كشف المشكل من
حديث الصحيحين (62) كشف الْمُشكل من مُسْند شَدَّاد بن
أَوْس
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
678 - / 802 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " سيد
الاسْتِغْفَار أَن يَقُول العَبْد: اللَّهُمَّ أَنْت
رَبِّي وَأَنا عَبدك ". [15] سيد الاسْتِغْفَار: أَي
أفضله. وَالسَّيِّد هُوَ الْمُقدم. [15] وَقَوله: " وَأَنا
على عَهْدك " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا أَن الْمَعْنى:
أَنا على مَا عاهدتك من الْإِيمَان بك وإخلاص الطَّاعَة
لَك مَا اسْتَطَعْت. وَالثَّانِي: أَنا على مَا عهِدت
إِلَيّ من أَمرك، أنتجز وَعدك فِي الثَّوَاب عَلَيْهِ.
[15] وَقَوله: " مَا اسْتَطَعْت " فِيهِ اعْتِرَاف
بِالْعَجزِ عَن كنه الْوَاجِب من حق الْحق عز وَجل. [15]
وَقَوله: " أَبُوء " أَي أعترف بِالنعْمَةِ
وَالِاسْتِغْفَار من الذُّنُوب، يُقَال: بَاء فلَان
بِذَنبِهِ: إِذا احتمله كرها لَا يَسْتَطِيع دَفعه عَن
نَفسه. [15] وَقَوله: " من قَالَهَا موقنا " الْيَقِين
أبلغ علم مكتسب يرْتَفع مَعَه
(2/209)
الشَّك لظُهُور برهانه. وَالْكَلَام
يحْتَمل معنين: أَحدهمَا: الْيَقِين بِمن يقر لَهُ.
وَالثَّانِي: الْيَقِين بِمَا تحويه الْكَلِمَات، وَذَلِكَ
يكون بِحُضُور الْقلب، وَصدق الِاعْتِرَاف، لَا بلقلقة
اللِّسَان فَقَط.
679 - / 803 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِن الله كتب
الْإِحْسَان على كل شَيْء ". [15] أَي أَمر بالرفق واللطف.
[15] وَقَوله: " فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة " القتلة
بِكَسْر الْقَاف: صُورَة القتلة، يُقَال: قَتله قتلة سوء.
[15] وَالذّبْح مصدر ذبحه يذبحه. وأصل الذّبْح الشق، وَقد
فسر إِحْسَان الذّبْح بقوله: " وليحد أحدكُم شفرته وليرح
ذَبِيحَته " لِأَنَّهُ إِذا لم يفعل ذَلِك طَال تعذيبها،
وراحتها بالتعجيل والتسهيل.
(2/210)
(63) كشف الْمُشكل من مُسْند النُّعْمَان
بن بشير
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مائَة وَأَرْبَعَة عشر حَدِيثا. أخرج لَهُ مِنْهَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة.
680 - / 804 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن
أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: إِنِّي نحلت ابْني هَذَا غُلَاما لي. [15]
" النحلة ": الْعَطِيَّة على وَجه الْهِبَة، وَقَالَ: نحل
ووهب بِمَعْنى. [15] وَقَوله: " فأرجعه " وَقَوله: " لَا
أشهد على جور " دَلِيل على أَنه إِذا فضل بعض وَلَده على
بعض مَعَ تساويهم فِي الذكورية أَو الأنوثية فقد أَسَاءَ،
وَيُؤمر بارتجاع ذَلِك وبالتسوية بَينهم، وَهَذَا مَذْهَب
أَحْمد وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَالشَّافِعِيّ: لَا يسترجع ذَلِك. [15] وَأما السّنة فِي
الْعَطِيَّة فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهَذَا
قَول شُرَيْح وَمُحَمّد بن الْحسن وَأحمد بن حَنْبَل
وَإِسْحَق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ:
السّنة التَّسْوِيَة.
681 - / 805 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: الْحَلَال بَين
وَالْحرَام بَين،
(2/211)
وَبَينهمَا مُشْتَبهَات. [15] قَوْله: "
الْحَلَال بَين " لِأَن الشَّرْع قد أوضح أمره. [15]
والمشتبهات: الَّتِي لَا يُقَال فِيهَا حَلَال وَلَا
حرَام، فَهِيَ تشتبه بالشيئين " فَمن اتَّقى الشُّبُهَات
اسْتَبْرَأَ لدينِهِ " أَي احتاط لَهُ. [15] وَقَوله: "
يرتع " أَي يرتع إبِله وغنمه وَقَوله: " أَلا " قَالَ
الزّجاج: هِيَ كلمة يبتدأ بهَا يُنَبه بهَا الْمُخَاطب تدل
على صِحَة مَا بعْدهَا. [15] والحمى: الْمَمْنُوع. " وَحمى
الله مَحَارمه " أَي الَّتِي منع مِنْهَا وحرمها. [15]
وَقَوله: " وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة " المضغة: قدر مَا
يمضغ. [15] وَسمي الْقلب قلبا لتقلبه فِي الْأُمُور.
وَقيل: بل لِأَنَّهُ خَالص مَا فِي الْبدن، وخالص كل شَيْء
قلبه. وَالْقلب أَمِير الْبدن، وَمَتى صلح الْأَمِير صلحت
الرّعية.
682 - / 806 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " مثل الْمُؤمنِينَ
فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجَسَد ". [15]
إِنَّمَا جعل الْمُؤمنِينَ كجسد وَاحِد لِأَن الْإِيمَان
يجمعهُمْ كَمَا يجمع الْجَسَد الْأَعْضَاء، فلموضع
اجْتِمَاع الْأَعْضَاء يتَأَذَّى الْكل بتأذى الْبَعْض
وَكَذَلِكَ أهل الْإِيمَان، يتَأَذَّى بَعضهم بتأذي
الْبَعْض.
(2/212)
683 - / 807 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: "
إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا لرجل يوضع فِي أَخْمص
قَدَمَيْهِ جمرتان يغلي مِنْهُمَا دماغه " وَفِي رِوَايَة:
" كَمَا يغلي الْمرجل ". [15] أَخْمص الْقدَم: بَاطِنهَا.
[15] والمرجل: الْقدر الْكَبِيرَة من نُحَاس، وَجَمعهَا
مراجل. وَقد جَاءَت هَذِه الصّفة فِي حق أبي طَالب عَم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث ابْن
عَبَّاس. [15] وَقَوله: " لَا يرى أَن أحدا أَشد عذَابا
مِنْهُ " وَذَلِكَ أَنه يرى هَذِه الشدَّة الْعَظِيمَة
فيظن أَنَّهَا النِّهَايَة، وظنه أَنه قد خص بأعظم
الْعَذَاب عَذَاب فَوق عَذَابه.
684 - / 808 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " لتسون صفوفكم
أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم ". [15] الظَّاهِر من
قَوْله: " أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم " أَنه
الْوَعيد الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن نطمس
وُجُوهًا فنردها على أدبارها} [النِّسَاء: 47] . [15]
والقداح: السِّهَام. فَأَرَادَ أَنه كَانَ يقوم الصُّفُوف
كَمَا تقوم السِّهَام.
(2/213)
685 - / 809 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ
البُخَارِيّ: " مثل الْقَائِم فِي حُدُود الله وَالْوَاقِع
فِيهَا ". الْقَائِم: الْمُسْتَقيم. [15] وَالْحُدُود: مَا
منع الله عز وَجل من مجاوزتها. قَالَ الزّجاج: وأصل الْحَد
فِي اللُّغَة الْمَنْع، وَمِنْه حد الدَّار: وَهُوَ مَا
يمْنَع غَيرهَا من الدُّخُول فِيهَا. والحداد: الْحَاجِب
والبواب، وكل من منع شَيْئا فَهُوَ حداد، قَالَ
الْأَعْشَى:
(فقمنا وَلما يَصح ديكنا ... إِلَى جونة عِنْد حدادها)
[15] أَي عِنْد رَبهَا الَّذِي يمْنَعهَا إِلَّا لمن
يُريدهُ. وأحدت الْمَرْأَة على زَوجهَا وحدت فَهِيَ حاد
ومحداد: إِذا قطعت الزِّينَة وامتنعت مِنْهَا. وأحددت
النّظر إِلَى فلَان: إِذا منعت نظرك من غَيره، وَسمي
الْحَدِيد لِأَنَّهُ يمْتَنع بِهِ من الْأَعْدَاء.
وَالْمرَاد من الحَدِيث أَنه إِذا سكت الْإِنْسَان عَن
الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر عُوقِبَ
من عصى، لِأَن سُكُوته مَعَ الْقُدْرَة على الْإِنْكَار
عصيان، وَإِن أَخذ على يَد العَاصِي بالزجر سلما جَمِيعًا.
(2/214)
686 - / 810 - وَفِي الحَدِيث الأول من
أَفْرَاد مُسلم: " لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من رجل حمل
زَاده ومزاده ". [15] المزاد: مَا يكون فِيهِ المَاء من
جُلُود. [15] والشرف: الْمَكَان العالي. وَالْمعْنَى: صعد
إِلَى مَكَان عَال يشرف مِنْهُ على مَا وَرَاءه، هَل يرى
مَا يَطْلُبهُ، ومشارف الأَرْض: أعاليها. [15] وَقَالَ: من
القيلولة. [15] والخطام: زِمَام الْبَعِير، سمي خطاما
لِأَنَّهُ على الخطم وَهُوَ الْأنف، وَقد شرحنا معنى هَذَا
الحَدِيث فِي مُسْند ابْن مَسْعُود.
687 - / 811 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ
وَفِي الْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {هَل
أَتَاك حَدِيث الغاشية} . [15] هَذَا هُوَ الْمسنون فِي
الْعِيدَيْنِ فِي الْمَنْصُور عندنَا. وَعَن أَحْمد
رِوَايَة: لَيْسَ فِيهِ معِين، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة.
وَقَالَ مَالك: يقْرَأ ب {سبح} (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا}
وَقَالَ الشَّافِعِي: يقْرَأ فِي الأولى ب {ق} وَفِي
الثَّانِيَة {اقْتَرَبت} وَهَذَا سَيَأْتِي فِي مُسْند أبي
وَاقد اللَّيْثِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ يقرأهما فِي الْأَضْحَى وَالْفطر.
(2/215)
[15] وَأما الْجُمُعَة فالمسنون عندنَا أَن
يقْرَأ فيهمَا بِسُورَة الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ،
وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا. وَيحمل هَذَا الحَدِيث
على أَنه قد كَانَ يقْرَأ فِي بعض الْأَوْقَات بِهَذَا.
وَأخذ مَالك بِهَذَا الحَدِيث وَقَالَ: السّنة أَن يقْرَأ
ب {سبح} والغاشية. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ فيهمَا
معِين.
688 - / 813 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لقد رَأَيْت
نَبِيكُم وَمَا يجد من الدقل مَا يمْلَأ بِهِ بَطْنه.
الدقل: ردئ التَّمْر. وَهَذِه صفة لما كَانُوا فِيهِ من
ضيق الْعَيْش.
(2/216)
(64) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن
أبي أوفى
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَمْسَة وَتسْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة عشر حَدِيثا.
689 - / 814 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كُنَّا
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فِي
رَمَضَان، فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْس قَالَ: " يَا فلَان،
انْزِلْ فاجدح لنا ". [15] الجدح: أَن يخاض السويق
بِالْمَاءِ ويحرك بالمجدح. والمجدح خَشَبَة لَهَا ثَلَاث
جَوَانِب. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على اسْتِحْبَاب
تَعْجِيل الْفطر. [15] وَقَوله: " فقد أفطر الصَّائِم " قد
سبق بَيَانه فِي مُسْند عمر. [15]
690 - / 815 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لما كَانَ يَوْم
خَيْبَر وقعنا فِي الْحمر الْأَهْلِيَّة، فَنَادَى
مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَن
أكفئوا الْقُدُور، وَلَا تَأْكُلُوا من لُحُوم الْحمر
شَيْئا ".
(2/217)
فَقَالَ نَاس: إِنَّمَا نهى عَنْهَا
لِأَنَّهَا لم تخمس، وَقَالَ آخَرُونَ: بل نهى عَنْهَا
الْبَتَّةَ. [15] وَأما قَول الْقَائِلين: لِأَنَّهَا لم
تخمس فَظن مِنْهُم لَيْسَ بِصَحِيح، وَلَوْلَا أَنه نهى
عَنْهَا لذاتها مَا أَمر بإكفاء الْقُدُور. وَفِي مُسْند
سَلمَة بن الْأَكْوَع أَنه أَمر بِكَسْر الْقُدُور،
تَأْكِيدًا للتَّحْرِيم وتشديدا فِي النَّهْي. وَفِي بعض
الْأَحَادِيث: " إِنَّهَا رِجْس ".
691 - / 817 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: بشر خَدِيجَة
بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب، لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب.
[15] الْقصب: الدّرّ المجوف. والصخب: الْأَصْوَات المختلطة
والجلبة. وَالنّصب: التَّعَب. وَفِي نفي الصخب وَالنّصب
عَن هَذَا الْبَيْت وَجْهَان: أَحدهمَا أَن النصب لابد فِي
كل بَيت من تَعب فِي إِصْلَاحه وصخب بَين سكانه، فَأخْبر
أَن قُصُور الْجنَّة على خلاف ذَلِك. وَالثَّانِي:
أَنَّهَا لما تعبت فِي تربية الْأَوْلَاد ناسب هَذَا
ضَمَان الرَّاحَة.
692 - / 818 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " اللَّهُمَّ
منزل الْكتاب، سريع الْحساب، اهزم الْأَحْزَاب ". [15]
وَهَذَا الحَدِيث يدل على جَوَاز السجع فِي الْكَلَام.
وَمثله: " أَبَا
(2/218)
عُمَيْر، مَا فعل النغير ". [15] وَقَوله:
" سريع الْحساب " فِي معنى سرعَة الْحساب خَمْسَة
أَقْوَال: أَحدهَا: قلته، قَالَه ابْن عَبَّاس.
وَالثَّانِي: قرب مجيئة، قَالَه مقَاتل. وَالثَّالِث: أَنه
لما علم مَا للمحاسب وَمَا عَلَيْهِ قبل حسابه كَانَ سريع
الْحساب لذَلِك. وَالرَّابِع: أَن الْحساب بِمَعْنى
الْجَزَاء، فَهُوَ سريع المجازاة. ذكر الْقَوْلَيْنِ
الزّجاج. وَالْخَامِس: أَنه لَا يحْتَاج إِلَى فكر وروية
كالعاجزين، ذكره أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي. [15]
والأحزاب: الْجَمَاعَات. وَقَوله: " اهزمهم " قَالَ
الزّجاج: أصل الهزم فِي اللُّغَة كسر الشَّيْء وَثني بعضه
على بعض، يُقَال: سقاء مُنْهَزِم: إِذا كَانَ بعضه قد ثني
على بعض مَعَ جفاف، وقصب مُنْهَزِم: قد كسر وشقق. وَالْعرب
تَقول: هزمت على زيد: أَي عطفت عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر:
(هزمت عَلَيْك الْيَوْم يَا ابْنة مَالك ... فجودي علينا
بالنوال وأنعمي)
[15] وَيُقَال: سَمِعت هزمة الرَّعْد. قَالَ الْأَصْمَعِي:
كَأَنَّهُ صَوت فِيهِ تشقق. [15] " وزلزلهم " خوفهم وحركهم
بِمَا يُؤْذِي، وأصل الزلزلة فِي اللُّغَة
(2/219)
من زل الشَّيْء عَن مَكَانَهُ، فَإِذا قلت
زلزلته فتأويله: كررت زلزلته من مَكَانَهُ، وكل مَا كَانَ
فِيهِ تَرْجِيع كررت فِيهِ فَاء الْفِعْل، تَقول: أقل
فلَان الشَّيْء: إِذا رَفعه من مَكَانَهُ، فَإِذا كرر
رَفعه ورده قيل: قلقلة. وَالْمعْنَى: كرر عَلَيْهِم
التحريك بالخوف. [15] وَقَوله: " لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء
الْعَدو " وَهَذَا لِأَن متمني الْبلَاء لَا يدْرِي كَيفَ
تكون حَاله. وَقد بَينا فِي مُسْند أبي مُوسَى معنى
قَوْله: " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف " وَأَنه إِذا تدانى
الخصمان صَار كل مِنْهُمَا تَحت ظلّ سيف الآخر، فالجنة
تنَال بِهَذَا
69 - 3 / 820 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " اللَّهُمَّ صل
على آل أبي أوفى ". [15] وَقد بَينا أَن الصَّلَاة من الله
عز وَجل الرَّحْمَة. وَفِي معنى هَذَا الْكَلَام قَولَانِ:
أَحدهمَا أَن الْآل صلَة، كَقَوْلِه: {وَبَقِيَّة مِمَّا
ترك آل مُوسَى وَآل هَارُون} [الْبَقَرَة: 248]
وَالْمعْنَى: صل على أبي أوفى. [15] وَالثَّانِي: أَنه قد
علم دُخُول أبي أوفى فِي آله، فَحسن ذكرهم دونه،
كَقَوْلِه: {وأغرقنا آل فِرْعَوْن} [الْبَقَرَة: 50] .
694 - / 822 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: قيل لِابْنِ أبي
أوفى: كَيفَ
(2/220)
كتب على النَّاس الْوَصِيَّة؟ . [15]
الْإِشَارَة بِالْوَصِيَّةِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كتب
عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا
الْوَصِيَّة} [الْبَقَرَة: 180] . وَهَذِه الْوَصِيَّة
كَانَت فرضا بِدَلِيل قَوْله {كتب عَلَيْكُم} ثمَّ نسخت.
قَالَ ابْن عَبَّاس: نسختها: {للرِّجَال نصيب مِمَّا ترك
الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ} [النِّسَاء: 7] . [15]
وَفِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ بعض الروَاة: ود أَبُو بكر
لَو وجد عهدا من رَسُول الله فخزم أَنفه بخزامة. والخزامة:
حَلقَة من شعر تجْعَل فِي أحد جَانِبي المنخرين من
الْبَعِير يراض بذلك. وَمعنى الحَدِيث: لَو وجد أَبُو بكر
عهدا لانقاد لَهُ.
695 - / 823 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: غزونا مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع غزوات نَأْكُل
الْجَرَاد. [15] مَذْهَب جُمْهُور الْعلمَاء جَوَاز أكل
الْجَرَاد، وَلَا يفرقون بَين مَا أَخذ حَيا أَو مَيتا.
وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: " أحلّت لنا ميتَتَانِ: السّمك
وَالْجَرَاد " وَقَالَ مَالك: مَا أَخذ مِنْهُ حَيا
فَغَفَلَ عَنهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يُؤْكَل. وَقَالَ
اللَّيْث: أكره أكله مَيتا فَأَما مَا أَخذ وَهُوَ حَيّ
فَلَا بَأْس بِهِ.
(2/221)
696 - / 824 - وَفِي الحَدِيث الأول من
أَفْرَاد البُخَارِيّ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن الْجَرّ الْأَخْضَر. قيل لَهُ: نشرب فِي
الْأَبْيَض؟ قَالَ: " لَا " , [15] إِنَّمَا نهى عَن
الْأَخْضَر لِأَنَّهُ يسْرع فِيهِ اشتداد النَّبِيذ وَإِن
كَانَ يتباطأ فِي الْأَبْيَض، ثمَّ ثَبت تَحْرِيم السكر
كَيفَ كَانَ، وَسقط حكم الأوعية.
697 - / 825 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قيل لَهُ: أشهدت
حنينا؟ قَالَ: قبل ذَلِك. [15] أَي شهِدت مَا قبل ذَلِك.
698 - / 826 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: مَاتَ
إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صَغِيرا. [15] كَانَ الْمُقَوْقس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة
قد بعث مَارِيَة الْقبْطِيَّة إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. فَولدت لَهُ إِبْرَاهِيم فِي ذِي الْحجَّة
سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَمَات وَهُوَ ابْن سِتَّة عشر
شهرا، وَقيل: ثَمَانِيَة عشر شهرا. وَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن لَهُ مُرْضعًا تتمّ رضاعه فِي
الْجنَّة ".
699 - / 828 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كُنَّا نُسلف على
عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(2/222)
[15] المُرَاد بالسلف السّلم. وَعِنْدنَا
أَنه يَصح السّلف فِي الْمَعْدُوم إِذا كَانَ يُوجد فِي
مَحَله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
700 - / 829 وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: " اللَّهُمَّ
طهرني بالثلج وَالْبرد وَالْمَاء الْبَارِد ". [15] قَالَ
الْخطابِيّ: إِنَّمَا خص الثَّلج وَالْبرد لِأَنَّهُمَا
ماءان مفطوران على الطَّهَارَة الأولى لم يمرسا بيد وَلم
يخاضا بِرَجُل، وَذَلِكَ أوفى لصفة الطَّهَارَة، وَأبْعد
لَهَا من مُخَالطَة شَيْء من أَنْوَاع النَّجَاسَة.
وَقَالَ غَيره: هَذِه الْمَذْكُورَات صَافِيَة، فَهِيَ
تَنْفِي الأوساخ أَكثر من المَاء الكدر. [15] وَبَاقِي
الحَدِيث قد سبق شَرحه.
(2/223)
|