كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (39) كشف الْمُشكل من مُسْند عبَادَة بن الصَّامِت
[15] شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يعلم أهل الصّفة الْقُرْآن، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء الاثْنَي عشر. وروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وأحداً وَثَمَانِينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة. [15]
549 - / 663 - فَفِي الحَدِيث الأول: " من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه " وَقد سبق بَيَانه فِي مُسْند أبي مُوسَى ".
550 - / 664 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة ". [15] وَلِهَذَا الحَدِيث وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن النُّبُوَّة لما كَانَت تَتَضَمَّن اطلاعا على أُمُور يظْهر تحقيقها فِيمَا بعد، وَقع التَّشْبِيه لرؤيا الْمُؤمن بهَا. وَالثَّانِي: أَنه لما كَانَ جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء ثبتَتْ نبوتهم بِمُجَرَّد الْوَحْي فِي النّوم، وَجَمَاعَة أُخْرَى ابتدءوا بِالْوَحْي فِي الْمَنَام ثمَّ رقوا

(2/76)


إِلَى الْوَحْي واليقظة، حسن التَّشْبِيه. [15] فَإِن قيل: فَمَا وَجه حصرها بِسِتَّة وَأَرْبَعين؟ فقد قَالَ بعض الْعلمَاء: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَقِي فِي النُّبُوَّة ثَلَاثًا وَعشْرين سنة، أَقَامَ مِنْهَا بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة، وَكَانَ يُوحى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فِي أول الْأَمر سِتَّة أشهر وَهِي نصف سنة، فَصَارَت هَذِه الْمدَّة جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من أَيَّام نبوته. [15] وَقد تواطأ على رِوَايَة هَذَا اللَّفْظ جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَأخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عبَادَة، وَأبي سعيد، وَأبي هُرَيْرَة، غير أَنه قد روى مُسلم من حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سبعين جُزْءا من النُّبُوَّة " فعلى هَذَا تكون رُؤْيا الْمُؤمن مُخْتَلفَة، فأدناها من سبعين جُزْءا، وأعلاها من سِتَّة وَأَرْبَعين. وَقَالَ ابْن جرير: فَأَما قَوْله: " من سبعين " فعام فِي كل رُؤْيا صَالِحَة لكل مُسلم، بِأَيّ أَحْوَاله كَانَ وعَلى أَي حَال رَآهَا، وَأما جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين فحالة من يكون من أهل إسباغ الْوضُوء فِي السبرات، وَالصَّبْر على المكروهات، وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة. قَالَ: وَقد رُوِيَ: " جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين جُزْءا " وَذَلِكَ لما بَين ذَلِك من الْأَحْوَال.
551 - / 665 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب ".

(2/77)


وَهَذَا دَلِيل على تعْيين الْفَاتِحَة، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ابْن حَنْبَل فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَفِي الْأُخْرَى: يَجْزِي غَيرهَا كمذهب أبي حنيفَة. 3552 / 666 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر. [15] الْعسر: الشدَّة، واليسر: السهولة. [15] والمنشط: النشاط، وَالْمكْره: مَا يكره، والأثرة: انْفِرَاد الْأَمِير عَن الرعايا بِمَا لَهُم فِيهِ حق. [15] ومنازعة الْأَمر يَعْنِي بهَا الْإِمَارَة. [15] وَقَوله: إِلَّا أَن تروا كفرا بواحا. الْبَاء مَفْتُوحَة، وَالْمعْنَى: جهارا. [15] قَوْله: عنْدكُمْ فِيهِ من الله برهَان، أَي أَنه كفر، فَحِينَئِذٍ تجوز الْمُنَازعَة. [15] وَقَوله: لَا نَخَاف فِي الله لومة لائم. إِن قيل: الْخَوْف انزعاج النَّفس، وَذَلِكَ لَا يملك، فَكيف تقع الْمُبَايعَة على نفي مَالا يملك؟ فَالْجَوَاب: أَن هَذَا من التَّوَسُّع فِي الْعبارَة، وَالْمعْنَى: لَا يتْرك القَوْل بِالْحَقِّ خوفًا من اللوم.
553 - / 667 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " تُبَايِعُونِي على أَن أَلا تُشْرِكُوا

(2/78)


بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم ". [15] قتل الْأَوْلَاد المُرَاد بِهِ الموءودة الَّتِي كَانُوا يفعلونها فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا تمخضت بحملها حفرت لَهَا بِئْر، فَإِن ولدت ذكرا حبسوه، وَإِن ولدت أُنْثَى رَمَوْهَا فِي الْبِئْر. [15] وَفِي المُرَاد بالبهتان هَاهُنَا أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الزِّنَا، وافتراء الْمَرْأَة بَين يَديهَا ورجليها، وَهُوَ ولد الزِّنَا، لِأَنَّهُ يَقع عِنْد الْوَضع بَين يَديهَا ورجليها، فَإِذا ألحقته بزوجها فَذَلِك الْبُهْتَان المفترى. وَقَوله للرِّجَال: " وَلَا يأْتونَ بِبُهْتَان يفترونه " يحْتَمل شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون بَايع الرِّجَال وَالنِّسَاء، فَاجْتمع الْكل فِي النَّهْي عَن الزِّنَا، وَانْفَرَدَ النِّسَاء بِصِيغَة الافتراء بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ. وَالثَّانِي: أَن يكون قَرَأَ عَلَيْهِم الْآيَة وَلم يسْقط مَا يتَعَلَّق بِالنسَاء مِنْهَا. [15] وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد بالبهتان هَاهُنَا قذف الْمُحْصنَات والمحصنين، وَيدخل فِي ذَلِك الْكَذِب على النَّاس والاغتياب لَهُم، وَإِنَّمَا ذكرت الْأَيْدِي والأرجل لِأَن مُعظم أَفعَال النَّاس إِنَّمَا تُضَاف مِنْهُم إِلَى الْأَيْدِي والأرجل، إِذْ كَانَت هِيَ العوامل والحوامل، يَقُولُونَ: لفُلَان عِنْدِي يَد، وَالْكِنَايَة بِالْيَدِ عَن الذَّات، قَالَه أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ. [15] وَالْقَوْل الثَّالِث: الْبُهْتَان هَاهُنَا الْمَشْي بالنميمة وَالسَّعْي بِالْفَسَادِ. [15] وَالرَّابِع: أَنَّهُمَا السحر، ذكرهمَا الْمَاوَرْدِيّ.

(2/79)


[15] وَقَوله: " وَمن أصَاب شَيْئا من ذَلِك فَعُوقِبَ بِهِ. فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ ". قَالَ الشَّافِعِي: لم أسمع فِي أَن الْحَد يكون كَفَّارَة لأَهله أحسن من هَذَا الحَدِيث. [15] وَقَوله: " وَلَا يعضه بَعْضنَا بَعْضًا " أَي لَا يرميه بالعضيهة: وَهِي الْكَذِب والبهتان، وَالْفِعْل مِنْهَا عضهت.
554 - / 669 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " إِنِّي خرجت لأخبركم بليلة الْقدر، فتلاحى فلَان وَفُلَان فَرفعت، وَعَسَى أَن يكون خيرا لكم ". [15] والملاحاة: الْخُصُومَة. وَقَوله: " فَرفعت " قَالَ ابْن عقيل: رفع علمهَا. قَالَ: فَإِن قيل: فَكيف أَمر بِطَلَب مَا قد رفع؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا أَمر بالتعبد لتقع المصادفة بِالْعَمَلِ لَا الْعلم بِالْعينِ، لِأَنَّهُ مَتى تصور علمهَا زَالَ معنى الرّفْع. [15] وَقَوله: " عَسى أَن يكون خيرا لكم " وَذَلِكَ لِأَن كتمها أحرص لَهُم على طلبَهَا، وَلَو عينت لاقتنعوا بِتِلْكَ اللَّيْلَة فَقل عَمَلهم. [15] وَقَوله: " فالتمسوها فِي التَّاسِعَة وَالسَّابِعَة وَالْخَامِسَة " دَلِيل على أَنَّهَا فِي الْأَفْرَاد من اللَّيَالِي. وَقد سبق الْكَلَام فِي هَذَا فِي مُسْند أبي بن كَعْب.

(2/80)


555 - / 670 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من تعار من اللَّيْل ". يَعْنِي اسْتَيْقَظَ.
556 - / 671 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " خُذُوا عني، قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا، الْبكر بالبكر جلد مائَة وَنفي سنة، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم ". [15] الْإِشَارَة إِلَى قَوْله عز وَجل: {أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} [النِّسَاء: 15] . [15] والسبيل مَا ذكره من قَوْله: " الْبكر بالبكر، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ " وَكَانَ حد الزَّانِيَيْنِ بِمُقْتَضى هَذِه الْآيَة الْأَذَى لَهما وَالْحَبْس للْمَرْأَة خَاصَّة، فنسخ الحكمان. وَاخْتلف الْعلمَاء بِمَاذَا وَقع نسخهما؟ وَالصَّحِيح أَنه نسخ بِوَحْي لم تَسْتَقِر تِلَاوَته، بِدَلِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا " وَقَوله: " الْبكر بالبكر " وَهُوَ الرجل لم يتَزَوَّج وَالْمَرْأَة لم تتَزَوَّج، وَالثَّيِّب بِخِلَاف ذَلِك. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَنه يجْتَمع الْجلد وَالرَّجم فِي حق الزَّانِي الْمُحصن، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على وجوب التَّغْرِيب، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب، وَقَالَ مَالك: لَا يجب على الْمَرْأَة خَاصَّة.

(2/81)


557 - / 672 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " الذَّهَب بِالذَّهَب، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالْبرِّ، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، وَالْملح بالملح، مثلا بِمثل، سَوَاء بِسَوَاء، يدا بيد، فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد ". [15] اتّفق الْعلمَاء على أَن التَّفَاضُل فِي بيع هَذِه الْأَعْيَان السِّتَّة الَّتِي نَص عَلَيْهَا رَبًّا، وَاخْتلفُوا: هَل جرى فِيهَا الرِّبَا لأعيانها أَو لعلل تعلّقت بهَا؟ فَقَالَ دَاوُد: لأعيانها، وَقَالَ عَامَّة الْفُقَهَاء: لعلل تعلّقت بهَا. فَأَما الذَّهَب وَالْفِضَّة فالعلة عندنَا فِي تَحْرِيم الرِّبَا فيهمَا الْوَزْن، وَبِهَذَا تعدت الْعلَّة إِلَى كل مَوْزُون. وَأما الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة فالعلة فِي تَحْرِيم الرِّبَا فِي الْجِنْس مِنْهَا الْكَيْل، وَبِذَلِك يتَعَدَّى الحكم إِلَى غَيرهمَا، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، وَهُوَ الْمَنْصُور عندنَا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. فعلى هَذَا تكون الْعلَّة مركبة من وصفين: الْكَيْل، وَالْجِنْس. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا أَن الْعلَّة فيهمَا الطّعْم، وَهُوَ الْجَدِيد من قَوْله الْمَنْصُور عِنْد أَصْحَابه، وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد، فعلى هَذَا تكون الْعلَّة الطّعْم، وَالْجِنْس مَحل وَشرط وَلَيْسَ بعلة، وَالْقَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ أَن الْعلَّة الْكَيْل والطعم إِذا اجْتمعَا، وَهَذَا قَوْله الْقَدِيم وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّالِثَة عَن أَحْمد. وَقَالَ مَالك: الْعلَّة كَونه قوتا أَو مصلحا للقوت. [15] وَقَوله: " إِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم " دَلِيل على أَنه يجوز بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ. وَقَالَ مَالك: الْبر وَالشعِير جنس وَاحِد، وَعلل بِأَن الْبر لَا يَخْلُو من الشّعير، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَمَا يتضمنه الْبر من الشّعير لَا يعْتَبر بِهِ، وَلَو

(2/82)


اعْتبر بِهِ لم يجز بيع أَحدهمَا بِالْآخرِ. [15] وَقَوله: " إِذا كَانَ يدا بيد " منع لربا النسئية فِي الْجِنْس بِالْجِنْسِ، وَقد شرحنا فِي مُسْند عمر. [15] وَفِي الحَدِيث أَن مُعَاوِيَة أَمر أَن تبَاع أواني من فضَّة إِلَى زمَان خُرُوج الْعَطاء، فَأنْكر ذَلِك عبَادَة وَأورد هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا بَال أَقوام يتحدثون عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَادِيث قد كُنَّا نصحبه فَلم نسمعها مِنْهُ. وَالْعجب من إِنْكَار مُعَاوِيَة حَدِيث عبَادَة، وَأَيْنَ صُحْبَة عبَادَة من صُحْبَة مُعَاوِيَة! فَإِن عبَادَة شهد الْعقبَة وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَإِن كَانَ قد اخْتلف فِي حُضُوره بَدْرًا، وَمُعَاوِيَة إِنَّمَا أسلم يَوْم الْفَتْح فصحبه سنتَيْن، فَمَا قدر تِلْكَ الصُّحْبَة بِالْإِضَافَة إِلَى تِلْكَ. ثمَّ قد كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع عشرَة سنة وخفيت عَلَيْهِ أَشْيَاء من أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وَمعنى قَوْله: وَإِن رغم: أَي الْتَصق بالرغام، وَهُوَ التُّرَاب.

(2/83)


(40) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ [
15 -] واسْمه خَالِد بن يزِيد، لم يفته مشْهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى عَنهُ مائَة حَدِيث وَخَمْسَة وَخمسين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا.
558 - / 673 - فَفِي الحَدِيث الأول: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا غربت الشَّمْس، فَسمع صَوتا فَقَالَ: " يهود تعذب فِي قبورها ". [15] قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: يهود أعجمي مُعرب، وهم منسوبون إِلَى يهوذ بن يَعْقُوب، فسموا الْيَهُود، وعربت بِالدَّال. قَالَ: وَقيل: هُوَ عَرَبِيّ، وَسمي يَهُودِيّا لتوبته فِي وَقت من الْأَوْقَات فَلَزِمَهُ من أجلهَا هَذَا. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على عَذَاب الْقَبْر. [15] وَاعْلَم أَن الْإِيمَان بِعَذَاب الْقَبْر وَاجِب للأحاديث الْوَارِدَة فِيهِ، وَهُوَ مَذْكُور فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي أَيُّوب، وَزيد بن ثَابت، وَابْن

(2/84)


عَبَّاس، وَجَابِر، وَعَائِشَة، وَأم خَالِد. وَقد سَأَلَ قوم فَقَالُوا: هَل المعذب الْبدن أَو الرّوح؟ فَإِن قُلْتُمْ الرّوح فالروح لَيست فِي الْبدن المقبور، وَإِن قُلْتُمْ الْبدن فَهُوَ جماد؟ [15] فقد أجَاب عَن هَذَا أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فَقَالَ: الْإِيمَان وَاجِب بالتعذيب من غير تَفْصِيل، غير أَن الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس أَن التعذيب والتنعيم للأرواح الَّتِي أبدانها فِي الْقُبُور لِأَن الْأَرْوَاح هِيَ الْمَقْصُود وَالْبدن آلَة، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب} [النِّسَاء: 56] فَأخْبر بعلة التبديل، وَفهم من ذَلِك أَن الْجُلُود البالية لَا تذوق الْعَذَاب لعدم الإحساس. [15] فَإِن قيل: فَكيف خص الْقَبْر بذلك؟ قُلْنَا: إِنَّمَا عرف بالقبر، وَالْمرَاد صَاحب الْقَبْر، وَمن الْجَائِز أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أدْرك تَعْذِيب تِلْكَ الْأَرْوَاح الَّتِي أبدانها فِي الْقُبُور. قَالَ: وَمن الْجَائِز أَن يَجْعَل بَين الْبدن وَالروح نوع اتِّصَال لَا نعلمهُ، وَمن الْجَائِز أَن يخلق الله عز وَجل فِي الْبدن إدراكا للتعذيب والتنعيم كَمَا يخلق فِي بعض الْحِجَارَة فتخشع، وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك. وَلَا يجوز أَن يُقَال: إِنَّمَا يكون ذَلِك وَقت السُّؤَال؛ فَإِن الرّوح ترد حِينَئِذٍ وَيكون التعذيب والتنعيم فِي ذَلِك الْوَقْت، لِأَنَّهُ أخبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْيَهُود يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم وَلم يكن حِينَئِذٍ وَقت دفنهم. وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع صَوتا من قبر فَسَأَلَ " مَتى دفن هَذَا؟ " فَقَالُوا: فِي الْجَاهِلِيَّة، فأعجبه ذَلِك وَقَالَ: " لَوْلَا أَن لَا تدافنوا

(2/85)


لَدَعَوْت الله أَن يسمعكم عَذَاب الْقَبْر ".
559 - / 674 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع فِي حجَّة الْوَدَاع الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ. [15] مَا حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هجرته سوى حجَّة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا سميت حجَّة الْوَدَاع لِأَنَّهُ ودع النَّاس لما خطبهم، فَقَالُوا: هَذِه حجَّة الْوَدَاع، وَقد اعْتَمر بعد الْهِجْرَة ثَلَاث مَرَّات، وَقد حج قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا حِين كَانَ بِمَكَّة حجات لَا يعرف عَددهَا. [15] والمزدلفة من الازدلاف، وَهُوَ الْقرب، وَكَأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يَقع فِيهِ الْقرب إِلَى مَكَّة.
560 - / 675 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث ". [15] اعْلَم أَن تَحْرِيم الْهِجْرَة بَين الْمُسلمين أَكثر من ثَلَاث إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يكون بَينهم من عتب وموجدة، أَو لتقصير يَقع فِي حُقُوق الْعشْرَة وَنَحْو ذَلِك، فَهَذَا يحد لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام ليرْجع المقصر عَن تَقْصِيره، ويرعوي بهجرته، فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة حرمت الْهِجْرَة عَلَيْهِم، وَيَكْفِي فِي قطع الْهِجْرَة السَّلَام. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " فَإِذا مرت ثَلَاثَة أَيَّام فليلقه فليسلم عَلَيْهِ، فَإِن رد عَلَيْهِ السَّلَام فقد اشْتَركَا فِي الْأجر، وَإِن لم يرد عَلَيْهِ فقد برِئ الْمُسلم من الْهِجْرَة " وَفِي حَدِيث أبي

(2/86)


خرَاش السّلمِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " من هجر أَخَاهُ سنة فَهُوَ كسفك دَمه ". [15] فَأَما إِذا كَانَ الهجر لأجل الدّين فَإِن هجر أهل الْبدع يَنْبَغِي أَن يَدُوم على مُرُور الزَّمَان مَا لم تظهر مِنْهُ تَوْبَة وَرُجُوع إِلَى الْحق، وَكَذَلِكَ المبارزون بِالْمَعَاصِي، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْتنع من كَلَام الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا وَنهى النَّاس عَن كَلَامهم حَتَّى أنزل الله عز وَجل تَوْبَتهمْ.
561 - / 676 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروا، وَلَكِن شرقوا أَو غربوا ". [15] الْغَائِط: الْمَكَان المطمئن من الأَرْض، وَكَانُوا يأتونه لقَضَاء الْحَاجة. وَهَذَا الْخطاب لأهل الْمَدِينَة وَلمن كَانَت قبلته على ذَلِك السمت، فَأَما من كَانَت قبلته إِلَى جِهَة الْمغرب والمشرق فَإِنَّهُ لَا يشرق وَلَا يغرب. وَقد اتّفقت الرِّوَايَة عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَلَا استدبارها للْحَاجة فِي الصَّحرَاء، وَهل يجوز فِي الْبُنيان؟ على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا يجوز، وَبهَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَالثَّانيَِة: لَا يجوز كالصحراء، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَقَالَ دَاوُد: يجوز بِكُل حَال. [15] قَوْله: فَوَجَدنَا مراحيض. المراحيض جمع مرحاض: وَهُوَ المغتسل، يُقَال: رحضت الثَّوْب: إِذا غسلته. وَقَوله: فننحرف أَي

(2/87)


نَمِيل فِي جلوسنا. وَكَانَ أَبُو أَيُّوب لَا يرى جَوَاز اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الْبُنيان كَمَا لَا يجوز فِي الصَّحَارِي.
562 - / 677 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَخْبرنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار. فَقَالَ الْقَوْم: مَاله، مَاله؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أرب مَاله ". [15] هَذِه اللَّفْظَة تروى على ثَلَاثَة أوجه: [15] أَحدهَا: أرب بِفَتْح الرَّاء، والأرب: الْحَاجة، وَمَا صلَة، وَالْمعْنَى: حَاجَة جَاءَت بِهِ. فَإِن قيل: فقد علم بسؤال الرجل أَن لَهُ حَاجَة، فَمَا فَائِدَة قَول الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام: لَهُ حَاجَة؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: لَهُ حَاجَة مهمة مفيدة جَاءَت بِهِ. [15] وَالْوَجْه الثَّانِي: أرب بِكَسْر الرَّاء، وَالْبَاء منونة فِي الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الأرب من الرِّجَال: ذُو الْعلم والخبرة، وَأنْشد:
(يلف طوائف الفرسان ... وَهُوَ بلفهم أرب)
أَي: ذُو علم وخبرة. [15] ثمَّ فِي معنى مَاله وَجْهَان: أَحدهمَا الْمَدْح، وهم يَقُولُونَ فِي الْمَدْح: مالفلان، وَيَا لفُلَان. وَيجوز أَن يكون قَول الصَّحَابَة: مَاله من هَذَا أَيْضا. وَالثَّانِي أَنه جَوَاب قَول الصَّحَابَة مَاله، فَيكون الْمَعْنى: أَي حَالَة تنكرون من عَاقل جَاءَ لنيل هَذِه الْفَائِدَة؟ [15] وَالْوَجْه الثَّالِث: أرب بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْبَاء على مَذْهَب الْفِعْل

(2/88)


الْمَاضِي، وَفِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى: فطن لهَذَا الْأَمر، قَالَه النَّضر بن شُمَيْل. يُقَال: أرب الرجل فِي الْأَمر: إِذا فطن لَهُ وَبلغ فِيهِ جهده. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أربت بالشَّيْء: إِذا صرت فِيهِ ماهرا بَصيرًا، فَيكون الْمَعْنى على هَذَا التَّعَجُّب من حسن فطنته وتهديه إِلَى مَوضِع حَاجته. وَالثَّانِي: أَن أرب بِمَعْنى احْتَاجَ، وَالْمعْنَى: احْتَاجَ إِلَى السُّؤَال فَسَأَلَ فَلَا تنكروا عَلَيْهِ. وَالثَّالِث: أَنه دَعَا عَلَيْهِ بِأَن تصاب آرابه: أَي أعضاؤه، وَالْمعْنَى: اشتكت آرابه وَسَقَطت، وَلَكِن دُعَاء لَا يُرَاد وُقُوعه، وَإِنَّمَا هُوَ على عَادَة الْعَرَب، كَقَوْلِه: " تربت يداك " و " ثكلتك أمك " و " عقرى حلقى " ذكره ابْن قُتَيْبَة وَابْن الْأَنْبَارِي.
563 - / 678 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير عشر مرار كَانَ كمن أعتق أَرْبَعَة أنفس من ولد إِسْمَاعِيل ". [15] إِسْمَاعِيل اسْم أعجمي، وَفِيه لُغَتَانِ بِاللَّامِ وَالنُّون، قَالَ الراجز:
(قَالَ جواري الْحَيّ لما جينا ... هَذَا وَرب الْبَيْت إسماعينا)
[15] كَذَلِك قرأته على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ. وَإِنَّمَا خص إِسْمَاعِيل لِأَنَّهُ أَبُو الْعَرَب وَالْعرب أفضل من غَيرهم، وَعتق الْأَفْضَل أفضل.
564 - / 679 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: عَن عبد الله بن حنين: أَن ابْن

(2/89)


عَبَّاس والمسور اخْتلفَا: هَل يغسل الْمحرم رَأسه؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يغسل رَأسه، فأرسلني إِلَى أبي أَيُّوب، فَوَجَدته يغْتَسل بَين القرنين. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: القرنان: قرنا الْبِئْر، وهما منارتان تبنيان من حِجَارَة أَو مدر على رَأس الْبِئْر من جانبيها ويلقى عَلَيْهَا الْخشب، وَإِن كَانَتَا من خشب فهما زرنوقان، قَالَ بعض الرجاز:
(تبين القرنين وَانْظُر مَا هما ... )

(أحجرا أم مدرا تراهما ... )
[15] وَاعْلَم أَن جُمْهُور الْعلمَاء على أَنه يجوز للْمحرمِ غسل رَأسه، وَقد كرهه مَالك بن أنس، وَقَالَ: لَا يغيب رَأسه فِي المَاء، وَوجه كراهيته للاغتسال أَنه يخَاف قطع شَيْء من الشّعْر، وَوجه كراهيته تغييب الرَّأْس فِي المَاء أَنه نوع من الاستنثار، والمأخوذ على الْمحرم كشف رَأسه. [15] وَقَوله: لَا أماريك. المراء: المجادلة على طَرِيق الشَّك.
565 - / 680 وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ: " مَا بعث الله من نَبِي وَلَا كَانَ بعده من خَليفَة إِلَّا لَهُ بطانتان: بطانة تَأمره بِالْمَعْرُوفِ وتنهاه عَن الْمُنكر، وبطانة لَا تألوه خبالا ".

(2/90)


[15] قَالَ الزّجاج: البطانة: الدخلاء الَّذين يستبطنون وينبسط إِلَيْهِم، يُقَال: فلَان بطانة لفُلَان: أَي مدَاخِل لَهُ مؤانس. [15] وَقَوله: " لَا تألوه " تألو بِمَعْنى تقصر. والخبال: الشَّرّ، وَالْمعْنَى: لَا تبقي تِلْكَ البطانة غَايَة فِي إلقائه فِي الشَّرّ، وَهَذَا لِأَن أهل الْخَيْر يدعونَ إِلَى مُرَادهم، وَأهل الشَّرّ يحثون على محبوبهم، والوالي مائل بِالْعقلِ وَالدّين إِلَى أهل الْخَيْر، وبالطبع إِلَى أهل الشَّرّ، إِلَّا أَن الْأَنْبِيَاء يعصمون بِطَهَارَة الْوَضع بِالنُّبُوَّةِ وَالْوَحي، وَغَيرهم يفْتَقر إِلَى قُوَّة مجاهدة، لِأَنَّهُ يتَّفق ميل الطَّبْع وحث من يحث على مَا مَال الطَّبْع إِلَيْهِ، فَمن وَفقه الله تَعَالَى لتأمل العواقب وإيثار التَّقْوَى أبعد أهل الشَّرّ، وَقد كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول لبَعض أَصْحَابه: إِذا رَأَيْتنِي قد ملت عَن الْحق فضع يدك فِي تلبابي هزني، ثمَّ قل: يَا عمر مَا تصنع؟
566 - / 681 - وَفِي الحَدِيث الأول (أَفْرَاد مُسلم: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُتِي بِطَعَام أكل مِنْهُ وَبعث بفضله إِلَيّ. [15] اعْلَم أَنه لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة نزل بقباء على كُلْثُوم بن الْهدم ليَالِي، ثمَّ ركب نَاقَته فمشت بِهِ حَتَّى أَتَت بَاب أبي أَيُّوب فبركت عَلَيْهِ، فَنزل عَلَيْهِ. والسفل والعلو يُقَال بِكَسْر السِّين وَالْعين وضمهما. والسقيفة: السّقف.

(2/91)


[15] وَإِنَّمَا كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل الثوم من أجل رِيحه، وَكَانَ يكره أَن يُوجد مِنْهُ ريح كريهة. وَقد بَين فِي الحَدِيث أَنه كره ذَلِك لأجل الْملك، وَقد رُوِيَ أَن الْمَلَائِكَة تَجِد الرّيح وَلَا تَجِد الطّعْم.
567 - / 682 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِن الْأَنْصَار وَمُزَيْنَة وجهينة وغفار موَالِي دون النَّاس ". أَي: يتولونني وأتولاهم، وَهَذَا لإسلامهم ونصرتهم.
568 - / 683 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَوْلَا أَنكُمْ تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فَيغْفر لَهُم ". [15] وَهَذَا لِأَن الذَّنب يُوجب الذل والخشية وَالْخَوْف وَصدق اللجأ، وَبِذَلِك يبين ذل الْعُبُودِيَّة وانفراد عز الربوبية. 569 / 684 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر ". [15] قد ذكر الْعلمَاء فِي تَوْجِيه هَذَا الحَدِيث أَن السّنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا، والحسنة بِعشْرَة أَمْثَالهَا، فوقوع رَمَضَان فِي الْأَغْلَب ثَلَاثِينَ مَعَ سِتّ تفي بذلك. [15] وَقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وصحف هَذَا الحَدِيث أَبُو بكر الصولي فَقَالَ: " وَأتبعهُ شَيْئا من شَوَّال " وأملاه فِي الْجَامِع، وَالصَّوَاب: " سِتا ".

(2/92)


[15] وَقد بَين هَذَا الحَدِيث اسْتِحْبَاب اتِّبَاع رَمَضَان بست من شَوَّال. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يسْتَحبّ ذَلِك، وَيُشبه أَن يكون الحَدِيث مَا بلغهما، أَو مَا صَحَّ عِنْدهمَا.
570 - / 685 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت ". [15] وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: الحبلي بِضَم الْبَاء، وَسمعت عبد الله ابْن أَحْمد النَّحْوِيّ يَقُول: إِمَّا أَن يُقَال بِإِسْكَان الْبَاء أَو بِفَتْحِهَا، نِسْبَة إِلَى الحبلة، فَأَما ضمهَا فَلَا وَجه لَهُ. وَقَالَ ابْن فَارس: الحبلة: ثَمَر العضاه. [15] فَأَما الغدوة فَمن الغدو: وَهُوَ من أول النَّهَار إِلَى انتصافه، فَأَي وَقت من هَذَا سعى فِيهِ الْإِنْسَان قيل: قد غَدا. والرواح من بعد الزَّوَال إِلَى آخر النَّهَار. وسبيل الله هَاهُنَا الْجِهَاد، وَالْمعْنَى أَن مَا يحصل للْإنْسَان من الثَّوَاب فِي غدوته أَو روحته فِي الْجِهَاد خير من كل مَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَن الشَّمْس تطلع على الْكل وتغرب

(2/93)


41 - كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بردة هَانِئ بن نيار [
15 -] لم يفته مشْهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى عَنهُ خَمْسَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد.
571 - / 686 - وَهُوَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يجلد فَوق عشرَة أسواط إِلَّا فِي حد من حُدُود الله عز وَجل ". [15] اعْلَم أَن الضَّرْب على أضْرب: فَمِنْهُ ضرب على ترك أدب، كضرب الْوَلَد على تعلم الْقُرْآن والعربية وَالْعلم الزَّائِد على قدر الْوَاجِب، وَقد كَانَ ابْن عمر يضْرب وَلَده على اللّحن. وَضرب الْوَلَد على ترك الصَّلَاة إِذا بلغ تسع سِنِين، وعَلى ترك أَسبَاب المعاش، فَهَذَا تَأْدِيب يَنْبَغِي أَن يتلطف فِيهِ ويقتنع بِالسَّوْطِ الْوَاحِد والسوطين. وَمن الضَّرْب ضرب على مَا لَا يجوز: كضرب الْمَرْأَة على النُّشُوز، وَضرب الرجل على قبْلَة الْأَجْنَبِيَّة وَالْخلْوَة مَعهَا، وَشتم النَّاس، فَمثل هَذَا قد اخْتلفت الرِّوَايَة فِيهِ عَن أَحْمد، فَروِيَ عَنهُ أَنه يجلد عشرَة، وَعنهُ: يجلد تِسْعَة، وَعنهُ لَا يبلغ بِهِ أدنى الْحُدُود. وَمن الْجِنَايَات مَا يزِيد على هَذَا، كَوَطْء الْجَارِيَة المشركة، فَهَذَا يُزَاد فِيهِ على أدنى الْحُدُود وَلَا يبلغ

(2/94)


بِهِ أَعْلَاهَا. وَقَالَ الْخرقِيّ: لَا يبلغ بالتعزير أدنى الْحُدُود فِي الْجُمْلَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ مَالك: يفعل الإِمَام فِي التَّعْزِير مَا يُؤَدِّيه إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَإِن زَاد على الْحَد.

(2/95)


42 - كشف الْمُشكل من مُسْند زيد بن ثَابت [
15 -] كَانَ أحد كتاب الْوَحْي، وَقد كتب الْوَحْي اثْنَا عشر رجلا: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَأبي بن كَعْب وَزيد وَمُعَاوِيَة وحَنْظَلَة بن الرّبيع وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَأَبَان بن سعيد والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، وَكتب رجل ثمَّ افْتتن وَتَنصر، غير أَن المداوم على كِتَابَة الْوَحْي زيد وَمُعَاوِيَة، وَزيد هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو بكر لجمع الْقُرْآن، وَأمره عُثْمَان أَن يكْتب الْمَصَاحِف، وَكَانَ أبي بن كَعْب يملي عَلَيْهِ. [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَتسْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة.
572 - / 687 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " لَا تَبِيعُوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه " [15] وَأما بَدو الصّلاح فَهُوَ أَن يَبْدُو النضج فِي الثَّمر ويطيب أكله، وبدو الصّلاح فِي بعض ثَمَرَة الشَّجَرَة صَلَاح لجميعها من غير خلاف فِي الْمَذْهَب. وَهل إِذا بدا الصّلاح فِي بعض الْجِنْس من ثَمَر الْبُسْتَان يجوز

(2/96)


بيع ذَلِك الْجِنْس؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: يجوز، وَالثَّانيَِة: لَا يجوز إِلَّا بيع مَا قد بدا صَلَاحه. [15] وَإِنَّمَا اشْترط بَدو الصّلاح لثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا يعود إِلَى البَائِع، وَذَلِكَ من جِهَتَيْنِ: أحداهما أَن ثمن الثَّمَرَة فِي تِلْكَ الْحَال قَلِيل، فَإِذا تَركهَا حَتَّى تصلح زَاد ثمنهَا، وَفِي تعجله للقليل نوع تَضْييع لِلْمَالِ. وَالثَّانِي: لِئَلَّا يُوقع أَخَاهُ الْمُسلم فِي نوع غرر. وَالثَّانِي: يعود إِلَى المُشْتَرِي: وَهُوَ المخاطرة والتغرير بِمَالِه. وَالثَّالِث يرجع إِلَيْهِمَا: وَهُوَ خوف التشاحن وَالْإِثْم عِنْد فَسَاد الثَّمَرَة. وَهَذَا كُله إِذا اشْتَرَاهُ بِشَرْط التبقية، فَأَما إِذا اشْتَرَاهُ بِشَرْط قطعه فِي الْحَال جَازَ. وَقَوله: " وَلَا تَبِيعُوا الثَّمر بِالتَّمْرِ " هَذِه هِيَ الْمُزَابَنَة: وَهِي بيع الثَّمر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ، إِلَّا أَنه رخص فِي الْعرية. قَالَ أَبُو عبيد: الْعرية وَاحِدَة الْعَرَايَا: وَهِي النَّخْلَة يعريها صَاحبهَا رجلا مُحْتَاجا، والإعراء: أَن يَجْعَل لَهُ ثَمَرَتهَا عَاما، فَرخص لرب المَال أَن يبْتَاع ثَمَر تِلْكَ النَّخْلَة المعراة بِتَمْر لموْضِع حَاجته - يَعْنِي حَاجَة الْمِسْكِين. قَالَ: وَقيل. بل هُوَ الرجل تكون لَهُ النَّخْلَة وسط نخل كثير لرجل آخر، فَيدْخل رب النَّخْلَة إِلَى نخلته، وَرُبمَا كَانَ مَعَ صَاحب النّخل الْكثير أَهله فِي النّخل فيؤذيه بِدُخُولِهِ، فَرخص لصَاحب النّخل الْكثير أَن يَشْتَرِي ثَمَر تِلْكَ النَّخْلَة من صَاحبهَا قبل أَن يجدهَا بِتَمْر لِئَلَّا يتَأَذَّى بِهِ. قَالَ: وَالتَّفْسِير الأول أَجود، لِأَن هَذَا لَيْسَ فِيهِ إعراء، إِنَّمَا هِيَ نَخْلَة يملكهَا رَبهَا، فَكيف تسمى عرية؟

(2/97)


[15] فَأَما الْكَلَام فِي الحكم: ففائدة الحَدِيث جَوَاز بيع الْعَرَايَا: وَهُوَ بيع الرطب على رُؤُوس النّخل بخرصه تَمرا على الأَرْض، وَهل يجوز ذَلِك فِي سَائِر الثِّمَار الَّتِي لَهَا رطب ويابس؟ على وَجْهَيْن عَن أَصْحَابنَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز بيع الْعَرَايَا. وَعِنْدنَا أَنه يجوز بيع الْعَرَايَا مِمَّن وَهبهَا كَمَا يجوز من غَيره. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز إِلَّا من الْوَاهِب، وَلَا يجوز بيع ذَلِك نَسِيئَة. وَقَالَ مَالك: يجوز وَلَا يجوز إِلَّا عِنْد الْحَاجة، وَهُوَ أَلا يكون للرجل مَا يَشْتَرِي بِهِ الرطب غير التَّمْر خلافًا للشَّافِعِيّ، وَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: يجوز فِي خَمْسَة أوسق، فَأَما مَا زَاد فَهُوَ لَا يجوز، قولا وَاحِدًا.
573 - / 688 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: تسحرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قمنا إِلَى الصَّلَاة، وَكَانَ بَينهمَا قدر خمسين آيَة. [15] قد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث فائدتين: إِحْدَاهمَا تَأْخِير السّحُور، وَهُوَ السّنة، وَالثَّانيَِة: التغليس بِالْفَجْرِ، وَهُوَ عندنَا أفضل إِذا حضر الْجِيرَان، فَإِن تَأَخَّرُوا كَانَ الْأَفْضَل التَّأْخِير. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل التَّأْخِير: وَقَالَ الشَّافِعِي: التَّقْدِيم الْأَفْضَل.
574 - / 689 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى

(2/98)


أحد رَجَعَ نَاس مِمَّن خرج مَعَه، وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم فرْقَتَيْن: قَالَت فرقة: نقتلهم. وَقَالَت فرقة: لَا نقتلهم، فَنزلت: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} [النِّسَاء: 88] . [15] كَانَت غزَاة بدر قد أقرحت قُلُوب الْمُشْركين بِمن قتل من رؤوسهم، فتجهزوا لِلْخُرُوجِ إِلَى قتال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأخذُوا مَعَهم النِّسَاء ليذكرنهم قَتْلَى بدر، فَيكون أجرأ لَهُم فِي الْقِتَال، فَلَمَّا رحلوا عَن مَكَّة وَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرهم حرست الْمَدِينَة، وَبَات قوم على بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرسونه، وَكَانَ رَأْيه ورأي الأكابر من أَصْحَابه أَلا يخرج من الْمَدِينَة، فَطلب فتيَان أَحْدَاث لم يشْهدُوا بَدْرًا أَن يخرجُوا رَغْبَة فِي الشَّهَادَة، وغلبوا على الْأَمر، فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فانخذل عبد الله بن أبي بعد أَن خرج مَعَه، وانخذل مَعَه ثَلَاثمِائَة. [15] وَقَوله: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} وَالْمعْنَى: أَي شَيْء لكم فِي الِاخْتِلَاف فِي أَمرهم وَقد ظهر نفاقهم. والفئة: الْفرْقَة. [15] وَقَوله: " إِنَّهَا طيبَة " يَعْنِي الْمَدِينَة. وَقد سبق بَيَان هَذَا الِاسْم وَأَنه من الطّيب، وَقَوله: " تَنْفِي الرِّجَال " أَي من لَا يصلح لَهَا " كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد " أَي يخلص رديئه من جيده.
575 - / 690 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (والنجم) فَلم يسْجد فِيهَا. [15] لَا يخْتَلف مَذْهَبنَا أَن فِي (النَّجْم) سَجْدَة، غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم

(2/99)


يسْجد لِأَن الْقَارئ عَلَيْهِ مَا سجد، وَإِنَّمَا يسن سُجُود المستمع إِذا سجد الْقَارئ.
576 - / 691 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: احتجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيرة بخصفة أوحصير. [15] احتجر: بِمَعْنى اتخذ شبه الْحُجْرَة أحَاط عَلَيْهَا بخصفة: وَهِي مَا يعْمل من جلال التَّمْر أَو سعف الْمقل، وأصل الخصف الضَّم وَالْجمع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} [الْأَعْرَاف: 22] . [15] وَقَوله: " فتتبع إِلَيْهِ رجال " أَي تتبعوا أثر فعله وقصدوا التأسي بِهِ. [15] وحصبوا الْبَاب: أَي رَمَوْهُ بالحصباء: وَهِي الْحَصَا الصغار. [15] وَقَوله: " ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم " أَي سيفرض عَلَيْكُم. [15] وَإِنَّمَا غضب شَفَقَة على أمته، وَذَلِكَ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: خوف أَن يفْرض عَلَيْهِم. وَالثَّانِي: أَن يحملوا طَاعَة لَا تجب ثمَّ يعجزون عَنْهَا فيتركونها، فَيَقَع الذَّم لَهُم كَمَا وَقع بالذين ابتدعوا الرهبانية ثمَّ مَا رعوها. [15] وَقَوله: " فَإِن أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته " إِنَّمَا فضل إخفاء النَّوَافِل لِأَن الْإِخْلَاص فِي الْخلْوَة أصفى من جِهَة أَن الْعَمَل بَين النَّاس رُبمَا شيب بحب مدحه.
577 - / 692 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] كَانَ النَّاس يبتاعون الثِّمَار، فَإِذا جذ النَّاس وَحضر تقاضيهم قَالَ

(2/100)


الْمُبْتَاع: إِنَّه أصَاب الثَّمر الدمَان، أَصَابَهُ مراض، أَصَابَهُ قشام، عاهات يحتجون بهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كثرت عِنْده الْخُصُومَة فِي ذَلِك: " إِمَّا لَا، فَلَا تتبايعوا حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمر " كالمشورة يُشِير بهَا. [15] جذ النَّاس: قطعُوا الثِّمَار. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: والدمان أَن تَنْشَق النَّخْلَة أول مَا يَبْدُو قَلبهَا عَن عفن وَسَوَاد. والقشام: أَن ينتقص ثَمَر النّخل قبل أَن يصير بلحا. وَأما المراض فمضمومة الْمِيم: وَهُوَ اسْم لأنواع الْأَمْرَاض، وعَلى هَذَا تَجِيء أَسمَاء الْأَمْرَاض فِي الْغَالِب كالصداع والسعال. [15] وَقَوله: " إِمَّا لَا " قد سبق بَيَانه فِي مُسْند بُرَيْدَة. [15] وَقَوله: كالمشورة. الصَّوَاب فِي المشورة ضم الشين وتسكين الْوَاو، وَهِي من شرت الْعَسَل: إِذا استخرجته من بيُوت النَّحْل، وَالْمرَاد بِهَذِهِ المشورة أَلا يشتروا شَيْئا حَتَّى يتكامل صَلَاح جَمِيع الثَّمَرَة لِئَلَّا تجْرِي مُنَازعَة، وَقد تكلمنا فِي هَذَا فِي أول هَذَا الْمسند.
578 - / 693 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يتعل

(2/101)


كتاب الْيَهُود. وَفِي رِوَايَة فَلم يمر لي نصف شهر حَتَّى حذقته. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي وَالله مَا آمن الْيَهُود على كتابي ". [15] المُرَاد بِكِتَاب الْيَهُود العبرانية. [15] وحذقته: أحسنته، وَيُقَال: حذق الرجل فِي صَنعته: إِذا مهر فِيهَا. وَإِنَّمَا أمره أَن يتَعَلَّم هَذَا ليكتب إِلَيْهِم وليقرأ لَهُ كتبهمْ، وَإِذا لم يكن عِنْده من أَصْحَابه من يعرف العبرانية احْتَاجَ أَن يقْرَأ لَهُ الْيَهُود وَأَن يكتبوا لَهُ، وَهُوَ لَا يأمنهم.
579 - / 694 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بطولي الطوليين. [15] بعض أَصْحَاب الحَدِيث يَرْوُونَهُ: بطول الطوليين، وَهُوَ غلط، وَإِنَّمَا هُوَ بطولى على وزن " فعلى " وَهُوَ تَأْنِيث الأطول، وَالْمعْنَى: بأطول السورتين. [15] وَقد رُوِيَ هَذَا من طَرِيق آخر عَن زيد مُفَسرًا: لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بأطول الطوليين " المص ". وَإِنَّمَا قيل الطوليين لِأَن " الْأَعْرَاف " أطول من أُخْتهَا " الْأَنْعَام ". وَقد حكى أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ أَن بعض الْمُحدثين يَقُول: بطول الطوليين، بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْوَاو، والطول: الْحَبل، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.

(2/102)


580 - / 695 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْلى عَلَيْهِ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله " فَجَاءَهُ ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ يملها فَقَالَ: وَالله لَو أَسْتَطِيع لَجَاهَدْت - وَكَانَ أعمى. فَأنْزل الله على رَسُوله وَفَخذه على فَخذي. فَثقلَتْ عَليّ خفت أَن ترض فَخذي، ثمَّ سري عَنهُ، فَأنْزل الله عز وَجل {غير أولي الضَّرَر} . [15] كَانَ ابْن أم مَكْتُوم مِمَّن أسلم بِمَكَّة وَهَاجَر، روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَلم يخرج لَهَا مِنْهَا شَيْء فِي الصَّحِيح. وَاخْتلفُوا فِي اسْمه: فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: عَمْرو بن قيس بن زَائِدَة. وَقَالَ بَعضهم: عبد الله بن عَمْرو. وَاسم أمه عَاتِكَة، وَكَانَ لَا يعرف إِلَّا بِأُمِّهِ. [15] وَفِي الصَّحَابَة أَرْبَعَة عشر رجلا اشتهروا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمهاتهم: بِلَال ابْن حمامة، وَاسم أَبِيه رَبَاح. معَاذ ومعوذ ابْنا عفراء، وَهِي أمهما، وَاسم أَبِيهِمَا الْحَارِث بن رِفَاعَة. مَالك بن نميلَة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه ثَابت الْمُزنِيّ. شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، وَهِي أمه وَأَبوهُ عبد الله بن المطاع. بشير بن الخصاصية، وَهِي أمه، وَيُقَال: هِيَ امْرَأَة من جداته، وَأَبوهُ معبد بن شرَاحِيل. عبد الله بن بُحَيْنَة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه مَالك الْأَزْدِيّ. الْحَارِث بن البرصاء، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه مَالك بن قيس اللَّيْثِيّ. يعلى بن منية، ومنية أمه، وَقيل: جدته أم أَبِيه، وَاسم أَبِيه أُميَّة. يعلى بن سيابة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه مرّة الثَّقَفِيّ.

(2/103)


سعد بن حبتة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه بجير بن مُعَاوِيَة، وَمن وَلَده أَبُو يُوسُف القَاضِي. بديل بن أم أَصْرَم، وَاسم أَبِيه سَلمَة الْخُزَاعِيّ، خفاف بن ندبة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه عُمَيْر بن الْحَارِث. وَقد اشتهرمن كبار الْعلمَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمهاتهم خَمْسَة: إِسْمَاعِيل ابْن علية، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه إِبْرَاهِيم. مُحَمَّد بن عَثْمَة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه خَالِد، وَهُوَ يروي عَن مَالك الْفَقِيه. مَنْصُور بن صَفِيَّة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه عبد الرَّحْمَن بن طَلْحَة. مُحَمَّد بن عَائِشَة، وَهِي أمه، وَيُقَال جدة لَهُ، وَاسم أَبِيه حَفْص بن عمر. إِبْرَاهِيم هراسة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه سَلمَة.

(2/104)