت ". [15] هَذَا شعر تمثل بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَلَيْسَ لَهُ، وَلم يكن يَقُول الشّعْر، وَلم يكن الشّعْر يتزن لَهُ، حَتَّى إِنَّه قَالَ يَوْمًا للْعَبَّاس بن مرداس: " أَنْت

(2/47)


الْقَائِل: أصبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين الْأَقْرَع وعيينة؟ " فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله مَا أَنْت بشاعر وَلَا يَنْبَغِي لَك الشّعْر، إِنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا. [15] وَإِنَّمَا منع من قَول الشّعْر لِئَلَّا تدخل الشُّبْهَة على قوم فِيمَا أَتَى بِهِ من الْقُرْآن، فَيَقُولُونَ: قوي على ذَلِك بِمَا فِي طبعه من الفطنة للشعر، وَإِنَّمَا كَانَ يتَمَثَّل بِهِ، وَقد قَالَ يَوْمًا:
( ... ... . . ... ويأتيك بالأنباء من لم تزَود ... )
وَقَالَ:
(أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... ... ... )

520 - / 627 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقم لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت: يَا مُحَمَّد، إِنِّي لأرجو أَن يكون شَيْطَانك قد تَركك، فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْل إِذا سجى، مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} [الضُّحَى: 1 - 3] . [15] هَذِه الْمَرْأَة قد قيل إِنَّهَا أم جميل بنت حَرْب أُخْت أبي سُفْيَان،

(2/48)


وَهِي امْرَأَة أبي لَهب، وَكَانَت تنْسب مَا يذكرهُ من الْوَحْي إِلَى أَن شَيْطَانا يَأْتِي بِهِ. و (سجى) بِمَعْنى أظلم. و (قلى) أَي أبْغض.
521 - / 628 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر، ثمَّ خطب، ثمَّ ذبح وَقَالَ: " من ذبح قبل أَن يُصَلِّي فليذبح أُخْرَى ". [15] عندنَا أَنه لَا يجوز ذبح الْأُضْحِية قبل صَلَاة الإِمَام، وَيجوز بعْدهَا وَإِن لم يكن قد ذبح الإِمَام، وَهَذَا فِي جَمِيع الْأَمَاكِن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أهل الْأَمْصَار كَقَوْلِنَا، وَفِي أهل الْقرى يجوز أَن يذبحوا بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر. وَقَالَ مَالك: وَقت الذّبْح أَن يمْضِي بعد دُخُول وَقت الصَّلَاة زمَان يُمكن فِيهِ صَلَاة رَكْعَتَيْنِ وخطبتان، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ من أَصْحَابنَا.
522 - / 629 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله، فَلَا يطلبنكم الله من ذمَّته بِشَيْء ". [15] معنى الحَدِيث: أَن من صلى الْفجْر فقد أَخذ من الله ذماما فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُؤْذِيه بظُلْم، فَمن ظلمه فَإِن الله يُطَالِبهُ بِذِمَّتِهِ.

(2/49)


[15] وَقَوله: يكبه. رُبمَا قَرَأَهُ بعض قرأة الحَدِيث بِضَم الْيَاء يَظُنّهُ أَنه من أكببت وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا هُوَ من قَوْلك: كببت فلَانا على وَجهه. فَأَما أكب فلَان على عمله فبالألف.
523 - / 630 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " قَالَ رجل: وَالله لَا يغْفر الله لفُلَان، فَقَالَ الله عز وَجل: من ذَا الَّذِي يتألى عَليّ أَن أَلا أَغفر لفُلَان؟ إِنِّي قد غفرت لَهُ وأحبطت عَمَلك ". [15] يتألى بِمَعْنى يحلف. والألية: الْيَمين. والإحباط: الْإِبْطَال. وَهَذَا المتألي جهل سَعَة الْكَرم فَعُوقِبَ بإحباط الْعَمَل.
524 - / 631 و - فِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِنِّي أَبْرَأ إِلَى الله أَن يكون لي مِنْكُم خَلِيل، فَإِن الله قد اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، وَلَو كنت متخذا من أمتِي خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا ". [15] قد بَينا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود معنى الْخَلِيل، واعتذاره عَن اتِّخَاذ أبي بكر خَلِيلًا. [15] وَأما نَهْيه عَن اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد فلئلا تعظم، لِأَن الصَّلَاة عِنْد الشَّيْء تَعْظِيم لَهُ، وَقد أغرب أهل زَمَاننَا بالصلوات عِنْد قبر مَعْرُوف وَغَيره، وَذَلِكَ لغَلَبَة الجهلة وملكة الْعَادَات.

(2/50)


525 - / 632 الحَدِيث الرَّابِع: " من قتل تَحت راية عمية يَدْعُو عصبية أَو ينصر عصبية فقتلة جَاهِلِيَّة ". [15] العمية: الْأَمر الملبس لَا يدرى مَا وَجهه، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ الْأَمر الْأَعْمَى، كالعصبية الَّتِي لَا يستبان مَا وَجههَا وَالْمَقْصُود أَنه يُقَاتل لهواه لَا على مُقْتَضى الشَّرْع.
526 - / 623 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن رجلا قتل رجلا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله؟ ". [15] وَالْمعْنَى إِنَّمَا أمرنَا بِقبُول الظَّوَاهِر، وَلَيْسَ علينا تفتيش البواطن.

(2/51)


(33) كشف الْمُشكل من مُسْند معيقيب
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد.
527 - / 634 - وَفِيه من الْإِشْكَال: أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد: " إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة ". [15] اعْلَم أَن الْقَوْم كَانُوا يصلونَ على الأَرْض، فَرُبمَا كَانَ مَوضِع السُّجُود غير معتدل، أَو يكون حر الشَّمْس قد أثر فِي الْمَكَان، فيطلب الساجد بمسحه تعديله أَو كشف الْحَار ليسجد على مَا هُوَ أبرد مِنْهُ، فأجيزت لَهُ الْمرة، لِأَن الْمَقْصُود يحصل بهَا، وَلِئَلَّا يتَكَرَّر الْعَمَل فَيخرج إِلَى شبه الْعَبَث.

(2/52)


34 - كشف الْمُشكل من مُسْند مجاشع ومجالد ابْني مَسْعُود
لَيْسَ لَهما فِي الصَّحِيحَيْنِ سوى حَدِيث وَاحِد.
528 - / 635 - وَفِيه: " لَا هِجْرَة بعد فتح مَكَّة ". [15] أما الْهِجْرَة فَهِيَ مُفَارقَة الْكفَّار إِلَى الْمُسلمين، وَلما فتحت مَكَّة صَارَت كالمدينة فِي كَونهَا وطنا للْمُسلمين، وَبِفَتْحِهَا هان أَمر سَائِر الْبلدَانِ؛ لِأَنَّهَا أم الْقرى. [15] وَقَوله: فَلَقِيت معبدًا. كَذَا وَقع فِي أصل الْحميدِي وَهُوَ غلط، وَإِنَّمَا هُوَ: فَلَقِيت أَبَا معبد، وَهِي كنية مجَالد، وَقد ذكره بعد أسطر على الصِّحَّة.

(2/53)