كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (53) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي الدَّرْدَاء الْأنْصَارِيّ
[15] واسْمه عُوَيْمِر. وَيُقَال: عَامر، وعويمر. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَتِسْعَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة عشر.
626 - / 743 - والْحَدِيث الأول: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَمَضَان فِي حر شَدِيد، وَمَا فِينَا صَائِم إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الله بن رَوَاحَة. [15] اتّفق جُمْهُور الْعلمَاء على جَوَاز الْإِفْطَار فِي السّفر، وَالصَّوْم، وَقَالَ دَاوُد: إِذا صَامَ فِي السّفر لم يَصح، وَهَذَا الحَدِيث يرد عَلَيْهِ. وَاخْتلف الْعلمَاء أَيهمَا أفضل؟ فَذهب ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأَبُو بصرة الْغِفَارِيّ إِلَى أَن الْفطر فِي السّفر أفضل، وَوَافَقَهُمْ من التَّابِعين عَطاء وَعِكْرِمَة وَالزهْرِيّ، وَمن الْفُقَهَاء الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الصَّوْم أفضل. وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث. وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذَا كَانَ فِي أول الْأَمر ثمَّ نسخ بِأَحَادِيث فِي الصِّحَاح، مِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج

(2/160)


إِلَى مَكَّة أفطر. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّمَا يُؤْخَذ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْآخرِ فالآخر. وَقَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: وَكَانَ أول الْأَمريْنِ اخْتِيَار الصَّوْم فِي السّفر، فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم فِي السّفر ثمَّ أفطر، فاختير الْفطر. وَالثَّانِي: أَنه خرج صَائِما ثمَّ أفطر، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح فصَام ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء بعد الْعَصْر فَشرب.
627 - / 744 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " أَلَيْسَ فِيكُم ابْن أم عبد صَاحب النَّعْلَيْنِ والوسادة والمطهرة؟ يَعْنِي ابْن مَسْعُود. وَفِيكُمْ الَّذِي أجاره الله من الشَّيْطَان على لِسَان نبيه؟ يَعْنِي عمارا. وَفِيكُمْ صَاحب سر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ يَعْنِي حُذَيْفَة ". [15] وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يَلِي هَذِه الْأَشْيَاء من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند حُذَيْفَة أَن اسْم أمه أم عبد. [15] وَأما كَون عمار أجِير من الشَّيْطَان فشهادة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بذلك. وَأما حُذَيْفَة فَإِنَّهُ لما أطلعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَسمَاء الْمُنَافِقين دون غَيره قيل لَهُ صَاحب السِّرّ.

(2/161)


628 - / 745 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: مَا أعرف من أَمر مُحَمَّد شَيْئا إِلَّا أَنهم يصلونَ جَمِيعًا. [15] أَشَارَ أَبُو الدَّرْدَاء إِلَى تغير أَحْوَال كَانَ يعرفهَا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد عَاشَ أَبُو الدَّرْدَاء قَرِيبا من أَوَاخِر ولَايَة عُثْمَان، لِأَن عُثْمَان قتل فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَبُو الدَّرْدَاء توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، فقد رأى فِي تِلْكَ الْأَيَّام مَا لم يكن يألف من تغير النَّاس.
629 - / 746 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أقبل أَبُو بكر آخِذا بِطرف ثَوْبه حَتَّى أبدى عَن رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ النَّبِي: " أما صَاحبكُم فقد غامر ". [15] لما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر يمشي مشْيَة خَارِجَة عَن القانون الصَّالح لَهُ علم أَنه قد خَاصم. وغامر بِمَعْنى غاضب، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْغمر: وَهُوَ الحقد. [15] وَقَوله: فأسرعت إِلَيْهِ: أَي كَلمته بِمَا لَا يحسن. [15] ويتمعر: يتَغَيَّر. وَالْأَصْل فِي التمعر قلَّة النضارة وَعدم إشراق اللَّوْن. يُقَال: مَكَان أمعر: إِذا كَانَ مجدبا.
630 - / 747 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ ". وَقد سبق فِي مُسْند أبي ذَر.

(2/162)


631 - / 748 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم. " لَا يكون اللعانون شُفَعَاء وَلَا شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة " [15] اللَّعْن فِي اللُّغَة الْبعد، وَاللّعان: الَّذِي يتَكَرَّر مِنْهُ اللَّعْن، كالمداح، وَلَا يتَكَرَّر هَذَا إِلَّا مِمَّن لَا يُرَاعِي كَلَامه، وَلَا ينظر فِيمَا يَقُول، وَالشَّهَادَة تَقْتَضِي الْعَدَالَة، وَهَذَا مِمَّا ينافيها. وَكَذَلِكَ الشَّفَاعَة تَقْتَضِي منزلَة، وَهَذَا اللاعن نَازل عَن الْمنزلَة، كَيفَ وَقد بولغ فِي الزّجر عَن اللَّعْن حَتَّى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِنَاقَة لعنت أَن تسيب على مَا ذكرنَا فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن، كل ذَلِك زجر للاعن.
632 - / 749 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: دَعْوَة الْمَرْء الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابة، عِنْد رَأسه ملك مُوكل، كلما دَعَا لِأَخِيهِ بِخَير قَالَ الْملك الْمُوكل بِهِ: آمين، وَلَك بِمثل " [15] قَوْله: " يظْهر الْغَيْب " أَي وَهُوَ غَائِب، وَذكر الظّهْر تَأْكِيد للغيبة وَنفي للحضور. وَإِنَّمَا كَانَت دَعْوَة الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابة لِأَنَّهُ لم يثرها سوى الدّين، فَكَانَت لذَلِك خَالِصَة، إِذْ لَيْسَ عِنْده بحاضر فَيُقَال: تملقه، والخالص لَا يرد. وَلما وَقعت الْمُنَاسبَة بَين الْملك وَالْمُسلم فِي التدين والتعبد أوجبت نِيَابَة الْملك عَن الْمُسلم، فَهُوَ يَقُول: " وَلَك بِمثل " أَي بِمثل مَا دَعَوْت.

(2/163)


[15] وَفِي هَذَا الحَدِيث ترغيب فِي الدُّعَاء للْمُسلمِ بِظهْر الْغَيْب، لِأَنَّهُ يُثَاب عَلَيْهِ بِدُعَاء الْملك، وَدُعَاء الْملك مستجاب. وَفِيه تَنْبِيه على التحذير من غيبَة الْمُسلم، لِأَن الْملك كَمَا يَدْعُو فِي الْخَيْر لَا يسكت عَن جَوَاب الشَّرّ.
633 - / 750 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فسمعناه يَقُول: " أعوذ بِاللَّه مِنْك ألعنك بلعنة الله " فَلَمَّا فرغ قُلْنَا لَهُ، فَقَالَ: " إِن عَدو الله إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي " [15] اعْلَم أَن إِبْلِيس لما غاظه علو الْإِسْلَام، ونكا فِيهِ اشتهاره وارتفاع قدر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ مُسْتَقْبلا ليؤذيه. [15] فَإِن قيل: فَكيف دنا مِنْهُ وَهُوَ يفر من ظلّ عمر؟ [15] فَالْجَوَاب: أَنه كَانَ يعلم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحلم والصفح، وَمن عمر الغلظة والشدة، فطمع فِي جَانب الْحَلِيم. ثمَّ إِنَّه استقتل فِي أَذَى الرئيس وَلم ير أَن يستقتل فِي أَذَى غَيره. [15] وَالْإِشَارَة بدعوة سُلَيْمَان إِلَى قَوْله: {وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} [ص: 35] وَالْمعْنَى: لَو تصرفت فِي الشَّيْطَان بحبسه ضاهيته فِيمَا سخر لَهُ من حبس الشَّيَاطِين، وَقد سَأَلَ أَلا يُشَارك، فَتركت لَهُ هَذِه الْحَالة. [15] وَقَوله: " بلعنة الله التَّامَّة " كَأَنَّهُ الْإِشَارَة بِتَمَامِهَا إِلَى دوامها.
634 - / 752 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَنه أَتَى على امْرَأَة محج على بَاب فسطاط فَقَالَ: " لَعَلَّه يُرِيد أَن يلم بهَا؟ " قَالُوا: نعم. قَالَ:

(2/164)


" لقد هَمَمْت أَن ألعنه لعنا يدْخل مَعَه قَبره. كَيفَ يورثه وَهُوَ لَا يحل لَهُ؟ كَيفَ يستخدمه وَهُوَ لَا يحل لَهُ؟ ". [15] وَقَالَ أَبُو عبيد: المحج: الْحَامِل المقرب. وَوجه الحَدِيث أَن يكون الْحمل قد ظهر بهَا قبل أَن تسبى فَنَقُول: إِن جَاءَت بِولد وَقد وَطئهَا بعد ظُهُور الْحمل لم يحل لَهُ أَن يَجعله مَمْلُوكا، لِأَنَّهُ لَا يدْرِي لَعَلَّ الَّذِي ظهر لم يكن حملا، وَإِنَّمَا حدث الْحمل من وَطئه، فَإِن الْمَرْأَة رُبمَا ظن بهَا الْحمل ثمَّ لم يكن شَيْئا، وَالْمعْنَى: لَعَلَّه وَلَده. وَقَوله: كَيفَ يورثه؟ وَالْمرَاد من الحَدِيث النَّهْي عَن وَطْء الْحَوَامِل من السَّبي حَتَّى يَضعن. [15] والفسطاط: بِنَاء مَعْرُوف من الخيم، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: فِيهِ سِتّ لُغَات: فسطاط، وفسطاط، وفستاط، وفستاط، وفساط، وفساط.
635 - / 753 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " من حفظ عشر آيَات من أول سُورَة الْكَهْف عصم من الدَّجَّال " وَفِي رِوَايَة: " من آخر الْكَهْف ". [15] الْكَهْف: المغار فِيهِ الْجَبَل، فَإِن صغر فَهُوَ غَار. [15] والدجال: الْكذَّاب، وَقد اشْتهر عِنْد الْإِطْلَاق بِالَّذِي يخرج فِي آخر الزَّمَان. والعصمة: الْمَنْع. [15] وَأما تَخْصِيص ذَلِك بِعشر آيَات من أول الْكَهْف فَالَّذِي يظْهر لنا فِيهَا من الْحِكْمَة أَن قَوْله تَعَالَى: {لينذر بَأْسا شَدِيدا من لَدنه} [الْكَهْف: 2] يهون

(2/165)


بَأْس الدَّجَّال، وَقَوله: {ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذين يعْملُونَ الصَّالِحَات أَن لَهُم أجرا حسنا ماكثين فِيهِ أبدا} [الْكَهْف: 2، 3] يهون الصَّبْر على فتن الدَّجَّال بِمَا يظْهر من نعيمه وعذابه، وَقَوله: {وينذر الَّذين قَالُوا اتخذ الله ولدا} [الْكَهْف: 4] وَقَوله: {كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم} [الْكَهْف: 5] فذم من يَدعِي لَهُ ولدا، وَلَا مثل لَهُ، فَكيف يَدعِي الإلهية من هُوَ مثل لِلْخلقِ. فقد تَضَمَّنت الْآيَات مَا يصرف فتْنَة الدَّجَّال. إِلَى قَوْله: {إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف فَقَالُوا رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا} [الْكَهْف: 10] فَهَؤُلَاءِ قوم ابتلوا فصبروا وسألوا صَلَاح أُمُورهم فأصلحت، وَهَذَا تَعْلِيم لكل مدعُو إِلَى الشّرك. [15] وَمن روى " من آخر الْكَهْف " فَإِن فِي قَوْله تَعَالَى: {وعرضنا جَهَنَّم} [الْكَهْف: 100] مَا يهون مَا يظهره من ناره. وَقَوله: {الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري} [الْكَهْف: 101] يُنَبه على التغطية على قُلُوب تَابِعِيّ الدَّجَّال، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي تَكْذِيبه أَنه جسم مؤلف يقبل التجزؤ، وَفِي الْآيَات: {أَنما إِلَهكُم إِلَه وَاحِد} [الْكَهْف: 110] والمؤلف للأشياء لَا يكون مؤلفا، ثمَّ هُوَ مَحْمُول على حمَار، وخالق الْأَشْيَاء يكون حَامِلا لَهَا لَا مَحْمُولا، ثمَّ هُوَ معيب بالعور، والصانع لَا يطرقه عيب، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تتضمنه تِلْكَ الْآيَات مِمَّا يدل على كذب الدَّجَّال والكشف عَن فتنته.
636 - / 754 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " أَيعْجزُ أحدكُم أَن يقْرَأ فِي لَيْلَة ثلث الْقُرْآن؟ " قَالُوا: كَيفَ يقْرَأ ثلث الْقُرْآن؟ قَالَ: {قل هُوَ الله أحد} [الْإِخْلَاص: 1] تعدل ثلث الْقُرْآن.

(2/166)


[15] الْأَحَد عِنْد الْأَكْثَرين بِمَعْنى الْوَاحِد، وَفرق قوم فَقَالُوا: الْوَاحِد فِي الذَّات والأحد فِي الْمَعْنى. [15] وَفِي معنى كَونهَا ثلث الْقُرْآن ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا مَا أَنبأَنَا بِهِ زَاهِر ابْن طَاهِر قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ قَالَا: أَنبأَنَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي قَالَ: سَمِعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن أَحْمد الْفَقِيه يَقُول: سَأَلت أَبَا الْعَبَّاس بن شُرَيْح، قلت: مَا معنى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قل هُوَ الله أحد} تعدل ثلث الْقُرْآن "؟ قَالَ: إِن الْقُرْآن أنزل أَثلَاثًا: فثلث أَحْكَام، وَثلث وعد ووعيد، وَثلث أَسمَاء وصفات، وَقد جمع فِي {قل هُوَ الله أحد} أحد الأثلاث وَهُوَ الصِّفَات، فَقيل: إِنَّهَا ثلث الْقُرْآن. [15] وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معرفَة الله هِيَ معرفَة ذَاته، وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته، وَمَعْرِفَة أَفعاله، فَهَذِهِ السُّورَة تشْتَمل على معرفَة ذَاته، إِذْ لَا يُوجد مِنْهُ مثل وَلَا وجد من شَيْء، وَلَا لَهُ مثل، ذكره بعض فُقَهَاء السّلف. [15] وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى: من عمل بِمَا تضمنته من الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ، والإذعان للخالق، كَانَ كمن قَرَأَ ثلث الْقُرْآن وَلم يعْمل بِمَا تضمنه، ذكره ابْن عقيل، قَالَ: وَلَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى: من قَرَأَهَا فَلهُ أجر قِرَاءَة ثلث الْقُرْآن، لقَوْل رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من قَرَأَ الْقُرْآن فَلهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات ".

(2/167)


(53) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي حميد عبد الرَّحْمَن بن سعد السَّاعِدِيّ
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة.
637 - / 756 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: اسْتعْمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الأزد يُقَال لَهُ ابْن اللتبية على الصَّدَقَة، فَلَمَّا قدم قَالَ: هَذَا لكم وَهَذَا أهدي إِلَيّ. [15] اسْم ابْن اللتيبة عبد الله، وَيُقَال فِيهِ: ابْن الأتبية. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن هَدَايَا الْعمَّال لَيست كالهدايا الْمُبَاحَة، لِأَن الْعَامِل إِنَّمَا يهدي لَهُ مُحَابَاة ليفعل فِي حق الْمهْدي مَا لَيْسَ لَهُ أَن يفعل، وَتلك خِيَانَة مِنْهُ. [15] وَقَوله: " أَفلا جلس فِي بَيت أمه " يَعْنِي إِنَّمَا أهدي إِلَيْهِ لكَونه عَاملا. [15] وَقَوله: " يحملهُ يَوْم الْقِيَامَة " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: يحملهُ بصورته. وَالثَّانِي: يحمل إثمه. [15] والرغاء: صَوت الْإِبِل. والخوار: صَوت الْبَقر. واليعار: صَوت الشياه. وَقد صحف بَعضهم فَقَالَ: تنعر بالنُّون. أَنبأَنَا مُحَمَّد بن

(2/168)


الْحسن الحاجي قَالَ: أَنبأَنَا عبد الْبَاقِي بن أَحْمد الْوَاعِظ قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَهْوَازِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَحْمد العسكري قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عبيد الله بن عمار قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد ابْن أبي سعد عَن الْعَبَّاس بن مَيْمُون قَالَ: صحف أَبُو مُوسَى الزَّمن فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سخلة تَيْعر، قَالَ أَبُو مُوسَى: تنعر. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن كل مَا ينْسب بِهِ إِلَى الْحَرَام حرَام، كالقرض الَّذِي يجر مَنْفَعَة، وَكَذَلِكَ من بَاعَ درهما ورغيفا بِدِرْهَمَيْنِ أَو دِينَار، أَو صنجة الْمِيزَان بِدِينَار، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا قد جعل ذَرِيعَة إِلَى الْمَحْظُور.
638 - / 757 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأتينا على حديفة لامْرَأَة، فَقَالَ رَسُول الله: " اخرصوها ". [15] الحديقة: الْبُسْتَان. والخرص: الحزر. وَالْمعْنَى: احزروا قدر مَا يحصل من ثَمَرهَا. والوسق: سِتُّونَ صَاعا. [15] وَأهْدى صَاحب أَيْلَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغلة. لما أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَعْلُو عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردا يَعْلُو عَلَيْهِ، ليَكُون الْعُلُوّ فِي الطَّرفَيْنِ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: " هَذِه طابة " يُرِيد الْمَدِينَة. وَالْمعْنَى طيبَة، يُقَال: طيب وطاب، قَالَ الشَّاعِر يمدح عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ:
(مبارك الأعراق فِي الطاب الطاب ... )

(2/169)


(بَين أبي العَاصِي وَآل الْخطاب ... ) [15] وَقَوله: " أحد يحبنا ونحبه " يُرِيد أَن أهل أحد - وهم الْأَنْصَار سكان الْمَدِينَة يحبوننا ونحبهم، فأضاف ذَلِك إِلَى الْجَبَل، كَقَوْلِه تَعَالَى: {واسأل الْقرْيَة} [يُوسُف: 82] [15] والدور: الْقَبَائِل، وَقد سبق بَيَانه.
639 - / 758 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم ". [15] الصَّلَاة من الله: الرَّحْمَة. [15] والأزواج جمع زوج، والفصيح من الْكَلَام أَن يُقَال لامْرَأَة الرجل زوج بِغَيْر هَاء، ويذلك جَاءَ الْقُرْآن. [15] والذرية فِيهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا " فعلية " من الذَّر، لِأَن الله أخرج الْخلق من صلب آدم كالذر. وَالثَّانِي: أَن أَصْلهَا ذرورة على وزن " فعلولة "، وَلَكِن لما كثر أبدل من الرَّاء الْأَخِيرَة يَاء فَصَارَت ذروية، ثمَّ أدغمت الْوَاو فِي الْيَاء فَصَارَ ذُرِّيَّة، ذكر الْوَجْهَيْنِ الزّجاج وَصوب الأول.

(2/170)


[15] وَأما آل إِبْرَاهِيم، فالآل اسْم لكل من رَجَعَ إِلَى مُعْتَمد عَلَيْهِ، فَتَارَة يكون بِالنّسَبِ، وَتارَة يكون بِالسَّبَبِ، وَتارَة يكون الْآل بِمَعْنى الْأَهْل، وَيَقَع صلَة. [15] وَإِبْرَاهِيم اسْم أعجمي، اخْتلفت أَلْفَاظ الْعَرَب بِهِ على حسب مَا رأى كل قوم مِنْهُم أَنه يُقَارب أبنية لغتهم، وَفِيه سِتّ لُغَات: إِحْدَاهُنَّ: إِبْرَاهِيم وَهِي اللُّغَة الفاشية. وَالثَّانيَِة: إبراهام، وَبِه قَرَأَ ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِثَة: إبراهم بِكَسْر الْهَاء، قَالَ عبد الْمطلب:
(عذت بِمَا عاذ بِهِ إبراهم ... )
(مُسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ قَائِم ... ) [15] وَالرَّابِعَة: إبراهم بِفَتْح الْهَاء. وَالْخَامِسَة: إبراهم بِضَم الْهَاء. وَالسَّادِسَة إبرهم، قَالَ عبد الْمطلب:
(نَحن آل الله فِي كعبته ... لم يزل ذَاك على عهد ابرهم)
[15] والحميد بِمَعْنى الْمَحْمُود. والمجيد بِمَعْنى الْمَاجِد. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ الشريف. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هُوَ الْوَاسِع الْكَرم. وأصل الْمجد فِي كَلَام الْعَرَب السعَة، والماجد: السخي الْوَاسِع الْعَطاء. وَفِي مثل: " فِي كل شجر نَار، واستمجد المرخ والعفار " أَي: استكثر مِنْهُمَا.

(2/171)


640 - / 759 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: [15] رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه. الْمنْكب: رَأس الْكَتف المشرف مِنْهُ. [15] وهصر ظَهره: أَي مده وسواه. وَقَالَ الْخطابِيّ: ثناه وخفضه. [15] والفقار: خرز الظّهْر، يُقَال: فقرة وفقرة، وَبَعْضهمْ يضم الْفَاء. [15] وَقَوله: غير مفترش: أَي لَا يفترش ذِرَاعَيْهِ. وافتراشهما: إلصاقهما بِالْأَرْضِ، وقبضهما يمْنَع التَّمَكُّن من بسط الْكَعْبَيْنِ على الأَرْض. [15] وَقَوله فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ - يَعْنِي: التَّشَهُّد الأول - جلس على رجله الْيُسْرَى، وَهُوَ الَّذِي يُسمى الافتراش. [15] وَقَوله: فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة - يَعْنِي التَّشَهُّد الْأَخير، فوصف فِيهِ التورك، وَهُوَ أَن يحني رجلَيْهِ وَيقْعد على الأَرْض.
641 - / 760 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: [15] أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح لبن من النقيع، لَيْسَ مخمرا، فَقَالَ: " أَلا خمرته وَلَو تعرض عَلَيْهِ عودا ". [15] المخمر: المغطى. [15] وَقَوله: " تعرض ": أَي وَلَو أَن تعرض، وَالرَّاء مَضْمُومَة، وَبَعض الْعلمَاء يكسرها، وَالْمعْنَى أَن تجْعَل الْعود على عرضه، وَذَلِكَ

(2/172)


يستر بعضه. [15] والأسقية جمع سقاء، وَهُوَ الْجلد المدبوغ الْمُتَّخذ للْمَاء كالقربة وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لمسك السخلة مَا دَامَت ترْضع شكوة، فَإِذا فطم فمسكة البدرة، فَإِذا أجذع فمسكة السقاء. [15] وتوكى: تشد أفواهها. قَالَ أَبُو حميد: إِنَّمَا أَمر أَن توكى لَيْلًا. وَقد بيّنت عِلّة تَخْصِيص اللَّيْل بذلك على مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر إِن شَاءَ الله.

(2/173)


(55) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن سَلام
[15] وَهُوَ من ولد يُوسُف بن يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام، أسلم فِي أول سنة من سني الْهِجْرَة. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا: أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
642 - / 761 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: فِي ذكر مَنَام لَهُ: فَجَاءَنِي منصف: الْمنصف بِكَسْر الْمِيم: الوصيف وَالْخَادِم. [15] وَقَوله: فرقيت: الْقَاف مَكْسُورَة، يُقَال: رقيت: إِذا صعدت، ورقيت، بِفَتْح الْقَاف من الرّقية. وَبَعض الْمُحدثين يفتح الْقَاف فِي الصعُود وَلَا يدْرِي. [15] وَقَوله: وَتلك العروة، عُرْوَة الوثقى. إِنَّمَا لم يقل العروة الوثقى لِأَنَّهُ يجوز نِسْبَة الشَّيْء إِلَى نَفسه، كَقَوْلِه: {ولدار الْآخِرَة} [النَّحْل: 30] . [15] والجواد: الطّرق، واحدتها جادة. [15] والمنهج: الْمُسْتَقيم. [15] وَقَوله: فزجل بِي: أَي رمى بِي.

(2/174)


643 - / 762 وَفِيمَا انْفَرد البُخَارِيّ عَن ابْن سَلام: [15] قَالَ: إِذا كَانَ لَك على رجل حق وَأهْدى إِلَيْك حمل تبن أَو حمل قت فَلَا تَأْخُذهُ؛ فَإِنَّهُ رَبًّا. [15] القت مَعْرُوف من علف الْبَهَائِم. وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَن قبُول الْهَدِيَّة من الْمَدِين لِأَنَّهُ فِي معنى الرِّبَا، من جِهَة أَنه يطْلب بذلك مسامحته وَتَأْخِير دينه.

(2/175)