كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (65) كشف الْمُشكل من مُسْند زيد بن أَرقم
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَا عشر.
701 - / 830 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كُنَّا نتكلم فِي الصَّلَاة حَتَّى نزلت: {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238] فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ. [15] وَأما الْقيام فَالْمُرَاد بِهِ الْقيام فِي الصَّلَاة. وَأما الْقُنُوت فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الطَّاعَة، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا أرى أصل الْقُنُوت إِلَّا الطَّاعَة. وَقَالَ ابْن عمر: هُوَ طول الْقيام فِي الصَّلَاة. وَقَالَ قوم: هُوَ السُّكُوت، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث زيد، فَيكون الْمَعْنى على قَوْلهم: حققوا الطَّاعَة وَالْعِبَادَة بِالسُّكُوتِ عَن كَلَام الْخلق. [15] وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود مَتى حرم الْكَلَام فِي الصَّلَاة.

(2/224)


702 - / 831 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كم غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: تسع عشرَة غَزْوَة، وَأول غزَاة غَزَاهَا ذَات العشير. [15] لَا يَخْلُو أَن يكون زيد أَشَارَ إِلَى مَا كَانَ فِيهِ مناوشة أَو قتال، أَو ذكر مَا يعلم، وَقد ذكرنَا عدد غَزَوَاته وَمَا قَاتل فِيهِ مِنْهَا فِي مُسْند بُرَيْدَة بن الْحصيب. [15] فَأَما ذَات العشير، فَتَارَة تروى بالشين الْمُعْجَمَة، وَتارَة بِالسِّين الْمُهْملَة. وَقد سَمَّاهَا مُحَمَّد بن سعد العشيره بِالْهَاءِ، وَذكر قبلهَا ثَلَاث غزوات. وَقد كَانَت غَزْوَة ذَات الْعَشِيرَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة على رَأس سِتَّة عشر شهرا من مهَاجر رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحمل لِوَاءُهُ حَمْزَة، وَكَانَ لِوَاء أَبيض، واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد، وَخرج يعْتَرض لعير قُرَيْش، وَهِي العير الَّتِي رجعت من الشَّام فِيهَا أَمْوَالهم، فَخرج فِي خمسين وَمِائَة. وَقيل: فِي مِائَتَيْنِ من الْمُهَاجِرين، وَلم يكره أحدا على الْخُرُوج، وَخَرجُوا على ثَلَاثِينَ بَعِيرًا يعتقبونها، فَبلغ ذَا الْعَشِيرَة، وَهِي لبني مُدْلِج بِنَاحِيَة يَنْبع، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة تِسْعَة برد، ففاته العير، وَخرج قُرَيْش يمنعونها فَكَانَت وقْعَة بدر.
703 - / 832 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر أصَاب النَّاس فِيهِ شدَّة، فَقَالَ عبد الله بن أبي: لَا تنفقوا على من

(2/225)


عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا. [15] هَذَا السّفر الْمَذْكُور كَانَ فِي غزَاة الْمُريْسِيع. والمريسيع بِئْر لبني المصطلق، وَكَانَ ذَلِك فِي سنة خمس، وَقيل: سِتّ، وَكَانَ قد خرج مَعَه عبد الله بن أبي فِي جمَاعَة من الْمُنَافِقين طلبا للغنيمة لَا رَغْبَة فِي الْجِهَاد، لقرب ذَلِك السّفر، فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة أقبل رجلَانِ يستقيان مَاء فاختصما، فَنَادَى أَحدهمَا: يال قُرَيْش، وَصَاح الآخر: يال الْخَزْرَج، فَقَالَ ابْن أبي لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا: أَي يتفرقوا. وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى المدنية ليخرجن الْأَعَز يَعْنِي نَفسه، وعنى بالأذل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وَقَوله: {لووا رُءُوسهم} : أَي حركوها استهزاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبدعائه. [15] وَقَوله: {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} أَي ممالة إِلَى الْجِدَار. وَالْمرَاد أَنَّهَا لَيست بأشجار تثمر وتنمي. [15] وَقَوله: كَانُوا أجمل شَيْء قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ أبي جسيما فصيحا، ذلق اللِّسَان.
704 - / 833 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الذَّهَب بالورق دينا.

(2/226)


الْوَرق: الْفضة وَهَذَا رَبًّا النَّسِيئَة، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر.
705 - / 834 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزيد: " هَذَا الَّذِي أوفى الله بأذنه ". [15] كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج إِلَى الْمُريْسِيع، وَخرج مَعَه عبد الله ابْن أبي، فَقَالَ ابْن أبي: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل، فَسَمعَهَا زيد بن أَرقم، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأرْسل إِلَى ابْن أبي فَأنْكر ذَلِك، وَحلف: إِنِّي مَا قلت، فلام النَّاس زيدا فَكَذبُوهُ، فَنزلت سُورَة الْمُنَافِقين، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد: " إِن الله قد صدقك " وَقَالَ: " هَذَا الَّذِي أوفى الله بأذنه " أَي أظهر صدقه فِي إخْبَاره عَمَّا سَمِعت أُذُنه.
706 - / 836 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] كبر زيد على جَنَازَة خمْسا وَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكبرها. [15] قد روى زيد وَحُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر خمْسا، إِلَّا أَن

(2/227)


الْأَكْثَرين مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَجَابِر وَسَهل بن حنيف فِي آخَرين رووا عَنهُ أَنه كَانَ يكبر على الْجِنَازَة أَرْبعا، فَهَذَا كَانَ الْأَخير من فعله، وَيدل على ذَلِك مصير الْقَوْم إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قد كَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة يكبرُونَ أَرْبعا وهم أعلم بناسخ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومنسوخه.
707 - / 837 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أهدي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُضْو من لحم صيد فَرده وَقَالَ: " إِنَّا لَا نأكله، إِنَّا حرم ". [15] وَهَذَا مَحْمُول على أَنه صيد لأَجله، فَلذَلِك امْتنع من أكله.
708 - / 838 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " صَلَاة الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال ". [15] الأواب: الرجاع، كَأَنَّهُ أذْنب ثمَّ رَجَعَ بِالتَّوْبَةِ. والفصال والفصلان: صغَار الْإِبِل، وَالْوَاحد فصيل. وَمعنى ترمض: يُصِيبهَا حر الرمضاء: وَهُوَ الرمل يحمى بَحر الشَّمْس فتبرك الفصال من شدَّة احتراق أخفافها، وَالْمعْنَى: صَلَاة الْأَوَّابِينَ عِنْد شدَّة ارْتِفَاع الشَّمْس. وَالْإِشَارَة إِلَى صَلَاة الضُّحَى، وَذَلِكَ أفضل وَقتهَا.
709 - / 839 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من

(2/228)


الْعَجز والكسل والجبن ". [15] هَذِه أُمُور تنشأ عَن ضعف فِي النَّفس، إِمَّا جبلة، وَإِمَّا لبعد الرياضة. وَالْبخل فِي الْغَالِب يكون طبعا. والهرم: حَالَة انحلال البنية، فَيصير الْإِنْسَان كلا على غَيره، ويثقل عَلَيْهِ حمل نَفسه. [15] وَقَوله: " زكها " أَي طهرهَا من الذُّنُوب وَأَصْلَحهَا.
710 - / 841 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " إِنِّي تَارِك فِيكُم ثقلين: كتاب الله، وَأهل بَيْتِي ". [15] الثّقل: مَا يثقل حامله. والثقلان: الْإِنْس وَالْجِنّ، وسميا بذلك لِأَنَّهُمَا ثقل الأَرْض، إِذْ كَانَت تحملهم أَحيَاء وأمواتا. قَالَت الخنساء ترثي أخاها:
(أبعد ابْن عَمْرو من آل الشريد ... حلت بِهِ الأَرْض أثقالها)
[15] حلت من التحلية: أَي زانت بِهِ موتاها. [15] وَلما ذكر الْقُرْآن مَعَ مَا يثقل حَقِيقَة وهم أهل بَيته أجراه مجْرى الْمَذْكُور مَعَه، وَقد فسر زيد أهل بَيته فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة، وهم آل عَليّ وَآل عقيل وَآل جَعْفَر.

(2/229)


(66) كشف الْمُشكل من مُسْند ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
711 - / 842 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " من حلف على يَمِين بِملَّة غير الْإِسْلَام كَاذِبًا مُتَعَمدا فَهُوَ كَمَا قَالَ ". [15] اعْلَم أَنه إِنَّمَا يحلف الْحَالِف بِمَا هُوَ عَظِيم عِنْده، وَمن اعْتقد تَعْظِيم مِلَّة من ملل الْكفْر فقد ضاه الْكفَّار، وَلما كَانَ مَا يحلف عَلَيْهِ كذبا نفق الْكَذِب بِيَمِين هِيَ معظمة عِنْده. [15] وَقَوله: " وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ " سَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " من تحسى سما فَقتل نَفسه فَهُوَ يتحساه فِي نَار جَهَنَّم، وَمن قتل نَفسه بحديدة فحديدته فِي يَده يتوجأ بهَا فِي بَطْنه فِي نَار جَهَنَّم، وَمن تردى من جبل فَهُوَ يتردى فِي نَار جَهَنَّم ". [15] وَقَوله: " لَيْسَ على الْمُؤمن نذر فِيمَا لَا يملكهُ " وَهَذَا مثل أَن ينذر عتق من لَا يملك، فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد نَذره، وَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء فِي إِحْدَى

(2/230)


الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَفِي الْأُخْرَى: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين. [15] وَقَوله: " لعن الْمُؤمن كقتله " وَذَلِكَ أَن اللاعن لِلْمُؤمنِ كَأَنَّهُ أخرجه من حيّز الْمُؤمنِينَ، فَكَأَنَّهُ أعدم وجوده كَمَا لَو قَتله، وَكَذَلِكَ إِذا رَمَاه بالْكفْر. [15] وَقَوله: " وَمن ادّعى دَعْوَى كَاذِبَة ليتكثر بهَا لم يزده الله إِلَّا قلَّة " وَذَلِكَ أَنه من طلب تَحْصِيل شَيْء من الدُّنْيَا بالمعصية عُوقِبَ بانعكاس مَقْصُوده.
711 - م 843 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة، وَأمر بالمؤاجرة. [15] وَقد تكلمنا فِي هَذَا فِي مُسْند ظهير بن رَافع، ومسند رَافع بن خديج وَبينا أَنهم كَانُوا يزارعون بِمَا يخرج على السواقي وَنَحْو هَذَا، فَلذَلِك نهوا، وَذكرنَا هُنَاكَ الْكَلَام فِي الْمُزَارعَة بِبَعْض مَا تخرج الأَرْض، وَالْخلاف فِيهَا

(2/231)


(67) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بشير الْأنْصَارِيّ
[15] واسْمه قيس بن عبيد. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد.
712 - / 844 وَفِيه: " لَا تبقين فِي رَقَبَة بعير قلادة من وتر أَو قلادة إِلَّا قطعت ". [15] وَرُبمَا صحف من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: من وبر بِالْبَاء، وَإِنَّمَا هِيَ تَاء. وَالْمرَاد بهَا أوتار القسي. وَفِي تَفْسِير الحَدِيث ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم كَانُوا يقلدونها أوتار القسي لِئَلَّا تصيبها الْعين على زعمهم، فَأَمرهمْ بقطعها ليعلمهم أَن الأوتار لَا ترد من أَمر الله شَيْئا، هَذَا قَول مَالك بن أنس الْفَقِيه. وَالثَّانِي: أَنه نهى عَن تقليدها أوتار القسي لِئَلَّا تختنق عِنْد شدَّة الركض، وَهَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن الْفَقِيه. وَالثَّالِث: أَنه أَمر بقطعها لأَنهم كَانُوا يعلقون فِيهَا الْأَجْرَاس، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ.

(2/232)