كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (35) كشف الْمُشكل من مُسْند يعلى بن أُميَّة
[15] وَيُقَال لَهُ يعلى بن منية. فأمية أَبوهُ ومنية أمه، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من الصَّحَابَة من اسْمه على حرف الْيَاء سواهُ. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة أَحَادِيث.
529 - / 636 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيش الْعسرَة، وَكَانَ لَهُ أجِير فقاتل إنْسَانا، فعض أَحدهمَا صَاحبه فَانْتزع إصبعه، فأندر ثنيته فَسَقَطت، فَانْطَلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر ثنيته وَقَالَ: " أيدع إصبعه فِي فِيك تقضمها كَمَا يقضم الْفَحْل ". [15] جَيش الْعسرَة يُرَاد بِهِ غَزْوَة تَبُوك. وَكَانَ الْأَمر قد اشْتَدَّ عَلَيْهِم فِي تِلْكَ الْغَزْوَة وَقَوي الْحر. [15] وأندر ثنيته: أَي أسقطها، وندر الشَّيْء بِمَعْنى سقط. والهدر: مَالا مُطَالبَة عَنهُ وَلَا غَرَامَة فِيهِ.

(2/54)


[15] والقضم بِأَدْنَى الأضراس. والخضم بأقصاها، وَالْمعْنَى: كَمَا يعَض الْفَحْل.
530 - / 637 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَيفَ ترى فِي رجل أحرم فِي جُبَّة بَعْدَمَا تضمخ بِطيب؟ فَقَالَ: " أما الطّيب الَّذِي بك فاغسله، وَأما الْجُبَّة فانزعها ". وَفِي رِوَايَة: جَاءَهُ رجل وَهُوَ مصفر لحيته وَرَأسه، فَقَالَ: " انْزعْ عَنْك الْجُبَّة، واغسل عَنْك الصُّفْرَة ". [15] هَذَا الحَدِيث يدل على أَن من أحرم وَعَلِيهِ مخيط لم يلْزمه تخريقه بل نَزعه، وَقد رُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: يمزقه. وَعَن النَّخعِيّ أَنه قَالَ: يشقه. والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِمَا مَعَ كَون الشَّارِع نهى عَن إِضَاعَة المَال. قَالَ الْخطابِيّ: وَإِنَّمَا أمره بِغسْل الصُّفْرَة لِأَنَّهَا كَانَت زعفرانا، وَقد نهى الرجل أَن يتزعفر، فعلى هَذَا لَا حجَّة فِيهِ لمن قَالَ: لَا يجوز للْمحرمِ أَن يتطيب قبل الْإِحْرَام بِمَا يبْقى أَثَره بعد الْإِحْرَام. وَفِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لمن قَالَ: إِذا لبس وتطيب نَاسِيا فَلَا فديَة عَلَيْهِ، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَقَول الشَّافِعِي؛ لِأَن النَّاسِي فِي مقَام الْجَاهِل، وَذَلِكَ الرجل كَانَ قريب عهد بِالْإِسْلَامِ، جَاهِلا بأحكامه، فعزره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلْزمه فديَة.

(2/55)


(36) كشف الْمُشكل من مُسْند معَاذ بن جبل
[15] شهد جَمِيع الْمشَاهد، وشيعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُرُوجه إِلَى الْيمن مَاشِيا وَهُوَ رَاكب. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَسَبْعَة وَخَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة أَحَادِيث.
531 - / 639 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كنت ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بيني وَبَينه إِلَّا مؤخرة الرحل ... . [15] الردف: الرَّاكِب خلف الرَّاكِب. والرحل للبعير كالسرج للْفرس. ومؤخرة الْخَشَبَة: الَّتِي فِي آخِره. [15] وعفير تَصْغِير أعفر: وَهُوَ الَّذِي يَحْكِي لَونه عفرَة الأَرْض، والعفرة بَيَاض لَيْسَ بالناصع، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال أعيفر، إِلَّا أَنهم أَخْرجُوهُ عَن بِنَاء الأَصْل، كَمَا قَالُوا فِي تَصْغِير أسود سُوَيْد. وَالْمَشْهُور فِي اسْم الْحمار الَّذِي كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْفُور.

(2/56)


[15] وَأما نداؤه باسمه " يَا معَاذ " ثَلَاث مَرَّات فليتكامل حُضُور قلبه لما يُخَاطب بِهِ. [15] وَقد بَينا معنى لبيْك وَسَعْديك فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقَوله: " مَا حق الْعباد على الله عز وَجل؟ " هَذَا يشكل؛ لِأَنَّهُ لَا يجب على الله عز وَجل شَيْء، غير أَنه قد وعد بأَشْيَاء، فَلَا بُد أَن تكون كَقَوْلِه تَعَالَى: {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} [الْأَنْعَام: 54] فالوفاء بالوعد صِيَانة لَهُ من الْخلف لَازم. [15] وَمعنى: " فيتكلوا " أَي يعتمدوا على هَذَا ويتركوا الْجد فِي الْأَعْمَال. [15] وَأما قَوْله: " وَمَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرمه الله على النَّار " فَإِنَّهُ يشكل، فَيُقَال: فَأَيْنَ دُخُول العصاة النَّار؟ [15] فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون هَذَا قبل نزُول الْفَرَائِض. وَالثَّانِي: أَنه خرج مخرج الْغَالِب، وَالْغَالِب على الموحد أَن يعْمل بِمَا شهد بِهِ، فَلَا يدْخل النَّار، لتصديق قَوْله بِفِعْلِهِ. وَالثَّالِث: أَن يكون الْمَعْنى: حرمه الله على النَّار أَن يخلد فِيهَا. [15] وَقَوله: فَأخْبر بهَا تأثما. أَي خوفًا من إِثْم الكتمان.
532 - / 640 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " أعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم ".

(2/57)


فِيهِ دَلِيل على أَن الزَّكَاة لَا تنقل، وَعِنْدنَا أَنه يجوز نقل الزَّكَاة إِلَى بلد تقصر فِيهِ الصَّلَاة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَعند أَحْمد الْجَوَاز، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك. وَعَن الشَّافِعِي كالروايتين. [15] وكرائم الْأَمْوَال: نفائسها.
533 - / 644 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: [15] خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، فَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا. [15] هَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي جَوَاز الْجمع فِي السّفر، وَهُوَ قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْجمع فِي السّفر إِلَّا بِعَرَفَة والمزدلفة، وَإِنَّمَا يجوز عندنَا الْجمع فِي السّفر الطَّوِيل خلافًا لمَالِك وَأحد قولي الشَّافِعِي أَنه يجوز فِي السّفر الْقصير أَيْضا.

(2/58)


(37) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بن كَعْب
[15] شهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع الْمشَاهد، وَهُوَ أول من كتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأحد الَّذين حفظوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْرَأ عَلَيْهِ، وَكَانَ عمر يَقُول لَهُ: هَذَا سيد الْمُسلمين. [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة عشر.
534 - / 645 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَالَ ابْن عَبَّاس: تماريت أَنا وصاحبي فِي صَاحب مُوسَى. [15] صَاحبه هُوَ الْحر بن قيس الْفَزارِيّ. والمراء: المجادلة على طَرِيق الشَّك. [15] وَالْمَلَأ: الْأَشْرَاف الَّذين هم الْوُجُوه، وَقيل لَهُم مَلأ لأَنهم مليئون بِمَا يُرَاد مِنْهُم، وَقيل: لأَنهم تملأ الصُّدُور هيبتهم. [15] فَأَما نوف الْبكالِي فَهُوَ من أهل الشَّام. وبكالة من حمير.

(2/59)


[15] قَالَ الْخطابِيّ: وَمعنى كذب: أَخطَأ، وَالْعرب تضع الْكَذِب مَوضِع الْخَطَأ فَتَقول: كذب سَمْعِي، وَكذب بَصرِي، قَالَ الأخطل:
(كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط ... غلس الظلام من الربَاب خيالا)
[15] وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب، وَقد تقدم الْكَلَام فِي هَذَا الِاسْم. [15] و " الْخضر " لقب، وَفِي اسْمه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: اليسع، قَالَه وهب وَمُقَاتِل. وَالثَّانِي: أرميا بن حلفيا، ذكره ابْن الْمُنَادِي. وَالثَّالِث: إيليا بن ملكان، حَكَاهُ عَليّ بن أَحْمد النَّيْسَابُورِي. [15] وَفِي سَبَب تَسْمِيَته بالخضر قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه جلس على فَرْوَة بَيْضَاء فاهتزت خضراء، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والفروة: الأَرْض الْيَابِسَة، وَقيل: الفروة: جلد وَجه الأَرْض. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ إِذا جلس اخضر مَا حوله، قَالَه عِكْرِمَهْ. وَقَالَ مُجَاهِد: وَكَانَ إِذا صلى اخضر مَا حوله. [15] وَإِنَّمَا عوتب مُوسَى على قَوْله: أَنا أعلم، لِأَنَّهُ أطلق، فَلَو قَالَ: أَنا أعلم بِالتَّوْرَاةِ لم يلم. [15] وَمجمع الْبَحْرين: ملتقاهما، وهما بَحر فَارس وبحر الرّوم، فبحر فَارس نَحْو الْمشرق، وبحر الرّوم نَحْو الْمغرب. [15] وَفِي تَسْمِيَة الْبَلَد الَّذِي يجمعهما قَولَانِ: أَحدهمَا أفريقية، قَالَه

(2/60)


أبي بن كَعْب. وَالثَّانِي: طنجة، قَالَه مُحَمَّد بن كَعْب. وَسمي الْبَحْر بحراً لسعته. والمكتل: الزبيل. وَقَوله: فَحَيْثُ تفتقد الْحُوت: أَي تفقده. والنول: الْعَطاء. [15] وَقَوله فِي الْغُلَام: فَأخذ الْخضر بِرَأْسِهِ فاقتلعه. وَقد روى أَنه أضجعه فذبحه، فَقَالَ مُوسَى (أقتلت نفسا زاكية) وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس (زكية) ، قَالَ الْكسَائي: هما لُغَتَانِ كالقاسية والقسية. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الزاكية فِي الْبدن، والزكية فِي الدّين. [15] وَقَوله: " صَار المَاء مثل الكوة " يَعْنِي الفتحة. [15] وَالنّصب: التَّعَب. [15] والمسجى: المغطى بِثَوْب. [15] وَقَوله: على حلاوة الْقَفَا إِشَارَة إِلَى الاستلقاء على الظّهْر. [15] وَقَوله: أَخَذته من صَاحبه ذمَامَة أَي حَيَاء وإشفاق، من الذَّم. والتذمم للصاحب: حفظ ذمَامَة خوفًا من الذَّم إِن لم يفعل. [15] وَقَوله: كَانَ إِذا ذكر أحدا من الْأَنْبِيَاء بَدَأَ بِنَفسِهِ. وَذَاكَ لِأَن الْحق عز وَجل قدمه عَلَيْهِم، فَقدم مَا قدم. [15] فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: " لَا تفضلُونِي على يُونُس "؟ [15] فَالْجَوَاب: أَنه إِذا قَالَ عَن وَحي أَو بِمُقْتَضى وَحي فضل نَفسه،

(2/61)


وَإِذا تواضع حطها. [15] وَأما " عين الحيا " فَكَذَا رُوِيَ لنا بِغَيْر هَاء، وَالْحيَاء مَا يحيا النَّاس بِهِ. وَالْمَشْهُور فِي التعارف عين الْحَيَاة. [15] وَقَوله: كَانَ أَثَره فِي حجر: أَي ثقب. [15] والطنفسة بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْفَاء وَهِي: بِسَاط صَغِير لَهُ خمل. وكبد الْبَحْر: متن المَاء. [15] وَقَوله: اسْم الْغُلَام حبشون. كَذَا فِي أصل الْحميدِي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا بَاء وشين مُعْجمَة وَنون. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: جيشور. [15] فَإِن قيل: هلا صَبر الْخضر مَعَ مُوسَى وَلَو مُدَّة أُخْرَى. [15] فَالْجَوَاب من خَمْسَة أوجه: [15] أَحدهَا: أَنه لما شَرط مُوسَى قطع الصُّحْبَة بقوله: {قَالَ إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي} [الْكَهْف: 76] عَامله الْخضر بِاخْتِيَارِهِ. [15] وَالثَّانِي: أَن طول الصُّحْبَة على ذَلِك الْوَجْه لَا يُفِيد؛ لِأَنَّهُ كلما رأى شَيْئا أنكرهُ وَلم يصبر. [15] وَالثَّالِث: أَن الْخضر علم أَن مُوسَى أَعلَى مِنْهُ منزلَة، وَإِنَّمَا بعث لَهُ لتأديبه، والتأديب يَكْفِي مِنْهُ الْيَسِير. [15] وَالرَّابِع: أَن الأولى كَانَت نِسْيَانا، وَالثَّانيَِة جبر عمدها بالمشارطة، وَأما الثَّالِثَة فَلم يكن لَهَا عذر. [15] وَالْخَامِس أَنه لما كَانَ إِنْكَار مُوسَى فِي السَّفِينَة والغلام لله تَعَالَى صَبر عَلَيْهِ الْخضر، فَلَمَّا صَار إِنْكَاره فِي الْجِدَار لحظ نَفسه وَمَكَان جوعه أوقع الْفرْقَة.

(2/62)


535 - / 646 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن أبي أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِذا جَامع الرجل الْمَرْأَة وَلم ينزل. قَالَ: يغسل مَا مس الْمَرْأَة مِنْهُ ثمَّ يتَوَضَّأ وَيُصلي. [15] هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ على مَا بَينا فِي مُسْند عُثْمَان بن عَفَّان. 536 / 647 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: ذكر اللّقطَة. [15] اعْلَم أَن اللّقطَة على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا الْإِبِل وَالْبَقر وَالْبِغَال وَالْحمير والظباء، فَهَذِهِ عندنَا لَا يجوز التقاطها، بل يجب تَركهَا إِلَّا أَن يَأْخُذهَا الإِمَام لحفظها، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز التقاطها. فَأَما الشَّاة فَفِيهَا عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: لَا يجوز التقاطها أَيْضا، وَالثَّانِي: يجوز كَقَوْل بَاقِي الْفُقَهَاء. [15] وَأما غير هَذَا من اللّقطَة مثل الْأَثْمَان وَالْعرُوض، فَيَنْبَغِي لمن يلتقطها أَن ينظر فِي حَال نَفسه: فَإِن علم من نَفسه قلَّة الْأَمَانَة: لم يجز لَهُ أَخذهَا، وَإِن علم من نَفسه الْأَمَانَة وَالْقُوَّة على تَعْرِيفهَا فقد نَص أَحْمد على أَن الْأَفْضَل تَركهَا لَا أَخذهَا، وَفِي قَوْله زيد وسلمان لسويد: دع السَّوْط، دَلِيل على أَن ترك اللّقطَة أفضل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل أَخذهَا. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: أَحدهمَا: مثل هَذَا، وَالثَّانِي: يجب عَلَيْهِ أَخذهَا. وَسُئِلَ ابْن عقيل فَقيل لَهُ: أجد صرة من الذَّهَب

(2/63)


أَو دملجا أَو سوارا، فَهَل آخذه أم أتركه؟ فَقَالَ: إِن وجدت فِي نَفسك مَسَرَّة ببادرة الوجدان ففتش عَن سَبَب المسرة، فَإِن كَانَت مسرتك لحفظ ذَلِك على صَاحبه، وَكَيف وَقعت بِيَدِك دون غَيْرك فَخذهَا، فقد لَا يحظى صَاحبهَا بمثلك، وَإِن كَانَت مسرتك لوجدانك، وَكنت بإخفائها وَترك تَعْرِيفهَا أسر فَلَا تأخذها، كَمَا إِذا اتّفقت مَعَ امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فِي رفْقَة، فَوجدت المسرة بخلو تِلْكَ الرّفْقَة فاهرب، فَمَا تِلْكَ المسرة إِلَّا لما بعْدهَا من الانبساط، هَذَا الله فقه النُّفُوس الَّذِي قَالَ فِيهِ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام: " استفت نَفسك " قَالَ: وَكَذَلِكَ استفت نَفسك فِي مِقْدَار مَا تعرفه فَكلما علمت أَنَّك تتطلبه وتتوق إِلَيْهِ إِذا سقط مِنْك فَعرفهُ. [15] وَأما أمره فِي هَذَا الحَدِيث بالتعريف ثَلَاثَة أَحْوَال فَلَا نعلم خلافًا فِي أَنه لَا يجب التَّعْرِيف أَكثر من حول وَاحِد، فَلَا تَخْلُو هَذِه الرِّوَايَة من ثَلَاثَة أَشْيَاء. أما أَن تكون غَلطا من الرَّاوِي؛ فقد دلّ على هَذَا الْوَجْه مَا فِي تَمام الحَدِيث من قَول شُعْبَة: فَسمِعت سَلمَة بن كهيل بعد عشر سِنِين يَقُول: عرفهَا عَاما وَاحِدًا. وَالثَّانِي: أَن يكون علم عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لم يَقع تَعْرِيفهَا كَمَا يَنْبَغِي فَلم يحْتَسب لَهُ بالتعريف الأول، كَمَا قَالَ للَّذي صلى وَلم يُحَقّق الصَّلَاة: " ارْجع فصل، فَإنَّك لم تصل " وَالثَّالِث: أَن يكون قد دله على الْوَرع، وَهُوَ اسْتِعْمَال مَا لَا يلْزم. [15] وَأما الْوِعَاء فالظرف الَّذِي هِيَ فِيهِ، والوكاء: الْخَيط الَّذِي يشد بِهِ رَأس الصرة أَو الْقرْبَة

(2/64)


[15] وَقَوله: " فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فاستمتع بهَا " وَفِي رِوَايَة: " وَإِلَّا فَهِيَ كسبيل مَالك " وَفِي هَذَا دَلِيل على أَنه يملكهَا بعد التَّعْرِيف. وَعِنْدنَا أَن اللّقطَة إِذا كَانَت أثمانا وَعرفهَا حولا ملكهَا، فَأَما إِذا كَانَت عرُوضا أَو حليا أَو ضَالَّة فَإِنَّهُ لَا يملكهَا وَلَا ينْتَفع بهَا، سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك شَيْئا من اللقطات بِحَال وَلَا ينْتَفع بهَا إِذا كَانَ غَنِيا، فَإِن كَانَ فَقِيرا جَازَ لَهُ الِانْتِفَاع بهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد: يملك جَمِيع اللقطات غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا، وَيتَخَرَّج لنا مثله. وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يملكهَا: هَل تدخل فِي ملكه بِاخْتِيَارِهِ أَو بِغَيْر اخْتِيَاره، فعندنا أَنه إِذا عرف الْأَثْمَان حولا دخلت فِي ملكه بِغَيْر اخْتِيَاره. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي: فَمنهمْ من قَالَ كَقَوْلِنَا، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يملكهَا إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ، فَقَالَ قوم مِنْهُم: يفْتَقر إِلَى نِيَّته وَلَفظه واختياره وتصرفه. وَقَالَ آخَرُونَ: يفْتَقر إِلَى نِيَّته وتصرفه، وَقَالَ آخَرُونَ يفْتَقر إِلَى نِيَّته فَقَط. فَأَما إِذا جَاءَ صَاحبهَا بعد الْحول فَإِنَّهُ يغرمها لَهُ، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ابْن حَنْبَل، وَقَالَ دَاوُد: لَا يغرم. [15] وَقَوله فِي الحَدِيث: " فَإِن جَاءَ أحد يخبر بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إِيَّاه " فَهَذَا دَلِيل على أَن من أخبر بِهَذِهِ الْأَشْيَاء من غير بَيِّنَة دفعت إِلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأحمد وَدَاوُد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تدفع إِلَّا بِبَيِّنَة.

(2/65)


537 - / 648 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] قَالَ عمر: اقرؤنا أبي، وأقضانا عَليّ، وَإِنَّا لندع من قَول أبي؟ وَذَلِكَ أَن أَبَيَا يَقُول: لَا أدع شَيْئا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة أَو ننساها} [الْبَقَرَة: 106] . [15] وَأما قَول: أقرؤنا أبي وأقضانا عَليّ، فَإِنَّهُ قد يغلب على الْإِنْسَان من فنون الْعلم فن يفوق بِهِ، وَقد يرْزق فِي ذَلِك الْفَنّ من التَّصَرُّف مَا لَا يرزقه غَيره وَإِن شَاركهُ فِي الْعلم. [15] وَقَوله: وَإِنَّا لندع من قَول أبي. يَعْنِي: من قِرَاءَته، وَقد بَين السَّبَب فِي ذَلِك وَهُوَ أَن الْعَمَل على الْعرض الْأَخير، وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض الْقُرْآن على جِبْرِيل، وَعرضه عَلَيْهِ قبل مَوته مرَّتَيْنِ.
538 - / 649 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من ذهب لأحب أَن يكون لَهُ واديان، وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب "، وَكُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن حَتَّى نزل قَوْله {أَلْهَاكُم التكاثر} . [15] اعْلَم أَن آثر الْأَشْيَاء عِنْد الْإِنْسَان نَفسه، فَأحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ بَقَاؤُهَا، ولشدة حبه الْبَقَاء لَا يَنْقَطِع أمله من الْحَيَاة وَلَو عاين الْمَوْت، فَلَمَّا كَانَ المَال سَببا للحياة أحب سَبَب الْبَقَاء والاستكثار مِنْهُ لحبه الْبَقَاء. وَقَوله: " وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب " الْإِشَارَة بِالْمَعْنَى إِلَى حرصه، وبالصورة إِلَى دَفنه فِي الْقَبْر.

(2/66)


[15] وَهَذَا الحَدِيث: مِمَّا كَانَ يُتْلَى فِي الْقُرْآن، ثمَّ نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه، وَهَذَا معنى قَول أبي: كُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن. وَقَوله حَتَّى نزلت: {أَلْهَاكُم التكاثر} أَي أَنَّهَا أَثْبَتَت هَذَا الْمَعْنى.
539 - / 650 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: سَأَلت أبي بن كَعْب عَن المعوذتين، قلت: إِن أَخَاك ابْن مَسْعُود يَقُول كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " قيل لي فَقلت " فَنحْن نقُول كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] الَّذِي كنى عَنهُ من قَول ابْن مَسْعُود كَأَنَّهُ الْإِشَارَة إِلَى أَنه كَانَ لَا يثبتها فِي مصحفه وَلَا يَرَاهَا من الْقُرْآن. وَقَوله: " قيل لي فَقلت " دَلِيل على أَنَّهَا من الْوَحْي، وَقد كَانَ الْأَمر فِي زمن ابْن مَسْعُود مُحْتملا للتأويلات، فَأَما الْآن فانعقد الْإِجْمَاع.
540 - / 651 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع " إِن من الشّعْر حِكْمَة ". الْحِكْمَة: الْكَلَام الْمُحكم لَفظه، الْوَاقِع مَعْنَاهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعجبهُ ذَلِك الْفَنّ من الشّعْر.
أخبرنَا عمر بن أبي الْحسن البسطامي قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أبي أَحْمد الْخُزَاعِيّ قَالَ: أخبرنَا الْهَيْثَم بن كُلَيْب قَالَ: أخبرنَا التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدثنَا أَحْمد ابْن منيع قَالَ: حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه قَالَ: كنت ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنْشَدته مائَة قافية من قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت، كلما أنشدته بَيْتا قَالَ

(2/67)


لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هيه " حَتَّى أنشدته مائَة - يَعْنِي مائَة بَيت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن كَاد ليسلم ".
541 - / 652 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: قيل لأبي: إِن ابْن مَسْعُود يَقُول: من قَامَ السّنة أصَاب لَيْلَة الْقدر. فَقَالَ أبي: وَالله إِنَّهَا لفي رَمَضَان، وَإِنَّهَا لَيْلَة سبع وَعشْرين. وَأما تَسْمِيَتهَا بليلة الْقدر فَفِيهَا خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْقدر: العظمة، من قَوْله تَعَالَى: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} [الْأَنْعَام: 91] وَهَذَا قَول الزُّهْرِيّ. [15] وَالثَّانِي: أَن من التَّضْيِيق، من قَوْله تَعَالَى: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} [الطَّلَاق: 7] فَهِيَ لَيْلَة تضيق فِيهَا الأَرْض عَن الْمَلَائِكَة، وَهَذَا قَول الْخَلِيل بن أَحْمد. وَالثَّالِث: أَن الْقدر: الحكم، كَأَن الْأَشْيَاء تقدر فِيهَا، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. وَالرَّابِع: لِأَن من لم يكن لَهُ قدر صَار بمراعاتها ذَا قدر، قَالَه أَبُو بكر الْوراق. وَالْخَامِس: لِأَنَّهُ أنزل فِيهَا كتاب ذُو قدر، وتنزل فِيهَا رَحْمَة ذَات قدر، وملائكة ذَوُو قدر، ذكره شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله.

(2/68)


وَاخْتلف النَّاس: هَل هِيَ بَاقِيَة أم كَانَت فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة؟ وَالصَّحِيح بَقَاؤُهَا. [15] وَاخْتلفُوا فِي أخص اللَّيَالِي بهَا على سِتَّة أَقْوَال: [15] أَحدهَا: أول لَيْلَة من رَمَضَان، قَالَه أَبُو رزين الْعقيلِيّ. [15] وَالثَّانِي: لَيْلَة ثَمَانِي عشرَة، قَالَه الْحسن. [15] وَالثَّالِث: لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين، وَهُوَ اخْتِيَار الشَّافِعِي. [15] وَالرَّابِع: لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين، وَهُوَ مَذْهَب عبد الله بن أنيس. [15] وَالْخَامِس: لَيْلَة خمس وَعشْرين، وَهُوَ مَذْهَب أبي بكرَة. [15] وَالسَّادِس: لَيْلَة سبع وَعشْرين، وَهُوَ مَذْهَب عَليّ وَأبي بن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَعَائِشَة وَأحمد بن حَنْبَل.
542 - / 654 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كنت فِي الْمَسْجِد، فَدخل رجل يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَة أنكرتها، ثمَّ دخل آخر فَقَرَأَ قِرَاءَة سوى قِرَاءَة صَاحبه، فَلَمَّا قضينا الصَّلَاة. دَخَلنَا جَمِيعًا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَرَأَ فَحسن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَأْنهمَا، فَسقط فِي نَفسِي من التَّكْذِيب وَلَا إِذْ كنت فِي الْجَاهِلِيَّة. [15] الْمَعْنى: وسوس لي الشَّيْطَان، وَلَو اعْتقد ذَلِك لخرج من الْإِسْلَام، وحوشي. [15] وَقَوله: فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَدْرِي، وَذَلِكَ إزعاج لَهُ عَن

(2/69)


محادثة الوسوسة. [15] وَقَوله: " هون عَليّ أمتِي " أَي خفف. [15] وَلما جعلت للرسول عَلَيْهِ السَّلَام مسَائِل يُجَاب فِيهَا، جعلهَا كلهَا لأمته، وَهَذَا غَايَة الْكَرم، لِأَنَّهُ علم مَا تفعل بهم الْخَطَايَا. [15] وَقد سبق الْكَلَام فِي معنى سَبْعَة أحرف فِي مُسْند عمر. [15] وَقَوله: " يرغب إِلَيّ الْخلق كلهم حَتَّى إِبْرَاهِيم " وَهَذَا لِأَن النَّاس إِذا خَرجُوا من الْقُبُور أَقَامُوا مُدَّة لَا يفصل بَينهم، فيستشفعون بِآدَم، ثمَّ بِنوح، ثمَّ بإبراهيم، ثمَّ بمُوسَى، ثمَّ بِعِيسَى، ليراحوا بِالْفَصْلِ بَينهم، فَلَا يتَقَدَّم أحد فِي تِلْكَ الشَّفَاعَة على نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا لم يَقع الْفَصْل إِلَّا بِشَفَاعَتِهِ فقد احْتَاجَ الْأَنْبِيَاء أَيْضا إِلَيْهِ. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أضاة بني غفار. قَالَ الْأَصْمَعِي. الأضاة: المَاء المستنقع من مسيل أَو غَيره، وَجمعه أضا مَقْصُورَة، مثل قطاة وقطا، فَإِن كسرت أَوله قلت إضاء فمددت، تَقْدِيره ثَمَرَة وثمار. وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد: يُقَال: أضاة وَجَمعهَا أضا، وَيجمع أضا إضاء، فَهُوَ جمع الْجمع. 543 / 655 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لَو اشْتريت حمارا تركبه فِي الرمضاء. يَعْنِي الْحر.

(2/70)


544 - / 657 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " أعظم آيَة فِي الْقُرْآن: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} " [الْبَقَرَة: 255] . [15] فِي اسْم الله الَّذِي هُوَ (الله) عَن الْخَلِيل رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه اسْم علم لَيْسَ بمشتق، وَالْأُخْرَى: أَنه مُشْتَقّ. وَاخْتلف من قَالَ باشتقاقه: فَقَالَ قوم: إِنَّه مُشْتَقّ من الوله، لِأَن قُلُوب الْعباد توله نَحوه، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال مولوه كَمَا يُقَال معبود، إِلَّا أَنهم خالفوا بِهِ الْبناء ليَكُون علما فَقَالُوا: إِلَه: كَمَا قَالُوا للمكتوب كتاب، وللمحسوب حِسَاب. وَقَالَ آخَرُونَ: أَصله من أَله الرجل يأله: إِذا تحير، لِأَن الْقُلُوب تتحير عِنْد التفكر فِي عَظمته، وَقد قيل إِنَّه الِاسْم الْأَعْظَم، وَكَذَلِكَ قيل فِي قَوْله: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} . [15] قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والقيوم: الَّذِي لَا يَزُول لَا ستقامة وَصفه بالوجود، إِذا لَا يجوز عَلَيْهِ التَّغَيُّر بِوَجْه من الْوُجُوه. قَالَ الزّجاج: القيوم: الْقَائِم بِأَمْر الْخلق. [15] وَفِي (القيوم) ثَلَاث لُغَات: (القيوم) وَهِي قِرَاءَة الْجُمْهُور. و (الْقيام) وَهِي قِرَاءَة عمر وَابْن مَسْعُود. و (الْقيم) وَهِي قِرَاءَة عَلْقَمَة. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وأصل القيوم: القيووم، فَلَمَّا اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو

(2/71)


وَالسَّابِق سَاكن جعلتا يَاء مُشَدّدَة. وأصل الْقيام: القيوام. قَالَ الْفراء: وَأهل الْحجاز يصرفون الفعال إِلَى الفيعال، يَقُولُونَ للصواغ صياغ. [15] وَقَوله: " إِن لهَذِهِ الْآيَة لِسَانا " مجازه أَن الْحق عز وَجل يقدس: أَي يعظم وينزه عَن السوء عِنْد الْعَرْش بِهَذِهِ الْآيَة، أَو لِأَنَّهُ مَوْصُوف بِمَا فِيهَا.

(2/72)


(38) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي طَلْحَة زيد بن سهل
[15] شهد جَمِيع الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لصوت أبي طَلْحَة فِي الْجَيْش خير من فِئَة ". وروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَعشْرين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة.
545 - / 659 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة ". [15] أما امتناعها لأجل الْكَلْب فلنجاسته وتنجيسه مَا يكون فِي الْبَيْت وَأما لأجل الصُّور فَلِأَن الصُّورَة قد كَانَت تعبد من دون الله عز وَجل. [15] والتماثيل جمع تِمْثَال: وَهُوَ اسْم للشَّيْء الْمَصْنُوع مشبها بِخلق الله تَعَالَى، واصله من مثلت الشَّيْء بالشَّيْء: إِذا شبهته بِهِ. [15] وَقَوله: " إِلَّا رقما فِي ثوب " زِيَادَة فِي بعض الرِّوَايَات تَقْتَضِي أَن يكون الْمنْهِي عَنهُ مَا كَانَ لَهُ شخص ماثل دون مَا كَانَ منسوجا فِي ثوب، وَهَذَا مَحْمُول على جَوَاز اسْتِعْمَاله بِأَن يُوطأ ويداس، فَأَما عمل الصُّورَة فَلَا يحل، وَلَا تَعْلِيق السّتْر الَّذِي هِيَ فِيهِ، وسنبين هَذَا فِي مُسْند عَائِشَة

(2/73)


عَلَيْهَا السَّلَام.
546 - / 660 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَنه كَانَ إِذا ظهر على قوم أَقَامَ بالعرصة ثَلَاث لَيَال. [15] ظهر بِمَعْنى غلب. والعرصة: أَرض الْمَكَان. وَإِنَّمَا كَانَ يُقيم لظُهُور تَأْثِير الْغَلَبَة، وتنفيذ الْأَحْكَام، وترتيب النواب. [15] والبضع: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة. وَقد فسرت الْبضْعَة فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَنَّهَا أَرْبَعَة، قَالُوا: أَمر بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا. [15] والطوي: الْبِئْر المطوية. وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو عمر بن حيويه قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحسن الرزاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الحكيمي قَالَ: أخبرنَا ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَسمَاء الْبِئْر: الرَّكية، والقليب، وَالْفَقِير، والطوي. [15] وَأما الصناديد فهم الْأَشْرَاف. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر، وَذكرنَا هُنَاكَ سَماع الْقَوْم لخطاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
547 - / 661 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ:

(2/74)


[15] كنت فِيمَن تغشاه النعاس يَوْم أحد حَتَّى سقط السَّيْف من يَدي مرَارًا. [15] لما وَقعت يَوْم أحد الْهَزِيمَة فِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكثر الْقَتْل فيهم وَصَاح الشَّيْطَان: قتل مُحَمَّد، اشْتَدَّ خوفهم، وَقَوي غمهم، ثمَّ أنعم الله عَلَيْهِم بِأَن أنزل عَلَيْهِم بعد الْغم أَمَنَة نعاسا، والأمنة: الْأَمْن، وَالنُّعَاس: أخف النّوم، وأمنهم أمنا ينامون مَعَه، والأمنة بِزَوَال الْخَوْف؛ لِأَن الْخَائِف لَا ينَام.
548 - / 662 وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: [15] كُنَّا قعُودا فِي الأفنية، فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " مَا لكم ولمجالس الصعدات؟ ". [15] الأفنية جمع فنَاء: وَهُوَ مَا دَار حول الْمنزل، قَالَ أَبُو عبيد: والصعدات: الطّرق، مَأْخُوذَة من الصَّعِيد: وَهُوَ التُّرَاب، وَجمع الصَّعِيد صعد، وَجمع الْجمع صعدات، كَمَا يُقَال طَرِيق وطرق وطرقات. [15] وَقَوله: لغير مَا بَأْس. مَا زَائِدَة. [15] وَقَوله: " إِمَّا لَا " قد بَينا هَذِه الْكَلِمَة فِي مُسْند بُرَيْدَة.

(2/75)