كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (47) كشف الْمُشكل من مُسْند قيس [بن سعدٍ بن عبَادَة [
15 -] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
590 - / 706 - فَالْأول: قد تقدم فِي مُسْند سهل بن حنيف.
591 - / 707 - وَالثَّانِي: إِنَّمَا أخرج مِنْهُ البُخَارِيّ طرفا: أَن قيس بن سعد - وَكَانَ صَاحب لِوَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرَادَ الْحَج فَرجل. [15] هَذَا قدر مَا أخرج. وَالْمعْنَى: رجل رَأسه: أَي سرحه، وَكَانَ قد سرح شقّ رَأسه فَقَامَ غُلَام فقلد هَدْيه، فَلَمَّا رَآهُ قد قَلّدهُ أهل بِالْحَجِّ وَلم يرجل شقّ رَأسه الآخر، لِئَلَّا يكون مُسْتَعْملا للرفاهية. وَالْمرَاد من الْمحرم الشعث، وَإِن كَانَ فعل عَبده لَا يكسبه فعلا، لكنه يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون أمره بالتقليد. وَالثَّانِي: سلوك طَرِيق الْوَرع.

(2/119)


(48) كشف الْمُشكل من مُسْند أسيد بن الْحضير [
15 -] شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوى بدر، فَإِنَّهُ تخلف لِأَنَّهُ مَا ظن وُقُوع قتال، وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
592 - / 708 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ بعدِي أَثَرَة " [15] وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود، وَأَن الأثرة استئثار الْوُلَاة، إِمَّا بِفضل من الْقِسْمَة، أَو بِالْجُمْلَةِ.
593 - / 709 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن أسيد، بَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ من اللَّيْل رفع رَأسه، فَإِذا مثل الظلة. الظلة هَاهُنَا السَّحَاب، وكل شَيْء أظلك فَهُوَ ظلة. وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسيد لما أخبرهُ: " اقْرَأ يَا ابْن حضير " مَعْنَاهُ: كَانَ يَنْبَغِي أَن تقْرَأ. أَو أَظن أَنَّك قَرَأت وَلم تسكت لأجل ذَلِك.

(2/120)


(49) كشف الْمُشكل من مُسْند كَعْب بن مَالك [
15 -] شهد الْمشَاهد كلهَا سوى بدر، لأَنهم مَا ظنُّوا وُقُوع الْقِتَال، وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانُون حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة أَحَادِيث.
594 - / 710 - فَمن الْمُشكل فِي حَدِيث الأول: أَنه تقاضى ابْن أبي حَدْرَد دينا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد، فارتفعت أصواتهما، فكشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجف حجرته وَقَالَ: " يَا كَعْب ضع من دينك هَذَا " وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ: الشّطْر، قَالَ: قد فعلت، قَالَ: " قُم فاقضه " [15] اسْم أبي حَدْرَد عبد الله، ويكنى أَبَا مُحَمَّد، وَفِي اسْم أَبِيه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا عبد الله، وَالثَّانِي أسيد، وَالثَّالِث: سَلامَة. [15] والسجف: السّتْر [15] وَالَّذِي أمره بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَبِيل المشورة، وَهَذَا يدل على أَن للْحَاكِم أَن يُرَاوِد الْخَصْمَيْنِ على الصُّلْح إِذا رأى وَجه

(2/121)


الْمصلحَة، كَمَا يفصل الحكم بَينهمَا.
595 - / 711 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " مثل الْمُؤمنِينَ مثل الخامة من الزَّرْع تفيئها الرّيح ". [15] قَالَ أَبُو عبيد: الخامة: الغضة الرّطبَة، وَأنْشد:
(إِنَّمَا نَحن مثل خامة زرع ... فَمَتَى يَأن يَأْتِ محتصده)
[15] وَقَوله: " تفيئها " أَي تميلها. [15] وَقَوله: " تصرعها " أَي تلقيها. و " تعدلها ": تقيمها. [15] وتهيج: تيبس، يُقَال: هاج النَّبَات: إِذا يبس، وهاج: إِذا أصفر أَيْضا. [15] والأرزة وَاحِدَة الْأرز، قَالَ أَبُو عبيد: وَهِي شَجَرَة الصنوبر، والصنوبر ثَمَر الْأرز، يُسمى الشّجر صنوبرا. [15] والمجذية: الثَّابِتَة، يُقَال: أجذت تجذي، وجذت تجذو. [15] وانجعافها: انقلاعها. [15] فَشبه الْمُؤمن بالخامة من الزَّرْع الَّتِي تميلها الرّيح، لِأَنَّهُ مرزأ فِي نَفسه وَأَهله وَمَاله، وَشبه الْمُنَافِق بالأرزة الَّتِي لَا تميلها الرّيح، لِأَنَّهُ لَا يرزأ شَيْئا حَتَّى يَمُوت، وَإِن رزئ لم يُؤجر عَلَيْهِ.

(2/122)


[15] وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الأرزة من الشّجر الْأرز، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الآرزة على مِثَال فاعلة، وَهِي الثَّابِتَة فِي الأَرْض، يُقَال: أرزت تأرز، وأرزت تأرز.
596 - / 712 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: فِي تَوْبَة كَعْب: إِنَّمَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون فِي بدر يُرِيدُونَ عير قُرَيْش. [15] قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العير: الْإِبِل المرحولة المركوبة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: العير: الْقَوْم على الْإِبِل. وَقَالَ الْفراء: لَا يُقَال عير إِلَّا لأَصْحَاب الْإِبِل. [15] قَوْله: وَلَقَد شهِدت لَيْلَة الْعقبَة. لما أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استخفى بأَمْره ثَلَاث سِنِين، ثمَّ نزل عَلَيْهِ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} [الْحجر: 94] فَكَانَ يعرض نَفسه فِي كل موسم على الْقَبَائِل وَيَقُول: " أَلا رجل يحملني إِلَى قومه، فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي " فلقي فِي بعض السنين رهطا من الْخَزْرَج، فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى وَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام، فَأَجَابُوهُ، وَكَانُوا سِتَّة: أسعد بن زُرَارَة، وعَوْف بن عفراء، وَرَافِع بن مَالك، وَقُطْبَة بن عَامر بن حَدِيدَة، وَعقبَة بن عَامر بن نابي، وَجَابِر بن عبد الله، فَلَمَّا انصرفوا إِلَى قَومهمْ أخبروهم، فَفَشَا

(2/123)


الْإِسْلَام فيهم، فَلَمَّا جَاءَ الْمَوْسِم حَضَره اثْنَا عشر رجلا من الْأَنْصَار فيهم من أُولَئِكَ السِّتَّة خَمْسَة، فَإِنَّهُ مَا تخلف مِنْهُم إِلَّا جَابر، فَلَقوهُ بِالْعقبَةِ فَبَايعُوهُ، وَهِي الْعقبَة الأولى، فَلَمَّا انصرفوا بعث مَعَهم مُصعب ابْن عُمَيْر يفقه أهل الْمَدِينَة ويقرئهم الْقُرْآن، وَخرج إِلَيْهِ فِي الْمَوْسِم الثَّالِث مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا وَامْرَأَتَانِ، فَوَعَدَهُمْ فِي اللَّيْل عِنْد الْعقبَة، وَخرج وَمَعَهُ عَمه الْعَبَّاس، وَوَقعت الْبيعَة، وَعلمت قُرَيْش، فَلَمَّا اجْتمع رَأْيهمْ على الفتك بِهِ أَمر بِالْخرُوجِ إِلَى الْغَار. [15] وَإِنَّمَا قَالَ كَعْب بن مَالك: مَا أحب أَن لي بِالْعقبَةِ مشْهد بدر، لِأَنَّهُ رأى بيعَة الْعقبَة كالأساس لِلْإِسْلَامِ. [15] وَقَوله: أيسر مني: أَي أغْنى. [15] وَقَوله: لم يكن يُرِيد غزَاة إِلَى ورى بغَيْرهَا: أَي أوهم قصد سواهَا، والتورية فِي الشَّيْء: أَن يستر الَّذِي يُريدهُ وَيظْهر غَيره، أخذت من: وَرَاء الشَّيْء، كَأَنَّك تركت الشَّيْء الَّذِي يليك وتجاوزته إِلَى مَا وَرَاءه، أَو كَأَنَّك ألقيت التَّبْيِين وَرَاء ظهرك. وَهَذَا من حزم الرَّأْي لِئَلَّا يبلغ الْخَبَر الْعَدو فيستعد. [15] وَقَوله: واستقبل مفازا: المفاز والمفازة اسْم للقفز، وَسميت مفازة للتفاؤل بالفوز، كَمَا يُسمى اللديغ سليما. وَيُقَال: هُوَ من فوز: إِذا مَاتَ، وَالْمعْنَى: إِن الْمَوْت يخَاف فِيهَا. [15] وَقَوله فجلا للنَّاس أَمرهم: أَي كشفه وَأخْبرهمْ توجههم: أَي بجهتهم الَّتِي يستقبلونها ومقصدهم الَّذِي يقصدونه. [15] لَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ. يُرِيد الدِّيوَان. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور

(2/124)


اللّغَوِيّ قَالَ: الدِّيوَان بِالْكَسْرِ، وَالْجمع دواوين، قَالَ الْأَصْمَعِي: أَصله فَارسي، والديو هُوَ الشَّيْطَان، فَأَرَادَ أَنهم كتاب يشبهون الشَّيَاطِين فِي نفاذهم. [15] وَقَوله: وَأَنا إِلَيْهَا أصعر: أَي أميل، والصعر: الْميل. [15] وطفقت: ابتدأت فِي الْفِعْل. [15] وَقَوله: حَتَّى اسْتمرّ بِالنَّاسِ الْجد: أَي تتَابع بهم الِاجْتِهَاد فِي السّير وَالْمُبَالغَة فِيهِ. [15] وتفارط الْغَزْو: أَي تقدم وتباعد. وَرُبمَا قَرَأَهُ من لَا معرفَة لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: وتفارط الْعَدو بِالدَّال. [15] وَقَوله: يحزنني. فِي يحزن لُغَتَانِ: فتح الْيَاء وَضمّهَا، يُقَال: حزنني وأحزنني، وَأمر محزن وحازن. [15] والأسوة: الْقدْوَة.: والمغموص عَلَيْهِ: الْمَعِيب الْمشَار إِلَيْهِ بذلك. [15] وَقَوله: وَالنَّظَر فِي عطفه: الْعَطف: الْجَانِب، وَالْمعْنَى مَشْغُول بلذاته وعجبه فِي نَفسه عَن الْجِهَاد. [15] وَأما رد معَاذ على من اغتاب كَعْبًا فَفِيهِ تَنْبِيه على الرَّد على كل من يغتاب الْمُسلمين. [15] وَقَوله: رأى رجلا مبيضا: أَي عَلَيْهِ ثِيَاب بيض. [15] والسراب: هُوَ الَّذِي ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء. واللمز: الْعَيْب.

(2/125)


[15] وَفِي اسْم أبي خَيْثَمَة ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا عبد الرَّحْمَن بن بيحان، وَيُقَال: بيجان وَيُقَال سيجان. وَالثَّانِي: الْحجاب، وَالثَّالِث: الْحباب. [15] قَوْله: قَافِلًا: أَي رَاجعا. [15] والبث: أَشد الْحزن، سمي بذلك لِأَن صَاحبه لَا يصبر حَتَّى يبثه. وأظل قادما: قرب، تَقول: أظلني الشَّيْء: إِذا دنا مِنْك، وَقد سَمِعت من يصحف هَذَا وَيَقُول: أطل بِالطَّاءِ الْمُهْملَة. وَقَوله: زاح عني الْبَاطِل: أَي ذهب عني مَا كنت أَزورهُ فِي نَفسِي من الْعذر الْبَاطِل، فأجمعت صدقه: أَي أحكمت هَذَا وعزمت عَلَيْهِ. قَالَ المؤرج: أَجمعت الْأَمر، أفْصح من: أَجمعت عَلَيْهِ، وَأنْشد:
(يَا لَيْت شعري والمنى لَا تَنْفَع ... )
(هَل أغدون يَوْمًا وأمري مجمع ... ) [15] وَأما بداية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَسْجِدِ إِذا قدم من سَفَره فَمن أحسن الْأَدَب، فَإِن الْأَدَب فِي تحايا الْمُلُوك تَقْدِيم الأهم على غَيره، فَبَدَأَ بِخِدْمَة الله عز وَجل وشكره على السَّلامَة. [15] والمخلفون: المتخلفون عَن الْغَزْوَة.

(2/126)


[15] وَقَوله: ووكل سرائرهم إِلَى الله. الْمَعْنى أَنه قبل عذرهمْ الظَّاهِر، وَترك علم الْبَاطِن إِلَى الْمُنْفَرد بِالْغَيْبِ ليجازيهم عَلَيْهِ. [15] " ألم تكن ابتعت ظهرك؟ " أَي مَا تركب عَلَيْهِ. [15] والجدل: الْمعرفَة بِإِقَامَة الْحجَج ورد كَلَام الْخصم. [15] وَقَوله: ليوشكن: أَي ليسرعن. قَالَ ثَعْلَب: أوشك يُوشك لَا غير. [15] قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: عجبت من سرعَة ذَلِك الْأَمر وسرعه وَمن وَشك ذَلِك ووشكه ووشكانه ووشكانه ووشكانه. [15] وَقَوله: أَرْجُو فِيهِ عُقبى الله: أَي مَا يعقبني بصدقي من الْعَفو. وَهَذَا رجل صَادِق الْإِيمَان كَامِل الْعقل، علم أَنه لَا ينْتَفع بِالْكَذِبِ عِنْد من يطلع على الْغَيْب. [15] وَقَوله: يؤنبونني من التأنيب: اللوم والتوبيخ، يُقَال: أنبه يؤنبه تأنيبا. [15] وَقَوله: فَذكرُوا لي رجلَيْنِ شَهدا بَدْرًا. هَذَا مِمَّا قرأته على الْمَشَايِخ سِنِين، وَمَا نبهني عَلَيْهِ أحد، وَلَا رَأَيْت من نظر فِيهِ مَعَ تتبع بَعضهم أغلاط بعض، فَلَمَّا جمعت أَسمَاء أهل بدر، وَذكرت من اتّفق على حُضُوره وَمن اخْتلف فِيهِ لم أر لهذين الرجلَيْن ذكرا، فَمَا زلت أبحث وأسأل فَلَا يدلني أحد على محجة، وَإِذا الحَدِيث مخرجا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي المسانيد، وَلَا يُنَبه أحد عَلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي مَا وَجهه، إِلَى أَن رَأَيْت فِي كتاب " نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه " لأبي بكر الْأَثْرَم،

(2/127)


وَقَالَ فِيهِ: كَانَ الزُّهْرِيّ أوحد أهل زَمَانه فِي حفظ الحَدِيث، وَلم يحفظ عَلَيْهِ من الْوَهم إِلَّا الْيَسِير، من ذَلِك قَوْله فِي هذَيْن الرجلَيْن: شهد بَدْرًا. [15] وَأما تَخْصِيص هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة بنهي النَّاس عَن كَلَامهم فَإِنَّهُ دَلِيل على صدق إِيمَانهم، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا من الْمُنَافِقين الَّذين قنع مِنْهُم بالعذر، وَهَذَا كَمَا يُقَال: عَاتب صديقك ودع عَدوك. [15] وَقَوله: وَأما صَاحِبَايَ فاستكانا: أَي ضعفا وذلا من الْحزن. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي " مُسْنده " فَقَالَ: فاستكنا: أَي مَرضا. [15] وَقَوله: وَكنت أَطُوف فِي الْأَسْوَاق فَلَا يكلمني أحد. وَذَاكَ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى النَّاس عَن كَلَامهم عُقُوبَة لَهُم على تخلفهم. [15] وَقَوله: تسورت جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة: أَي نزلت من سور الْجِدَار. والجدار: الْحَائِط، والحائط هَاهُنَا: الْبُسْتَان. [15] قَالَ الزّجاج: وَسمي النبط نبطا لاستنباطهم مَا يخرج من الأَرْض. [15] وَقَوله: ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي. ضيق النَّفس: غمها بانحصارها عَن الانبساط الَّذِي ألفته، وَكَانَ حزنه على فعل الْمُوجب لذَلِك. [15] وَأما ضيق الأَرْض عَلَيْهِ فلمنع النَّاس من مكالمته ومعاملته، وَأمره

(2/128)


[15] باعتزال زَوجته. فضاقت عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ: أَي ضَاقَتْ مَعَ سعتها. وَسُئِلَ بعض القدماء عَن التَّوْبَة النصوح، فَقَالَ: أَن تضيق على التائب أرضه وَنَفسه كَمَا ضَاقَتْ على كَعْب وصاحبيه. وَهَذَا لِأَن المذنب إِذا لاحظ آثَار الطَّرْد، وَخَافَ وُقُوع الْعقُوبَة، وَنَدم على مَا فَاتَ، ضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّفس وَالْأَرْض، فَقبلت تَوْبَته لصدق حزنه وندمه. [15] وَقَوله: أوفى على سلع: أَي صعد على ذَلِك الْجَبَل. [15] وَقَوله: أتأمم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي أقصده. [15] وَقَوله: إِن من تَوْبَتِي أَن انخلع من مَالِي. هَذَا نظر بِعَين الْعقل أثمر قطع الْقَاطِع، لِأَنَّهُ لَوْلَا مَاله مَا قعد، فَلَمَّا صدقت تَوْبَته رأى أَن من عَلامَة ندمه قطع الْقَاطِع، فَلم يمنعهُ الرَّسُول من ذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: " أمسك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك ". لعلمه أَن الْقَاطِع إِنَّمَا هُوَ الْفَاضِل عَن الْحَاجة. [15] وَقَوله: أبلاه الله: أَي أنعم عَلَيْهِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال من الْخَيْر: أبليته، وَمن الشَّرّ: بلاه الله. [15] والرجس: المستقذر من كل شَيْء. [15] وَقَوله: " يحطمكم النَّاس " أصل الحطم الْكسر، فاستعير هَاهُنَا لِكَثْرَة النَّاس وازدحامهم على أهل الْبَيْت.

(2/129)


597 - / 713 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: [15] عَن كَعْب: أَنهم كَانَت لَهُم غنم ترعى بسلع، فَأَبْصَرت جَارِيَة لَهُم بِشَاة لَهُم موتا، فَكسرت حجرا فذبحتها بِهِ، فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمره بأكلها. [15] فِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن ذَبِيحَة النِّسَاء حَلَال، والحرة الْأمة فِي ذَلِك سَوَاء. وَفِيه جوَار الذّبْح بِالْحجرِ الَّذِي لَهُ حد. والْحَدِيث مَحْمُول على أَن هَذِه الذَّبِيحَة كَانَت بهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة فذبحتها، وَلَوْلَا ذَلِك مَا حلت.
598 - / 714 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْكُل بِثَلَاث أَصَابِع، فَإِذا فرغ لعقها. [15] الْأكل بإصبع وَاحِد لَا يتم بِهِ التَّنَاوُل، وَلَا بِاثْنَيْنِ، وَالْأكل بِأَرْبَع أَو خمس يرفع فَوق مَا يطيقه الْفَم، وَيدل على الشره، وَالْعدْل الْأكل بِثَلَاث. [15] وَفِي لعق الْأَصَابِع ثَلَاثَة معَان: أَحدهَا أَنه رُبمَا كَانَت الْبركَة فِي ذَلِك الْقدر الْبَاقِي على الْيَد وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مُسْند جَابر. وَالثَّانِي: أَنه دفع للكبر. وَالثَّالِث: أَنه منع التبذير والتفريط فِيمَا خلق قواما للآدمي. وَقد كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى مص النواة لشدَّة فَقرهمْ.

(2/130)


599 - / 715 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه وَأَوْس بن الْحدثَان أَيَّام التَّشْرِيق فناديا: إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن، وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب. [15] فَأَما أَيَّام التَّشْرِيق فَهِيَ أَيَّام منى، وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام بعد عيد الْأَضْحَى. وَفِي تَسْمِيَتهَا بأيام التَّشْرِيق قَولَانِ ذكرهمَا ثَعْلَب، أَحدهمَا: لِأَن الذّبْح فِيهَا بعد شروق الشَّمْس. وَالثَّانِي: لأَنهم كَانُوا يشرقون فِيهَا اللَّحْم من لُحُوم الْأَضَاحِي، وَهَذَا أصح. وَهِي أَيَّام منى لإقامتهم فِيهَا، وَسميت منى من قَوْلهم: منى الشَّيْء وَقدر كَأَنَّهُ فِيهَا النَّحْر. [15] وَقَوله: أَيَّام أكل وَشرب. أَي لَا يجوز فِيهَا الصَّوْم، وَذَلِكَ لِأَن الْقَوْم كالضيف، والضيف لَا يَصُوم عِنْد مضيفه. وَاتفقَ الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز أَن يتَطَوَّع بصومها، فَأَما من صامها عَن فرض فَيجوز عندنَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى لَا يجوز، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك: لَا يَصح فِيهَا إِلَّا صَوْم الْمُتَمَتّع هُوَ القَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ. [15] فَإِن قيل: مَا الْمُنَاسبَة بَين ذكر الْإِيمَان وَذكر الْأكل وَالشرب؟ فَالْجَوَاب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَأَ بالأهم من ذكر الْإِيمَان، وَفِيه معنى يمس الْحَج، وَهُوَ أَن الْكفَّار قد كَانُوا يحجون، فَأخْبر أَن التَّعَبُّد إِنَّمَا ينفع الْمُؤمنِينَ دون غَيرهم.

(2/131)