كشف المشكل من
حديث الصحيحين (59) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن
زيد الْأنْصَارِيّ
[15] فِي الصَّحَابَة رجلَانِ من الْأَنْصَار يُقَال لكل
وَاحِد مِنْهَا عبد الله بن زيد، وَإِنَّمَا يفرق بَينهمَا
بالأجداد، وَأَحَدهمَا ابْن ثَعْلَبَة، وَهُوَ رائي
الْأَذَان فِي الْمَنَام، وَهُوَ من أهل بدر. وَالثَّانِي:
ابْن عَاصِم، وَهُوَ صَاحب هَذَا الْمسند، وَلم يشْهد
بَدْرًا. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج
لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْهَا ثَمَانِيَة.
655 - / 766 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّانِي: شكي
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يخيل
إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة. قَالَ: " لَا
ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا ". [15] هَذَا
نهي عَن الْعَمَل بِمُقْتَضى الوسواس لِأَن يَقِين
الطَّهَارَة لَا يقاومه الشَّك، وَفِي هَذَا تَنْبِيه على
ترك مُوَافقَة الوسواس فِي كل حَال.
656 - / 777 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَنه قسم يَوْم
حنين وَلم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا. وَقَالَ: " كُنْتُم
عَالَة فَأَغْنَاكُمْ الله بِي ". العالة: الْفُقَرَاء.
(2/190)
وَقَوله: " لَو شِئْتُم قُلْتُمْ: جئتنا
كَذَا وَكَذَا " أَي وحيدا طريدا. [15] وَقَوله: " لَوْلَا
الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار " إِن قَالَ
قَائِل: كَيفَ يتَصَوَّر أَن يكون من الْأَنْصَار؟ وَكَيف
أَرَادَ هَذَا وَنسبه أفضل؟ [15] وَالْجَوَاب: أَنه لم يرد
تَغْيِير النّسَب وَلَا محو الْهِجْرَة، إِذا كِلَاهُمَا
إِذا كِلَاهُمَا مَمْنُوع من تَغْيِيره، وَإِنَّمَا
أَرَادَ النِّسْبَة إِلَى الْمَدِينَة والنصرة للدّين،
فالتقدير: لَوْلَا أَن النِّسْبَة إِلَى الْهِجْرَة
نِسْبَة دينية لَا يسع تَركهَا لانتسبت إِلَى داركم. ثمَّ
إِن لَفْظَة لَوْلَا ترَاد لتعظيم الْأَمر وَإِن لم يَقع،
كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَوْلَا كتاب من الله سبق}
[الْأَنْفَال: 68] . وَهَذَا إِنَّمَا صدر مِنْهُ بَيَانا
لتفضيلهم وحبه إيَّاهُم. [15] والشعب: مَا تفرق بَين
الجبلين. [15] والشعار: مَا ولي الْجَسَد. والدثار: مَا
تدثر بِهِ الْإِنْسَان فَوق الثِّيَاب. [15] والأثرة:
الاستئثار.
657 - / 778 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: خرج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَسْقِي، فَدَعَا وقلب رِدَاءَهُ.
وَيَجِيء فِي حَدِيث آخر: وحول رِدَاءَهُ. [15] اخْتلفُوا
فِي صفة التَّحْوِيل للرداء: فَقَالَ الشَّافِعِي: ينكس
أَعْلَاهُ أَسْفَله وأسفله أَعْلَاهُ، ويتوخى أَن يَجْعَل
مَا على شقَّه الْأَيْمن على شقة الْأَيْسَر وَيجْعَل
الْجَانِب الْأَيْسَر على الْجَانِب الْأَيْمن. وَقَالَ
أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَق: يَجْعَل الْيَمين على
الشمَال، وَالشمَال على الْيَمين. وَقَول مَالك قريب من
ذَلِك. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِذا كَانَ الرِّدَاء مربعًا
(2/191)
نكسه وَإِذا كَانَ طيلسانا مدورا قلبه وَلم
ينكسه، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: تأولوه على مَذْهَب
التفاؤل: أَي لينقلب مَا بهم الجدب إِلَى الخصب.
758 - / 779 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " مَا بَين
بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ". [15]
الرَّوْضَة: الأَرْض المخضرة بالنبات. وَقَالَ الْخطابِيّ:
معنى الحَدِيث: من لزم طَاعَة فِي هَذِه الْبقْعَة آلت
بِهِ الطَّاعَة إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة.
659 - / 780 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " إِن إِبْرَاهِيم
حرم مَكَّة ودعا لَهَا، وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة كَمَا
حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة، وَإِنِّي دَعَوْت فِي صاعها ومدها
بمثلي مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيم لأهل مَكَّة ". [15] إِن
قيل: كَيفَ قَالَ: " إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة "
وَسَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن
عَبَّاس: " إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله يَوْم خلق
السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ ". [15] فَالْجَوَاب: أَن الله
تَعَالَى قضى بِتَحْرِيمِهِ وأجرى الحكم بذلك على لِسَان
إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
(2/192)
[15] وَأما الصَّاع فَهُوَ خَمْسَة
أَرْطَال وَثلث، وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالعراقي هَذَا
مَذْهَبنَا وَمذهب أهل الْحجاز. وَذهب الْعِرَاقِيُّونَ
إِلَى أَن الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال وَالْمدّ رطلان.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أظنهم سمعُوا أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغْتَسل بالصاع، وسمعوا فِي حَدِيث
آخر أَنه يغْتَسل بِثمَانِيَة أَرْطَال، وسمعوا فِي حَدِيث
آخر أَنه كَانَ يتَوَضَّأ برطلين، فتوهموا أَن الصَّاع
ثَمَانِيَة أَرْطَال لهَذَا.
660 - / 781 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: لما كَانَ زمن
الْحرَّة أَتَاهُم آتٍ فَقَالَ: إِن ابْن حَنْظَلَة
يُبَايع النَّاس على الْمَوْت. [15] ابْن حَنْظَلَة اسْمه
عبد الله بن حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة، وَكَانَ
حَنْظَلَة قد خرج إِلَى أحد جنبا، لِأَنَّهُ سمع الصائح
فأسرع فَقتل، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "
رَأَيْت الْمَلَائِكَة الْمَلَائِكَة تغسله بِمَاء المزن
فِي صحاف الْفضة " فَسُمي غسيل الْمَلَائِكَة، وَكَانَ
ابْنه عبد الله فِي أَيَّام الْحرَّة قد خلع يزِيد،
وَبَايع النَّاس على أَن يصبروا على الْقِتَال إِلَى
الْمَوْت، على أَن يكون هُوَ أَمِيرا على الْأَنْصَار،
وَعبد الله بن مُطِيع أَمِيرا على قُرَيْش، وَمَعْقِل بن
سِنَان الْأَشْجَعِيّ أَمِيرا على الْمُهَاجِرين. فَقَالَ
عبد الله بن عَبَّاس: ثَلَاثَة أُمَرَاء، هلك الْقَوْم.
فَلَمَّا خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد بن مُعَاوِيَة أنفذ
إِلَيْهِم مُسلم بن عقبَة فَقتل خلقا كثيرا، وَوَقعت
وقْعَة عَظِيمَة، فَقيل لَهَا وقْعَة الْحرَّة.
(2/193)
661 - / 782 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن:
وَهُوَ حَدِيث الْوضُوء. [15] وَفِيه: فأكفأ على يَدَيْهِ:
أَي أمال الْإِنَاء فَقلب مِنْهُ. [15] وَقَوله: فأخرجنا
إِلَيْهِ مَاء فِي تور. التور والمخضب يكونَانِ من صفر
كالقدح، فَإِن كَانَ من حِجَارَة قيل لَهُ منقع. وَقيل
المخضب شبه المركن والإجانة الَّتِي يغسل فِيهَا
الثِّيَاب، والتور دون ذَلِك. واستنثر يحْتَمل شَيْئَيْنِ:
أَحدهمَا: الاستشاق. وَالثَّانِي: الامتخاط، لِأَن النثرة
هِيَ الْأنف. [15] وَقد اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث عدد
غسله ليديه. وَالْمَحْفُوظ دَوَامه على الثَّلَاث، فَإِذا
أثبت غسله مرَّتَيْنِ فليبين جَوَاز الِاخْتِلَاف فِي
الْعدَد. [15] وَقَوله: بِمَاء غير فضل يَده. الْمَعْنى
أَنه أَخذ للمسح مَاء جَدِيدا.
(2/194)
(60) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن
يزِيد الخطمي
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَرْبَعَة أَحَادِيث. انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ
البُخَارِيّ، فَأخْرج لَهُ حديثين وَلم يخرج لَهُ مُسلم
شَيْئا، كَذَا قَالَ الْحميدِي، ثمَّ قد أفرد فِي آخر
الْكتاب من انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ البُخَارِيّ،
وَمن انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ مُسلم، وَكَانَ
يَنْبَغِي أَن يُؤَخر هَذَا إِلَى هُنَاكَ. فالعجب من
هَذِه الْغَفْلَة فِي التَّرْتِيب.
662 - / 783 وَفِي الحَدِيث الأول: خرج عبد الله بن يزِيد
فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَغْفر ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ يجْهر
بِالْقِرَاءَةِ وَلم يُؤذن وَلم يقم. [15] استسقى: طلب
السقيا. [15] وَصلى: دَلِيل على أَنه تسن الصَّلَاة
للاستسقاء خلافًا لأبي حنيفَة. [15] وَإِنَّمَا ترك
الْأَذَان وَالْإِقَامَة لِأَن الْأَذَان إِعْلَام
للغائبين، وَالَّذين يستسقون قد خَرجُوا مَعَه.
(2/195)
663 - / 784 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نهى عَن الْمثلَة
والنهبى. [15] الْمثلَة: فعل مَا يخرج عَن الْعَادة فِي
الْعقُوبَة، وفيهَا لُغَتَانِ مثلَة بِضَم الْمِيم وتسكين
الثَّاء، وَجَمعهَا مثلات بِضَم الْمِيم وَسُكُون الثَّاء،
ومثلات بضَمهَا. ومثلة بِفَتْح الْمِيم وَضم الثَّاء،
وَجَمعهَا مثلات بِفَتْح الْمِيم وَضم الثَّاء. [15]
وَالنَّهْي: اسْم مَا انتهب: وَهُوَ مَا أَخذ مسابقة
ومبادرة للعير من الآخرين.
(2/196)
(61) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي مَسْعُود
الْأنْصَارِيّ
[15] وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ البدري، وَقد نَص
البُخَارِيّ وَمُسلم على أَنه شهد بَدْرًا، غير أَن
الْأَكْثَرين من أَرْبَاب التواريخ يَقُولُونَ: مَا
شَهِدَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ينزل مَاء بدر فنسب إِلَى بدر
لنزوله بِالْمَاءِ. وَقد نسب خلق كثير إِلَى معنى وجد
مِنْهُم، كسفينة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِنَّهُ حمل مَتَاعا فِي سفر فَسُمي سفينة. ومقسم مولى
ابْن عَبَّاس، كَانَ مولى عبد الله بن الْحَارِث، وَلكنه
للزومه ابْن عَبَّاس قيل لَهُ: مولى ابْن عَبَّاس. وَأَبُو
سعيد المَقْبُري، نزل عِنْد الْمَقَابِر فَقيل المَقْبُري.
[15] وَجُمْلَة مَا روى أَبُو مَسْعُود عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وحديثان، أخرج لَهُ
مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة عشر حَدِيثا.
664 - / 785 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِن
الْمُسلم إِذا انفق على أَهله نَفَقَة وَهُوَ يحتسبها
كَانَت لَهُ صَدَقَة ". [15] معنى يحتسبها يَنْوِي بهَا
طَاعَة الله، ويرجو ثَوَابهَا مِنْهُ، فبذلك تجْرِي
نَفَقَته مجْرى الصَّدَقَة.
(2/197)
665 - / 786 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: "
الْآيَتَانِ من آخر سُورَة الْبَقَرَة من قَرَأَ بهما فِي
لَيْلَة كفتاه ". [15] قَرَأَ بهما: أَي قرأهما، كَقَوْلِه
تَعَالَى: {يشرب بهَا عباد الله} [الْإِنْسَان: 6] أَي
يشربونها، أَو يشربون مِنْهَا. وأنشدوا:
( ... ... ... ... سود المحاجر لَا يقْرَأن بالسور ... )
أَي لم يَقْرَأْنَهَا، وَالْبَاء صلَة. [15] وَفِي معنى "
كفتاه " ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: كفتاه عَن قيام
اللَّيْل، قَالَه أَبُو بكر النقاش. وَالثَّانِي: كفتاه
مَا يكون من الْآفَات تِلْكَ اللَّيْلَة. وَالثَّالِث: أَن
الْمَعْنى حَسبه بهما فضلا وَأَجرا.
666 - / 788 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لما نزلت آيَة
الصَّدَقَة كُنَّا نحامل على ظُهُورنَا فجَاء رجل فَتصدق
بِشَيْء كثير، فَقَالُوا: مراء. وَجَاء رجل فَتصدق بِصَاع،
فَقَالُوا: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَاع هَذَا فَنزلت:
{الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي
الصَّدقَات وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ}
[التَّوْبَة: 79] .
(2/198)
[15] وَأما آيَة الصَّدَقَة فَالظَّاهِر
أَنَّهَا قَوْله: {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا}
[الْبَقَرَة: 245] . [15] وَقَوله: نحامل: أَي نحمل ونتكلف
الْحمل. [15] والمتصدق بالكثير عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
جَاءَ بأَرْبعَة آلَاف. وَقيل: بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة من
ذهب، فنبذه بالرياء بعض الْمُنَافِقين. وَقَالَ قَتَادَة:
تصدق أَيْضا يَوْمئِذٍ عَاصِم بن عدي بن العجلان بِمِائَة
وسق من تمر. وَأما الْمُتَصَدّق بالصاع فقد سميناه فِي
مُسْند كَعْب بن مَالك، وَذكرنَا تَفْسِير اللمز. [15]
وَقَوله: {الْمُطوِّعين} أَي المتطوعين، فأدغمت التَّاء
فِي الطَّاء فَصَارَت طاء مُشَدّدَة. [15] والجهد بِضَم
الْجِيم لُغَة أهل الْحجاز، وَغَيرهم يفتحها. وَقَالَ ابْن
قُتَيْبَة: بل المضمومة بِمَعْنى الطَّاقَة، والمفتوحة
بِمَعْنى الْمَشَقَّة.
667 - / 789 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كَانَ لَهُ
غُلَام لحام. [15] اللحام: الَّذِي يَبِيع اللَّحْم، أَو
يحسن طبخه.
668 - / 790 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: نهى عَن ثمن
الْكَلْب وَمهر.
(2/199)
الْبَغي وحلوان الكاهن. [15] وَقد ذكرنَا
فِي مُسْند أبي جُحَيْفَة أَنه لَا يجوز بيع الْكَلْب
وَإِن كَانَ معلما. [15] وَالْبَغي: الْفَاجِرَة.
وَالْمرَاد بمهرها هُنَا أُجْرَة الفسوق بهَا، فَسَماهُ
مهْرا على سَبِيل التَّشْبِيه بِالْمهْرِ، كَمَا نهى عَن
ثمن الْكَلْب، وَهُوَ تَشْبِيه بِالثّمن أَو بِمَا يظنّ
ثمنا. [15] والكاهن: الَّذِي يُوهم أَنه يعلم الْغَيْب.
وحلوانه: مَا يعطاه على كهانته كالرشوة وَالْأُجْرَة.
669 - / 792 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " إِن الشَّمْس
وَالْقَمَر لَا ينكسفان لمَوْت أحد ". [15] إِنَّمَا قَالَ
هَذَا لِأَن الشَّمْس كسفت عِنْد موت وَلَده إِبْرَاهِيم،
فَقَالَ النَّاس: إِنَّمَا كسفت لمَوْت إِبْرَاهِيم.
670 - / 793 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: أَشَارَ بِيَدِهِ
نَحْو الْيمن فَقَالَ: " أَلا إِن الْإِيمَان هَاهُنَا،
وَإِن الْقَسْوَة وَغلظ الْقُلُوب فِي الْفَدادِين عِنْد
أصُول أَذْنَاب الْإِبِل حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان فِي
ربيعَة وَمُضر ". [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْأَنْصَار
من الْيمن، وَالْإِيمَان فيهم، وَهَذَا مدح لَهُم. وَقَالَ
أَبُو عبيد: بَدَأَ الْإِيمَان من مَكَّة، وَهِي مولد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(2/200)
ومبعثه، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة.
قَالَ: وَيُقَال: مَكَّة من أَرض تهَامَة، وتهامة من أَرض
الْيمن، قَالَ: وَفِيه وَجه آخر: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا القَوْل وَهُوَ يَوْمئِذٍ
بتبوك، وَمَكَّة وَالْمَدينَة حِينَئِذٍ بَينه وَبَين
الْيمن، وَأَشَارَ إِلَى نَاحيَة الْيمن وَهُوَ يُرِيد
مَكَّة وَالْمَدينَة. قَالَ: وَفِيه وَجه ثَالِث: وَهُوَ
أَنه أَرَادَ بِهَذَا القَوْل الْأَنْصَار وهم يمانون.
[15] وَالْقَسْوَة: الشدَّة. وفيهَا ثَلَاث لُغَات: فتح
الْقَاف وَضمّهَا وَكسرهَا. وَكَذَلِكَ الغلظة، والربوة.
[15] والفدادون: مُخْتَلف فِي لَفْظَة وَتَفْسِيره: فَأَما
لَفظه فالأكثرون على التَّشْدِيد، مِنْهُم الْأَصْمَعِي
وثعلب، وَكَانَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يُخَفف
الْفَدادِين وَيَقُول: الْوَاحِد فدان مشدد. وَفِي
المُرَاد بالفدان ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم
المكثرون من الْإِبِل، الَّذين تعلو أَصْوَاتهم فِي حروثهم
ومواشيهم، وهم أهل جفَاء وخيلاء، وَقد رُوِيَ فِي
الحَدِيث: " أَن الأَرْض تَقول للْمَيت إِذا دفن فِيهَا:
قد كنت تمشي فِي فدادا " أَي ذَا خُيَلَاء وَكبر. وَهَذَا
قَول الْأَصْمَعِي. وَالثَّانِي: أَنهم الحمالون والبقارون
والحمارون والرعيان، يشتغلون عَن ذكر الله عز وَجل
وَالثَّالِث: أَن الْفَدادِين جمع فدان، وَهِي الْبَقَرَة
الَّتِي يحرث بهَا، وَالْمعْنَى أَن أَهلهَا أهل جفَاء
لبعدهم عَن الْأَمْصَار والتأدب فِيهَا. وَهَذَا مَذْهَب
أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ. فعلى هَذَا تكون نِسْبَة
الْجفَاء إِلَى الْفَدادِين
(2/201)
وَالْمرَاد أَصْحَابهَا، كَقَوْلِه
تَعَالَى: {واسأل الْقرْيَة} [يُوسُف: 82] . [15] وَقَوله:
" عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل " أَي هم مَعهَا يسوقونها
حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان فِي ربيعَة وَمُضر. كَأَن
الْإِشَارَة إِلَى الْقَوْم قبل إسْلَامهمْ، وتعرفهم آدَاب
الشَّرْع. وَذكر قَرْني الشَّيْطَان مثل يُرَاد بِهِ طلوعه
بالفتن من تِلْكَ النواحي.
671 - / 794 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: " إِن
مِمَّا أردك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولى: إِذا
لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت ". [15] هَذَا الحَدِيث
يرويهِ القعْنبِي عَن شُعْبَة، وَلَا يروي عَنهُ غَيره،
وَكَانَ سَبَب سَمَاعه مِنْهُ مَا أَنبأَنَا بِهِ ابْن
نَاصِر قَالَ:
أَنبأَنَا أَبُو عَليّ الْحسن ابْن الْبناء قَالَ: أخبرنَا
هِلَال بن مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن
مُحَمَّد الصّباغ قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله
الْكشِّي قَالَ: حَدثنِي بعض الْقُضَاة عَن بعض ولد
القعْنبِي قَالَ: كَانَ أبي يشرب النَّبِيذ ويصحب
الْأَحْدَاث، فَقعدَ يَوْمًا ينتظرهم على الْبَاب، فَمر
شُعْبَة وَالنَّاس خَلفه يهرعون، قَالَ: من هَذَا؟ قَالَ
شُعْبَة. قَالَ: وَأي شَيْء شُعْبَة؟ قيل: مُحدث، فَقَامَ
إِلَيْهِ وَعَلِيهِ إِزَار أَحْمَر، فَقَالَ لَهُ:
حَدثنِي. فَقَالَ: مَا أَنْت من أَصْحَاب الحَدِيث، فشهر
سكينه فَقَالَ: أتحدثني أَو أجرحك. فَقَالَ لَهُ: حَدثنَا
مَنْصُور عَن ربعي عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ
(2/202)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "
إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت " فَرمى سكينه،
وَرجع إِلَى قومه فأهراق مَا عِنْده، وَمضى إِلَى
الْمَدِينَة فَلَزِمَ مَالك بن أنس، ثمَّ رَجَعَ إِلَى
الْبَصْرَة وَقد مَاتَ شُعْبَة، فَمَا سمع مِنْهُ غير
هَذَا الحَدِيث. هَكَذَا رُوِيَ لنا فِي كَون القعْنبِي لم
يسمع من شُعْبَة غير هَذَا. [15] وَقد رُوِيَ لنا مَا هُوَ
أشبه: وَهُوَ أَن القعْنبِي قدم الْبَصْرَة ليسمع من
شُعْبَة وَيكثر، فصادف مَجْلِسه يَوْم قدومه قد انْقَضى
وَانْصَرف إِلَى منزله، فجَاء فَوجدَ الْبَاب مَفْتُوحًا
وَشعْبَة على البالوعة، فَدخل من غير اسْتِئْذَان وَقَالَ:
أَنا غَرِيب، قصدت من بلد بعيد لتحدثني. فاستعظم شُعْبَة
ذَلِك وَقَالَ: دخلت بَيْتِي بِغَيْر إذني، وتكلمني على
هَذِه الْحَالة، اكْتُبْ: حَدثنَا مَنْصُور ... فَذكر لَهُ
الحَدِيث ثمَّ قَالَ: وَالله لَا حدثتك غَيره، وَلَا حدثت
قوما أَنْت مَعَهم. [15] وَقَوله: " من كَلَام النُّبُوَّة
الأولى " الْمَعْنى: أَن الْحيَاء لم يزل ممدوحا على ألسن
الْأَنْبِيَاء الْأَوَّلين، ومأمورا بِهِ لم ينْسَخ فِي
شرع. [15] وَفِي قَوْله: " إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا
شِئْت " ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه بِمَعْنى الْخَبَر
وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْأَمر، كَقَوْلِه: "
فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " فَيكون الْمَعْنى:
إِذا لم يمنعك الْحيَاء صنعت مَا شِئْت، وَهَذَا على جِهَة
الذَّم لترك الْحيَاء، وَهَذَا قَول أبي عبيد.
وَالثَّانِي: أَنه وَعِيد
(2/203)
على ترك الْحيَاء، وَالْمعْنَى إِذا لم
تَسْتَحي فافعل مَا تُرِيدُ فستجازى، كَقَوْلِه:
{اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} [فصلت: 40] قَالَه ثَعْلَب.
وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى: مَا لم تَسْتَحي مِنْهُ إِذا
ظهر فافعله، فَهُوَ فِي معنى قَوْله: " الْإِثْم حواز
الْقُلُوب " قَالَه أَبُو مُوسَى الْمروزِي الشَّافِعِي.
672 - / 795 - وَفِي أَفْرَاد مُسلم. " حُوسِبَ رجل فَلم
يُوجد لَهُ من الْخَيْر شَيْء، إِلَّا أَنه كَانَ يخالط
النَّاس ". [15] قَوْله " حُوسِبَ " أَي نظر فِيمَا لَهُ
وَعَلِيهِ. وَالْمرَاد بمخالطته النَّاس: معاملتهم. [15]
وَقَوله: " كَانَ من خلقي الْجَوَاز " يَعْنِي التجاوز
والمسامحة، وَهُوَ معنى قَوْله: " كنت أتيسر على الْمُوسر
" أَي لَا أستقصي وَلَا أناقش. [15] فَإِن قيل قَوْله: "
لم يُوجد لَهُ من الْخَيْر شَيْء " دَلِيل على أَنه كَانَ
كَافِرًا، لِأَن الْمُؤمن لَا يَخْلُو من شَيْء. [15]
فَالْجَوَاب: أَنه قد قَالَ ابْن عقيل: هَذَا رجل لم تبلغه
شَرِيعَة، وَعمل لخصلة من الْخَيْر.
(2/204)
673 - / 797 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث:
كَانَ يمسح مناكبنا فِي الصَّلَاة. [15] المناكب جمع
منْكب: وَهُوَ مُجْتَمع رَأس الْعَضُد فِي الْكَتف.
وَالْمعْنَى أَنه كَانَ يسويهم فِي الْوُقُوف، فَيرد
الْخَارِج ليَقَع الاسْتوَاء. [15] وَقَوله: " وَلَا
تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ " أَي أَنكُمْ إِذا اختلفتم
بالظواهر عُوقِبْتُمْ باخْتلَاف الْقُلُوب. وَيحْتَمل: لَا
تختلفن ظواهركم، فَإِن اختلافها دَلِيل على اخْتِلَاف
قُلُوبكُمْ. [15] وَقَوله: " ليلني مِنْكُم أولو الأحلام
والنهى " قد سبق تَفْسِيره فِي مُسْند ابْن مَسْعُود.
674 - / 798 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَنه كَانَ يضْرب
غُلَاما لَهُ، والغلام يَقُول: أعوذ بِاللَّه، ثمَّ
يضْربهُ، وَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصِيح
بِهِ: " اعْلَم أَبَا مَسْعُود، لله أقدر عَلَيْك مِنْك
عَلَيْهِ " فاعتقه. فَقَالَ: " لَو لم تفعل لَلَفَحَتْك
النَّار ". [15] لفح النَّار: الْإِصَابَة بحرها ولهبها.
وَإِنَّمَا كَانَت تصيبه لأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِمَّا
لِأَنَّهُ ضربه ظلما. أَو لِأَنَّهُ زَاد على مِقْدَار
التَّأْدِيب. أَو لِأَنَّهُ استعاذ بِاللَّه فَلم يعذه.
675 - / 799 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَ رجل
بِنَاقَة مخطومة فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيل الله. فَقَالَ
رَسُول الله،: " لَك بهَا يَوْم الْقِيَامَة
(2/205)
سَبْعمِائة نَاقَة، كلهَا مخطومة ". [15]
المخطومة: المزمومة بالخطام. وَإِنَّمَا سمي خطاما
لِأَنَّهُ يَقع على الخطم، والخطم والمخطم: الْأنف. [15]
وَاعْلَم أَن هَذَا الثَّوَاب على الْحَسَنَة أَمر
مَعْلُوم عِنْد الله عز وَجل، وَقد جعل لنا على الْحَسَنَة
من تِلْكَ الْمَقَادِير عشرا، فَهَذَا الرَّسْم الرَّاتِب،
وَقد يُضَاعف ذَلِك لِلْمُؤمنِ على قدر إخلاصه وَرضَاهُ
عَنهُ إِلَى سَبْعمِائة وَإِلَى سبعين ألفا وَأكْثر كَمَا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فِي قَوْله: {فيضاعفه لَهُ أضعافا
كَثِيرَة} [الْبَقَرَة: 245] قَالَ: ألفي ألف وَألْفي ألف.
676 - / 800 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: جَاءَ رجل
فَقَالَ لَهُ: أبدع بِي فَاحْمِلْنِي. فَقَالَ: " مَا
عِنْدِي " فَقَالَ رجل: أَنا أدله على من يحملهُ. فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من دلّ على خير
فَلهُ مثل أجر فَاعله ". [15] قَوْله: أبدع: أَي عطبت
ركابي أَو كلت فَانْقَطع بِي. يُقَال للرجل إِذا كلت
رَاحِلَته أَو عطبت فَانْقَطع بِهِ: قد أبدع بِهِ،
وَيُقَال: أبدعت الركاب: إِذا كلت. [15] وَقَوله: " من دلّ
على خير فَلهُ مثل أجر فَاعله " فِيهِ إِشْكَال: وَهُوَ
أَن يُقَال: الدّلَالَة كلمة تقال، وَفعل الْخَيْر
إِخْرَاج مَال مَحْبُوب، فَكيف يتساوى الأجران؟ [15]
فَالْجَوَاب: أَن المثلية وَاقعَة فِي الْأجر، فالتقدير:
لهَذَا أجر كَمَا
(2/206)
أَن لهَذَا أجرا وَإِن تفَاوت الأجران.
وَمثل هَذَا قَوْله: " من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا
وَأجر من عمل بهَا " وَقَوله: " الخازن الْأمين الَّذِي
يُعْطي مَا أَمر بِهِ أحد المتصدقين " وَقَوله: " من جهز
غازيا فقد غزا، وَمن خَلفه فِي أَهله بِخَير فقد غزا "
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرّ، فَإِنَّهُ لعن شَارِب
الْخمر وعاصرها وحاملها حَتَّى عد عشرَة. وَلعن آكل
الرِّبَا ومؤكله وكاتبه وشاهديه.
677 - / 801 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " يؤم الْقَوْم
أقرؤهم لكتاب الله ". [15] هَذَا الحَدِيث يدل على
تَقْدِيم الْقَارئ على الْفَقِيه، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد
بن حَنْبَل، وَإِنَّمَا يقدم إِذا كَانَ يعرف أَحْكَام
الصَّلَاة، فَذَلِك الَّذِي هُوَ أولى من الْفَقِيه
الَّذِي لَا يحسن إِلَّا الْفَاتِحَة. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الْفَقِيه أولى. [15]
وَقَوله: " فأقدمهم هِجْرَة " اعْلَم أَن التَّقَدُّم
بِسَبَب الْهِجْرَة كَانَ يَوْمئِذٍ ثمَّ انْقَطع وَبقيت
فضيلته موروثة، فَمن كَانَ من أَوْلَاد الْمُهَاجِرين، أَو
كَانَ من آبَائِهِ أَو أسلافه من لَهُ قدم أَو سَابِقَة
فِي الْإِسْلَام، أَو كَانَ آباؤه
(2/207)
أقدم إسلاما فَهُوَ يقدم على النَّاقِص عَن
مرتبته. فَإِن تَسَاوَت الْجَمَاعَة فِي ذَلِك أَو فِي
عَدمه قدم الأسن، لِأَنَّهُ بِالسِّنِّ قد تقدم إِسْلَامه.
[15] وَقَوله: " وَلَا تؤمن الرجل فِي سُلْطَانه " أَي فِي
الْمَكَان الَّذِي ينْفَرد فِيهِ بِالْأَمر وَالنَّهْي.
[15] وَقَوله: " وَلَا يقْعد فِي بَيته على تكرمته إِلَّا
بِإِذْنِهِ " والتكرمة: مَا يخص بِهِ وَيكرم من فرَاش
وَنَحْوه. [15] وَقَوله: " وأقدمهم قِرَاءَة " كَأَن
الْإِشَارَة إِلَى السَّابِق إِلَى حفظ الْقُرْآن.
(2/208)
|