كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (68) كشف الْمُشكل من مُسْند الْبَراء بن عَازِب
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَخَمْسَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا.
713 - / 845 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: ذبح أَبُو بردة نيار قبل الصَّلَاة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبدلها " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اجْعَلْهَا مَكَانهَا، وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك ". [15] الْجَذعَة: مَا قوي من الْغنم وَصَارَ جفرا وَذَلِكَ قبل أَن يحول عَلَيْهِ الْحول، وَإِذا تمّ لَهُ حول صَار ثنيا. وَلَا يجوز فِي الْأَضَاحِي دون الْجذع من الضَّأْن وَهُوَ مَا كمل لَهُ سِتَّة أشهر. والثني مَا عدا ذَلِك. والثني من الْمعز: مَا كمل لَهُ سنة، وَمن الْبَقر مَا كمل لَهُ سنتَانِ، وَمن الْإِبِل مَا كمل لَهُ خمس سِنِين.

(2/233)


[15] وتجزي مَفْتُوحَة التَّاء، قَالَ أَبُو عبيد: وَالْمعْنَى لَا تقضي عَن أحد بعْدك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} [الْبَقَرَة: 48] . قَوْلهم: أجزاني الشَّيْء إِجْزَاء بِمَعْنى كفاني، فَهُوَ مَهْمُوز، وَلَيْسَ من هَذَا. [15] وَهَذَا تَخْصِيص لهَذَا الرجل وَلَيْسَ بنسخ، لِأَن النّسخ إِنَّمَا يَقع عَامَّة لِلْخلقِ. [15] والداجن: الَّتِي تعلف من الْبَيْت. وَقَوله " من الْمعز " مَحْمُول على أَنه قد كَانَت مِمَّا يجوز أَن يضحى بهَا. [15] والنسك: الذّبْح. والنسيكة: الذَّبِيحَة. وَلما ذبح الأولى ظنا مِنْهُ أَنَّهَا تكفيه أثيب بنيته، لذَلِك سَمَّاهَا الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام نسيكة. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الذّبْح قبل الصَّلَاة لَا يَجْزِي عَن الْأُضْحِية، قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِذا مضى مِقْدَار وَقت الصَّلَاة جَازَ الذّبْح.
714 - / 846 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن عبد الله بن يزِيد قَالَ: حَدثنَا الْبَراء - وَهُوَ غير كذوب - قَالَ: كُنَّا نصلي خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا قَالَ: " سمع الله لمن حَمده " لمن يحن أحد منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَبهته على الأَرْض. [15] الَّذِي ذكره الْحميدِي من قَوْله عَن عبد الله بن يزِيد قَالَ: حَدثنَا الْبَراء وَهُوَ غير كذوب، يُعْطي أَن التَّابِعِيّ قَالَ عَن الصَّحَابِيّ، وَلَيْسَ

(2/234)


كَذَلِك، وَإِنَّمَا هَذَا الحَدِيث يرويهِ أَبُو إِسْحَق، قَالَ: حَدثنِي الْبَراء وَهُوَ غير كذوب، يُشِير أَبُو إِسْحَق إِلَى عبد الله بن يزِيد لَا إِلَى الْبَراء، كَذَلِك قَالَ يحيى بن معِين، قَالَ: لَا يُقَال لرجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَهُوَ غير كذوب، فَأخْرج الْحميدِي طرف الحَدِيث فَصَارَ مُضَافا إِلَى الْبَراء، ثمَّ قَوْله غير كذوب تثبيت لصدق الرَّاوِي وَلَا يُوجب تُهْمَة فِي حَقه. [15] وَقد دلّ الحَدِيث على حسن الْمُتَابَعَة للْإِمَام، وَإنَّهُ لَا يشرع الْمَأْمُوم فِي فعل حَتَّى يتمه الإِمَام.
714 - م / 848 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: وجدت قِيَامه فركعته فاعتداله فسجدته فجلسته مَا بَين السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبا من السوَاء. [15] وَإِنَّمَا تَسَاوَت هَذِه الْأَحْوَال لاختصار الْقيام وَتَطْوِيل التَّسْبِيح وَالذكر. [15] وَقَوله: " وَلَا ينفع ذَا الْجد " قَالَ أَبُو عبيد: الْجد بِالْفَتْح لَا غير: الْغنى والحظ يُقَال: لفُلَان فِي هَذَا الْأَمر جد: إِذا كَانَ مرزوقا مِنْهُ، وَالْمعْنَى: لَا ينفع ذَا الْغنى مِنْك غناهُ، وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ الْعَمَل بطاعتك. قَالَ أَبُو عبيد: وَزعم بعض النَّاس أَنه بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل، قَالَ: وَهَذَا التَّأْوِيل خلاف مَا دَعَا الله إِلَيْهِ الْمُؤمنِينَ حَيْثُ قَالَ: {وَاعْمَلُوا صَالحا} [الْمُؤْمِنُونَ: 51] وَقَالَ: (إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن

(2/235)


عملا} [الْكَهْف: 30] فَكيف يحثهم على الْعَمَل وَلَا يَنْفَعهُمْ. وَقلت: وَالَّذِي نفر مِنْهُ أَبُو عبيد لَهُ وَجه: وَهُوَ أَن من قضي عَلَيْهِ الشَّقَاء لم يَنْفَعهُ علمه بِالظَّاهِرِ، وَمن قدرت لَهُ السَّعَادَة لم يضرّهُ مَا يُعلمهُ من شَرّ، وَإِنَّمَا الْعَمَل للسوابق لَا للأعمال، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا مِنْكُم من ينجيه عمله " قَالُوا: وَلَا أَنْت؟ قَالَ: " وَلَا أَنا، إِلَّا أَن يتغمدني مِنْهُ برحمة ".
715 - / 849 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع، ونهانا عَن سبع: أمرنَا بعيادة الْمَرِيض، وَاتِّبَاع الْجَنَائِز، وتشميت الْعَاطِس، وإبرار الْقسم، وَنصر الْمَظْلُوم، وَإجَابَة الدَّاعِي، وإفشاء السَّلَام. وَفِي رِوَايَة: وإنشاد الضال. [15] أما عِيَادَة الْمَرِيض فمسنونة لمعنيين: أَحدهمَا: تطيب قلبه واستعرض حَوَائِجه. وَالثَّانِي: الاتعاظ بمصرعه. [15] وَأما اتِّبَاع الْجِنَازَة فلثلاثة معَان: أَحدهَا: قَضَاء حَقه من حمله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه، وَذَلِكَ وَاجِب على الْكِفَايَة. وَالثَّانِي: قَضَاء حق أَهله من مساعدتهم على تشييعه، وتطييب قُلُوبهم وتعزيتهم. وَالثَّالِث: الِاعْتِبَار بِتِلْكَ الْحَال. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: والجنازة بِالْفَتْح: الْمَيِّت، وبالكسر: السرير.

(2/236)


وَقَوله: وتشميت الْعَاطِس. قد سبق معنى التشميت فِي مُسْند أبي مُوسَى. وَأما إبرار الْقسم فلمعنيين: أَحدهمَا: لتعظيم الْمقسم بِهِ. وَالثَّانِي: لِئَلَّا يَحْنَث الْحَالِف. [15] وَأما نصر الْمَظْلُوم فلمعنيين: أَحدهمَا: إِقَامَة الشَّرْع بِإِظْهَار الْعدْل. وَالثَّانِي نصر الْأَخ الْمُسلم أَو الدّفع عَن الْكِتَابِيّ وَفَاء بِالذِّمةِ. [15] وَأما إِجَابَة الدَّاعِي فبالإشارة إِلَى الطَّعَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ، فَإِن كَانَت وَلِيمَة عرس فإجابة الدَّاعِي إِلَيْهَا إِذا كَانَ مُسلما وَاجِبَة، فَإِن دَعَاهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي اسْتحبَّ لَهُ الْإِجَابَة، وَإِن دَعَاهُ فِي الْيَوْم الثَّالِث لم يسْتَحبّ لَهُ الْإِجَابَة. فَإِذا حضر وَكَانَ صَائِما فَلَا يَخْلُو صَوْمه أَن يكون وَاجِبا: فَليدع ولينصرف، أَو أَن يكون تَطَوّعا فالاستحباب أَن يفْطر. فَإِن كَانَ فِي تِلْكَ الْوَلِيمَة آلَة اللَّهْو نظر فِي حَاله، فَإِن كَانَ قدر على الْإِنْكَار حضر، وَإِن لم يقدر لم يحضر. فَإِذا حضر فَرَأى على الثِّيَاب صور الْحَيَوَان، فَإِن كَانَت مفروشة أَو يتكأ إِلَيْهَا كالمخاد جلس، وَإِن كَانَت على الْحِيطَان والستور لم يجلس، وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي ستر الْحِيطَان بِثِيَاب غير مصورة، أَو عَلَيْهَا صور غير الْحَيَوَان، فَعَنْهُ أَنه حرَام، فعلى هَذِه الرِّوَايَة، لَا يجلس، وَعنهُ أَنه مَكْرُوه، فعلى هَذِه: لَا ينْصَرف.

(2/237)


وَإِن كَانَت الْوَلِيمَة لغير عرس فالإجابة إِلَيْهَا غير وَاجِبَة. وَأما إفشاء السَّلَام فَهُوَ إِظْهَاره ونشره، وَذَلِكَ مِمَّا يُوجب الود، وَيرْفَع التشاحن. وَأما إنشاد الضال فَهُوَ تَعْرِيفه، يُقَال: نشدت الضَّالة: إِذا طلبتها، وأنشدتها: عرفتها. [15] قَوْله: ونهانا عَن خَوَاتِيم الذَّهَب. وَهَذَا نهى تَحْرِيم. وَكَذَلِكَ الشَّرَاب فِي آنِية الْفضة. وَأما المياثر فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان البستي: هِيَ مراكب تتَّخذ من حَرِير، سميت مبَاشر لوثارتها ولينها. [15] والقسي قد سبق شَرحه فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] والإستبرق: غليظ الديباج، فَارسي مُعرب، وَأَصله إستفره. قَالَ ابْن دُرَيْد: إستروه، وَنقل من العجمية إِلَى الْعَرَبيَّة، فَلَو حقر استبرق أَو كسر لَكَانَ فِي التحقير أُبَيْرِق، وَفِي التكسير أبارق، بِحَذْف السِّين وَالتَّاء جَمِيعًا. وَهَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُور كلهَا حَرِير، فَلذَلِك حرمت. وَقد سبق ذكر الديباج فِي مُسْند حُذَيْفَة. [15] وآنية الْفضة مُحرمَة على الرِّجَال وَالنِّسَاء، لِأَن اسْتِعْمَالهَا من بَاب السَّرف وَالْخُيَلَاء وإضاعة المَال.

(2/238)


716 - / 850 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: كَانَت الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فَجَاءُوا لم يدخلُوا من قبل أَبْوَاب الْبيُوت، فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَدخل من قبل بَابه، فَكَأَنَّهُ عير بذلك، فَنزلت: {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا} [الْبَقَرَة: 189] . [15] هَذِه عَادَة كَانَت لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة واستمروا عَلَيْهَا، فأعلموا أَن الْبر هُوَ الطَّاعَة لَيْسَ بِهَذَا الْفِعْل، وَإِنَّمَا هُوَ بر من اتَّقى مَا حرم عَلَيْهِ.
717 - / 851 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع " إِذا أويت إِلَى فراشك فَقل: اللَّهُمَّ إِن أسلمت نَفسِي إِلَيْك ". [15] أويت: صرت إِلَيْهِ: يُقَال: أَوَى الْإِنْسَان إِلَى منزله أويا، وآويته إيواء، والمأوى: مَكَان كل شَيْء. [15] وَقَوله: " أسلمت نَفسِي إِلَيْك " مثل سلمتها. " ووجهت وَجْهي " يحْتَمل الْعُضْو الْمَعْرُوف، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْوَجْهِ الْقَصْد، فَكَأَنَّهُ يَقُول: قصدتك فِي طلب سلامتي، " وفوضت أَمْرِي إِلَيْك " أَي رَددته إِلَيْك " وألجأت ظَهْري " أَي أملته. يُقَال: لَجأ فلَان إِلَى كَذَا: أَي مَال إِلَيْهِ. وَقَوله: " رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْك " أسقط من الرهبة لَفْظَة مِنْك، وأعمل لفظ الرَّغْبَة بقوله: " إِلَيْك " على عَادَة الْعَرَب فِي أشعارهم:

(2/239)


( ... ... ... ... وزججن الحواجب والعيونا ... )
[15] والعيون لَا تزجج، وَلَكِن لما جمعهَا فِي النّظم حمل أَحدهمَا على حكم الآخر فِي اللَّفْظ. [15] والفطرة هَاهُنَا: دين الْإِسْلَام. [15] والمضجع: مَوضِع الانضجاع. فَأَما أمره بِالْوضُوءِ عِنْد النّوم فَيدل على أَن الْوضُوء عبَادَة مُرَادة لنَفسهَا؛ لِأَنَّهُ أمره بِهِ عِنْد المناقض. [15] وَقَوله: " اضْطجع على شقك الْأَيْمن " وَهَذَا هُوَ الْمصلحَة فِي النّوم عِنْد الْأَطِبَّاء أَيْضا، فأنهم يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَن يضطجع على الْجَانِب الْأَيْمن سَاعَة ثمَّ يَنْقَلِب إِلَى الْأَيْسَر فينام، فَإِن النّوم على الْيَمين سَبَب انحدار الطَّعَام، لِأَن نصبة الْمعدة تَقْتَضِي ذَلِك، وَالنَّوْم على الْيَسَار يهضم لاشتمال الكبد على الْمعدة [15] وَقَوله: " واجعلهن آخر مَا تَقول " ليَكُون ختام الْكَلَام. [15] فَقلت: أستذكرهن: أَي أكررهن ليثبتن فِي ذكري. [15] وبرسولك، فَقَالَ لَا، وبنبيك. المكرر للفظ أَبُو إِسْحَق السبيعِي، وَالَّذِي رد عَلَيْهِ الْبَراء رَاوِي الحَدِيث. وَفِي أمره بِحِفْظ هَذَا اللَّفْظ دون

(2/240)


غَيره مَا يدل على أَنه يَنْبَغِي أَن يُرَاعِي اللَّفْظ. وَقد كَانَ خلق من السّلف يراعون الْأَلْفَاظ. وَهَذَا لِأَنَّهُ قل أَن يَنُوب لفظ عَن لفظ إِلَّا وَبَينهمَا نوع فرق، فَمَتَى أمكن مُرَاعَاة اللَّفْظ كَانَ أَجود، وَإِذا لم يُمكن جَازَ لذِي الْفِقْه والفهم أَن يروي بِالْمَعْنَى. وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يروي الحَدِيث بِالْمَعْنَى. وَهَذِه الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة هَاهُنَا يسيرَة فَأمكن ضَبطهَا. وَيجوز أَن يكون إِنَّمَا رده عَن ذكر الرَّسُول إِلَى ذكر النَّبِي لفائدة، وَهِي تحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون مُرَاده الْجمع لَهُ بَين الاسمين: النُّبُوَّة والرسالة، فَإِنَّهُ نَبِي قبل أَن يُرْسل، فَأَرَادَ أَن يصفه بِالنُّبُوَّةِ ثمَّ بالرسالة. وَلَو قَالَ: برسولك الَّذِي أرْسلت كَانَت صفة وَاحِدَة مكررة. وَالثَّانِي: أَن يكون ذكر النَّبِي احترارا من أَن يُضَاف ذَلِك إِلَى جِبْرِيل، لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: بكتابك وَرَسُولك، احْتمل الرَّسُول جِبْرِيل، وَلم يكن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ ذكر. [15] وَفِي آخر هَذَا الحَدِيث رِوَايَة فِيهَا: " اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَحْيَا وباسمك أَمُوت " وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند حُذَيْفَة.
718 - / 852 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَنه كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام ينْقل التُّرَاب وَيَقُول: " اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ". [15] هَذَا كَانَ يَوْم الخَنْدَق، فَأحب أَن يَأْخُذ نَصِيبا من التَّعَب فِي طَاعَة الله سُبْحَانَهُ، وتمثل بِشعر غَيره.

(2/241)


719 - / 853 وَأما الحَدِيث التَّاسِع: فقد تقدم.
720 - / 854 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: ذكر " الْكَلَالَة " وَقد تقدّمت فِي مُسْند عمر.
721 - / 855 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: انْطلق أخفاء من النَّاس وحسر إِلَى هوَازن. [15] قَوْله: انْطلق أخفاء من النَّاس. هَذَا الْمَرْوِيّ المتداول. والأخفاء: السراع. وَقد رَوَاهُ ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ: انْطلق جفَاء من النَّاس، وَقَالَ: وهم سرعَان النَّاس، شبههم بجفاء السَّيْل. [15] والحسر: الَّذين لَا دروع عَلَيْهِم. والرشق: الْوَجْه من الرَّمْي، وَهُوَ أَن يَرْمِي الْقَوْم بأجمعهم، فَيَقُولُونَ رمينَا رشقا بِكَسْر الرَّاء فَأَما الرشق بِفَتْح الرَّاء فَهُوَ مصدر رشق يرشق رشقا. [15] وَالرجل من الْجَرَاد: الْقطعَة مِنْهُ. [15] فانكشفوا: يَعْنِي انْهَزمُوا. [15] وَأَبُو سُفْيَان هُوَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واسْمه الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَكَانَ أَخا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة،

(2/242)


أَرْضَعَتْه حليمة أَيَّامًا، فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَادَاهُ وهجاه وَكَانَ شَاعِرًا ثمَّ تَلقاهُ فِي فتح مَكَّة فَأسلم قبل الْفَتْح، وَلما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لأَهله: لَا تبكوا عَليّ، فَإِنِّي لم أتنطف بخطيئة مُنْذُ أسلمت. [15] وَقَوله: " أَنا النَّبِي لَا كذب " قد تكلم النَّاس فِي إنشاده مثل هَذَا مَعَ كَونه لَا يحسن قَول الشّعْر، فَقَالَ قوم: كَانَ إِذا أنْشد بَيْتا لَا يقيمه، واحتال بعض الروَاة فروى: أَنا النَّبِي لَا كذب بِنصب الْبَاء، وَهَذَا كُله لَا يحْتَاج إِلَيْهِ؛ لِأَن كل مَا ينْقل عَنهُ من الشّعْر فَهُوَ لغيره وَإِنَّمَا كَانَ يتَمَثَّل بِهِ، فَأَما قَول الشّعْر من قبل نَفسه فَإِنَّهُ منع من ذَلِك فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ. وَهَذَا الْبَيْت لَا يَخْلُو من أَمريْن: إِمَّا أَن يكون قد قَالَه غَيره فأنشده: أَنْت النَّبِي لَا كذب، فَغَيره هُوَ وَقت الإنشاد. أَو يكون قد قَالَه وَلَا يقْصد الشّعْر فَوَقع شعرًا. وَإِذا تَأَمَّلت هَذَا وجدته يَقع كثيرا فِي كَلَام النَّاس، حَتَّى فِي الْقُرْآن الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شعر قطعا، مثل قَوْله تَعَالَى: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} [آل عمرَان: 92] وَقَوله: {وجفان كالجواب وقدور راسيات} [سبأ: 13] . وَقَالَ بعض المرضى لأَهله: اذْهَبُوا بِي إِلَى الطَّبِيب وَقُولُوا قد اكتوى. فَخرج هَذَا على وزن الشّعْر وَإِن لم يَقْصِدهُ. [15] فَإِن قيل: فَكيف يفتخر بِعَبْد الْمطلب وفخره بِالدّينِ أولى، مَعَ أَنه قد نهى عَن الافتخار بِالْآبَاءِ؟

(2/243)


[15] فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه يصلح فِي الْحَرْب مَالا يصلح فِي غَيرهَا من الافتخار وَالْخُيَلَاء. وَقد قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم خَيْبَر: أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة. وَالثَّانِي: أَنه لم يرد بذلك الافتخار بِالْآبَاءِ، إِنَّمَا قصد الافتخار بِنَفسِهِ، وَإِنَّمَا ذكر الْأَب للتعريف، كَمَا يَقُول الْغَالِب لعَدوه: أَنا فلَان بن فلَان، وَمَعْنَاهُ: اعرفني، فَأَنا الَّذِي قهرتك، وَأَنا الَّذِي عاديتني، أَو يُرِيد: إِن نسبي صَحِيح، قَالَ خفاف بن ندبة:
(أَقُول لَهُ وَالرمْح يأطر مَتنه ... تَأمل خفافا إِنَّنِي أَنا ذالكا)
[15] وَالثَّالِث: أَنه ذكرهم بِهَذَا النّسَب أَشْيَاء كَانُوا يعرفونها فِي عبد الْمطلب، مشهورها أَرْبَعَة أَشْيَاء: أَحدهَا رُؤْيا رَآهَا عبد الْمطلب فَأخْبر بهَا قُريْشًا فعبرت أَنه سَيكون لَهُ ولد يسود النَّاس ويملكهم، فأذكرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الرُّؤْيَا لتقوى نفوس المنهزمين من أَصْحَابه، ويوقنوا بِأَن الْعَاقِبَة لَهُ. وَالثَّانِي: أَن عبد الْمطلب وَفد على سيف بن ذِي يزن فَأخْبرهُ سيف أَنه سَيكون من أَوْلَاده نَبِي، وَكَانَ هَذَا الْأَمر مَشْهُورا بَينهم. وَالثَّالِث: أَن عبد الْمطلب أُتِي فِي مَنَامه فَقيل لَهُ: احْفِرْ زَمْزَم: قَالَ: وَمَا زَمْزَم؟ قَالَ: لَا تنزح وَلَا تذم، تَسْقِي الحجيج الْعظم فانتبه فحفرها، فَقَالَت لَهُ قُرَيْش: أشركنا فِيهَا، قَالَ: لَا، هَذَا شَيْء خصصت بِهِ دونكم، فحاكموه إِلَى كاهنة بن يسْعد، فَلَمَّا خَرجُوا عطشوا فِي الطَّرِيق، فانبعثت عين مَاء من تَحت خف رَاحِلَة عبد الْمطلب، فَقَالُوا: قد قضى لَك الَّذِي سقاك، فَلَا نخاصمك أبدا.

(2/244)


[15] وَالرَّابِع: أَنهم أمروا فِي النّوم أمروا فِي النّوم بالاستسقاء بِعَبْد الْمطلب: أخبرنَا عبد الله بن عَليّ بن عَليّ الْمُقْرِئ وَمُحَمّد بن نَاصِر قَالَا: أخبرنَا طراد ابْن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن بَشرَان قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن صَفْوَان قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي قَالَ: حَدثنِي زَكَرِيَّا بن يحيى الطَّائِي قَالَ: حَدثنِي زحر من حُصَيْن عَن جده حميد بن منْهب قَالَ: قَالَ عمي عُرْوَة بن مُضرس يحدث عَن مخرمَة ابْن نَوْفَل عَن أمه رقيقَة ابْنة أبي صَيْفِي بن هِشَام. وَكَانَت لِدَة عبد الْمطلب، قَالَ: تَتَابَعَت على قُرَيْش سنُون أقحلت الضَّرع، وأدقت الْعظم، فَبينا أَنا نَائِمَة - اللَّهُمَّ أَو مهمومة - إِذا هَاتِف يصْرخ بِصَوْت صَحِلَ يَقُول: يَا معشر قُرَيْش، إِن هَذَا النَّبِي الْمَبْعُوث فِيكُم قد اظلتكم أَيَّامه، وَهَذَا إبان نجومه، فحي هلا بالحيا وَالْخصب، أَلا فانظروا رجلا مِنْكُم وسطا عظاما جِسَامًا ابيض بضا، أَوْطَفُ الْأَهْدَاب، سهل الْخَدين، أَشمّ الْعرنِين، لَهُ فَخر يَكْظِم عَلَيْهِ، وَسنة تهدى إِلَيْهِ، فَلْيخْلصْ هُوَ وَولده، وليهبط إِلَيْهِ من كل بطن رجل فليشنوا من المَاء، وليمسوا من الطّيب، ثمَّ ليستلموا الرُّكْن، ثمَّ ليرتقوا أَبَا قبيس، فليستسق الرجل، وليؤمن الْقَوْم، فغثتم مَا شِئْتُم،

(2/245)


فَأَصْبَحت علم الله مَذْعُورَة قد اقشعر جلدي، وَوَلِهَ عَقْلِي، واقتصصت رُؤْيَايَ. فالحرمة وَالْحُرْمَة مَا بَقِي بهَا أبطحي إِلَّا قَالُوا: هَذَا شيبَة الْحَمد، وتتامت إِلَيْهِ رجالات قُرَيْش، وَهَبَطَ إِلَيْهِ من كل بطن رجل، فَمَشَوْا وَمَشوا، واستلموا ثمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قبيس، وَطَفِقُوا جنابيه، فَمَا يبلغ سَعْيهمْ مهله حَتَّى إِذا اسْتَوَى بذورة الْجَبَل قَامَ عبد الْمطلب وَمَعَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَام قد أَيفع أَو كرب، فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَاد الْخلَّة، وَكَاشف الْكُرْبَة، أَنْت معلم غير معلم، وَمَسْئُول غير مبخل، وَهَذِه عبداؤك وإماؤك بِعَذِرَاتٍ حَرمك، يَشكونَ إِلَيْك سنيهم، أذهبت الْخُف والظلف. اللَّهُمَّ فأمطرن علينا معرقًا مريعا، فوالكعبة مَا راموا حَتَّى تَفَجَّرَتْ السَّمَاء، وَاكْتفى الْوَادي بثجيجه، فلسمعت شَيْخَانِ قُرَيْش وحلفها عبد الله بن جدعَان وَحرب بن أُميَّة وَهِشَام بن الْمُغيرَة يَقُولُونَ لعبد الْمطلب: هَنِيئًا لَك أَبَا الْبَطْحَاء، أَي عَاشَ بك أهل الْبَطْحَاء. وَفِي ذَلِك تَقول رقيقَة:
(بِشَيْبَة الْحَمد أسْقى الله بَلْدَتنَا ... لما فَقدنَا الحيا واجلوذ الْمَطَر)

(فجَاء بِالْمَاءِ جَوْنِي لَهُ سبل ... سَحا، فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَام وَالشَّجر)

(منا من الله بالميمون طَائِره ... وَخير من بشرت يَوْمًا بِهِ مُضر)

(مبارك الْأَمر يستسقى الْغَمَام بِهِ ... مَا فِي الْأَنَام لَهُ عدل وَلَا خطر)
[15] قَالَ مُحَمَّد بن سعد: أسلمت رقيقَة، وَأدْركت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: كُنَّا إِذا احمر الْبَأْس نتقي بِهِ. أَي إِذا اشتدت الْحَرْب

(2/246)


نستقبل الْعَدو بِهِ فنجعله أمامنا. وَالْعرب تصف الشَّديد بالحمرة، فَيَقُولُونَ: سنة حَمْرَاء وَمَوْت أَحْمَر.
722 - / 856 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أول مَا قدم الْمَدِينَة نزل على أجداده، أَو قَالَ: على أَخْوَاله من الْأَنْصَار، وَأَنه صلى قبل بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر أَو سَبْعَة عشر شهرا، وَكَانَ يُعجبهُ أَن تكون قبلته قبل الْبَيْت. [15] قَوْله: نزل على أجداده أَو على أَخْوَاله. قد بَينا فِي مُسْند أبي بكر أَنه قَالَ: " أنزل على أخوال عبد الْمطلب ". [15] وَقَوله: صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل بَيت الْمُقَدّس. قبل الشَّيْء وَقبل الشَّيْء: مُقَابِله. وَسميت الْقبْلَة لمقابلة الْمُصَلِّي إِيَّاهَا. [15] وَاتفقَ الْعلمَاء على أَنه دخل الْمَدِينَة فِي ربيع الأول، وَاخْتلفُوا فِي أَي شهر حولت الْقبْلَة على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ من رَجَب، قَالَه الْبَراء بن عَازِب وَمَعْقِل بن يسَار. وَالثَّانِي: لِلنِّصْفِ من شعْبَان، قَالَه قَتَادَة. قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: حولت يَوْم الثُّلَاثَاء وَقت الظّهْر لِلنِّصْفِ من شعْبَان، زار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم بشير بن الْبَراء ابْن معْرور، فتغدى وَأَصْحَابه وَجَاءَت الظّهْر، فصلى بِأَصْحَابِهِ فِي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ من الظّهْر إِلَى الشَّام وَأمر أَن يسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ رَاكِع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة، فَاسْتَدَارَ إِلَى الْكَعْبَة واستدارت الصُّفُوف خَلفه ثمَّ أتم الصَّلَاة، فَسُمي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ لهَذَا.

(2/247)


[15] وَالثَّالِث: حولت فِي جُمَادَى الْآخِرَة، حَكَاهُ ابْن سَلامَة الْمُفَسّر عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ. [15] وَقَوله: وَكَانَ يُعجبهُ أَن تكون قبلته قبل الْبَيْت. سَبَب هَذَا ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنَّهَا قبْلَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: لمُخَالفَة الْيَهُود، قَالَه مُجَاهِد. وَالثَّالِث: أَن اسْتِقْبَال الْبَيْت أمس فِي عبَادَة صَاحبه، وَهَذَا الْبَيْت الْمَعْمُول عَلَيْهِ دون بَيت الْمُقَدّس. [15] وَقَوله: أول صَلَاة صلاهَا. ظَاهره أَنَّهَا الصَّلَاة الَّتِي حولت الْقبْلَة فِيهَا. وَقد ذكرنَا أَنَّهَا حولت فِي الظّهْر. فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ أَنه صلى الْعَصْر كلهَا إِلَى الْكَعْبَة. [15] وَقَول الرجل: أشهد بِاللَّه، لقد صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْكَعْبَة، فدار الْقَوْم كلهم - أصل فِي قبُول خبر الْوَاحِد فِي أَمر الدّين إِذا كَانَ ثِقَة، وأصل فِي أَن كل مَأْذُون فِيهِ لَا يبطل مَا مضى قبل النّسخ. [15] قَوْله: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} [الْبَقَرَة: 143] أَي صَلَاتكُمْ. وسماها إِيمَانًا لِأَنَّهَا عَن الْإِيمَان نشأت.
723 - / 857 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: أهدي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب حَرِير، فَجعلنَا نلمسه ونعجب مِنْهُ، فَقَالَ: " مناديل سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة خير من هَذَا ".

(2/248)


[15] إِنَّمَا خص المناديل لِأَنَّهَا لَيست من رفيع الْمَتَاع، وَإِنَّمَا جعلت للابتذال، فَإِذا مدح المبتذل دلّ على رفْعَة المصون، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {بطائنها من إستبرق} [الرَّحْمَن: 54] وَفِي هَذَا ثَنَاء عَظِيم على الظَّوَاهِر.
724 - / 858 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أهل مَكَّة أَن يَدعُوهُ يدْخل مَكَّة حَتَّى قاضاهم، فَكَتَبُوا: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله. فَقَالُوا: مَا نقر بهَا، فَلَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك، وَلَكِن أَنْت مُحَمَّد بن عبد الله. فَقَالَ لعَلي: " امح: رَسُول الله " قَالَ: لَا وَالله، لَا أمحوك أبدا، فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكتاب فَكتب: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله. [15] قاضاهم: من الْقَضَاء، وَالْقَضَاء: إحكام الْأَمر وإمضاؤه. [15] وَقَوله: فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكتاب فَكتب، إِطْلَاق يَده بِالْكِتَابَةِ وَلم يحسنها كالمعجزة لَهُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا كَونه أُمِّيا لَا يحسن الْكِتَابَة، لِأَنَّهُ مَا حرك يَده تَحْرِيك من يحسن الْكِتَابَة، إِنَّمَا حركها فجَاء الْمَكْتُوب صَوَابا. [15] وَقَوله: فَلَمَّا خَرجُوا تبعتهم بنت حَمْزَة. قد ذكرنَا اسْمهَا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقَول جَعْفَر: خَالَتهَا تحتي، يَعْنِي أَسمَاء بنت عُمَيْس، لِأَن أم بنت حَمْزَة سلمى بنت عُمَيْس، وَأسْلمت سلمى وبايعت رَسُول الله

(2/249)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتَزَوجهَا حَمْزَة، فَلَمَّا قتل عَنْهَا تزَوجهَا شَدَّاد بن الْهَاد. وَأما أَسمَاء فَإِنَّهَا أسلمت قَدِيما وبايعت وَهَاجَرت إِلَى الْحَبَشَة مَعَ زَوجهَا جَعْفَر، فَلَمَّا قتل عَنْهَا تزَوجهَا أَبُو بكر الصّديق، فَلَمَّا مَاتَ تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب. [15] وَقَول زيد: بنت أخي، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخى بَين حَمْزَة وَزيد، فَقضى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخالتها. وَزوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلمَة بن أبي سَلمَة بن عبد الْأسد، فَهَلَك قبل أَن يجمعها إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا قضى بهَا لخالتها لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْأُم، وَالأُم أولى بالحضانة من الْأَب، لِأَنَّهَا أحنى على الْوَلَد وَأعرف بِمَا يصلحه، فَإِذا عدمت الْأُم فالجدة أم الْأُم، فَإِذا اجْتمعت الْخَالَة والعمة كَانَت الْخَالَة أولى لِأَنَّهَا تدلي بِالْأُمِّ والعمة تدلي بِالْأَبِ، وَالأُم فِي الْحَضَانَة مُقَدّمَة على الْأَب. [15] وَقَوله: جلبان السِّلَاح، قد أَجَازُوا كسر الْجِيم وَضمّهَا، وَقد وَقع تَفْسِيره فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: السَّيْف والقوس وَنَحْوه. والأزهري يَقُول: الجلبان شبه الجراب من الْأدم يوضع فِيهِ السَّيْف مغمودا ويطرح فِيهِ سَوط الرَّاكِب وأداته، ويعلقه من آخِرَة الرحل أَو واسطته. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا أرَاهُ سمي بذلك إِلَّا لجفائه، وَلذَلِك قيل للْمَرْأَة الغليظة الجافية جلبانه

(2/250)


[15] وَقَوله: جَاءَ أَبُو جندل يحجل. يُقَال: حجل فلَان فِي مَشْيه: إِذا قَارب الخطو، إِمَّا لقيد أَو تبختر، وَيكون الحجل بِمَعْنى القفز، وَقد شرحنا قصَّة أبي جندل فِي مُسْند سهل بن حنيف.
725 - / 859 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: وَعِنْده فرس مربوط بشطنين. [15] أَي بحبلين. والشطن: الْحَبل الطَّوِيل، وَالْجمع أشطان.
726 - / 860 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: لَيْسَ بالطويل الْبَائِن. يَعْنِي الوافر الطول. [15] وَقَوله: وجمته تضرب قَرِيبا من مَنْكِبَيْه. والجمة: شعر الرَّأْس. والمنكب: فرع الْكَتف.
727 - / 865 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: أَنه قَالَ لحسان: " اهجهم أَو هاجهم، وَجِبْرِيل مَعَك ". [15] الهجاء: ذكر المساوىء. وَالْإِشَارَة إِلَى الْمُشْركين. [15] وَفِي جِبْرِيل إِحْدَى عشرَة لُغَة، قد ذكرتها فِي التَّفْسِير، أَجودهَا جبرئيل على وزن جبرعيل، قَالَ جرير:
(عبدُوا الصَّلِيب وكذبوا بِمُحَمد ... وبجبرئيل وكذبوا ميكالا)

(2/251)


[15] وَقَالَ أَبُو عبيد: معنى ايل معنى الربوبية، فأضيف جبر وميكا إِلَيْهِ، وجبر هُوَ الرجل، فَكَانَ مَعْنَاهُ عبد ايل، رجل ايل.
728 - / 866 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} [إِبْرَاهِيم: 27] وَالْمعْنَى يثبتهم على الْحق عِنْد السُّؤَال فِي الْقَبْر بالْقَوْل الثَّابِت وَهُوَ التَّوْحِيد.
729 - / 868 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] لما نزل صَوْم رَمَضَان كَانُوا لَا يقربون النِّسَاء رَمَضَان كُله، وَكَانَ رجال يخونون أنفسهم، فَأنْزل الله عز وَجل: {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم} [الْبَقَرَة: 187] . [15] كَانَ الْمُسلمُونَ إِذا صَامُوا رَمَضَان فَنَامَ أحدهم فِي اللَّيْل لم يجز لَهُ أَن يَأْكُل بعد انتباهه وَلَا أَن يغشى أَهله، فأنزلت هَذِه الْآيَة، وأبيح لَهُم مَا منعُوا مِنْهُ.
730 - / 869 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ أَبُو رَافع يُؤْذِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَبعث إِلَيْهِ رجَالًا من الْأَنْصَار وَأمر عَلَيْهِم عبد الله بن عتِيك، فجَاء عبد الله فتلطف حَتَّى دخل، ثمَّ تقنع بِثَوْبِهِ. وأغلق البواب الْبَاب، ثمَّ علق الأغاليق على ود.

(2/252)


[15] قَوْله: تقنع بِثَوْبِهِ: أَي تغطى بِهِ. [15] والأغاليق: يُرِيد بهَا المفاتيح. والود: يُرِيد بِهِ الوتد. والأقاليد: المفاتيح، وَاحِدهَا إقليد. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور: الإقليد: الْمِفْتَاح، فَارسي مُعرب، قَالَ الراجز
(لم يؤذها الديك بِصَوْت تغريد ... )

(وَلم تعالج غلقا بإقليد ... )
[15] والمقليد لُغَة فِي الإقليد، وَالْجمع مقاليد. [15] قَوْله: وَكَانَ يسمر عِنْده. السمر حَدِيث اللَّيْل. [15] والعلالي: الْمَوَاضِع الْعَالِيَة. ونذروا بِي: علمُوا بِي. والدهش والداهش: الَّذِي يبدهه الْأَمر فيحيره. [15] وظبة السَّيْف: حَده. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: حداه من جانبيه ظبتاه، وغراره: مَا بَين ظبتيه. وَقَوله: وثئت رجْلي، الْوَاو مَضْمُومَة لَا غير، والوثء: وجع مؤلم. [15] والواعية: أصوات الباكين عَلَيْهِ، وَمَا عَداهَا من الْأَصْوَات يُقَال لَهُ صُرَاخ. وَكَذَلِكَ البغض فَإِنَّهُ عَام، والفرك بَين الزَّوْجَيْنِ خَاصَّة. وَالنَّظَر إِلَى الْأَشْيَاء عَام، والشيم للبرق خَاصَّة. والذنب للحيوان

(2/253)


عَام، والذنابي للْفرس خَاصَّة. وَكَذَلِكَ السّير عَام، والسرى فِي اللَّيْل خَاصَّة. والهرب عَام، والإباق للعبيد خَاصَّة. [15] وَقَوله: أنعى أَبَا رَافع: أخبر بِمَوْتِهِ، والنعي: الْإِخْبَار بِالْمَوْتِ. [15] وَقَوله: حَتَّى سَمِعت نعايا أبي رَافع. والنعايا جمع ناعية: وَهِي النوائح، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هَكَذَا يرْوى نعايا، وَإِنَّمَا حق الْكَلَام أَن يُقَال: نعاء أبي رَافع: أَي انعوا أَبَا رَافع، كَقَوْلِهِم: دراك: أَي أدركوا، وَمن هَذَا قَول شَدَّاد بن أَوْس: يَا نعاء الْعَرَب، يُرِيد: انعوا الْعَرَب. قَالَ ابْن السّكيت: كَانَت الْعَرَب إِذا مَاتَ ميت لَهُ قدر ركب رَاكب وَسَار فِي النَّاس يَقُول: نعاء فلَانا: أَي انعوه، أخرجه مخرج نزال. قَالَ الحوفي: هَكَذَا روايتي: نعاء بِغَيْر يَاء، وَكَذَا يعرفهُ البصريون. والكوفيون يَقُولُونَ: نعائي، يضيفه إِلَى نَفسه، مثل ضربي زيدا. [15] وَقَوله: وَمَا بِي قلبة: أَي لَيست بِي عِلّة أقلب لأَجلهَا فَأنْظر.
731 - / 870 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرجالة يَوْم أحد عبد الله بن جُبَير، وَقَالَ: " إِن رَأَيْتُمُونَا تخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم ".

(2/254)


[15] قَوْله: " تخطفنا الطير ": مثل يُرِيد بِهِ الْهَزِيمَة. [15] والاشتداد: الْعَدو. وَقد رُوِيَ يسندن قَالَ الزّجاج: يُقَال: سَنَد الرجل فِي الْجَبَل وَأسْندَ: إِذا صعد. والأسواق جمع سَاق. [15] وَقَوله: " وَالْحَرب سِجَال " أَي مرّة لهَؤُلَاء وَمرَّة لهَؤُلَاء. وَأَصله أَن المستقين بالسجل - وَهِي الدَّلْو - يكون لكل وَاحِد مِنْهُم سجل. [15] وهبل: اسْم لصنم من أصنامهم. [15] وَأما الْعُزَّى فَفِيهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا شَجَرَة لغطفان كَانُوا يعبدونها، قَالَه مُجَاهِد. وروى أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى ليقطعها. وَالثَّانِي: أَنه صنم، قَالَه الضَّحَّاك وَأَبُو عُبَيْدَة. [15] وَقَوله: " الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم " فَإِن قيل: أَلَيْسَ الله عز وَجل مولى الْخلق كلهم؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمولى هَاهُنَا بِمَعْنى الْوَلِيّ، فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتَوَلَّى الْمُؤمنِينَ بالنصرة والإعانه، ويخذل الْكفَّار.
732 - / 871 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَكَانَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل السَّيْف؟ قَالَ: لَا بل مثل الْقَمَر. [15] فِي السَّيْف طول، وَفِي الْقَمَر تدوير، وَالْقَمَر يُوصف بالْحسنِ مَالا يُوصف السَّيْف، فَلذَلِك عدل إِلَى تشبيهه بالقمر.

(2/255)


733 - / 872 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: عَن الْبَراء قَالَ: تَعدونَ أَنْتُم الْفَتْح فتح مَكَّة، وَقد كَانَ فتح مَكَّة فتحا، وَنحن نعد الْفَتْح بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر فنزحناها. [15] قَالَ الزُّهْرِيّ: لَك يكن فتح أعظم من صلح الْحُدَيْبِيَة، وَذَلِكَ أَن الْمُشْركين اختلطوا بِالْمُسْلِمين فَسَمِعُوا كَلَامهم فَتمكن الْإِسْلَام فِي قُلُوبهم، وَأسلم فِي ثَلَاث سِنِين خلق كثير. [15] فَأَما الْحُدَيْبِيَة فأنبأنا ابْن نَاصِر عَن أبي زَكَرِيَّا عَن الرقي قَالَ: الْحُدَيْبِيَة بِالتَّخْفِيفِ وبالتشديد أَجود. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا هِيَ مُخَفّفَة. [15] والنزح: استقصاء مَا فِي الْبِئْر من المَاء. [15] وشفيرها: جَانبهَا. [15] وَقَوله: أصدرتنا مَا شِئْنَا: أَي عدنا عَنْهَا بِمَا نحب من المَاء. وَالْعرب تَقول: مَا شِئْت، فِي كل شَيْء تبلغ فِيهِ الأمل. قَالَ ذُو الرمة: غثنا مَا شِئْنَا. [15] والركاب: الْإِبِل.
734 - / 873 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أول من قدم علينا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم، ثمَّ جَاءَ عمار وبلال وَسعد، ثمَّ جَاءَ عمر فِي عشْرين، ثمَّ جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،

(2/256)


فَرَأَيْت الولائد وَالصبيان يَقُولُونَ: هَذَا رَسُول الله. [15] قد بَينا فِي حَدِيث الْعقبَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث مصعبا إِلَى الْمَدِينَة. يفقههم ويقرئهم. وَإِنَّمَا جَاءَ عمر فِي عشْرين لِأَنَّهُ هَاجر جَهرا دون الْكل. والولائد: الْجَوَارِي.
735 - / 875 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْم بدر نيفا على السِّتين. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: نَيف مَأْخُوذ من أناف على الشَّيْء: إِذْ أظل عَلَيْهِ وأوفى، كَأَنَّهُ لما زَاد على ذَلِك الْعدَد أشرف عَلَيْهِ.
736 - / 876 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كُنَّا نتحدث أَن عدَّة أَصْحَاب بدر على عدَّة أَصْحَاب طالوت الَّذين جاوزا مَعَه النَّهر بضعَة عشر وثلاثمائة. [15] قَالَ الزّجاج: طالوت اسْم أعجمي لَا ينْصَرف، وَاجْتمعَ فِيهِ التَّعْرِيف والعجمة. [15] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لما غلب عَدو بني إِسْرَائِيل عَلَيْهِم سَأَلُوا نَبِيّهم شمويل - وَقيل: سمعون - أَن يبْعَث لَهُم ملكا، فَأتي بعصا وَقرن فِيهِ

(2/257)


دهن، وَقيل لَهُ: إِن صَاحبكُم الَّذِي يكون ملكا يكون على طول هَذِه الْعَصَا، وَمَتى دخل عَلَيْك فنشق الدّهن فادهن بِهِ فَهُوَ الْملك، وَكَانَ طالوت سقاء يسْقِي على حمَار لَهُ، فَخرج يَطْلُبهُ وَقيل: كَانَ دباغا فضلت حمر لِأَبِيهِ فَخرج مَعَ غُلَام لَهُ يطْلبهَا فَمر بِبَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدخلاه فنشق الدّهن، فقاسه بالعصا ودهنه، فانزعج بَنو إِسْرَائِيل وَقَالُوا: أَنى يكون لَهُ الْملك علينا! لِأَن النُّبُوَّة كَانَت فِي سبط لاوي، وَالْملك فِي سبط يهوذا، وَلم يكن من السبطين، غير أَنه كَانَ أعلم النَّاس بالحروب، وَكَانَ يفوق النَّاس بمنكبيه وعنقه وَرَأسه، فَلَمَّا جعل مَجِيء التابوت بعد أَن يغلب عَلَيْهِ الْعَدو عَلامَة تدل على تَمْلِيكه عَلَيْهِم، فَجَاءَت بِهِ الْمَلَائِكَة، أطاعوه حِينَئِذٍ، فَخرج مَعَه مائَة ألف، فَسَارُوا فِي حر شَدِيد، وابتلاهم الله بالنهر ليظْهر بالبلوى من لَهُ نِيَّة فِي الْمُوَافقَة مِمَّن هُوَ مَعَه بِالظَّاهِرِ، فَشرب الْقَوْم إِلَّا الْقَلِيل. [15] والبضع: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة. [15] وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي عدَّة أهل بدر على مَا ذكرنَا فِي مُسْند عمر.
737 - / 877 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أشهد عَليّ بَدْرًا؟ فَقَالَ: بارز وَظَاهر. [15] بارز: بِمَعْنى دَعَا البرَاز، وأصل البرَاز مَا ظهر واستوى من الأَرْض.

(2/258)


[15] وَمعنى ظَاهر: أَي جمع بَين درعين فِي اللبَاس لَهما والتوقي بهما.
738 - / 878 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " من شَاءَ أَن يعقب مَعَك فليعقب ". [15] أَي فليجلس عقيب ذهَاب أَصْحَابه.
739 - / 879 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما مَاتَ إِبْرَاهِيم: " إِن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة ". [15] البستي: هَذَا يروي على وَجْهَيْن: مُرْضعًا بِضَم الْمِيم: أَي من يتم رضاعه فِي الْجنَّة. يُقَال: امْرَأَة مرضع بِلَا هَاء. ومرضعا بِفَتْح الْمِيم: أَي رضَاعًا.
740 - / 882 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقنت فِي الصُّبْح وَالْمغْرب. [15] قد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قنت شهرا يَدْعُو على قوم من الْمُشْركين، فَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه قنت فِي الصُّبْح وَالْمغْرب. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه قنت فِي الْعَتَمَة، وَفِي لفظ عَنهُ أَنه قنت فِي الظّهْر وَالْعشَاء وَالصُّبْح. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قنت فِي جَمِيع الصَّلَوَات. إِلَّا أَن

(2/259)


الصَّحِيح أَنه ترك الْقُنُوت.
741 - / 885 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَهُودِيّ محمم مجلود. [15] المحمم: المسود الْوَجْه، مفعل من الحمم، والحمم: الفحم.
742 - / 886 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " إِذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " المُرَاد بِهَذَا أَلا يضع ذراعه على الأَرْض.
743 - / 887 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: مرت بجذل شَجَرَة. [15] أَي بأصلها. وأصل كل شَيْء جذله.

(2/260)


(69) كشف الْمُشكل من مُسْند زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد وَثَمَانُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة.
744 - / 888 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله. [15] إِن قيل: الَّذِي قضى بِهِ لَيْسَ فِي كتاب الله. وَالْجَوَاب أَنه أَرَادَ: اقْضِ بَيْننَا بِمَا كتب الله: أَي فرض. كَذَلِك قَالَ الْعلمَاء، مِنْهُم ابْن قُتَيْبَة. [15] والعسيف: الْأَجِير.
745 - / 889 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأمة إِذا زنت وَلم تحصن. [15] فِي إِحْصَان الْأمة قَولَانِ: أَحدهمَا: التَّزْوِيج. وَالثَّانِي: الْعتْق. [15] وَقَوله: " بيعوها وَلَو بضفير " الضفير: الْحَبل المضفور: أَي

(2/261)


المفتول، وَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول.
746 - / 890 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم فِي إِثْر سَمَاء. [15] أَي فِي إِثْر مطر: وَالْعرب تسمى الْمَطَر سَمَاء لِأَنَّهُ يَأْتِي من السَّمَاء، وَالسَّمَاء عِنْدهم كل مَا علا. [15] وَقَوله: " مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا " قَالَ أَبُو عبيد: الأنواء جمع نوء، وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ نجما مَعْرُوفَة الْمطَالع فِي أزمنة السّنة كلهَا، يسْقط مِنْهَا فِي كل ثَلَاث عشرَة لَيْلَة نجم فِي الْمغرب مَعَ طُلُوع الْفجْر، ويطلع آخر يُقَابله فِي الْمشرق من سَاعَته. وَإِنَّمَا سمي نوءا لِأَنَّهُ إِذا سقط السَّاقِط ناء الطالع، وَذَلِكَ النهوض هُوَ النوء، فَسُمي النَّجْم نوءا لذَلِك، وانقضاء هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين مَعَ انْقِضَاء السّنة. وَكَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا سقط مِنْهَا نجم وطلع آخر يَقُولُونَ: لَا بُد أَن يكون عِنْد ذَلِك مطر ورياح / فينسبون كل غيث يكون ذَلِك إِلَى النَّجْم الَّذِي يسْقط حِينَئِذٍ، فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الساقطة مِنْهَا فِي الغرب هِيَ الأنواء، والطالعة مِنْهَا فِي الْمشرق هِيَ البوارح. وَأما قَول عمر: كم بَقِي من نوء الثريا؟ فَإِنَّهُ أَرَادَ كم بَقِي من الْوَقْت الَّذِي جرت الْعَادة أَنه إِذا؟ أَتَى الله بالمطر. وَمن لم يكن اعْتِقَاده أَن الْكَوْكَب يفعل لم يضرّهُ هَذَا القَوْل. وَقد أجَاز الْعلمَاء أَن يُقَال: مُطِرْنَا فِي نوء كَذَا، وَلَا يُقَال بِنَوْء كَذَا.

(2/262)


748 - / 891 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من جهز غازيا فقد غزا ". [15] يُقَال: جهزت فلَانا: إِذا هيأت لَهُ مَا يصلحه فِي قَصده. وَقد بَينا آنِفا أَن الْمعِين على الشَّيْء كالفاعل فِي وُقُوع الْمُشَاركَة فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب.
748 - / 892 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لقطَة الذَّهَب أَو الْوَرق فَقَالَ: " اعرف وكاءها وعفاصها " وَفِي لفظ: " فَعرف عفاصها، ثمَّ عرفهَا سنة، فَإِن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وَدِيعَة عنْدك، فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ ". [15] فَأَما اللّقطَة فَإِن الروَاة قد اتَّفقُوا على فتح الْقَاف فِيهَا، وَأَرَادُوا أَنَّهَا الشَّيْء الْمُلْتَقط. قَالَ الْخَيل بن أَحْمد: اللّقطَة بِفَتْح الْقَاف: اسْم للَّذي يلقط، وبسكون الْقَاف: اسْم لما يلتقط: قَالَ الزُّهْرِيّ: هَذَا قِيَاس اللُّغَة، لِأَن فعلة فِي كَلَامهم جَاءَ فَاعِلا كالهمزة، وفعلة بِالسُّكُونِ جَاءَ مَفْعُولا كالهمزة، إِلَّا أَن كَلَام الْعَرَب فِي اللّقطَة على غير الْقيَاس، فَإِن الروَاة أَجمعُوا على أَن اللّقطَة اسْم الشَّيْء الْمُلْتَقط. [15] وَالْوَرق: الْفضة. [15] والوكاء: الَّذِي يشد بِهِ رَأس الصرة. والعفاص: الْوِعَاء الَّذِي يكون فِيهِ المَال. وَفِي عرفان هَذَا فَائِدَتَانِ. إِحْدَاهمَا: أَنه إِذا أَتَى صَاحبهَا سلمت إِلَيْهِ بِمُجَرَّد وَصفه. وَالثَّانِي: يتَمَيَّز من مَال الْمُلْتَقط،

(2/263)


وَلَا يتَعَذَّر ردهَا على الْوَرَثَة إِن حدث الْمَوْت. وَمن روى: " فَعرف عفاصها " أَي اطلب من يعرفهُ. وَقَوله: " فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ " رد صَرِيح لمَذْهَب دَاوُد، فَإِن عِنْده إِذا جَاءَ صَاحبهَا بعد الْحول لم يغرم لَهُ. [15] وَقَوله: فِي ضَالَّة الْإِبِل: " دعها " دَلِيل على أَنه لَا يجوز التقاطها خلافًا لأبي حنيفَة. [15] وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غضب عِنْد هَذَا السُّؤَال حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه. وَإِنَّمَا غضب لقلَّة فهم السَّائِل، لِأَن اللّقطَة إِنَّمَا أُبِيح أَخذهَا لِأَنَّهَا لَا تصرف لَهَا يُوجب هدايتها إِلَى السَّبِيل الَّذِي يُوقع صَاحبهَا عَلَيْهَا، وَالْإِبِل بِخِلَاف ذَلِك. [15] وَقَوله: " فَإِن مَعهَا حذاءها " الْحذاء: النَّعْل. وَأَرَادَ بِهِ مَا يطَأ عَلَيْهِ الْبَعِير من خفه، فَإِن قوته كالحذاء لَهُ، والسقاء كالقربة وَنَحْوهَا من ظروف المَاء. وَأَرَادَ بالسقاء هَاهُنَا بطن الْبَعِير، فَإِنَّهُ يدّخر فِيهِ مَا يدْفع عَنهُ الْعَطش زَمَانا. [15] وَقَوله فِي الشَّاة: " خُذْهَا " مَحْمُول على مَا إِذا وجدت فِي أَرض فلاة، فَأَما إِذا وجدت بَين ظهراني عمَارَة فَلَا، لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهَا هُنَاكَ، وَالْأَفْضَل تَركهَا. وَقد شرحنا أَحْوَال اللّقطَة فِي مُسْند أبي بن كَعْب.

(2/264)


749 - / 893 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا ". [15] هَذَا مدح لمؤدي الشَّهَادَة بعد تحملهَا، فَكَأَنَّهُ يقيمها لأَدَاء الْأَمَانَة، وَلَا يَعْنِي صَاحبهَا بطلبها. وَالشُّهَدَاء فِي هَذَا الحَدِيث جمع شَاهد. وَقد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن.
750 - / 895 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " من آوى ضَالَّة فَهُوَ ضال مَا لم يعرفهَا ". [15] الضَّالة إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الْحَيَوَان، فَأَما الجمادات فَهِيَ اللّقطَة.

(2/265)


(70) كشف الْمُشكل من مُسْند سهل بن سعد السَّاعِدِيّ
[15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَثَمَانِية وَثَمَانُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا.
751 - / 896 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن رجلا اطلع من جُحر فِي بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدرى يرجل بِهِ رَأسه. [15] المدرى: شَيْء محدد الطّرف كالمسلة، من الْحَدِيد أَو غَيره، فَهُوَ كبعض أَسْنَان الْمشْط إِلَّا أَنه أطول. وأصل المدرى أَنه قرن الثور المحدد الطّرف الَّذِي يدْرَأ بِهِ عَن نَفسه: أَي يدْفع. والمدري يرفع عَن الشّعْر تلبده واشتباكه وَمَا يقف فِي أُصُوله من أَذَى. [15] ويرجل بِمَعْنى يسرح. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن من اطلع فِي بَيت إِنْسَان بِحَيْثُ ينظر إِلَى عَوْرَته أَو حرمته فَلهُ أَن يَرْمِي عينه، فَإِن فقأها فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقد دلّ على هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي هُرَيْرَة: " لَو أَن رجلا

(2/266)


اطلع عَلَيْك فخذفته بحصاة ففقأت عينه مَا كَانَ عَلَيْك جنَاح ".
752 - / 897 - الحَدِيث الثَّانِي: حَدِيث الملاعنين. [15] وَفِيه: كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْمسَائِل وعابها. وَفِيه: " إِن جَاءَت بِهِ أُحَيْمِر كَأَنَّهُ وحرة ". [15] أما الْمسَائِل الَّتِي كرهها فَهِيَ مَالا حَاجَة إِلَيْهِ؛ لِأَن عَاصِمًا سَأَلَ لَا لنَفسِهِ، وَعَن شَيْء مَا ابْتُلِيَ بِهِ، وَهُوَ أَمر يكْشف العورات. [15] والوحرة: دويبة كالعظاءة تلصق بِالْأَرْضِ وتتشبث بِمَا تعلق بِهِ، وَإِذ دنت على الأَرْض وحر الْمَكَان: أَي اشْتَدَّ حره. وَجَمعهَا وحر. [15] وَقَوله: " أعين " أَي وَاسع الْعين، وَمِنْه الْحور الْعين. [15] وَهَذَا الرجل الَّذِي لَاعن مُبين الِاسْم فِي الحَدِيث، وَهُوَ عُوَيْمِر، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. [15] وَقَول الزُّهْرِيّ: فَكَانَت سنة المتلاعنين. يَعْنِي التَّفْرِيق بَينهمَا.
753 - / 898 - الحَدِيث الثَّالِث: " إِن كَانَ الشؤم فِي شَيْء فَفِي الْفرس وَالْمَرْأَة والمسكن " وَفِي مُسْند ابْن عمر: " الشؤم فِي الْفرس وَالْمَرْأَة وَالدَّار " وَلم يقل: إِن كَانَ، وَفِي مُسْند جَابر: " إِن كَانَ فِي شَيْء فَفِي الرّبع وَالْخَادِم وَالْفرس يَعْنِي الشؤم.

(2/267)


[15] وَلقَائِل أَن يَقُول: فَكيف الْجمع بَين هَذَا وَبَين قَوْله: " لَا عدوى وَلَا طيرة "؟ وَالْجَوَاب: أما عَائِشَة فقد غَلطت من روى هَذَا، وَقَالَت: إِنَّمَا قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّابَّة وَالدَّار. وَهَذَا رد مِنْهَا لصريح خبر رَوَاهُ جمَاعَة ثِقَات، فَلَا يعْتَمد على ردهَا. وَالصَّحِيح أَن الْمَعْنى: إِن خيف من شَيْء أَن يكون سَببا لما يخَاف شَره ويتشاءم بِهِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاء، لَا على السَّبِيل الَّتِي تظنها الْجَاهِلِيَّة من الْعَدوي والطيرة، وَإِنَّمَا الْقدر يَجْعَل للأسباب تَأْثِيرا. وَقَالَ الْخطابِيّ: لما كَانَ الْإِنْسَان فِي غَالب أَحْوَاله لَا يَسْتَغْنِي عَن دَار يسكنهَا، وَزَوْجَة يعاشرها، وَفرس يرتبطه. وَكَانَ لَا يَخْلُو من عَارض مَكْرُوه، أضيف الْيمن والشؤم إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء إِضَافَة مَحل وظرف وَإِن كَانَا صادرين عَن قَضَاء الله سُبْحَانَهُ. قَالَ: وَقد قيل: شُؤْم الْمَرْأَة أَلا تَلد، وشؤم الْفرس أَلا يحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله، وشؤم الدَّار سوء الْجَار.
754 - / 899 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف، فَتقدم أَبُو بكر فصلى بِالنَّاسِ، وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ النَّاس فِي التصفيق، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرفع أَبُو بكر يَده فَحَمدَ الله وَرجع القهقهرى وَرَاءه حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ، وَتقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى بِالنَّاسِ. قد دلّ هَذَا الحَدِيث على اسْتِحْبَاب الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا؛ لِأَن الصَّحَابَة لم ينتظروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخر الْوَقْت، وَلَا هُوَ أنكر عَلَيْهِم. وَدلّ على تَفْصِيل أبي بكر حَيْثُ قدموه وَإِشَارَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ أ

(2/268)


يثبت على حَاله تَقْرِير لفضله. [15] وَدلّ على جَوَاز الصَّلَاة بإمامين، وَذَلِكَ أَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام لما وقف عَن يسَار أبي بكر علم أَبُو بكر أَنه قد نوى الْإِمَامَة فَنوى أَبُو بكر الائتمام. [15] فَأَما رفع أبي بكر يَده وحمده الله تَعَالَى فَإِنَّمَا كَانَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى السَّمَاء شكرا لله، لَا أَنه تكلم. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: لم لم يثبت أَبُو بكر وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام بالثبوت، وَظَاهر هَذَا الْمُخَالفَة؟ فَالْجَوَاب: أَنه علم أَنَّهَا إِشَارَة تكريم لَا إِلْزَام، والأشياء تعرف بقرائنها، وَيدل على ذَلِك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقّ الصُّفُوف حَتَّى خلص إِلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنه أَرَادَ الْإِمَامَة لصلى فِي آخر الصُّفُوف. [15] وَقَوله أبي بكر: مَا كَانَ لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يتَقَدَّم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن الإِمَام يكون فِي الْغَالِب أفضل من الْمَأْمُوم، وَإِن كَانَ فِي حق الرَّسُول لَا يحْتَمل هَذَا. وَالثَّانِي: أَنه لما علم أَبُو بكر أَن من الْجَائِز حُدُوث وَحي فِي الصَّلَاة يُغير حكما لم يستجز أَن يتَوَلَّى الصَّلَاة مَعَ وجود الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، خوفًا من ذَلِك. [15] وَقَوله: " التصفيق للنِّسَاء " سَمِعت شَيخنَا أَبَا الْفضل بن نَاصِر يَقُول: لَيْسَ هُوَ التصفيق الْمَعْرُوف الَّذِي هُوَ ضرب بطن الْكَفّ بباطن الْأُخْرَى، فَإِن ذَلِك يطرب، وَإِنَّمَا هُوَ أَن تضرب الْمَرْأَة بِظهْر راحتها الْيُمْنَى على بَاطِن الرَّاحَة الْيُسْرَى. والتصفيح مثل التصفيق.
755 - / 900 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله فَقَالَت: يَا رَسُول الله، جِئْت أهب لَك نَفسِي، فَنظر إِلَيْهَا

(2/269)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَعدَ النّظر فِيهَا وَصَوَّبَهُ. [15] أَي نظر إِلَى وَجههَا وَحط النّظر إِلَى مَا دونه. وَهَذَا يدل على جَوَاز النّظر إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي يُرَاد نِكَاحهَا، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لجَوَاز أَن يريدها، فَلَمَّا لم يردهَا طأطأ رَأسه. [15] وَقَوله: " ملكتكها " كلمة عبر بهَا الرَّاوِي عَن زوجتكها. وَقد رَوَاهُ جمَاعَة فَقَالُوا: " زوجتكها ". وَعِنْدنَا أَنه لَا ينْعَقد النِّكَاح بِغَيْر لفظ: زوجت أَو أنكحت. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: ينْعَقد بِكُل لفظ يُوجب التَّمْلِيك. [15] وَقَوله: " بِمَا مَعَك من الْقُرْآن " دَلِيل على أَن تَعْلِيم الْقُرْآن يجوز أَن يكون صَدَاقا، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَفِي أُخْرَى: لَا يجوز، وَإِنَّمَا جَازَ لذَلِك الرجل خَاصَّة. فعلى الرِّوَايَة الأولى نقُول: يجوز أَن تكون مَنَافِع الْحر مهْرا كالخياطة وَغَيرهَا من الْأَعْمَال. [15] وَقَوله: " تزوج وَلَو بِخَاتم من حَدِيد " دَلِيل على جَوَاز عقد النِّكَاح بالشَّيْء الْيَسِير وَعِنْدنَا أَن أقل الْمهْر لَا يتَقَدَّر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يتَقَدَّر بِمَا يقطع بِهِ السَّارِق. وَقد اخْتلفَا فِيمَا يقطع بِهِ السَّارِق: فَقَالَ أَبُو حنيفَة: النّصاب دِينَار أَو عشرَة دَارهم أَو قيمَة أَحدهمَا من الْعرُوض. وَقَالَ مَالك: النّصاب ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمتهَا من الذَّهَب أَو الْعرُوض. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ربع دِينَار أَو قيمَة

(2/270)


أَحدهمَا من الْعرُوض.
756 - / 901 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَنه بشراب فَشرب مِنْهُ، وَعَن يَمِينه غُلَام وَعَن يسَاره الْأَشْيَاخ، فَقَالَ للغلام: " أتأذن لي أَن أعطي هَؤُلَاءِ؟ " فَقَالَ: لَا أوثر بنصيبي مِنْك أحدا. فتله فِي يَده. هَذَا الحَدِيث يدل على تَقْدِيم أهل الْيَمين وَذَلِكَ لشرف الْيَمين. وتله: وَضعه فِي يَده وَدفعه إِلَيْهِ.
757 - / 902 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر ". وَهَذَا لِأَن إِلْزَام النَّفس مَا لَا يلْزم شرعا ابتداع يخَاف مِنْهُ الزيغ، كَمَا ابتدع أهل الْكتاب فِي دينهم فزاغوا، وشددوا فَشدد الله عَلَيْهِم.
758 - / 903 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن نَفرا تماروا فِي الْمِنْبَر: من أَي عود هُوَ؟ فَقَالَ سعد: من طرفاء الغابة، وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عَلَيْهِ فَكبر وَكبر النَّاس وَرَاءه وَهُوَ على الْمِنْبَر، ثمَّ رَجَعَ فَنزل الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد فِي أصل الْمِنْبَر، ثمَّ عَاد حَتَّى فرغ من آخر صلَاته، ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا صنعت هَذَا لتأتموا بِي ولتعلموا صَلَاتي ".

(2/271)


الغابة: الغيضة، وَجَمعهَا غابات. [15] وَكَانَ الْمِنْبَر مرقاتين، فنزوله وصعوده خطوَات، وَذَلِكَ عمل يسير، وَلَعَلَّه قَامَ على الْمرقاة النَّازِلَة. [15] والقهقرى: الرُّجُوع إِلَى وَرَاء. وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِئَلَّا يستدبر الْقبْلَة فِي صلَاته. وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك الْفِعْل أَن يعلم أَصْحَابه الصَّلَاة ليحفظوا عَنهُ آدابها. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الإِمَام إِذا كَانَ أَعلَى من الْمَأْمُوم لم تفْسد إِمَامَته، وَجَاز الائتمام بِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك مَكْرُوها.
759 - / 904 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التقى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَاقْتَتلُوا، وَفِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل لَا يدع شَاذَّة وَلَا فاذة إِلَّا اتبعها يضْربهَا بِسَيْفِهِ. فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ أحد منا الْيَوْم كَمَا أَجْزَأَ فلَان، فَقَالَ: " إِنَّه من أهل النَّار ". [15] هَذِه الْقِصَّة جرت يَوْم أحد، وَهَذَا الرجل اسْمه قزمان، وَهُوَ مَعْدُود فِي جملَة الْمُنَافِقين، وَكَانَ قد تخلف يَوْم أحد فَعَيَّرَهُ النِّسَاء وقلن لَهُ: قد خرج الرِّجَال، مَا أَنْت إِلَّا امْرَأَة، فَخرج لما أحفظنه، فَصَارَ فِي الصَّفّ الأول، وَكَانَ أول من رمى بهم، وَجعل يُرْسل نبْلًا كالرماح، ثمَّ صَار إِلَى السَّيْف فَفعل الْعَجَائِب، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُسلمُونَ كسر جفن سَيْفه وَجعل يَقُول: الْمَوْت أحسن من الْفِرَار، يال الْأَوْس،

(2/272)


قَاتلُوا على الأحساب، وَجعل يدْخل وسط الْمُشْركين حَتَّى يُقَال: قد قتل، ثمَّ يخرج وَيَقُول: أَنا الْغُلَام الظفري، حَتَّى قتل سَبْعَة، وأصابته جِرَاحَة، فَمر بِهِ قَتَادَة بن النُّعْمَان فَقَالَ: هَنِيئًا لَك الشَّهَادَة. فَقَالَ: إِنِّي وَالله مَا قَاتَلت على دين، مَا قَاتَلت إِلَّا على الْحفاظ، أَلا تسير قُرَيْش إِلَيْهَا حَتَّى تطَأ سعفتنا، ثمَّ أقلقته الْجراحَة فَقتل نَفسه، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله ليؤيد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر ". [15] وَأما الشاذة فَهِيَ المنفردة. والفاذة مثلهَا. [15] وَقَوله: مَا أَجْزَأَ أحد كَمَا أَجْزَأَ فلَان: أَي مَا كفى كِفَايَته وَلَا قَامَ مقَامه، وَيُقَال للشَّيْء الْكَافِي: جزأ وأجزأ. [15] وذباب السَّيْف: حد رَأسه. وحد كل شَيْء ذبابه. وَقَالَ بَعضهم: ذبابه: حَده الَّذِي يضْرب بِهِ. [15] التحامل: تكلّف الشَّيْء على مشقة.
760 - / 905 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: جرح وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكسرت رباعيته، وهشمت الْبَيْضَة على رَأسه، فَكَانَت فَاطِمَة تغسل الدَّم وَعلي يسْكب عَلَيْهَا بالمجن. [15] الرباعيات تلِي الثنايا، وَهِي اثْنَتَانِ من فَوق وَاثْنَتَانِ من أَسْفَل، وَقد ذكرنَا عدد الْأَسْنَان وأسماءهن فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. [15] وَقَوله: وهشمت: كسرت. والهشم: كسر الشَّيْء الأجوف.

(2/273)


والمجن: الترس.
761 - / 906 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: فَبَاتَ النَّاس يدوكون ليلتهم أَيهمْ يعطاها. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يدوكون: يَخُوضُونَ فِيمَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ. يُقَال: النَّاس فِي دوكة: إِذا كَانَ فِي اخْتِلَاط وخوض. [15] وَقَوله: " لِأَن يهدي الله بك رجلا " أبين دَلِيل على تَفْضِيل الْعلم. [15] وَالنعَم: الْإِبِل. وَإِنَّمَا خص حمرها لِأَنَّهَا كرامها وخيارها.
762 - / 907 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: دَعَا أَبُو أسيد السَّاعِدِيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عرسه، فَكَانَت امْرَأَته خادمتهم وَهِي الْعَرُوس، أنقعت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تمرات من اللَّيْل فِي تور، فَلَمَّا فرغ من الطَّعَام أماثته فسقته تخصه بذلك. [15] التور: آنِية كالقدح تكون من حِجَارَة، وَهِي اسْم أعجمي، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. [15] وَقَوله: أماثته. يُقَال: مثت الشَّيْء فِي المَاء: إِذا أنقعته فِيهِ ثمَّ عصرته وصفيته. وَيُقَال: انماث ينماث: إِذا ذاب وَتغَير المَاء بِهِ.
763 - / 909 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: فلهي بِشَيْء بَين يَدَيْهِ. لهي بِكَسْر الْهَاء وَمَعْنَاهُ اشْتغل. فإئا فتحت الْهَاء كَانَ من اللَّهْو.

(2/274)


764 - / 910 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: ذكر امْرَأَة قدم بهَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليتزوجها، فَنزلت فِي أجم بني ساعده، فَقَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك. [15] الأجم والأطم: الْحصن. وَقد تقدّمت تَسْمِيَة هَذِه الْمَرْأَة وَشرح حَالهَا فِي مُسْند أبي أسيد. وَيُقَال: إِن بعض نِسَائِهِ قُلْنَ لَهَا: إِذا أردْت الحظوة عِنْده فَقولِي لَهُ: أعوذ بِاللَّه مِنْك، وَمَا علمت هِيَ مَا تَحت هَذَا.
765 - / 911 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " يحْشر النَّاس على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقي لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد " وَفِي لفظ " علم ". [15] قَالَ أَبُو عبيد: العفر: الْأَبْيَض لَيْسَ بشديد الْبيَاض. [15] والنقي: الْحوَاري. والمعلم الْأَثر. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان البستي: إِنَّمَا سمي الْحوَاري نقيا لِأَنَّهُ نقي من القشر والنخاله. [15] وَيُرِيد بقوله: " لَيْسَ فِيهِ معلم " أَنَّهَا مستوية لَيْسَ فِيهَا حدب يرد الْبَصَر وَلَا بِنَاء يستر مَا وَرَاءه. والمعلم وَاحِد معالم الأَرْض: أَي

(2/275)


أعلامها الَّتِي يهتدى بهَا فِي الطّرق.
766 - / 912 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: وننقل التُّرَاب على أكتادنا. [15] الأكتاد جمع كتد بِفَتْح الْكَاف وَالتَّاء: وَهُوَ موصل الْعُنُق فِي الظّهْر، وَهُوَ فِيمَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر، والكاهل مَا بَين الْكَتِفَيْنِ.
767 - / 913 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: كُنَّا نفرح بِيَوْم الْجُمُعَة، وَذَلِكَ أَنه كَانَت عَجُوز ترسل إِلَى بضَاعَة، فتأخذ من أصُول السلق فتطرحه فِي الْقدر، وتكركر عَلَيْهِ حبات من شعير، مَا فِيهِ شَحم وَلَا ودك. [15] بضَاعَة: بِئْر حولهَا نخل وَزرع. وَمن الْمُحدثين من يضم الْبَاء فَيَقُول: بضَاعَة. [15] وَقَوله: تكركر: مَعْنَاهُ تطحن أَو تحبش، وَأَصله من الْكر، ضوعف عود الرَّحَى ورجوعها فِي الطحين مرّة بعد أُخْرَى. والكركرة بِمَعْنى الصَّوْت كالجرجرة. [15] والودك: الدّهن، إِلَّا أَنه لَا يُقَال ودك إِلَّا من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. وَيُقَال من دهن السمسم والجوز واللوز وَالزَّيْتُون دسم. وَيُقَال من الطير والدجاج والبط زهم.

(2/276)


[15] وَقَوله: تغرسه على أربعائنا. الْأَرْبَعَاء: النَّهر. [15] وَقَوله: وَمَا كُنَّا نقِيل وَلَا نتغدى إِلَّا بعد الْجُمُعَة. القيلولة: النّوم قبل الزَّوَال. وَقد اسْتدلَّ بِهِ أَصْحَابنَا على جَوَاز إِقَامَة الْجُمُعَة قبل الزَّوَال، لِأَن القيلولة والغداء لَا يكونَانِ إِلَّا قبل الزَّوَال. وَقد عضد هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: كُنَّا نبكر إِلَى الْجُمُعَة ثمَّ نقِيل بعْدهَا. وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة ثمَّ نَذْهَب إِلَى جمالنا فنريحها حِين تَزُول الشَّمْس. وَهَذَا عِنْد أَصْحَابنَا وَقت جَوَاز فعل الْجُمُعَة. فَأَما الِاسْتِحْبَاب فَبعد الزَّوَال. وَيُمكن أَن تشبه بِصَلَاة الْعِيد، لِأَن الْجُمُعَة كالعيد. [15] وَلقَائِل أَن يَقُول: أَوْقَات الصَّلَاة مَعْلُومَة مُجْتَمع عَلَيْهَا، فَلَا تغير بِأَمْر مُحْتَمل. وَوجه الِاحْتِمَال أَن قَوْله: مَا كُنَّا نقِيل وَلَا نتغدى: أَي كُنَّا يحرضنا على البكور إِلَى الْجُمُعَة، نؤخر غداءنا وقيلولتنا إِلَى مَا بعد الْجُمُعَة. ويوضحه قَول أنس: كُنَّا نبكر إِلَى الْجُمُعَة ثمَّ نقِيل بعْدهَا. وَقد يَقُول من أخر غداءه إِلَى وَقت الْمسَاء: هَذَا غدائي. [15] ويكشف هَذَا أَن جَمِيع الْأَلْفَاظ: كُنَّا، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلَفْظَة كَانَ إِخْبَار عَن دوَام الْفِعْل. وَقد قَالَ الْخصم: إِن ذَلِك جَائِز لَا مُسْتَحبّ، فَمَا كَانُوا بالذين يدومون على ترك الِاسْتِحْبَاب. فَأَما قَول جَابر: كُنَّا نصلي الْجُمُعَة ونريح جمالنا حِين تَزُول الشَّمْس، فَهُوَ

(2/277)


إِخْبَار عَن صَلَاة الْجُمُعَة مَعَ الزَّوَال.
768 - / 914 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " رِبَاط يَوْم فِي سَبِيل الله ... ". [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أصل الرِّبَاط والمرابطة: أَن يرْبط هَؤُلَاءِ خيولهم وَهَؤُلَاء خيولهم فِي الثغر، كل يعد لصَاحبه.
769 - / 915 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: هَذَا حري إِن خطب أَن ينْكح. [15] حري وحقيق وجدير بِمَعْنى. وَالْمرَاد من الحَدِيث أَلا يزدرى الْفَقِير، فَإِنَّهُ فِي الْأَغْلَب خير من الْغَنِيّ.
770 - / 917 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: كَانَ بَين مصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْجِدَار ممر الشَّاة. [15] هَذَا الْقرب من الْقبْلَة لأجل من يجوز.
771 - / 920 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: كَانَ رجال يصلونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عاقدي أزرهم على أَعْنَاقهم كَهَيئَةِ الصّبيان، وَيُقَال للنِّسَاء: لَا ترافعن رؤوسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا. [15] كَانَت كسْوَة أُولَئِكَ الرِّجَال قَليلَة، وثيابهم قَصِيرَة لمَكَان الْفقر،

(2/278)


فَأمر النِّسَاء أَلا يرفعن رؤوسهن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا لِئَلَّا يشاهدن عَورَة.
772 - / 921 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: إِن أهل الْجنَّة ليتراءون الغرفة فِي الْجنَّة كَمَا تتراءون الْكَوْكَب فِي السَّمَاء. [15] إِنَّمَا سميت الْجنَّة جنَّة لاستتار أرضه بأشجارها. وَسمي الْجِنّ لاستتارهم، وَيُسمى الْجَنِين أَيْضا. [15] والغرفة: الْمنزل فَوق الْأَبْنِيَة. [15] والكوكب: النَّجْم. وَأما الدُّرِّي فَقَالَ الْكسَائي: الدُّرِّي بِضَم الدَّال مشبه بالدر، وبكسر الدَّال: الْجَارِي. وَبِفَتْحِهَا: الملتمع. [15] والأفق وَاحِد الْآفَاق: وَهِي النواحي.
773 - / 922 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: " إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب الْجواد الْمُضمر السَّرِيع مائَة عَام مَا يقطعهَا ". [15] الْجواد: الْفرس السَّرِيع. وتضمير الْخَيل: أَن تشد عَلَيْهَا سُرُوجهَا وتجلل بالأجلة، وتجري حَتَّى تعرق، ويكرر ذَلِك عَلَيْهَا حَتَّى تعتاده، فيقوى لحملها وَيذْهب رهلها، وتخف حركتها، فَإِذا انْتَهَت رياضتها وَبَلغت مَا يُريدهُ الرائضون فِيهَا فَهِيَ مضمرة، وَمَا دَامَت فِي الرياضة فَهِيَ غير مضمرة. وَاسم الْمَكَان الَّذِي تجْرِي فِيهِ الْمِضْمَار. وَقد يُقَال

(2/279)


الْمِضْمَار للْوَقْت الَّذِي تضمر فِيهِ الْخَيل للسباق. وَهَذِه الشَّجَرَة يُقَال: إِنَّهَا طُوبَى.
774 - / 923 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: " أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض، وليردن عَليّ أَقوام أعرفهم ويعرفونني، ثمَّ يُحَال بيني وَبينهمْ ". [15] الفرط: الْمُتَقَدّم لأصلاح أَمر. [15] وَهَؤُلَاء الَّذين أَحْدَثُوا بعده يحْتَمل أَن يُرَاد بهم المُنَافِقُونَ والمرتدون والمبتدعون فِي أصل الدّين. [15] وَسُحْقًا مصدر أسحقه الله سحقا: أَي أبعده بعدا. [15] فَإِن قيل: كَيفَ خَفِي حَالهم عَلَيْهِ وَقد قَالَ: " تعرض عَليّ أَعمال أمتِي " فَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا تعرض عَلَيْهِ أَعمال الْمُوَحِّدين لَا الْمُنَافِقين وَلَا الْكَافرين.
775 - / 926 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " ليدخلن الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا - أَو سَبْعمِائة ألف - سماطين، آخذ بَعضهم بِبَعْض، حَتَّى يدْخل أَوَّلهمْ وَآخرهمْ الْجنَّة، وُجُوههم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر ".

(2/280)


[15] السماط: مَا رتب على جِهَة مُتَسَاوِيَة. وَهَؤُلَاء يدْخلُونَ بَعضهم آخذ بيد بعض. [15] وَقَوله: " على صُورَة الْقَمَر " أَي على ضوئه لَيْلَة الْبَدْر، لَيْلَة أَربع عشرَة. [15] وَفِي تَسْمِيَتهَا بذلك قَولَانِ ذكرهمَا ابْن الْقَاسِم: أَحدهمَا: لأ، الْقَمَر فِيهَا يُبَادر طلوعه غرُوب الشَّمْس. وَالثَّانِي: لامتلاء الْقَمَر وَحسنه وكماله. وَسميت بدرة الدَّرَاهِم بدرة لامتلائها، وَمِنْه قَوْلهم: عين حدرة بدرة: إِذا كَانَت ممتلئة.
776 - / 927 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة كَهَذا " وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى وَفرج بَينهمَا شَيْئا. [15] قَالَ الْأَصْمَعِي: الْيُتْم فِي النَّاس من قبل الْأَب، وَفِي غير النَّاس من قبل الْأُم. وَقَالَ ثَعْلَب: مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب الِانْفِرَاد، فَمَعْنَى يَتِيم: مُنْفَرد عَن أَبِيه، وَأنْشد:
(أفاطم، إِنِّي ذَاهِب فتثبتي ... وَلَا تجزعي، كل النِّسَاء يَتِيم)
[15] قَالَ: ويروى يَتِيم، ويئيم، فَمن روى بِالتَّاءِ أَرَادَ كل النِّسَاء ضَعِيف مُنْفَرد، وَمن روى بِالْيَاءِ أَرَادَ: كل النِّسَاء يَمُوت عَنْهُن أَزوَاجهنَّ. قَالَ: وأنشدنا ابْن الْأَعرَابِي:
(ثَلَاثَة أحباب فحب علاقَة ... وَحب تملاق، وَحب هُوَ الْقَتْل)

(2/281)


[15] فَقُلْنَا لَهُ: زِدْنَا: فَقَالَ: الْبَيْت يَتِيم، أَي مُنْفَرد. [15] وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: إِذا بلغ الصَّبِي زَالَ عَنهُ اسْم الْيُتْم، يُقَال مِنْهُ: يتم ييتم يتما ويتما، وَجمع الْيَتِيم يتامى وأيتام، وكل مُنْفَرد عَن الْعَرَب يَتِيم ويتيمة. قَالَ: وَقيل أَيْضا: أصل الْيُتْم الْغَفْلَة، وَبِه سمي الْيَتِيم لِأَنَّهُ يتغافل عَن بره. والمراة تدعى يتيمة مالم تتَزَوَّج، فَإِذا تزوجت زَالَ عَنْهَا اسْم الْيُتْم. وَقيل: لَا يَزُول عَنْهَا اسْم الْيُتْم أبدا. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْيُتْم: الإبطاء، وَمِنْه أَخذ الْيَتِيم، لِأَن الْبر يبطئ عَنهُ. [15] وَأما كَفَالَة الْيَتِيم فمعناها الْقيام بأَمْره وتربيته.
777 - / 928 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " من يضمن لي مَا بَين لحييْهِ وَمَا بَين رجلَيْهِ أضمن لَهُ الْجنَّة ". [15] الْإِشَارَة إِلَى اللِّسَان والفرج. وَالْمرَاد بِالضَّمَانِ الْوَفَاء بترك الْمعاصِي بهما.
778 - / 929 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: هَل أكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النقي؟ يَعْنِي الحوارى. [15] وَقَوله: مَا بَقِي ثريناه: أَي بللناه بِالْمَاءِ. وَأَصله من الثرى وَهُوَ التُّرَاب الندي.

(2/282)


779 - / 930 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ النَّاس يؤمرون أَن يضع الرجل الْيَد الْيُمْنَى على ذراعه الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة، قَالَ أَبُو حَازِم: وَلَا أعلمهُ إِلَّا ينمي ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وضع الْيَد الْيُمْنَى على الْيُسْرَى مُسْتَحبّ فِي الصَّلَاة عندنَا، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، ولمالك رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا كَقَوْلِنَا، وَالثَّانيَِة: أَنه غير مُسْتَحبّ، إِنَّمَا هُوَ مُبَاح. [15] وَفِي ينمي لُغَتَانِ فتح الْيَاء وَضمّهَا. وَمَعْنَاهَا رفع الحَدِيث. قَالَ الزّجاج: نميت بالشَّيْء نَمَاء: إِذا رفعته، وأنميته إنماء مثله. [15] 780 / 931 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: قَالَ سهل: مَا عدوا من مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا من وَفَاته، مَا عدوا إِلَّا من مقدمه الْمَدِينَة. [15] الْإِشَارَة إِلَى التَّارِيخ. وَأعلم أَنه لما أهبط آدم من الْجنَّة وانتشر وَلَده، أرخ بنوه من هُبُوطه إِلَى أَن بعث الله نوحًا، فأرخوا مبعث نوح إِلَى أَن كَانَ الْغَرق، فأرخوا من الطوفان إِلَى نَار إِبْرَاهِيم. فَلَمَّا كثر ولد إِسْمَاعِيل افْتَرَقُوا، فأرخ بَنو إِسْحَق من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى مبعث يُوسُف، وَمن مبعث يُوسُف إِلَى مبعث مُوسَى، وَمن مبعث مُوسَى إِلَى ملك سُلَيْمَان، وَمن ملك سُلَيْمَان إِلَى مبعث عِيسَى، وَمن مبعث عِيسَى إِلَى أَن بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وأرخ بَنو إِسْمَاعِيل من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى

(2/283)


بِنَاء الْبَيْت، وَمن بِنَاء الْبَيْت حَتَّى تَفَرَّقت معد. وَكَانَت للْعَرَب أَيَّام وأعلام يعدونها، ثمَّ أَرخُوا من موت كَعْب بن لؤَي إِلَى الْفِيل. وَكَانَ التَّارِيخ من الْفِيل إِلَى أَن أرخ عمر بن الْخطاب من الْهِجْرَة، وَإِنَّمَا أرخ عمر بعد سبع عشرَة سنة من الْهِجْرَة، وَذَلِكَ أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كتب إِلَى عمر أَنه تَأْتِينَا من قبلك كتب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ فأرخ، فَاسْتَشَارَ عمر الصَّحَابَة فِي ذَلِك، فَقَالَ بَعضهم: أرخ لمبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ بَعضهم: لوفاته. فَقَالَ عمر: بل نؤرخ لمهاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن مهاجره فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل، فأرخ لذَلِك. وَاخْتلفُوا بِأَيّ شهر يبدأون، فَقَالَ عُثْمَان: أَرخُوا الْمحرم أول السّنة. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: كتب التَّارِيخ بمشورة عَليّ.
781 - / 932 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " فِيهَا مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشر ". [15] اعْلَم أَن نعيم الْجنَّة لما كَانَ غَائِبا نَاب الْوَصْف عَن الْمُشَاهدَة. وَإِنَّمَا يُوصف مَا قد رئي جنسه وَمَا يعرف شبهه، فوصف الله عز وَجل للْمُؤْمِنين مَا يعْرفُونَ من المطاعم والأزواج والفرش والقصور وَالْأَشْجَار والأنهار، ثمَّ درج الْأَغْرَاض فِي قَوْله: {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين} [الزخرف: 71] ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فِيهَا مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب تشر " وَهَذَا لِأَن النُّفُوس تحب الْأَشْيَاء

(2/284)


المتجددة والغربية. فَلَمَّا كَانَ مَا قد رَأَتْهُ وَسمعت بِهِ وَمَا يخْطر بالقلوب عِنْدهَا مَعْرُوفا، أخْبرهَا بِوُجُود مَا يزِيد على ذَلِك مِمَّا لم يبلغ إِلَى مَعْرفَته، إِذْ لم تَرَ جنسه، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} [السَّجْدَة: 17] وَقد جعل ذَلِك فِي مُقَابلَة قيام اللَّيْل حِين قَالَ: {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} [السَّجْدَة: 16] فأخفى جزاءهم لأخفائهم عِبَادَته فِي الدجى. وَقَول الْقرظِيّ: إِن ثمَّ لكيسا. أَي عقلا وافرا. حِين أخفوا مُعَامَلَته، وَفِي إخفاء الْمُعَامَلَة اقتناع بِرُؤْيَة الْمَعْمُول مَعَه.
782 - / 933 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائطنا فرس يُقَال لَهُ اللحيف. الْحَائِط: الْبُسْتَان. [15] وَفِي اسْم هَذَا الْفرس ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: اللحيف بِالْحَاء. وَالثَّانِي: اللخيف بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ مَذْكُور فِي الحَدِيث أَيْضا. وَالثَّالِث: النحيف بالنُّون والحاء الْمُهْملَة، ذكره بعض أهل التَّارِيخ. [15] وَقد ملك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَفْرَاس: أَحدهمَا: اسْمهَا السكب، وَهُوَ أول فرس ملكه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: المرتجز، وَهُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ من الْأَعرَابِي، فَشهد فِيهِ خُزَيْمَة بن ثَابت. وَبَعض الروَاة جعل الاسمين لفرس وَاحِد. وَالثَّالِث: اللزاز، فرس اشْتَرَاهُ لَهُ الْمُقَوْقس. وَالرَّابِع: الظرب. أهداه لَهُ ربيعَة بن الْبَراء. وَالْخَامِس: الْورْد، أهداه لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ. وَالسَّادِس النحيف. وَالسَّابِع: اليعسوب. وَكَانَت لَهُ النَّاقة

(2/285)


الْقَصْوَاء، وَهِي العضباء، وَهِي الجدعاء. وَكَانَت بغلة تسمى بالشهباء وبالدلدل، وَكَانَ لَهُ حمَار يُقَال لَهُ يَعْفُور.

(2/286)